.
.
خمس وعشرون سنة أمضاها كثير من رواد المساجد في جوّ مشحون بسوء الظن بالناس، وتغليب اعتقاد الفساد في أديانهم، والتشكيك فيما انطوت عليه قلوبهم، والاستهانة بفضائل أعمالهم، والسخرية من كلامهم، والمسارعة في غيبتهم والنميمة عليهم. خمس وعشرون سنة كان الواحد من هؤلاء يعتقد فيها أنه فاعل، ولا يدري أنه منفعل بما عوّد عليه نفسه، وطبع به قلبه، من سوء الظن، والمسارعة إلى التهمة، والضن بالنصيحة، وطي الكشح على البغضاء..
.
هذه الحياة المتقلبة في أكناف الطعن في المسلمين، ما كانت لتمر دون أن تنقلب على صاحبها، بأن تدركه سيئته، وتنقلب عليه رذيلته، ويصير بناؤه ريبة في قلبه، وهو الذي بنى على نفسه حجرا على حجر، يطرد منه من شاء، ويرمي منه عُلوِه من شاء، يحسبه حصنا يتحصن فيه، وهو لا يدري أنه سجن يحتبس فيه.
.
وإن من السيئات التي أراها أدركت أصحابها في زماننا هذا أن يحرم الله قلوب رجال من أن يساكنها الأمن إلى الصالحين الناصحين، فلا يرى الواحد منهم أن أحدا ينصحه لوجه الله، بل يرى أن كل من حوله ساعون في ضلاله، جادّون في فساده وبواره، فالدواء له مبذول، والشفاء عنه ممنوع، نسأل الله العظيم أن يعافينا من مثل تلك الحال، فكما حالَ هو بين الناس وبين أسباب الهداية، عاقبه الله بجنس خطيئته، فحال بينه وبين الانتفاع بالموعظة وقبول النصيحة، كما قال تعالى: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه).
.
وأي حال شرّ من أن لا ينصح لك من تسمع له، ولا تسمعَ لمن ينصح لك..:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما***والماء فوق ظهورها محمول..!
فتستسمن الورم، وتستسمّ الدواء، وحسبك بهذا ضلالا عن الهدى..
.
اللهم ربنا، ربّ كل شيء ومليكه، يا مقلّب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، نعوذ بك أن تَتَّبعنا سيئاتُنا وتزجَّ ذنوبُنا بأقفائنا فتكبنا على وجوهنا، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا اللهم من الراشدين..
#آمنت_بالله_وحده
.