إن للإبداع في البحث العلمي شروطًا لا بد من تحققها لتحقيقه؛ ومنها:
أولًا: التحصيل العلمي، وبقوته يقوى البحث، وبضعفه يضعف، فلا ريب أنه يعسر أو يتعذر الإبداع في البحث العلمي مع الضعف في التحصيل؛ لأن الإبداع مرحلة متقدمة، تستلزم بصرًا وعمقًا في مشكلات الفن، فمن كانت قدماه لم تنزلا عن السطح إلى العمق، فكيف يرى أسفل البحر، ولو رآه لن تكون رؤيته واضحة صافية.
فإن البحث لا يكون عن معلوم، فلا يصح أن تقول -والمفتاح في يدك-: سأبحث عنه، ولو بحثت عنه في الأرض أو غيرها سيتبين لك أن بحثك عنه لا قيمة له، فالبحث غوص في المتاهات، وانغماس في المجهول، ورحلة ضبابية غير واضحة المعالم، معتمةُ الملامح، ولكن الباحث القوي علميًّا -بعد استعانته بالله- يستطيع أن يغالب تلك المجاهل وتلك الظروف بنور العلم، وحسن الاستعانة بكلام العلماء، وجودة التوظيف لمهارات البحث وأدواته، ومن أكبر الأسباب المعينة له على ذلك سببان: الأول: معرفته بكلام أهل العلم وخبرته بمظانه، فيفزع إليه، فيفهمه على وجهه، ويحسن تخليص ما يحتاج إليه من بين ركام المعلومات، وردم المعرفة، والثاني: براعته في البناء العلمي، فيعرف كيف يلحق الفرع بالأصل، ويستجلب الأصول والقواعد المؤثرة، وما النظائر المشابهة، فيخلص من ذلك إلى قرن الفرع بما يماثله، ووضعه في المكان اللائق به.
ثانيًا: المهارات الناشئة عن عقل مفكر، وذهن مدبر، فلا يسمح للإشكال بالعبور دون وقفة معه، فيقلبه على نار التأمل، ويوقد تحته شموع الإشكالات، فينظر ما الذي يذهب جفاء، وما الذي يبقى فينفع الله به، فليس لائقًا بطالب علم مكين أن تتهادى بين يديه الإشكالات فيراها واضحة لا يَعلق بها شيء؛ فإن هذا المسلك أدعى للبلادة وموت العلم، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: (الموفق من رأى المشكل مشكلًا، والواضح واضحًا)، وفي رؤية الإشكال ثم التصدي له تختلف أساطين العلم ومهرة الباحثين.
https://t.me/aabrahem01410