شريف محمد جابر @sharefmg Channel on Telegram

شريف محمد جابر

@sharefmg


ما أوسع الكلمة .. ما أضيق العالم

شريف محمد جابر (Arabic)

قناة "شريف محمد جابر" على تطبيق تيليجرام هي المكان المثالي للاستمتاع بأوسع الكلمات وأضيق العوالم. إذا كنت تبحث عن مصدر للإلهام والتحفيز، فإن هذه القناة هي الخيار الأمثل لك. تتميز القناة بتحفيز المتابعين وتشجيعهم على تحقيق أهدافهم وتحقيق أحلامهم الكبيرة. شريف محمد جابر هو الشخص الذي يقف وراء هذه القناة، وهو محترف في مجال التحفيز والإلهام. يقدم لكم شريف محمد جابر منشورات يومية تحمل في طياتها كلمات تحفيزية قوية ونصائح ملهمة تساعدك على النجاح والتقدم في حياتك الشخصية والمهنية. إذا كنت ترغب في التحول إلى نسخة محسنة من نفسك وتحقيق أحلامك، فعليك بالانضمام إلى قناة "شريف محمد جابر" الآن واستعد للتحول الإيجابي في حياتك.

شريف محمد جابر

20 Nov, 20:35


لو كان في عمري امتداد كامتداد بحر عكا الكبير أمام الناظرين..

ولو كان الحال غير الحال، والقلب غير القلب؛ لكتبتُ حاشية على السيرة الذاتية البديعة للشاعر العربي محمود درويش، التي سماها "في حضرة الغياب"، ولا يقل نثرُه عن شعره بل ربّما فاقه، فقد حشد فيها رموزا كثيرة لأشياء من واقع الحياة، من واقع البلاد والهزيمة، والحاضر والتاريخ، والحرب والسياسة وغير ذلك..

انظر إليه يقول: "ولا تندم على حربٍ أنضجتْكَ كما يُنضج آبُ أكواز الرمّان على منحدرات الجبال المنهوبة".

يريد – والله أعلم – منحدرات جبال صفورية، إحدى أكبر قرى الجليل المهجّرة، التي اشتهرت بالرمّان وكانت عامرة به قبل النكبة.

ويقول: "وحين تصحو لا تندم لأنّك كنت تحلم، ولم تسأل أحدًا: هل أنت من القراصنة؟ لكنّ أحدًا ما سيسألك: هل أنت من القراصنة؟ فكيف تزوّد البديهة بالوثائق والبنادق، وفيها ما يكفيها من محاريث خشبية، وجرارٍ من فخّار، وفيها زيت يضيء وإنْ لم تمسسه نار، وقرآن، وجدائل من فلفل وبامية، وحصان لا يحارب".

يريد الصهاينةَ الذين بدأوا بالتوافد إلى فلسطين بنيّة أخذِها، وهم أنفسهم سيسألونه – بعد احتلال البلاد عام 1948 - هو وآلاف غيره من الذين حاولوا الرجوع إلى فلسطين بُعيد النكبة: هل أنت من القراصنة؟ أي: هل أنت متسلل "غير شرعي" تريد العودة إلى منزلك؟! عاد درويش متسللا من لبنان مع أسرته وهو طفلٌ صغير، فوجدوا بلدتهم "البِرْوَة" حطامًا، فانتقلوا للعيش – متسلّلين مستخفين – إلى بلدة دير الأسد التي تبعد عنها مسافة قليلة.

ويشير درويش إلى مسألة مهمة: وهي سخافة تلك المحاولات التي تحاول إثبات أحقّيتنا بفلسطين من خلال الدلائل التاريخية، سواء كانت موغلة في التاريخ أو بريطانية المذاق! فما كان فيها وما زال من حياة حاضرة تعجّ بنا وبأشيائنا وبثقافتنا وحضارتنا ورموزها كافٍ، وهو "البديهة" التي لا تحتاج إلى دلائل!

ويقول عن أهل البلاد قبل التهجير: "وكانوا شجعانًا بلا سيوف، وعفويين بلا بلاغة، فانكسروا أمام الدبابات، وهُجّروا وبُعثروا في مهبّ الريح، دون أن يفقدوا إيمانهم بالشفاء من جرح التاريخ".
يريد ضعفنا المادي والدبلوماسي، كنا ضعفاء حقّا، لا نملك جيشا مدجّجًا بأحدث الأسلحة، ولا مشروعًا سياسيّا يرعاه دبلوماسيون حاذقون كما كان لدى الآخرين.

ويقول: "وبحثْنا عن علَمنا الوطنيّ، فأرشدنا بُعدنا القوميّ إلى بيت الشعر إيّاه، الذي أغدق على الألوان الأربعة أوصافًا قد تجافي الموصوف، ولكنّها تهيّج الحماسة".

يريد بيت صفيّ الدين الحلّي في قصيدته الرائعة عن معركة زوراء العراق ضدّ المغول:

بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا .. خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا

وهي الألوان التي شكّلت علم الثورة العربية الكبرى ثم علم فلسطين مع اختلاف في ترتيب الألوان. لكن هل العلم مستوحى فعلا من هذا البيت؟ ثمة معلومات تاريخية تتحدث عن رسمه بالتعاون مع شخصيات بريطانية، والموضوع يستحق البحث.

أراد درويش من نصّه أشياء، وأردتُ أنا أشياء في تأويلاتي له..

ولكنْ ما الذي نريده نحن في هذه الورطة التاريخية التي نعيشها؟

هل أقول: في هذا الذلّ؟ في هذه الخيمة التاريخية التي ملأتها ثقوب الوهن بماء الهزيمة؟!

ماذا فعلنا نحن المتنعّمون في عواصم هذا العالم الخربة؟

نحن الذين نتأفف من بللٍ قليل يلامس أجسادَنا حين يَزخُّ علينا الشتاء في الطرقات..

نعتذر لأمّهاتنا الصابرات في الخيام عن خطيئة وهْننا وهواننا.. ثم نمضي بوجوه متمعّرة مدركين أننا لم نفعل شيئا، ولكنّا نحاول إقناع ضمائرنا بأنّا عاجزون، وأنّ استياءنا كافٍ، وأنّ الحياة ستمضي رغم كل شيء..

بيد أنّ المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان لا ينفق عمره في شيء لا يرضي الله، ولا يسعى في مساعي اللهو والغفلة والفساد، ولا يضع الدنيا أمام ناظريه فيسعى إليها وهو يدرك في قراره قلبه أنّ هذا كان مبتدأ سقوطنا!

المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان حين يرى رأس أمّته منكّسًا في التراب يهبّ لرفعه وليمسح عنه وحل الهزيمة والسفول، ولا يطؤه بقدميه وهو يزعم أنّه يبكي تأسّفًا عليه!

فماذا فعلنا نحن الذين تمعّرت وجوهنا لله – كما نزعم – كي نخرج من مستنقع نكساتنا ونكباتنا؟!

شريف محمد جابر

20 Nov, 07:53


المعنى الذي يغيب كثيرا..

أبو حامد الغزالي.. أيها الولد المحب

شريف محمد جابر

19 Nov, 07:52


يقول الشيخ الفاضل: لم أجد أسبق من النبيّ صلى الله عليه وسلّم في إعطائه مكانة للمرأة.

أتدرون أين المشكلة؟

المشكلة ليست في النصوص التي سيحشدها من أراد لتعزيز هذا الموقف، ولا في القناعة بأنّ المنهج النبوي المحمّدي هو المنهج الأسمى في معاملة الخَلْق جميعًا بما فيهم النساء، فهذا ما أدين الله به.

المشكلة أنه تورّط باللجوء إلى النصوص الشرعية بمنظار غربي، أي أنّه حمل مفاهيم هذا العصر الغربية المركزية، ونظر من خلالها إلى نصوص الشريعة والسيرة.

مفهوم "تعزيز مكانة المرأة" مفهوم غربي بامتياز، له سياقاته التاريخية والدينية والفلسفية المعروفة لدارسي التاريخ الأوروبي، وحين نتّخذه مجهرًا نرصد من خلاله الشريعة والتراث لا يغدو مجرّد قالب أو مصطلح محايد نملؤه بمحتوانا الشرعي كما يظنّ بعض المتشرّعين، بل يصبح فاعلا ومؤثّرا في توجيه رؤانا وصياغة أهدافنا في الدعوة والكتابة والتنظير.

ومن طريف ما طالعتُ في كتب المتقدّمين قول الحكيم الترمذي في مقدّمة كتابه "الأكياس والمغترّون" (ونسبه الغزالي خطأً إلى محمد بن علي الكتاني في بدايات الإحياء)، حيث قال الحكيم: "الحمد لله وليّ الحمد وأهله. أمّا بعد، فإنّا وجدنا دين الله مبنيًّا على ثلاثة أركان: على الحقّ والعدل والصدق؛ فالحقّ على الجوارح، والعدل على القلوب، والصدقُ على العقول".

وبصرف النّظر عن موافقتنا للحكيم أو مخالفته في ذلك، ولكنّ الفكرة أنّه "نظر في دين الله" – كما قال - بغير منظار غربي أوروبي يرى فيه الدين قائمًا على العدالة والحرّية والمساواة كما نَظّر بعض المسلمين في هذا العصر!

وانظروا إلى مفردة "الصدق" في كلام الحكيم، هل فكّر أحد اليوم من أولئك المتحدّثين في مقاصد الدين وغاياته العظمى فأدرجوا فيها غايات الثورة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية.. هل فكّروا في قيمة الصدق باعتبارها قيمة تميّز هذا الدين وغاية عظمى ينشد تحقيقها السالكون فيه؟!

ولا شكّ أنّ الحكيم الترمذي وكل كاتب متأثرٌ بثقافة عصره غيرُ قادر على الاستقراء المجرّد، فلا وجود لإنسان مجرّد عن ملابسات بيئته وثقافته.. ولكنْ ثمّة فرق بين من يكون الميراث الشرعي واللغوي هو المحرّك الأساسي لاستقرائه، وبين من يكون استقراؤه نابعًا من مؤثّرات حديثة ودوافع واضحة في تقديم الدين متصالحًا مع ثقافة العصر الجاهلية بطابعها، وتلك أسوأ رسالة نقدّمها عن هذا الدين!

شريف محمد جابر

18 Nov, 22:46


ووردَ عليّ كتابك يا أخي، وكتابٌ بعد كتاب، ووكّدتَ في ذكر عيوب النفس في باب المعرفة. فإنْ قدرتَ يا أخي ألّا تشتغلَ بذكر العيوب - وكلّ هذا سوى الله تعالى - فافعل؛ فإنّ لله عبادًا عرفوه معرفةً وأنكروا كلَّ شيءٍ دونه، واتّقوا من ذكر النفس وخافوه، فكأنّهم إذا ابتُلوا بذِكرها تَدور بأحدهم معدته حتى يكاد يقيء!

وكيف يقدر مَن جال في بساتين الورد والياسمين والنسرين أن يرتع في بقاع الشوك؟! أم كيف يقدر من صار ذكر الجليل له غذاءً أن يستمع إلى ذِكر غيره؟!

العلم بالله، والمعرفة لله، والعقل عن الله: مَن حَوى هذه الثلاث حَيِيَ قلبُه بالله تعالى، ونعم بالُه، وطابَ روحُه، وصحّتْ عبودته، وظفر بالحرّية من رِقّ نفسِه، وعلتْ رتبته، وبرزتْ منزلته، وسادَ أشكالَه، وكرم على مولاه، ونال منه فوق أمله في العاجل والآجل.


(من رسالة لأبي عبد الله الحكيم الترمذي إلى أبي عثمان النيسابوري، أحد أكبر شيوخ الملامتية في عصره)

شريف محمد جابر

17 Nov, 22:39


فُتنت بالشعر منذ الصغر، بل كان من عيوبي التي أُلمَز بها في بيئة مدرسية فاسدة نشأت فيها، إذ كنت أُلمَز باثنتين: الشعر، والتردّد طويلًا على مكتبة المسجد الجامع!

وحين جاء الوقت لأقرض الشعر الموزون في الشباب الباكر، عكفت عليه مدّةً، وخالطتُ بعض أهل الشعر في بيئتنا المحلّية وفي ملتقيات الشبكة الأشهر، التي كانت مشحونة بالشعراء، والذين صار بعضهم اليوم من الأوجه البارزة في الساحة الشعرية العربية.

لقد خلصتُ خلال اشتغالي بالشعر ومخالطتي للشعراء إلى نتيجة كان قدّ علّمنا إيّاها كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، مفادها: أنّ الإيغال في الشعر مفسد لأخلاق المرء على درجات.

أن يكون الشعر "هوسك" الذي يحرّكك، أن يكون حلمك أن تصبح شاعرًا مفلقا يُعجب الناس بما يقرض ويصفّقون له على المدرّجات، أن يكون حلمك أن تغدو المتنبي أو أبو ريشة أو درويش زمانك.. تلك إذن فتنة كبرى، ستسلبك الكثير من القيم الصالحة!

قال لنا الله سبحانه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 224-227). والآية توضّح أنّ رسالة الإنسان الأولى في الحياة هي الإيمان وعمل الصالحات وذكر الله عزّ وجلّ ومكافحة الظلم والظالمين، هذا ما يتمحور حوله المؤمن، وحين يصبح كونه "شاعرًا" هو محور حياته يغوي ويتّبعه الغاوون!

وقال لنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: "لأنْ يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا" (صحيح البخاري)، وفي رواية لمسلم: "بيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالعَرْجِ إذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ، لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" (صحيح مسلم).
وأفهم من الحديث ما فهمته من الآية: أنّ التمركز حول الشعر - هويّةً وممارسةً - هو طريق الشيطان ومنبع للضلالات.

وربّما تبدأ زلّات الشعر خفيفة: كاستعمال لفظ تُشمّ منه رائحة إساءة أدب مع الله جلّ جلاله أو مع الدين، لكن الشاعر الغارق في ذاتيّته هنا يتجوّز ويسوّغ لنفسه (كما أخبرني شاعر فاضل يومًا) ويردّد على نفسه وعلى المعترض أقاويل بعض النقاد قديما وحديثا التي تدور حول "يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره"، وهكذا يبدأ حبل الغواية، ويتّسع الرقع على الراقع، إلا من رحم ربّك وحافظ على تذكير نفسه.

وربّما تصبح الزلّة مفاضلةً بين مكاسب الانضمام إلى برنامج تلفزيوني شهير، حتى لو كان على حساب التطبيع مع الحكومة التي ترعاه وتلمّع نفسها به وما يجرّه ذلك.. وبين حسنة البقاء بعيدًا عن هذه الأجواء/الأضواء.. ثم يغلب جانب المكاسب المعجون بالمباهج والبهارج والأضواء التي تلوح للشاعر المتحلّق حول ذاته الشاعرة.. وتنزلق الأقدام إلا من رحم ربّك، وربّما صار يومًا حملًا وديعًا مبتعدًا عن أي ملامح سياسية تغضب الحكومات في شعره، أو انتهى حاله إلى مديح الباب العالي!

ومع كل ذلك لم أترك كتابة الشعر يومًا ولا قراءته لزيادة رصيدي الأدبي واللغوي. ربما يغيب الشعرُ لسنوات فلا أفتقده إلا قليلًا؛ لأنّ بين يدي ما أشتغل به ويهمّني ويملأ عقلي ووجداني مما هو أولى من الشعر. وربّما جاءني يومًا لأقرض شيئا من وحيه، فهو نفثات يُنفّس بها المرء عن قلبه، وحين يتحوّل إلى مهنة تُحتَرَف ويسعى لترسيخها والاشتهار بها؛ يجاور الإنسان وادي عبقر بغير حصن لقلبه!

شريف محمد جابر

16 Nov, 19:31


لكن الذي حدث أن ابن عبد الوهاب رحمه الله قَبِل الصفقة الآثمة، وهي – كما يقول شيخنا عبد المجيد الشاذلي رحمه الله: "أنَّ الدَّعوة الوهَّابيَّة قد قامت على أساس: "إنَّ اللهَ لَيَزَع بالسُّلطان ما لا يَزَع بالقرآن"، ونَسِيَت قَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران : 110)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَّدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران : 104)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَّهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف : 159)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَّهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف : 181).

فَهُمْ قد ركَّزوا على دور السلطة، ومعها الصَّفوة، ولكنَّهم نسوا دور الأمَّة، وكانت الأمَّة غائبة عن القضيَّة أصلاً، أمَّا السُّلطة فقد وقعت في براثن الصليبية الدولية، وكانت الأمّة غائبة عن القضيّة أصلا، ففرحت بالمسرّات التي جلبتها إليها السلطة، وضاقت بتشديدات الدعوة الوهابية، أو الدّين، وتريد الانسلاخ، ثم سُلِّطَت الفتنة على الصّفوة، ولم يبق صامدًا منها إلا القليل، فبين: [خيانة سُلطة، وغياب دور أمّة، وتحالف أمّة مع سُلطة، وتمزُّق صفوة]، فهنا: [الواقف يكون أضيع من الأيتام في مأدُبة اللِّئام].

ولو كان دور الأمَّة قويّا لاختلف الموقف، ويوم أن كان دور الأمَّة أقوى بعض الشَّيء من الآن، كان باستطاعة ابن باز وغيره أن يُكلّم: فيصل، وأن يقول له: "يا فيصل، كذا"، وليس : "يا جلالة المَلِك"، وكان له سطوة، وله نفوذ، وله كلمة، أمّا الآن فقد أصبح رجال الدِّين عبارة عن: [جهة تبريريَّة لما تفعله السُّلطة]، كما يحدث في مصر وفي غيرها، لأنَّهم فقدوا سُلطتهم بعدم مُساندة الأمَّة لهم، وبغياب دور الأمّة". انتهى كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي، هذا وقد توفّي الشيخ رحمه الله عام 2013، وكلامه هذا من تسجيل منذ منتصف التسعينيات، فكيف لو رأى جنيفر لوبيز وهي ترقص عارية؟ وكيف لو رأى مجسّم الكعبة؟ وكيف لو رأى الأصنام تُبعث من جديد! (سأضع رابط كلامه هذا كاملا هنا).

والخلاصة أنّ ما يحدث الآن ليس درسًا في فساد هذه الفئة فحسب وفساد الأنظمة التي تحكم الأمة، بل هو درس في فساد الاستبداد وقبحه ومآلاته الخطيرة، حتى لو كان في البداية استبداد "صالحين"، فلا بدّ أنّ عاقبته الفساد والإفساد، وهذا هو درس التاريخ الكبير الذي أرى أنّ كثيرا منّا لم يستوعبه بعد! والله المستعان.

كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله:

https://www.facebook.com/photo/?fbid=10152272456158583&set=a.136435663582

شريف محمد جابر

16 Nov, 19:31


لماذا غنّت جنيفر لوبيز عارية في قلب نجد؟
وكيف عادت الأوثان تتلألأ في قلب جزيرة العرب؟

الفساد الموغل في القبح الذي نراه في السعودية الآن والذي بدأ يظهر بشكل فجّ منذ سنوات هو – بتبسيط غير مخلّ – نتيجة مباشرة للاستبداد في الحكم، أي لوقوع الأمة تحت هيمنة فئة أو أسرة حاكمة تسيطر على كل مقاليد الحكم ولا تُمكّن الأمة من المشاركة في الحكم من خلال "الجماعة" التي تمثّلها، وهي المذكورة في الخطاب الجماعي في الكتاب والسنّة وسنّة الخلفاء الراشدين.

ومن أمثلة هذا الخطاب قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث السفينة: "وإنْ أخذوا على أيديهم؛ نجوا ونجوا جميعًا". وقول أبي بكر رضي الله عنه في خطبته الشهيرة: "وإنْ أسأتُ فقوّموني".

هذا الوضع الجماعي الذي كُلّفت به الأمة لم يكن بالإمكان تحقّقه في عهد الخلفاء الراشدين (وهي الحالة القدوة التي نعود إليها دائمًا مرجعًا لنا) إلا بوجود الجماعة الفعلي في تفاصيل اتخاذ القرار كما تخبرنا سير الراشدين وخصوصا الشيخين رحمهما الله، وهو يعني: مشاركة الأمة في الحكم من خلال نخبها الراشدة الممثّلة لها والمتّصفة بالكفاءة والعدالة.

وهو أَولى في عصرنا هذا الذي تضخّم فيه حجم المجتمعات ولم يعد بالإمكان وضع مصير عشرات الملايين في كل قطر بيد أسرة أو حزب أو فئة عسكرية ضيقة تتصرف بحسب مصالحها، والذي يحدث عادةً أنّ القوى المعادية للأمة سرعان ما تهيمن على هذه الأسرة أو الفئة وتُصرّفها لمصالحها لا مصالح الأمة، أو تبتزّها وتحلِبُها، أو تتغير معتقدات تلك الفئة فتميل إلى مذاهب فكرية وأخلاقية معادية لدين الأمة وتحاول فرضها كما يحدث اليوم في الخليج.

في دولة الهند المغولية السنّية العظيمة لدينا نموذجان واضحان يعبّران عن أزمة الاستبداد هذه، نموذج جلال الدين أكبر (963-1014 هـ)، ونموذج حفيده أورانكزيب عالمكير (1068-1119 هـ)، فكلامها حكم لنحو 50 عامًا. قرّر الأول تبنّي "الدين الإلهي"، وهو مزيج من الهندوسية والإسلام والمسيحية والزرادشتية والبوذية! (وهو يذكّرنا بمشروع "الدين الإبراهيمي" المعاصر!) ومضى حفيده في إصلاحات في إقامة الشريعة، فبأمره وُضعتْ "الفتاوى العالمكيرية" المعروفة باسم "الفتاوى الهندية"، وكان تقيّا عالمًا، ينسخ المصاحف ويرسلها لمختلف الأقطار، ملغيّا لكثير من المكوس، إلى غير ذلك مما دلّ على صلاحه وإصلاحه، رغم زلة كبيرة وقعتْ منه إذ أعطى امتيازات لشركة الهند الشرقية البريطانية.

هذان النموذجان يوضّحان كيف أنّ قرار حاكم (سواء كان صالحًا أو مفسدًا) يتحّكم بمصير أمة كاملة! وهذا أمر لا يرضاه الله كما وضّح في كتابه، ونصوص الكتاب والسنّة وآثار الراشدين توضّح ضرورة عدم الوقوع فيه. ترى هل كان أكبر قادرا على فرض الدين الإلهي (الذي رفضه معظم العلماء وعارضوه) لو كانت هناك "جماعة" مشاركة في الحكم تأتمر بأمره ولكنها تأخذ على يده وتأطره على الحقّ أطرًا وتقْصُره على الحقّ قصرا كما أشار الحديث الشريف؟ وهل كان أورانك زيب سيقع في فخ شركة الهند الشرقية التي تحولت بعد عقود قليلة إلى احتلال كامل للهند لو أنّ قراراته السياسية المتعلّقة بمصير أمة كانت مدروسة باستشارة الخبراء الأمناء المخلصين؟!

ولكنْ حتى اليوم مع الأسف، ورغم تجربة التاريخ الإسلامي المريرة في قضية الحكم وما جلبته من مآسٍ ودخول في ولاءات الكافرين وإضعاف الأمة وإنهاكها.. رغم كل ذلك ما زال بيننا من يرفض الخوض في هذه الأمور، ويرى تاريخنا الإسلامي صفحة بيضاء مشرّفة، ولا يرى بعضهم إشكالا في التوريث، ولا في أن تهيمن فئة أو تنظيم أو حزب على الحكم بعد استلامه وتقرر هي وحدها في غرفها المغلقة مَن يكون الحاكم؟ وكيف تسير سياسة الأمة واقتصادها؟ وكيف تصرّف مقدّراتها؟

ولم تعمل كثير من التوجهات والحركات العاملة على تقديم حلول لهذه المعضلة الأساسية التي تكاد تعصف بكل الجهود والتضحيات، إلا من رحم ربّك، وهو خير ولله الحمد.

لم يكن في بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (أيّا كان رأيك في مذهبه) أنّه سيخرج من نسل الأسرة التي وضع يده في يد مؤسس دولتها الأولى محمد بن سعود علمانيون كارهون للتوجه الإسلامي كابن سلمان وأبيه، يعملون جهدهم لحرب الإسلام وإعادة الأوثان التي هدمها بيده ويد آل سعود في عصره!

بل لم يخطر في باله أنّه سيخرج من نسله بعد قرنين ونصف من وفاته علماني إباحيّ جَلد كتركي آل الشيخ، لينصَّب على هيئة للترفيه ونشر الفسق والفجور، جاءت على حساب تقليص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!

شريف محمد جابر

16 Nov, 10:26


في كتاب الله: الأنبياء وورثتهم من الأئمة والصالحين من الدعاة هم الذين يعملون على تغيير الفساد الذي يمارسه الطغاة. ولذلك عمد السيسي وابن سلمان وأضرابهم على زجهم في السجون فتخلو لهم الساحة. إذا لم يكن العلماء العاملون هم قادة التغيير ولم تعمل الأمة على توقيرهم واستنقاذهم من بطش الطغاة فلا إصلاح في هذه الأمة.

شريف محمد جابر

14 Nov, 22:00


من مظاهر فوضى الاستدلال بالقرآن الكريم والسنّة النبوية والسيرة: جَعلُ ما محلّه "المُلَح" و"اللطائف" موضع "المقاصد الكبرى"، فينهمك الباحث في إثبات نظرية معيّنة من خلال تتبّع إشارات ضعيفة غير قطعية ونسْجها لتتّفق مع مسار واحد ربّما يكون قد تحدّد لديه مسبقًا.

لا يمكن بناء نظريّة سياسية أو حركية متكاملة تتعلّق بالأمة كلها وبمصيرها بناء على تأويلات لم يقل بها أهل التفسير بل قالوا خلافها، أو افتراضات شديدة الظنّية تنحو نحو التفسير الرمزي أو الإشاري! ولا أقول إنّ التفسير المعاصر للقرآن محظور، أو إنّ ربطه بالأحداث المعاصرة ممنوع، ولكنّه يبقى شيئا من مجال "الظنّيات" و"الاجتهاديّات" وينبغي التعامل معه بحذر، وليس من قواطع القرآن ومقاصده الكبرى وتوجيهاته المحكمة.

في القرآن والسنّة والسيرة "دروس وعبر" نستفيدها بعد الأحكام الشرعية القطعية الثابتة فيها، لكن لا يمكن لأحد أن يفسّر أحداثًا معاصرة بناء على فهمه هو لبعض الآيات، فيربطها بها ربطًا محكمًا يدخله هو ومن صدّقه لاحقًا في متاعب نفسية وإشكاليات فكرية!

ومن الجيّد في هذا الباب قراءة المقدّمة التاسعة من مقدّمات كتاب "الموافقات" للإمام أبي إسحاق الشاطبي، حيث فرّق بين "صلب العلم" و"مُلَح العلم" و"ما ليس من صلبه ولا مُلَحِه". فأصل العلم هو ما كان قطعيّا أو راجعًا إلى أصلٍ قطعيّ، والمُلَح ما كان راجعًا إلى ظنّي أو إلى قطعي تخلّف عنه خاصّة من خواصّ ذَكرَها، وما ليس من الصلب ولا من المُلَح هو "ما لم يرجع إلى أصل قطعي ولا ظنّي، وإنّما شأنُه أن يَكرَّ على أصله أو على غيره بالإبطال". والتفاصيل عند الشاطبي.

ما يهمّني في هذا الباب التأكيد بأنّ حاجة الأمة اليوم هي ترسيخ القطعيات والثوابت، فهي التي يتناولها أهل الزيغ اليوم بالإنكار والتشكيك والشبهات، أما بناء المناهج الشرعية والحركية على المُلَح بل ما هو أدنى منها فمن شأنه هزّ ثقة الناس بالخطاب الشرعي المعاصر؛ إذ هو خطاب يُكثر من الدعاوى والوعود المبنية على توافقات مع النصوص يزعم أصحابها أنّها قطعية مع أنها بعيدة جدًّا عن الظنّ المحمود في الاجتهاد الشرعي، وكثير منها تخرّصات لا أصل لها.

وقد استمعت مؤخرًا إلى رجل يفسّر شطرًا من آية بتفسير غريب، فوجدته لا يوافق فيه أحدًا من أهل التفسير، وجميعهم على رأي واحدٍ خلافه، ولكنّه لا يذكر ذلك في محاضرته، بل يقدّم رأيه بكامل الثقة وكأنّه منطوق الآية!

وأخيرا، أنصح كل مستمع لأيٍّ من المعاصرين أن يراجع كل تفسير يصدر عنه لكتاب الله تعالى على ضوء ما قاله أبرز المفسّرين، وخصوصًا المتقدّمين، وألّا يأخذ كلامه ولا لغة جسده الواثقة ولا المناسبة الظاهرة التي تبدو "مقنعة" دليلا على صحّة كلامه.

لا تشرب كلامًا في دين الله وكتاب الله بغير تمحيص وتنقيب، فهذا من دروس القرآن القطعية الأَوْلى بالأخذ والاستمساك من جميع تلك التأويلات المعاصرة، والله أعلم.

شريف محمد جابر

14 Nov, 19:10


من المعضلات الكبيرة والأمراض الخطيرة التي تقف حائلًا أمام نهضة هذه الأمة كما يرى الشيخ الأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله ما يسمّيه "الشخصية الإيحائية"، وألخّص لكم بشيء من التصرّف بالعبارة ما قاله في سلسلة صوتيّة قدّمها في تسعينيات القرن الماضي.

قال رحمه الله: إنّ خامة الأخلاقيات العامة في المجتمعات الإسلامية الحالية رديئة، يتأثر فيها الإنسان بالإيحاء، ويرى أنّ هذا يعود إلى عناصر عديدة تراكمت عبر مدة طويلة من الاغتراب واللامبالاة والخضوع للحكام وعدم الرغبة في التغيير والاستخفاف {فاستخفّ قومَه فأطاعوه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} والإذلال طويل المدى والبُعد عن المشاركة والاستبداد بالحكم.

وقال إنّ الناس في مصر ظلّوا مدّة طويلة مثلا يصدّقون بأنّ الملك فاروق يأتي بأربعة ديوك رومي تُضغَط له حتى يأخذها في فنجان شوربة!

وقال إنّ هذا المثال وغيره سببه أنّ الشخصية "إيحائية"، تسير بروح القطيع وليس بروح الفريق، يفكّر المرء بعقل جمعي، ولذلك قال الله تعالى: {قلْ إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مَثنى وفُرادى ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم مِن جِنّة إنْ هو إلّا نذير لكم بين يدَي عذابٍ شديد} كي يبعدهم عن عقلية القطيع والعقل الجمعي الذي يفكّر بالإيحاء أو يتأثر بالإيحاء دون أن يفكّر في صحّة التوجّه الذي هو ذاهبٌ إليه؛ هل هو صحيح أم خطأ؟ فهو يسير مع القطيع ملغيًا عقلَه، كالبغل يركب القضيب ويُسحب منه فيسير ولا يعرف إلى أين يذهب!

يستمر الشيخ موضّحا: قد يكون له عقل وذكاء، ولكن لا يقوم بتشغيله لأنّه تربّى على سياسة القطيع والإيحاء، يأتي إليه أحد ويهيّجه بكلمتين كأنْ يقول: يا جماعة.. إلخ.. فيسير خلفه. وإذا أراد أن يقول كلاما مخالفا لهذا التوجّه الذي سارت به الجماعة فإنّ الباقين سينزعجون منه، وهو لا يريد أن يُغضب أحدًا، فيسير معهم.
ويستطرد الشيخ في الحديث عن "الحرمان العاطفي" وعدم استقرار الأسرة وما ولّده من إغراق عاطفي ضمن الجماعات الإسلامية وخوف الفرد من الحرمان من هذا الإغراق فينصاع للتيّار.

لكنّ الفكرة أنني عدت إلى كلام الشيخ رحمه الله هذا حديثًا (وكنت قد سمعته منذ سنوات طويلة) حين شعرت في الآونة الأخيرة بشدّة "تأثير الإيحاء" هذا، ووجدت شواهد له عبر شهور طويلة في أكثر من موقف، وأيقنت بشدّة أنّ هذا المرض يحتاج إلى معالجة كثيفة وإلى توارد المعالجات من أكثر من جهة وبأكثر من أسلوب، فهو عائق كبير أمام أي تفكير حكيم وجاد، ووجدتُ من سماته التي تعيش بيننا أن النّاس تقتنع بما يروي رغباتها وعواطفها، فالأطروحة التي تقدّم لها مستقبلًا مزهرًا أو نصرًا أو بشريات قريبة غير واقعية تلقى رواجًا لما تصادفه من رغبات في نفوس الناس، لا بما تقدّمه من مستندات شرعية أو واقعية!

بل وجدت الكثير من الباحثين يتوجّهون إلى كتاب الله وإلى السنّة النبوية وإلى السيرة بروح "إيحائية" إن جاز التعبير، تبحث عمّا يُرضي العاطفة الجمعية أكثر مما تبحث عمّا يصلح عقول الناس وقلوبهم وسلوكهم.

والحديث يطول في هذا الباب، ولعلي أنشط قريبًا للكتابة فيه بتفصيل أكثر، والله الموفق.

شريف محمد جابر

14 Nov, 08:39


من مظاهر ازدواجية معاييرنا أننا نبذل كل جهد في محاولة نفي وجود شعب يهودي، ونردد السرديات اليسارية الغربية حول اختراع الصهيونية المسيحية لفكرة الدولة اليهودية وأنها لم تكن موجودة في الدين اليهودي (وهو طرح مغلوط)، ونستشهد بكتابات شلومو زاند حول "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل"..

لكنْ حاولْ أن تخبر أحد هؤلاء بأنّ الشعب الفلسطيني شعب مخترع، وأنّ الدولة الفلسطينية لم تكن يومًا موجودة، وأنّ بريطانيا هي التي اخترعتها.. سيحدّثك الأخ عن "الأمر الواقع"، وسيجلب لك شواهد غير ذات صلة من النصوص الدينية ليثبت أصالة الهوية الفلسطينية!

إذا كانت القضية قضية "أمر واقع" فلا حاجة لكلّ هذا التنظير، وإذا تبنّينا نوعا من التنظير فعلينا الالتزام بمقتضياته سواء كان في صالحنا أو ليس في صالحنا، فالحقيقة دائما في صالحنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}.

شريف محمد جابر

13 Nov, 22:06


قل لي يا أخي ما نفع علمك إذا كنت تفخر بطاغيةٍ عدوٍّ للمسلمين أو تعترف بشرعيّته الساقطة أو لا تبالي بمدحه؟!

العلم قبل كل شيء مواقف أخلاقية، فإذا كنت لا أستسيغ أخذ العلم عن رجل ممتلئ بالعلم النظريّ ولكنّه قليل المروءة فاحش الخلق بذيء اللسان، فلا آخذه أيضًا عن موالٍ للطغاة المجرمين، مزيّنٍ لهم في عيون النّاس ولو بشطر كلمة.

من أخطر ما تمرّ به الأمة اليوم أنّ أوضاعها السياسية – الناظمة لأوضاعها الأخلاقية والتشريعية – ليست بيدها، ومن أوجب الواجبات على العلماء؛ أولي الأمر الذين يُرتجى منهم قيادة الأمّة إلى برّ الأمان، أن يساهموا في تغيير هذه الأوضاع لتكون في يد الصالحين من أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، كي يستضيء الناس بأنوار العلم بعد إزالة أثقال الظلمة التي تنخر عقولهم وقلوبهم في النظام التعليمي والإعلامي والتشريعي والاقتصادي وغيرها، وكلّها بيد الدولة.

فكيف إذا كان العالم أحد أدوات السلطة الفاسدة المفسدة أو أحد المصفّقين لها أو المزيّنين لها في عقول النّاس؟!

شريف محمد جابر

12 Nov, 06:52


لست من المعجبين بفكر الشيخ الألباني رحمه الله وأجزل له العطاء، بل لديّ نفورٌ شديد من بعض فتاويه وأطروحاته، لكنّ فكرة الطعن فيه وإهدار قيمته تمامًا لأنّه "لا شيوخ له"، وربط الأخطاء التي جاء بها في المنهج والفتاوى كلها بهذا الأمر فكرة غير صائبة بنظري. لدينا جيش من المشايخ المعاصرين ممن كان لهم شيوخ تقليديّون كبار وقد جاؤوا بطوامّ تفوق ما جاء به الألباني، فماذا نفعهم أخذهم عن المشايخ؟

لدينا مفتٍ سابق قديم لمصر صرف كثيرا من آيات القرآن عن حقيقتها وأوّلها تأويلا يناسب التطوّر العلمي الحديث، فضلا عن علاقات وآراء وأفكار طعن فيه من أجلها بعض المتشرّعة، فهل نلغي كلّ علمه ونهدره تمامًا وننكر كل فضيلة له؟

ولدينا طوام من بعض مَن تلقّوا العلم الشرعي "على أصوله" على الشيوخ، فلم يعصمهم التلقّي عن الشيوخ عن الخطأ والزلل والانحراف، فليست الاستقامة الفكرية أو العلمية أو الأخلاقية منوطة بهذا، بل هي منحة من الله يكرم بها عباده المصطفين الذين يطلبون هدايته في كل حين، فهو وحده سبحانه الهادي إلى سواء السبيل، وهو وحده الذي يرشدنا إلى الصواب.

لا أقول هذا لأقلل من قيمة التلقّي عن الشيوخ معاذ الله، بل من وجد شيخا يتصف بالعلم والخلق واستقامة السيرة فلينكب على النهل من علمه وأخلاقه، وليعلم أنه لن يجد في الكتب والصوتيات والمقاطع المرئية ما يجده في إرشاد وتعليم من شيخ فاضل ممتلئ بالعلم والأخلاق.

ونحن في هذا العصر نسدّد ونقارب، فنبذل غاية الوسع في تلقّي العلم، فمن العلم ما يجري في قلبك وعقلك في خلواتك التي تناجي فيها الربّ سبحانه وتستعينه وتستغفره وتستهديه. ومن العلم مجالسة الشيوخ والعلماء وسؤالهم والأخذ عنهم وتدوين ملاحظاتهم وتصويباتهم. ومن العلم ما يتفتّح في ذهنك وقلبك وأنت تقرأ تفسير كتاب الله وشروح السنن. ومن العلم ما تشاهده من دروس وفّرت لنا الوسائل الحديثة نقلها بأحسن صورة. ومن العلم ما يحصل من مراسلات بين طلبة العلم والعلماء في كلّ فنّ.. إلى غير ذلك من الوسائل.

فهذه كلها وسائل تتفاضل فيما بينها، ويختلف أثرها من شخص إلى آخر، ومن عصر إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. لكنّ اللبيب من لا تلهيه الوسيلة عن نشدان الحقيقة، ولا تشغله تفاصيل الدروب عن طلب الغايات. والعبرة في النهاية فيما ينتج الإنسان من علم، فيقوّمه أهل العلم بما لديهم من علوم ودلائل، لا بما لديهم من ألقاب ومكانة.

وهذا الإمام أحمد بن نصرٍ الداودي المسيلي المالكي (ت 402 هـ) كان ممّن عُرف أنّه لا شيوخ له، وقد أنكر على علماء القيروان عدم خروجهم منها حين سيطر عليها العبيديّون الفاطميّون، لكنّ بعضهم أجابه "اسكت! لا شيخ لك". قال القاضي عياض مبيّنا ذلك: "أي لأنّ درسه كان وحدَه، ولم يتفقّه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنّما وصل إلى ما وصل بإدراكه، ويشيرون أنّه لو كان له شيخ يفقّهه حقيقة الفقه لعلمَ أنّ بقاءهم مع من هناك من عامّة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام، وبقيّة صالحة للإيمان، وأنّه لو خرج العلماء عن إفريقية لتشرَّق [أي صار على مذهب العبيديين الذين جاؤوا من المشرق] مَن بقي فيها من العامّة الألف والآلاف، فرجّحوا خير الشرّين".

والإمام الداودي من خير من يُذكّرنا بالشيخ الألباني، سواء لقلّة شيوخهما (كلاهما تلقّى عن عدد محدود جدّا من المشايخ وعُدّ ممن لا شيخ له)، أو بسبب تشابه فتوى الداودي (مع الفارق) بفتوى الشيخ الألباني حين سئل عن الهجرة من فلسطين، فقد استدلّ بهجرة النبيّ صلى الله عليه وسلّم من مكّة وهي أفضل من بيت المقدس على حدّ تعبيره، وإن كان قد نفى ذلك لاحقًا، لكنّ كلامه حول الأمر وإثارته كان إشكاليّا جدّا وأنكر عليه أهل العلم ولم يوافقوه عليه.

لكن هل أدّى موقف العلماء إلى إسقاط الداودي والإضراب عن علمه ومصنّفاته؟

التاريخ يخبرنا بقصّة أخرى، فالداودي الذي كان درسه وحده ولم يتفقّه في أكثر علمه على إمام مشهور ووصل إلى ما وصل بإدراكه – كما يخبرنا القاضي عياض – ترك من العلم ما انشغل به العلماء المحقّقون. وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم منهم القاضي عياض نفسه الذي قال عنه: "من أئمة المالكية بالمغرب، والمتّسعين في العلم، المجيدين للتأليف... كان فقيهًا فاضلًا عالمًا متفنّنًا مؤلّفًا مجيدًا، له حظّ من اللسان والحديث والنَّظَر".

وقال عنه الإمام السهيلي صاحب "الروض الأُنُف": "غير أنّ الداودي من أهل الثقة والعلم".

وقد ذكره في سياق المدح والاعتراف بإمامته قوم من العلماء منهم الإمام القرطبي صاحب التفسير، والإمام الشاطبي صاحب الموافقات، والإمام الذهبي، والإمام ابن فرحون والإمام زين الدين العراقي وغيرهم.

فانتفعوا يا معشر طلبة العلم بما أفاد به الألباني عالَم الحديث والتحقيق، واضربوا صفحا عن أخطائه وزلاته، وراجعوا نقّاده المجيدين فيما قدّم من علوم، فأنتم على ربوة عالية تشرفون منها على الصواب والخطأ، فتتعلّمون من تجارب السابقين، وتضيفون ما ينفع هذه الأمة إن شاء الله.

شريف محمد جابر

10 Nov, 22:43


أحد أوجه الإبهار اللغوي في القرآن، والذي أجده على المستوى الشخصي على الأقل، هو الانطلاق اللغوي الذي يتعالق مع كل العصور دون أن ينطوي شيء من دلالاته في حقبة تاريخية ما أو سياق اجتماعي ما، بل تظل للنصّ القرآني طلاقته التي تنشئ الرابط الواضح مع كل العصور، حتى حين تعالج الآية حادثة اجتماعية تاريخية في بلدة صغيرة قبل 14 قرنا كما في آية الحجاب جاء النص طليقا هكذا {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}، لم يحدد يُعرفن ممن؟ لم يذكر الإماء كما ذكرت أسباب النزول؛ لأنها ظرف اجتماعي متغير، بينما ظلت الآية طليقة على المستوى اللغوي، ترتبط دلالتها مع كل عصر، متجاوزة للتفاصيل الحابسة.

شريف محمد جابر

10 Nov, 13:15


إخوتي في الجزائر..

سألني كثير من الإخوة عن كتبي المتوفرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب العربي، وكنت أجبت بعضهم - مخطئا - بعدم توفرها، لكني تذكرت أن كتابي الأخير "لماذا هجرنا القرآن في بناء أصول الإيمان" متوفر في المعرض في جناح مكتبة الأسرة العربية، رقم الجناح: ( B41 AHAGGAR ).

يعالج هذا الكتاب إشكالية خطيرة في خطابنا العقائدي وهي الإعراض عن الانطلاق من القرآن في بناء أصول الإيمان، فيكشف عن الاعوجاج الذي حدث حين هجرْنا كتاب الله في هذا الباب، ويقوّم ذلك الاعوجاج بالنقد والنقاش والأدلّة، ويقدّم الدلائل القرآنية الكثيفة التي تُبرهن بما يقطع كلّ شكّ على مركزية القرآن في بناء أصول الإيمان، مفنّدًا بذلك المقولة التي تزعم أنّه لا يمكننا مخاطبة غير المؤمنين بالقرآن لأنّهم لا يؤمنون بصدقه، أو التي تزعم بأنّنا يجب أن نبدأ بإثبات وجود الله وصفاته الثبوتية وصحّة النبوة بالعقل المستقلّ قبل الاستناد إلى القرآن كي لا نقع في الاستدلال الدائري. كما يعرض الجهود التاريخية المباركة التي انطلقتْ من القرآن وأسّستْ هذا الباب عليه في القديم والحديث، فأضاءت لنا طريق العودة إليه لبناء أصول الإيمان.

أرجو لكم قراءة نافعة..

شريف محمد جابر

07 Nov, 20:30


هناك تصوّر ساذج وسيّء لدى كثيرين ممّن يحملون لواء "تصحيح العقيدة" وشعارات "التوحيد أولا" حول مفهوم الإيمان وفاعليّته في الحياة، بل لدى بعضهم ارتباطات مختلّة بحكومات معادية للدين أساسا، هذا كلّه معروف ومفهوم.. ولكنّ رفض الطرح العقائدي تمامًا تحت حجّة "مش وقته" أو أنّ هناك تحدّيات كبرى أولى بالاهتمام؛ يمثّل دورانًا حول معالجة "الأعراض" وتجاهلا للعوامل والدوافع والمسببات.

كثيرا ما يرفض بعض الإخوة المعالجات المفاهيمية الجذرية لقضايانا الكبرى، مع أنّ هذه المعالجات وفي ظلّ الواقع الراهن الضاغط نحو الانشغال بردود الأفعال هي من أولى ما ينبغي الانشغال به؛ لأنّ المشكلة تكمن في "نظام التشغيل" أكثر مما تبدو في شكل الانفعال اللحظي بالوقائع.

نظام التشغيل الذي ينطلق من منطلقات فاسدة وغايات فاسدة لن يُنتج لنا حلولًا نافعة حتى لو كنا واقعيين إلى أبعد مدى. والذين غيّروا في هذا العالم هم الذين كانوا يمتلكون منذ البداية رؤية ومنطلقات مختلفة عن الواقع السائد، هم الذين قال لهم أقوامهم: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا}.

و"الآلهة" التي يتمسّك بها النّاس اليوم كثوابت ومنطلقات كثيرة جدا، فما أحوجنا إلى إعادة التفكير فيها قبل التفكير في تغيير الواقع إلى الأفضل!

شريف محمد جابر

07 Nov, 13:43


أهلنا في المملكة، يمكنكم الحصول على كتبي من متجر صوان

شريف محمد جابر

07 Nov, 03:53


من باب التعريف بحقيقة العلم ما رواه أبو محمّد الدارمي (181-255 هـ) "عن موسى بن يسار عمّه قال: بلغني أنّ سلمان رضي الله عنه كتب إلى أبي الدرداء رضي الله عنه:

"إنّ العلم كالينابيع يغشاهُنّ الناس، فيختلجُه هذا وهذا، فينفعُ اللهُ به غيرَ واحد، وإنّ حكمةً لا يُتكلم بها كجسدٍ لا روح فيه، وإنّ علمًا لا يَخرج ككنزٍ لا يُنفَق منه، وإنّما مَثَلُ العالِم كمَثَل رجلٍ حمل سراجًا في طريق مظلم، يستضيء به من مَرَّ به، وكلٌّ يدعو له بالخير" (مسند الدارمي).

فكان التعريف بالعلم هنا من جهة نفعه وفائدته ودوره الحيويّ في الحياة الإنسانية. يدلّك هذا الأثرُ على ما ينبغي معرفته حقّا في سياق العلم كي لا تضلّ عن حقيقته، فإذا كنتَ تُراكم العلمَ من غير العمل به أو نشره والإضاءة به، ليكون بمنزلة "العلامات" التي تُرشد في الطريق؛ فأنت لم تفقه حقيقة العلم!

(من كتابي "منطق القرآن: إصلاح العقل على طريق الحق والصدق والعدل")

شريف محمد جابر

05 Nov, 14:24


يحضرني موقف كثير من المنظّرين العرب، بل بعض “الإسلاميين” مع الأسف، الذين يوجّهون نقدًا للمشروع الصهيوني متعلّقًا بالهوية، يقولون: إنّ هؤلاء لا يكاد يجمعهم شيء، فقد جاؤوا من دول وشعوب مختلفة، منهم الأشكنازي ومنهم الشرقي ومنهم الحبشي ومنهم البريطاني ومنهم الأمريكي إلخ على سبيل الذمّ.. مع أنّ ذلك الأخ الداعية سيتحدّث في مجلس آخر مشيدًا بالدولة النبوية التي ضمّت أبا بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وصَهَرتهم في هوية واحدة وولاء واحد!

كتبت هذا الكلام في مقالي الأخير الذي نشرته قبل أيام هنا: "لماذا يجب أن نتخلى عن هوياتنا الوطنية؟"

وأتساءل الآن: هل استلهمنا السيرة النبوية حقا في فهمنا للواقع؟ أم تجاهلنا الكثير من حقائقها الدامغة بخصوص الهوية وغيرها من القضايا الكبرى، بل تمادينا وأسقطنا مفاهيمنا المعاصرة عليها وقرأناها بأنظار كليلة تستمد من مفاهيم العصر أكثر مما تستمد من الهدي النبوي! حتى وجدنا اليوم من يستشهد لدولة المواطنة الغربية بدولة المدينة، أو من يستشهد بالأحاديث المتعلقة بأقاليم الإسلام وفضائلها على شرعية الهويات القطرية التي فرضها الاستعمار!

شريف محمد جابر

04 Nov, 17:52


يخطر لي أحيانا أن أمتنا في باب التربية تعاني من مشكلة التحيّز لجوانب معيّنة والإعلاء من شأنها، كأن يقول القائل: إن أساس التربية هو التنشئة على الجرأة والعزة والقوة، أو يقول آخر: تبدأ التربية من القراءة.

ولا شكّ أنّها جوانب مهمّة جدّا، لكنها كثيرا ما تتحوّل إلى "قوالب" لشخصيات تُناهض غايات التربية الإسلامية؛ فقد تصبح القوة والعزّة كبرياءً وتسلّطًا وقسوةً على المؤمنين، أو انبهارًا وإعلاءً لدور الجانب المادي في نهوض الأمة من كبوتها مع الغفلة عن الجوانب الأخرى.

وقد ينشأ الطفل نهمًا على قراءة كلّ شيء، حائزًا على مديح أهله وذويه ومعلّميه، ثم نكتشف لاحقًا أننا كنّا نربي مشروع ملحد كبير أو روائي إباحي أو كاتب "ديني" وصولي؛ لأنّ القراءة كانت لذاتها، ولم تكن متوجّهة ببُعد رسالي أخلاقي.

ما لم يكن "إصلاح القلب" أساس كل عملية تربية، وربطه بالله أولا وآخرا وبكل ما ينبثق عن هذه الحقيقة من حقائق الإيمان والإسلام، وما يبنى عليها من قيم وآداب وأخلاق.. فإنّ كل تربية تركّز على جانب من الجوانب هي عرضة لأخذنا بعيدًا عمّا نرجوه من الأجيال الصغيرة، التي نفرح كثيرا ونحن نراها تنشأ وتتشكّل أمام أحلامنا المتعطّشة لشيءٍ من المجد والعزّة والنهوض.