خدعونا بقولهم إننا سنصبح واحدًا بعدما نتزوّج، وتمادوا في تأكيد أن الزواج الناجح يعني التوحُّد التامّ في الأفكار، والمشاعر، والسلوك، لم يخبرنا أحدٌ بالحقيقةِ وقتذاك؛ حقيقة أننا سنظل شخصَين، وأن الزواج الناضج هو الذي تتوحّد فيه الأهداف، وتتقارب فيه القيم، ويتفاوض أبطاله طوال الوقت حول الأساليب الأفضل في جعل الحياة ماتعة وسهلة وطيبة، وللأسف حالة النشوة التي تنتابنا في فترة الخطوبة تعمل عملها في تأكيد ذلك؛ تلك الفترة التي لفرط سعادتنا نحاول أن نكون فيها أكثر مرونة، وتقبُلًا، وقابلية للتغيير، ممّا يعطي لكلينا إيحاء بأن الأمور ستمضي هكذا بعد أن نتزوّج، لنكتشف حينئذٍ أنّ أمورًا قد تغيرت، وأنّ طبائعنا بدأت في التعبير عن نفسها طلبًا للتحرّر والتعامل العادي الذي نرتاح إليه.
كل إنسان منّا له طِباع شخصية خاصَّة، تكوّنت عبر سنوات عمره السابقة للزواج، لعبت الجينات دورًا، والتربية دورًا آخَر، والتجارب الشخصية دورًا ثالثًا في تأطيرها، فنجد مثلًا أن معدلات التفاؤل كبيرة في شخص، ممّا يؤثر إلى حدٍ ما في طريقة استمتاعه بالحياة، وميوله إلى المخاطرة المادية، بعكس شخص آخر يميل إلى الحرص والاقتصاد نظرًا إلى أن نظرته للحياة فيها توجّس وقلق.
وقد نجد أحدهم يحب النظام، والاستيقاظ مبكرًا، كائن نهاري نشط بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في حين أن الآخر يبدأ يومه عند انتصاف شمس الظهيرة، ويميل إلى إنجاز أعماله بعد منتصف الليل، قِس على ذلك الاختلاف بين شخص اجتماعي وآخَر متحفّظ في ما يختصّ بالعلاقات مع الآخرين، شخص مرتّب منظّم وآخَر همجي يؤمن بسطوة الظروف، دَعْكَ من أن المعتقدات الدينية والأعراف قد تلعب دورًا في تشكيل الشخصية وتحديد المعايير التي تحركها.
بعضنا في فترة الخطوبة يرى في الاختلاف شيئًا إيجابيًا، يظن المهمل أن وجود شخص مرتّب في حياته سيضبطها، ويتوقع المسرف أن وجود شخص مقتصد سيمنعه من إهدار المال، ويرى المنغلق اجتماعيًا أنه قد فاز أخيرًا بمَن يخفف عن كاهله الأعباء الاجتماعية، ثم نتزوّج لتبدأ معركة وضع القواعد، كل واحد منّا يحاول ترويض الطرف الآخر كي يقبل بطبيعته ويرضخ لأسلوبه، نتعامل مع طبيعة الطرف الثاني المخالفة لطبيعتنا على أنها تهديد، على أنه خصم من مساحة الراحة التي تمنيناها في جواره، المشكلة الكبرى أننا نحاكم العلاقة كلها بناءً على هذه الحرب الدائرة بين طبائعنا، نختصر الأمر في عبارة: «لو كانت تحبّني حقًا لتغيّرت من أجلي»، «لو كنت مهمة عنده لفعل ما يرضيني».
والحل؟ التفاوض، الحوار، محاولة الوصول إلى منطقة وسط، الضغط المستمر على شريك الحياة كي يتغير سيجعلنا في حالة صراع مستمر، وقد ننجح في عملية التغيير تلك، ولكن قد ندخل في مخاطرة أخرى، وهي أن يتحول شريك حياتنا إلى مسخ باهت، شيءٌ عُدِّلَ ليناسبنا، ويتّقي شر تقلّباتنا وموجات غضبنا.
قرأتُ يومًا أن الزواج الناجح هو «الزواج القائم بين شخص يحب صدور الدجاج وآخَر يحب الفخذ»! يتحدثون هنا عن فكرة التكامل التي يجب أن تظلّل حياتنا الزوجية، والحياة -إن شئنا الدقّة- لا تمضي بهذا الشكل، الزواج الناضج من وجهة نظري هو الزواج القائم بين شريك يحب الدجاج والآخر يحب الأسماك، أو شريك يحب اللحوم والآخر نباتي، والنظرة يظهر هنا في كيفية إدارتهما لمزاجيهما وميولهما وعدم إجبار شخص شريكه على أن يدور في فَلكه.
الزواج الصحّي هو الزواج القائم حقًا على أساليب تحترم الاختلاف، وتعرف كيف تتعامل معه وتديره بالشكل السليم، هو الزواج المُتخفِّف من أوهام «روح في جسدين» التي تجعلنا في حالة عدم رضا تجاه اختلاف طبائعنا وتوجّهاتنا، نظرًا إلى أن الأرواح يجب أن تكون في انسجام مستمر طوال الوقت.
كاتِب النَّصِّ: كريم الشاذلي.
منقول بواسطة: نورا الطوالة.