ولا أنشد الأشعارَ إلا تداويا

قلت على لسان السنوار تقبله الله من الشهداء:

لَأن تكونَ يدي ترميكمُ بعصا
وأختُها قد أصابتها المناشيرُ

فتقتلوني وأشلائي مُمزَّعةٌ
وتأكلَ الضبعُ لحمي والمناقيرُ

وأن يراني إلهي صابرًا عَجِلًا
ويَشهدَ التُّرْبُ فوقي والعصافيرُ

وأن تُقيموا على قتلي موائدَكم
ويُنفَخَ البوقُ سَعدًا والمزاميرُ

خيرٌ منَ ان أجتدي عيشًا مُنغَّصَهُ
وأن تروني ذليلًا يا خنازيرُ

هي المنيةُ قد حُمَّت من الأزلِ
تسري إلى الخلق من ماض ومقتَبَلِ

تَروي صداها بأعناق مُسوَّمةٍ
حتى ترد حشاها غير مُشتعِلِ

هِي الرزيَّةُ لا دَرَّت محالبُها
كم مزقت من جميعِِ غيرِ منفصِلِ

أتت علينا قضاءً لا مرد لها
مرحى بأمر قضاه اللهُ مُمتَثَلِ

إني من القوم لا يخشون حائمةً
من المنايا إذا ما الله آذنَ لي

أنعم بغزّةَ من قوم لهم ذِكَرٌ
يسري بهم كلُّ عجعاجٍ مع الإبِلِ

صِيدُ الكماة وألحاظُ الردى رصَدٌ
ترمي بها الكلَّ من أنثى ومن رجُلِ

تُغري أناسا وما يغري بهم أحدٌ
إلا المنايا ذواتُ الأعينِ النُجُلِ

تأبى المنيةُ إلا أن تناسبَهم
ما تبتغي في وجوه الخلق من بدَلِ

تبدي لنا الغنجَ في ألحاظ مقلتها
أزكى إلى النفس من خمر على عسلِ

  هي الحتوفُ كأن اللهَ أنشأها
من كل ضلع فكلُّ القوم في مَيَلِ

وضاحةٌ إن رأتها الشمسُ طالعةً
ولت توارى من الأفلاك في عجلِ

كريمةُ النفس والأهلين باذلةٌ
من أهل غزةَ آسادِ الردى الأُوَلِ

همت تجر ثيابَ الدَّل في ترفٍ
فأردفتنا مَواتا قبلما الأجلِ

وأوقعتنيَ في حبل الهوى شَرَكًَا
كم أوقعت في هواها قبلُ مِن رَجُلِ

قامت تَظاهر تُخفي وجهَها خجلا
والله يعلم ما تنويه من عملِ

وأعطفت بيديها نحو غُرتها
تسبي بهن قلوبَ القوم بالحُللِ

لما رأت أعينَ الواشين تنظرُها
أومت إلينا بعينيها على وَجلِ

غُضوا من الطرف وامتثلوا لربكمُ
في سورة النور من أمرٍ ومن مَثلِ

فما علمتُ لها من قبلها شَبهًا
تدعو إلى الله أم تدعو إلى الزللِ

سبحانك اللهُ تُدني كل فاتنة
من الرزايا إلى قومي بلا مللِ

هَبوا إليها سراعا يرتجون بها
نيلَ المودة في مهر من الأسَلِ

فأنكحوها ذراري النفسِ غاليةً
وأنحكتهم بناتَ الموت بالغزلِ

سُمرُ الغدائر حُمرُ الراح قد خُضبت
فيها الدماءُ دماءُ الصارم البطلِ

يسقي الشهيدُ فلا والله ما ظمئت
نفسٌ روتها يدُ الصنديدِ مِن نهَلِ

أزكى من الطيب ريحُ المسك عابقةٌ
بها الشهادةُ في الأثواب والقُلَلِ

زَفوه نحو سِماكِ العز مرتقيا
هامَ الثريا إلى عالٍ من النُزلِ

هل يستوي الموتُ في سُوح الوغى بطلا
والموتُ في الحب من وجدٍ على طَللِ

ليس الكميُّ الذي تُرديه عاديةٌ
مثلَ الدنيِّ الذي يَهوِي من الثمَلِ

آمنتُ بالموت لولا أنه فَرَقٌ
يغشى الأحبةَ لم أجزع ولم أمَلِ

-صفاء رمزي الوادِيّة.

سئمتُ من الحياة ولو دعاني
حِمامُ الموتِ في عجلٍ رضيتُ

ولكن الحمامَ له كتابٌ
فلا يُدعى إليه ولا يفوتُ

عجبتُ لبَعضِهم يحيا لعَيشٍ
وها أنا للمَنِيَّةِ أستميتُ

فلا أملي يُعجِّلُ بالمنايا
ولا سأمي بذي الدنيا يموتُ

لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألمَا
على فِلسطينَ مُسوَدًّا لها علمَا

ساءت نهاريَ يقظانًا فجائعُها
وسئن ليليَ إذ صُوِّرنَ لي حلمَا

رمتُ السكوتَ حدادًا يوم مَصرَعِها
فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فمَا

أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ
هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلمَا؟!

#الجواهري

بعد صلاة المغرب، بدأت الأرض تهتز بقوة وترتجف الشبابيك التي سقط زجاجها من قبل وبقي إطارها يرتجف مع كل ضربة، حتى خلنا بأن الحيطان ستقع علينا، هجوم مباغت جديد يشتد في كل لحظة وتقترب أصوات الانفجارات والاشتباكات أكثر، هرعنا كلنا بغرفة واحدة نحتمي ببعضنا، القصف يزداد ضراوة وأصوات صفير الصواريخ وهي تسقط تكاد تسقط قلوبنا معها، كنا قد نزحنا لبيت أقاربنا ونزلنا في الطابق الثاني في حين بقوا هم في الأول الذين سرعان ما طلبوا منا النزول عندهم للاحتماء، نزلنا كلنا وجلسنا جوار بعضنا والمكان مظلم جدا إلا من أضواء الانفجارات، تلهج ألسنتا وقلوبنا بالتضرع إلى الله، تزداد حدة الاشتباكات المتبادلة وتقترب أصوات الدبابات منا، وتتساقط القذائف في الشارع وتتطاير الشظايا هنا وهناك، كنا ننتظر صلاة العشاء فصليناها فرادى على خوف، ينتهي واحد فيقوم آخر مكانه ليفسح لمن بعده في زاوية مظلمة، منا من يبكي ومنا من لا يعرف ماذا يجري، ومنا من ينتظر ساعته، طائرات ودبابات ورشاشات وقذائف كلها اجتمعت في لحظة وبلغت القلوب الحناجر، بقينا على هذه الحال إلى أن طلع الفجر ولم نغف حتى إغفاءة من شدة الهول، تيممنا وصليناه، القصف لا يتوقف، والاشتباكات لا تنتهي والقذائف تنهمر كالمطر، حتى بقينا ننتظر شروق الشمس لنترك المكان وما أن طلع شعاع الشمس حتى اختلف أهل البيت فمنهم من يرى النزوح ومنهم من يرى البقاء، ثم اتفقوا جميعا على المغادرة فمن بقي لن ينجو، حملنا أنفسنا وخرجنا تحت طائراتهم، لم نكن وحدنا كان الشارع يعج بالنازحين، كل أهل هذا الحي نزحوا، مررت فإذ بالمسجد المجاور لنا قد سوي بالأرض يالله ألهذا كان الصاروخ قريبا، بيننا وبينه بضعة أمتار فقط، غشى قلبي الحزن على هذا المسجد الذي لطالما دعوت أن لا يدمر، مشيت وفي قلبي غصة وحسرة على ما أجبرنا عليه، وطائراتهم من فوقنا تصور مشهد النزوح أعلم أنهم كانوا مسرورين بقرحنا هذا، ولولا أن الله يربط على القلوب لتفتقت، خرجنا لا نلوي على مكان ولا نعرف أين نذهب تقودنا أرجلنا مع المارة إلى أن اهتدينا لمدرسة تعج بالمشردين وليس لنا فيها قدر قدم، جلست على أرضية الممر وأسندت نفسي على حائط عند باب صف من التعب، إلى أن رأتني صاحبته فأبت إلا أن تدخلني فيه كي أستظل وأستريح.
#يتبع
#بعث_من_جديد

منكَ يا هاجِرُ دائي.. وبكفَّيْكَ دَوائي
يا مُنَى روحي ودنيا.. يَ وسُؤْلي ورجائي
أَنت إن شئتَ نعيمي.. وإذا شئتَ شقائي

- شوقي.

بِالاستِغفارِ يُفتَحُ كُلُّ بابٍ
وَيَنقَشِعُ الأسى بَينَ القُلوبِ

والاستِغفارُ مِشكاةُ الحَيارَى
وَمِشعَلُ كُلّ أوّابٍ مُنيبِ

وَلم أزعُم بِأنّي دونَ ذَنبٍ
فَكُلٌّ النّاسِ من أهلِ الذنوبِ

فيا نَفسُ ارجِعي عَن كُلِّ دَربٍ
فَدَربُ اللهِ ذا خَيرُ الدّروبِ

وَلا تَستَيئِسي مِن رَوْحِ رَبّي
وَتوبي عَن صَنيعِ السّوءِ توبي

- وسام عمارة.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ، عَنِ الرِّيَاشِيِّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ الْحَجَّاجَ الْوَفَاةُ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الْأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا
بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ

أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ وَيْحَهُمُ
مَا عِلْمُهُمْ بِعَظِيمِ الْعَفْوِ غَفَّارِ

قَالَ: فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ فَقَالَ: تَاللَّهِ إِنْ نَجَا فَبِهِمَا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ:
إِنَّ الْمَوَالِي إِذَا شَابَتْ عَبِيدُهُمْ
فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارِ

وَأَنْتَ يَا خَالِقِي أَوْلَى بِذَا كَرَمًا
قَدْ شِبْتُ فِي الرِّقِّ فَاعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ

[البداية والنهاية لابن كثير]

ولا تكثر على ذي الضغنِ عتبا
ولا ذِكْرَ التّجَرّم للذّنُوبِ

ولا تَسْألْهُ عَمّا سَوْفَ يُبدي
ولا عَنْ عَيْبِهِ لكَ بالمَغيبِ

مَتى تَكُ في صَديقٍ أوْ عَدُوٍّ
تُخَبّرْكَ الوُجُوهُ عنِ القلوبِ

- زهير بن أبي سلمى.

ولما تَبدَّتْ في السواد ولحظُها
تَمكَّنَ مني كَبَّلتْنيَ في الأسرِ

فقلتُ: عجيبٌ ما شربتُ مدامةً!
فكيف يُطِلُّ البدرُ في ليلة القدرِ؟

أوصى ابن الجوزي -رحمه الله- أن يُكتب على قبره:
يا كثيـرَ العفـو عمـن.. كَثُر الذنبُ لديه
جاءك المذنبُ يرجو الصفحَ عن جرمِ يديه
أنا ضيفٌ، وجزاءُ الضيف إحسانٌ إليه

سبحانَ مَن ألَّفَ الضدينِ في خَلَدي
فرطَ الشجاعةِ في فرطٍ من الجُبُنِ

لا أتَّقي خزَراتِ الذئبِ يرصدُني
وأتَّقي نظراتِ الأدعجِ الشَّدِنِ!

- الجواهري.

"يا راقدَ اللَّيلِ مسرورًا بأوَّلهِ
إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أسحارَا

أفنى القرونَ الّتي كانتْ منعَّمةٌ
كرُّ الجديدين إقبالًا وإدبارَا

يا منْ يُكابد دنيا لا مُقامَ بها
يُمسي ويُصبحُ في دنياهُ سيَّارَا

كمْ قدْ أبادتْ صروفُ الدَّهرِ منْ ملكٍ
قدْ كان في الأرض نفَّاعًا وضرَّارَا".

#قيامة_الشعر

عجبتُ في رمضانٍ من مسحّرةٍ
بديعة الحســن إلا أنّها ابتدعتْ

قامت تسحّرنا ليلًا فقلت لها
كيف السحور وهذي الشمس قد طلعت؟

- زين الدين بن الوردي.

ألفتُ السُّقمَ حتى صار جسمي
إذا فقدَ الضنى أمسى عليلا

- عنترة.

عَرَكتُ نوائبَ الأيامِ حتى
رأيتُ كثيرَها عندي قليلا

وعاداني غُرابُ البينِ حتى
كأني قد قتلتُ له قتيلا

- عنترة.

فزعتُ إلى الدُّموع فلم تُجِبني
وفَقدُ الدَّمعِ عند الحُزنِ داءُ

وما قصَّرتُ في جزَعٍ، ولكنْ
إذا غلبَ الأسى، ذهبَ البُكاءُ!

- البارودي

ما لي أراكم أمما.. ولَّيتمُ من ظلما
تستعذبون قهرَكم.. وتَلفِظون الحَكَما
وتخدعون آمِنًا.. وتنقضون الذمما
إذا سمعتم صارخًا.. أعطيتموه الصَمَما
وإن بدا ذو همة.. تُثبِّطونَ الهِمَما

وا حسرتا على شبا.. بٍ كان يعلو القمما
فأبدلوه قعرَهم.. واستلبوه الحُلُما
وصيَّروا غايتَه.. ذا ما اكتسى أو طَعِما