أنفاسُ القريضِ.

كَم ليلةٍ بِتُّ مَطوِيَّا عَلَى حرَقٍ
أَشكُو إلى النَّجمِ حتَّى كادَ يَشكُونِي

-ابن رشيق القيرواني.

جسمٌ يذمُّ النفسَ وهيَ تذمّهُ
في مُجملٍ من أمرها ومُفصّلِ..

-أبو العلاء المعرّي [اللزوميّات].

يا نفس؛ أنت شرٌّ من جسدك، وجسدُكِ شرٌّ منك، لو استطعتُ لانتفيتُ عنكِ أبلغَ انتفاء..

-أبو العلاء المعرّي [الفصول والغايات].

ذهب الذين إذا رأوني مُقبِلًا
بشّوا إليَّ ورحّبوا بالمُقبِلِ..

-عبد الله بن عروة بن الزبير.

غدوتُ ابنَ وقتي؛ ما تقضّى نسيتُهُ
وما هوَ آتٍ لا أُحِسُّ له طعما..

-أبو العلاء.

يا ليت شعري؛ هل يعودنّ لي
‏ذا الوُدّ من ليلى كما قد مضى؟!

‏إذ قلبُها لي فارغٌ كلُّه
‏أم كان شيئًا كان.. ثمّ انقضى؟

-العرجي.

صَحِبتُ قوماً يُعَدُّ الشَّرُّ عندهُمُ
حزماً تُشيرُ بِه الآراءُ وَالفِطنُ

عَموا عن الرُّشدِ واعتادت نُفوسُهمُ
فعلَ القبيحِ فظَنُّوا أنَّه حسَنُ!

-ابن سنان الخفاجي.

‏موتٌ يسيرٌ معهُ رحمةٌ
خيرٌ من اليُسرِ وطولِ البقاءِ..

-أبو العلاء.

«وأنّ يدي ممّا بخلتُ به صفرُ..».

يا سعدُ زُرْ أرضَ المعرّةِ نائبًا
عنّي، وسِرْ فيها مسيرَ مُبجَّلِ..

-ابن الوردي.

قِف بالمعرّةِ وامسح خدّها التَرِبا!

-الجواهري.

هل ترجع الدارُ بعد البعدِ آنسةً
وهل تعودُ لنا أيّامُنا الأُوَلُ؟

-البرعي.

عند سماع بعض الأغاني والهتافات الثّوريّة؛ تحسّ أن نغمتها مألوفة، ربّما لأنّها قريبة من أوزان بعض البحور الشّعريّة، أغاني السّاروت نموذجًا..

عقبال الفرحة الكبيرة لننشر النعي الأسطوري، لابن الرومي:

أقول إذ هتفَ الداعي بمصرعهِ
لبّيك لبّيك! من داعٍ بتبيينِ

نعيتَ من جمدت غزر العيون له
فلم تفِض عبرةٌ من عينِ محزونِ

فإن تصبك من الأيامِ جائحةٌ
لم نبكِ منك على دنيا ولا دينِ

يا منكرًا ونكيرًا أوجعاه فقد
خلوتما بقليلِ الخير ملعونِ

بعدًا وسحقًا له من هالكٍ نطفٍ
مشوّه الخلق من نسلِ الشياطينِ..

يا شاكيَ النوبِ انهض طالبًا حلبًا
نهوضَ مضنًى لحسمِ الداءِ مُلتمِسِ..

-أبو العلاء المعرّي.

مواطنُ لو حللتُ بها لكانت
لأسقامي وأدوائي شفاءَ

ولو أنّ الزمانَ إذا تقضّى
بها يُفدى؛ بذلتُ له الفداءَ..

-الصرصري.
-

اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وعلى الأصحاب والآل وسلّم تسليما.

ملَّكتُهُ في الهوى قلبي فصارَ لهُ
عبداً مُطيعاً وفيما شَاءَ يسلكُهُ

ثم انثنى مُعرِضاً والقلبُ في يدِهِ
هَلاَّ جَفَاني وقلبي كنتُ أملُكُهُ!

-أبو بحر الخطي.

«قيل إنّ "المحبّة" مشتقّة من اللزوم والثبات، ومنه "أحبّ البعير" إذا برك فلم يقم كأنّ المحبّ قد لزم قلبُه محبوبَه فلم يرُم عنه انتقالًا..

وقيل: بل هي مأخوذةٌ من الحُبّ الذي هو إناءٌ واسعٌ يُوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يتسع لغيره، وكذلك قلبُ المُحبِّ ليس فيه سعة لغير محبوبه..

وقيل: مأخوذة من الحُبّ، وهو الخشبات الأربع التي يستقرّ عليها ما يوضع عليها من جرّةٍ أو غيرها، فسُمّيَ الحبُّ بذلك؛ لأن المحبَّ يتحمّل لأجل محبوبِه الأثقال، كما تتحمّل الخشبات ثقل ما يُوضع عليها..

وقيل: بل هي مأخوذة من القلق والاضطراب، ومنه سُمّيَ القُرْط حِبًّا؛ لقلقه في الأُذُن واضطرابه..».

-روضة المحبّين ونزهة المشتاقين لابن القيّم.

-

يُعرّف أمير الشعراء الحبّ فيقول:

«وما الحبّ إلّا طاعةٌ وتجاوزٌ
وإن أكثروا أوصافهُ والمعانيا..»


بينما يقول ابن حزم في باب "علامات الحبّ" من رسالته الشهيرة "طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف":

«ويعرض في الحبّ سوء الظنّ واتّهام كل كلمة من أحدهما وتوجيهها إلى غير وجهها..

وإنّي لأعلم من كان أحسن الناس ظنًّا، وأوسعهم نفسًا، وأكثرهم صبرًا، وأشدّهم احتمالًا، وأرحبهم صدرًا، ثمّ لا يحتمل ممّن يحبّ شيئًا، ولا يقع له معه أيسر مخالفة حتى يبدي من التعديد فنونًا، ومن سوء الظنّ وجوهًا!»

الحبّ عند الأمير طاعةٌ وتجاوز وعند الإمام الظاهريّ سوء ظنٍّ وترصّد..
-
يُكمل شوقي:

«وما هوَ إلّا العينُ بالعينِ تلتقي
وإن نوّعوا أسبابهُ والدواعيا..»

بينما يذكر الإمام ابن حزم أسبابًا وأسباب تجلبُ الهوى، ويقول بشّار بن بُرد:

«يا قوم؛ أُذني لبعض الحيّ عاشقةٌ
والأذن تعشق قبل العينِ أحيانا

قالوا: بمن لا ترى تهذي! فقلتُ لهم:
الأذن كالعين تؤتي القلبَ ما كانا..».
-

في رواية "كائن لا تُحتمل خفّته" للأديب النصف فرنسيّ ميلان كونديرا؛ أدركت بطلة القصّة تيريزا في لحظة تأمّل أنّ حبّها كلبتها أكثر حريّةً من حبّها توماس زوجها، لا تنتظر من الكلبة أن تبادلها الحبّ ولا أن تقابلها بمثل ما تأخذ منها ولا تتذمّر الكلبة من تصرّفات مالكتها، والحال ليست كذلك مع زوجها..

إذن الحبّ قيد؛ أو كما يقول تميم في شطر: «أهلُ الهوى فئةٌ أحرارهم رِقُّ»، أو كما وصف عليّ بن الجهم نفسه في أحد أبياته بـ: «أسير الحبّ»..


في كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى" الذي يروي فيه تجربته في معسكرات الاعتقال النازيّ يقول الدكتور وعالم النفس وصاحب المدرسة النمساويّة الثلاثة في العلاج النفسي: العلاج بالمعنى فيكتور فرانكل أنّ ممّا ساعده للهروب من جحيم الاعتقال هو: الحبّ، كان دائم الاستحضار لخيال زوجته فيحدّثها ويصحبها معه أينما حلّ وارتحل؛ يقول:

«خطرت لي فكرة أصابتني بالذهول: للمرّة الأولى في حياتي أرى الحقيقة بصورتها المجرّدة، كما تغنّى بكتابتها كثيرٌ من الشعراء، وكما وصفها الكثير من المفكرين بالحكمة المُطلقة..

وهذه الحقيقة هي: أنّ الحب هو أعلى وأسمى هدف يمكن للإنسان أن يطمح إليه، إنّ خلاص المرء يكون من خلال الحبّ، لقد فهمت كيف لرجلٍ لم يتبقَ له شيء في العالم ما زال يعرف معنى النعيم من خلال التأمّل في محبوبه».

فيكون الحبّ: حريّة..
-

في كون الهوى يرفع المرء ويخرجُ منه أحسن ما عنده قال كُثيّر عزّة:

«ويهتزُّ للمعروفِ في طلبِ العُلا
لتُحمَدَ يومًا عند 'عزَّ' شمائلهُ».

وفي كونه يضع من المرء ويُضعف همّته قال أبو نواس:

«لقد كنتُ حينًا عزوفًا جليدًا
على ما ينوبُ قويًّا شديدا

فصيّرني الحبُّ لا أستطيعُ
أُقِلُّ بكفّي من الأرضِ عودا!».

-
يقول البحتري:

«وأعزُّ ثمّ أذلُّ ذلّةَ عاشقٍ
والحُبُّ فيه تعزُّزٌ وتذلّلُ..»

عزّ وذلّ..
-

إذن الحبّ جمعٌ للأضداد: تجاوزٌ وترصّد، حريّة وقيد، تعزّزٌ وتذلّل، همّة وركون..

في عبارةٍ جميلة يصفه أحدٌ فيقول:

«‏سُبحان بارئ الحُب؛ ما في الوجود كله أعجب منه!

أنفعُ شيءٍ وأضرُّه، وأبردُ شيءٍ وأحرُّه، وأحلى شيءٍ وأمرُّه، وأهيجُ شيءٍ وأقرُّه».

وكما يقول ابن نباتة:

«فكأنّ الحبّ دائرةٌ بقلبي .. فحيث الابتداءُ الانتهاءُ»

نعود في النهاية إلى البداية، يختم شوقي أبياته بقوله:

«وعندي الهوى موصوفه لا صفاتهُ،
إذا سألوني: ما الهوى؟ قُلتُ: ما بِيا!».

ويبتدئ ابن حزم رسالته بقوله: «الحبّ -أعزّك الله- أوّله هزل وآخره جدّ، دقّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة».

تُدرك حقيقته بالمعاناة أي بأن تكون مُحبًّا فيُصبح الحبّ هو الموصوف نفسه؛ فاتّفقا -الإمام والشاعر- بعد الاختلاف، أو اتّضح أنّ ما كان يبدو اختلافًا لم يكن كذلك..

فإذا غَليلُ الحُزنِ أعطَشَ مُهجةً
فَعَلى دموعِ العَينِ رِيُّ ظِمائِها

-أبو بحر الخطي.

Dead Poets Society (1987).

لما أقرأ بيت شعر من النكد المصفى لأبي العلاء المعري يخلي الواحد يقوم يقطع شرايينه