ناقة الخنساء
ذكر سيبويه بيت الخنساء في وصف الناقة :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
ثم قال : جعلها الإقبال والإدبار فجاز على سعة الكلام كقولك نهارك صائم وليلك قائم .
وقول سيبويه جعلها الإقبال والإدبار يقصد بها أن ظاهر اللفظ يعطي هذا المعنى لا أن هذا قصد الخنساء
بدليل أنه قرن بين البيت وبين قولهم ليل قائم ونهار صائم .
فسيبويه اعتبر البيت من باب حذف المضاف أي الناقة ذات إقبال وإدبار أو من باب الاتساع في الكلام
واعتبره بعض النحاة من باب التجسيم
أي أن الخنساء جعلت الناقة مجسمة من الإقبال والإدبار
وانتصر البلاغيون لمعنى التجسيم وشدد عبد القاهر النكير على من فسره بحذف المضاف .
والتجسيم في ما أرى ضعيف لا يصح أن يفسر به بيت الخنساء ولا بقية الشواهد في الباب
فإن العرب إذا أرادت المبالغة تأتي بما يدل على مرادها فتقول فلان ليس من لحم وعظم بل من نور وكرم وتقول فلان كنيف مملوء علما وفلان خلق من عجل كما قال الشاعر :
فليست لإنسي ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوب
أما أن تأتي بالمبالغة عفواً في سياق الكلام فبعيد .
وكلام الخنساء رضي الله عنها أن الناقة ترتع غافلة فإذا تذكرت ذهبت غفلتها وحصل منها الإقبال والإدبار فصار هذا شأنها وشغلها وهذا القدر من المعنى كافٍ في تحصيل مقصود الخنساء ولم ترد الخنساء أصلاً أن تصف الناقة بشدة الإقبال والإدبار بل أرادت وصفها بأن شأنها يقتصر على هذين
ومما يدل على ضعف معنى التجسيم في بيت الخنساء أن عبد القاهر في شرحه على ديوان المتنبي ذكر قوله :
متفرق الطعمين مجتمع القوى
فكأنه السراء والضراء
قال: قوله أعذب من قول الخنساء لأن إدخال كأن يزيده قبولاً عند الأفئدة .
فعبد القاهر يشعر بالضعف في البيت على توجيه التجسيم وإن رآه أمثل من حذف المضاف .
وابن جني المشهور بمبالغته في المجاز قد سبق عبد القاهر في هذا فإنه علق على جعل النحاة بيت الخنساء من باب حذف المضاف وجعل الأحسن فيه أن يكون من المبالغة .
#مراجعات_بلاغية