الرِوَاق @alrewaaq Channel on Telegram

الرِوَاق

@alrewaaq


مَعنيٌّ بالكتب، وما أنا من العلماءِ، ولا من الجهّال.

الرِوَاق (Arabic)

قناة "الرِوَاق" هي قناة تلغرامية متخصصة بالكتب والمعرفة، حيث يجتمع فيها محبو القراءة والباحثون عن المعرفة. إذا كنت تبحث عن مصدر للإلهام والتعلم، فهذه القناة هي المكان المناسب لك. يمكنك العثور هنا على مراجعات وتوصيات لأحدث الكتب في مختلف المجالات، بالإضافة إلى مشاركة أفكار وتجارب القراء مع بعضهم البعض. يمكنك أيضاً الانضمام إلى مناقشات حول مواضيع مختلفة تتعلق بالكتب والمعرفة. بادر بالانضمام لقناة "الرِوَاق" اليوم واستمتع بتجربة فريدة ومثرية لاكتساب المعرفة والاستمتاع بالقراءة.

الرِوَاق

21 Nov, 10:14


ـ«أحيانًا قد يفيد أن تكون مجنونًا!»

-عبارةٌ كتبها ستريندبرغ في إحدى رسائله لنيتشه.

الرِوَاق

21 Nov, 06:18


التوبة بداية طريق وليست مؤهل تصدر!

حديثو العهد بالالتزام يغلب عليهم الحماس الزائد والتذبذب، نتيجة التحولات الكبيرة التي طرأت على حياتهم. هذا الحماس يجعل أقوالهم وأفعالهم انعكاسًا لحالتهم النفسية وتجاربهم الشخصية أكثر من كونها قائمة على حقائق موضوعية واتزان، وكثير من الدعاة الشباب، الذين مروا بفترات انحراف قبل التزامهم، يعانون من مشكلات واضحة في الخطاب الدعوي؛ فتجد في خطابهم غلظة واستعلاء نابعين من عدائهم الشديد لماضيهم، أكثر من كونهما نابعين من كره للذنب نفسه أو حب لنصح المذنبين. هذه الغلظة غالبًا ما تكون محاولة نفسية منهم للتأكيد على التغيير الجذري الذي حققوه، وحرصًا على قطع كل صلة بالماضي أو إظهار المفاصلة مع ذلك الماضي البغيض الذي يلاحقه كشبحٍ حتى بعد هدايتهم.

لهذا السبب، لا ينبغي أن يُصدَّر هؤلاء إلى مواقع خطابية أو دعوية قبل أن يجتازوا المرحلة الانتقالية التي تلي التوبة، ويحققوا التوازن والرسوخ في التزامهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تصدر الدعوة يتطلب امتلاك أدوات أساسية، منها العلم الشرعي، وفقه النصيحة، وإتقان أساليب الدعوة القائمة على الحكمة واللين، رفقًا بالتائب نفسه قبل المتلقين، فما أحوجه هو لمن يدعمه ويثبت دعائمه، لكنهم يظلمون أنفسهم بتصدرهم، ويظلمهم غيرهم بتقديمهم للناس! وعلى الشباب أن يتأنوا في اختيار من يقتدون بهم أو يسمعون لهم، وأن يفضلوا النماذج المتزنة والمتمكنة، فإن وُجد نقصٌ في البدائل، فلا بأس من أخذ الفائدة ممن مروا بهذه المرحلة، ولكن دون تضخيم آرائهم أو اتباعهم دون نقد أو تمييز.

الرِوَاق

20 Nov, 13:42


Stańczyk by Jan Matejko

الرِوَاق

20 Nov, 13:11


الحركات الإسلامية ظاهرة صوتية!

ثمة فرق كبير بين الواعظ والعالم؛ فالواعظ يركز على الجانب الأخلاقي، ويحث الناس على الآداب العامة في الدين، إضافة إلى تذكيرهم بالآخرة والثواب والعقاب، مستخدمًا طريقة خطابية تستهدف قلوب العوام. وهذا شيء لا يُذَمُّ فاعله؛ لأنه يحقق المسعى المرجو، والناس البسطاء، وهم الأكثرية، يميلون بطبعهم إلى الكلمات البسيطة، بعيدًا عن تعقيدات العلوم. وأما العالم فهو من يمتلك معرفة عميقة ومتخصصة في العلوم الشرعية؛ الفقه، العقيدة، التفسير، الحديث، وأصول الفقه. ولغة العلم ثقيلة ليست كالوعظ، ولكلٍّ سياقه وأهدافه.

السياسي الذي لا يجيد التعبير عن وجهة نظره، ولا يكون قادرًا على استقطاب الناس، لن ينجح. والطريقة الخطابية السجعية واستخدام الكلمات الرنانة التي يستعملها الوعاظ هي نفسها الطريقة المستعملة من أغلب القادة السياسيين؛ لأن الفئة المستهدفة في الحالتين واحدة، وهذه الطريقة هي الأقرب لهم. إذًا فالخطابة والقدرة على تسويق النفس للناس وإقناعهم أشياء لا تنفك عن السياسة، ومن فقد إحداها أو أسقطها من حساباته عمدًا ولم يكترث بها، ففرصة انتشاره مقارنة بغيره ممن جمعها كلها أقل بكثير.

بشكل عام، فأي مشروع سياسي، بغض النظر عن التوجه، يتمثل في مثلث له أضلاع ثلاثة، وبضياع أحدها لا يكون بعدها مثلثًا. الضلع الأول يتمثل في معرفة الحالة التي نحن عليها، أي الدراية القوية بمشكلات الواقع الحقيقية، لا الفرعيات التي يُعَظَّمُ شأنها وتُصدَّر على أنها أهم المشكلات، الضلع الثاني يتمثل في معرفة الحالة التي ينبغي أن نكون عليها، أي الشكل المبتغى، والثالث والأخير يتمثل في إقامة جسر نعبر به مما نحن عليه إلى ما ينبغي أن نكون عليه حقيقةً، وهذه هي الآليات والوسائل التي يتم بها الانتقال والعبور من حالة لأخرى.

تكمن مشكلة الإسلاميين في أنهم استعاضوا عن المشاريع والمشاركة السياسية الفاعلة بالخطابة الوعظية والمشاركة الوظيفية، الخطابة التي لا تمثل سوى هيكل تزييني لا يحوي داخله شيئًا! وأنهم كذلك لم يمتلكوا أحد هذه الأضلاع الثلاثة، التي لا بد من توافرها معًا في ظرف واحد، أو امتلكوها منقوصة. والنقصان هنا والعدم سواء، بل قد يؤثر سلبًا أصلاً؛ أن يكون المشروع السياسي منحرفًا في توصيف مشكلات الواقع، أو في أهدافه، أو تغيب وسائله، فهذا لا يصح تسميته تحت أي ظرف مشروعًا، إلا على سبيل التنزل، لا الإقرار بصحة المسمى!

التيارات الإسلامية لا تقدم بديلًا واضحًا للأنظمة التي تعارضها، ولا تملك أدوات حقيقية وفاعلة للتغيير قادرة على الالتحام بالفواعل الأخرى داخل الإطار القطري والإقليمي لتحقيق المكاسب، وليست إلا ظاهرة صوتية تعتمد على الخطابة والكلام العام غير المحكم. لا شك أنها عانت ذلك من تضييق السلطات، إلا أن حصر الأسباب في هذا والتذرع به يدخلنا في دائرة مغلقة، حيث ننتهي حيث بدأنا. فهذه الحركات قامت بالأصل لتغيير الواقع، وتبرير فشلها بسوء الواقع لا معنى له إطلاقًا؛ لأنها من صَدَّرت نفسها لحل مشكلات المجتمع والقضاء على أزماته.

الرِوَاق

19 Nov, 11:53


وهم الحياد المطلق!

يوجه بعض الليبراليين اللوم إلى الأديان بشكل عام بحجة أن الأديان قائمة على تصنيف الخلق حسب اعتقادهم نحوها إلى مؤمن/كافر، بل وتقسيم داخلي للمؤمنين أنفسهم إلى مؤمن متمسك بالمنهج/مبتدع منحرف عنه. وبناءً على هذا التصنيف، يحدث تمييزٌ، وهو ما ترفضه قيم الليبرالية المساواتية، كما يتوهم أتباعها! لكن هذه الدعوى لا تصح، ليس لفساد في بنائها، بل هي صحيحة من هذه الجهة؛ فالأديان بشكل عام، ومنها الإسلام، تقسم الناس، ولا ضير في ذلك البتة. ولكن لا يصح أن يستند الليبرالي على هذا الأمر في نقده للأديان؛ لأنه يدحض بهذا المبدأ ذاته قبل أي أحد، فالفكرة نفسها تناقض مضمونها. إقامة هذه الحجة على الأديان يلزم منه الحياد التام، وهو ما لا يتوافر لليبرالي، أو لأي شخص يتحرك ضمن منظومة فكرية، ولو تحقق هذا الحياد بالفعل، لما تحيز الليبرالي ضد الأديان، وهو ما فعله، وإن أنكر ذلك، فالليبرالية نفسها تقوم بتصنيفات مشابهة على أساس القبول أو الرفض لقيمها، وبذلك، يكون قد خالف معتنقها في تحركه النقطة التي تحرك لأجلها ابتداءً. وكل محاولة لثني الناس عن قناعاتهم وتحيزاتهم من هذا الباب لا تتم؛ لأن الإنسان كائن متحيز بطبيعته، وليس ثمة شيء يدعى الحياد التام أو الوقوف عند نقطة وسط من جميع الآراء؛ ذلك لأن أي فهم يتشكل للعالم إنما يتشكل من خلال إطار مرجعي مسبق، سواء كان هذا الإطار دينيًا، ثقافيًا، فلسفيًا، أو يجمع بين هذا كله. والأصل أن تُناقش هذه المرجعية التي من خلالها تشكلت الآراء، لا أن يُستنكر أصل وجود مرجعية تميزية يفرق أتباعها بين عوام الناس وفق تصنيفاتهم الخاصة، ف ليس الإشكال في وجود التصنيفات أو التحيزات، بل في مدى صحة ومنطقية المرجعية التي تستند إليها هذه التصنيفات.

الرِوَاق

18 Nov, 15:59


الإلزام الأخلاقي للملحدين بين الأشاعرة وابن تيمية!

قلما تجد مناظرة بين مسلم وملحد لا يطرح فيها هذا السؤال على سبيل الإلزام الأخلاقي، يقول المسلم: «ما الذي يمنع الملحد من مضاجعة أمه؟»، وهذا السؤال يصح أشعريًا، لكنه لا يصح سلفيًا لمن ينسب نفسه لابن تيمية إلا من وجه واحد:

الأشاعرة يؤسسون الأخلاق على الشرع الإلهي، ويعتمدون كليًا على الوحي، ولهذا لا يوجد إطار مستقل للعقل يرفض هذا الفعل دون نص ديني. فالحسن والقبح ليسا عقليين، بل شرعيين، بمعنى أن العقل وحده لا يستطيع تحديد ما هو حسن أو قبيح، وإنما يتبع ذلك أوامر الله ونواهيه. وهذا راجع بالأصل لتقديم المشيئة عندهم على أي اعتبار آخر، بما فيه الحكمة. ولذلك، ما يمنع المسلم الأشعري من مضاجعة أمه هو النص الشرعي، مثل قوله تعالى: «ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»، وليس هذا نفيًا مطلقًا لدور العقل، لكن العقل عندهم تابعٌ للشرع لا يستطيع الاستقلال عنه.

أما عند ابن تيمية، فالحسن والقبح ذاتيّان وعقليّان، بجانب كونهما شرعيين؛ العقل والفطرة يدركان قبح مثل هذه الأفعال حتى لو لم يكن هناك نص شرعي. فالشرع يأتي ليؤكد ما يدركه العقل، ولكنه ليس المصدر الوحيد للمنع والتقبيح. وهذا راجع بالأصل لكون أفعال الله متسقة مع الحكمة والعدل، وليست مجرد مشيئة مطلقة كما عند الأشاعرة. إذًا، يمنع المسلم من منظور تيمي عن هذا الفعل الفطرة الإنسانية التي ترفضه إلا أن توجد موانع. ولكن السؤال يصح من جهة غياب البعد الأخروي والعقاب الإلهي، لا من جهة نفي القبح كما هو عند الأشاعرة. فحتى لو كان الفعل قبيحًا لذاته، وغابت العقوبة الإلهية، لن يكون هناك رادعٌ حقيقي وإن كان الفعل قبيحًا.

المشكلة إذًا ليست في السؤال ذاته من منظور مختلف المدارس العقدية في الإسلام، وإنما من جهة استعمال بعض من ينسبون أنفسهم لابن تيمية، ثم يكون وجه إلزامهم رفع القبح عن الفعل بغياب الشريعة. هنا ينقلب السلفي أشعريًا، وتخلط المناهج المعرفية، فلا تعرف السلفي من الأشعري، ولا يلتزم أحدٌ بالمدرسة التي ينتمي لها، لأنه لا يعرف أصولها التي يسير عليها، بل هو انتساب بالاسم فقط.

الرِوَاق

15 Nov, 07:02


بين استقامة العدالة واعوجاج الأيديولوجيا! (3/3)

أخيرًا؛ آن للإسلاميين أن يتعلموا من أخطاء
الماضي، وأن يتركوا العقلية السلفية التي طغت على مسلكهم الفكري، ويرقوا بفكرهم السياسي قليلًا، وخصوصًا أن تسارع الأحداث في العقد الماضي يحتم عليهم تطوير أنفسهم، لا أن يبقوا على نفس سلوكهم القديم الذي كبدهم خسائر ليست بالقليلة. فالعقلية السلفية التي تفكر على نحوٍ انتقامي؛ "هذا مبتدع يستحق المظلمة التي وقع بها"، ليست صالحة بعالم السياسة، وما هي إلا تقويض للذات، والتفكير بهذا الشكل الذي ينادي بالشماتة وعدم التعاطف لا يجلب أية مصلحة، والسياسة كما هو معروف مدارها دفع ضرر/كسب نفع. وأي فعل خارج عن هذه المعادلة لا معنى له، والأجدى أن يستغل كل حدث بكافة الطرق الممكنة لكسب الناس وحشدهم ضد من تعاديهم، وإلا كنت سياسيًا فاسدًا؛ فالعقل السياسي يجب أن يطور نفسه في سياق مفتوح على التغيرات والمتغيرات، وفي عالم تسوده التحولات المستمرة، يصبح من الضروري أن يتبنى الإسلاميون - أو أي فصيل سياسي - رؤية سياسية مرنة تواكب هذه التغيرات، لا أن يعيشوا في حالة من التمسك بمفاهيم عتيقة لا تتماشى مع المتطلبات الراهنة، وتكون لهم نظرة استراتيجية أوسع من مجرد الانتصار لمواقف معينة، أو حكم بالعاطفة المفرطة واتخاذ القرارات من خلالها، بدلًا من البحث عن الطرق الأنسب لتوسيع قاعدة التأييد الشعبي، وهذا يقتضي بناء تحالفات، وتبني خطط مرنة تضمن التقدم على مستوى الجماهير، وتحقق التوازن بين المبادئ والمصالح العملية في آن واحد، ومثل هذه المواقف التي يقع فيها ظلم من النظام على بعض أتباعه لا بد من العمل عليها بشكل قوي والخروج بأقصى استفادة ممكنة؛ من هزٍّ وزعزعة لصورة هذا النظام في قلوب مريديه، ومن منظور براغماتي فاصطفافك بجانب الظلم لن ينفعك على طول الخط، وأن الاستبداد الذي ارتضيته لغيرك بالأمس لن تنجو منه اليوم، وإن نجوت فلن ينجو أولادك مستقبلًا، وبذا تكون بيدك قد صنعت طاغيتك الذي سينالك وأهلك شيءٌ من فساده وإن طال الزمن. فيميل الناس لك ويعيدون النظر في مواقفهم القديمة، وما من فردٍ يبقى تأثيره منعزلًا، فكل واحد فاعل في مساحات معينة ومؤثر بها أيما تأثير! الشاهد أنه لا بد من تتويج كل حدث واستعماله سياسيًا لتحقيق مكاسب بدلًا من اتخاذ مواقف عدائية، لن تزيدك إلا انفصالًا عن المجتمع، وتأخرًا في العودة له والانخراط فيه حال تغير الوضع وفتح المجال.

الرِوَاق

15 Nov, 07:02


بين استقامة العدالة واعوجاج الأيديولوجيا! (2/3)

أمامنا إنسان أجرم بموضع - من منظور فئة ما -
وأصاب بآخر، أو ظلم من ناحية ما. فالإنصاف يقتضي نصرة المظلوم في موضع ظلمه دون انتقائية أو تحيز مسبق؛ لأننا ننصر الحق لذاته لا لقائله. ومن الخسة أن تستدعي مواقف قديمة جانبًا فيها المرء الحق، وتضعها على خشبة مسرح الحاضر لتمرير وتسويغ ظلمه! لأن هذا الإنسان المظلوم إنما ظلم لأمر هو فيه بريء، ولم يحاسب على ما تعتقد أنت فيه بإجرامه. فالنظام لم يحبس الطبيبة لمواقفها القديمة من شهداء رابعة، أو استحلال دمائهم؛ لأن هذا النظام نفسه هو من قتلهم بسلاحه. وإنما سجنها لحالة بعيدة تمامًا عن مواقفها القديمة. فليس في هذا انتصار للعدالة. والزج بمواقف قديمة للإنسان المظلوم في موضع ظلمه يسوغ ظلمه وعدم التعاطف معه. فما الذي يعنيه مناقشة مواقف مضى عليها سنوات كثيرة في الوقت الحالي غير أن من يفعل هذا ينادي في مجموعة من الناس ألا تتعاطفوا معه فقد كان هذا موقفه؟ وفيه تمرير للظلم الذي ربما تكون أنت ضحيته المستقبلية. وينادى في الناس من فئات أخرى ألا تلتفتوا، فقد كان هذا موقفه من قضية ما. وهكذا تصمت كل فئة عن ظلم النظام لها لأجل بعض المواقف، ويُحيّز بعضنا ضد بعض، وتبعات هذا خطيرة إذ نكون بذلك لقمة سائغة عند السلطة قادرة على ظلمها، بل وقادرة على صنع حالة من شماتة الناس فيها رغم ظلمها! ولذلك، فبعض الأحداث تتطلب نظرًا واسعًا خارجًا عن إطار الأيدولوجيا الضيق، ويراعى النظر في كافة جوانبها دون تغليب جانب على آخر حتى لا يميل ميزان العدل، وتتخذ مواقف غير أخلاقية. وفي مثل هذه الحالات المركبة يجب أن يصيب الإنسان في جانب ويجانب الصواب في آخر. لا بد من تحليل ورد فعل مركب يتناسب مع تعقيد الحدث، مع مراعاة جوانب كثيرة؛ أولها أننا ننصر المظلوم في موضع ظلمه، أيًا كان هذا الشخص؛ لأن نصرة الحق لذاته لا لشيء آخر كما ذكرت آنفًا. وثانيها أنه يجب التفرقة بين مواقف الشخص وبين وقوع ظلم عليه في موضع لا يستحق به هذا الظلم، وثالثها أننا برفضنا استحضار المواقف القديمة لا ننسى الماضي ولا نطالب أحدًا بنسيان الدماء البريئة التي سالت، ولا نعتذر عن مجرم أيد بالقول أو العمل، لكننا نرجو أن يتم الفصل بين موضع وآخر حتى لا يكون حدث بعينه مدار حكمنا، فلا مانع من النيل من الإنسان على ظلمه مع رفض وقوع الظلم عليه هو الآخر، وأن يكون حسابه عادلًا على ظلمه لا على شيءٍ آخر.

الأيدولوجيا هي النسق الفكري المعبر عن رؤية مجموعة من الناس، وكل أيدولوجيا بالضرورة يحمل أتباعها انحيازات معينة؛ لأنها منظومة من الأفكار، المعتقدات، والقيم متبناة من قبل فئة من الناس. وما دامت هذه الفئة تتبنى نظامًا فكريًا معينًا ومعتقدات خاصة دون غيرها، فهذا يعني وجود انحيازات. وما دام الانتماء الأيدولوجي يعني القبول بشيءٍ واعتقاد صحته، فإنه يعني بذلك في الوقت ذاته رفض نقيض هذا الشيء والاعتقاد بعدم صحته. وهذا القدر من الانحياز صحي؛ لأن الإنسان كائن أيدولوجي بالمعنى الذي يجعل له اختيارات، وإن لم تتبلور وتظهر له في إطار أيدولوجي له تسمية واضحة عنده، وإلا كان مسخًا بلا هوية، يقبل الشيء ونقيضه في نسبوية تامة. وعندها يجمع إلى كونه مسخًا عديم الهوية التناقض. لكن هذا القدر الصحي من الانحياز قد يستفحل ما لم يضبط بميزان أخلاقي، حتى يصير الإنسان تام الأدلجة بلا ميزان ومنظومة أخلاقية لها معايير واضحة يسير بها جنبًا إلى جنب مع منظومته الفكرية. ولا يرى العالم إلا بمنظار أيدولوجي يوالي ويعادي من خلاله، بل قد يبرر ظلم إنسان لوجود مثل هذا التعصب! وهنا يكمن خطر طغيان الأيديولوجيا على النموذج الأخلاقي، والحل يكمن في الموازنة. ورغم أن هذه مسألة معقدة، لأن الأيديولوجيا قد تؤثر على كيفية فهمنا وتطبيقنا للعدالة؛ لأن العدالة تتعلق بمبادئ المساواة والإنصاف، بينما تتعلق الأيديولوجيا بالميل الفكري المسبق الذي قد يؤثر في مسألة التعاطف مع المخالف، لكن لا بد من وجود مرونة فكرية قادرة على استيعاب العدالة التي تراعي الجميع. وهذا يتطلب فهمًا عميقًا، ومجاهدة كبيرة للنفس، وتقويم دائم لها حتى لا تنحرف لمزالق أيدولوجية تدنسها وتكدر صفوها!

الرِوَاق

15 Nov, 07:02


بين استقامة العدالة واعوجاج الأيديولوجيا! (1/3)

دفعني لكتابة هذا المقال حدثان متتاليان، وإن لم يظهر بينهما ترابط، إلا أنهما يخدمان القضية نفسها؛ لأن الفئة المعنية بكلامي تفاعلت مع الحدثين بنفس الأسلوب. الحدث الأول: القبض على نجل الداعية السلفي محمد حسان بتهمة حيازة وتعاطي المواد المخدرة، بالإضافة إلى حيازة سلاح أبيض. والحدث الثاني: القبض على طبيبة النسا وسام شعيب بمجموعة من التهم، بداية من تكدير الأمن والسلم العام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة البلبلة بين أطياف الشعب المصري، مرورًا بالإساءة لجموع الشعب، والتعدي على المبادئ والقيم الأسرية، وصولًا إلى نشر أخبار كاذبة. الذي أعتني به من الموضوعين ليس مناقشة القضايا الموجهة إلى المذكورين، أو الدفاع عن أحد ومحاولة تبرئته مما نسب إليه، فبكل حالة من الاثنين أمامك خياران لا ثالث لهما: إما أنك ترى الشخص مستحقًا للعقوبة على أفعاله وفق القانون، أو تراه بريئًا غير مستحق للعقوبة. وقتها تجب نصرته. أما الخيار الثالث، وهو الاعتقاد بجرمه مع عدم عقوبته أو براءته مع العقوبة، فغير متضمن؛ لأن به خلل. والمؤيد لحبس أي منهما تأييدًا حقيقيًا نابعًا عن اقتناع بوضع التهم الموجهة ليس هذا مقام نقاشه، وكذا المعارض لحبسهما معارضة حقيقة نابعة عن عدم اقتناع بوضع التهم الموجهة. وإنما يعنيني أمر الفئة الثالثة من الجماهير التي تعتقد براءة صاحب القضية وعدم استحقاقه لأي عقوبة على فعلته، لكن وبحكم الخلافات السابقة، والحسابات السياسية وتصفية الحسابات، يصطفون ضدهم وينطلقون من نقطة محددة في الحكم عليهم. وبناء على تلك النقطة ينظرون في استحقاقيته للتعاطف أم لا!

الخلاف بين طبيعة القضيتين محل البحث يكمن في أن ابن محمد حسان ليست له أي مواقف سياسية معلنة، بل يشغل منصبًا إداريًا بإحدى القنوات الفضائية، ولا يتصدر للحديث في أي شيءٍ. لكن الحكم عليه فرعٌ من الحكم على أبيه. ولأن أباه صاحب مواقف سياسية سيئة بالنسبة لفئة ما من الناس، فقد استحق ابنه الهجوم عليه، والشماتة في حبسه، لا لذاته وإنما لكونه ابنًا لحسان. وهنا وجب توضيح لطبيعة اختلاف حالته عن حالة الطبيبة من ناحية ما، وهو أن هذا التسلسل فاسد. فالمرء يُسأل عن نفسه فقط، ولا يتحمل أحدٌ غيره تبعات مواقفه. ثم لو قمت، يا أيها المعارض، بحساب شخصٍ تباعًا لقناعات والده المعلنة، أو حاكمته لمواقف أبيه، لكنت بذلك ظالمًا. لا فرق بينك وبين من يعتقل الابن لغياب الأب، ومن يطارد الأهل كلهم لخصومة مع فرد منهم، ويحمل الجميع مسؤولية قرار واحد منهم، ومن ثم ينكل بهم لأنهم أقاربه، ولا ذنب لهم في شيءٍ إن سلمنا بالأصل لوجود ذنب. وبافتراض أنه يحمل نفس قناعات والده، فلا يبقى بينه وبين الطبيبة فارق في طبيعة قضيته من الناحية التي نناقشها، وعليه نعمم الكلام باعتبارهما أمرًا واحدًا، بدلًا من التفصيل في كل واحدة بمعزل عن الأخرى وتكرار الكلمات نفسها أكثر من مرة..

الرِوَاق

14 Nov, 18:48


الأجيالُ المتأخرةُ في أغلبِ التياراتِ غالبًا ما تنتقدُ أفعالَ الروادِ الأوائلِ، وهذه ظاهرةٌ صحيةٌ؛ فالتيارُ الذي لا يراجعُ ذاته داخليًّا يظلُّ جامدًا، لأنَّ النقدَ يُحفّزُ الأفكارَ، وتحتاجُ المساراتُ إلى التصحيحِ الدائمِ. وقد كتبَ الشهيدُ يحيى السنوارُ خلالَ فترةِ اعتقالِه دراسةً نقديةً -لم تُنشر- عن حماسَ بعنوانِ "حماس: التجربةُ والخطأ"، وقدَّم رؤى نقديةً، فكان بذلك أحدَ أكثرِ العقولِ انفتاحًا ومرونةً فكريةً من أبناءِ الحركةِ رغمَ مكانتِه، ولو كان النقدُ مُجرَّمًا لما أقدمَ عليه. ومن الطبيعيِّ أن تأتيَ الأجيالُ اللاحقةُ بنظرةٍ تحليليةٍ للأحداثِ وتبعاتِها، وتقيِّمَها من أعلى؛ لأنَّ الرؤيةَ والمآلاتِ ستتضحُ بشكلٍ أكبرَ.

العجيبُ هو رؤيةُ التخوينِ المتبادلِ بين الأطرافِ؛ فهناكَ من يتهمُ كلَّ من ينتقدُ المقاومةَ بالتخاذلِ والتصهينِ، بينما يرى آخرونَ في هذا الطرفِ الأولِ خائنًا يسعى بشكلٍ غيرِ مباشرٍ لإضعافِ القضيةِ الفلسطينيةِ. والحقيقةُ أنَّ كلا الطرفينِ مخطئٌ؛ فلو كانتِ المقاومةُ لا تُقبلُ فيها المراجعةُ والنقدُ، لكان السنوارُ أولى الناسِ بالامتناعِ عن ذلك. ليس كلُّ نقدٍ غايتُه الهدمَ أو الاصطفافَ مع العدوِّ، بل إنَّ منعَ النقدِ هو إجرامٌ بحقِّ المقاومةِ في صورةِ الحفاظِ عليها.

أخيرًا: إنَّ الاختلافَ في الرؤى والأفكارِ أمرٌ طبيعيٌّ وصحيٌّ، ما دامت الفكرةُ الأساسيةُ لمشروعيةِ المقاومةِ وحقِّها في التصدّي للعدوِّ ثابتةً. الاختلافُ في تحديدِ المساراتِ والأساليبِ مشروعٌ، ومن الطبيعيِّ ألا يتفقَ الناسُ على عملٍ بشريٍّ بتفاصيلِهِ كلها، وحتى من داخلِ المقاومةِ نفسِها، وممَّن حملوا السلاحَ وشاركوا في المعاركِ وصنعوا الأحداثَ الحاليةَ، سيقدِّمون ملاحظاتٍ نقديةً جديدةً في المستقبلِ. والمهمُّ أن يُراعَى في هذا النقدِ الحيثياتُ، حتى لا يتحاملَ على أحدٍ أو يحكمَ على قراراتِهِ من الخارجِ دون مراعاةٍ لطبيعةِ المقاومةِ، والحالةِ الإقليميةِ والعالميةِ، والظروفِ التي وُجدت بها، وحجمِ التسليحِ والدعمِ مقارنةً بالتطلعاتِ المنشودةِ.

الرِوَاق

14 Nov, 03:43


Illyo Glazunov.

الرِوَاق

12 Nov, 13:14


نقطة نظام..!

أغلب المشكلات الفكرية الموجودة حاليًا سببها أمران؛ الجهل بموقع النفس في عالم الفكر، والجهل بموقع المخالف، ولولا هذا لقلت، بل لاندثرت، كثيرٌ من النزاعات، ليس لأنها ستحل، وإنما لقلة الاستشكال على الغير؛ لأن من علم موقعه الفكري وموقع غيره تجنب الخوض في كثيرٍ من الفروع وركز على الأصل في حال اختلفت المرجعيات، أو ألزم غيره بالمرجعية المنطلق منها في حال اتفقت. وباعتبارات معرفية منهجية لا مشكلة في مباحثة نصراني لرسالة الإسلام وتكذيبها وانتهاج مسالك المستشرقين، ويُرد على ذلك بالأدلة التي تدحض كذبه وتفند ادعاءاته، لكن من التخبط أن يناقش قضية فرعية ويهاجمها؛ لأنه على أي شيء احتكم في الهجوم عليها؟ إن كان الاحتكام للأصل الذي انبثقت عنه فقد أخطأ ابتداءً لعدم إقراره بهذا الأصل من جهة، ثم لاتساق الفرع الذي يناقشه مع الأصل من جهة أخرى، وإن كان الاحتكام للأصول التي ينطلق منها هو فالخطأ أكبر؛ لأنه يحاكم فرعًا لغير أصله، والصواب أن يركز على نقاش الأصل. وكذلك، ليس ثمة مشكلة في الترحم على ملحدة، أو كراهية أحكام الشريعة كالتعدد، أو اعتبار الزنا حرية شخصية، ما دمت تحتكم في هذا لنظام فكري، بغض النظر عن فساده من منظور إسلامي، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن يعد من يفعل هذا نفسه مسلمًا؛ إذ لا معنى أن تتبع أفكارًا خارجة عن نظام المعرفة الإسلامي وتحاكم الإسلام عليها، ثم تضع نفسك بالبوتقة ذاتها مع المسلّمين بأحكام الشريعة. وفي المجال المعرفي، لا مساحة للتردد، ولا محل للنفسية العاطفية المحكومة بـ "لا أحبه، ولا أطيق فراقه". والتناقض أن تنسب نفسك للإسلام مع رفض تشريعاته ومحاكمتها لنظام أخلاقي متعارضٍ مع الإسلام بالأصل بل والتسفيه من قدرها، أو أنك خائفٌ لا تطيق تحمل تبعات مفارقة هذا الدين، وتريد تفصيل نمطٍ للتدين متوافق مع هواك الذي تشكل بالأصل عن رؤية منحرفة كما يفعل الإسلاميون الحداثيون! وهنا تكمن أهمية أن يكون للإنسان نظرية معرفة وأصول منهجية يتحرك في إطارها بغض النظر عن صوابيتها عند المخالفين الذين يعارضونها بالضرورة، وأن يعرّف موقعه بوضوح، حتى لا نضيع الوقت والجهد في معارك وهمية لا تُفضي إلى حلول حقيقية. وبذا يكون المرء أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يلتزم بنظام المعرفة الإسلامي وينطلق من أصوله لتشكيل رؤيته وأفكاره، والكلام عن الأمور التي لا خلاف فيها بين المسلمين لا مساحات الخلاف المستساغة بينهم، ويقتضي منه هذا أن يتسق مع الهوية الإسلامية ويطرد مع المنهج الذي ارتضاه ابتداء، أو أن يترك هذا النظام وينسحب منه كليةً لحساب آخر يعبر عن الحالة التي يود العيش في إطارها ويتماشى مع أهوائه، ثم في حال اختار نظامًا آخر مخالفًا للإسلام فلا يقحم نفسه في فرعيات مع أتباع هذا المنهج ويتجاوز الأصول والمنطلقات والخلافات الأولية ويبحث النتيجة.

الرِوَاق

08 Nov, 20:25


معوقات التفكير السياسي (3)
ثنائية الخير والشر..

يعزى قدر كبير من فساد العقل الإسلامي إلى التعامل مع كافة الموضوعات وفق ثنائية الخير والشر، وما ينطبق على الإسلاميين يمتد ليشمل المؤدلجين من مختلف التيارات، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية. فالأدلجة -بغض النظر عن اتجاهها- كعصابة على العين تحجب الحقيقة خلفها، وهؤلاء غير قادرين على استيعاب الواقع، ويميلون إلى تصوره بصورة مطابقة تمامًا للتصورات الموجودة في أذهانهم نتيجة التلقين. إضافةً إلى ذلك، فإن الواقع لا يمكن الحكم عليه من خلال هذه الثنائية المغلقة؛ بل إن المساحات الرمادية هي الأكثر هيمنة في الوقت الحالي. ومن خلال هذا المنظور الضيق للأمور، ترتكب جملة من الأخطاء، أهمها عدم التفرقة بين فساد الفكرة وفساد صاحبها، واعتقاد أن فساد القائل يلزم منه فساد كل أقواله، وأن الأقوال تحاكم وفق حالة أصحابها، بينما الصحيح أن يُنظر في الفكرة بغض النظر عمن قالها. ولا ينبغي أن يكون أساس الرفض مبنيًا على تقييم صاحب الفكرة؛ فقد يتضمن قول إبليس بعض الصواب رغم فساده، فقد خلق آدم من طين وخلق هو من نار كما ذُكر، لكن الخطأ كان في الانتقال بهذه المقدمة إلى نتيجة الأفضلية، ولم يكن في فساد الأصل ذاته. ولو فكر الإسلامي بهذا الوضع واندفع كما اعتاد، لرفض قول إبليس كله مخالفًا بذلك نصًا قرآنيًا! والمشكلة تتفاقم لأن هذا الأصل الفاسد ومعيار الحكم والنقد الباطل لا يكتفي بما هو خارج عن منظومة الإسلام فقط؛ ولو توقف عند هذا الحد لكان الفساد موجودًا لكنه محدود، بل يمتد الفساد إلى رفض كل فكرة لا تتوافق مع التيار، وإن كانت من مسلمين عاملين. فلا يبقى من يُؤخذ عنه إلا داخل التيار المحكوم بأصول واحدة، وبهذا تظل العقول في دوائر مغلقة على أفكار معينة، وتكون هذه بداية السقوط؛ فالعقل الذي لا يتفاعل ويكتفي بما عنده فقط يضمر.

هذا الأصل الفاسد عند الإسلاميين، والذي بُنيت عليه جملة من المواقف الخاطئة التي أضاعت الكثير من الحق، كان واضح الفساد عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي كان صاحب عقلية فذة وذهن متقد، إذ تجاوز العقل المذهبي التقليدي، وتعامل بمرونة منقطعة النظير مع مخالفيه، مما جعله شخصًا منصفًا؛ فلا يرفض مذاهب المخالفين جملةً بل يفصّل فيها ما أمكنه ذلك. وقد أظهر أن مذاهب المخالفين تحوي من الحق والباطل الكثير، فلا تُقبل أو تُرفض مطلقًا، بل يؤخذ منها بقدرها؛ فما وافق الحق أُخذ، وما كان باطلًا تُرك. ولم يمنعه فساد أرسطو في الإلهيات عن الإقرار بصحة كثير من كلامه في الطبيعيات. قال: "أرسطو وأتباعه في الإلهيات، أجهل من اليهود والنصارى بكثير، وأما في الطبيعيات؛ فغالب كلامه جيد، وأما المنطق؛ فكلامه فيه خير من كلامه في الإلهي" [1]. ولم يثنه خلافه مع الفلاسفة عن التفصيل بشأنها، فقال: "لا يمكن إثبات الفلسفة أو نفيها مطلقًا؛ إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات، ولا في الطبيعيات والرياضيات، بل ولا في كثير من المنطق" [2]. ثم في معرض حديثه عن ابن طفيل، صاحب رسالة "حي بن يقظان"، وكيف أنه وأمثاله كانوا يستأنسون بما يجدونه من كلام أبي حامد، والأخير مخالف عقدي له، لكنه مع ذلك لم يضعهم جميعًا في بوتقة واحدة، ولم يجعله خلافه مع الغزالي -رحمهما الله- يتحامل عليه بباطل أو يستغل هذا الاستئناس للنيل من صاحب الإحياء، قال: "ولهذا صار [الغزالي] كالبرزخ بينهم وبين المسلمين، فالمسلمون ينكرون ما وافقهم فيه من الباطل عند المسلمين، وهم ينكرون عليه ما خالفهم فيه من الباطل عند المسلمين" [3]. ولو كان ابن تيمية أحد إسلاميي اليوم أو يفكر بالطريقة التي يسيرون عليها، لرد أقوال أرسطو في الطبيعيات والمنطق كله بناءً على مخالفته في الإلهيات، ولرفض الفلسفة مطلقًا بناءً على مخالفة الفلاسفة، ولأسقط الغزالي وجعله في المرتبة نفسها بدافع الخلاف العقدي. لكن لأن ابن تيمية الذي نعرفه ليس كأحد إسلاميي اليوم الإقصائيين، فقد أعطى كل شيءٍ قدره الصحيح، ولم تدفعه مخالفة لارتكاب حماقة أو الوقوع في أسر خيارين فقط لا ثالث لهما. ولهذا تفرد الشيخ وكسر حدود الضيق التي طغت على كثير ممن سبقه، ولا تزال هذه الحدود إلى اليوم حاضرة، حاجبة حقًا كثيرًا وخيرًا وفيرًا عند الخصوم مع حلول الأيديولوجيا السياسية محل الانتماء المذهبي؛ عقديًا كان أو فقهيًا.

وقد فصلت بهذا الشأن سابقًا في مقال بعنوان:
"لكيلا نكون ردة فعل"، وضحت فيه أن القناعات التي تُبنى على مخالفة المخالف لا على الحق مآلها الانحراف؛ لأن مدار الأمر لا يكون وقتذاك البحث عن الحقيقة، والأصل أن تُتخذ مواقف منصفة تحتكم لأصول ومعايير منهجية، تتفهم طغيان الرمادية والتراكبية على الواقع، ولا تتخذ مواقف مسبقة معارضة أو مؤيدة، وأن يعقب الحكمُ النظر لا يسبقه.

[1] مجموع الفتاوى، (205/9)،  ابن تيمية.
[2] منهاج السنة النبوية، (1/175)، ابن تيمية.
[3] درء تعارض العقل والنقل، (6/57)، ابن تيمية.

الرِوَاق

05 Nov, 22:54


-Young man reading, Norman Rockwell.

الرِوَاق

05 Nov, 17:28


الوقاحة بلغت ذروتها؛ رجال الأعمال في مصر، الذين تربطهم بالنظام علاقات وثيقة، ومصادر ثروتهم مشبوهة، لا يكتفون بحجم الثروات التي حصلوها، مستترين بها عن أعين الشعب الذي ساهموا بجشعهم في إفقاره، بل يحلون ضيوفًا على بعض البرامج لابسين زي العصامية ملقين خطبًا رنانة عن حياتهم التي عمها الشقاء، ومن ثم أصبحوا بفضل اجتهادهم ومثابرتهم أغنياء، ويعطون نصائح اقتصادية للشباب من نوعية «كيف تصبح غنيًا؟» على غرار تجار التنمية البشرية، وبالمقارنة بين وضع هؤلاء ووضع رجال الأعمال أيام مبارك لن تجد فارقًا كبيرًا من ناحية التحالف مع النظام وشراكة بينهم وبين عائلة مبارك، أو بيع مساحات واسعة من البلاد برخص التراب، لكن الوضع الحالي استفحل قليلًا على يد السلطة، وزاد معه التبجح والوقاحة؛ سابقًا كانت السرقات تجري بعيدة عن أعين الناس قليلًا، أما الآن يسرق أحد هؤلاء الوقحين، ثم يخرج بعدها ليعطي الناس دروسًا وعبرًا من تجربة كفاحه، ويوهمهم أن سبب فقرهم الكسل.

الرِوَاق

05 Nov, 15:49


التزَبُّبُ قبل التحَصْرُم!

لا شك أن البرامج العلمية والدعوية على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية قد أفادت خلقًا كثيرًا، فقد أحسن القائمون عليها استغلال هذه المساحات لنشر المعرفة وتيسير العلم، وجزى الله خيرًا من أخذ بزمام المبادرة واقتحم هذا العالم بخدمة الدين ونشر الوعي، إلا أن انتشار هذه البرامج والحالة التي خلقتها وسائل التواصل لم تخلُ من جوانب سلبية، أهمها ما يلي:

1. إيهام المبتدئين ببلوغهم مراتب عليا في العلم؛ حيث يظن بعض المبتدئين، مع قلة خبرتهم وضعف المناهج التي يتلقونها، أنهم قد بلغوا من العلم ما لم يصل إليه غيرهم، بينما تكون تلك المناهج غالبًا سطحية ولا تؤهل لبناء مسلم واعٍ فضلًا عن طالب علم مكين، لكن المبتدئ يظن في نفسه التمكن، في حين أن التعلم الصحيح يحتاج إلى تأسيس منهجي متين، لا إلى مجرد معلومات متفرقة.

2. استعجال غير المؤهلين للخوض في التدريس والدعوة؛ حيث دفعت روح المبادرة بعض الشباب إلى تقديم أنفسهم كمدرسين ومرشدين دون تحصيل كافٍ يؤهلهم لهذه المكانة؛ فنجد بعضهم يعلنون عن تقديم دورات لتأسيس وعي المسلم، أو لتعليم البنات شؤون دينهم، وهذه الموضوعات بالأصل تتداخل مع مساحات واسعة من الفقه الإسلامي، وتتطلب تأصيلًا منضبطًا وإلمامًا دقيقًا بمسائل الشريعة وأقوال المذاهب، ما لا يتوفر دون دراسة طويلة وعميقة، وهو ما لا يوجد عند هؤلاء.

كما يقال: «فاقد الشيء لا يعطيه»؛ فضعيف العلم لا يمكنه تأهيل غيره أو تأسيسه تأسيسًا صحيحًا، وهذه العجلة تشوش الناس، ولا شك أن يكون خلف كثير من هذه المبادرات المندفعة أغراض دنية كسعي لأستاذية وهمية للتميز، أو بحث عن مصدر مال، وهؤلاء الانتهازيون لا عتب عليهم فخصالهم خسيسة ولا يركزون إلا على الذات، ولو كان ذلك على حساب الدين، لكن الأسف على من لا يسعون لهذا ويقتحمون هذه الأمور عن جهالة، ويزين لهم الشيطان أعمالهم فيحسبون أنهم يحسنون صنعًا.