وندر منهن من سلكت سبيل الرجال في اللدد والخصومة وافتراع الجدل واللجاجة فيه، وذلك حادث في الندور؛ لتوفّر منها وشدة تحصيل، أو نشوئها في قوم يساوونها بالرجل فسلكت سبيله وتساوت في منزلته، لكن الأكثر على ما ذكرت.
وقال نصيب:
بنفسي كل مهضوم حشاها
إذا ظلمت فليس لها انتصار
..
وقال ابن الدمينة يعني محبوبته:
.
بَنَفْسِي وأَهْلي مَنْ إذا عَرَضُوا لَهُ
ببعضِ الأَذَى لم يَدْرِ كيفَ يُجيبُ
.
وَلمْ يَعْتَذِرْ عُذْرَ البَريءِ ولم يزلْ
به سَكْتَةٌ حتى يُقال مُريبُ
..
وقال جرير يشير إلى ضعفهن:
إن العُيونَ التي في طَرْفِهَا حَوَرٌ
قَتَّلْنَنَا ثُم لم يُحْيِيْنَ قَتْلاَنَا
.
يَصْرَعْنَ ذَا اللّبِّ حتى لا حرَاكَ به
وهُنَّ أَضْعَف خَلْقِ الله أَرْكَانَا
.
قال الشنقيطي رحمه الله: وإن ضعفَ أركان المرأة وضعف عظامها ولينها وأنوثتها جمالٌ فيها يستوجب محبتها ويزيد الميل إليها، وكذلك عدم إبانتها في الخصام من جميع محاسنها ولين أُنوثتها الذي يجلب القلوب إليها بخلاف الرجال، وهذا في جِبِلاَّت العقلاء فإنهم يُشَبِّبُون ويذكرون من محاسن النساء لينها وضعف أركانها، وعدم إبانتها في الكلام. انتهى.
وقد كانت نساء العرب ينهين بناتهن عن سلوك سبيل خصام الزوج واللجاجة فيه، قالت إحداهن:
بنيّتي إن نام نامي قبله
وأكرمي تابعه وأهله
ولا تكوني في الخصام مثله
فتخصميه فتكوني بعله
..
فما زالت تلك عادة العرب يعرفون هذه الصفة منها، فيأنفون من مخاصمة امرأة؛ لأنها إما أن ترده بجواب مسكت يشين قدره ويضع من منزلته؛ لحسن إتيانهن للسخرية والهزل والتندر والمعابة، وأن المتعرض لهن متعرض لحرَم لا يجسر عليه ذوو العقول والألباب، وقد كثرت في كتب القوم أجوبة النساء المسكتة التي جعلت المتعرض لهن أضحوكة. وإما أن تسلك به سبيل الردح وعلو الصوت وطلب النصير فتحمر لها أنوف- إن حقًّا وإن باطلًا- فيورد نفسه الموارد.
وما زال الرجال الكرام يأبون أن ينزلوا بهذه الساحة، ويعافون هذه الطريق، ولكن الزمان زمان عجيب لا تكاد تقضي العجب من الرجال يقفون للنساء ردحًا بردح وتندرًا بتندر، فلا يخرمون من خلقهن شيئًا. حتى إن بعض النساء عابت ذلك، فقالت: ما بال هؤلاء يزاحموننا في أنوثتنا؟!
.
وما عجبٌ أن النساء ترجلت
ولكن تأنيث الرجال عجيب
- أحمد عبد الحميد