فإن الناس حين رأوا أن أقدم ما بلغنا عن العرب في شعرهم ونثرهم وأخبارهم كلها لا يجاوز ٣٥٠ سنة قبل الإسلام= ظنوا أن هذا هو زمان ميلاد العرب جملةً وأوان ظهورهم، وأن العرب قبل ذلك لم يكونوا شيئا مذكورا.
وهذا لا يكون البتة، بل إن شواهد لغتهم نفسها، وشواهد التاريخ والآثار ناطقة بقدمهم المعرق، بل ثَمّ من قال بأنهم أقدم خليقة، وما ذاك ببعيد.
ولا يلزم من ذلك أن لغتهم في ذلك الزمان السحيق كلغتهم حين نزل القرآن، بل لا بد أن يكون بينهما من التفاوت كما بين الزمانين من بَون، إلا أنها متصلة بحبل متين غير منقطع.
ومن جعل هذا الأمر على ذُكْر منه في أية شعاب العربية سلك، انفتحت له أبواب من العلم والفهم لن تفتح له بغير هذا المفتاح.
وهذه قضية لا تفي بها المجلدات، لكن أذكر ذلك مَنْبَهَةً وتذكرة.