أولاً: السنن الكونية لا تميز أحداً بحسب اعتقاده.
لقد وضع الله سبحانه وتعالى قوانين وسننًا كونية تحكم شؤون الحياة، تعمل بعدل مطلق دون تمييز بين مؤمن وكافر.
فمثلًا، من يجتهد في عمله ويخطط وينفذ مقومات النجاح في الزراعة أو الصناعة أو التكنولوجيا، فإنه يحصد ثمار جهده.
يقول الله تعالى: “كلًّا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا” (الإسراء: 20).
هذه الآية تبيّن أن الله يمنح من فضله لجميع خلقه، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين، طالما أنهم يأخذون بأسباب النجاح المادية.
فالدول التي تتقدم اقتصاديًا وتقنيًا حققت ذلك باتباعها هذه القوانين الكونية، مثل الإبداع، التعليم، التخطيط، والعدل المؤسسي.
ثانيًا: السنن الشرعية مرتبطة بالإيمان والطاعة
السنن الشرعية هي التي تتعلق بالإيمان وما يليه من سلام داخلي، أو رضا إلهى فتزداد البركات والعطايا.
الله سبحانه وتعالى يقول: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” (الأعراف: 96).
إن هذه البركات لا تقتصر على النجاح المادي، بل تمتد لتشمل سعة العيش، والطمأنينة، والمودة، والرحمة، وحياة متوازنة بعيدة عن الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي تعاني منها كثير من الأمم المضطربة في نفسيتها ومشاعرها وسلوكها (كالغرب) رغم ازدهارها المادي.
ثالثًا: الابتلاء للمؤمنين سنة إلهية
يقول الله تعالى: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب” (البقرة: 214).
الابتلاء سنة إلهية لا بد منها للمؤمنين، لأن رفع الدرجات لا يتحقق إلا بالاختبار، فحياة المؤمن قصيرة في الدنيا والآخرة هي الحياة الدائمة والباقية، بينما قد يُمْهَل الكافر ويُعطى له المزيد من النعم ليزداد في غيّه وطغيانه.
يقول الله: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار” (إبراهيم: 42).
الازدهار المادي للكافرين هو أحيانًا استدراج من الله كما يقول تعالى: “سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين” (الأعراف: 182-183). فهو يُمهلهم لعلهم يتوبون، أو ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
رابعًا: مسؤولية المسلمين تجاه التراجع
إن ما يعانيه المسلمون من ضعف لا يدل على قصور في الإسلام، بل يكشف عن تقصيرهم في الالتزام بسنن الله الكونية والشرعية.
يقول الله: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد: 11).
فحينما تخلّى المسلمون عن العلم والعمل، وانتشر بينهم الفساد والفرقة، فقدوا الريادة التي منحها لهم الله يوم كانوا يقودون العالم بالعدل والتقوى.
الخلاصة: تفسير التقدم المادي للكافرين
إن تفوق مثل هذه الأمم (التي كفرت بوحدانية الله، وارتطمت بصخور المادة واللذة الفانية) ماديًا، يعود إلى اتباعهم سنن الله الكونية، بينما تخلف المسلمين يرجع إلى تقاعسهم عن الأخذ بهذه السنن.
مع ذلك، فإن هذا التقدم لا يعني البركة أو الرضا الإلهي؛ فالله يبتلي المؤمنين لتقويمهم أو رفع درجاتهم، وقد يستدرج الكافرين بالنعم حتى تحين ساعة الحساب.
التوازن بين الأخذ بالأسباب الدنيوية والالتزام بالشرع هو ما يحتاجه المسلمون للعودة إلى مكانتهم التي أرادها الله لهم: فهم أصحاب المنهج الكامل الذي يحتوى على الأخذ بأسباب الدنيا، وتعميق الإيمان في القلب، والنظر للآخرة.
✍️ محمد سعد الأزهري
#الأسرة_أمن_وأمان@usraaman