لا يُبالغ الإنسان لو قال أن حِفظ الألسن سيأخذه إلى جِنانٍ عامرة وأنه شطر العلاقات الطيبة إن لم يكن أُسّها.
فاللسان إذا تحرك في مسائل "لا تعنيه أو لا منفعة ترجى من خلفها" فقد فتح على نفسه بابًا من الشرور لا يُسد، ومنافذَ مُشرعة من التعاسة والشقاوة، وصدق في قوله ﷺ "من حُسنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وأعقبه ابن رجب رحمه الله بقوله: هذا الحديث أصل من أصول الأدب.
ولنأخذ على ذلك ضروبا من الأمثلة:
- فعلى صعيدِ الصداقات فكثرة الشكوى بلا جدوى، والتدخل في شأن الطرف الآخر مدعاة إلى السآمة والضيق، والملل سجيّة بشرية فلا تطيق أن تحتمل لسانا دائرة حديثه لا تزيد نفعا ولا تبث أُنسًا.
- وعلى صعيد العلاقات الزوجية، فاللسان الذي لا شغل له إلا أحاديث الشك والريبة بلا دليل، والغيرة الخانقة والتذمر المتوالي، باعثٌ إلى النّفرة والضيق والفِرار من هذا العُش الذي أضحى بما اقترفه هذا اللسان سجنًا.
- وقِس على ذلك كل ترابط إنساني يكون فيه اللسان مِعْوَل تهشيم وهدم للعلاقات، وكان الأولى به أن يكون عامرا لها ناشرا للبهجة في أرجائها.