لقد علّمنا القرآن كيف يكون الفساد وعلّمنا معايير السعادة، ولئن تقاطعت بعض المعايير البشرية في الحضارة الغربية مع معايير القرآن فهو تقاطع عرَضي، وفي الفروع لا في المنطلقات، مع إهمال أبرز أسباب الفساد وأنواعه، وإهمال أسباب السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ربّما كان ما تجده تلك المؤشرات العالمية "سعادة" هو في حقيقته "فساد" في معيار الإسلام، وما لا تبصره في "مؤشّر فسادها" هو في حقيقته من أكبر أنواع الفساد في معيار الإسلام!
فالربا "فساد" كبير في معيار الشريعة، ولكنه في معايير منظمة الشفافية الدولية ليس بشيء، بل جزء من المنظومة "الشرعية"!
وشيوع الإباحية والخمور والزنا وغيرها "فساد" كبير في معيار الإسلام، ولكنها في معظم تلك الدول التي تصنّف في مؤشّر الفساد بأنّها "شبه خالية من الفساد" أمور عادية تمارس وتُقنَّن!
وكذلك السعادة، فمعايير التقرير السنوي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة في معظمها معايير "مادية" للسعادة، وتركّز على الرفاهية المعيشية والاجتماعية، أي على "الدنيا"، بينما السعادة في الإسلام مرتبطة بشكل أساسي بذكر الله وطاعته والفوز بجنّته، وبحصول الأمن والاطمئنان والبركة بسبب اتباع هدى الله ورسالات الأنبياء، حتى لو كان الدخل يسيرًا والشؤون الصحية ضعيفة والتعليم متواضعًا والتكنولوجيا بسيطة.
هذا لا يعني أنّ هذه الأمور المادية غير مطلوبة، بل حثّ الإسلام عليها لكن في سبيل الإعانة على عبادة الله وتعبيد الناس له سبحانه، لا باعتبارها مصدرًا للسعادة، وحين يفرح بها الإنسان يكون قد طغى ونسي أسباب الفرح الحقيقية!