نثار الخواطر @aabrahem01410 Channel on Telegram

نثار الخواطر

@aabrahem01410


حقل ينبت فيه كل غصن رطيب، ويغرد فيه كل عندليب.

نثار الخواطر (Arabic)

نثار الخواطر هو قناة تليجرام تهدف إلى نشر الشعر والخواطر بأسلوب رقيق ومليء بالجمال. يمكن لمتابعي هذه القناة الاستمتاع بمجموعة متنوعة من القصائد والنصوص الأدبية التي تعبر عن مشاعر عميقة وأفكار ملهمة. يعتبر الشاعر ابراهيم، المعروف بالمستخدم aabrahem01410، روح هذه القناة، حيث ينثر كلماته كنز يخطف القلوب ويسافر بالأفكار إلى عوالم جديدة. إذا كنت تبحث عن لحظات من الجمال والتأمل، فإن نثار الخواطر هو المكان المثالي لك. انضم إلينا الآن واستعد للغوص في عالم من الكلمات الساحرة والعواطف الصادقة.

نثار الخواطر

07 Dec, 19:48


البحث العلمي الإبداعي


إن للإبداع في البحث العلمي شروطًا لا بد من تحققها لتحقيقه؛ ومنها:
أولًا: التحصيل العلمي، وبقوته يقوى البحث، وبضعفه يضعف، فلا ريب أنه يعسر أو يتعذر الإبداع في البحث العلمي مع الضعف في التحصيل؛ لأن الإبداع مرحلة متقدمة، تستلزم بصرًا وعمقًا في مشكلات الفن، فمن كانت قدماه لم تنزلا عن السطح إلى العمق، فكيف يرى أسفل البحر، ولو رآه لن تكون رؤيته واضحة صافية.
فإن البحث لا يكون عن معلوم، فلا يصح أن تقول -والمفتاح في يدك-: سأبحث عنه، ولو بحثت عنه في الأرض أو غيرها سيتبين لك أن بحثك عنه لا قيمة له، فالبحث غوص في المتاهات، وانغماس في المجهول، ورحلة ضبابية غير واضحة المعالم، معتمةُ الملامح، ولكن الباحث القوي علميًّا -بعد استعانته بالله- يستطيع أن يغالب تلك المجاهل وتلك الظروف بنور العلم، وحسن الاستعانة بكلام العلماء، وجودة التوظيف لمهارات البحث وأدواته، ومن أكبر الأسباب المعينة له على ذلك سببان: الأول: معرفته بكلام أهل العلم وخبرته بمظانه، فيفزع إليه، فيفهمه على وجهه، ويحسن تخليص ما يحتاج إليه من بين ركام المعلومات، وردم المعرفة، والثاني: براعته في البناء العلمي، فيعرف كيف يلحق الفرع بالأصل، ويستجلب الأصول والقواعد المؤثرة، وما النظائر المشابهة، فيخلص من ذلك إلى قرن الفرع بما يماثله، ووضعه في المكان اللائق به.
ثانيًا: المهارات الناشئة عن عقل مفكر، وذهن مدبر، فلا يسمح للإشكال بالعبور دون وقفة معه، فيقلبه على نار التأمل، ويوقد تحته شموع الإشكالات، فينظر ما الذي يذهب جفاء، وما الذي يبقى فينفع الله به، فليس لائقًا بطالب علم مكين أن تتهادى بين يديه الإشكالات فيراها واضحة لا يَعلق بها شيء؛ فإن هذا المسلك أدعى للبلادة وموت العلم، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: (الموفق من رأى المشكل مشكلًا، والواضح واضحًا)، وفي رؤية الإشكال ثم التصدي له تختلف أساطين العلم ومهرة الباحثين.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

15 Nov, 16:30


إن الكلام في منهج الانتفاع بمطالعة المطولات كثير، ولكن لا يخرج -في الجملة- عن ثلاثة أنحاء، تختلف بحسب المطول نفسه:
أولًا: ما يكون إشباعًا علميًّا لمتون دراسية، كشروح المنتهى والإقناع مع الروض المربع، فإن دارس الروض المربع المتأهل لا يستغني عنها أثناء الدراسة، فهي ليست بمعزل عن التأصيل الذي يبنيه الدارس، لكن ما زاد عن مسائل الروض المربع سيكون في مرتبة أدنى ولا بد في حقه.
ثانيًا: ما يكون موطنًا لحل الإشكالات، وتوسيع المدارك، والتدقيق في مسائل أصلها في المتون، فهذه إذا طالعها الدارس بعقل متيقظ وبصر متوقد فإنه يجد لذة الأجوبة، واندفاع الإشكال، وردم الثغرات العلمية.
ثالثًا: ما يكون زيادة في العلم عن مسائل المتون، فهذه مهمة جدًّا ولا يستغني عنها طالب العلم، ولكن ضبطها والتدقيق فيها لا يخلو من عسر؛ لأنها في بطون الكتب، وليست مما يتداول حال شروح المتون. ولعل هذا الفرق يفسر شيئًا من رغبة كثير من الطلاب بالدروس التأصيلية المرتبطة بالمتون، دون ما يكون تفسيرًا للقرآن، أو تعليقًا على أحد كتب السنة الأصلية، فالواحد من هؤلاء يجد أن المتون ذات سمات منهجية منضبطة وملامح واضحة، بخلاف شوارد المسائل، ومنثور الفوائد، فلِأَن نظمها ضمن سلك علمي ليس بالسهل، وهي مظنة للتفلت، وربما ليس عند المطالع استشكالات تحلها: صارت غير جاذبة للطالب.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

06 Aug, 20:29


الوجبات العلمية

كما أن الإنسان في وضعه الملاقي للطبيعة لا يستطيع -عادةً- أن يتجاوز ثلاث وجبات رئيسة في يومه، وربما اقتصر على وجبتين فكفتاه، ولا يمنعه ذلك من تناول فواكه أو سلطات ومكسرات؛ فكذلك الوجبات العلمية الرئيسة، وتتمثل في المواد العلمية الثقيلة؛ إما لكونها تتطلب حضورًا ذهنيًّا عالي التركيز -وهذا متحقق في العلوم الدقيقة كالعلوم الصناعية مثلًا-، أو لكونها تستحوذ على نصيب كبير من الوقت، فلا يبقى بعدها في رئة الصبر نفَس، وإذا تمهد هذا استجلت بعض الأمور:
الأول: أنه ينبغي لطالب العلم أن يمايز بين ما يستهدفه في تحصيله؛ فيجعل أساسه وجبات ثقيلة يقوم بها كيانه العلمي، ولا يركن للوجبات السريعة التي يلتذ بها وجسمه يتأذى بالاقتصار عليها؛ حيث تحولت إلى أصل، وهي كالفاكهة التي حضورها يسر وغيابها لا يضر.
فالعلم له صلب ثقيل لا بد من بنائه لبنةً لبنةً، وليس استثقاله كافيًا في إغفاله، وإلا صار طالب العلم ليس بطالب علم، وإنما هو منقّب في الهوامش، ومقيم في الهامش.
الثاني: أن الالتفات لما تأنس به النفس من طرح ممتع متمثل في كتاب أدبي أو ثقافي ونحوهما في غاية الأهمية؛ لأنه إشغال للنفس بمرتبة عليا من الارتقاء بها، فذلك خير من الفراغ الذي لا يأتي غالبًا بخير، ولربما كان في بعضها من فتح الآفاق، واتساع الأحداق، ما يكون خيرًا من كثير من العلم، كما في تراجم العلماء الربانيين التي فضلها أبو حنيفة رحمه الله على كثير من الفقه.
ثم إنها دالة على أن المرء مختار لمشرب القراءة، وكارع منه ما استطاع، وفي هذا فضيلة لا تجحد، وكثير من المنتسبين للعلم قصرت قاماتُهم في مدارج العلم لقِصَرِ قيامهم في محراب القراءة.
وما رأيت طالب علم مقبلًا على القراءة إلا ورأيت العلم مقبلًا عليه.
ولكن الغضاضة في نوع القراءة إذا صارت الهوامش متونًا، والحواشي عيونًا.
الثالث: ينبغي التناغم بين التحصيل الأصيل والتثقف الجميل، فليس بالمناسب أن يكون طالب العلم متخصصًا في الشريعة، وقراءاتُه الثقافية كلها في عادات الشعوب وفنون الطبخ عندها! فإن في القراءة في السيرة النبوية الشريفة ثم تراجم العلماء ونحوهم وفي تاريخ العلوم الإسلامية وتطورها ما هو أبلغ أثرًا، وأطيب ثمرًا؛ لأنها تصقل مواهب طالب العلم العلمية، وتجوّد مبانيه الفكرية والثقافية، وعلى سبيل المثال: لو كان مشتغلًا بعلم السنة ومصطلحها وقرأ في كتب التراجم الشهيرة كسير الذهبي لوجد ما يزيد من رغبته في ذلك العلم، ووقف على حياة آلاف المحدثين، والتقط إشارات كثيرة في غاية الأهمية التي لا يجد نفسه حيالها إلا في مقام التسجيل والتبجيل.
وكذلك يقال في بقية الفنون.
وكم من مطالع للجانب التاريخي في فنه فوجد في بعضه أطواره انحرافًا عن الجادة، ونشأ عن ذلك أقاويل لا أصل لها، وتصورات لا قائل بها، واستنتاجات لا يُعوّل عليها.
الرابع الأخير: أن الوجبات العلمية الثقيلة تنفر منها النفس، ولا تجد أُنسًا فيها، لذلك ينبغي انتخابها بعناية فائقة بعد دراسة واستشارة، ثم الديمومة عليها بتناول قدر مناسب، يمكن للفكر أن يصطبغ بلونه، ويشرق بنوره؛ فإن دقيق العلم لا يكفي في تحصيله الهجوم عليه، والرغبة فيه، وإنما الشأن بسطوع ضوئه في الملكات العقلية والبيانية، ولا يتأتى ذلك إلا لمن تناوله لقمة لقمة.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

25 Jun, 22:04


رابعًا: تكرار الكتاب الرائع أمضى في الأثر، وأسرع في التأثير، أما المطالعة اليتيمة فهي كالدراسة بلا امتحان، ولا أحسن من التقاط الفوائد الجياد، والقواعد المحكمة، مع كتابتها في محل مصون، يسهل الوصول إليه كل حين.
خامسًا: ما قرأته تراه يدنو من الذهن ويُسرع إليه الاستحضار كلما أدرته على لسانك، فاجعل من مقروئك سميرًا مؤانسًا، لا عدوًّا مجافيًا، وما كثر سؤال الناس عنه وتطلعهم إليه فهو دليل على أنه مفيد لا فضول.
سادسًا: كلما تقدم بك الزمان ماتت الدهشة في نفسك، وذبلت اللذة في جسمك، فقاوم ذلك بالارتقاء إلى الكتب الثقيلة، والفنون الجليلة.
سابعًا: تخفف من الرسوم التي تغل قراءتك، فالقراءة كيفما تهيأت، وعلى أي وجه صارت، هي خير من الانقطاع عنها.
ثامنًا: اجعل من محبي القراءة النافعة أصدقاء تأتسي بهم، وتنافسهم، ومن جاور السعيد يسعد، كما يقال.
تاسعًا: إن ضاق عليك الوقت، أو لم تنشط للقراءة، فاجعل لها وقتًا موقوفًا عليها، لا تتجاوزها فيه إلى غيرها.
عاشرًا: القراءة العلمية هي مستقر الرحل لطالب العلم المتقدم، وهي أن ينتخب كتابًا جامعًا فيجعله مستودعًا للتعليق عليه، فيجمع إليه غيره، فيستحيل خلقًا جديدًا، وهذه طويلة النفَس، لكنها ممتعة نافعة.
حادي عشر الأخير: الاستفادة من تجارب الآخرين متعينة؛ فقد يكفونك عناء قراءة كتاب ما، أو يرشدون إلى كتاب غفلت عنه، أو يشجعونك بالتنافس في القراءة، مع مراعاة طرائقهم وعوائدهم التي تفتح عينيك إلى ما ذهلت عنه.
وفي الجملة، الكلام في هذه القضية يطول، ولكن الالتفات إليها باستمرار، وتداول الآراء والأفكار فيها مما تنشط له النفوس وتحتاجه، كما أن الكلام في الأطعمة والتغذية والحمية لا يتوقف الناس عنه، ولا يملون منه، ولا يستغنون عنه.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

25 Jun, 22:04


أثرُ القراءة
إن كثيرًا من القراء يشكون ضعف أثر القراءة فيهم، وربما كان ذلك سببًا في الفتور، أو الإعراض التام عنها، وربما تلمّس بعضهم أثرها الذي يكافئ نصبها فلم تقع يده إلا على تصورات ضبابية، ومعلومات إجماليّة، وفي أكثر الأحيان ينسى ما قرأ تمامًا إلا ما لا يقيم صلب ورقة واحدة!
وأحسب أن تشبيه القراءة بالطعام خيرُ سبيل لبيان الداء والدواء؛ خصوصًا أن للطعام أثره ولا بد، والذي قد يكون نافعًا، وقد يكون ضارًّا، فكذلك هي القراءة، فأنت ترى أن الطعام ليس كله على سمت واحد، أو هيئة واحدة؛ فبعضه كالماء الزلال الذي ينفع الصغير والكبير، ويحتاجه المشرقي والمغربي، والأعجمي والعربي، ولا تأباه نفس سليمة، وبعضه حال الضرورة فقط؛ للإبقاء على النفس فحسب، والضرورةُ نادرةُ الوقوع عادةً، وبعضه لو اقتصر عليه الطاعم لأغناه وكفاه، ولما أحوجه إلى شيء سواه، وبعضه يُستغنى عنه، ولكن وجوده من جنس التكميل والتتميم، وربما يظهر أثره في الجسم السليم، إما في تقويته وبنائه، أو صحته وشفائه، أو يكون من جنس الحلوى التي ترغب فيها النفس وتتوق إليها، مع حصول الضرر بكثرتها، ولا سيما للمرضى، وبعض الطعام في متناول الجميع ولا تثريب على من تناوله، وبعضه قد يحتاج إلى وصفة طبيب، وكذا من حيث الكمية؛ فإن بعض الطعام لا يضر أكله كل وجبة، وبعضه ليس كذلك، فلا بد من الاحتياط فيه، وهكذا في تفاوت لا يمكن الإتيان عليه لا بِعدّ ولا حصر.
وإذا تقرر ذلك فكما أن الإنسان لا يَجعل من الطعام لونًا واحدًا، ولا يرجو منه أثرًا واحدًا، فكذلك القراءة لا يحسن أن يُرجى منها كلها نفع قوي، ومذاق شهي، فهي ذات ألوان وأفنان وأشجان.
ويمكن نشر ما طوي فيقال:
١- لا تنتظر من كل قراءة أن تخرج منها بأثر هائل يجعل منك عقلًا جديدًا؛ فإن بقاء نفسك متطلعةً للمعرفة، والمحافظةَ على كفاءة الدماغ في الفهم والاستيعاب والتحصيل= ليس بالأمر السهل، واعتبر ذلك بمن لا يجد في نفسه توقًا للطعام، أو لا يستطيع جسمه استساغته، فهو مريض ولا بد.
٢- أن أثر القراءة لا ينحصر في المعلومات، فتكون هي المعيار الذي تُقاس به الفائدة أو عدمها، فما المعلومات -وخصوصًا مع هذا الانفجار المعرفي- إلا في رتبة متأخرة، ويتقدمها بمراحلَ بناءُ ملكة الفهم المنهجي الصحيح، وتأسيسُ ميزانٍ يكسبه النظر الرجيح.
٣- أن القراءة بعضها للبناء العلمي، وبعضها لإمتاع النفس والاستجمام، وليس كل القراء من يجمع بينهما، فبعضهم طالب علم ليس بمثقف، وبعضهم مثقف ليس بطالب علم، وطالبُ العلم بحاجة لفتق مداركه، وتثوير مكامنه، لتتسع أمامه الآفاق المعرفية، ولكن لا بد من الموازنة بينهما، كما يوازن بين الوجبات الأساسية ومكملاتها.
٤- أن بعض القراءة لها شروطها التي لا تتحقق ثمرتها إلا بتوفرها، فكم قارئ لكتاب، والكتاب يجيب عن إشكالات لا يعرفها ذلك القارئ، أو أنه لا يبصر تلك الدقائق التي يعالجها، فالكاتب يتوخّى نوعًا خاصًّا من القراء، فلا يصح لكل من هب ودبّ أن يقف في صفهم، ويهتف باسمهم، وربما كان الكتاب موجهًا لفئة عندها شبهة، أو غبش، فلا يعرف القارئ ماذا يريد الكاتب، فلا يفهم المقاصد التي يرمي إليها فيخرج من الكتاب كما دخل.
٥- كما أن بعض الأطعمة لا تطيقها بعض الأجسام من الأصل، أو لا تستطيع الاستكثار منها، أو المداومة عليها -كما سلف-، فكذلك بعض القراءات العلمية، هي ثقيلة جدًّا لا يطيقها مَن فهمُه كليل، ونظرُه قصير، وصبرُه ضئيل، ومن يقفز إليها وهو ليس لها بأهل يبوء بخيبة وهزيمة، ولكن بعض الناس قد يصلح لها بشرط التأسيس المتماسك، مع التلقي عن الأشياخ لطيّ بُعد الطريق.
٦- بعض الكتب مقدمات وبعضها مقاصد، ومن تخطّى رقاب المقدمات إلى متون المقاصد فاته المتن والغارب، ومن أنشب نفسه في ركاب المقدمات عثر بها وثقل عليه اجتيازها.
٧- كما أن بعض الأطعمة لا يظهر أثرها في تقويم الجسم وتحسينه إلا بعد أمد، فكذلك قراءة بعض الكتب تحتاج لمعاودة مرّةً بعد أخرى، حتى يستسيغها العقل وتصير منتصبةً فيه تكوينًا وتفكيرًا.
ولهذا فلا ينبغي للقارئ الكريم أن يغفل عما يلي:
أولًا: أن القراءة ضرورة، وليست مرهونة بوجود اللذة فيها، أو مشاكلة الآخرين، أو غير ذلك، فأنت تقرأ لتنتفع، لا لتتباهى أو تستمتع، وما تحتاجه أنت أعرف به، وهو الذي يزيدك علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، مع أن الإحماض بالكتب الممتعة لا غضاضة فيه، بل هو كصوت الحادي الذي يزيد في النشاط، وتُطوى به البلاد.
ثانيًا: ينبغي أن تكون القراءة لكتاب ملاقٍ لحاجتك المعرفية، وليس قد تجاوزته، أو لم تصل إليه، فتقرأ منه ما يستحق القراءة؛ لأن بعض الكتب لا يلزم ختمه كاملًا.
ولا تنس الفرق بين الكتب الدراسية، وغيرها؛ فالأولى يطول العيش معها، والركون إليها، وغيرها ليس كذلك.
ثالثًا: لا يكن قياسك للفائدة ماديًّا دائمًا؛ فإن الأثر النفسي هو الظل الذي يقيك من هجير الكآبة، وسموم الضنك والرتابة.

نثار الخواطر

20 Apr, 10:31


وظيفة الجامعات: (إكساب الطالب الملكات والمهارات)

إن مما ينبغي للطالب الجامعي أن يحصله في الجامعة تلك الملكات العلمية، والمهارات المتنوعة، سواء كانت في التفقه في سياسة العلم وطريقةِ التعاطي معه، أو في التعامل مع أهل العلم، أو في مناهج البحث العلمي، أو في المهارات التي تحتاج لتدريب ومِران، كأن يُدرّب على تحليل نصوص المتون وتشريحها، أو باستنطاق ما فيها من فروق وتقاسيم وتأصيلات تتبعها استثناءات، ومعرفةِ بناء الحكم على الدليل المذكور بتحديد موضع الشاهد من النص، ثم بيان وجه الدلالة منه، وغيرِ ذلك مما يختلف باختلاف الفنون..
أما أن نعتقد أن استكثار الطالب من المعلومات هو الغاية المثلى، والطريقة الوسطى، فليس من المنهج التربوي المناسب في شيء.
وعلى سبيل المثال: لم أسمع بوجوب (الاطراد في المنهج العلمي وإشكالية التناقض) من أساتذة الكلية إلا في الفصل السابع (أي في الفصل الذي قبل الأخير)! وهذا أعده متأخرًا جدًّا، خصوصًا مع منهج الشرح الذي كان يُعنى بدرجة كبيرة بالخلاف العالي.
ولم أفهم المقصود بخطة البحث إلا في الماجستير عندما عرضت أوراقي على أستاذ مادة البحث ليرى رأيه فيها وكنت أمشي معه على المقدمات، فقال: أرني المخطط! فصار يقلّب الأوراق حتى وصل للمسائل التي تصنف تحت مباحث ومطالب! فعرفت حينها المقصود بخطة البحث.
ثم لما شرعت في كتابة بحوث الترقية صار عندي لبس شديد في إتقان عناصر البحث، فما كان في وسعي إلا فَتْحُ بحث لأحد المشايخ وتقليده حتى استوفيت العناصر، ثم بعد البحث الثالث وجدت جلاءً في الصورة، وزالت الغشاوة عن كثير من معالم البحث العلمي، ومن أعجب ذلك: أنني فطنت حينها أن ما يُسمّى بمقدمة البحث عند بعضهم -ويقصدون به الافتتاحية- هو من إطلاق الكل على الجزء، فالمقدمة تشمل الخطبة، وما بعدها إلى صلب البحث الذي هو المقصود أصالةً.
ولذلك لما درّست مادة (البحث العلمي) لم أقف مع الجانب النظري في كتاب -لأن هذا اكتفيت فيه بأن طلبت من الطلاب تلخيص بعض الكتب المفيدة الواضحة- لكني جمعتهم مرتين، وفي كل مرة أرسم لهم على السبورة مسيرة البحث الأكاديمي من ألفه إلى يائه بطريقة حاصرة مركزة، فإذا انتهيت طلبت منهم تحويل باب من أبواب الروض المربع إلى مشروع بحثي، فألاحظ أن كل ما تقدم تقريره وتمهيده ذهب هباء! فنحتاج للمشي خطوة خطوة، وربما سار الطالب سيرًا خاطئًا فيحتاج لتنبيه وتذكير بما تقدم، فوجدت أن هذه الطريقة هي الأسرع في التعليم، ومع ذلك لا تكفي؛ إذ لا مناص من ضرورة الممارسة حتى يُحكم الطالب المنهجية البحثية.
وإن الدكتور الذي كانت رسالتاه ضمن مشاريع بحثية يفوته حذق هذه الصنعة غالبًا، إلا أن يكون هو الطالبَ الأولَ الذي أنشأ المشروع من العدم، ورسم معالمه من الأساس إلى الهرم، ثم يكون نصيب البقية تعبئة الفراغات بالمسائل التي تخصهم، وما أكثر ما يأخذ البقية من الأول كل مقدماته حتى أسباب اختيار الموضوع وأهدافه التي ينبغي أن تُعبّر عن كل باحث تعبيرًا كاشفًا عن ميوله العلمية، واتجاهاته البحثية، بل يسلخ بعضهم من الأول كثيرًا من مقدمته الدراسية إن كان المشروع تحقيقًا لمخطوط!
ووصل الضعف في بناء الطلاب في المنهجية البحثية أن الأصل فيهم عدم استيعاب المراد بـ(أهمية الموضوع وأسباب اختياره وأهدافه)، وكذا بعدم التفريق بينها، وأنا شخصيًا فهمت شيئًا من هذه الأمور وأنا في السيارة أستمع لمحاضرة حول هذه القضايا لأحد أفاضل الأساتذة، ففهمت من محاضرة عن بُعد وأنا على قارعة الطريق، ما لم أفهمه من دراسة المادة في فصل دراسي كامل في البكالريوس، ثم في الماجستير!
وقد وقعت لي تجربة متواضعة مع تدريس مادة (فقه النوازل)، فقد قلت للطلاب حينها: إن أكثر ما ينفعكم هو معرفة كيف تبحثون النازلة وتحللونها وتتناولونها تناولًا علميًّا منهجيًّا، فقضينا أسابيع في ذلك، وكان عدد منهم يستزيدون ويقولون: هذا أنفع لنا من الاستزادة من المعلومات الجزئية.
إن المقصود من كل ما تقدم هو معرفة الهدف من الجامعة، وهو تخريج طلاب ذوي ملكات علمية، ومهارات متنوعة، تُمكّنهم من قيادة العلم وسياسة المعرفة، فيكونون متأهبين لكل أمل يُعقد عليهم.
وكل ما تقدم ليس فيه غضّ من التحصيل العلمي الأصيل، فهو الأساس المكين، والحبل المتين، ولكن بابه واسع؛ إذ ربما يمكن الوصول إليه بلا أستاذ في الجملة، أما اكتساب المنهج الرصين فليس موجودًا إلا في أيدي الحذاق والنابهين، فإن لم يكونوا في الجامعات فأين هم؟!

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

09 Jan, 17:26


بريق البدايات

١
إن مما عُني به أهل التسويق تعليق آمال المستهلك العريضة على استعمال المنتج؛ فيوهمونه أن منتجهم مُحقق التأثير، سريع التغيير، فتتعلّق به النفس الضعيفة.. وهذا المسلك التسويقي لا يختص بالاستهلاك المادي، فتجد الدعايات في تعليم لغة أجنبية أو غيرها كذلك، ويرفعون شعار: وداعًا للمعاناة في كذا، أو: ابدأ تحقيق حلمك الفلاني... وتُغري بذلك الدهشةُ لكلّ أمر جديد، وقد قيل: لكلّ جديد لذة، ويبعد أن يقال لك: أكمل إنجازك، أو واصل مسيرتك!
٢
ولو فتّش طالب العلم في مشاريعه، لوجد أن أكثرها استفتحها ولم يستتمها؛ لأن أوائلها اقترن بآمال عريضة استبشرت بها النفس، وتطلعت لها الأماني، وتحقق له عيش تلك اللحظات الحالمة، ثم خبَت فلم يبقَ إلا مرارة الصبر، ومأساة التجلد.
وأمارة صدق ذلك كثرة السؤال عن منهجية مقترحة في الطلب، مع أن سؤالًا يتيمًا يكفي، ومنهجية واحدة تشفي، وكذلك تجد المجالس الأولى في درس علمي يشهدها فئام من الطلاب، ثم ينحسر العدد، وينقطع المدد، ولا يصمد إلا من ثبّته الله.
ومع ذلك فهؤلاء الثابتون قد لا ينشطون للعناية التي تتطلبها تلك المشاريع العلمية من مراجعة دائمة، ومطالعة دائبة، ولا عجب حينئذ من خيبة النتائج، وتبخّر الأحلام.
٣
ولو أن طالب العلم أيقن بقول الشاعر:
(اليومَ علمٌ وغدًا مثله
من نخب العلم التي تلتقطْ
يحصّل المرء بها حكمةً
وإنما السيل اجتماع النقطْ)
لفَرِحَ بنُقط تقع على أرضٍ بكر فاهتزت منها وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فكانت خيرًا من سيل اندفع ثم انقطع.
ولا يعزبنّ عن ذهن طالب العلم أن قذف النفس في كل ميدان، والتطلّع لكل عنوان، لم يكن لولا رغبة تستولي على النفس بتحصيل العلم فتجعل منها فرسًا تثب ولا تهدأ.
ولكن الشأن في ترويض النفس على القصد في المسير، وإلجامها عن الطمع في كل بارق، والإصغاءِ لكل ناعق.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

07 Jan, 11:37


زخرف الكتب التعليمية

إن مما أصبح دارجًا لا تخطئه العين، ولا يُعوز إثباته لاحتجاج كثير ولا يسير ما صار محلًّا للتنافس بين المؤلفين؛ فما أكثر ما يُكتب كتاب في فن من الفنون الشرعية أو اللغوية، وترى المؤلف ينتخب لكتابه عنوانًا يحمل بشائر التيسير، ومجانبة التعسير، فيوهمك أن كتابه ذلكم الكتاب الذي ستنتهي بمطالعته عوائق التحصيل، وتُطوى بقراءته مراحل الطلب الطويل، ولكن ما إن تقلّبه إلا وترى قواعد صامتة، ونصوصًا قاتمة، وكأنما نَسخ أحدَ الكتب الأصيلة ولم يزد على إعادة الترتيب! فليس للتسهيل المدعى موطئ قدم إلا على الغلاف فحسب.
وبذلك تعرف أن العنوان نسجته مغازل التجار الذين خبروا السوق وطالبيه، فليس بين المضمون و العنوان، إلا كما بين قلب المنافق واللسان.
وإن وراء ذلك الرغبةَ في رواج الكتاب وانتشارِه، وإغراء محبي ذلك الفن باختياره، مع ما يقع من محاكاة لكتاب اتخذ اسمًا مشاكلًا فعُمرت به الخزائن.
إن تسهيل العلم الحقيقي لا يكون إلا ممن ارتوت نفسه بهذه الفكرة السامية، ونبت منها لحمه وجرى بها دمه، وملكت عليه إحساسه، وخالطت أنفاسه، فحينئذ أمكن أن يولد الإبداع من رَحِم المعاناة.
وإذا تقرر ذلك تعين الاحتراز من كمائن التجار، وبوارق الأفكار.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

08 Aug, 20:05


نموذج على تحليل نص لغوي:
قال الرازي في مختار الصحاح:
(ز هـ د: (الزهد) ضد الرغبة تقول: (زهد) فيه وزهد عنه من باب سلم و(زهدا) أيضا.
و(زهد) يزهد بالفتح فيهما (زهدا) و(زهادة) بالفتح لغة فيه).
-
التحليل:
١- عرّفه بضدّه فقال: (ضد الرغبة).
٢- أفاد أنه يتعدى بـ (في)، و(عن)، فهو متعدّ وليس لازمًا.
٣- أفاد أنه من باب سلم، وبالرجوع لمادة (سلم)، نجده يقول: (و(سلِم) فلان من الآفات بالكسر (سلامة))، فعرفنا أن الماضي مكسور العين (وهو اللام هنا)، وأن المصدر على زنة (فعالة).
٤- ثم بيّن أن له مصدرًا آخر بقوله: (وزهدًا أيضًا)؛ فصار لـ(زهد) مصدران؛ الأول: (زهادة)، والثاني: (زُهْد).
٥- ثم أفاد أن للماضي والمضارع وزنًا آخر، وهو فتح العين فيهما؛ فتقول: (زهَد يزهَد)، والمصدر: (زُهْد)، وفي لغة: (زهادة).

إضافة وتقويم من بعض المتخصصين:
1- عرفه بضده؛ لأنه من الألفاظ الشائعة التي قد يكون مرادفها أغمض منها، فالأفضل التعريف بالضد؛ لأن الأشياء تتميز بضدها
2- بخصوص اللزوم والتعدي: أحيانا يطلق على المتعدي بحرف (فعل لازم)؛ لافتقاره إلى الحرف، ولذلك فالأدق أن يقال (فهو متعد بحرف ولا يتعدى بنفسه)
3- لا حاجة إلى الرجوع لمادة (سلم)؛ لأن الرازي في المقدمة شرح الأبواب التي يحيل عليها في الوزن، ومنها (سلم يسلم سلامة) وقوله (من باب كذا) يعني أنه يطابقه في (الماضي والمضارع والمصدر) فكأنه قال (سلِم يسلَم سلامة)
فقوله (فعرفنا أن الماضي مكسور العين وأن المصدر على وزن فعالة) يضاف إليه (وأن المضارع مفتوح العين. والباقي تمام.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

05 Aug, 17:10


الغائب القريب

زارنا عصر أمس عم الوالدة حفظهما الله، وقد أخبر أنه تجاوز الثمانين عامًا، ثم عند منصرفه طلب مني دلالته على بيت خالتي فذهبت به، وسألته في الطريق: هل تخاف من الموت يا عم؟ فقال بكل أريحية: لا، ثم علّل بأن الموت حق ولن يسلم منه أحد.
إن قرار موتك هو شأنك أنت دون سواك، ومع ذلك يُتخذ دون أن تُستأمر فيه، وقبل أن تتأهب له بإعداد زاد أو متاع، بل قد يدهمك في لحظة مباغتة وقد غاب عنك ذكره، ولم تحلّ في ساحِك نذره، أو تسبقه إليك عينه، ففي أول الصباح أنت بين الأحياء، وفي آخره بين الأموات.
ولَئن كان قرار الموت ليس بيدك فإن الذي بيدك ولا يفلت منها هو الاستعداد له، وفي هذا الباب يعظم التفاوت بين الناس أشد ما يكون، وأسماه ما قيل عن بعض الصالحين: لو علم أن صبيحة ليلته مماته لما استطاع أن يزداد من الصالحات شيئًا.
ومن سمات عصرنا أن الأعمار تتفتّتْ بلا شعور منا، فالعام الواحد ينقضي ولا تكاد تشفي نفسك من العيش فيه، ولا الانتفاع به، وإنما هي أنفاس تسري، وخُطى تجري، ولا تدرك ما أنت فيه من الغيبوبة حتى يُقضى عليك بالرحيل!

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

31 Jul, 15:22


الإخلاص في طلب العلم

كنت دعوت أحد مشايخي للقهوة بين العشاءين، وهو شيخي الوحيد الذي حضرت له دروسًا فوجدته واسع الخطو في علوم العربية والأصول، فكأنك بين يدي أحد مشايخ شنقيط، ولا عجب فهو سليل محاظرهم، ووريث محابرهم.
وكنت متحفزًا للقاء؛ لما قام في ظني من أن الشيخ سيطوّف بنا في أفانين العلم، وهموم الطلب، ولكنه ما زاد على التطواف في الكلام عن الإخلاص وكيف الخلاص!
وكان ذلك مؤذنًا بضرورة محاسبة النفس التي جارت في القصد، وحادت عن الطريق.
إن العناية بباب الإخلاص أعظم ما ينبغي أن يسعى إليه الراغبون في النجاة، الهاربون من التهلكة؛ لأن الإخلاص هو حقيقة التوحيد، الذي هو جعل الله سبحانه واحدًا لا شريك له.
وإن التفات القلب إلى مدائح الناس، وترقب برهم، وملاحظة مواقع أبصارهم، فيما ينبغي أن يكون من عمل الآخرة: لهو انطماس في البصيرة، وانحراف في المسيرة.
وكم من طالب علم كان تغيّرُ قلبه هو منشأ زَلَلِه، ومبدأ ملله، فأغصان قلبه تعصف بها رياح المدح والقدح.
وخصوصًا عندما ينمي إلى سمعه انتقاص لبعض جوادّ الخير، ومسالك الإحسان، فيسمع أن المجتهد في إصلاح نفسه درويش مغفل، والمجتهد في إصلاح غيره بالتزكية واعظ ساذج، والمجتهد في تعليم الناس مبادئ الدين وأصول العبادة مدرس متواضع القدرات، ثم يجدهم شديدي الحفاوة وكثيري اللهج بدقائق العلم، وطويل الباع في الوصول إلى خبايا المخطوطات ونوادر المطبوعات.
فتصير النفس التي استجابت لنداء شهوة الجاه لا تبحث عما فيه نجاتها يوم القيامة، أو يُرضي الله عنها، بأن تُعنى بالعبادة والإخبات وتزكية النفس، ولكن تنظر إلى ما يزينها في العيون فتسعى إليه، وقد جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: (من تزين بما ليس فيه شانه الله).
وربما وقعتْ في اطّراح العناية بالقرآن عنايةً تليق به -كما هو حال كثير منا-، فصار محل تقصير شديد، والله المستعان.
وما أحسن قول التابعي عطاء رحمه الله: كان فتى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة فيسألها وتحدثه فجاءها ذات يوم يسألها فقالت : يا بني هل عملت بعدما سمعت مني؟ فقال : لا والله يا أمَّه، فقالت: يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟!
وكلام السلف والأئمة في هذا الباب واسع الانتشار، والموفق من عُني به، ومنه: قول الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-: من طلبَ العلم لله فالقليل يكفيه إذا عمل به، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

17 Jul, 13:24


الصبر على العلم عزيز

لقد تأملت في حال كثير من طلاب العلم فوجدت أن زادهم من الصبر على العلم قليل، وهذا منشأ الحرمان من خير كثير، فما إن يركن أحدهم ظهره إلى سارية ثم يمكث قليلًا إلا والضجر يسري في مجاري القلب، والملل يرتسم على ملامح الوجه، فيتصبر قليلًا وهو في حرَج شديد، ثم يقوم من فوره إلى حياته ذات اللون الواحد حيث احتضان الجوال، والسباحة في النت بالتجوال.
وأحسب أنه لم يكن بينه وبين قطع المفازة، فيَصل إلى القرار على أرض العلم، إلا قليل من حبس النفس، وإن كان في ذلك شعورها بالقهر والحرمان، ولكن ما إن يتباعد عن حياة الدعة، ويتجافى عن وسائد الكسل، بأن يعيش حياة جديدة في الجد والاجتهاد، إلا وتبدأ النفس في التكيّف مع اللون الجديد.
إن كثيرًا من قصص النجاح القديرة حُملت في مبتدأ أمرها -بتوفيق الله- على كتف الصبر والاحتمال، ثم لم يزل الطريق يتمهّد، والصبر يتمدد، حتى أصارتها الأمور إلى ملاحم ذائعة، وبطولات رائعة.
فطالب العلم لا ينجو من قواطع تحبس خطوته، وموانع تطفئ جذوته، ولكن إذا استمسك بالعروة الوثقى من الصبر الجميل، محفوفًا بعناية الله: بلغ المنزل، ولكنه يُؤتى من الاستعجال في اختراف الثمار، وابتغاء بلوغ الدار، ولا سيما إذا كان يراقب الناس، فإنه يموت همًّا؛ لما يقرع سمعه من انتقاصه في تحصيل العلم، فيحب أن يكون منهم في محل سامق، فيعز عليه الصبر، وهو عزيز!

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

12 Jul, 14:13


متاهة المرحلة الوسطى في طلب العلم

يمكن تقسيم المراحل العلمية التي يجتازها طالب العلم إلى ثلاث مراحل كبرى:
مرحلة أولى، والمنتسبون إليها هم المبتدئون في الطلب، وهؤلاء يسيرون سيرًا واضح الطريق، مستبين العلائم، جلي المعالم، تحفهم عناية الأشياخ، وقد أُحيطوا بالشروح المتنوعة، بل لا يبعد أن الطالب لو وضع منهجًا لشرح يناسبه لوجده متاحًا.
والمرحلة الآخِرة هي التي حط فيها المتقدمون في العلم رحالهم، وأناخوا فيها ركابهم، فهؤلاء سِمتهم الرسوخ، وعلامتهم النضوج، وصاروا أهلًا لحل المعضلات، والتصدي للنازلات.
وبين هاتين المرحلتين مرحلة وسطى، أشبه ما تكون بمتاهة، يدخلها كثيرون، لكنّ أكثرهم ينقطع، وثُلّة منهم تواظب، وقليلٌ من هذه الثلة يعبرونها عبورًا مستقيمًا؛ إذ إنّ بعضهم يحار فيها، ثم يدور في حلقة مفرغة، كلما أراد أن ينعتق منها استحكمت بحلقاتها عليه، ولأجل هذا التيه ينقطع كثير من الطلاب؛ لأنه ليس مبتدئًا فيرجع، ولا متأهلًا فينزع، كلما أراد اقتحام حاجزها أخذت بحجزته قائلةً له: ليس بعدُ؛ فقد بقي من متطلبات المرحلة ما لم تستكمله، ثم يستأنف دورة جديدة، وهكذا دواليك، حتى يمل فينقطع، والله المستعان.
لذلك كان من آثار (الأكاديميا) بحثًا وتدريسًا أن أعانت على اجتياز هذه المرحلة باتجاه التخصص الدقيق، ولكن من فطن لنفسه عرف أنه قد انغمس قبل أن يمهر في السباحة، ولهذا السبب تجد بعض الناس يكتب في دقائق علم ما، وهو غافل عن جليات علوم أُخر!
وإن من أسباب هذه المتاهة استشعار كثرة الواجبات مع ضيق الزمان والإحساس بتأنيب الضمير، فأمامه متون لم يحفظها بعد، وشروح لم يطالعها، ومسائل لم يقف عليها أصلًا مع أهميتها، فتنفتح له دروب كلما سلك أحدها عاتبه الآخر، ثم يتردد: إن واصل المسير في هذا أوغل في جفاء الدرب ذاك، مع أنه قد يكون في غاية الأهمية، وإن انكفأ إلى الآخر اضطرب مسيره، وتشوّش مصيره، فلا يزال موليًا دبره عن علم متحرفًا لعلم آخر، حتى يتصرم عود العمر ذاويًا غير مورق.
ولئن سألت عن الدواء الذي يُستشفى به فينبغي قبل أن يكون مهمة كل طالب أن يكون مشروع أمة؛ فيتخصص أساتذة (كل في تخصصه) في الأخذ بأيدي أبناء هذه المرحلة، تدريسًا، ومطالعة، ومذاكرة، على مدى سنين كافية، وإن أعوز ذلك فلا أقل من أن الطالب يحمل همّه، فيدرس المتون المتقدمة دراسة متينة، بشرط أن تُؤخذ عن متخصص يعطيها حقها من التصوير والتحليل والتدقيق وَفق مراد المؤلف مراعيًا طبيعة العلم دون تنازل أو بخس، وإن حصل حفظ للمتن مع مراجعة كتب تعين عليه فهذا أدعى للحذق والتحقيق، وبشرط مواصلة ذلك التحصيل الدراسي باستدعائه ذهنيًّا وتطبيقًا لئلا يفرط منه فيعود كاسد البضاعة، بائر الصناعة.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

09 Jul, 15:26


هل الماجستير والدكتوراه فترة تحصيل أم تجهيل؟

أسمع أحيانًا مثل غيري من يقول: إن الاشتغال بالماجستير والدكتوراه مضيعة للزمان، ولا تنفع طالب العلم بشيء ذي بال، بل هي أدنى إلى حرمانه العلمَ حين اشتغاله بها.
ورأيي في هذه الدعوى: أن إدراك المغزى من الدراسات العليا مهم؛ لنعرف هل هي تحققه أم لا؟ فإن من لم يتفطن لمغزاها قد يطالب بنتائج لم تُسبق بمقدماتها.
فما مغزاها إذن؟
إن مغزى الدراسات العليا هو صناعة باحث يستطيع إنتاج المعرفة، وليس تلقي المعلومات، واكتساب المعارف، وليس هذا بالأمر القريبِ المنال، وإنما هو مما يتخرج به التلاميذ المؤهلون على أيدي الأشياخ؛ فإن صناعة العلم وتوليد المعارف مما تختزنه القرائح، وتفيض به النفوس العلمية، وتجود به العقول الكاملة، وليس مما يسهل تحصيله ونيله من كتاب بلا أستاذ حاذق، ومنهج فائق.
وإن بقاء طالب العلم قارئًا مستلَبًا للمؤلفين ينبغي أن يتوقف ولا بد، وإلا بقي عمره يقول إذا قالوا، ويصمت إذا صمتوا، وكان عليه أن يترقى من مستهلك للعلوم إلى مشارك في صناعتها وبنائها، وهذا هو الفرق بين العالم والمتعلم.
ولكن لا يتحقق ذلك إلا بأن يتدرب الطالب تحت إشراف أستاذ متخصص متمرس في المناهج البحثية، ذي موهبة رفيعة، يستطيع أن يعيد تشكيل عقلية الباحث المتدرب؛ فينتج معرفة صحيحة معتبرة، فإن لم يتحقق ذلك أخفقت التجربة، وفاتت الطالب الثمرة.
ومن البيّن في النظر أن هذا يتنزل على طالب قد حصّل تحصيلًا جيدًا في العلم، وقوي نظره فيه، واشتد بناؤه؛ لذلك صارت الدراسات العليا هي أعلى الهرم التعليمي، أما أن يلتحق بها طالب متهاوي البناء، كلما نصَب في قصره العلمي حجرًا لبنائه تداعت فيه أحجار أُخر سقوطًا وهبوطًا: فهذا قد اعتلى جوادًا لا يستوي على صهوته، ولا يستولي على أعنته.
وإن الكلام عما يتأتّى للطالب من هذه التجربة يطول، ولكن أجلّ المغانم أن يخضب قلبه بالجسارة العلمية، والثقة النفسانية، وأن يقتنع قناعةً تامة بأنه قادر -بتوفيق الله- على الإضافة العلمية المعتبرة، وكفى بذلك غنيمة.
ثم إن هذه الحصيلة التي ظفر بها الباحث لَتفوق في جلالة القدر، ونبل المرتبة، تلك الحصيلة التي خرج بها ذلك المناكد للدراسات العليا من قراءة حرة، أو مطالعة تأصيلية.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

03 Jul, 11:07


النووي والبركة

لا يكاد يوجد مسلم إلا ووقع في أذنه شيء مما ذكر النووي في (رياض الصالحين) من الأحاديث النبوية، ولا يكاد يوجد طالب علم ولو لم يجتز طليعة الطلب، ولو لم يأخذ إلا بناصية العلم، إلا ووقعت عينه على ما أورد النووي في (الأربعين النووية)!
فضلًا عن الاجتياح الذي وقع من كتبه لفقه المذهب الشافعي، فصار الشافعية يعولون على متونه أشد التعويل، وصارت كالعقود المُذهّبة في مفرقِ مذهب الإمام المطلبي، وكل من جاء بعده فهو يعرّج على مسلكه، ويقرأ في منسكه.
وكذلك لا يعوزك العلم إذا استفهمت عن معنى حديث في صحيح مسلم إلا ووجدت في شرح النووي ملجئًا تعتصم به من حمأة الجهل، فتجد من مستجاد النقول، ومستطاب المعقول، ما يسعفك، وينفعك، ولو طوّفتَ بفتح أبي الفضل العسقلاني لرأيت شرح النواوي بين يديه ينقل منه، ويتعقبه.
وكذلك جادتْ يراعة هذا الإمام بكتب متفرقة نفيسة، مثل: تهذيب الأسماء واللغات، فأجاد وأفاد.
ولا يستغني فقيه عن مجموعه المبارك ذلك البحر الزاخر، والبناء الفاخر، ولم يتمه.
وقد صنّف في مصطلح الحديث، فقرّب مقدمة ابن الصلاح الشافعي، فوضع عليه السيوطي شرحه الحافل (تدريب الراوي).
هذا، وإن النووي لَإمامٌ عامل، ورجل صادق ناصح فاضل، قد جعل العلم قبلته وحجته ومحجته، ومما يؤكد ذلك ما قاله بعضهم عنه:
بلغني أنه كان يجري دمعه في الليل، ويقول:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابةً
على غير ليلى فهو دمعٌ مضيّعُ
فرحمه الله رحمة واسعة.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

30 Jun, 04:40


أن تكون وحدك

١
ربما أعانتك الهِبَات الربانية فوثبت من فراشك آخر الليل، فوضّأتَ أعضاءك، ثم صليت على سجادتك ما كتب الله لك، ولم يكن ذلك وأحدٌ من الناس قائمٌ على رأسك يستنهضك، ثم تلتقي بالناس صبيحةَ اليوم التالي وعشيته ولا تجد لفعلك ذاكرًا ولا شاكرًا، ثم تعجِز قواك الليلة التالية عن الوثوب، وتكاد أن تفوتك الفريضة، فيكون إدراكها مغنمًا كبيرًا، فضلًا عن قيام للتهجد، ولن تجد لعجزك ناقدًا ولا ناكرًا!
فأي شيء يسعفك في تأويل ذلك إلا أن التوفيق قد انتصب لك عموده فاستندت إليه، ثم تهشّم فسقطت بسقوطه.
وربما أوقد الله في قلبك سعيرًا لا ينطفئ إلا بذَنوب من حياض العلم، فكلما ازددت اشتغالًا سكنت نفسك، وقرّت عينك، وكلما استدبرت العلم لحقك منه لهب وعتب، ولا أحد من الناس دفعك إليه دفعًا وأنت مقبلٌ عليه، ولا أحد حال بينك وبينه وأنت مدبرٌ عنه، فأنت وحدك مقبلًا مدبرًا.
٢
إن هذه الحياة ذات زمن شديد الانتشار، كثيرُ التفاصيل، تطويها راجلًا وراكبًا، ولا أحد يلازمك ملازمة الظل، فتستفتح به اليقظة، وتُطبق جفنيك على رؤيته.
وإذا التقيت بقريب إليك ولو كان أخاك استفهمك عن جديد أنشأته، وطريف أحدثته، فكان بمعزل عن قرارك واختيارك، وكنت وحدك دون أقرب الناس إليك!
ولو قلّبت مطاوي حياةِ بشَرٍ من الناس لوجدت ما لم يكن محل توقع منك، وقد لمست هذا كثيرًا، فما أكثر أن أستمع لعالم أو طالب علم أو عامي، فأجد من غرائب المسالك، وعجيب المناحي، ما كان مستبعدًا وقوعه منه، ومن ذلك: أن بعضهم على حرصه الديني يذهب لجامع بعيد عنه فيصلي مع خطيبه الذي لا تتجاوز خطبته دقيقتين ونصفًا كما يقول! ربما مراعاةً لحال الوافدين من الجاليات.
وآخر كل ظهر في الهاجرة منتصف الظهيرة يقضي وقته في خيمة بناها في الصحراء، يتناول حليب ناقته الوحيدة!
ولو أردنا الاستقصاء لتعذر الإحصاء، وكل شاهد من ذلك يصيح في الناس أن لكل نفس ما اختارت وما إليه صارت، وكل نفس مرتهنة بقرارها واختيارها، وإذا كان كذلك فمن الحرمان أن المرء يسيل به حشد كبير من الناس في وادٍ لا يبصر طرفه، ولا يعرف خبره، إلا أن الموت مع الناس أمانٌ من وحشة الانفراد!
أي خيبة للمرء وهو يذهب مذهب التقليد الذي لا يناسب إلا الطفل مع أبيه، فلا ينتخب لنفسه حياةً أبيّة تأنف من تضييع الوقت، وتستعصي على الانصهار في قوالب الجمود والتكرار؟
٣
إن قرارك بمثابة خاتم في يدك، فأنت (وحدك) من يختار أن يعيش تاريخًا مجيدًا، أو ينام نومًا وئيدًا.
ومن الأعذار الصلعاء أن يَنسب المرء فشله البارد إلى كيدِ غيره، ومن الظلم أن يُنسب نجاحه المستحق إلى تدبيرِ سواه؛ فإنما الإنسان أمير نفسه، إن قعد عن العلياء أكلته الرمضاء، وإن نهد إلى القمّة الشماء زاحم بمنكبيه نجوم السماء، فالنجاح نجاحُه (وحدَه) محفوفًا بجناحي التوفيق والتسديد.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

13 Jun, 13:59


بين الأسئلة المقالية والموضوعية في الكليات الشرعيّة

عندما كانت أسئلة الاختبارات النهائية ترتكز على إفراغ المحفوظ في الورقة كان كثيرون يقولون: جانب الفهم غائب، وهذا لا يُخرّج طالبًا مؤهلًا تأهيلًا صحيحًا.
ثم اتّجه كثيرون بعد جائحة كرونا للأسئلة الموضوعية مثل: الخيارات، فقيل في التثريب على ذلك: خطوط الطلاب صارت بسببها ضعيفة، وإملاؤهم أصبح سيئًا، فلا بد من العودة للمقالي؛ لكي تنشط ملكة الكتابة ولوازمها.
وبعيدًا عن أي النوعين أنسب؛ فإنني أظن أننا نعيش خللًا عميقًا لا تظهر بعض آفاته إلا في ورقة الإجابة، في حين أننا نريد لتلك الورقة أن تكون كتحفة فنية فاتنة!
فهذا الطالب الذي يُراد له ألا يكون خاوي الوفاض من المعلومات، أين نحن وهو عن حفظ متن في التخصص؟ كما هي جادة الأمة قرونًا طويلة. فإن الإصرار على أسئلة ترتكز على جانب الحفظ -مع أنه قد يَحفظ بسرعة وينسى بصورة أسرع- يؤكد ما في اطّراح حفظ المتون من خلل جلل؛ فلو كان حفظ المتون شرطًا لاستغنينا به عن الاستماتة في استنقاذِ الحفظ بوضعِ أسئلة ترتكز عليه.
وكذلك الطالب الذي نلاحقه لكي يحفظ ما في المقرر من آيات أو أحاديث قليلة.. فإن في حفظه القرآن ومتون الحديث الشهيرة غُنية عن ذلك.
وهذا الطالب الذي نَكْره له أن يكون حاويةَ معلومات مآلها إلى الإبادة ولا يكون فاهمًا فهمًا دقيقًا.. كان في وسعنا أثناء الدراسة نثر المادة قِطَعًا من المعلومات والمهارات بجعلها مبثوثة في أعطاف الواقع فيعيشها متفاعلًا بواسطة الأمثلة التطبيقية، والنقاش، ويكون له دور في كل هذا.
ولذلك أحسب أننا نسلك فجاجًا مخترعة في التعليم ثم نتفاجأ بما تبديه ورقة الإجابة من مظاهر شائهة، وكأننا كنا ننتظر عواقب حميدة!
إن الطالب هو غرسك الذي عملتْ عليه يدك، فهل أنت سلكت به طريقًا قويمًا كما كانت طرائق الأسلاف الأجلاء، فعُنيتَ به في حفظ متن، واستشراحه، وضبطه، وما يلزم مع ذلك من مهارات وملكات؟ أم تسلمه مذكرة ويخرج من عندك كما لو عبَر الجامع من باب إلى باب واستمع بينهما ربعَ ساعة إلى الخطيب؟
إن طالبًا يجتاز الكلية وهو لم يحفظ القرآن والمتون، ولم يُحكم شروحها، ولم يتعرّف على مؤلفيها، ولم يتأهل لتدريسها، ولم يكتسب ما يلزم من مهارات وملكات ولو في قدر معين؛ لهو طالب لا يصلح لشيء، وعليه أن يلوذ بباب الله لعله يهديه إلى منهج راشد، وطريق قاصد.
والمقصود من كل ذلك:
أن مشكلة الطلاب هذه لا تحل في وقت الاختبار المحصور في نصف ساعة، وبالنظر لنوع الأسئلة (هل هي مقالية أم موضوعية؟)، وإنما بمنهج تعليمي مأثور متكامل، فيقع الاختبار محققًا لغايته من كونه لقياس مستوى الطالب فحسب، لا أن يُجعل طريقًا لإكسابه ما يحتاج إليه! فإن هذا إنما يحصل بسلوك منهج تعليمي رشيد، في زمن مديد.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

07 May, 21:32


لو أن شخصًا دخل السوق ليتلقى التدريب على صنعة من الصنائع، فصار أستاذه يلقاه بقواعد مجردة لم يصل إليها النظار في تلك الصنعة إلا بعدما علت مناكبهم فيها، وتوالت مطارقهم على تثقيفها، لكان في ذلك أعظم ترويع لذلك المسكين الذي تراءت له الصنعة قريبة المنال، فوجدها حبيسة الأحلام!
ولو أن الصانع هوّن على صاحبه وأجمل له في القول ما يكون فاتحةَ فهم، ونافذةَ بصيرة، وقرّب له أسرارها بوضع يده على مفاتحها بأنها تشبه كذا وكذا مما يدركه بعقله دونما عناء: لكان محسنًا أيما إحسان؛ فإن الذي يُريك الصنعة قريبةً منك ليس كالذي يجعلك تراها متعذرةً عليك -ولو لم يقصد ذلك-.
وإذا تقرر ذلك فهو يشبه حال المتون العلمية المتقدمة؛ لأن تلك المتون في مرتبة متقدمة من السبك اللفظي، والتدقيق المعنوي، فهي نهاية ما جادت به عقول العلماء، ولا تختص فائدتها بالحفظ فقط، بل صارت كالمواد القانونية التي مهما سرحت خيول الناظرين فهي الحاكم الذي يقضي على غيره، مع الاستعانة بما كُتب عليها من شروح.
ولو نظرت في حال كثير من شُراح المتون لوجدت أن مبتدأ الشرح عندهم من المتن نفسه؛ فاستفتح عقل الطالب بالخطوة الأخيرة لا بالأولى! فبدلًا من التمهيد والانطلاق من المعلوم إلى المجهول، ومن المثال إلى التجريد، فعل العكس، وهو الانطلاق من المتن المستغلق إلى الإيضاح، فربما استصحب الطالب تلك الرموز المغلقة فلم يبرحها إلى ما بعدها، وهذه في نظري هي مشكلة تدريس النحو، فإن الطالب يُصدم بما انتهت إليه عبارات تعاقبت عليها قرونٌ من التجويد والتدقيق، فيُراد من الطالب أن يبدأ من حيث وقفت راحلة العلم! ولذا جاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة قوله: (يجب على كل ذي صنعة أن يتدرج في تعليمها من الأظهر إلى الأخفى، ومن الأخير إلى المبدأ)، ويقصد -فيما أفهم- بالجملة الثانية أن الواجب هو تناول ما قرب من المعنى قبل المصير إلى بعيده.
ولقد جربت أن أستفتح الأبواب أو المسائل الصعبة بتمهيد إجمالي ينطلق من واقع يعرفه الطالب، متضمنًا الأمثلة القريبة السهلة، وربما أثير له بعض الإشكالات، وقد يصحب ذلك تشجير على السبورة أو بعض الرسوم، ثم ندخل في كلام المصنف وقد تهيأت النفوس لما استعدت به من فكرة مسبقة، فيسهل عليها الفهم بإذن الله.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

07 Mar, 10:14


نقص القادرين

إن في نقص القادرين على التمام دون درك الغاية المثلى لَعَيْبًا لا يُجبر كسره، ولا يَنقطع أثره؛ لما فيه من تغرير أو تفريط، ولهذا صور كثيرة؛ ومنها:
١- أن يكون القادر على التمام بتخاذله إمامًا في الوهن والبوار، فكلما طمحت عين إلى العلياء رأت في قعوده عنها أمارة على خطل الرأي، وعمى البصيرة، ورأت أن ما اختاره من رأي هو من السداد في النظر، والعزيمة على الرشد.
ولا يخطر ببال هؤلاء القادرين أنهم بركونهم إلى الدعة قد نصبوا لواء ينادي إلى التماوت والقعود، ويتكاثر المنضوون تحته ليكون لهم دليلًا على حسن الاختيار، وما علموا أن فيه مقاتلهم.
وهذه السمة غالبة في من يحكمهم مزاج شديد التقلب، وتأسرهم نفوس شديدة التمرد، فهم تحت وطأتها وعادتها، فما استروحت نفوسهم له تلقوه بالنشاط والأنس، وما انصرفت عنه اطرحوه، ويظن المقتفي أثرهم أنهم عن حكمة فعلوا، وعن دهاء تركوا.
ولو أُنزل كل شخص منزلته من مناسبة الاقتداء به لتبين أن بعض الناس يصلح لأن يكون قدوة في أبواب كثيرة، وبعضهم يصلح للاقتداء في بعض أحواله دون بعض، ولكن ذلك يفوت على العامة وطلاب العلم المبتدئين، فيقع لهم من الشقاء بقدر ما يفوتهم من فهم تلك المقامات.
٢- أن يتصدى القادر على التمام للتأليف في تخصصه، ويقضي وقتًا طويلًا في مكتبته لتشييد مؤلفاته بعدما أفنى ثلاثة عقود أو تزيد في ذلك الفن، ثم يُخرج كتبًا عناوينها مليحة، وأفكارها بديعة، ثم يكون مضمونها ضعيفًا باهتًا؛ لأنه شتّت همّه بين مصنفات كثيرة، وقصد إلى الكتابة في قضايا متعددة، فعاد القصور عليها كلها، فلم يستوفِ ما ينبغي أن يُقال فيها من تحرير للمعاني، وما يساق من تزيين للمباني.
ولو أنه استمهل ولم يجعل الكثرة سائقه، وعُني بالإبداع عناية فائقة، لأحسن غاية الإحسان، فكتابٌ واحدٌ يَنسأ في أجلك العلمي خيرٌ من كتب مهلهلةٍ، ضعيفة القوى، قليلة البقا.

https://t.me/aabrahem01410

نثار الخواطر

12 Feb, 05:23


الزلزال العنيف

إن ما جرى لإخواننا المسلمين إثر الزلزال المدمر لهو كالصفعة العنيفة التي تقتلع كل نبات غرسته الدنيا في العقول والنفوس، فبينا الناس في رحلة طويلة مليئة بالتفاصيل الدقيقة ابتداءً من النفير إلى المدارس والأعمال، ثم معافسة الأهل والأصدقاء انتهاءً، إذا هم يخلدون إلى نومهم في بيوتهم، وهذه الحال أبلغ ما يكون فيها الإنسان أمانًا من مباغتة الناس له بما يكره بالاعتداء عليه في نفسه أو جسده، والنومُ يصير إليه الإنسان بعد انقضاض بدنه تعبًا ونصبًا، ولكنها نومة عَقِبَها تنغيص لا تندرس آثاره، ولا ينجلي غباره، يتمدد الإنسان على فراشه ليُلقي عنه عناء الحياة ووعثاءها، ثم يستقيظ كعادته في الصباح وقد ثاب إليه نشاطه، ولكن في أثناء نومه تلك الليلة المرعبة تموج الأرض به موجة عنيفة، ثم تتداخل الطوابق، وتنهار البنايات، وبعضها ينهال على بعض، فيُطبق على النائم ما لا يدري أي شيء هو، فإما أن يموت في لحظته قبل أن يتجرع كأس الموت شيئًا فشيئًا دون أن يتمتم بوداع هامس، ويغادر بطرف ناعس، وإما أن يبقى وفيه من الحياة ما يجعله لا يرى إلا ظلامًا دامسًا، ولا يشعر إلا بجسمه الذي رجمته الحجارة، وإن سمع فأنّات وآهات تنبعث من تحت الأنقاض، فلا هو بالذي يستطيع أن يسعفها، ولا هو بالذي ينفصل عنها!
يا لها من ليلة تحول فيها الربيع إلى يباب، والقصر إلى خراب، والوحش إلى ذباب.
ليلة أخبرت الإنسان أن بيت العمر الذي يثِبُ من فراشه لأجله كل صباح، قد يكون فيه مقتله قبل انبلاج الصباح.
اللهم ارحم إخواننا المسلمين الذين قضوا بحكمتك، وعوضهم عما أملوه خيرًا من آمالهم، واجعل ما أصابهم هو آخر نكد يعرِض لهم، واكتبهم شهداء سعداء يوم لقائك، واجمعنا بهم في جنات عدن غير مبدلين ولا مفتونين.

https://t.me/aabrahem01410

1,710

subscribers

9

photos

172

videos