لا يعترف السيِّد عطار بتخصص الطِّب، فالعطارة مهنة أجداده، ولا يتنكر لأجداده إلا خسيس الطبع، ولا يقرأ المجلَّات العلمية بل يتلو حزب الإمام الشَّاذلي ودومًا ما ينجح بحسب ما يدَّعي، وبعد آخر جراحة أعصاب تفضَّل بها مشكورًا مات المريض! وصار يجادل بأنَّ المطلوب كان إنقاذ المريض لأنَّ حالته صعبة بغض النظر عن مؤهلاته وعن النتائج التي لا يد له فيها.
لا يعرف أحدٌ أنَّ عطَّارًا استشارَ أيَّ متخصص سواه في حياته، فهو يشخِّص بفراسة المؤمن، وقد أخبرته خالته وهو صغير عن رؤيا رأتها فيما يرى النائم حيث كان يصافح أبقراط، فعلم منذ ذلك الحين أنه سيكون من كبار الأطباء في العالَم، قيل له يومًا بأنَّ العلم لا يضمن النتائج بنسبة تامة لأنَّ الإنسان لا يعرف كل شيء، لكن بدون العلم ستكون النسبة المرتفعة في الموت لا العلاج، رفض ذلك لأنَّ الله هو الذي يحيي ويميت، وهؤلاء ملاحدة لا يعوِّلون على مدبِّر الكون، فلا تعني له الاحتمالية شيئًا، ما دام الأمر ممكنًا في رأسه، ويبقى علاج المرضى يحتمل نسبة الخمسين في المئة أن ينجح.
والعطار رجل مؤمن، كثيرًا ما يأمر زبائنه بالصَّلاة على النبي مع وصفاته السِّرية التي يشاع أنَّه استلها من كتاب يُدعى (شمس المعارف الكبرى) للبوني، ورغم أنَّه لم يعالِج مريضًا على وجه التحقيق إلا أنَّه يصر على أنَّ أكبر المتخصصين بالجراحة قد يقعون في أخطاء بشرية، لكنَّه يصرُّ على أنَّ أفعاله ليست مثلهم إنما ينتهي عمر المريض المكتوب سابقًا في اللوح المحفوظ بين يديه.
ويرفض أن يصحح له أحد أو يراجعه أحد، بل كلُّ أولئك المعترضين على طريقة تحليله للأمور، قد باعوا أرواحهم للشيطان هكذا قرأ في كتاب نسي اسمه، ويفاخر بأنه خبير بالميتافيزيقا، فما من يوم تخرج فيه دفعة من أرواح المرضى بعد إعماله يديه في جراحهم إلى عالم الآخرة، حتى يقف على رؤوس الناس يشرح لهم الحكمة العظيمة وراء ذلك، حيث يدَّعي بأنَّ ذلك خيرٌ لهم فقد كانت تنتظرهم أمراض أخرى على وجه الدنيا، ويأمل أن يتعرَّف على مرضاه في حياة أفضل.
اعترض مرة عليه أحد متعلِّمي المدينة، بأنَّه لا يعترف به طبيبًا فجمع عطَّار الناس، وأشهدهم على ما يقوله ذلك المهرطق، هكذا سمع بعض القساوسة ينطق هذا الوصف، وقال لهم: انظروا له، فضلًا عن اعتراضه على الأقدار الإلهية، فإنه يريد أن يمنع العطارة في البلد! يرفض علاج المرضى ومساعدة الناس، أي قلب منكوس يحمله هؤلاء المتمدينون!