كان حظ بولادكشمي جيدًا..لأن عشرات ألوف الفتيات في الهند يتم وأدهم شهريًا دون أثر..عام 2007 قامت الشرطة بتفتيش إحدي المناطق المملوكة لعيادة أشعة فوق صوتية..لماذا؟..هل تتهرّب العيادة من الضرائب مثلًا؟..لا..بل استأجرت منطقة مجاورة وفيها دفنت مئات الفتيات اللواتي قتلن بعد ولادتهن فورًا..مدّ رجال الشرطة حبالًا إلي بئر ضحل مجاور للعيادة، ثم التقطوا عشرات الأجنة المدفونة، وكذلك جثث فتيات قُتلن فورًا عند الولادة..لن أنسي ما حييت تلك المشاهد التي رأيتها في وثائقي BBC تحت عنوان India's Missing Girls..كان الأمر حقًا أشبه بمقبرة جماعية لقرابة 40 فتاة.
هل تتخيّل؟..خلال آخر 30 سنة تم التخلص من 12 مليون جنين أنثي، بحسب دراسة البروفيسور بارافات جاها من مركز الصحة العامة في تورنتو..تُعرف هذه الممارسة في الهند باسم ‘‘ Gender Selection‘‘..عندما تعلم الأم بحملها، تذهب لإجراء اختبار تحديد الجنس، وإن كانت المولودة فتاة..فإنها في الأغلب سوف تُقتل بإحدى طريقتين..الأولى هي إجهاضها..أما إذا فات أوان الإجهاض..تقوم الأسرة بالانتظار حتي ولادة الطفلة ثم تفعل أحد أمرين..إما خنقها بوسادة أو دفنها حية..كم طفلة تُقتل في الهند، إما بالإجهاض أو القتل بعد الولادة؟..مانيكا غاندي وزيرة المرأة والطفل سابقًا تُجيب برقم صاعق..2000 يوميًا.
لماذا تُقتل الفتيات علي هذا النحو في الهند؟..المهر..أسرة الفتاة هي التي تدفع المهر للعريس..وكلما كانت الأسرة فقيرة، كلما عجزت عن تزويج البنت..تصبح الإبنة عبء..تأكل وتشرب وربما تتعلم..لمَ كل هذا إذن؟..قتلها وهي جنين أو رضيعة أسهل من دفع مهرها..هناك أسر فقيرة تتمكن من دفع المهور..تبيع مواشيها وربما كوخها لتدبير ألوف الروبيات..لكن الزواج ليس أبدًا حبل النجاة..لأن أسرة الزوج لن تتوقف عن طلب المال..هناك قصة قرأتها في التليجراف قبل سنوات..عن فتاة دفع أهلها مهرها..حماتها كانت دومًا تُعايرها بلون بشرتها الداكن..لم تتوقف الأمور هنا..الحماة ذهبت لوالد الزوجة وطلبت تعويض عن بشرة ابنته..ليس تعويض وإنما ابتزاز.
لكن الأب باع واستدان لدفع ما يُعادل 2500 سترليني حفاظًا على زواج ابنته..لكن الحماة كانت ترغب في زوجة أكثر بياضًا لابنها، وبالطبع مهر جديد..ماذا فعلت؟ استدعت زوجة ابنها..أغلقت الباب..وأشعلت فيها النيران حتي الموت..في نفس فيلم ال BBC إن لم تخني الذاكرة..شاهدت قصة عروسة اسمها ‘‘ريشاما جانيش‘‘، حماتها كانت تكرهها وترغب في زوجة أخرى بيضاء لابنها..فما كان منها إلا أن أحرقتها حيّة..وإلى الآن لا أنسى ذلك المشهد وأنا أشاهد العروسة ريشاما والحروق تُغطي جسدها ولا تنقطع عن البكاء، بينما تمسك بورقة تُلون عليها بعض الرسومات..هذه الظاهرة تُسمي في الهند ‘‘حرق العرائس/ Bride burning‘‘..كم زوجة تُحرق حتي الموت سنويًا؟ الأرقام الرسمية تقف عند 9000، وتقديرات المنظمات غير الحكومية تذهب لأربعة أضعاف ذلك الرقم.
ماذا تتوقع أن يحدث عندما تُقتل الفتيات عند الولادة؟ بالطبع خلل ديموجرافي فادح..قدّرته نيودلهي رسميًا في إطار عملية المسح الإقتصادي الفائت للسكان في يناير 2018 بنحو 63 مليون فتاة..نعم 63 مليون فتاة اختفت من السجلات..وهناك ولايات مُعينة انخفضت فيها نسبة الإناث عن الذكور بصورة جلية.. في هاريانا وصلت مثلًا ل 928 أنثي مقابل كل ألف ذكر، والأمر أسوأ في البنجال الغربية ب 700 فتاة فقط..هل سُيعدل المجتمع مساره؟..لا مزيد من المهور التي تؤدي لفتل الأجنة والرضيعات وحرق الزوجات؟..لا..المرأة ستدفع الثمن مجددًا..والثمن هذه المرة هو ‘‘العبودية‘..لكنها عبودية لا تود الهند الحديث عنها في الأفلام..عبودية الخليج تبدو أكثر إغراءً..
ما زلت أذكر قصتها..اسمها ماكليشا..والداها تُوفيا وهي في عمر الثالثة..عمتها التي كان يُفترض بها رعايتها..قامت ببيعها..والخاطف باعها للزواج..زوجها الأول تُوفي بعد 3 سنوات..بيعت ماكليشا ثانيةً..تلك المرة لزوج لم يكن يتوقف عن ضربها..ماكليشا جائعة؟ حسنًا يأخذها للحقل ويُطمعها كثيرًا من روث البهائم..ماكليشا ستُصاب لاحقًا بأمراض عقلية من الرعب الذي عايشته، حتي تكاد تعجز عن البوح وترتيب الكلام..شاهدت ماكليشا في وثائقي الجزيرة الإنجليزية الذي حقق 1,7 مليون مشاهدة..تحت عنوان India's Slave Brides..