شاركت في الشهر المنصرم في ندوة المجمع الفقهي الإسلامي الدولي والمنعقدة في جدة حيث ناقش فيها أحد محاورها حكم اللحوم المستنبتة.
وبعد نشر خبر الندوة وجدتُ كثيرًا من الناس يتساءلون: ما هي اللحوم المستنبتة؟ وكيف تستزرع؟!
ولقد وصلتني العديد من الاستفسارات حول هذا الموضوع وعن مدى أهمية الفتوى وشروطها المذكورة.
وأحب أن أقول قبل الولوج في موضوعها .
أقول إنه من المهم معرفة أهمية فقه النوازل، حيث يبادر العالِم بالفتوى لحماية أديان الناس. فالعالَم اليوم يسير بسرعة كبيرة نحو إيجاد الكثير من الأطعمة سريعة التحضير قليلة التكلفة، ونحن لسنا بمعزل عن العالَم، بل إننا نخالطهم ونشاركهم في كثير من الأطعمة سواء في بلادنا أو بلادهم أو حتى في وجبات الطعام التي تُقدَّم على متن الطائرات. وبما أن العالم بدأ بتقبُّل موضوع الاستنبات، فأرى من الضروري المبادرة في وضع الضوابط الشرعية لها لكي يتضح للمسلم ما يجوز أكله منها وما لا يجوز وهذا هو اللذي قامت به لجنة الأمور العامة في هيئة الفتوى في دولة الكويت.
ونقول في تعريف اللحوم المستنبتة وأهميتها:
اللحوم المستنبتة و تُعرف أيضًا باللحوم المستزرعة: وهي اللحوم التي يتم إنتاجها من خلال زراعة خلايا عضلية حيوانية في مختبرات تحت ظروف صناعية معقمة. بدأت هذه التقنية بشكل جدي في عام 2013 عندما قام العالم الهولندي مارك بوست من جامعة ماستريخت في هولندا بعرض أول شريحة لحم مزروعة في مختبر. تهدف اللحوم المستنبتة إلى تقديم بديل للطرق التقليدية في إنتاج اللحوم التي تتطلب تربية الحيوانات وذبحها.
ويزعم الذين يدعمون تقنية اللحوم المستنبتة أنها تقلل الضغط البيئي وأنها تحد من تلوث البيئة، وأيضًا بزعم بعضهم أنها تحسن الصحة العامة لأن هذه اللحوم المستنبتة تُنتج بدون استخدام المضادات الحيوية أو الهرمونات التي تُستخدم في تربية الحيوانات.
وهذه الادعاءات كلها لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق إذا ما علمنا أنه لا توجد دراسات طويلة الأمد تكشف عن مدى تأثيرها السلبي أو الإيجابي على صحة الإنسان، حيث هي المحور الأهم بعد أهمية الحكم الشرعي عند المسلمين.
وأما عملية إنتاج اللحوم المستنبتة فنقول بشكل مبسط:
تبدأ عملية إنتاج اللحوم المستنبتة بأخذ خلايا عضلية حيوانية يتم تحفيزها لتنمو في وسط غذائي يحتوي على جميع العناصر اللازمة لنموها حيث تُزرع هذه الخلايا في بيئة معقمة وتُغذى على الجلوكوز، والأحماض الأمينية، والمعادن، والفيتامينات. ويتم تسريع نمو الخلايا باستخدام عوامل نمو خاصة، ومع مرور الوقت تنمو هذه الخلايا وتشكل نسيجًا عضليًا يُعد الأساس لإنتاج اللحم. وتستغرق هذه العملية بضعة أسابيع.
الحكم الشرعي:
اللحوم المستنبتة من النوازل المستجدة التي لم يسبق للفقهاء الحديث عنها وبما أن الأدلة الشرعية عامة وليست خاصة في المسألة فيلزمنا دراسة هذه المسألة بناءً على القواعد الشرعية والمقاصد الكلية للشريعة .
وقد تم عقد عدة مؤتمرات فقهية وندوات علمية مؤخرًا لمناقشة الحكم الشرعي لهذه اللحوم.
وكانت لجنة الأمور العامة في هيئة الفتوى سباقة في دراسة الموضوع بالشراكة مع معهد الكويت للأبحاث العلمية، حيث وفر لها الأخير كل المعلومات المهمة بكل جدية وشفافية، مما جعل الفتوى أكثر وضوحًا ودقة في شروطها المذكورة.
ولا تكاد تجد فتوى صدرت بعدها من جهات أخرى وخرجت عن إطارها، حتى قال لي أحد العلماء المبرزين في أحد المؤتمرات المتعلقة باللحوم المستنبتة: لو انتهى مؤتمرنا هذا إلى ما انتهت إليه الفتوى الكويتية لكان إنجازًا.
لأن في الحقيقة، أهمية فتوى لجنة الأمور العامة ترتكز على ثلاثة أمور:
الأول: أنها استقت المعلومات والإجراءات المتخذة في الاستنبات من مصدر موثوق ومتمكن.
الثاني: أنها وضعت الشروط الشرعية بشكل واضح ودقيق ولم يكن هناك خلط بينها أو غموض، بل واشترطت أن تكون عملية الاستنبات تحت إشراف جهة إسلامية.
الثالث: لم تكتفِ بالشروط، بل حثت على أن تكون عملية الاستنبات في بلد إسلامي لتُطبَّق خطوات مشروعيتها بشكل أكثر أمانًا.
وهذا هو نص الفتوى:
(يجوز استنبات اللحم حسب التقنية المذكورة في الاستفتاء إذا روعيت في الاستنبات الشروط والضوابط الآتية:
أولاً: لا يجوز أخذ الخلية الجذعية من جسم حيوان حي، ويجوز أن تؤخذ من حيوان مباح مذكى.
ثانيًا: لا يُضاف إلى المنتج الدم ومشتقاته.
ثالثًا: أن تكون المواد المضافة إلى المنتج حلالًا طاهرة.
رابعًا: ألا يترتب على تناول اللحم المستنبت ضرر على الإنسان.
خامسًا: أن يتم الاستنبات في كافة مراحله تحت إشراف جهة إسلامية تصدر شهادة بحل المنتج.
وقد أوصت اللجنة بضرورة توفير تقنية استنبات اللحم في الدول الإسلامية؛ وذلك لتحقيق الاطمئنان إلى حل المنتج.
هذا ما أردنا توضيحه في هذه المقالة المختصرة والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
تركي عيسى المطيري
[email protected]
https://t.me/mehbara