Out of Season @out_of_season Channel on Telegram

Out of Season

@out_of_season


Out of Season (English)

Welcome to Out of Season, a Telegram channel dedicated to all things related to off-season travel! If you're someone who loves exploring destinations when they are less crowded and more affordable, then this is the perfect channel for you. We curate travel tips, tricks, and recommendations for those looking to experience unique and hidden gems during the off-peak months. From snowy getaways in the spring to beach vacations in the fall, we cover it all. Join us on our journey to discover new and exciting destinations when they are "out of season" and experience the world in a whole new light. Follow us on Telegram at @out_of_season and start planning your next adventure today!

Out of Season

21 Dec, 16:09


إن نشاطي الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي ليشهد على أن توافر الأنظمة "الرديئة" المتنوعة أفضل بكثير للحرية من وجود نظام واحد "فاضل"، ذلك أنَّ كلَّ منصة من منصات السوشيال ميديا، بما في ذلك أهمها، لم تخلُ من تقيد وصول منشوراتي إليها، وتحميلها قيودًا تفرض عليَّ، بشكل مستمر، من منع المراسلة والتعليق والمشاركة. تبدو الحقيقة واضحة جلية لكلِّ ذي بصيرة، أن البدائل المتنوعة المتاحة، التي تنتمي إلى سياسات متباينة، قد أسهمت في ازدهار الأيديولوجيات والأفكار التي كانت قطعًا ستحرم من أن تنال تغطية كافية في الصحف والجرائد أو المنصات الرسمية السائدة بين عامة الناس. يذكّرني ذلك بما كان عليه الحال في الأزمنة الخوالي التي سبقت ظهور الدولة الحديثة، إذ لم يكن لدولةٍ واحدةٍ، لا شريك لها، أن تستأثر بنظام إداري يفرض سطوته على تجمعات بشرية مختلفة، فينصهر منها ما كان متبايناً تحت وقع سيفه المتقد وصولجانه المتلألئ. لا يريح ضميري أن أؤمن بإمكانية إقامة نظام يستوعب الحرية، إذ أراه لا أراه سوى حلاً مرضيًا لعموم البشر من الخانعين ومتوسطي الذكاء ومناهضي المغامرة. أما أنا، فأرى أنَّ الحرية الحقَّة لا تكون إلا في حالة فوضوية، في تلك المساحات الواسعة التي لا يستطيع أحدٌ أن يفرض سلطانه عليها، وفي تلك الأماكن التي يعصف بها الصراع الحاد دون أن يظفر بها أحدٌ من الأطراف المتحاربة. الحرية لا تحتاج سوى إلى مقدار ضخم من التناقضات التي لا يمكن لنظام الواحد أن يضبطها دون أن تنفجر به.

Out of Season

21 Dec, 15:34


غالبًا ما ينصبُّ الاهتمام الذي يَحظى به منفذو العمليات الإجرامية الكبرى ذات الدافع الأيديولوجي على جوهر ما يعتقدونه من مضامين فكرية خالصة، كأنّما نَسِيَ الناس أنّ وراء الفعل الإنساني عوالقَ شتّى من مشاعرَ وأهواء. ومع ذلك، لم نبلغ حتى اليوم صيغةً قاطعةً لفهم الصلة بين معتقدات الإنسان وما ينعكس منها في سلوكه المباشر. فإنّ آلاف البشر يتشبّثون بأفكار ومعتقدات لو قُدّر لها التطبيق لأورثت الجرائم وأذاقت العالم شرّها، بيد أنّ هذه الأفكار عند كثيرٍ منهم لا تعدو كونها أدواتٍ للتماهي الاجتماعي، أو وسائلَ لإظهار الحذق، أو ذرائعَ لتعويض نقيصةٍ ذاتية، أو رغبةً في الفوز بحُظوة في محيطٍ معين. إنَّ افتراضَ علاقةٍ مُحكمة بين الفكر والسلوك يُشبه ما لو ظنّ المرء أنّ البشر آلاتٌ خاليةٌ من حِسٍّ أو هوى، تُغذّى بالفكر فتُخرِج السلوك على صورةٍ نقية لا يشوبها اضطراب، غير أنّنا كائناتٌ يتنازعنا خليطٌ من أهواءٍ متضاربة وعواطفَ هائجة تُحيل المعتقد إلى مسالك مختلفة وربما متعارضة. وأحسب أنَّ في غرور الإنسان ما يصرفه عن الإقرار بأنه ليس مجرد ما يؤمن به أو يعتقده، بل قد يكون مركزُ الثقل في أفعاله كامنًا في دوافع جسمانية مادية تُدرك بالقياس والمعاينة، أكثر ممّا هو قائمٌ على تصوراتٍ فكرية مجردة. وإن كنتُ لا أنكر أنَّ للأفكار والمعتقدات دورًا في تشكيل الواقع، فإنّي أرمي إلى التشكيك في التصور السائد الذي يجعل العلاقة بين الفكر والسلوك آليةً محضة لا تخطئ مسارها. لعلّ لهذه الأفكار، التي لا أنكر قوة أثرها وعمق جذورها، عواملَ أخرى تؤثر فيها من باطن النفس وظاهر الحال، عواملَ ليست فكريّةً على النحو المألوف. فلو أخذنا النموذج الذي يردُّ السلوك إلى المعتقدات والأفكار مباشرة، لوجدنا فيه ثغراتٍ واسعةً تعوق تصوّر الرحلة التي يقطعها المعتقد حتى يصير سلوكًا ظاهرًا. وإلا، كيف نفسّر أنّ هؤلاء "المتعصبين" الذين يفيض كلامهم بالولاء لأفكارهم لا يُسفرون جميعًا عن أفعالٍ متطابقة؟ بل إنّ هناك من يكبلهم ضعفٌ دفين، أو عارٌ اجتماعي، أو استسلامٌ لأنماط معيشة قاهرة، أو نزاعاتٌ نفسية تُحيل السلوك إلى مسارات متباينة. فلِمَ لا نحيل النظر إلى تلك الطرائق التي تقود حاملي السلاح أو زارعي المتفجرات نحو أهدافهم، بدلًا من أن نختزل القضيّة في معادلةٍ بليدة تفترض أن الفكر الخالص يؤدي حتمًا إلى النتائج المترتبة عليه، كأنّنا بصدد مسألةٍ رياضية نلَقّنها لطالب مدرسة!

Out of Season

20 Dec, 22:14


إن بذل العناء في سبيل الكماليات ليس سمة يتفرد بها العصر الحديث وحده. فكثير من الشواهد التاريخية تفيد بأن جموع الناس، على اختلافاتهم، قد سعوا دائبين لتحصيل كماليات كان أثمن ما احتوته هو مكانتها الاجتماعية والثقافية، واتفاق الناس على ترميزها بما يفيد القوة والثراء والرقي الثقافي. يقول فرناند بروديل: "إن البذخ والكماليات لم يكونا أبعد من ضرورة اجتماعية للنخب؛ فقد صنعا لتأكيد التفوق، ورسم الحدود بين الطبقات، وخلق مساحة رمزية للتميز." كما كان للكماليات وعلامات الرفاه دور هائل في تشكيل الأسواق العالمية وفتح أبواب التجارة بين الحضارات، حيث غدت الكثير من السلع التي يسهل المجادلة بأن من الممكن استغلال قيمة تحصيلها في ما تزيد فائدته ويعم نفعه على المدى الأبعد موضع طلب بلغ حد الهوس والافتتان. حظيت أشياء مثل السكر، والحرير، والشوكولاتة، والقهوة، والبورسلان الصيني، والتوابل، والعطور العربية، والأقمشة الهندية المطرزة، والتبغ، والعاج بقيمة ثقافية عالية لندرتها وارتباطها ببعض الترميزات الثقافية التي جعلت بذل الكثير من الجهد والأموال لأجل تحصيلها أمرا مستساغا. يؤكد بروديل أن السعي وراء الكماليات كان محركا أساسيا للتجارة الدولية. فعلى سبيل المثال، أدى الطلب الأوروبي على السلع الفاخرة الشرقية، مثل البورسلان والتوابل، إلى توسع طرق التجارة البحرية واكتشاف العالم الجديد. ومن منظور التاريخ العالمي، لم تكن هذه الكماليات مجرد "رفاهيات" فحسب، بل عوامل لتحفيز الإنتاج والتجارة أدت إلى نشوء أنظمة اقتصادية عالمية معقدة. بحسب بروديل: "الكماليات ليست زائدة عن الحاجة؛ بل كانت، في بعض الأحيان، المحرك الأساسي للتوسع الاقتصادي، وجزءا من المشهد اليومي للنخب التي تحدد توجهات السوق." ويضيف في موضع آخر: "إن فهم الكماليات ليس فقط في قيمتها المادية، ولكن في قدرتها على تغيير المجتمعات، والاقتصادات، والهويات الثقافية."

Out of Season

17 Dec, 21:07


للتو أنهيت عمل سام بيكنباه "ذا وايلد بنش" (The Wild Bunch)‏ . تتعرض هذه التحفة لعالم عصابات التخوم التي تفصل بين أمريكا والمكسيك في ظل التحولات الحديثة التي طرأت على المنطقة، والتي إثرها ظهرت علامات النكوص والتدهور على عالم رعاة البقر المسلحين، الذين لطالما كانوا إحدى رموز ثقافة هذه البقعة. تدور الحبكة حول صراع بين رجلين من رعاة البقر فرّقت بينهما الأقدار، ثم أعادتهما إلى لقاءٍ محتوم. حيث يقرر بايك بيشوب، الرجل الذي تظهر عليه علامات العجز، اقتناص فرصة أخيرة قبل التقاعد. يظهر بايك مع مجموعته متشحين بأزياء الجند ويسطون على إحدى مقرات السكك الحديدية. لكن سرعان ما تكشف الأحداث أن موقع هذه العملية هو في واقع الأمر كمين أعده ديك ثورنتون، صديق بايك الذي افترق عنه إثر دخوله السجن. تشتعل الأجواء بعد أن يكشف أحد رفقاء بايك حقيقة الكمين المُعد، وما أن يبدأ إطلاق النار، نجد أنفسنا فجأة نشهد مجزرة تتطاير فيها أشلاء الجثث كما تتطاير قطرات النبيذ في حالات الاحتفال. لكن بعد أن ينجح بايك وجماعته في الفرار، تبين لنا الأحداث أن مصير ثورنتون ووجوده خارج القضبان مرتهن بالإمساك بصديقه القديم، الذي بدوره يصاب هو وجماعته بالإحباط بعد أن علموا حقيقة الفخ الذي أُعِّد لهم، وأنهم لم ينالوا من سرقتهم إلا حلقات معدنية لا تساوي بضعه دولارات. بعد ذلك، يقرر بايك التوجه إلى المكسيك، وبالتحديد إلى قرية أحد أفراد عصابته، التي يسيطر عليها الجنرال ماباتشي، فيكتشفوا أن الجنرال قد أودى بحياة كثير من أهل القرية وأنزل بها الخراب. وعلى الرغم من رغبة صديقهم المكسيكي في الانتقام لأهله، تتورط الجماعة مع الجنرال في عملٍ يعود على الطرفين بالفائدة. تسير الأحداث، وتُعقد الصفقات بين الأطراف، حيث تعمل جماعة بايك للجنرال المُخِّرب، ويعمل ثورنتون وعصابته هو الآخر للقبض على بايك، لكن الأحداث لا تسير دائمًا وفق ما تقتضيه المصلحة، فنجد عالم رعاة البقر الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الجيوش التي تبسط نفوذها هنا وهناك يسيّر مجرى الأحداث. فلا تزال قيم الولاء والصداقة والشرف حاضرة، ولا يزال رعاة البقر يقررون على أساس قيمهم القديمة، معارضين مصالحهم في أكثر من مناسبة. لا تسمح مسيرة الأحداث بجعل المشاهد يميل نحو طرف من الأطراف، فليس ثمة أخيار وأشرار في هذه التخوم، بل صراع مستمر لأجل البقاء في عالم لم يعد فيه مكان لنمط الوجود الذي اعتاده أولئك الرفاق. يحتوي الفيلم مشاهد عنيفة لا حصر لها، وفي كثير من الأحداث، يستحيل العنف إلى مجزرة تامة تودي بحياة المئات، وتتحطم فيها روابط ومصالح وتحالفات بعيدة الآفاق لأجل عالم الرعاة الذي لا يزال صامدًا بعض الشيء رغم الظروف المعادية. في مطلع الفيلم، نجد مشهدا يُبرز جماعةً من الأطفال يُحيطون بعقربٍ تلتهمه جموع النمل، وهو مشهد رمزي يظهر فيه العقرب، المهيب في هيئته، مُحاصرًا بقوى صغيرةٍ ولكنها جماعية ولا تُقاوم. وكما يذوي العقرب أمام ذلك الغزو الزاحف، فإن رجال "العصابة المتوحشة"، بقية العالم الآفل، يُسحقون أمام عجلات الحداثة المتسارعة. النمل هنا رمزٌ للمستقبل المتكاتف، والعقرب ظل للماضي المتفرد، وبينهما دائرة محكمة من التغيير الذي لا يرحم، أجاد بيكنباه رسم معالمها بعبقرية تُزاوج بين الموعظة والدماء.

Out of Season

16 Dec, 16:50


سئمت تلك الفرضية التي تنص على أن الفكر والتأمل لا يساويان شيئًا إن لم يُثمرا في دنيا العمل، وكأن الفكر مقدرٌ عليه أن يلبس ثوب التطبيق، ويجوب بين أرجاء الحياة اليومية ليبحث عن ما يعين الإنسان في معيشته ويزيد من رفاهيته. وما علموا أن في هذا الطرح ظلمًا وجورًا على روح الإبداع، وتكبيلًا لآفاق النفس، وسجنًا لها في ضيقٍ لا يتعدى هموم العيش وشواغل نهارها وليلها. ألا يدرك صاحب هذا القول أن أعظم صور الفكر قد نبتت في أذهان أولئك الذين ابتعدوا عن المشاغل العامة ورفعوا أبصارهم إلى قمم التأمل، فلم يروا في الدنيا إلا عالم الأفكار؟ كانوا كالصيادين، يطاردون فرائس خفية، غفلت عنها عيون من انغمسوا في أمور الأرض، ولم يكن مقصدهم من هذه المطاردة أن ينالوا لحم الفريسة أو يصيبوا منها نفعًا، بل كانوا يتطلعون إلى فهمها في ذاتها وإدراك حقيقتها، ليس لشيء سوى إرواء ظمأ نفوسهم للمعرفة، واستجابة لدافع غامض يشعل فيهم الدهشة والفضول. أي ظلمٍ هذا الذي يقع في حصر قيمة الفكر في مردوده العملي؟ أليس في هذا تضييق على النفس المفكرة؟ وأين نحن من أن ندرك أن الذين أشعلوا شرارات الحكمة الأولى كانوا أبعد الناس عن السعي وراء المنفعة الدنيوية؟ لقد اجتمعوا حول شعلة الفكر في معابد الزهد وكنائس التأمل وأديرة الخلوة، حيث عزلوا أنفسهم عن صخب السوق وضجيج الدنيا، وبذلك ورثت تلك المشاعل جامعاتنا وأكاديمياتنا، ولكنها أبت أن تتخلص من عباءة المنفعة، فغدت تقيم للفكر وزنًا بقدر ما يثمر من نتائج وأرباح. لا بد من أن يعي أبناء عصرنا أن صور الفكر الأولى لم يُنشئها الطوباويون السياسيون والثوار، ولا رجال السياسة القائمون على أمور الدول، ولا أصحاب الجاه والنفوذ، ولا المحاربون وأصحاب الشوكة، بل أولئك الذين عبروا حدود المدنية، المغتربون الذين كشف لهم الغربة مجالًا حطم في أعينهم مشكلات المدنية التي يخالها المرء العادي أرقى شئون البشر. ألم يقل أرسطو في ثنايا كلماته، وإن لم يصرح بذلك، أن الفيلسوف متخط للمدينة؟ صحيحٌ في كتابه "السياسة" وسائر مصنفاته، كان يؤكد على أهمية المدينة في تحقيق الكمال الإنساني، إذ كان يرى أن الإنسان بطبيعته حيوانٌ مدنيٌ لا يكتمل وجوده إلا في إطار مجتمع سياسي، ولكن في مواضع أخرى، وخاصة في "الأخلاق إلى نيقوماخوس" (الكتاب العاشر)، تحدث عن حياة قائمة على التفكر الفلسفي المنعزل، وهي عنده أسمى أنواع الحياة وأكثرها استقلالًا. وهذا المسلك التأملي يفهم منه أن الفيلسوف يعيش حياةً تتجاوز الارتباط العملي بشؤون المدينة. في تقاليد الفكر القديم، نجد تمييزًا بين المسلك التأملي وعالم المشاغل الحياتية. ففلاسفة ما قبل سقراط كانوا مشغولين بسؤال الطبيعة ولم يلتفتوا إلى أحوال البشر ومدنيتهم. بل منهم من ثار عليها، واعتبرها عدوًا لمسلك التأمل. أما الفلاسفة الذين جاءوا بعدهم، فقد أصروا على أن الفلسفة ينبغي أن تسير الحياة، وألا تكون تابعًا للحاجات العملية. ثم جاء فلاسفة الكنيسة، فأفاضوا عقولهم في معرفة العالم الذي نظمته الحكمة الإلهية، فغلبوا المسلك التأملي على المسلك العملي. وعندما ضعف شوكة الإيمان، ورثت النزعات الإنسانية والأيديولوجيات الطوباوية الفكر وجعلت منه أداة لتحقيق رغباتها في الارتقاء، فأصبح الفكر بروميثيًا، أي أكثر نفعية وأداتية. فأضحت غاياته محددة سلفًا، فلا الدهشة هي التي تحركه، بل إرادة القوة التي تضم مرادها وغايتها. وقد تناول شتراوس هذه المشكلة، حيث ناقش الفروق بين القدماء والحديثين في غاياتهم من التفلسف. فقد اتسمت الحداثة، كما رأى شتراوس، برغبة في إخضاع الطبيعة للمخططات العلمية، بينما كان القدماء يسعون للبحث عن الحقائق المطلقة والسعي وراء الفضيلة في نظام كوني محكم. فالقدماء مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو جعلوا غاية الإنسان في السعي وراء الفضيلة والحكمة، واعتبروا المدينة موطنًا لذلك المسعى. أما الحديثون فقد نبذوا هذا الميراث، فتبنى ميكافيلي السياسة كفنٍ للقوة والحيلة، ورأى هوبز في الإنسان ذئبًا لأخيه الإنسان، بينما جعل ديكارت العقل أداة للسيطرة على الطبيعة. ونتيجة لذلك، أصبحت الفلسفة الحديثة تهتم بتحقيق المنافع المادية، متغافلةً عن البحث في الفضائل العليا. شتّان بين القدماء والحديثين! فالقدماء رأوا العالم نظامًا أزليًا، والطبيعة كتابًا مفتوحًا يتأمله العقل ليهتدي به، بينما الحديثون جعلوا الطبيعة مادةً تُستغل، والإنسان سيدًا عليها. ولذا فإن ليو شتراوس رأى أن هذا التحول قد أوقع الفلسفة في أزمة عميقة. حيث غدت الفلسفة أداة في يد الإنسان لتحقيق القوة والسيطرة. في كل مرة أواجه فيها طرحًا يستند إلى ضرورة اقتران التأمل النظري بالنتائج العملية، أجد نفسي أتعجب من عمى الإيمان الذي يعيشه أولئك المفكرون الأحرار، أكانوا اشتراكيين أو ليبراليين أو غيرهم.
1

Out of Season

16 Dec, 16:50


فهذا الإرث الديني المُعلمن قد أصبح نزعة دوغمائية تقيد الفكر، وكأنها تقول: "إن لم تفكر على هذا النحو، فقد فقدت قيمة فكرك"، وكأن هذه القيمة قد استدل عليها معرفيًا وتم التثبت من صحتها، وبطلان كل ما سواها.
2

Out of Season

06 Dec, 03:57


بيَّنت لي الأيَّام إحدى مكنونات نفسي التي تُوجِّه دوافعي وتسيِّر دربي؛ بيَّنت لي أنني مهووس بحُكم عالمي وما ينطوي عليه من أشخاص وأفكار وأحداث، إلى حدٍّ يكاد يلامس الجنون. أسوِّد أوراقي كلَّ صباح لأرسم مسار يومي، ولا أفوِّت لحظة إلا وأنا أُسرف في إصدار الأحكام؛ أصوِّب وأُخطئ، أُرتِّب وأُحدِّد، لئلا يُثقل كاهلي الشك، أو تخنقني أيادي الغموض.

هوايتي الأولى تسمية الأشياء والحكم عليها والنيل منها قبل أن تنال منِّي؛ فما أجهله، أو ما لا أُحيط بكافَّة جوانبه، أعدُّه عدوًّا يتربَّص بي، أو في أهون الأحوال، مصيبةً محتملةً تُوشك أن تنزل بي. لكنَّ ما تكشفه الأيام أيضًا، في ضوء هذه الرغبة التي لا تنضب، أنَّ نفسي كلَّما أفلحت في حكم عالمها، وظفرت بغايتها في إحكام حدوده، غدا هذا العالمُ أثقل من أن يُحتمل.

ويكأنني سوَّرت مكاني وأحطته بالحُرَّاس، لئلا يقلق مضجعي حادث، أو يتطفَّل علي غريب، فإذا الأمان سجنٌ، وإذا الألفة جفاءٌ، وإذا الاطمئنان هياجٌ وقلق. وإنِّي وإن أدركت خطر هذه الرغبة، ووقفت على مساوئها، وخبرت عواقبها، لا أكفُّ عن إذكائها عمدًا؛ مرَّةً بدافع الغرور والكبر، ومرَّةً بدافع الحذر والقلق.

لقد نُصِحتُ مرارًا أن أترك الأيام تكشف مكنونها دون تجبُّر منِّي عليها أو عنادٍ معها، حتى سئمت الثقة فيها، ونفرت من الإيمان بها، كأنني لمَّا خُلقت، حُكم عليَّ بالنفي إلى عالمٍ فوضويٍّ لا تحكمه قوانين ولا تسيره شرائع، إلا ما ننتزعه بقوة الإرادة. فكأنَّ لا عالمَ حقيقيًّا إلَّا ذاك الذي أجرؤ على خلقه وتصوُّره.

أجهل إن كان ذلك من عنجهية الشباب وعِناده، أم هو طبعٌ متأصِّل ومصيرٌ لا فكاك منه. لكن لا يساورني شكٌّ في أنني لن أكفَّ يومًا عن التدخُّل في كلِّ ما يقطن عالمي، فرغبتي في حُكم عالمي، وإن زادته بؤسًا، أحبُّ إليَّ من أن أُسلِّم لحكم العقل بسوء العاقبة وبطلان السعي.

لعلِّي سأبقى هكذا؛ أكتب وأحذف، أخلق وأفني، أحيي وأميت، حتى تهدّ الأيام إرادتي، وتخمد نيران رغبتي، فأذعن لعقلي مكرَهًا مغلوبًا على أمري. لعلِّي سأبقى هكذا؛ أقدِّم عصبيتي لنفسي على رجاحة عقلي، حتى إذا أعياني السير، انتهيت مغلوبًا لا مستسلمًا.

Out of Season

22 Nov, 06:01


الاحتجاج بأن إرغام الناس على أمرٍ ما بغير رضاهم يُفضي إلى إشاعة النفاق وتوطيد المداهنة يغفل حقيقة أن السّواد الأعظم من البشر لا يمحصون النظر في أفعالهم تمحيصًا يُميّزون به بين ما يوافق هواهم وما يُخالفه حد الإكراه، بل يمتثلون لما يطمئنون أنه مفضٍ إلى أمانهم وراحة عيشهم. إن التفكّر في دوافع النفس واستقصاء علل الأفعال إنما هو شأن خاص، يُمارسه من أرهف حسّه بالدين أو شحذ وجدانه بالأخلاق، ولم يكن قطّ من مطالب الجماعات، التي يكفيها من الفرد أن يُظهر الامتثال، فتقيم عليه بذلك حكمها. ثم إن التفكّر في دواعي الأفعال، أهو طوع أم إكراه أم اقتناع، إنما هو كدٌّ عقليٌّ وشأنٌ يجاوز هموم العامة، إذ الإنسان في حال الفعل قلّ أن يعقل ذلك أو يُميّزه، بل يتعوّده بالتكرار ويتدرّب عليه حتى يصير كالسجيّة تحت سلطان الضمير، الذي يأمر بتنقية الأفعال وتنزيهها بقدر ما تطيق النفس. وأما الضمير وما يحتويه من محتوى ديني وأخلاقي، فلا يعني إلا من شغلوا أنفسهم بالخلاص في الدار الآخرة. لا تُطالب الجماعة الفرد إلا بالامتثال الظاهر لأوامرها ونواهيها، والرضوخ لعاداتها، وإن كان حاملًا في قلبه كرهًا لها، بل أنها قد تغضّ الطرف عن مخالفته إن كانت لا تهدد بقاءها ولا تنال من طريقتها في العيش. فإن الجماعات إنما تُعنى بحفظ وجودها وصَونِ نظامها، لا بخلاص أفرادها ولا بصلاح نفوسهم.

Out of Season

12 Nov, 22:48


إنّ أولئك الذين يتذمرون من قسوة الأحكام المخالفة يكشفون عن غير قصد وضاعة نفوسهم في كلّ موقف يُواجهون فيه نموذجًا مناقضًا لأهوائهم. فذاك الخوف من الوصم، هو في جوهره تعلّقٌ خفيّ بالأحكام المخالفة، يكمن في أعماق من يناوئونها. فالتحرر من قيود الأحكام إن لم يُفضِ إلى تحررٍ نفسيّ عميقٍ من قسرها وتبعاتها، فلا يعدو كونه تذمّرًا طفوليًّا من وطأة تكاليفها وثقل مسؤولياتها. هب أنّ جاري الوثنيّ قد عاب عليّ امتناعي عن تقديم القرابين لآلهته التي لا أقر بها، فهل يجدر بي، حينذاك، أن أشعر بنقصٍ في ذاتي لمجرد أني لا أستوفي معايير فضيلته؟ كلا، وألف كلا! فإن التحرر الحقّ إنما يستلزم ارتفاع النفس عن الحاجة إلى التوقف عند معاداة ما نتحرر منه، وألا نكون أبدًا أسارى لعداوته. فالتحرر يعني أن يزول القيد من أمام بصيرتنا، لا أن يكون وجودنا قائمًا فقط على ضده، بل أن نصبح في منأى عنه، ولا نلتفت إليه، ولا يعنينا من أمره شيء. وإن تسلّل إلينا، فإن موقفنا منه يجب أن يكون موقف المتسامي الساخر، أو غير المكترث. إنّ الأحكام لا تَفْنَى حين تُصبح مضادةً أو عدوةً، بل حين تغدو عديمة المعنى، فلا يستحقّ الاكتراث لها أن يُهدر فيه لحظة من العمر.

Out of Season

22 Oct, 16:04


I saw a video on Twitter of an American asking some young women who they would vote for and why. For Harris supporters, the most cited reason was abortion.
Some people believed that democracy would elevate the masses to a level of political responsibility. Unfortunately, what has happened is that their refined quasi-aristocratic version democracy has been reduced to serving individualistic and narcissistic impulses.

Personally, I believe that if democracy is to be feasible—something that depends on a wide range of factors, from geography to psychology, not just political theory—it must be limited to those whose lives and endeavors demonstrate political responsibility. The methods of assessment may vary, but the underlying principle remains valid: the majority of people should not be allowed to vote.

My point here is not about abortion per se, but about the base tendency to prioritize base impulses and narrow personal interests.

Out of Season

22 Oct, 15:28


لمتوسطي الذكاء فضلٌ كبيرٌ في إصلاح الكثير من المشكلات المتفاقمة التي تُفْتِرُ عزائم أصحاب العقول الفذّة، الذين يسقطون في أشراك اليأس أو يوهنهم الضجر وغياب المعنى، فتجهض همّتهم قبل بلوغ الغايات. فالذكاء الفذّ، إن لم يهتدِ لحكمة، ربما يُفضي إلى السقوط في فخاخ الحساب والعقلنة إلى حدٍّ يُكبِّل الأفعال ويجفف منابع قوتها. قد يدرك الفذّ ضآلة الجهود الفردية، ويرى في أفقه البعيد احتمال خسارتها وضخامة كلفتها في ضوء العمر القصير وما يعتريه من رغباتٍ تُلقي بظلها الثقيل على عزائم الإنسان، فيستسلم وينكفئ على ذاته، معارضًا هذه الحسابات التي لن تُرضي أنانيته. أما متوسط الذكاء، فغالبًا ما ينعم ببركات الذكاء دون أن يُبتلى بعوائق العقلنة المفرطة وحسابات المكاسب والمغارم التي من شأنها أن تنسف إرادة الفعل نسفًا. إذ إنَّ الفعل، متى ما ارتبط بذكاء مستمرّ التحليل، كثيرًا ما يُحرَم من قوة الحافز اللاعقلاني؛ تلك القوة التي يُجفّف الذكاء منابعها، فيجد صاحب الذكاء المتوسط سبيلاً للعمل، فيما يظل صاحب العقل الفذّ مشدوهًا أمام تعقيدات الحياة.

Out of Season

16 Oct, 13:56


A person’s moral sense is only truly manifested when it stands in opposition to their inclinations and pleasures. Take friendship, for example. In its ordinary state, it is not an ultimate arbiter of moral integrity, as one often befriends those whose desires align with their own in most matters. Likewise, love cannot serve as a measure of morality, even when it contradicts personal interest, for the lover's aim is often the beloved's happiness, a desire that supersedes self-interest. In this way, the lover's yearning for their beloved’s contentment becomes a sharper craving than any personal need.

Moral sense emerges when one's desires, interests, and cravings are confronted with obstacles, and it becomes clearest when the situation demands pain, sacrifice, or loss. This is why people test each other in moments of crisis, when no tangible reward is expected. It would not be an exaggeration to describe morality as a transcendence of the self, for it assumes a higher faculty unbound by personal motives. Morality is founded upon a duty that transcends self-interest, making it, by nature, aristocratic and heroic, grounded in the belief that the ideal principle outweighs any individual existence.

Out of Season

19 Sep, 16:21


It is this unrelenting interregnum that wields its silent dominion over the human spirit, rendering it void of vitality and lacking in luster. Within this state, no desire dares to assert its reign or vanquish its foes. What emerges is a spirit bereft of a ruler, a democracy fragmented, a masked chaos. It is the dread of pain that renders this condition preferable to most of us mortals.

Out of Season

17 Sep, 00:05


"لقد نلتُ شرفَ المأمورية في هذه الأنحاء حين كنتُ في الخامسة والعشرين من عمري، وحقًا، لعمري إنه لأمر يصعب تصديقه! كان جدي ووالدي من سادات القانون أيضًا، وقد تزامن تولينا المأمورية في ذات الفترة؛ فتولى جدي أمر بلانو، بينما كنت أنا المسؤول هنا. ولا ريب أن الفخر الذي كان يعترينا كان عظيمًا، وقد كنتُ أفتخر بمشاركته هذا الشعور. يُروى أن بعض أسلافنا من المأمورين كانوا لا يحملون السلاح بتاتًا، وهذه حقيقة قد تعجز الأذهان المعاصرة عن تصديقها. فقد كان جيم سكاربره الأصغر يمر في حياته دون أن يتقلد سلاحًا، وغاستون بوينكينز في مقاطعة كومانشي كان يرفض حمل السلاح أيضًا. كنتُ أغتنم كل فرصة للاستماع إلى حكاياتهم واستكشاف تفاصيل سيرهم. ولا يسع المرء إلا أن يقارن نفسه بهؤلاء الرواد، ويتساءل كيف كانوا ليتصرفوا في أزماننا هذه. لقد عرفتُ تجربةً شديدة الأثر مع شاب أرسلته بنفسي إلى مقصلة العدل في هنتسفيل، فكانت إدانته نتيجةً حتمية لاعتقالي إياه وشهادتي ضده. لقد ارتكب هذا الفتى جريمةً شنعاء، إذ أزهق روح فتاةً لم تتخطى الرابعة عشرة من عمرها. وقد أفادت الصحف أن دافع جريمته كان الغرام، بيد أن هذا الفتى نفى عن نفسه تلك العلة. فقد اعترف لي بأن القتل قد استولى على ذهنه منذ أمد بعيد، وأنه لو عاد به الزمن لأقدم على نفس الجريمة بلا تردد. وأضاف بجرأة أنه كان على يقين بأنه سيلقى حتفه في الجحيم، مهددًا بأنه سيصل إلى هناك في غضون خمس عشرة دقيقة. أجد صعوبةً في تفسير هذه الأقوال الغريبة، فإدراكي يعجز عن استيعابها. الجرائم التي نواجهها اليوم تتجاوز قدرتنا على الفهم والتقدير، وصدقًا، لم يكن خوفي من الموت هو ما يشغلني، فقد كنت مدركًا منذ زمن بعيد أن ممارسة هذا العمل تقتضي الاستعداد لملاقاة الموت. لكنني لا أريد أن أقدم حياتي فداءً لمواجهة شيء لا أفهمه. الرجل يحتاج إلى أن يعرض نفسه للخطر، وأن يقرر بكل يقين: 'حسنًا، سأكون جزءًا من هذا العالم بما يحمله من غرائب وأهوال.'"

تزامنت هذه الكلمات، التي استهلت عمل الأخوين كوين المعنون "لا بلد للعجائز"، مع صور تستعرض مشاهد طبيعة الغرب الأمريكي، التي لا يحجب جمالها قسوتها وخلو معظمها من مظاهر الحياة. تفيد الصورة حالة مكانية من الاتساع لطالما اقترنت بالفردانية والبطولة في الأفلام الأمريكية التي صورت هذه البيئة واحتفت بها. لكن في هذا العمل، تزامن تبدل مظاهر الطبيعة مع خطاب يعكس حالة من النوستالجيا تعارض ماضٍ قديم اعترته أحاسيس الأمان والاستقرار بحاضر فوضوي وعبثي أفاد "رجل القانون" العجوز بأنه يعجز عن استيعابه. مهد هذا التعارض إلى ظهور أنطون شيغور، المجرم المجسد للشر المطلق المستعصي على الاستيعاب. صورت الأحداث التالية شيغور كمجرم يتسم بعقلية باردة عديمة الرحمة، يزهق حياة الناس وفق لعبة يرى فيها تجسد القدر الذي لا يفلت من قبضته أحد. بيد أن أغرب ما فيه هو استعماله مسدس الصدمات الهوائية المستعمل في ذبح الماشية كأداة للنيل من ضحاياه. ومع سير الأحداث، يدخل شخص جديد بمحض الصدفة، ألا وهو ليويلين موس، الصياد الذي اجتره زمانه ليكون ضحية من ضحاياه. في جولة من جولات صيده المعتادة، وجد موس نفسه شاهدًا على أطلال معركة أودت بحياة الطرفين، ولم يتبقى فيها إلا حقيبة أموال يظهر أنها كانت محل الخلاف. بأي حال كان يمكن لموس أن يدرك أن هذا الكنز الذي أنار رحلة صيده سيجتره إلى مصير كمصائر الأشباح، حيث تلاحقه قوة مرعبة وشريرة لا تبقى ولا تزر، قوة تمتهن القتل وتربط أحداثه بخيوط القدر ومشيئته التي لا تنازع. وبذلك أضحى موس في مواجهة قوى تتجاوز خياله، وكأنما قدره كان يُنتزع من بين يديه وهو يخيل له أنه قد ظفر بالفوز أخيرًا. لقد مثل موس رمزًا للخلاف بين الطموح البشري ووطأة القدر، حتى صارت حياته مسرحًا لصراع يجسد فيه كل تعقيدات النفس البشرية وتجلياتها.

لقد ركز عمل الأخوين كوين على أكثر من فكرة بحيث يصعب جعله فيلم فكرة واحدة أو معنى واحد. فكما عرضت النوستالجيا وتجسدت في حال المأمور العجوز الذي عاش غريبًا في زمانه، وكما تجسد صراع القدر والحرية في مسيرة الأحداث التي دارت حول الصراع بين موس، البطل الذي أبى أن يسلم أمر نفسه لتصور ما عن القدر، وشيغور، المجرم الذي يؤمن أنه يد القدر في هذا الزمان، ويقتل بأداة لا تنال إلا من يسلِّم له أمره ويذعن للخوف، برزت ثيمات أخرى خلال الأحداث. فقد تناول العمل موضوع الشيخوخة والقدرة على مجاراة الأحداث والتكيف مع وطأة التغيرات الحياتية التي تغرب الكبار عن العالم، حيث ينفذ الشك أمامهم إلى صرح القيم التي ألفوها وظنوها قائمة ما دام العالم قائمًا.

Out of Season

13 Sep, 00:10


فيلم "Blood Simple" هو مرآةٌ تجلّت فيها النفسُ البشرية، بضعفها وشهواتها، وحيرتها ومكائدها. إن هذا العمل السينمائي ليس حكايةً عابرةً أو سرداً تقليدياً لجريمة، بل هو استعراضٌ لدهاليز الروح، حيث تلتقي مسارب الشك بنزغات الطمع، وتتصادم الرغبات.

ولعلّ عنوان الفيلم، "Blood Simple"، يكمن فيه من المجاز بقدر ما يحمل من الحقيقة؛ فهو إشارةٌ إلى ذلك التحوّل العقلي والنفسي الذي يعتري الإنسان إذا ما تلطّخت يداه بالدماء، فيصبح كالبحر الذي لا يُبصر عمقه إلا من أغرق فيه. هو ذاك الجنون الذي يتلبّس العقول حين ينغمس المرء في دوامة الجريمة، حيث تختلط الخطايا بالمخاوف، وتتداخل الحقائق بالأوهام، حتى ليغدو المرء في حيرةٍ من أمره، كمن يمشي في ليلٍ بهيم، تتخاطف أنظاره الظلالُ وتتعثر خطاه بالأحجار.

إنّ الفيلم، في مجمل أحداثه، يتهادى كسفينةٍ في بحرٍ من الشكوك، كلُّ مشهدٍ فيه يتلو الآخر كما تتوالى الأمواج، مشحونةً بالخداع والريبة. الشخصياتُ تتحدث لغةً ليست هي بالصدق الصريح، ولا هي بالكذب الفاضح، ولكنها تمزج بين النقيضين، فينتج عنها سلسلةٌ من التفسيرات الملتبسة التي تُسفر عن نهاياتٍ لم تكن في الحسبان. وهكذا، ترى كلّ شخصيّةٍ تظنّ أنها تمسك بزمام الأمور، بيد أنها لا تدري أنّها تُمسك بأطراف حبائل القدر، التي ما تلبث أن تُفلت منها لتدفعها إلى مصيرٍ مجهول، كمن يُلقي بنفسه في لجّةٍ لا يدري أين المفرّ منها.

وفي أرجاء هذه الحبكة، تتجلى سخرية الأقدار وعبثيتها، فترى الشخصيات تَنسُجُ خيوطها، كالعنكبوت، ظنًا منها أنها في مأمنٍ، وما هي إلا واقعةٌ في شراكٍ نصبتها أيديها. وهنا يتجلّى الفنّ في أعلى معانيه، إذ يأخذ بيد المشاهد إلى تلك البقعة الرمادية، حيث لا خيرٌ مطلق ولا شرٌّ مطلق، بل هي أفعالٌ تُؤدّي إلى نتائج، كلٌّ يدفع ثمنها من روحه وطمأنينته، كما يدفع المتسكّع في الصحراء حياته ثمناً لخُطوةٍ خاطئة.

ولا يغيب عنّا في هذا السياق حديث القدر الذي يضرب بمطرقه الحديديّ على سندان الزمن، فلا يترك حجراً على حجر إلا وهدّه، ولا أملاً في قلب إلا وأحال نوره ظلاماً دامساً. فالشخصيات، رغم محاولاتها للهروب من مصيرها، تجد نفسها دائماً عائدةً إلى نقطة البداية، كما يعود النهرُ إلى مصبّه، فلا مهرب من قبضة القدر وإن حاولت الأرواح أن تفلت.

وفي خاتمة المطاف، يُمكن القول إن فيلم "Blood Simple" هو قصيدةٌ سينمائيةٌ تُمثّل الصراع الأبديّ بين الإنسان وقدره، بين العقل وأهوائه، بين الشكّ ويقينه، في مزيجٍ من السرد البصريّ والحبكة المحكمة، ليكون شاهداً على عبثية الحياة وسخرية الأقدار التي لا تنفكّ تقلب الموازين رأساً على عقب، وتعيد ترتيب المشاهد في مسرح لا راحة فيه ولا طمأنينة، مسرحٍ عنوانه الوحيد: الحيرةُ والتخبّط.

Out of Season

04 Sep, 08:28


"مانشستر على البحر"، فيلم أبدعه كينيث لونيرجان، رسم فيه لوحةً قاتمةً بل أليمة، من معاني الأسى الإنساني وفواجع القدر التي تعصف بالنفس فتتركها حائرةً تائهةً بين حبال الذنب وأمواج الحزن. ولونيرجان في هذا العمل لم يسطر حكاية مأساة واحدة، بل رسم بريشة من الحزنِ لوحةً تنبضُ بتفاصيل العيش في ظلٍّ من الألم الدائم، حيث لا يُنتظرُ فرجٌ قريب ولا شفاءٌ مُستعجل، بل هو الوجعُ الذي يتوالى ويُرافق كل لحظةٍ من حياة من أُصيبوا بمصابٍ لا يندمل.

وفي قلب هذه المأساة، نرى بطل الفيلم "لي تشاندلر"، ذاك الرجل الذي أثقلته خطاياه وأدمته أوجاعُه، يسير في طرقات الحياة مثقلاً بحمله، مأسوراً بماضٍ مكلوم، يكادُ يُغرقه في لجةٍ من الأسى. فالفيلم، كما صرّح به المخرج، هو تأملٌ في طبيعة الفقد والندم، وليس مجرد سردٍ لأحداثٍ أو نهاياتٍ سعيدةٍ تأتي لتزيح عبء الحزن كما هي عادة الأفلام. هنا، الحزن لا يُدركه زوال، والذنب لا يجد في مسيرة الأيام كفارةً، بل يبقى كالجمر تحت الرماد، يشتعل كلما هبّت ريح الذكريات.

ولا شك أن لونيرجان، بعبقرية الأديب وبراعة المخرج، تفادى تقليدية الخلاص السريع أو الحلول الجاهزة، تلك التي عادةً ما تحاول السينما تقديمها لجمهورها كجرعة شفاءٍ كاذبة. بل اختار أن يعرض الألم بصورته الحقيقية، كظلٍّ دائم لا ينفك عن صاحبه، حيث يعيش البطل في تنازعٍ مستمر مع نفسه، دون أن يجد الراحة أو المخرج. في هذا التصوير، أراد لونيرجان أن يُبيّن أن جراح الروح لا تُعالج بالعزيمة وحدها، وأن بعض المآسي تبقى معلقةً كالغيم الداكن، لا تنقشع.

ومن العجيب أن يتخذ المخرج من بلدة "مانشستر-على-البحر" نفسها رمزاً مجسداً لآلام البطل، فكأنها هي الأخرى تشارك في حمل الوجع، وكأن لكل زاويةٍ وشارعٍ فيها قصةً تعود لتذكر "لي" بماضيه الثقيل. اختار لونيرجان هذا الموقع ليس فقط لجماله الساحر بل ليكون شاهداً على الصراع الداخلي، حيث يتحول المكان من مجرد خلفيةٍ للأحداث إلى شخصيةٍ حية، تشارك في السرد وتروي حكاية الجراح.

والفيلم، إذ هو تأملٌ في أعماق النفس البشرية، يبتعد عن الحلول السهلة والنهايات السعيدة، ويكشف لنا كيف أن الناس في حياتهم لا يُمنحون دائمًا فرصة الشفاء الكامل أو النسيان المطلق. هنا، كل شخصية تحمل جرحاً، وكل وجه يحمل قصة، ولا أحد يسلم من عبء ما حملته الأقدار. إن الفيلم يُقدّمُ حوارًا عميقًا بين الشخصيات مليئًا بالإشارات والرموز، حيث الصمت يُصبح بليغًا، والنظرات تعبر عما لا تقوى الكلمات على قوله.

ولم يغفل لونيرجان عن إدخال لمسات من الفكاهة، لا ليلطف من وطأة الحزن، بل ليعكس حقيقة الحياة في تناقضاتها. ففي أعماق الألم قد نسمع ضحكةً، وفي ذروة الفاجعة قد نرى لمحة من الأمل، وهذه هي الحياة في جمالها وقسوتها، وفي فكاهتها وجديتها.

ثم يأتي الحديث عن الأسرة ومعناها في "مانشستر على البحر"، حيث يبرز "لي" كوصيٍّ على ابن أخيه "باتريك"، وهي مسؤولية تفرض عليه التعامل مع علاقات معقدة لا تزداد إلا عمقًا مع كل مشهد وكل حوار. إنها تبرز كيف يمكن أن تكون الروابط الأسرية مصدرًا للشفاء، ومصدرًا للألم في آن واحد.

Out of Season

02 Sep, 08:43


https://app.ask.fm/althusius5548

حساب آسك

Out of Season

26 Aug, 10:03


تعلّمتُ من دروب الحياة وأيامها أن الأخطاء القابلة للتكفير لا تُعَلّم الإنسان كما تُعَلّمه الأخطاء التي لا يُغتَفر لها. أعني تلك التي تؤدي إلى نهاياتٍ مغلقة، وتُسَدّ أمامها أبواب الأمل. هذه تظلّ دروسها محفورةً في أعماق النفس، تسري في الدماء ولا تفارقها أبداً.

Out of Season

24 Aug, 05:54


"أظنُّ أنَّ أرحمَ ما في هذا العالم هو عجزُ العقل البشري عن احتواء كل ما فيه من أسرار ومعانٍ. إنَّنا نعيش على جزيرةٍ هادئةٍ من الجهل، محاطةً ببحارٍ قاتمةٍ لا تُحدُّ، ولم يُقدَّر لنا أن نغوص في أعماقها. وهذه العلوم، التي يَجد كلُّ منها في مجاله بُعدًا ونفعًا، لم تلحق بنا الضرر الكبير حتى الآن؛ ولكن قد يأتي يومٌ يُفضي فيه ترابط المعارف المنفصلة إلى كشف آفاقٍ مرعبةٍ من الواقع، وتعرية مكانتنا المزعجة فيه، فيتجلى أمامنا عالمٌ قد يُصيب عقولنا بالجنون من هول ما نكتشف، أو يجعلنا نهرُب من نورٍ مهلك إلى أمان وسلام عصرٍ مظلمٍ جديد."

― هوارد فيليبس لافكرافت

Out of Season

24 Aug, 05:44


"إنَّ النفسَ الدنيئةَ تتميَّزُ بأنَّها تُبقي منفعتها نُصبَ عينيها، فلا تغفل عن غايتها ولا تنأى عن بُغيتها، بل تُرسِّخُ في فكرها حسابَ المكاسبِ وتقييمَ المنافع، فتنأى بنفسها عن الأعمال التي لا طائلَ من ورائها، وتعتبر هذا التدبيرَ حِكمةً وفِطنةً. وأما النفس الرفيعة، فإنها أكثرُ تَخَبُّطًا في ميدان العقل، إذ أنَّ الإنسانَ النبيلَ، الكريمَ، والمضحي، يَخضَعُ لدوافعِه، ويذوبُ في لحظاتهِ الأسمى، فتتلاشى منه الحِكمةُ ويغيبُ عنهُ العقلُ. كما أنَّ الحيوانَ الذي يُخاطرُ بحياته لحماية صغاره، أو يتبعُ الأنثى في موسم التزاوج حتى وإن واجه الموتَ، لا يُفكِّرُ في المخاطر ولا في الموت؛ بل يتوقَّفُ عقلُه، ويُسيطرُ عليه سرورُه بأبنائه أو أنثاه، فيصبحُ أكثرَ حُمقًا مما كان عليه، كما هو حال الإنسان النبيل. فهو يحمِلُ في داخله لذَّاتٍ وآلامًا بقدرٍ من الشدَّة، تجعل العقلَ إمَّا أن يَصمتَ أمامَها، أو يَنصاعَ إليها، فينقل القلبَ إلى الرأس. إنَّهُ العقلُ المغلوب، أو المنطقُ المعكوس للانفعال، الذي يحتقرُه الرجل الدنيء في الفرد النبيل، خصوصًا إذا انصبَّ على أشياءٍ يراها بلا قيمةٍ أو سُخفٍ، فينبذُهُ حين يسقطُ أسيرَ شهوةٍ بطنية، لكنهُ يفهمُ هذا السقوط ويُدركُ طغيانَ الإغراء. أما أن يُضحيَ الإنسانُ بصحتهِ وكرامته حبًا في المعرفة، فذلك ما لا يستوعبُه. فذوقُ النفسِ الرفيعة يتوجَّهُ إلى أمورٍ استثنائية، وإلى أشياءٍ لا تؤثر في الناس عادةً، ولا تبدو ذات طَعمٍ أو لذَّةٍ؛ فالنفسُ الرفيعةُ لها ميزانٌ فريدٌ في تقديرِ الأمور."

― نيتشه (بتصرف)

Out of Season

24 Aug, 05:39


إنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يخجلونَ حين تنكشفُ أمامهم عوراتُ العقائدِ التي تَحكُمُ حياتهم وتَستَعبِدُ ألبابهم، فيَسيرونَ في حَياةٍ خاليَةٍ مِنَ التأمُّلِ كالسُّفُنِ في بَحرٍ مُضطَرِبٍ بلا مِقْوَدٍ ولا هُدى. أمَّا المفكِّرُ الذي يَرفُضُ أن يُقيِّدَ بقيودِ الجهالةِ، ويأبَى أن يُظلَّلَ قلبُه بأستارِ الخديعة، فإنَّه يجدُ نفسَه وحيدًا في صحراءِ الشكِّ؛ وحيدًا تَغتالهُ الحيرةُ من كل جانبٍ، وتُحاصرهُ المحنةُ العُظمى: محنةُ الشكِّ التي لا تذرُ نفسًا إلا وهزَّتها، ولا قلبًا إلا وزلزلته.

Out of Season

20 Aug, 00:55


غرور العلوم: لن تَسْتَطِيعَ العلومُ الطبيعيةُ أن تعزيني عن جهل الأخلاق في أوقات الشدائد. ولكن، علمُ الأخلاقِ سيظل دائمًا يسكبُ في نفسي الطمأنينةَ ويعوضني عن جهل العلومِ الطبيعيةِ.

ــ تأملات بليز باسكال

Out of Season

20 Aug, 00:53


إن غاية سعيي أن أبين كيف يمكن للحياة والفلسفة والفن أن يرتبطوا بعلاقة أعمق وأوثق، بحيث لا تكون الفلسفة سطحية، ولا تغدو حياة الفيلسوف خالية من الصدق.

ــ نيتشه (شُذُور من ربيع 1885 إلى ربيع 1886)

Out of Season

20 Aug, 00:48


يتعذر على المنطق الصارم أن يجابه تيار المشاعر المتأججة، إذ إن الأول لا ينفذ إلى عمق احتياجاتنا الفطرية الملحّة كما تفعل الثانية. فالفكر الصارم يظل دائماً غريباً عنّا، كأنه مستعار من عقل غير عقولنا. في إعمال الفكر نفي مذل للذات وحاجاتها الدنيا، وعليه، لطالما ظل الفكر الصارم دوماً مقترناً بالزهد والتقشف في المطالب. التفكر بطبيعته فعل تنسكي، يقتضي الانفصال عن شهوات النفس وتطلعاتها.

Out of Season

20 Aug, 00:47


إن من أعظم ما يهدئ النفس ويطفئ لهيبها، هو أن تتذكر تلك الحالة الشعورية الثائرة التي ظننتها خالدةً لا زوال لها، إذ كانت تهيمن على قلبك وتستولي على وجدانك، فما كنت ترى منها مهربًا ولا مفرًا. ولكن حين يدور الزمان دورته، وتشهد عليه الأيام بما حملته من تجارب وأحداث، تجد تلك الحالة قد تلاشت كغيمةٍ عابرة، وتبددت كما يتبدد الضباب عند شروق الشمس، فتدرك حينها أن لا شيء يبقى على حاله، وأن الزمان هو الشاهد الأعظم على تبدل الأحوال وهدوء العواصف، فتغدو نفسك أهدأ بالاً وأعمق يقينًا بأن ما يثور اليوم قد يخمد غدًا، وأن ما ظننته دائمًا قد يكون إلى زوال.

Out of Season

17 Jun, 10:45


تشهد تجمعات الأطفال والمراهقين على حقيقة أن الإنسان لا يولد خيرًا ومحبًا للآخرين تمامًا وبعد ذلك يتم إفساده من المجتمع أو من أي كيان فوقي آخر، فتلك الفئات نظرًا لأنها محررة من المسؤولية التي تقيد سلوكيات الكبار وضامنة لإحساس عالٍ بالرعاية والأمان، وفوق ذلك، قادرة على التنصل من مسؤوليات الأفعال، تميل إلى التعبير بحريةً مطلقة أو شبه مطلقة عن أحاسيس الإنسان الفطرية تجاه الآخرين دون مواربة أو خجل. في هذه التجمعات يزدهر الإحساس الفطري بالتميز الخَلْقيّ والسلوكي عن الآخرين، ولا يخجل المتمايز من التعبير عن إحساسه بتميز الأشياء أو دونيتها كما يخجل الكبير، ولا تحجَّم الأحاسيس لتوافق نقطة التوازن التي تحقق الحد الأدنى من الرضى لجميع الأطراف. ولا يحدث عكس ذلك إلّا تحت تسلط الكبار الذين يورثون أساليبهم في قمع الأحاسيس لصغارهم.

Out of Season

11 Jun, 15:54


إن المرء يقتنع اقتناعاً راسخاً بخيار العزلة بعد تأكده بالبراهين المتتالية من أن الحياة العقلية والأخلاقية للغالبية العظمى من الناس شديدة البؤس والإنحدار ، وأسوأ ما فيها نواقصهم العقلية والنفسية التي تتجمع لتُخرج إلى حيز الوجود ظواهر بشرية تشمئز منها النفوس وتقشعر لها الأبدان وتجعل أي اختلاط بهم أمراً لا يُطاق.."

آرثر شوبنهاور