والمعنى : أنه تعالى بيَّن أن جميع النعم من الله تعالى، ثم إذا اتَّفق لأحدٍ مَضرَّةٌ تُوجب زوالَ شيء من تلك النعم فإلى الله يجأر، أي : لا يستغيث أحدا إلا الله تعالى لعلمه بأنه لا مَفزع للخلق إلا هو، فكأنه تعالى قال لهم : فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاء والسلامة !!
ثم قال بعده : " ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون " فبيَّن تعالى أن عند كَشف الضر وسلامة الأحوال يفترقون، ففريقٌ منهم يبقى على مِثل ما كان عليه عند الضر في أن لا يفزع إلا إلى الله تعالى ، وفريق منهم عند ذلك يتغيَّرون فيشركون بالله غيرَه، وهذا جهل وضلال.
قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله :
في اليوم الذي كنت أكتبُ هذه الأوراق - وهو اليوم الأول من محرم، سنة اثنتين وستمائة - حصلتْ زلزلةٌ شديدة وهَدَّةٌ عظيمة وقت الصبح ورأيتُ الناس يَصيحون بالدعاء والتضرع، فلما سكتَت وطاب الهواءُ وحسُن أنواع الوقت، نسُوا في الحال تلك الزلزلةَ، وعادوا إلى ما كانوا عليه من تلك السفاهة والجهالة، وكأن هذه الحالة التي شرَحها الله تعالى في هذه الآية تجري مَجرى الصفة اللازمة لجوهر نفس الإنسان.
- الإمام الرازي-