بعضنا يظن النعم التي حازها في دنياه "عوضا" من الله عز وجل على صبره أو حسن صنيعه وعبادته يوما..
بعد أن كنت ممن يكررون هذا اللفظ كثيرا.. سيأتي العوض.. سيعوضني الله.. أصبحت أتحفّظ عن هذه الكلمة رغم أن لها جانب صحيح فهو سبحانه لا يضيع عمل عامل.. لكن ما جعلني أتحفظ هو أن هذه الجملة غالبا ما يقصد بها العوض الدنيوي.. وهذا خلل..
أولا، بأي شيء استحققت العوض؟
هل بعباداتك؟ هل بصبرك؟
بالله عليك أي عبادة هذه التي تتشبع بعدها باستحقاق العوض على الله؟
هل أتيت بها على حقها دون أي نقص؟ هل حفظتها بعدما أتممتها أم أنك اجترحتها بالسيئات بعدها وبالحديث عنها؟
وعلى فرض تحقيق ما سبق.. ألم تكن إثر قيامك بها منغمسا في نعم تفضّل عليك بها مولاك؟! فهل تلك العبادة توفي حق تلك النعم فضلا عن أن تضمن لك حق العوض بعدها؟!
على ما ترى نفسك مستحقا عليه العوض؟
يا سبحان الله ما أجرأنا عليه وما أقل حياءنا منه سبحانه! صدقا..
أما ثانيا، فالعوض على فرض قدومه (وهو في الحقيقة محض نعمة منه سبحانه لا أنك استحقيته كما قال ابن القيم) هو نعمة من نعم الدنيا.. وكل نعم الدنيا جُبلت على النقص..
وأغلب من يتكلم عن العوض ينطلق من منطلق فردوسي غير موجود واقعا فيتصور عوضا لا نقص فيه ولا شقاء! محض فرح وسرور ونعم متتالية دون تعب، لا تشوب النفس حيالها خوف فقد أو ملل .. إنما عوض جميل ينسيك كل ما مضى..
الشيء الذي ربما لا يتحقق فيما تحوزه من نعم.. فكما قلنا الدنيا مجبولة على الكدر والنقص..
فلعل توقعاتك غير الواقعية تجرك نحو السخط عن ربك والعياذ بالله فتُصدم بأن العوض الذي عليه بنيتَ دافع عبادتك ربما ما كان عوضا بل كان في حد ذاته اختبار وتمحيص.. فيصيب نفسك ما يصيبها من الإحباط ولعل الشيطان يدخلك من هذا الباب فيزرع في نفسك مشاعر الغضب والسخط عن ربك والعياذ بالله..
لذلك احذر من هذا المدخل.. فلعل مفاسده أعظم من محاسنه..
العبد المتذلل لربه يرجو رحمة ربه لأن ربه رب رحيم، لا لأنه مستحق لتلك الرحمة..
يرجو النعم والعافية في الدنيا لا لأنه يستحقها ولكن لأنه يتعامل مع الرزاق الجواد الكريم سبحانه..
اعرف قدرَك وحقارتك، بل وحقارة أعمالك!
واعرف ربك وعظمته وعظم تفضّله ومنّه عليه..
والزم الذل لمولاك فذاك ما يليق بعبد مثلك.. وإن تركت باب الذل فاعلم أنك لزمت باب الهَلَكَة.
والله المستعان.
#لله_قلمي