ولهذا فإنك تجد المصالح الدنيوية المترتبة على المصالح الدنيوية والمبنيّة على بعضها كلها من أجل المصلحة الأخروية:
ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57]
فترتّب على ما جعله الله من الرياح المرسلة مصلحة البشرى بالرحمة المُنْزلة، ومصلحة حمل السحب المثْقلة، ومصلحة سَوقها للبلد التي شاء الله تعالى إنزال المطر فيها، ورتّب على نزول المطر من السماء مصلحة إخراج كل الثمرات، وجعل ذلك آيةً بينةً على إحياء الله للأموات، ثم جعل العلة من ذلك كلّه هي العبرة والتذكرة.
فانظر كيف ترتبت مصالح الاعتبار بها على إحياء الموتى، وعلى مصلحة التذكرة الحاصلة بذلك كله،
فكانت المصلحة الأخرى هي المقصد والمنتهى، وهي الحسنة الكبرى، والغاية التي ترتجى.