«لا تخلو كلُّ أمَّة من أخلاط النَّاس، ولا يكملون قاطبةً في العقل والفهم والمعرفة والحلم. وليس يجوز أن تطالَب الأمَّةُ كلُّها أنَّ يكونوا تامِّين في هذه الخصال، مع كثرة عددهم الذي لا يحصيه إلاّ اللَّه عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ العالَم قد امتلأ من أهل الشَّرائع، وهم مجبولون على طبائع مختلفة وأخلاق شتَّى. ففيهم الكامِل والنَّاقص، والعالِم والجاهل، والسَّفيه والحليم، والعاقل والأحمق؛ بل أهل العقل والعِلم والحِلْم والمعرفة هم الأقلُّون عَددًا في كلِّ شريعة… وليس فِعْلُ السُّفهاءِ، الذين يسيئون آدابَهم، بحجّة للملحد على العلماء وذوِي الألباب؛ فإنَّ أهل العلم والمعرِفة لا يدفَعون النَّظر ، ولا يَكِيعُونَ عن الحُجَجِ والبراهينِ».
ثم أشار إلى معنى لطيف في تحليل الطبيعة الجمهورية للأتباع، وأن أهل الأقوال الزائغة قد لا يكون فيهم ما يقع من أتباع الديانة من هجر بالقول واستطالة بالحق والباطل = لقلة عددهم وندرة أتباعهم، يقول: «لو وَجَدَ الملحد على اعتقادِه وأصل مقالتِه أتباعًا يكونُ لهم أدنَى عددٍ، لكانوا لا يَخْلونَ مِنْ هذه الأخلاقِ التي قد جُبِلَ عليها عوامُ النَّاس؛ لأنَّ الجميع، إذا كَثُرَ، لم يَخل مِن هذه الطَّبقاتِ؛ ولكنَّ الملحد لم يجد مَنْ تابَعَه على مقالته وأصل اعتقاده إلاَّ مَنْ ينقُص عددُهم عن عدَدِ أصابعه!».