وهذا يعلمه كلُّ عاقلٍ -مؤمنًا كان أو كافرًا- في أمر دنياه، وهو في أمر الدِّين أولى وأظهر، ولكنه قد لا يستبين للناس الغلط فيه لكون مايتحدثون عنه ما يزال في طور الغيب.
ومن هنا تتجلى رحمة من رحمات الله في إنزال الشريعة الغراء؛ إذ الناس لولاها بين متوقفٍ عن القول ومتجرئٍ عليه، والمتجرئون بعقولهم التي تعرف يخبطون في عماية مستضيئين -وهو أقصى ما لديهم!- بعادات متباينة، وأهواءٍ متباعدة!
وهؤلاء لا لوم عليهم بافتراض أن الله لم ينزل وحيَه، ولكن اللوم -كل اللوم- على من علم نزوله، ثم جعل لرأيه المُخالفِ وزنًا!
وإن الشعور النفسي بصحة الرأي لا يوجب تقديمه، وقد استوقفني في هذا المعنى قول سهل بن حنيف -رضي الله عنه-:
«اتهموا الرأي؛ فلقد رأيتني يوم أبي جندلٍ ولو أستطيع أن أرد على رسول الله ﷺ أمره لرددت، والله ورسوله أعلم»
فتأمل كيف أنه لم يمنعه عن ردِّ أمر رسول ﷺ إلا النهي عن المعارضة، وإلا فهو وغيره من الصحابة لم يكن إشكالهم في ذلك الموقف -صلح الحديبية- خفاء الحكمة عليهم، بل إن أعرافهم الاجتماعية والقتالية، وما جُبلوا عليه من العزة والأنفة دفعتهم إلى رأيٍ مخالف، ومع ذلك، تبين لهم لاحقًا أن الحكمة مع الشرع، والمصلحة فيما اختاره الله!
فاجعل التسليم دأبك في التعامل مع الوحي ولو قويت في نفسك دواعي المخالفة.