ما سمعت متكلما تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسيء إلا زيادا، فإنه كلما تكلم كان أجود كلاما.
ومن خطبه خطبته البتراء انظر حتى تعلم أن الشعبي لم يقل ذلك من فراغ اسمع لخطبته التي ترجلها حينما ولي البصرة وكيف تنضح بالترهيب والترغيب التي تنخلع منها القلوب
( وإن من البيان لسحرا )
أما بعد:
فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والفجر الموقد لأهله النار، الملهب عليهم سعيرها هو ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حكماؤكم، من الأمور العظام التي يشب فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تقرؤوا كتاب الله، ولم تسمعوا نبي الله، ولم تعلموا ما أعد الله من الثواب العظيم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمدي الذي لا يزول. أتكونون كمن طرقت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه أمن ترككم، هذه المواخير المنصوبة ....
وذكر كلاما طويلا ثم قال:
وإن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله؛ لين في غير ضعف، وشدة في غير جبرية وعنف، وإني أقسم بالله لآخذن المقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سُعيد، أو تستقيم لي قناتكم.
لا أوتى بفاعل إلا سفكت دمه، وإياكم ودعوى الجاهلية؛ فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه.
وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة؛ فمن سرق قتلناه، ومن غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه، ومن نقب بيتا نقبنا عن كبده وقلبه، ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه، فكفوا ألسنتكم وأيديكم أكف لساني ويدي، وإياكم أن يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه، ألا وإنه قد كانت بيني وبين أقوام إحن فجعلتها دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته، وإني لو علمت أن أحدكم قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك ستره حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب بئيس بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا. واستوجبوا عدلنا بمناصحتكم، واعلموا أني مهما قصرت عنه؛ فإني لا أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن أربابه، ولا مجمرا لكم بعثا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون.
مرآة الزمان | ج ٧ ص ٧٦
https://t.me/abo_hoorl