فلسفة القوامة في الإسلام .
بينما كنت أتحدث عن عدل الإسلام وعمق معالجته للقضايا الإنسانية والوجودية .. قاطعني شاب , فقال لي : ولكن الإسلام ظلم المرأة !
قلت له : كيف ذلك ؟
قال : جعل القوامة في يد الرجل وسلبها حريتها !
قلت له : حسنا يا صاحبي , دعني أحدثك عن مجموعة من الشباب مختلفين في أذواقهم وشخصياتهم وخلفياتهم الثقافية ذهبوا في رحلة لمدة ثلاثة أشهر , ولم ينصبوا لهم رئيسا يرجعون إليه عند اختلافهم وتعدد رغباتهم ...
هل تتوقع أن رحلتهم تلك سوف تنجح وتسلم من المنغصات والمفسدات في الغالب ؟
قال : لا , الغالب أنهم سيتخلفون كثيرا , وتصبح رحلتهم كثيرة المنغصات والمكدرات , وربما تفسد ويقومون بإلغائها .
قلت له : فما الحل الصحيح ؟
قال : أن يبادروا إلى اختيار أمير لهم , يضبط الأمور عند الاختلاف ويرجح بين الرغبات المختلفة , ويقوم بالإشراف عليهم .
قلت له : إذا رغبوا في اختيار أميرهم , هل سيختارون أي شخص فيهم , أم لا بد أن يختاروا شخصا ذا مواصفات معينة تناسب الإمارة ؟
قال : بلا شك , لن يختاروا أي شخص , وإنما يختارون الشخص الذي يتصف بالصفات التي تناسب الإمارة .
قلت : أليس في ذلك ظلما للآخرين لأن الأمير سيقيد حرياتهم ؟!
قال : لا , بل هذا الأمور ضروري حتى تستمر رحلتهم بلا منغصات ولا مكدرات .
حينها قلت : هذا هو المعنى الذي أسسه الإسلام في قضية الولاية .
يا صاحبي : الزواج عبارة عن رحلة شريفة طويلة تدوم سنوات , تبدأ بشخصين مختلفين في أذواقهما وأنماطهما , ثم تنمو مع الزمن , فلا بد من قائد يقوم بالإشراف على متطلبات هذه الرحلة وأمير يرجح بين الرغبات المختلفة , حتى تسلم تلك الرحلة الشريفة من المنغصات والمفسدات .
ثق تماما يا غالي أن رحلة الزواج الطويلة لا يمكن أن تدوم وتسير بلا منغصات وبلا مفسدات إلا بوجود الولاية والإمارة , وإذا لم توجد سيكون مصيرها في الغالب إلى الفساد أو الزوال .
ولا أظنك تخالفني أيها النبيل أن الرجل من حيث الأصل هو الأقدر على الإمارة في تلك الرحلة الشريفة , والأنسب في الإشراف عليها ؛ لأنه يتصف بالصفات التي تناسب طبيعة تلك الرحلة وصعوبتها , من الصبر والتحمل والتعقل والخبرة الحياتية اليومية وغيرها .
نعم , لا أنكر أن بعض أفراد النساء هم أفضل من بعض الرجال في تلك الأمور , ولكني أتحدث عن العموم والنوع وليس عن الحالات الفردية , والقوانين العامة تبنى على العموم وليس على الحالات الفردية في كل الأنظمة المعروفة .
فالإسلام يا صاحبي حين شرع القوامة لم يخرج عن مقتضيات العقول السوية , وإنما هو جار في ذلك على ما يقر كل العقلاء بوجاهته ووجوبه .
ثم إن الإسلام حين جعل القوامة في يد الرجل لم يجعلها مطلقا يتصرف فيها كيف يشاء , وإنما يقيدها بقيود كثيرة تساعد على استمرارها وانضباط الرجل في الالتزام بها , ولم يجعلها حقا مطلقا يستبعد به الرجل المرأة , كلا , بل هي إشراف عام , وإمارة مقننة تزيد من انضباط تلك الرحلة الشريفة وسعادتها .
هذه فلسفة القوامة في الإسلام يا صاحبي .
أطرق صاحبي برأسه قليلا , وقال بصوت خافت : نعم , كشفت لي عن معنى لم أكن مدركا له , وتبسم .
د. سلطان العميري
#وليس_الذكر_كالأنثى
#لتسكنوا