* المبالغة في إنكار فضل ليلة النصف من شعبان ومزيتها عما سواها ثم الغلو في الإنكار على طالب فضلها - خاصة حال صدوره مِن كل مَن هبّ ودبّ - جهلُ وطريقة فاسدة في التعامل مع الآثار وأقوال أهل العلم، وتخصيصها بالاجتهاد في العبادة - من قيام أو ذكر أو صوم يومها ونحو ذلك - هو قول جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا، وإنما بُولِغ في الإنكار من طائفة على من يجتمعون لإحيائها في المسجد أو يذكرون الله فيها بذكر مخصوص، فلا تحرم نفسك من الخير والأجر والتعرض لنفحات الله في هذا الزمن العظيم!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ناصر السنة والأثر: "ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد رُوي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة"، ثم ذكر أن من السلف والخلف من أنكر فضلها، ثم قال: "لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر"
......
* ما الدعاء المناسب لليلة النصف من شعبان؟
لا تختص هذه الليلة بدعاء معين، ولكن يكثر المرء من التوبة والذكر عمومًا، ومن الدعاء بالرضوان والغفران وستر العيوب وتفريج الكروب، فإن هذا أعظم مطلوب، ومن أعظم الدعاء في هذه الساعات الشريفة الدعاء لإخواننا في غزة وسوريا والسودان وكل بقعة من الأرض!
ولا يصح تخصيص هذه الليلة بأدعية وآيات مخصوصة، فإن ذلك بدعة غير حسنة.
......
* ما الذي ينبغي أن يفعله المرء في هذه الليلة؟
قال الحافظ الإمام الفقيه زين الدين ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: "فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى و دعائه بغفران الذنوب و ستر العيوب و تفريج الكروب و أن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب
( فقم ليلة النصف الشريف مصليا ... فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه )
( فكم من فتى قد بات في النصف آمنا ... و قد نسخت فيه صحيفة حتفه )
( فبادر بفعل الخير قبل انقضائه ... و حاذر هجوم الموت فيه بصرفه )
( و صم يومها لله و أحسن رجاءه ... لتظفر عند الكرب منه بلطفه )
و يتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة و قبول الدعاء في تلك الليلة"
......
* من لا يستطيع / تستطيع الصوم والصلاة .. ماذا تفعل؟
عليكِ برأس العبادة، الدعاء والذكر والمناجاة في ظلمة الليل، وتفكر ساعة خير من قيام ليلة، والتوبة لا تحتاج إلى طهر من حيض، وهي من أعظم ما يجتهد فيه المرء في هذه الليلة، فعليكِ بالتضرع ولا يصدنك الشيطان عنه بهذه الوساوس
( بكيت على نفسي و حق لي البكا ... و ما انا من تضييع في شك )
( لئن قلت أني في صنيعي محسن ... فإني في قولي لذلك ذو إفك )
( ليالي شعبان و ليلة نصفه ... بأية حال قد تنزل لي صكي )
( و حق لعمري أن أديم تضرعي ... لعل إله الخلق يسمح بالفك )
......
* إن كان الله سيغفر لأهل الأرض جميعا إلا مشرك أو مشاحن، فلماذا أجتهد في العبادة في العبادة والذكر؟
لأن الناس لا يتساوون في العطايا الإلهية بتلك الليلة، وهل يستوي من نام وغفل بمن أسهر عينه منتظرًا نزول ربه، مشتاقًا لمناجاته، متشوّفًا لرحمته ومغفرته؟!، ونحن مساكين، ذنوبنا كثيرة، وأعمالنا قليلة، وحاجتنا للمغفرة عظيمة ..
ثم هل منتهى آمالك يا مسكين أن الله سيغفر لأهل الأرض؟
أما لك حاجة تريد أن تسأل الله إياها؟
أما في قلبك شوق مضطرم تريد أن تطفئه ببرد الأنس به؟!
أما لك إخوان مكروبون تريد ألا تغفل عنهم ولو بالدعاء؟!
— د. كريم حلمي.