• ولَمّا أثْبَتَ سُبْحانَهُ بَعْدَهُ بِإثْباتِ الآياتِ المَرْئِيَّةِ والمَسْمُوعَةِ وإعْزازِ أوْلِيائِهِ وإذْلالِ أعْدائِهِ مِن غَيْرِ مُبالاةٍ بِشَيْءٍ ولا عَجْزٍ عَنْ شَيْءٍ مَعَ الإحاطَةِ التّامَّةِ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا، تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ حَتْمًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلِلَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿الحَمْدُ﴾ أيِ: الإحاطَةُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ. ولَمّا أبانَ سُبْحانَهُ أنَّ ذَلِكَ ثابِتٌ لَهُ لِذاتِهِ لا لِشَيْءٍ آخَرَ، أثْبَتَ أنَّهُ لا بِالإحْسانِ والتَّدْبِيرِ فَقالَ تَعالى: ﴿رَبِّ السَّماواتِ﴾ أيْ: ذاتِ العُلُوِّ والِاتِّساعِ والبَرَكاتِ.
﴿وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [الجاثية ٣٧]
• ولَمّا أفادَ ذَلِكَ غِناهُ الغِنى المُطْلِقَ وسِيادَتَهُ وأنَّهُ لا كُفُوءَ لَهُ ... فَقالَ: ﴿ولَهُ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿الكِبْرِياءُ﴾ أيِ: الكِبْرِ الأعْظَمُ الَّذِي لا نِهايَةَ لَهُ: ﴿فِي السَّماواتِ﴾ كُلِّها ﴿والأرْضِ﴾ جَمِيعِها اللَّتَيْنِ فِيهِما آياتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، رَوى مُسْلِمٌ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: «الكِبْرِياءُ رِدائِي والعَظَمَةُ إزارِي فَمَن نازَعَنِي واحِدًا مِنهُما أدْخَلْتُهُ النّارَ».
﴿وهُوَ﴾ وحْدَهُ ﴿العَزِيزُ﴾ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ ﴿الحَكِيمُ﴾ الَّذِي يَضَعُ الأشْياءَ في أتْقَنِ مَواضِعِها ولا يَضَعُ شَيْئًا إلّا كَذَلِكَ ... وبِالحَثِّ عَلى الِاعْتِبارِ بِآياتِ الخافِقَيْنِ، والتَّصْرِيحِ بِما لَزِمَ ذَلِكَ مِنَ الكِبْرِياءِ المُقْتَضِيَةِ لِإذْلالِ الأعْداءِ وإعْزازِ الأوْلِياءِ - واللَّهُ الهادِي إلى الصَّوابِ وإلَيْهِ المَرْجِعُ والمَآبُ.
[البقاعي]