ثم إنه لو وجد "بحثًا" لأحد متأخري أصحاب مذهبه، منزويًا في حاشيةٍ، وكان قد تعلَّق بمسألة قد أشكلت عليه في تحرير مذهبٍ أو تحقيق مأخذٍ = عدَّه فتحًا فقهيًّا.
والعجبُ هنا ليس في تثمين أبحاث المتأخرين واعتبارها، فهذا القدر له اعتباره الموضوعي ومكانته المعرفية، وإنما العجب في الاحتفال بها وتتبعها ورفع مستويات اعتمادها (في مقابل) الضرب صفحًا عن الأقوال المرجعية لمتقدمي الفقهاء، بل في التقعيد لتجاوزها ونزع مكانتها الفقهية.
وأشدُّ من ذلك عجبًا أن يمتدَّ ذلك إلى أقوال أئمة المذاهب نفسها، فلا ترى المتمذهب يحفل بأقوال إمام مذهبه ويتتبعها على نحو ما يفعله من تتبعٍ دقيقٍ لأقوال متأخري أصحاب مذهبه!.
وهذا الذي أصفه لك ليس صادقًا على (بعضٍ) قليلٍ من المنتسبين إلى المذاهب الفقهية، بل يكاد يكون طقسًا عامًّا للمتمذهبة، لا يخرج عنه إلا من رحم الله.
وهو وإن كان سمتًا لغلاة المتمذهبة حتى بلغوا فيه حضيضًا عاليًا، فإنه داءٌ تسرَّب للجو الفقهي التعليمي العام، وعلى مزاجِه قامت كثيرٌ من الدروس والدورات العلمية، فلا تكاد تجد فيها من يحفز المتفقه للنهل من معين فقه المتقدمين، حتى إمام مذهبه، وليس بالضرورة أن يكون ذلك حفزًا عاجلًا، بل لا يجعلونه أصلًا من اشتغالات المتفقه ولو في مرحلة متقدمة.
وهذا يدلُّك على سوء التراتب التحصيلي الفقهي، فأنْ يكون عالمٌ في ساقة المذاهب الفقهية أعلى رتبةً في قلب الطالب من سَراة الفقهاء ومُقَدَّميهم فذلك يعني أننا بإزاء حالة علمية منعكسة تحتاج استقامةً واعتدالًا.
#تدرج
#تصحيح_مفاهيم