قال القاضي أبو يعلى: «ذكر أبو إسحاق في «تعاليق كتاب العلل» بإسناده عن أبي بكر المرُّوذي قال:
قلت لأحمد: الرجل يدخل [المسجد]، فيصلي، فيرى فيه قوما، فيحسن صلاته، هل عليه في ذلك شيء؟
قال: لا، تلك بركة المسلم على المسلم».
«التعليقة» ٣٦٠/٢.
وقال في «الفروع» ٢٩٨/٢ -بعد نقله-:
«وجّهه القاضي بانتظاره، والإعادة معه، وإلا [لعلها: وإن] قصده.
واختار في «النوادر»: إن قصد ليقتدى به أو لئلا يساء به الظن جاز».
يريد ابن مفلح أن القاضي لما ذكر هذه الرواية في مسألة إطالة الإمام الركوع لأجل أن يدركه الداخل= جعل هذه من جنسها، أي: أنه عمل لله إذ أطال الركوع لينفع أخاه بإدراك الركعة، وذكر كذلك أعادة الصلاة مع من فاتته؛ لينال فضل الجماعة.. فثم باعث آخر للعمل لكنه لا يعارض الإخلاص.
وذكر القاضي أيضا زيادة رفع الإمام صوته بالقراءة ليسمع من بَعد، فقد قصد إسماعهم.
وكذلك ما اختاره في النوادر إن قصد أن يصلي في المسجد النافلة؛ ليقتدى به، أو لئلا يظن أنه لا يصليها مستهينا بها.. فثم باعث آخر للعمل، لكنه لا يعارض الإخلاص؛ فهو يريد الله بصلاته، ولحظ معنى آخر لا يخل بالإخلاص.
ويشبه أن يكون مقصود أحمد أن رؤيتهم له وحياؤه منهم= كانت سببا لانتباهه لإحسان صلاته وإتمامها.. ولو لم يرهم لكان غافلا، فهذه من بركة رؤيتهم.
ويحتمل أيضا أن يكون المعنى أنه كان سيصلي صلاة خفيفة، فلما رآى القوم العباد الذين يطيلون القيام والركوع والسجود.. حمله ذلك للعود على نفسه باللوم وعلى الاقتداء بهم والاجتهاد..
وهذا يجده كثير من الناس في نفسه إذا صلى في الحرمين والمساجد التي فيها العباد ورأى الاجتهاد حتى ممن هو أسن منه وأضعف قوة.
كما حدث لأسماء بنت الصديق في صلاة الكسوف قالت: «أطال رسول الله ﷺ جدا حتى تجلاني الغَشْي»، متفق عليه، ولمسلم «فأطال القيام، حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم ألتفت إلى المرأة الضعيفة، فأقول هذه أضعف مني= فأقوم».
وعلى كل؛ فليس مقصود أحمد أنه حسّن صلاته لأجلهم؛ بل حسنها لله بسببهم، فهذه من بركة المسلم على أخيه.
والله أعلم.