شريف محمد جابر @sharefmg Channel on Telegram

شريف محمد جابر

@sharefmg


ما أوسع الكلمة .. ما أضيق العالم

شريف محمد جابر (Arabic)

قناة "شريف محمد جابر" على تطبيق تيليجرام هي المكان المثالي للاستمتاع بأوسع الكلمات وأضيق العوالم. إذا كنت تبحث عن مصدر للإلهام والتحفيز، فإن هذه القناة هي الخيار الأمثل لك. تتميز القناة بتحفيز المتابعين وتشجيعهم على تحقيق أهدافهم وتحقيق أحلامهم الكبيرة. شريف محمد جابر هو الشخص الذي يقف وراء هذه القناة، وهو محترف في مجال التحفيز والإلهام. يقدم لكم شريف محمد جابر منشورات يومية تحمل في طياتها كلمات تحفيزية قوية ونصائح ملهمة تساعدك على النجاح والتقدم في حياتك الشخصية والمهنية. إذا كنت ترغب في التحول إلى نسخة محسنة من نفسك وتحقيق أحلامك، فعليك بالانضمام إلى قناة "شريف محمد جابر" الآن واستعد للتحول الإيجابي في حياتك.

شريف محمد جابر

17 Feb, 18:28


مؤشر السعادة.. مؤشر الفساد.. الاعتداد بها يدلّ على خفّة عقل وضعف في الديانة، واعتمادها كمصادر في إعلامنا العربي يدلّ على ضياع للبوصلة الفكرية والقيمية!

لقد علّمنا القرآن كيف يكون الفساد وعلّمنا معايير السعادة، ولئن تقاطعت بعض المعايير البشرية في الحضارة الغربية مع معايير القرآن فهو تقاطع عرَضي، وفي الفروع لا في المنطلقات، مع إهمال أبرز أسباب الفساد وأنواعه، وإهمال أسباب السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

ربّما كان ما تجده تلك المؤشرات العالمية "سعادة" هو في حقيقته "فساد" في معيار الإسلام، وما لا تبصره في "مؤشّر فسادها" هو في حقيقته من أكبر أنواع الفساد في معيار الإسلام!

فالربا "فساد" كبير في معيار الشريعة، ولكنه في معايير منظمة الشفافية الدولية ليس بشيء، بل جزء من المنظومة "الشرعية"!

وشيوع الإباحية والخمور والزنا وغيرها "فساد" كبير في معيار الإسلام، ولكنها في معظم تلك الدول التي تصنّف في مؤشّر الفساد بأنّها "شبه خالية من الفساد" أمور عادية تمارس وتُقنَّن!

وكذلك السعادة، فمعايير التقرير السنوي الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة في معظمها معايير "مادية" للسعادة، وتركّز على الرفاهية المعيشية والاجتماعية، أي على "الدنيا"، بينما السعادة في الإسلام مرتبطة بشكل أساسي بذكر الله وطاعته والفوز بجنّته، وبحصول الأمن والاطمئنان والبركة بسبب اتباع هدى الله ورسالات الأنبياء، حتى لو كان الدخل يسيرًا والشؤون الصحية ضعيفة والتعليم متواضعًا والتكنولوجيا بسيطة.

هذا لا يعني أنّ هذه الأمور المادية غير مطلوبة، بل حثّ الإسلام عليها لكن في سبيل الإعانة على عبادة الله وتعبيد الناس له سبحانه، لا باعتبارها مصدرًا للسعادة، وحين يفرح بها الإنسان يكون قد طغى ونسي أسباب الفرح الحقيقية!

شريف محمد جابر

17 Feb, 10:31


الضامن الوحيد لإحلال الأمن والاستقرار في بلاد الشام على جميع سكانها ليس فقط أن يحكمها أهل السنة، بل أن تُحكم بشريعة الله المغيّبة عنها قسرا منذ زمن بعيد جدا.

هذه في نظري يجب أن تكون قناعة راسخة لأهلنا في سورية وغيرها، بصرف النظر عن قناعة بعضهم بضرورة تأجيل قضية الشريعة وضرورة حمل خطاب وطني يشمل كل الطوائف.. فالتاريخ يعلمنا أن قرنا من هذا الخطاب لم يجلب أمنا ولا استقرارا، بل جلب الفظائع على الجميع؛ أهل السنة وغيرهم.

أيا كان موقفك من المسلك السياسي المرحلي الذي يجب اتخاذه الآن، ومهما اختلفنا حوله، أرى أن هذه الحقيقة يجب أن تكون قناعة راسخة لكل مسلم يعيش في بلاد الشام: لا أمن ولا أمان ولا سلام ولا استقرار ولا بركة في العيش إلا في ظل حاكمية الشريعة على الجميع.

شريف محمد جابر

16 Feb, 11:34


حين يُسأل سياسي مسلم عن "الديمقراطية": هل سيكون النظام السياسي ديمقراطيًّا؟ فهذه فرصة نادرة لبثّ القيم وتوسيع أفق الأفكار من ناحية، ولإظهار مهاراته السياسية الواعية من ناحية أخرى.

أما أن يجيب: نعم ستكون "ديمقراطية"، لإرضاء السائلين أو كفّ تشغيبهم، فهي أضعف إجابة يمكن أن يقدّمها سياسي مسلم لأسباب.

ففي مرحلة ما قبل تأسيس شكل النظام ينبغي أن يردّ الأمر إلى أهله ممن سيتوافقون على نظام يلائمهم، وتقريره بأنّ النظام سيكون "ديمقراطيّا" فيه افتئات على ممثّلي الشعب وقياداته الذين ينبغي أن يقرّروا شكل نظامهم بحرّية، وهذا بالمناسبة مفهوم إنساني يقبله الصحابيّ في عهد الراشدين ويقبله الأوروبي المعاصر، بخلاف الديمقراطية التي تحمل قيمًا غربية، فهي نظام غربي له أسسه وحقل المفاهيم الغربية التي يسير بها، وليست ضربة لازب، ولا أمرًا عالميًّا اتفقت عليه البشرية ومن المفهوم ضمنًا أن تتبنّاه كل بلاد العالم!

كما أنّ هذه فرصة – وأي فرصة – لإظهار فكره النيّر (إن كان موجودًا لديه) بلغة دبلوماسية، فيقول إنّ شكل النظام أمر يقرره أهل البلد ممن سيجتمعون في مجلس تأسيسي يضع وثيقة أو إعلانًا أو ما شابه يقرر فيه معالم النظام من خلال التشاور وسماع آراء ذوي الشأن والخبرة، وإنه ينبغي لنا أن نفكر باستقلالية حول ما يلائمنا، لا أن نقرر مسبقًا أنه "ليس في الإمكان أبدع ممّا صنع الغرب من أنظمة".

لو تحدّثَ دبلوماسيٌّ مسلم على هذا النحو أو ما يشبهه بطريقة ودّية فإنه سيلجم أكبر رأس علماني أو ليبرالي جالس في هذا اللقاء، إذ سيظهر المعترض كما لو كان يعترض على إرادة الشعب وما سيختاره، أو كما لو كان يحبّ التبعية للغرب في الثقافة والسياسة، ولم يتخلّ الدبلوماسي المسلم في الوقتِ نفسه عن مفاهيمه الشرعية، بل يجهر بها بذكاء.

فإذا قيل: إنه يقول ذلك لطمأنة الغرب ولخوفه من رد فعلهم. فهذه سذاجة سياسية في الحقيقة؛ لأنّ الغرب يعرف إذا كنت تتحدث بخلاف ما تطبّق، وليس من السهل خداعه بمجرّد كلام يلقى مع التمسّك بالقيم الإسلامية في الممارسة، هذا أمر يرفض قادة الغرب تمثُّله في الواقع، وسيظلّون وراء السياسيّ المسلم حتى يردّوه عن قيمه إن استطاعوا.

المعادلة الوحيدة التي ينجح فيها هذا "الخداع" هي التخلّي الفعليّ عن القيم والمبادئ الإسلامية في باب السياسة، وهذا يعني التخلّي عن الغاية من ممارسة السياسية الشرعية، والتي تتضمّن – أول ما تتضمّن – حماية دين الأمة وقيمها، ونحن المسلمون رأس مالنا في ديننا وقيمنا، هي أفضل ما نقدّمه للعالم، فإذا ضحّينا بها في سبيل السياسة كانت سياستنا هذه "فاشلة" تمامًا، أو خادمة لغيرنا لا لنا!

في السياسة، إذا أردت أن تصنع شيئا لأمتك فالجرأة مطلوبة إلى جانب الخطاب السياسي الذكي والدبلوماسية العالية، أي الجرأة في إظهار "قيمك" التي لا تتنازل عنها، والجرأة في عرض رؤى أخرى خارج "الكتالوج الغربي" تزيد من إكبار الأمة لك ومن احترام خصومك لك. أما الاستخذاء للمفاهيم الغربية وإعلان قبولها في القول والممارسة صباحًا ومساءً وبمناسبة وبدون مناسبة؛ فهو مما يُربك جهود السياسي، ويجعله أكثر قابلية ليكون ألعوبةً في أيدي خصومه الأقوياء من الدول الكبرى: المانحة والضاغطة والمحاربة والمبتزّة.. بجميع أنواعها.

وفكرة فرح بعض المسلمين بمثل هذه الممارسات التي تتمركز حول التنازل في المفاهيم والممارسة، وحول تقدير الشخصيات غير المسلمة وإجلالها، وأمثال ذلك مما يوضع في خانة: "أُقدّم التنازلات وأُظهر الانسجام مع مفاهيم الخصوم لأحصل على ما أريد".. هو من الأدلة على ضعف التفكير السياسي في أمّتنا، فهي تفرح بما ينبغي أن تمتعض منه، بسبب قلّة خبرتها السياسية وتعشيش مفاهيم الاستبداد والانضباع للمفاهيم الغربية والخوف من قوة الغرب وبطشه.. فهذه كلها تجعلها فاقدة للبوصلة، مما يجعلها محتاجة إلى بناء وعيها السياسي من جديد.

ستجدون في المنشور المثبّت في قناتي قائمة لبناء الوعي السياسي أعددتُها في سبيل رفع الوعي السياسي الراشد للأمة، والله الموفق والمستعان.

شريف محمد جابر

15 Feb, 21:00


إذا جاز لنا استعمال مصطلح "أمراض دينية"، فعلينا الانتباه لبعض الأمراض الدينية الخطيرة المنتشرة بين شباب المسلمين اليوم، وهي ناتجة عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية القاسية التي مرّت بها الأمة الإسلامية وما تزال.

وتكمن خطورتها في كونها تحلّ مكان الانخراط في مشكلات الواقع الراهن التي تعاني منها الأمة أو القضايا التي تحتاجها في مجال الدعوة. فهي نوع من "الفكر الهروبي" الذي يغمر الشباب بشعور "المنافحة عن قضية" أو "الدعوة إلى مبادئ سامية"، لكنها في الواقع "مبادئ على الورق"، فإمّا أن تكون غارقة في التاريخ الذي تجاوزه الواقع، أو غارقة في مستقبل ينسج أحلامًا ورديّة لأوضاع سياسية واقتصادية مثالية لم تحدث يومًا في ظلّ أفضل الأجيال المسلمة.

من هذه القضايا ذلك التوجه المؤسف حول إحياء "الأموية"، وجعل هذا الوصف كما لو كان أحد أسس الإسلام التي ينافَح عنها ويُدعى إليها! لا باعتبارها قضية سياسية من تاريخ المسلمين تأخذ حجمها المعقول عند دراسة التاريخ من حيث الإنصاف وبيان الإيجابيات والسلبيات، ثم يتجاوزها المسلم آخذًا دروسها ومشتغلًا بمشكلات واقعه السياسية.

ومنها ذلك الجدل العقائدي الكلامي حول مسائل الصفات والتأويل والإثبات والتفويض وغيرها، حتى وجدت شيخا مشهورًا ينشر كتابًا جديدا ليُظهر خطأ ابن تيمية رحمه الله في تفسير الاستواء وينصر مذهب التفويض.. وينكبُّ الشباب لقراءة الكتاب ومناقشته وعقد المجالس لذلك! وأنا أنظر مندهشًا وأقول: هؤلاء يعيشون بيننا؟ في عالمنا هذا الذي نرى هيمنة الشريعة غائبة، وبلاد المسلمين ممزّقة تسودها العلمانية والولاءات الوطنية وجحافل الجيوش الغربية؟!

والأنكى أن تنمو بين بعض الشباب المشتغل بالعلوم الشرعية وتلك التي يسمّونها "عقلية" (يقصدون المنطق والفلسفة وعلم الكلام) مقولة تذمّ "الرسالية" والحرص على عدم الخوض فيما لا يبنى عليه عمل والاهتمام بشؤون الأمة الواقعية الراهنة.. فبات المحمود في كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالنصوص المتواترة مذمومًا عند من سلبتْ عقلَه "العلومُ العقلية" ولوثاتها الشرقية والغربية!

ومن هذه القضايا أيضًا الدعوة إلى أطروحات مغرقة في المثالية حول "الحكم الإسلامي"، يغيب فيها أي تفكير سياسي أو حتى شرعي مبني على قواعد أصول الفقه، ويعيش المنخرطون في هذا الطرح في الإجابة عن سؤال "ما ينبغي أن يكون" مع تجاهل الواقع القائم، مما جعلهم يكتفون بالحديث عن مثالهم الذي صنعوه في خيالهم ولم تجرّبه البشرية يومًا!

والعجيب أن تجد من لا يمارس خطاب الشريعة وتسييد المفاهيم الإسلامية بشأن ما يجري من قضايا سياسية وحقوقية واقتصادية وغيرها، يروّج لهذا الخطاب رغم عدم وجود مدخل له في الواقع الراهن. فكيف لمن يرفض الخطوات المرحلية نحو الشريعة بحجة "ليس وقته" أن ينخرط في الترويج لخطاب مغرق في المثالية لم يكن له وقت ولن يكون؟!

أعتذر عن بعض الحدّة الصريحة في المنشور، ولكني ما كتبت هذا إلا من حرقة في القلب على حال الشباب المسلم، ودعوة إلى نفض غبار الوهم عنّا، حين نشعر أننا نكتب أو ندعو أو ننخرط في شيء يفيد الأمة، ثم تكون الحقيقة أنّنا نخوض فيما يلهيها عن طريق رشدها ومجدها.

شريف محمد جابر

15 Feb, 18:37


هناك فرق بين أن تُضطرّ في خطابك السياسي إلى الحديث الدبلوماسي وممارسة المناورات وتسخير بعض المفاهيم المعاصرة لإيصال أفكارك وتوضيح مواقفك وكفّ أذى أعدائك، وبين أن ترضخ للمفاهيم السياسية العلمانية فتصبح من دعاتها ومروّجيها، فتتبنّى ترسيخ القانون العلماني والهوية الوطنية، وتتنازل عن خطابك الإسلامي تمامًا كأنْ لم يكن، أو ينحصر في مجالات الشعائر وبعض المظاهر دون أن يتعدّاها إلى جانب الهوية والأحكام. فأنت في هذه الحالة تنازلت عن نفسك ومشروعك، وفشلت في خطابك السياسي، لأنّ الغاية من وراء الخطاب السياسي حماية مشروعك والذبّ عن ثوابت أمّتك ومقدّراتها، فإذا مسستَ بأغلى ما تملك من اللحظات الأولى كنت خاسرًا لا رابحًا!

شريف محمد جابر

15 Feb, 17:07


سرّ تصاعد خطاب “إسرائيل الكبرى” بين هذا التيّار اليميني المتطرّف هو استيعابه للّحظة التاريخية التي يمرّ بها المشروع الآن، فهي لحظة تحتاج إلى إبراز قوة المشروع والدولة وهيمنتها، بإزاء ضعف الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في عموم العالم العربي حولها، وبإزاء حالة الصدمة التي أصابت المجتمع الإسرائيلي.

وهي في الوقت نفسه لحظة تحتاج إلى استيعاب قدْر كبير من مشاعر السخط المشتعلة بعد 7 أكتوبر في المجتمع الإسرائيلي، حيث تبدو الفرصة مواتية لتوجيه هذه المشاعر لا نحو الإحباط والقلق والتفكير في مهرب، بل نحو مزيدٍ من السخط والعدائية، وهو مزاج موجود على أيّ حال في جميع المجتمعات التي تمرّ بتجارب شبيهة في علاقتها مع مجتمعات أخرى حول العالم، ولطالما رصد السياسيّون هذه الأمزجة المتصاعدة من حين لآخر في مجتمعاتهم ليقدّموا خطابا شعبويّا يروي عطشها، ويقدّم في الوقت نفسه لأحزابهم الأصواتَ المطلوبة لزيادة حجمهم في الانتخابات القادمة.

(من مقالي الأخير "إسرائيل الكبرى: حقيقة أم وهم؟")

رابط المقال: http://bit.ly/42R1nbv

شريف محمد جابر

14 Feb, 13:03


جزءٌ من فشلنا يكمن في أننا ما زلنا نفكّر انطلاقًا من الأسس التي وضعها الاستعمار الغربي لبلادنا قبل أكثر من قرن، وجزء من نجاح المشروع الصهيوني نابع من كونه يحمل طموحًا أوسع من الواقع يمثّل "محرّكًا" أو "رافعة" للمشروع، حتى لو كان الحديث عنه الآن غير واقعي بمعايير الجغرافيا السياسية والسياسة الدولية والديمغرافيا وغيرها من المعطيات.

والواقع أنّه في اللحظة التي ينكفئ فيها المشروع الصهيوني على ذاته، وتتقزّم طموحاته إلى مجرّد "البقاء" أو الحفاظ على حدود 1948 فسوف تبدأ قصّة اضمحلاله كما هي قصّة اضمحلال كل دولة قامت وانتهتْ في التاريخ. ومن هنا نعلم أنّ وجود المشروع المتجاوز في أهدافه للواقع الحالي هو أحد أهمّ أسباب النهوض لأيّ أمّة من الأمم.

والمأساة أنّنا بدأنا مشاريعَنا الوطنية التي صُنعتْ على أعين الاستعمار بطموحات هزيلة، ومفاهيم هشّة غير متماسكة، وهي أضيق من قدراتنا وطاقاتها باعتبارنا {خيرَ أمّة أخرجتْ للنّاس}، ومخالفة لهويّتنا وشريعتنا، ومفرّقة لجمعنا وشملنا.. ثم نطمح بمجدٍ أو بنصر!

(من مقالي الجديد "إسرائيل الكبرى : حقيقة أم وهم؟")

رابط المقال: https://ghirascenter.org/2025/02/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a3%d9%85-%d9%88%d9%87%d9%85%d8%9f/

شريف محمد جابر

13 Feb, 19:39


مقالي الجديد.. حديث حول زوبعة "إسرائيل الكبرى" التي ثارت منذ أشهر.

ما مدى مصداقية هذا المشروع المزعوم؟

أرجو لكم قراءة نافعة..

رابط المقال: http://bit.ly/42R1nbv

شريف محمد جابر

13 Feb, 06:04


تتلاشى منّا التفاصيل كما يتسلّل الماءُ من بين الأصابع، لأنّ عقولنا وقلوبَنا أعجزُ من أن تختزن تفاصيلَ كلّ شيء أحببناه أو استحسنّاه من ذكرياتنا، ولكي ندرك عظمة ما وصف الله به نفسه سبحانه: {عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
ونحن يا ربّنا تعزبُ عنّا الأشياء ونعزُب عنها، نحنُ الإنسيّون الذين اشتُقّ النسيانُ من اسمنا أو اشتُقّ اسمُنا منه، ولقد عهدتَ بعظمتك إلى آدم من قبل فنسيَ ولم تجدْ له عزمًا سبحانك.
وأنت كما أثنيتَ على نفسك ووصفتها، ما كنتَ نَسِيّا، تعلم ما نفوسنا ولا نعلم ما في نفسك، إنّك أنت علّام الغيوب.
فاجبرْ يا ربّ ضعفَ قلوبنا برحمتك، واسترْ دواخلنا الشاردة بعفوك وردّها برأفتك..

شريف محمد جابر

12 Feb, 18:27


كيف تُسرق الثورات بفقدان القاعدة الفكرية الإسلامية؟

يحكي الأستاذ سيد قطب رحمه الله في محاضر التحقيق معه، التي نشرت لاحقا بعنوان "لماذا أعدموني؟" ما جرى في زيارة أحد مشايخ الجزائر له في منتصف الستينيات أثناء انعقاد مؤتمر علماء المسلمين في القاهرة، فيقول عنه:

"وقد تحدث معي عن الأحوال والأوضاع في الجزائر من ناحية التيارات العقيدية، يقول: إنّ قاعدة الثورة إسلامية لا شكّ في ذلك، واتجاه الشعب كله إلى الإسلام، وإنْ كان البعض لا يعرف حقيقته، لأنّ الاستعمار الفرنسي الطويل حرص على تجهيل الشعب بدينه، غير أنّه توجد الآن عند القمّة تيارات شيوعية فكرية منظّمة تعمل على نشر الأفكار الشيوعية تحت اسم الاشتراكية وتحت ستار الثقافة الاجتماعية والاقتصادية، وليس هناك ما يقابلها من ناحية الفكر الإسلامي؛ لأنّ المشايخ والوعّاظ يتّجهون اتجاهًا تقليديّا لا يكافئ تلك التيارات، ولذلك فالخوف شديد من تضليل الشعب بهذه الوسيلة. وكان هذا قبل الانقلاب الجزائري الأخير".

شريف محمد جابر

12 Feb, 05:52


سألني كثير من الشباب في الآونة الأخيرة: ماذا نقرأ في بناء الوعي السياسي؟ هذه القائمة هي الإجابة على ذلك.. أرجو لكم قراءة موفقة

شريف محمد جابر

11 Feb, 20:24


من المثير للدهشة تلك الحجة الأخلاقية الهشّة التي يستند إليها ترامب في تصريحاته الأخيرة مع ملك الأردن حول تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، فهو يقول إنّ القطاع مكان خطير وهم يُقتلون كل يوم ويجب توفير الأمن ومكان أفضل للعيش لهم.

والعجيب أنّ رئيس أكبر قوة عالمية، معه زر تفعيل السلاح النووي، يتحدث كحقوقي بائس يعمل في منظمة لحقوق الإنسان، في الوقت نفسه الذي يتحدث بعنجهية حاكم إمبراطوري عسكري يُصرّح بنواياه وأطماعه في امتلاك الأرض بلا مواربة!

هذه القدرة على الجمع بين المتناقضات توضّح الخلفية التجارية التي جاء منها رجل أمريكا الأول، فهو كالبائع الذي يتّصل بك ويبدو حريصًا على مصلحتك، لكنّك تعلم أنه لا يعرف عنك شيئا، وأنه حريص فقط على ملء جيبه آخر الشهر بالمزيد من النقود، ولتذهب أنت إلى الجحيم!

شريف محمد جابر

10 Feb, 14:45


مشكلة ترامب أنه صريح معنا إلى أبعد الحدود، وهذه لو تفكّرنا منحة لنا؛ فهو لا يختلف عن غيره سوى بخلع جميع الأقنعة وإزالة مساحيق التجميل.. هو المعبّر الحقيقي عن الحضارة الغربية ونظرتها الاستحواذية تجاه بلادنا ومقدّراتنا.
ترامب فرصة لنا جميعا لنرى الوجه الحقيقي لهذه الحضارة المادية، وفرصة لندرك أهمية أن تشرق شمسنا على العالم كله من جديد.

شريف محمد جابر

09 Feb, 12:29


لا بد أن تكون الراية واضحة لكل مشروع إسلامي، سواء في مرحلة الاستضعاف أو التمكين.

والمقصود بالراية ليس أعلام التوحيد أو إطلاق الشعارات، بل المقصود أن يكون واضحا للناس بأنه مشروع ينطلق من رسالة الإسلام، وأنه يعالج القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة معالجة شرعية.

أن يخبرهم بأسباب الفساد في السياسة والمال والمجتمع، وأنها بسبب الابتعاد عن المنهج الإسلامي الراشد الذي ارتضاه الله لنا.

وحين يقال هذا الكلام يقول بعض الناس: هل المهم أن نقول كلمة "إسلامي" ونضعها يافطة لنا؟

والجواب: كلا، لكن الذي يحدث في الواقع أن التوجهات التي قررت العمل سواء في مرحلة التمكين أو بعد التمكين بغير رفعهم راية المشروع الإسلامي التي تعني مضامينه ومعالجاته للواقع تورطوا من حيث يدرون أو لا يدرون بالخطاب الشعاراتي؛ إذ بات ما يصلهم في نظر الناس وأتباعهم بالمشروع الإسلامي خلفية أفرادهم الدينية ولحاهم وسجودهم وتلاوتهم للقرآن.. أي بات ما يدل على مشروعهم "الإسلامي" ممارسات احتفالية رمزية، وليست من قبيل المضمون والممارسة السياسية، وإن كانت مطلوبة ومباركة على المستوى الفردي، ولكنها في سياق مشروع سياسي يزعم أتباعه أنه يحمل هم الإسلام ورسالته الحضارية والتمكين لشريعته "شعاراتية" بامتياز!

هناك شيء مخيف وغير واع في اتخاذ قرار إخفاء هوية المشروع ومعالمه لحمايته، والمفارقة أن هؤلاء يلتمسون من أحداث السيرة ما يسوغون به بعض الممارسات ذات الطبيعة "التنازلية"، مع أن الدرس الأبرز في السيرة هو وضوح الرسالة والمشروع من المبدأ إلى المنتهى، فقد كانت الراية واضحة في مرحلة الاستضعاف في مكة، ولم تختف بعد التمكين في المدينة بل ازدادت مساحات مضامينها، حتى مع الاضطرار إلى الدبلوماسية والمناورات السياسية مع القوى المتربصة الكثيرة.

الأكثر مفارقة أن تكون الراية واضحة في مرحلة الاستضعاف، وفي مراحل التمكين المنقوص الذي يتخطف فيه الناس من أرضهم ويقفون فيه على شفا هاوية.. ثم حين يزداد التمكين ويكرمنا الله بسننه الغيبية بما يدهشنا من نصر وزوال للجور والاستبداد؛ نواري هوية مشروعنا ونخفيها خوفا من البطش به! مع أننا لم نخفه في أوقات ضعفنا، وقدمنا تضحيات كبيرة على مدى سنوات طويلة.

هذه معضلة وأزمة عاصفة تحل بالتيار الإسلامي وتكاد تفتك بمصداقية مشروعه، وهي تحتاج إلى وقفات طويلة والتفكر في أسبابها ونتائجها الواضحة في التجارب السابقة التي أخفت هوية المشروع لحمايته ولم تزدد عنه إلا ابتعادا!

وفي نظري هناك محوران مهمان للوقوف عندهما طويلا:

مدى ثقتنا بالسنن الربانية الغيبية للنصر والتمكين وتصرفنا على أساسها، فهل ندرسها في المساجد ثم ننساها عند تولي السلطة؟

ومدى إدراكنا لأهمية وجود هوية أصيلة تشكل محور استقطاب لأي مشروع تمكين يراد له أن يكون قويا وصامدا ويراد التفاف الأمة حوله لحمايته. فجزء من الضعف والاهتزاز الذي يعصف بكثير من مشاريعنا "الإسلامية" راجع إلى مواراة هويتها ومضامين مشروعها وعدم مصارحة الأمة بها ولا السعي في تنفيذها وإنْ بالتدريج، مما يُفقدنا مصداقيتنا ويفتح أبواب الفتنة من أوسع أبوابها!

أما ما هي معالم المشروع الإسلامي؟

فمن أحسن ما يقرأ في هذا الباب كتاب "الإعلان الإسلامي" لعلي عزت بيجوفيتش رحمه الله وأنصح كل شاب بقراءته، وسيعجب من صلته بقضايانا المعاصرة رغم اختلاف الزمان والمكان الذي كتب به.

شريف محمد جابر

07 Feb, 17:26


من لا يرى الشريعة مبدّلة في معظم بلاد المسلمين، ومنها بلادنا العربية، فهو إمّا جاهل ينبغي أن يُعلّم، أو مراوغ لديه مشكلة نفسية أو فكرية مع الشريعة كما جاءت في الكتاب والسنّة.

هناك من يلجأ الآن إلى القول بأنّ تلبية احتياجات الناس وحفظ الأمن هي من أهم وظائف السلطة وهي من تطبيق الشريعة. وهذا صحيح، ولكنه وحده ليس كل معنى تطبيق الشريعة؛ فهذه المهام تقوم بها الدول غير المسلمة أيضًا، كما أنّ في الشريعة أمورًا مهدورة كمنظومة التشريع الفقهية التي حلّت مكانها القوانين الوضعية، وكالأحكام المالية الواضحة المهدرَة في الشريعة، وغيرها من "البلاوي" التي لا ينبغي لمسلم يحبّ الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يسكت عنها أو لا يسعى في إصلاحها على قدر الاستطاعة.

وهناك من يقول: الشريعة ليست إقامة الحدود أو العقوبات فحسب. وهذا أيضًا صحيح، لكن من يركّز على أنّ المقصود بتطبيق الشريعة هو تنفيذ العقوبات هم العلمانيون الكارهون لها والذين يقولون ذلك للتنفير منها، فيردّد ذلك المسكين تلك المقولة جهلًا وترسيخًا للشبهة المغلوطة! ومع ذلك فنظام العقوبات الإسلامي من صلب أحكام الشريعة القطعية، وهو مرتبط بحفظ الأمن وحقوق الناس كما أراد الله عزّ وجلّ لا كما تريد أهواء البشر، وإهداره تماما خطيئة كبرى ينبغي تداركها في أسرع وقت حين تتمكن الأمة من أدوات ذلك.

وعليه فإنّ أي استهزاء أو معارضة أو تنفير من الخطاب الذي يدعو المسلمين – حكّامًا ومحكومين – إلى إقامة الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأداء الأمة الإسلامية لرسالتها الخالدة مع توسيع العذر لهم؛ هو فعل مشين يُهين صاحبه ويجعله من الصادّين عن سبيل الله من حيث يدري أو لا يدري، وإذا تذرّع بأنّه يعترض على الأسلوب والمفهوم المغلوط فليكن أول الداعين لإقامة الشريعة بالمفهوم الصحيح الكامل، أمّا أن يكون غافلًا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الباب ثم لا يتصدّى له إلا اعتراضًا على من يقوم به؛ فهذا من أشدّ الخذلان!

وما كتبت هذا إلّا لِما وجدتُه مؤخّرا من تنفيرٍ عن مقولة الشريعة من بعض المحسوبين على التيار الإسلامي أو المتديّنين مع الأسف، وانخراط بعض الشباب في ذلك – بسخريةٍ أحيانًا! - غير مدركين لخطورة ما يفعلونه من إثم.

إنّ التماس الأعذار للجهات المعنية شيء، والتنفير عن خطاب الشريعة الموجّه للأمّة جميعًا قيامًا بواجب البيان الذي أُمرنا به في كتاب الله، أو الاستخفاف به أو الاعتراض عليه؛ شيء آخر تمامًا.

يقول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات. وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخطِ الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنّم" (صحيح البخاري).

شريف محمد جابر

07 Feb, 13:47


ولو قرأتم كتاب الله، لوجدتموه يذكر اليهود لا بصفتهم متديّنين مخلصين لدينهم، بل بصفتهم قومًا (بنو إسرائيل)، وبصفتهم "دنيويين"، أي "علمانيين" بلغتنا المعاصرة، ولم يمنعه عدم تمسّكهم بدينهم وتضييعه وانكبابهم على الدنيا كما وصفهم من مخاطبتهم باعتبارهم "يهودًا" أو من إنزال السنن الخاصة بهم عليهم كجماعة ممتدّة في التاريخ، بمتديّنيها وعلمانيّيها، فتأمّل!

شريف محمد جابر

07 Feb, 13:47


هل كانت الديانة اليهودية "واضحة في رفض إقامة دولة إسرائيل" كما يقول الدكتور نايف بن نهار في بودكاسته حول "تفكيك السردية الصهيونية"؟

الواقع أنّ نفي الطموح في إقامة دولة يهودية في أرض فلسطين عن الديانة اليهودية هو لوثة يسارية غربية دخلت إلى عقول نخبنا العربية. ولعلّ إحدى أبرز مشاكل نخبنا العربية أنها تقرأ عن الصهيونية واليهودية من منظور شبه أحادي، يقدّم رؤية وتصوّرا ما، فيه الكثير من الصواب ولكن مع نقص كبير.

مرّت اليهودية – كأي مذهب أو دين بشري - بأطوار، تخلّلها تأسيس دول في فلسطين، منها دولة الحشمونائيين إبّان العهد السلوقي حتى العهد الروماني، التي استمرت نحو 80 عامًا، والتي كانت نتيجة ثورة المكابيين اليهود على السلوقيين، ثم ثار اليهود مجدّدا على الرومان وفشلوا، وثاروا أخيرا في الثلث الأول من القرن الميلادي الثاني بقيادة باركوخفا، وسيطروا لزمن قصير على بعض مناطق فلسطين، ولكنّهم في النهاية تلقّوا هزيمة ساحقة وكارثية في الآن نفسه؛ إذ أسفرتْ عن مقتل أعداد ضخمة من المجتمع اليهودي، وتدمير العديد من بلداتهم، وتفرّقهم في الشتات بعيدا عن فلسطين.

ما الذي يهمّنا من هذا كله؟

أنّ اليهودية منذ تأسيسها وخلال مراحل مهمة من تاريخها كانت "دينًا ودولة" إذا أردنا استخدام هذا التعبير المعاصر، وأنها كانت في فلسطين، وأنّ الذي حصل بعد ذلك من تأصيلات دينية كان في مرحلة هزيمة وتحت الحكم الروماني، بما في ذلك التكيّف مع الشتات، وانتظار المسيح، وفكرة العهود الثلاثة الواردة في التلمود (عدم العودة الجماعية إلى فلسطين بالقوة، وعدم التمرّد على الأمم التي يعيشون في كنفها، وعدم اضطهاد الأمم الأخرى لليهود). فقد صيغت هذه الأفكار بعد فشل ثورة باركوخفا وتشتت اليهود، وكان هدف صياغتها الحفاظ على ما تبقّى من المجتمع اليهودي. فحين يأتي الآن من يقول إنّ هذا التوجّه هو "ما تقوله اليهودية" يكون قد أخذ مرحلة من اليهودية وأغفل مراحل أخرى أكثر مركزية وتأسيسية منها، وقابلة دائمًا للعودة إليها وإحياء مضامينها، وهي تتضمّن – في التنظير وفي الواقع – إقامة دولة يهودية في فلسطين.

وفضلا عن ذلك، كيف يمكن لمسلم يقرأ قوله تعالى عن أحد أنبياء بني إسرائيل وملوكهم: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، كيف يمكن له أن يقول إنّ اليهودية واضحة في رفض إقامة دولة إسرائيل وإن الذي جاء بالفكرة هم المسيحيّون الإنجيليّون؟!

كما لا يمكن الحديث عن نسبة الهجرة إلى فلسطين إلى الصهيونية المسيحية فحسب، لأنّ هناك تيارات دينية يهودية عديدة في القرون الأخيرة، تضاف إلى التيارات اليهودية القديمة جدا منذ عهد الرومان وما قبلهم، آمنت بنوع من العودة إلى فلسطين والاستيطان فيها، بل الصواب أن يقال: إنّ الصهيونية المسيحية هي التي تأثرت بهذه التيارات اليهودية لأسبقيّة هذه الأخيرة عليها.

فمنذ أن أيّد بعض الحاخامات، كالحاخام عكيبا بن يوسف، أحد أكبر الحاخامات في القرن الثاني الميلادي، ثورة باركوخبا، ظلّت فكرة العودة إلى فلسطين والاستيطان فيها تلوح لكثير من اليهود. فنجد ذلك في الكبالا ذات الطابع الروحي، واستقر أحد رموزها، وهو موسى بن نحمان في فلسطين حتى مات فيها بعد أن هاجر إليها من الأندلس مؤمنا بواجب العودة إليها.

أظنّ أنه من الواجب على من يتحدث في هذا الباب أن يذكر هذا السياق التاريخي كي يُنسب هذا الرأي إلى تيار في مرحلة تاريخية ما، حتى لو طالت هذه المرحلة وكان هذا التيار سائدًا بين الحاخامات المتأخّرين.

وبطبيعة الحال هذا لا ينفي أنّ النخبة الصهيونية في أوروبا في القرن التاسع عشر تأثّرت بصعود القوميات وبالتضييق على اليهود فيها مما دفعها إلى التفكير بقومية يهودية تؤسس لدولة خاصة بها وتتخلص من عنصرية الأمم الأخرى، بل تسعى إلى تأسيس دولة "علمانية" مع طابع اشتراكي كما كانت تلك النخب تعتقد. ولكنّ الأمور ستجري لاحقا على خلاف أهوائها، وستضمحلّ الاشتراكية وتدخل العناصر الدينية في صلب الدولة!

ولا ينفي أيضًا أنّ الغرب الأوروبي ثم الأمريكي وجد في إقامة دولة يهودية في المشرق العربي فرصة مهمة لدولة تنتمي نخبتها إلى الثقافة الغربية وتؤدي دورًا وظيفيّا في المنطقة، وهو السيطرة والحفاظ على ضعف البلدان العربية؛ لوجود عناصر متكاملة لبناء قوة دولية كبيرة فيها كما حدث في التاريخ وكما هو مرشّح أن يحدث في أي لحظة تاريخية.

أما الاستناد إلى الفكرة القائلة بأنّ النخبة الصهيونية الأوروبية كانت علمانية بل ملحدة ومن ثمّ فلا علاقة لها باليهودية فهي فكرة غريبة؛ لأنّ الهوية اليهودية المميزة والبارزة بأعرافها في أوروبا كانت واضحة جدّا عليهم، وهو ما دفع شرائح كثيرة من الشعوب الأوروبية المسيحية إلى العنصرية تجاههم، ولولا تمسّكهم بهويّتهم وانتمائهم اليهودي لَذابوا وخفت كثير من هذا التمييز والعزل.

شريف محمد جابر

06 Feb, 20:53


لا أبالغ إن قلت إنّ نموذج دول الخليج هو موضع فتنة عظيمة لكثير من الناس، بسبب الانبهار بنهضتها المنقوصة التي يراد – كما يبدو – تعميمها على بلداننا العربية. وكثير من الشباب اليوم يرى في "دبي" أو غيرها من مدن الخليج النموذج المتحضّر المنشود!

لكنّك غير قادر في هذه الدول – التي تقدّم نموذجًا يبدو ناجحًا على مستوى الانتعاش الاقتصادي - على ممارسة نشاط سياسي حقيقي أو ممارسة الحسبة السياسية الحقيقية على السلطة. كما لا تستطيع هذه البلدان بذاتها الخروج من التبعية الأمريكية لأنّ إمكاناتها وآفاقها وارتباطاتها بالغرب لا تسمح بذلك.

وحين ترى مديح بعض الشخصيات المشهورة لما يسمى "نهضة" دبي على سبيل المثال، وإبداع العمارة والتنظيم والتخطيط فيها مع الاستقرار الأمني؛ تدرك عمق الأزمة والفتنة في هذا النموذج لعوام الناس، فقد جرّب هؤلاء شظف العيش في بلدان الثورات العربية، وهو نموذج الاستبداد والفساد الذي ولّد الفقر والتخلّف والمعاناة المعيشية. ولذلك فإنّ أول ما يفكّرون فيه هو الخروج من هذه الحالة الاقتصادية الضاغطة، ولا يبصرون في العالم العربي نموذجًا يحقّق الحرية والقوة والسعي إلى الخروج من التبعية مع الارتفاع الاقتصادي وتحسين الأحوال المعيشية.

ما يرونه هو نموذج لبعض دول الخليج، وهو نموذج اقترن فيه الاستبداد في نظام الحكم والتبعية للغرب بالتطوّر والحالة الاقتصادية المرتفعة، وهنا تكمن الفتنة. فهم يتوقون إلى أي إصلاح اقتصادي يقرّبهم من ذلك النموذج الذي زُيّن لهم، والذي سينتشلهم – كما يظنّون – من التخلف والفقر والمعاناة، حتى لو جاء على حساب الحرّية أو على حساب الاستقلال عن التبعية للغرب أو على حساب التمسّك بالهوية الإسلامية وإقامة الشريعة، وذلك بسبب قسوة العيش في ظلّ أنظمة بلدانهم القمعية المتخلّفة مع التجهيل والبعد عن المفاهيم الشرعية الصحيحة.

إنّ التبشير بنموذج دول الخليج في بلدان الثورات العربية يتجاهل أيضًا فوارق جوهرية بين بلدان كبيرة كسورية ومصر وغيرهما وبين دول صغيرة معظم سكانها من الوافدين، أي إنها تفتقر إلى العنصر الديمغرافي الدائم ولا ترحّب بسياسات تجنيس تغير الطبيعة الديمغرافية للبلاد إلى الأبد. فكيف إذا ابتُليت هذه الدول بلعبة الغزو الأمريكي للعراق في مطلع التسعينيات وباتت مقرّا لقواعد عسكرية غربية على رأسها القواعد الأمريكية؟ هل تصلح بذلك أن تكون نموذجًا للمحاكاة؟

فإذا كانت بعض دول الخليج غير قادرة على أن تصبح دولًا قوية مستقلّة؛ سواء لأنّ مواردها وجغرافيّتها وديمغرافيّتها لا تسمح بذلك، فإنّ بلدانًا كمصر والعراق وسورية وبلاد الحرمين وغيرها ليست مثلها، وعزوفها عن السعي إلى الخروج من التبعية ومن الضعف السياسي ليس مفهومًا، وخصوصا حين ندرك أن شعوبها الكثيفة تحمل هوية تفرض عليها أن تكون في ريادة الأمم، لا مجرّد تابع يقدّم الخدمات!

والإشكال الآخر الذي لا يحسب كثير من الناس حسابه، أن البلد الكبير الممتلئ بالسكان، إذا كان ضعيفا على المستوى السياسي والعسكري سيظلّ خاضعًا لابتزازات الدول المحيطة وأطماعها، حتى لو كان ناهضًا اقتصاديا على مستوى السياحة والخدمات والعلوم والتكنولوجيا. ولنا في الأندلس في عصورها الأخيرة عبرة، فقد بلغت الذروة في العلوم والتحضّر المدني وغير ذلك، لكنها لم تكن قوية سياسيّا وعسكريا، لم تحقق الوعاء الصلب الذي يحفظ هذه النعم كلّها، مما جعل الدول المجاورة لها تُدخلها في ولائها لتقاتل معها المسلمين تارة، أو تَقضم منها حين تشاء تارة أخرى!

إنّ المقايضة التي تتم من خلال نموذج دول الخليج هي بين "الاستقرار الأمني" الذي يجلب الرخاء الاقتصادي ولكنه مع استبداد وتبعية للغرب وضعف سياسي وعسكري، وبين عدم الاستقرار مع الفقر والتخلّف حين تسعى الأمة إلى التحرّر من الاستبداد والتبعية وامتلاك قرارها السياسي وإعادة أمجاد حضارتها لتكون رائدة بين الأمم.

ولكنها مقايضة زائفة، وما يخبرنا به التاريخ والحاضر أن اقتران التقدّم بالقوة والاستقلالية والشرعية الشعبية والانطلاق من هوية أصيلة لأهل البلاد خيار ممكن رغم صعوبته، وهو أحسن محرّك للنهضة التي يحصل فيها تحسين أوضاع المعيشة بشكل معقول يلائم مفاهيمنا الإسلامية، ويحصل فيها في الوقت نفسه ما هو أهم من ذلك: الحرية والكرامة وقيام الأمة بمشروعها الحضاري المرتبط بالإسلام.

شريف محمد جابر

06 Feb, 15:31


أي قراءة سياسية لإسرائيل لا يكون في صلبها أنّها أداة لتنفيذ الهيمنة الغربية الأمريكية في المنطقة العربية هي قراءة قاصرة، وهذا هو الأمر الوحيد الذي يفسّر الدعم الهائل والمستمر لها من قبل أمريكا، سواء كانت الدولة مع الجمهوريين أم الديمقراطيين، فهي قضية أمن قومي متجاوزة للأحزاب ومتعلّقة ببقاء المنطقة العربية ممزّقة ضعيفة، "رأس حربة" كما قيل وكما هو شكل خارطتها.

شريف محمد جابر

05 Feb, 15:39


بل هناك حقيقة كبرى مغفول عنها عند كثير ممن يتحدّثون عن ضرورة المناورات السياسية وابتلاع إكراهاتها المقيتة وتقديم التنازلات، وهي أنّك لا تستطيع بناء دولة تحمل نموذجًا حضاريّا مختلفًا عن النموذج الحضاري الغربي العلماني المهيمن بغير حصول تضييقات ومصاعب قد تشتمل على المقاطعة وفرض العقوبات وربما الاعتداءات. والتكلفة السهلة لعدم حدوث ذلك هي الانسجام تماما مع المطالب الدولية ومعايير الحضارة الغربية، وتقديم التنازلات بشكل دائم، وطلب رضا القوى المهيمنة في العالم اليوم. وقد أخبرنا الله عزّ وجلّ أنّهم لن يرضوا عنّا حتى نتّبع ملّتهم، ويدخل في دلالات ذلك اتّباعُ ملّتهم في القانون والحكم والسياسة والمال، فقد استنكر قومُ شعيب أن يكون في دينه ما ينهاهم عن أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون!

ومن هنا يكون الفرح الحقيقي للمسلم والنجاح الحقيقي لدولته أن يراها تحقّق غايات التمكين التي ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه، أمّا إذا رأى انفتاحا سياسيا أو اقتصاديّا، فلا يزال هذا الانفتاح في حسّه أجوف حتى يملأه المسؤولون بما يصبّ في صالح إقامة الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ حقوق المسلمين، وصيانة حرماتهم وبلادهم من الانتهاك.

وإذا أردت أن ترى رأي العين كيف وازن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين العمل السياسي الدبلوماسي وبين تحقيق غايات الدين فاقرأ كتاب "دبلوماسية محمّد: دراسة لنشأة الدولة الإسلامية في ضوء رسائل النبي ومعاهداته"، للدكتور عون الشريف قاسم رحمه الله، فهو كتاب قيّم مغفول عنه، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وسلّم تسليمًا كثيرا.

(الكتاب في الأعلى هنا 👆🏻)

شريف محمد جابر

05 Feb, 15:39


هناك خلل كبير جدّا في تحديد مفهوم "النجاح" و"الفشل" في تجاربنا السياسية، ومعظم من يتحدّث الآن عن نجاح تجربة ما أو فشلها فهو ينظر إلى النجاح المادي المتمثّل بالانفتاح السياسي والتنمية الاقتصادية بشكل أساسيّ، أي أننا نستعير المفهوم الغربي المادي من حيث ندري أو لا ندري! تمامًا كما تفعل "مقاييس السعادة" الغربية التي تلهث خلفها صُحفنا ومواقعنا فتترجمها بغير وعي، ولا تُفرّق بين مفهوم السعادة لدينا ولديهم (تحدّثتُ عن مفاهيم الإنجاز والنجاح والسعادة في كتابي "رسائل إلى سلمى").

تعالوا نراجع حساباتنا جيّدا، ولنتذكّر أولا وقبل كل شيء أنّ هذه الدنيا دار ابتلاء وليست دار بقاء، ومن ثم فإنّ زيادة الرفاهية وتحصيل اللذة والسعادة والراحة والوفرة الاقتصادية ليست المعيار المركزيّ من معايير النجاح. نحتاج أحيانًا إلى التذكير بالبديهيات!

يقول تعالى في كتابه الكريم على لسان موسى عليه السلام مخاطبًا قومه حين {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف: 129).

حسنًا، قد يدخل في "العمل" المقصود بعد الانتصار: إعمارُ الأرض وتحقيقُ الرفاهية والتنمية.. أليس كذلك؟

ولكنّ القرآن يجيبنا بأنّ هذا ليس وحده معيارا للنجاح ولا أساسًا له، بل قد يكون موضع فتنة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (الروم: 9). وانظر إلى وضوح هذه الآية: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (الأنعام: 44)، أي كما يقول الطبري: "حتى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلَهم بفتحنا عليهم أبوابَ السَّعة في المعيشة، والصحة في الأجسام". ولا شكّ أنّ أساس أخْذهم بغتةً كان لكفرهم، ولكنّهم موضع عبرة لنا؛ فالمسلم لا يفرح لمجرّد فتح أبواب السعة في المعيشة مع ضيق أبواب الدين وقيمه وأحكامه، بل حتى حين يحدث الفتح الدنيوي يوجّهه الله سبحانه إلى الإنفاق في سبيله، وإلى الاتصال به فيشكره ويحذر الافتتان بالدنيا.

وصحيح أن التمكّن من أسباب الدنيا مطلوب بشدّة للمسلمين، ولكنّه ليس غاية بحدّ ذاته، فضلا عن أن يكون تحصيل الرفاهية الدنيوية العالية غاية. بل الغاية الأسمى من التمكّن من أسباب الدنيا هي "إقامة الدين"، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} (الحج: 41). ذكر سبحانه أبرز معالم الدين التي تقوم الجماعة بتنظيمها: فالصلاة أبرز شعائر الصلة بالله، والزكاة أبرز شرائع إقامة الحقوق بما يرضي الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل إقامة الدين بجميع قيمه وأحكامه، ويشمل البيان بأنّ الهدف الأساسي للدولة المسلمة هو "الدعوة"، فإذا لم تكن حاملة لرسالة الإسلام فهي دولة "فاشلة" بالمعيار القرآني، وهو أجلّ معيار، بل هو المعيار الحقيقي الجدير باهتمامنا الأكبر.

وإذا عدنا إلى واقعنا الراهن، فلا بدّ من الاعتراف بوجود "دنيوية" مهيمنة على عقول كثير من المسلمين مع الأسف، وهي مزيج من الأهواء البشرية التي تهيمن على البشر حين يتفشّى الجهل، مع تأثير الحضارة الغربية العلمانية التي فرضت بلا شكّ معاييرها على بلداننا منذ زمن بعيد، فصرنا نقوّم أنفسنا بمعايير غيرنا!

ورؤيتي التي لا أملّ تكرارها: لا بدّ من التوازن بين تحقيق إقامة الدين والحفاظ على حقوق المسلمين وصيانة حرماتهم، وبين تحقيق الإنجازات السياسية والانفتاح الدبلوماسي والتنمية الاقتصادية، على أن تكون البوصلة نحو إقامة الدين وحفظ حقوق المسلمين وصيانة حرماتهم. فإذا كان الانفتاح السياسي والاقتصادي سببًا في تشويه المفاهيم الشرعية، أو في الإضرار بالمسلمين، أو ثمنه الإقرار بما لا يرضي الله عزّ وجلّ وتثبيت المجرمين وتحليتهم في عيون الناس؛ فلا بأس من الكفّ عنه طالما أنه لن يميتنا جوعًا، والله سبحانه عصمتنا وسندنا، قد تكفّل في كتابه بنصرة عباده المؤمنين الصابرين المصابرين المرابطين على الحقّ والصدق والعدل.
وقد صبر مشركو آل هاشم مع المسلمين في حصار الشِّعب من أجل أعراف قبلية كانت راسخة في الجاهلية، أفلا يكون المسلمون الذين أكرمهم الله عزّ وجلّ بهدايته وبكتابه أجدرَ بالصبر من أجل دينهم؟

شريف محمد جابر

05 Feb, 08:13


إن لم تكبح الدولة الأمريكية العميقة مغامرة ترامب، فسوف يؤدي به غباؤه السياسي واستعجاله وعدم فهمه لطبيعة المنطقة وشعبها العربي المسلم إلى اندلاع حروب جديدة لن تكون بالتأكيد في صالح حلفائه في المنطقة.

كنت وما زلت أقول، لكل دولة نهاية، وصعود اليمين المتطرّف الإسرائيلي هو تعجيل بنهاية الدولة، وكذلك الأمر صعود ترامب، فهذه العجرفة تؤذن ببدء انهيار الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على العالم.

وقد يحصل هؤلاء المغامرون المتهوّرون على بعض الثمار في المدى القريب العاجل، ولكنّهم سيوقظون في خصومهم مشاريع مضادّة لهم أكثر إصرارًا على معاندتهم، وسيساهمون في تأجيج أوار الانقسامات الداخلية في بلدانهم، وفي تخريج أجيال جديدة تزداد وعيًا بهويّتها وتُمعن في ممانعة مشاريعهم في البلدان التي مزّقوها وامتهنوا كرامتها ومقدّراتها.

شريف محمد جابر

04 Feb, 13:51


مشكلة العلمانية مع الإسلام ليست أنّ فيه "غيب" أو أنّه "خرافة" بالنسبة إليها، فهي قادرة على التصالح مع الغيبيات العجيبة الغرائبية الخرافية في غير الإسلام، سواء التي تحتوي على التناقض أو تقديس الحيوانات أو غير ذلك.. ولكنها لا تستطيع التصالح مع الغيب الذي يُريد التدخّل في شؤون الدنيا التي يتنافس حولها الناس بأهوائهم، وعلى رأسها: السياسة والمال، ففيهما تتم الهيمنة على العالم وعليهما يدور صراع البشر منذ فجر البشرية. وقد قال الإسلام كلمته فيهما بوضوح، تلك الكلمة الغائبة عن الحضور في عالمنا اليوم إلّا قليلا.

والمسلمون اليوم هم الأمة الوحيدة في العالم التي تحمل راية هيمنة الوحي الإلهي على أبواب السياسة والمال، هم الوحيدون الذين يحملون على كاهلهم رسالة وصل الغيب بالشهادة. ولذلك فحين تجد بين المسلمين دعاوى كثيرة تُنفّر من تدخّل الدين في السياسة أو المال والاقتصاد؛ فاعلم أنّ هذا من أخطر ما حلّ بالمسلمين من تبديل للدين!

وقد يخرج هذا الخطاب من ملتحين صوّامين قوّامين، يعيدون تدوير المقولات العلمانية بطرق مختلفة: كمثالية المشروع الإسلامي مقابل الواقع المفروض، وكالحديث عن الإكراهات والضرورات التي تعطّل أي تفكير في المشروع، وكفشل مشاريع تطبيق الشريعة عند الإسلاميين منذ عقود، وكمشاكل البنوك الإسلامية.. وغيرها من الذرائع التي يُطلقها بعض المنتسبين للإسلام والتديّن اليوم ليشوّشوا على هذه القضية، ولتبقى قضية نظرية غير قابلة للتحول إلى رسالة ومشروع جادّ.

والواقع أنّ قضية الشريعة، وتحديدًا في المجالات الحيوية الكبرى التي تغيب عنها اليوم: السياسة والمال، ينبغي أن تكون قضية "أمة" لا "تنظيمات". وحين يفهم المسلم العادي الذي لم ينتم يومًا (كحالي) إلى أي جماعة أو حركة أو تنظيم بأنّ هذه مسؤوليّته كما هي مسؤولية غيره من المسلمين؛ حينئذٍ فقط يمكن القول بأنّ قضية الشريعة بدأت تأخذ بعدًا أقوى في مجتمعاتنا.

وهذا دور الدعاة والمصلحين، أن يضعوا نصب أعينهم هذه القضية ويُفرغوا لها مساحة أساسية من خطابهم لتوعية الناشئين على خطورتها، وخطورة إمضاء المسلمين أمورهم السياسية والاقتصادية منذ قرن أو يزيد على سنن الجاهلية، وهم يتلون الكتاب آناء الليل وأطراف النهار!

شريف محمد جابر

03 Feb, 20:54


إذا بقيتْ الأُطر الشرعية الإسلامية تقدّم الدين في المساحات الفردية والعلوم التقليدية المحضة دون ولوج إلى مساحات الحُكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وأمثالها من قضايا الدولة؛ فهي من حيث لا تدري تُرسّخ العلمانية مهما استنكرتها في القول، إذ سوف يستقرّ في عقول الطلبة حين لا يجدون طرحًا شرعيّا متعلّقًا بقضايا الدولة والسياسة أنّ الإسلام دين فردي، لا علاقة له بشكل الدولة وسياساتها واقتصادها وعلاقاتها؛ لأنّهم وجدوا العلماء الذين يعلّمونهم الدين ويثقون بهم عازفين عن هذه القضايا، لا يخبرونهم بموقف الشرع أو الاجتهاد الفقهي بخصوصها، أو عاجزين عن تكوين رؤية واضحة مواكبة للمستجدّات. ومن هنا ندرك مدى قصورنا الشرعي في هذا الباب الذي يحتاج إلى استدراك عاجل!

شريف محمد جابر

03 Feb, 19:31


لا أخلاق في السياسة = علمانية صرفة

شريف محمد جابر

03 Feb, 16:00


كثير من "المؤثّرين" هم أبعد الناس عن أن يكونوا كذلك، فهم في الحقيقة "متأثّرون" بالواقع، ومنساقون مع العواطف و"الترندات"، وقصارى ما يفعلونه أنّهم يجارون هذه التيارات الشعبية لحصد أكبر نسبة من التفاعل. والمؤسف أن يقع في ذلك من هو محسوب على الدعوة والفكر والسياسة!

في الإسلام لا يوجد "مؤثّرون"، فهذا المصطلح القبيح يعكس بشكل فجّ طبيعة هذه الحضارة الغربية المادية التي تُعنى بالتغيير المادي أكثر مما تُعنى بمحتواه القيمي، فكما أنّها تضفي قيمة على "الجديد" أيّا كان، فهي كذلك تضفي قيمة على "التأثير" أيا كان، فالمؤثّر له قيمة في هذه الحضارة لكونه مؤثّرا فقط، سواء كان يهزّ بطنه أو يلقي نكاتا تافهة أو فتاة تبيع جسدها سلعة رخيصة.. المهم أنّ في رصيده عدد ضخم من المتابعين يؤهّله ليصبح "مؤثّرًا"!

في الإسلام هناك دعاة إلى الله، آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، مصلحون، ناصحون، مذكّرون، مبلّغون للرسالات والهدايات، واعظون، هداة مهديّون، شهداء على الناس.. وغيرها من الكلمات والاصطلاحات التي لو راجعتها لوجدتَها ممتلئة بالقيم والفضائل، فليس مبتغاهم التأثير وحده، بل نقل المفاهيم السامية والقيم الطيّبة والفضائل الأخلاقية إلى الناس.

كما أنّهم حين يمارسون دورهم هذا يغترفون من هدايات الوحي بمصادرها الأصلية وتشكّلاتها في السيرة وآثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين. ومن ثمّ فهم أصحاب رسالة وغاية، ليس هدفهم الاتساق مع عواطف الجماهير أو دغدغتها أو الركوب عليها مع امتهان التضليل والتسطيح وتقديم الخطابات البهلوانية التي غايتها كسب دفء التأييد.

من يبحث عن دفء التأييد فهو "مؤثر".. سرابٌ سينقضي مع انقضاء الدنيا..
ومن يبثُّ الفكر النيّر والفضيلة بين النّاس، لا يرجو من ورائهم لعاعة دنيا، فهو الذي قيل فيه: "وإنْ ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملإٍ خيرٍ منهم".

شريف محمد جابر

02 Feb, 15:09


عن أهمية التربية السياسية في زمن الاستضعاف، وعلى سيرة الفخر بالأمويين.. رحم الله أبا يزن

شريف محمد جابر

01 Feb, 12:08


وخطاب دعوي شرعي يوضّح ما ينبغي أن يكون من شرعية الحكم في الإسلام، وأنّ الأوضاع الحالية من الناحية الشرعية "كارثية" والأمّة مكلّفة بإعادتها لحياض الشرعية الإسلامية، مع بيان دور الأمة في إقامة الدين في الدولة والمجتمع، وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام.

شريف محمد جابر

01 Feb, 12:08


هل رئيس سورية أحمد الشرع وليّ أمر شرعي؟

شاهدنا في الأيام الأخيرة، بعد تنصيب أحمد الشرع رئيسًا لسورية، مسلمين يحاولون تسويغ "شرعية" هذه الرئاسة التي تمّت بغير انتخابات من خلال قوانين الشرعية الدولية والقانون الدولي، وهو أمر مؤسف جدّا أن يستقي المسلم معايير "الشرعية" من نموذج حضاري علماني معادٍ لدينه وأمّته، وأن يعوّد المسلمين على "معايير" علمانية يقيسون بها شرعية الحكم والحاكم!

لكن لا يقلّ عن ذلك خطورة ما يتردّد هذه الأيام في أوساط بعض الإسلاميين أنّ الرئيس أحمد الشرع "وليّ أمر شرعي"، وهي عبارة تحمل في طيّاتها مضامين شرعية تراثية ويُبنى عليها أمور كبيرة كوجوب الطاعة وكإضفاء الشرعية الإسلامية على الحكم الذي يترأّسه.

وتكمن الخطورة في أنّ توصيفه بوليّ الأمر الشرعي فيه عبث بمفاهيم الشرعية الإسلامية، التي لا يمكن أن يُعطى حُكمٌ أو حاكم بحسبها الشرعية ما لم يُحقّق حدًّا أدنى وهو: الاجتماع على الإسلام رابطة ولاء والانتساب إلى الشرع في الأحكام. وجميع دول الإسلام، حتى تلك التي شاع فيها الجَور والاستبداد وبعض الفسق والتفلّت من الشرائع والحِرابة والفُرقة والاقتتال الداخلي، بل حتى دول البدع كالفاطميين وغيرهم.. جميع هذه الدول لم تكن تتخلّى عن: الاجتماع على الإسلام هويةً ورابطة ولاء، والانتساب إلى الشرع في الأحكام.

ولهذا ثارت ثائرة علماء المسلمين حين حكّم بعض أمراء التتار الياسق الذي وضعه جنكيز خان وادّعوا في الوقت نفسه الإسلام، وكذلك لم يدم ما فعله جلال الدين أكبر في سلطنة المغول في الهند حين أسس الدين الإلهي وحاول جعله دين الدولة مع إلغاء بعض الأحكام الشرعية، وهو مزيج من الإسلام والهندوسية والزراداشتية والمسيحية وفلسفات أخرى. فأنكر عليه العلماء وعاد الأمر حين تولّى ابنه جهانكير.

الخلاصة أنّه لا يمكن وصف حاكم لدولة تجتمع على هوية غير الإسلام (القومية أو الوطنية القُطرية) هي الأساس فيها، مع الانتساب إلى القانون الوضعي على النمط العلماني الغربي بديلا عن الشريعة الإسلامية ومنظومتها الفقهية (تبديل الشريعة).. لا يمكن وصف هذا الوضع بالشرعية مطلقًا، ولا بأنّ القائم عليه "وليّ أمر شرعي"، لأنّها أوضاع حكم ناقضة لأصول الشرعية الإسلامية، ويجب تغييرها في أقرب فرصة. وخطورة وصفها بالشرعية تكمن في تشويش مفاهيم شرعية الحكم في الإسلام، وينبغي على المسلمين أن يشعروا بأنّ شرعية الحكم في بلادهم ساقطة حتى يقيموها، وأنّ هذه ليست مسؤولية الحكّام فحسب بل هي مسؤولية كل مسلم بحسب ما يستطيع، مسؤولية العوام والنخب والجمعيات والأحزاب والفصائل والقادة والإداريين والحكّام.

لكنْ هل هذا يعني وجوب الخروج على أحمد الشرع لأنّه ليس "ولي الأمر الشرعي"؟

كلّا، فالفقه الإسلامي يتّسع لجميع الحالات التي تحدث في الواقع، وينظر إلى المقاصد والمآلات وإلى أدنى المفسدتين وتحصيل مصالح المسلمين، فجميع هذه القواعد وغيرها يُعمل بها وتُراعى عند النظر في العمل الواجب تجاه الأوضاع السياسية. وبالنظر إلى سياق صعود الشرع إلى الرئاسة ضمن ثورة أهل السنّة وطردهم للنظام الطائفي، مع النظر إلى حالة الاستضعاف الكبيرة الحاصلة كعدم تحرير البلاد كاملة، ووجود قواعد عسكرية غربية وشرقية، والفجوة العسكرية الهائلة بين الدولة وسائر القوى الدولية والإقليمية المتربّصة، مع عدم وضوح قضية الشريعة لدى شرائع واسعة من الشعب، ووجود طوائف أخرى ونزعات انفصالية..

إنّ النظر في جميع هذه العوامل يوجب على المسلمين في سورية التكاتف والتضامن لدفع مفاسد أكبر قد تحصل عند محاولة فئة إسقاط الأوضاع الحالية بحجّة عدم إقامة الشريعة والاجتماع على غير الإسلام، فلا توجد قوة أخرى أكبر لأهل السنة تسعى لإقامة الشريعة، بل الشوكة التي تمثّلهم هي هذه التي أسقطت النظام، وفيها الخير وفيها الدَّخَن، لكنّه بجميع الأحوال أفضل بما لا يقاس من الأوضاع الأخرى المتربّصة: كالنظام السابق والحكم الطائفي، أو دخول حماية دولية، أو فرض رئيس علماني التوجه من الائتلاف السابق أو ما شابه.. ومهما قيل من نقد عن توجّهات حكومة الشرع، وأنا من الذين قدّموا هذا النقد، ومهما رُصد من تفاهمات وانحيازات لدول كان لها أيادٍ سوداء على الثورة، فهذا لا يغيّر من حقيقة الأمر: أن الخروج على الوضع الحالي شرعًا يؤدّي إلى مفاسد أكبر.

ومن هنا يمكن الجمع بين الأمرين:

خطاب سياسي يحثّ المسلمين على التضامن وإعانة الإدارة الجديدة على إصلاح الأوضاع، والتصدّي للمتربّصين والنزعات الانفصالية وفلول النظام السابق، والاقتراب من مصالح الأمة وعلى رأسها إقامة الدين، وهذا يوجب استمرار الرقابة على منظومة الحكم الجديدة، وممارسة الحسبة السياسية على تصرّفاتها بهدف التقويم والترشيد.

شريف محمد جابر

31 Jan, 17:27


كثير من المواقف التي أقرؤها في الساحة العربية ناتجة مع الأسف الشديد عن ردود فعل، وهذه آفتنا العظيمة نحن العرب!

عاطفتنا جميلة، ولكنها توقعنا في أفخاخ حين ننحاز لرأيٍ ما فقط لأنّ من نخاصمهم فكريّا أو سياسيا أو عقائديّا ينحازون إلى الرأي المقابل.. والعاقل لا يجعل الآخرين يُشكّلون له موقفه، ولا يستجير من الرمضاء بالنار!

ومن هذا الباب ما أجده من جاهزية لقبول الاستبداد إذا كان استبداد إسلاميين، بل بلغ الأمر ببعضهم التأصيل للاستبداد بشبهات تبدو "شرعية"، وكل ذلك لمجرّد أنّ التجارب "الإسلامية" قريبة العهد كانت تجارب "ناعمة" دخلت إلى المجال السياسي عبر الانتخابات والديمقراطية ثم فشلت فشلًا ذريعًا كما حدث في مصر وتونس والمغرب وغيرها.

لكنّ هؤلاء نسوا أنّ استبداد الإسلاميين لم يكن أقلّ فشلًا، لكنهم مع الأسف لا يقرؤون التاريخ ولا ينظرون إلى أبعد من أرنبة أنوفهم. فقد كانت تجارب الإسلاميين الاستبدادية/العسكرية فاشلة هي أيضًا، كتجربة ضياء الحقّ في باكستان، وتجربة جعفر النميري، وأخيرا تجربة عمر البشير.

ومكمن الفشل في جميع هذه التجارب – إلى جانب أمور أخرى – هو الاستبداد والانفراد بالحكم بعيدًا عن الأمة ونخبها الفاعلة، التي كانت ستشكّل ضمانًا لاستمرارية أي تجربة إسلامية بشوراها ونُصحها وتعدّد أُطرها السياسية المتغلغلة في الشعب، فليست مشاركة الأمة في السلطة ولا التعددية السياسية هي موضع الفشل في تجارب الإسلاميين الذين خاضوا اللعبة الديمقراطية، بل كانت الإشكالية أنّهم لم يحصلوا على القوة الكافية (الشعبية والعسكرية) لحماية نموذجهم، أو شاركوا في ديمقراطيات شكلية ضمن أنظمة استبدادية صلبة مرتبطة بالغرب.

مشاركة الأمة في السلطة من خلال نخبها وأهل حلّها وعقدها الممثّلين لها، وإتاحة التعددية السياسية التي تُثري الساحة بالآراء والتجارب والخبرات؛ هو السبيل الأهم الذي ينبغي ترسيخه لبناء أي تجربة وضمان استمراريّتها بإذن الله.. وإلّا فسيكون مآلها للزوال السريع: سواء كانت فرضًا للشريعة بطريقة استبدادية انفرادية، أو كانت انصهارًا في النظام الدولي ومعاييره ومتطلّباته بعيدًا عن إرادة الأمة.

شريف محمد جابر

31 Jan, 12:45


من يريد الاستدلال بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى دعوته أن تكون واضحة وضوح دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالسيرة كلها رسالة، ولا يمكن أخذ رُخَصها مع ترك رسالتها.

شريف محمد جابر

30 Jan, 22:13


من مظاهر ضعف هذه الأمة الفكري وهزالها الحضاري أنك تجد معظم من يحللون خطاب رئيس سورية أحمد الشرع الأخير من النخب يقيسونه بناءً على مدى اتّساقه مع "الكتالوج" الغربي والقيم السياسية الغربية، فيطمئنّون إذا كان مطابقًا لما يقوله خبراء "الديمقراطية" و"العدالة الانتقالية" حول العالم، وينزعجون إذا حاد عنها قيد أنملة!

وكأننا لا نملك عقولًا نفكّر فيها بحسب مصالحنا في اللحظة التي نعيشها، أو كأنّنا لا نملك شريعة تضمّنت ما يتعلّق بحقوق الحاكم والمحكوم وطبيعة السلطة وغير ذلك من أمور..

بل حتى حين يحاول بعضنا الاقتراب على استحياء من مفاهيمنا واصطلاحاتنا العربية الإسلامية؛ يستاء من يرى لنا ضرورة تبنّي القوالب الغربية صاغرين!

وهذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ خطابه سيّء، بل هو خطاب جيّد، وهو في النهاية كلام عام مجمل، والعبرة بكيفية تعامله مع قضية بناء الدولة خلال هذه المرحلة الانتقالية:

هل سينتقل بها إلى وضع يحقق مشاركة الأمة في السلطة بنخبها وأهل حلّها وعقدها وتمكينهم تمكينًا حقيقيّا من الرقابة والترشيد والأطر على الحقّ والعدل، كي تكون سورية قادرة على الخروج من الهيمنة الغربية وبناء قوة الدولة؟

أم سيبتعد عن ذلك من خلال إنشاء ديمقراطية شكلية زائفة مع الإمساك بجميع السلطات بيده بحيث يبتّ هو بالقرارات المصيرية ويغدو فريسة سهلة للقوى الدولية؟

هذه هي القضية الأهم..

شريف محمد جابر

25 Jan, 15:26


صدق معاذ الخطيب حين قال في محاضرة ألقاها مؤخّرا في الشام: يجب الانتقال من "عقلية الجماعة"، ولكنه أخطأ حين دعا للانتقال إلى "عقلية المواطنة"؛ لأنها عقلية زائفة مشوِّهة للمفهوم الإسلامي الأخلاقي لما يجمع البشر، والمسلم لا يسعه إلا التفكير بعقلية الأمة.

وأنا أعلم أنّ هناك من لديه نفور مما يسميه "التفكير الأممي"؛ لأنّ من كان يرفع شعاره كان يسفك الدماء ويعطّل الجهود تحت شعار الأمة.

غير أنّ إشكالية هذا الخطاب لم تكن في أنه كان يحمل عقلية الأمة، بل في أنه كان بلاءً على الأمة بما حمله من غلوّ وانحراف عن التفكير الشرعي السليم، فقد كان يضرّ بمصالح الأمة الإسلامية ويقدّم عليها فكر التنظيم وأيديولوجيّته الضيّقة، ولم تكن "الأمة" سوى شعار أجوف في منظومته، تماما كما كانت القومية العربية أبعد شيء عن نظام الأسد رغم رفعه لشعارها.

عقلية الأمة تعني التفكير بمصلحة الأمة قبل كل شيء، والشعب داخل سوريا هو في سواده الأعظم من ضمن هذه الأمة، ومصالحه مرعية في المقام الأول باعتباره يقع ضمن حيز سيطرة الدولة السورية، لكنّ هذه الدولة لا ينبغي لها أن تحصر رعايتها للمواطن الذي يعيش داخلها بل عليها ألا تضر بسلوكها المسلمين في مختلف الديار: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفتح: 25).

وإذا كنا نعيب على من جعل القضية الفلسطينية فيصلا في الولاء والعداء، حتى لو أدّت إلى شرعنة من يسفك دماء المسلمين في أماكن أخرى، فكذلك نرفض أن تكون الأيديولوجية الوطنية المستوردة من الغرب فيصلا في تحديد المصالح والمفاسد وسياسات الدولة عموما؛ لأنّ عقلية الأمة هي التي يدل الشرع عليها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71).

ولأنّها تشمل تحقيق مصالح المواطنين داخل سورية من مسلمين وغيرهم على أحسن وجه؛ فالشريعة هي أحسن النُّظُم لحفظ الحقوق بلا ريب، والأمر الجيّد المتوهَّم تحصيله ضمن نظام المواطنة مع مفاسده الكبيرة كما تقدّم سيتحقق على أحسن وجه في الشريعة.

ولأنها تُجنّب المسلم الوقوعَ في الإضرار بمصالح المسلمين حين يقدّم مصلحة متوهَّمة للوطن ومواطنيه على مصلحة الأمة جميعا. فهي الوحيدة القادرة على تجنيبنا تجارب سيّئة من التعصّب الوطني والسجالات الرخيصة والحساسيات الزائفة بين أبناء الأمة الواحدة من المسلمين.

حين نريد التصدي لفكر خاطئ سبّب كوارث كفكر بعض التنظيمات الإسلامية فلا بدّ أن يكون الحلّ إسلاميا، وحين نحاول استيراد حلول جاهلية فإننا نفاقم المشكلة ونهرب من انحراف إلى انحراف.

شريف محمد جابر

24 Jan, 19:25


يا جماعة الخير حين كان حكام سورية اليوم قبل أكثر من عقد يزاودون بشعارات مثالية على سائر الفصائل، ويتشدّدون في التعامل مع تركيا وغيرها من الدول، ويجعلون حمل راية الثورة السورية أقرب إلى الراية الشركية العمية، ويرفضون الانخراط في "ميثاق الشرف الثوري" الذي انخرطتْ فيه كبرى الفصائل الثورية؛ كنت أكتب في نقد مثاليّتهم هذه وأبيّن خطأ أحكامهم وغلوّها بالمعيار الشرعي، وأوضّح ما تستلزمه السياسة الشرعية من خطاب معاصر قد يؤجّل بعض القضايا ويعمل بحسب الاستطاعة ويقتنص الفرص المتاحة، وقد أسفر هذا النقد عن كتاب "الخطاب المريض: جراحة استئصالية لأفكار سرطانية" عام 2015 إلى جانب مقالات أخرى عديدة، فاقرأوه إن شئتم لتدركوا أن من يحدّثكم ليس مثاليا، وهو متوفر على قناتي في تلغرام.

ومن المعيب رمي اسطوانة "طرح مثالي" تجاه كل من يوجّه نقدًا أو يستشهد بتراث السيرة والخلفاء الراشدين، فرفض النقد مطلقًا يعكس عقلية متخلّفة ما زالت لم تتخلّص من الثقافة المرهقة التي نشأت تحت وطأة الاستبداد الأسدي أو غيره، والتي ترى في النقد البنّاء الخالي من الطعن والشتم والإلغاء أمرًا سيّئا يجب اجتنابه.

كما أنّ اجتناب إرث السنّة النبوية وآثار الصحابة بدعوى أنّنا بعيدون عن هذا المستوى "المثالي" ممارسة كارثيّة، فنحن مأمورون بالاهتداء بهذا الإرث حتى لو لم نبلغه (ولن نبلغه)، وعلينا الاستفادة منه وأخذ الدروس والعبر، ومحاولة تطبيق ذلك على قدر الاستطاعة، أمّا وصف كل من يستشهد به بالمثالية فهو حالة تحتاج إلى مراجعة الموقف الشرعي من السنّة وآثار الصحابة! وفي الواقع لا يوجد طرح سياسي بدون "مثال" يستند إليه ويستلهم منه القيم والممارسات، فالإسلام يقدّم "واقعية مثالية" ولا يقتصر على إحداهما.

مشكلتنا أننا عالقون في ثقافة ثنائية لا تحتمل سوى طرفي الإفراط والتفريط، فإمّا أن تكون ذامًّا، أو تكون مؤيِّدا. ثقافة: كل إشادة هي تطبيل أو كل نقد هو طعن. وهذه ثقافة مرهقة تجهل تعقيد المشاهد الواقعية وتركيبها.

علينا الاعتياد على الاتزان في الطرح، وتفهُّم النقد باعتباره أداة للبناء ودليل على اليقظة والصحّة، ووسيلة الشعوب لتحسين أداء حكامهم ودعمهم في مسيرتهم الساعية إلى تحصيل مصالح الأمة. وعلينا فهم ضرورة الموازنة بين اكتساب المصالح المنظورة والحفاظ على القيم والمبادئ، وهذا أمر صعب يحتاج إلى إيمان راسخ ومعرفة شرعية جيّدة وخبرة عميقة بالواقع ومتغيّراته، ولهذا فالخطاب المتوازن هو أصعب خطاب، بينما الخطابات المفْرطة أو المفرّطة تكون أسهل لأنّها تلقي عن كاهلها أحد عناصر هذه المعادلة!

ولا بدّ من الاعتراف بأنّ خطاب الغلوّ في الثورة السورية متمثّلا بداعش وأخواتها، وإلى حدّ أقل حزب التحرير، قد تسبب بأذيّة كبيرة جدّا للثورة السورية لا تقتصر على محاربة فصائلها وتضييع فرصها، بل دفع هذا الخطاب كثيرًا من نخبها إلى تبنّي خطاب مفرّط متحلّل من كثير من الثوابت المتعلّقة بالشريعة والهوية لأنّها سمعتْ هذه الثوابت بصورة مشوّهة على ألسنة أصحاب خطاب الغلوّ، فنفرتْ منها وتبنّت الخطاب المقابل لها، المفرّط بها أو المتحلّل منها إلى حدّ كبير؛ لأنّه الصوت الأعلى المضادّ لخطاب الغلوّ!

ومن هنا ينبغي على العقلاء استدراك الموقف، ومراجعة الأفكار المعيقة لبناء الأمة والدولة سواء كانت في خطاب الإفراط أو خطاب التفريط.

شريف محمد جابر

24 Jan, 15:22


أهلنا وأحبابنا في مصر.. تتوفر كتبي التالية في معرض القاهرة الدولي للكتاب المنعقد الآن:

- منطق القرآن: إصلاح العقل على طريق الحقّ والصدق والعدل

- الذرة التائهة: من حافة الكون إلى أحضان الكلمة

- رسائل إلى سلمى

جميعها في صالة 4 جناح B5.

إلى جانب كتابي: "العقائدية القاصرة: من هامش الجدل العقائدي إلى متن الاتفاق الإيماني" في صالة 3 جناح A8.

شريف محمد جابر

24 Jan, 05:02


صار أقصى أمانينا أننا قادرون على الحديث أمام الرجل الأبيض المتفوّق دون لعثمة أو تحرّج!

من عاش في الغرب واحتكّ بذوي الثقافة الغربية سيدرك تماما أننا أمة مهزومة مهزوزة إلّا من رحم ربّك، حتى لو نظّرنا لساعات عن تفوّق الحضارة الإسلامية وعن مجدها، إلّا أنّ هذا الاعتزاز يكون في كثير من الأحيان هشًّا زائفًا، فأنظارنا متوجّهة إلى الخارج، إلى ذلك الغرب المتفوّق، نشعر في دواخلنا بانهزامية تجاهه مهما تبجّحنا بخلاف ذلك، ولا نرفع رؤوسنا إلى الحديث معه بندّية.

علّق بعضهم على إخبار وزير خارجية سورية أسعد الشيباني لتوني بلير بأنّ لدينا رئيسة بنك مركزي امرأة بما مفاده: "شفتو"؟ ومعنى كلامه: أرأيتم؟ ها قد نفع تعيين المرأة! ها قد "بيّضنا وجه" أمام العالم!

أمام مَن؟

أمام مجرم حرب لم أستطع تخيّله وهو جالس في مؤتمر دافوس إلا برأس ذئب يبتسم ابتسامات تُبرز الدماء من بين أسنانه!

وهذا ليس نقدًا للوزير بقدر ما هو نقد لنا نحن ولنظرتنا إلى أنفسنا، الأمّة التي مهما ابتغت العزة بغير الله أذلّها الله.

فمهما نادينا "ارفع راسك فوق إنت سوري" أو "إنت مصري" أو "إنت فلسطيني"، فستظلّ هذه شعارات زائفة جوفاء لا معنى لها.. حتى إذا تمثّلنا الإسلام قلبًا وقالبًا استعلينا بإيماننا. وقد كان هذا مفصلًا مهمّا في الجيل الأول من الصحابة، إذ بات "رويعيّ الغنم" يتحدّث مع أسياد مكّة بندّية بل باستعلاء إيماني لا يهزّه هيلمان.

عن طارق بن شهاب قال: "لما قدم عمر الشام، لقيه الجنود وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذٌ برأس بعيره يخوض الماء، فقال له -يعني قائل-: يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟! فقال عمر: إنّا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره" (المستدرك).

وفي رواية: "خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا، أتخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك، فقال عمر: أوه! لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة! جعلته نكالا لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله" (المستدرك).

فلم يشأ عمر رضي الله عنه أن يطلب عزّا أو استحسان نظرةِ غيره من الأمم المتحضّرة بهندام حسنٍ أو بالترفّع عن الملابس المتّسخة من وعثاء السفر.. فكيف بنا وقد ملأنا عواطفنا في الداخل بشعارات وافتخارات وطنية جوفاء لا قيمة لها، حتى إذا خرج أبناؤنا إلى الخارج أردنا منهم تهذيب شكلهم ولسانهم وهندامهم ليرضي المعايير الغربية التي نتوهّمها، بل رأيتُ من يقدّم الملاحظات على لَكْنَة الشيباني في الإنجليزية مع أنّ إنجليزيته جيّدة ومفهومة ولم يُعانِ أحدٌ من فهمه، غير أنّنا نعيش في دواخلنا انهزامية لا نستوعب مداها البشع المقيت!

جزء مهم من نهضتنا نحن المسلمين أن نتخلّص من هذه الانهزامية، ولن نتخلّص منها حتى تصفو قلوبنا لله خالقنا سبحانه، حتى لا نطلب العزّة إلا به، ولا نتعلّق إلّا بالنور الذي أنزله مع نبيّه صلّى الله عليه وسلّم تعلّقَ التائه في صحراء العالم بالدليل المُنجي الوحيد..

وحينئذٍ سنقدّم للآخر خير نموذج لديننا وأمتنا وحضارتنا، فالآخر لن يحترمك إذا هذّبت نفسك أو لحيتك على ما تظنّ أنه يرجوه منك، بل سيحترمك ويهابك ويتعامل معك بندّية حين تقدّم له نموذجك الأخلاقي الفريد، الذي يخاطبه بصدق وثقة.

ولا يليق بأحفاد ربعي بن عامر القائل وهو يخاطب قائد الجيش الساساني رُستم: "الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام".. لا يليق بهم أن ينتهوا إلى محاولة استرضاء الغربيين ليقبلوهم في منظومتهم. لا أقول إنّ علينا مناكفتهم وتحدّيهم ونحن في حالة ضعف، ولكن على الأقل أن نتخلّص من الانهزامية ونتحلّى بالثقة في تقديم أنفسنا للعالَم بقيمنا وخصوصيتنا الثقافية دون لجلجة.

لكنّ هذا مشروط بشيء واحد: أن تكون رؤيتنا ومشروعنا مستمدّةً - قبل كل شيء - من الإسلام.. فهل نحن كذلك؟

شريف محمد جابر

23 Jan, 08:15


الأهم في تصريح وزير خارجية سورية أسعد الشيباني عن جعل السعودية وسنغافورة وجنيف "مصدر إلهام" في رؤية حكومته التنموية أنّ جميع هذه الدول لا تهتم ببناء قاعدة قوية للصناعات العسكرية الثقيلة، وبدون هذا الجانب لا يمكن بناء دولة مستقلّة تليق بالإرث الحضاري لأمتنا.

كان الأقرب للاستلهام في حالة سورية والذي كان يتوقّعه المراقبون هو التجربة التركية، فهي الأقرب جغرافيا وثقافيا وسياسيا، ولها نجاح باهر في جوانب كثيرة، بل كانت راعية للثورة في جوانب مهمة وحاسمة، وكانت "الحديقة الخلفية" للثورة السورية. لكن المشكلة في التجربة التركية أنها أولت اهتمامًا كبيرا جدا لبناء قاعدة صناعات عسكرية قوية، وشكّلت بذلك إزعاجا لدول إقليمية وكبرى، إلى جانب وجود عقوبات عليها بسبب تنقيبها على النفط دون اتفاق مع اليونان.

وسواء كان تصريح الشيباني محاولة للخداع للإيحاء بأنّ سورية ستكون دولة "ناعمة" منسجمة مع النظام الدولي، أو كان صادقًا فيه؛ فإنني أرجو ألا تسير سورية في طريق التنمية الخليجية أو السنغافورية أو الجنيفية، ألا تتحول إلى نموذج التقنية الناعمة والخدمات والسياحة والعقارات والترفيه فتتحول إلى حلقة نافعة في النظام الدولي دون أن تحقق تطلّعات أمتنا من خروج من التبعية وريادة حضارية بالتعاون مع محيطها العربي والمسلم الساعي إلى التحرر من الهيمنة الغربية.

كما أن الخداع في مثل هذه الأمور شبه مستحيل، فالقوم يراقبون "الأفعال" لا "الأقوال" كما صرّحوا مرارا وكما هو متوقّع من ذئاب كبيرة مثلهم، وأي خطوة مستقبلية للبدء في الصناعات العسكرية الثقيلة أو ما يؤهّل لها ستكون مراقبة ومتربَّص لها.

وفق الله أهلنا في سورية إلى ما يحبه ويرضاه، وإلى ما يحقق العزّة والمجد لأمتنا.

شريف محمد جابر

22 Jan, 17:29


وزير خارجية سورية أسعد الشيباني لتوني بلير في مؤتمر دافوس قبل قليل عن مصدر إلهامه بالنسبة لسورية:

"أقول سنغافورة، وأقول أيضا: رؤية 2030 للملكة العربية السعودية، ولدينا أيضًا تجربة رائعة في جنيف، ومن ثمّ سوف نبني على هذه المُثل المُلهمة".

طبعا بصرف النظر عن سؤال: هل يحق لوزير في حكومة مؤقتة أن يطرح رؤية بهذا الحجم؟ فليست هذه هي الإشكالية الأساسية.

لكن السؤال الأهم: هل رؤية السعودية التي لم تطبّق كاملة بعد أهلٌ لتكون مصدر إلهام؟!

وهل السعودية التي تتجه الآن اتجاهًا تغريبيّا، وتتضمّن رؤيتها محاور أساسية منها "تمكين المرأة" (على الطريقة الغربية طبعا) و"الترفيه" جديرةٌ بأن تُذكر باعتبارها "مصدر إلهام"؟!

طبعا لا شكّ أن هذا "غزل" بارد للسعودية، لكن الملاحظ أن إرادة الشعب السوري ونخبته الثورية (التي في سوادها الأعظم إسلامية التوجه أو محافظة على الأقل) غير مأخوذة بالاعتبار في رؤية الحكومة.

وسبب هذا ضعف الوعي السياسي والحراك السياسي في سورية لدى الإسلاميين والمحافظين لظروف تاريخية معروفة، وهذا هو الوقت ليعبّر هؤلاء عن توجههم وآرائهم والدولة التي يريدون، وليكون ذلك من خلال جماعات ضغط وحراك جماهيري وسياسي منظّم لا يشكّل الفوضى ولكنّه يوجّه سياسات الحكومة، وإلّا فلن يقطفوا ثمار ثورتهم.

شريف محمد جابر

22 Jan, 12:07


أخطر مسألة في فهم قضية تحكيم الشريعة في بلادنا العربية والإسلامية هي فهم ارتباط الشريعة بالإيمان، أي فهم الشريعة باعتبارها من صلب قضية التوحيد وإفراد الله بالعبادة.

أما تناولها كمسألة فقهية لا علاقة لها بالإيمان والعقيدة فهو الذي يؤدي إلى كثير من التنازلات أو تجاهل مركزيتها أو تأجيلها ببرود أو تأخير الحديث عنها أو انعدام الرؤية التطبيقية المستوعبة لمستجدات العصر للشريعة.

قضية الشريعة قبل كل شيء هي قضية إيمان، وحين تستوعب الشعوب المسلمة ونخبها الفاعلة هذا الأمر بوضوح وتضعه في أولوية مساعيها؛ حينئذ يمكن القول إننا في طريقنا إلى التحرر من الضعف والتخلف والتبعية، لأن جميع هذه القضايا مرتبطة بقضية الشريعة.

شريف محمد جابر

21 Jan, 20:57


إذا لم تكن لديك أجندة واضحة تريد تطبيقها فمهما عملت وبذلت وضحّيت، سيأتي من يملأ فراغك هذا من الأجندة بما يشاء.

كل الثورات مضت إلى مصير مؤسف سريعًا حين فقدت القيادة الشعبية التي تحمل هذه الأجندة التي تلبّي مصالح الشعب وتُستوحى من دينه وثقافته.

وقد كان الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله يستشهد في هذا الصدد بعمر مكرم ودوره المهم في الثورة على الاحتلال الفرنسي لمصر وفي توليته لمحمد علي، فقد امتلك رؤية إصلاحية عامّة يكون فيها للعلماء دور في الرقابة على السلطة وترشيدها، لكنه لم تكن لديه أجندة، فسلّمها لمحمد علي، وحين استتبّ الأمر لمحمد علي أزاح عمر مكرم وهمّش دور العلماء وحكم مصر بالاستبداد ونفّذ أجندته التي تضمّنت التغريب الذي قُدّم مع التحديث.

شريف محمد جابر

21 Jan, 09:47


كما أنّ دراسة العلم الشرعي بأساليبه التقليدية من عقائد وفقه وأصول وحديث وتزكية لا تكفي وحدها لبناء الطالب القادر على مواجهة الواقع في القرن الواحد والعشرين، وسيعاني قصورًا في مواجهة التيارات التغريبية العلمانية، ومن ثمّ لا بدّ له من بناء فكري يُطلعه على الأسس الفكرية للإسلام وعلى النظريّات الغربية المختلفة مع نقدها وتفنيدها.. فلا بدّ أيضًا لهذا البناء الشرعي التقليدي والبناء الفكري المعاصر من بناء سياسي شرعي هو بمنزلة الاستكمال للثقافة الشرعية الواجبة على الشباب اليوم.

لا يمكن للأمة أن تخلو من نخب شبابية لديها وعي في السياسة الشرعية من جهة وفي فقه الواقع من جهة أخرى، إذ الخبرة بالواقع والماجَريات اليومية والتمرّس على تقويمها بميزان الشرع والعقل مع القدرة على الفعل والتنظيم السياسي هي من أولى الأولويات الآن للشباب.

هذا الوعي السياسي وما يصاحبه من حراك هو بمنزلة "الوعاء" الذي يحفظ المحتوى الشرعي التقليدي والفكري الذي امتلأ به الشباب من طلبة المعاهد الشرعية بمختلف توجهاتها، فسيكون هذا المحتوى هشًّا معرّضًا للأذى إذا لم تكن له وقاية من وعي سياسي يفقه الواقع وقوة سياسية تحميه.

شريف محمد جابر

20 Jan, 21:45


أكثر ما يدفعني للنهل من علم عالمٍ أو فقيهٍ أو مفكّرٍ إسلامي هو موقفه من محكمات الدين والشريعة، إلى جانب معايير أخرى، لكنّ هذا المعيار هو مما لا أفرّط فيه.

وعلى هذا فلا يهمّني "الانتماءات"، أي بكلمات أوضح: لا يهمّني أن يكون مثلا متمذهبًا أو منتميًا لأحد انتسابات أهل السنّة العقائدية التاريخية، كأن يقال مثلا: إنه شافعي أو حنفي أو مالكي أو حنبلي، أو يقال: إنه أشعري أو ماتريدي أو من أهل الحديث أو سلفيّ. فهذه كلها لا تعني شيئا إذا كانت له آراء ومواقف تخالف ما أجمع عليه أهل السنّة والجماعة، وهنا المحكّ، فالمهم ألّا يخرج عن ميزان الأقوال الفقهية المنضبطة، وألّا يقفز فوق التراث ليحاول استخراج إسلامٍ جديد أو رأيٍ جديد في مسألة انعقد الإجماع فيها على قولٍ في سبيل مسايرة الأوضاع العلمانية المعاصرة أو لخطأ وقع فيه أو لهوًى في نفسه.

أنتمي إلى أهل السنّة والجماعة بكلّي وعظمي ولحمي، وهذا يشمل جميع المنتسبين إليهم وعلى رأسهم أولئك الذين لم يكن لديهم متّسعٌ من الوقت أو الثقافة للانتساب إلى توجّهٍ تاريخي من توجهات أهل السنة، الذين يسمّيهم المتشرّعة "العوام" وهم "السواد الأعظم"، إلى جانب مَن انتسب إلى السنّة وقال بِجُمَلها المتفق عليها من أهل حديثٍ أو سلفيّةٍ أو أشاعرةٍ أو ماتريديةٍ.. لم أكن يومًا منتسبًا إلى أيٍّ من هذه الأسماء ولن أكون، أحبّ أن أنتمي إلى "السواد الأعظم"، وهم أهل السنّة والجماعة في هذا العصر وفي كلّ عصر، هم الذين استوعبوا حقيقة الإسلام وروحه وتفاصيله، وهم "بيضة القبّان" في هذا العالم، وهم الذين أرجو نهضتهم وقيامهم، لأنّ في قيامهم قيام للبشرية.

هذا هو انتسابي الذي أحمله قلبًا قبل أن أحمله لفظًا، ولا أصرّح به إلّا قليلا، لأنّ القضية عندي ليست مجرّد انتساب بل هي حقيقة فاعلة في نفسي كما أرجو من الله، وأسأله أن يثبّتني على جادة السنّة والجماعة فيما أقول وأفعل، وأن يجعلني عاملا على وحدتهم وتآلفهم وتعاضدهم تجاه ما يواجهونه من تهديدات وتحدّيات.

شريف محمد جابر

20 Jan, 12:25


كل دعوة عاجزة عن تخريج قادة للمجتمع في الفكر والفقه والسياسة وغير ذلك فلا بد أن فيها خللا ما. ومشكلة كثير من الحركات والتيارات الإسلامية المعاصرة ارتباط الدعوة بشخصية ما، والرسول صلى الله عليه وسلم ربى قادة ولم يرب أتباعا فحسب.

شريف محمد جابر

19 Jan, 20:12


👆🏻👆🏻👆🏻

هذا الكتاب القيّم لأستاذ الجيل محمد قطب رحمه الله هو من خير ما يقرؤه المسلم اليوم لفهم العلمانية وإدراك موقف العلمانيين العرب من الشريعة، وللتزوّد بحصيلة أساسية مهمة ترسم له مفاصل قضاياهم الأساسية.

والأستاذ محمد قطب رحمه الله مظلوم في عصرنا هذا، إذ رغم سلاسة أسلوبه ووضوحه وقوّة حجّته، فإنّ الأجيال الجديدة تكاد تجهل كتاباته، مع كونها مناسبة تماما لمن يريد "الزبدة" ولا يرغب في قراءة كتابات معقّدة أو كُتبتْ بلغة غير سلسة مع تناولها للنظريات بتوسّع قد لا يحتاجه المسلم العادي، مع الابتعاد عن قضايا الواقع العلماني التي نعيشها في عالمنا العربي.

ويا حبّذا لو استعانت البرامج الشرعية الإلكترونية اليوم بكتب الأستاذ، ففيها كنوز مدفونة، وله أسلوب مميّز في إيصال المعلومة، بمسحة أدبية لا تخفى. وهو في هذا الكتاب يخوض حوارًا عقلانيّا هادئًا مع العلمانيين العرب في 99 صفحة فقط، يهدم فيها أسس مقولاتهم، ويمكّن الطالب في أول طلبه من تكوين رؤية واضحة حول حقيقة العلمانية وحقيقة مواقفها ومقولاتها الأساسية.

وهذا العلم يا أهلنا في الشام تحديدًا، أي العلم بالمذاهب الفكرية الهدّامة وما يقوله الإسلام في باب السياسة والاقتصاد والاجتماع، هو من أوجب الواجبات في عصرنا هذا، خصوصا إذا علمنا أن المدارس الدينية في الشام كانت إمّا معتقَلة أو مبعَدة خارج الشام أو محظورٌ عليها الاقتراب من هذه المجالات، فتربّت أجيال في بلاد الشام على أنّ الدين قد يتعايش مع العلمانية، وأنه ليست له علاقة بالسياسة والحكم والاقتصاد، وأنه عبارة عن عبادات ومعاملات فردية وأخلاق وتزكية.

أرجو لكم قراءة نافعة..

شريف محمد جابر

19 Jan, 12:34


أقترح على الذين ينزعجون مما يسمونه فكرا سلفيا أو خليجيا أو مصريا غريبا عن أهل الشام في سورية وهم يرونه الآن ينتشر في بلدهم أن يُعملوا فقه الأولويات وأن يتصدوا للأفكار الأكثر غربة ليس على أهل الشام فحسب بل على المسلمين جميعا، وأعني العلمانية والليبرالية والنسوية وغيرها من الأفكار الغربية، فهي أولى بالانزعاج والتصدي لغزوها عقول المسلمين.

لن يستطيع أحد لا في سورية ولا غيرها أن يمنع فكرا إسلاميا معينا من الانتشار إذا كانت لديه مقومات الانتشار واستوعب اللحظة التاريخية التي تعيشها البلاد، هذا لم يحدث في عصور ما قبل الهاتف والتلغراف، وبالتأكيد لن يحدث في عصر الإنترنت ومواقع التواصل.

بل إن من عناصر قوة بلاد الشام اليوم أن تستوعب مختلف توجهات أهل السنة والجماعة، فكل توجه له ميزة ويركز على أشياء ربما لا تتوفر عند التوجهات الأخرى، وهذا أحرى لثراء الساحة وقوتها.

شريف محمد جابر

18 Jan, 19:11


هناك جوانب جميلة جدا في أطروحة الدكتور جميل أكبر حفظه الله "قص الحقّ"، وقد قرأت للرجل واستمعت إليه كثيرا، ومن الواضح أنّه بذل في أطروحته جهدًا ضخمًا، فضلا عن نُبل غاياتها المتمثّلة بإقامة الشريعة والتحرّر السياسي والاقتصادي وكسر الحدود وتوحيد الأمة.

لكنّي تعجّبت حين سأله أحد المقابِلين عمّا إذا وصلنا في بلادنا العربية والإسلامية إلى مرحلة الديمقراطية كالدول الإسكندنافية مع شفافية وسلطة قضائية تحاسب الدولة، من دون العودة إلى الشريعة..

فأجابه الدكتور جميل أكبر: سنحصل على مجتمع نظيف ممتاز، ولكن سنلوّث الكرة الأرضية!

وهذه في نظري إحدى المعضلات الأبرز في أطروحة الرجل، فأنت لا تكاد تقرأ أو تستمع إليه بضع دقائق حتى تجد قضية "التلوّث" حاضرة بوضوح، وكأنّ الهدف الأهم لإقامة الشريعة هو منع تلويث الأرض الفانية!

ولا شكّ في أهمية بيان محاسن الشريعة وإبراز هذا الجانب المهم الذي يعارض الاستهلاك الفظّ الذي تمارسه الرأسمالية، ولكننا نقيم الشريعة ابتداء لأنّ ذلك هو المقتضى الأول والمباشر لقولنا: لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقّ إلّا الله، والعبادة تعني الطاعة مع الخضوع والانقياد بغاية الذلّ، فهي مسألة إيمان قبل كل شيء، وهي الطريق الذي شرعه الله خالقنا سبحانه لنا، وعلينا أن نمضي فيه لأنّنا شهدنا بأنّنا مسلمون، فكيف نكون مسلمين ولم نستسلم لأمر الله ونهيه في جميع شؤون حياتنا؟

والله عزّ وجلّ هو خالقنا وهو العليم الخبير الذي يعلم ما يَصلُح لنا ويُصلِح حياتنا الدنيا والآخرة، وفي إطار هذا الخطاب يأتي الكلام في أطروحة قصّ الحقّ عن محاسن الشريعة وأفضليتها في مختلف الأبواب ومن ضمنها الجانب البيئي أو المناخي، ولكن ينبغي أولا وقبل كل شيء بيان الأصل، وهو أننا نسعى إلى إقامة الشريعة لأنّ هذا هو معنى إسلامنا، ولأننا نرجو الفوز برضوان الله. أما أن تصبح مقولة "إنقاذ الأرض من التلوّث" هي المقولة المركزية في أطروحة الشريعة فهذا مما لا أجده في كتاب الله تعالى ولا في سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.

هناك كلام كثير يمكن أن يقال حول "مثالية" أطروحة الدكتور جميل، وأنّ معظم استنتاجاته هي افتراضات غير مجرَّبة، وأنها حين توضع على محك التجريب قد تفضي إلى فشل عظيم.. لكنّ هذا كله يبقى اجتهادًا في الشكل، أمّا الإشكالية الأبرز في أطروحته فهي مركزية سؤال التلوّث الأرضي، الذي أخذ أكبر من حجمه في الشريعة بكثير.

شريف محمد جابر

18 Jan, 14:56


محور الولاء في نظام الحكم الإسلامي هو الدين، وهو في الوقت نفسه لا يهضم حقوق الأقليات غير المسلمة، بل يقيم معها ميثاقا متينا يحفظ حقوقها وحرية عبادتها وحقها في إسماع صوتها ورأيها في السلطة وإدارة بعض شؤونها، فالدولة في الإسلام "دولة جميع رعاياها" مع هوية ورسالة إسلامية، لا "دولة مواطنة" تمنح الأقليات حقوقًا متساوية بالكامل مع المسلمين.

فنظام المواطنة الغربي يجعل الرابطة الوطنية محور الولاء، والإقرار به يُدخل المسلم في مشكلات شرعية لأنّه يخالف بقبول هذا النظام مسائل أساسية: مثل حرمان غير المسلم من الدخول في عملية تشريع القوانين لأنها مبنية على أصول الفقه ويقوم عليها فقهاء مسلمون، إلّا لو كان دخوله كخبير في سياق توصيف الواقع، وحرمانه من المناصب السيادية كالرئاسة وممارسة القضاء على المسلمين.

فلا بد من صيغة مختلفة تجعل الدولة حافظة لجميع رعاياها، وغير متنازلة في الوقت نفسه عن هويّتها ورسالتها ومبادئها. ولا توجد دولة في العالم بغير مبادئ عليا، حتى أرقى الديمقراطيات في أوروبا، تلك التي تضع "الصلبان" على أعلامها، لها ركائز قيمية وأيديولوجية لا يمكن لبعض الأقليات تجاوزها، فلا يمكن أن يكون رئيس ألمانيا مثلًا رجلا إسلاميّا يؤمن بضرورة تطبيق الشريعة ويرى العلمانية باطلة، ولا يمكن أن تقبل البرلمانات الأوروبية ببناء التشريع عبر منظومة أصول الفقه الإسلامي!

فلكلّ نظام (الإسلامي والغربي العلماني) رؤية مغايرة ومنطلقات مختلفة، ستَحرِم ولا بدّ مَن لا يحمل هذه الرؤية مِن أن يكون عنصرًا أساسيّا في مفاصله المركزية المرتبطة بالهوية والتشريع. فلماذا يُطلب من المسلمين التنازل عن رؤيتهم وتعطيل هويّتهم وشريعتهم لأنّ هناك أقلية غير مسلمة تعيش بينهم؟ مع أنّ هذه الأقلية تعيش معهم باستقرار وأمن وتمارس حقوقها الفردية والدينية دون مساس.

والواقع أننا حين نفهم بأنّ "العلمانية دين" ندرك أنّه لا يمكن التوفيق بين مقتضيات هذا الدين العلماني في الولاء والتشريع وبين الإسلام، وإذا قبل الغرب إدخال "مسلمين" في منظومته الحكومية والتشريعية فهو لأنّهم قبلوا الرؤية العلمانية ولم يطالبوا بإقامة رؤية الإسلام في الهوية والتشريع. وما يريده المسلمون من الأقليّات غير المسلمة التي تعيش بينهم أن يقبلوا العيش ضمن هذه الرؤية التي تمثّل غالبية أهل البلاد، والتي لها رصيد من التجربة التاريخية الناصعة، دون محاولة فرض رؤية علمانية وهوية وطنية غريبة على المسلمين ومناقِضة لدينهم، ودون الاستقواء بالغرب المتفوّق عسكريّا في الوقت الحالي للضغط تجاه فرض هذه الرؤية.

(من مقال سيصدر قريبا بإذن الله عن الحكم الإسلامي والدولة الحديثة)

شريف محمد جابر

17 Jan, 19:11


يبدو للوهلة الأولى أنّ الطريقة الأمثل للإسلاميين كي يحافظوا على الدولة حين يصلون إلى مفاصل الحكم أن "يمشو الحيط الحيط ويقولوا يا ربّ السترة" كي لا تتداعى الأكلة.. أقصد الدول الكبرى عليهم لإسقاطهم.

تبدو هذه وصفة جميلة، و"يا دار ما دخلك شرّ".. ولكنّ الحقيقة أنّ هذه الوصفة لن تساهم في أن يتركهم الآخرون في حالهم، بل ستزيد من سيلان لعاب الآخرين!

ثمة قاعدة: لن يتركك الآخرون في حالك في هذا العالم، ثمة وحوش كبيرة تمسك بزمامه ولا تحب أن يقوى أحد يخالفها في الرؤية الحضارية، ولذلك فإنها تكيد له حتى يبقى ضعيفا، فإذا قرّر هو ابتداء أن يبقى ضعيفًا لا يرغب بإغضابهم فهذا لا يعني أنه سيُترك بحاله، بل سيُبتزّ وتُنهب ثرواته وأراضيه وخيراته، وسيُغرق بالديون عبر صندوق النقد الدولي مما يؤدي إلى مزيد من الابتزاز والإضعاف، وسيُستخدم لتحقيق مصالحهم.. وحينئذ لن يكون قادرا على البناء ولا النهوض ولا إرضاء شعبه وكفايته، لأنّه قيّد نفسه وأعطى مفاتيح قيوده لأعدائه حين قرر من البداية أن يكون مسالما ضعيفا حريصًا على عدم إزعاجهم عند التفكير في بناء قوة دولته!

هذا العالم لن يسمح لنا بالنهوض وبناء قوة الدولة، ومن جهة أخرى فإنّ سعينا للنهوض وبناء قوة الدولة ليس سهلا، وهو طريق محفوف بكثير من الصعوبات ودفع الأثمان. ولكنها صعوبات ضرورية إذا أردنا أن نبقى وإذا أردنا لحضارتنا أن تنهض من جديد وإذا أردنا الحفاظ على شيء من الكرامة..

شريف محمد جابر

17 Jan, 16:05


التركيز على القطاع النفطي والخدماتي والسياحي والعقاري في المقام الأول كرافعة للاقتصاد مع العزوف عن الصناعات التي تبني قوة الدولة وعن السعي للاكتفاء الذاتي قدر الإمكان، وفتح الباب للاستثمارات الأجنبية دون نقل التكنولوجيا وتوطينها لبناء قاعدة صناعية، والتصالح مع القواعد العسكرية الغربية من أمريكية أو روسية أو غيرها، والتي ستغدو سرطانات تشلّ استقلال البلاد.. كل ذلك هو طريق سورية لتصبح دولة فاشلة لا تلبّي تطلّعات أهلها نحو الكرامة والاستقلال.

شريف محمد جابر

16 Jan, 17:31


كل من يصل إلى الدولة من الإسلاميين ليس عليه فقط أن يلحظ تجارب التعجّل والتهوّر التي أفضتْ إلى نتائج كارثية، سواء عبر إعلان الخلافة أو تهديد دول الجوار أو شعارات تصدير الثورة أو غير ذلك، بل عليه أن يعتبر أيضًا من تجارب التماهي والانهزامية والمهادنة الدائمة التي أفضت هي أيضًا إلى تجارب كارثية.

مشكلة الإسلاميين بل مشكلة الأمة ثقافيّا أنّها تميل دائما إلى أحد جانبي الإفراط أو التفريط، وقد سمّيتها قديما "أزمة الثنائيات القاتلة"؛ لأنّه يسهل على الإنسان أن يتمترس في موقف حدّي واضح: إما تبني شعار الثبات ورفع الشعارات الكبيرة والتحوّل من ثم إلى خطاب يركّز على "ما ينبغي أن يكون"، أو كراهية كل ذلك والنفور منه جرّاء تجارب مؤسفة وتبنّي خطّ سياسي لا يكاد يبصر سوى "ما هو كائن"، مع التخلّي عن الأهداف والافتقار إلى الاستراتيجية والرؤية.

والمنهجية التي تحاول الموازنة بين الحفاظ على المبادئ والتكيّف مع الواقع صعبة ومتعددة الأبعاد وتحتاج إلى موازنات دائمة ومستوى عالٍ من الفقه في الواقع والمعرفة الراسخة بمختلف ملفّات الدولة مع رسوخ في فهم الشريعة. وكثيرا ما يكون عدم الرسوخ في الشريعة والاستناد إلى مقولات دينية سطحية سببا في الإفراط أو التفريط. وكثيرا ما يكون الجهل بالواقع وملفات الدولة سببا للانخراط في مسارات الأعداء بحسن نيّة أو التقوقع وتفويت الفرص المتاحة بحسن نيّة أيضًا، لكنّ النوايا الطيبة لا تصنع الدول.

شريف محمد جابر

10 Jan, 17:34


فليسامحني الإخوة المتابعون للصفحة، وتحديدا أهلنا في سورية، على كثرة ما كتبت ونشرت في الآونة الأخيرة بخصوص سورية. حتى أنا لم أسامح نفسي كثيرا لكون ذلك قد جاء على حساب مشاغل وواجبات ومشاريع كثيرة في الدراسة والعمل، ولكني أحتسب الأجر عند الله، وأرجو أن يكون صوابي أكثر من خطئي.

عليّ الاعتراف بأنني ككثيرين مثلي، فجّر انتصار الثورة السورية وسقوط الطاغية في نفسي أشياء كنت أظنّها دُفنت.. ولكنّها انبعثت من تحت الرماد كما ينطلق طائر من حبسه، فإذا بقلمي يكتب بسيولة لم أعهدها منذ سنوات، كما لو كنت أعيش الآن في عام 2011، وقد حاولت مرارا كبحه إشفاقا على نفسي وعلى الناس، فلم أستطع، بل لم أنشر كل ما كتبت.. لكني أرجو الخير فيما كتبت ونشرت، وأن تكون هناك مساحة قادمة للتفكير الهادئ في مشاريعي القادمة.

شريف محمد جابر

10 Jan, 07:25


في ظلّ الأزمة المعيشية الصعبة التي عاناها أهلنا في سورية خلال الثورة وما زالوا، والتي احتدّت خلال فرض العقوبات الدولية، يقترح بعض المثقفين ضرورة التخفيف من خطاب الشريعة والقيم والمبادئ والتركيز حاليا على خطاب يحاكي مصالح الناس ومطالبهم المعيشية، خصوصا مع وجود تحدّيات أخرى كالنزعات الانفصالية والقوات الأجنبية وتربّص قوى خارجية للانقضاض على منجزات الثورة وضعف سلطة الدولة، فلا بد من تقليل استفزاز هذه القوى.

ما أراه في الواقع خلاف ذلك تماما، لا أقول بإهمال مطالب الناس الدنيوية من إعمار وتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ولا بعدم مراعاة تلك الحالة المعقّدة من التحدّيات المختلفة، فهذا ضروري.. ولكن في هذه اللحظات تحديدًا، لحظات البناء الجديد مع كل التحدّيات الكبيرة، تحتاج الدولة إلى "جيش من الشعب" إنْ جاز التعبير، وهو الذي يخاطَب بخطاب الكتاب والسنّة بواسطة العلماء والدعاة، الخطاب الذي يبيّن حقيقة هذه الحياة الدنيا، وحقيقة ما وراءها من حياة آخرة خالدة، والذي يقول للناس: إنّ التزامكم بالشريعة لن يجعل المسرّات المادية تهطل عليكم، بل قد يكون سببا في خصومة دولٍ أخرى لكم، ولكنّ صبرهم في سبيل الله وكفاحكم وتوحّدهم وعملهم الجاد على بناء بلدكم والحفاظ عليه وعلى هويّته وقيَمه من الانهيار هو أسمى قضية في هذه الحياة.

خطاب يبني قيم التوحيد في قلوب الناس، ويخبرهم أنّ قبولهم لشريعة الله هو في صلب عبادتهم له وحده سبحانه، وفي صلب محبّتهم له ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم. وأنّ مسرّات الدنيا كلها لن تجلب السعادة والطمأنينة للقلوب إذا كانت بعيدة عن طريق الله ومع تعطيل شريعة الله، وأنّ المضيّ في طريق الله هو الذي يخفّف أعباء الحياة وصعوباتها، لأنّ الإنسان حينئذ يعيش لقضية كبرى ولرسالة تملأ عليه حياته.

أمّا الإنسان الخالي من هذه الرسالة وقيمها، وتهيمن على عقله وقلبه قيم فاسدة ونماذج غربية مترفة منشودة في نمط الحياة؛ فسيظلّ يشعر بعدم الرضا عن مستوى حياته، وستكون قضية المستوى الاقتصادي والمادي لحياته في مركز اهتمامه ومعيارًا لموقفه من السياسات والحكومات. ومِثْل هذا، مهما صَببتَ عليه من المنجزات والخيرات، قد يبيعك عند أول عثرة، ولك فيمن سلف ممّن سلك هذا الطريق عبرة.

وأنت لا تملك ضمان تحسين الأوضاع الاقتصادية لأنّ التربّص بك لن ينتهي حين تؤجّل قضية الهوية والشريعة، وحين تخفي في نفسك ما الله مبديه.. فهم يعلمون من أنت، ولن يقبلوا منك إلّا أن تنسلخ من دينك وتصبح جلّادًا مسلّطًا على شعبك لصالحهم ومحافظًا على ضعف الدولة وتخلّفها!

وقد ينزل مثل هذا الإنسان الخالي إلى الشارع ليشجب أولئك الشباب الذين كنسوا نظام الكلب الذي كان رابضا على صدره! وقد تغويه الدعايات العلمانية الفاسدة حول خطورة حكم الإسلاميين وأنهم متعصّبون سيضيّقون عليه معيشته ويؤلّبون عليه دول العالم.. هكذا يحدث للقلوب التي لم تعرف معنى الإسلام ومعنى الشريعة، ولم تع ما يحاك لهذه الأمة من مكايد ومؤامرات!

إنّ الذي يظلّ معلّقا بالمنجزات الدنيوية لن يصبر إذا فشلتْ الحكومات في تحسين أوضاعه، بل سرعان ما سينقلب عليها وربما يقع فريسة الخطابات العلمانية المغرضة، أو يكون أداةً للتدخّل الأجنبي في البلاد، لأنّه لم يملأ عقله وقلبه بحقائق هذا الدين التي هي أحسن رصيد وأقوى رصيد وأنفع رصيد في الدنيا والآخرة. وربّما امتلأتْ يدُه ببعض مسرّات الدنيا، فهشّ لك وبشّ، حتى إذا سُلبتْ منه ولّى عنك مدبرًا كأنْ لم يغنَ بالأمس!

إنّ المصير الأسود الذي يخشاه أولئك الطيّبون الذين يتحدّثون عن تأجيل خطاب الشريعة والقيم بسبب كثرة المتربّصين في الداخل والخارج لا يمكن مكافحته إلا من خلال خطاب الدين، فهو محور الاستقطاب الأقوى الذي يمكن للمجتمعات المسلمة أن تصبر من أجله وتتفتّح به قلوبها فتعي واقع الحياة كما ينبغي أن تعيه، وهو الذي يمنح القلوب بفضل الله قوّتها وصلابتها وصمودها، ولكنها حين تتعلّق بالمصالح الدنيوية تصبح كالريشة في مهبّ الريح، تنفضّ عن قضية الثورة وتنقلب على أهدافها في غمضة عين!

شريف محمد جابر

09 Jan, 17:27


من الدروس المهمّة التي على أهل سورية تعلّمها من التجربة المصرية: تشرذم الساحة الدعوية. فقد عانت الساحة الدعوية في مصر خلال الثورة من تشرذم ومناكفات كثيرة؛ بين سلفية وإخوان وأزهر، إلى غير ذلك من الخلافات التي احتدّت أحيانا وأدت إلى التفرّق في المواقف وتبديد القوى.

ولعل خلوّ الساحة السورية من العمل الدعوي الحركي أو الحزبي المتضخّم كما كان في مصر بشرى خير، إذ طبيعة العمل الدعوي في سورية قبل الثورة كانت تعتمد على المشايخ ومدارسهم ومساجدهم، فلكل شيخ مسجد ومدرسة ومؤسسة دعوية، وهناك إلى جانب ذلك عمل دعوي رديف لعمل الفصائل في الشمال تحديدا، وهناك تيارات ستفد (بل بدأت) من بلدان أخرى مع العائدين إلى سورية ومن شخصيات دعوية إسلامية خارج سورية، وهذا الخليط من التوجهات المختلفة قد يُحدث بعض الشجارات الجانبية التي لها تاريخ قريب لا يخفى، والتي قد تتطوّر إلى مواقف حزبية لا تصبّ بالضرورة في مصلحة المسلمين في سورية.

ومن هنا يحتاج أهل الدعوة إلى الاجتماع في هذه المرحلة والاتفاق على ميثاق عمل دعوي يُبنى على نصوص الكتاب والسنة الداعية إلى الاجتماع وتأليف القلوب وتقديم مصلحة الأمة على مصلحة الجماعة الضيقة، واستيعاب الاختلاف وتعدد المشارب في الاجتهاديات، وغيرها من المبادئ الشرعية الراسخة التي ينبغي جعلها شعار الطلبة والمنتسبين لمختلف التيارات، مع التركيز على المتفق عليه وترك الخوض في المختلف فيه خصوصا في المجال العام.

وحين يجتمع هؤلاء تحت هيئة واحدة أو مجلس يمثّل العلماء وطلبة العلم والدعاة متواضعين لبعضهم بعضًا، فإنّهم سيشكّلون باجتماعهم قوة مجتمعية دافعة نحو حسم صراع الهوية في البلاد، ونحو إعانة السلطة أيّا كان القائمون عليها على اتخاذ القرارات والسياسات التي تصبّ في صالح الأمة دون خوف أو تردّد.

ولا أبالغ إنْ قلت إنّ أهل العلم والدعوة من المشايخ والعلماء والدعاة في سورية هم – إذا اجتمعوا بمختلف أطيافهم – أهم مؤسسة مجتمع مدني أو "جماعة ضغط" إن جاز التعبير يمكنها توجيه السلطة نحو مصالح المسلمين وإعلاء شريعتهم، فلهم محبّة في قلوب تلاميذهم والمتأثّرين بهم. أما إذا اختلفوا وتفرّقوا واحتزبوا – لا قدّر الله - فسيكون التأثير عكسيّا تماما، حيث سيقدّمون أسوأ دعاية لقضية الشريعة.

نسأل الله أن يديم تأليف قلوبهم ويلهمهم السداد والصواب والتآلف والتآزر.

شريف محمد جابر

09 Jan, 09:04


من أخطر ما يمارسه الداعية أن يطرح قضية الشريعة على الناس لكونها "أفضل" من الأنظمة الأخرى، أو لأنها ستحل مشاكل المسلمين في الحياة، وهو طرح إشكالي يمارسه بعض الدعاة والمفكّرين حتى اليوم مع الأسف.

وصحيح أنّ الشريعة هي أفضل الأنظمة، وأنّ تطبيقها كاملة هو الأفضل للإنسان على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي والمناخي، لكنّ المنطلق الأول لإيصال قضية الشريعة هو أنّها المقتضى المباشر لكلمة لا إله إلا الله محمّد رسول الله، فلا تتحقّق هذه الكلمة في الحقيقة إلّا بقبول شرع الله ورفض ما سواه، لأنّ إفراد الله بالعبادة يعني – أول ما يعني – إفراده بالطاعة والانقياد والخضوع.

ومن هنا ينبغي أن يكون واضحًا للمسلمين أن الدعوة إلى إقامة الشريعة في المجالات الجماعية التي عُطّلتْ عنها منذ زمن طويل في بلاد المسلمين هي دعوة إلى تصحيح موقفنا من الله عزّ وجلّ، فلا يصح أن نقول إننا مسلمين ولم نستسلم لله في جميع شؤوننا، بل نستسلم له في الصلاة والزكاة والحج وكثير من الأحكام الفردية، ثم نعانده ونبدّل شريعته أو نسكت عن ذلك ونتخاذل في تشريع القوانين وفي الولاء وأصل الاجتماع وفي الأموال وفي العلاقة مع الأمم الأخرى وفي العقوبات وفي غيرها من الأمور التي تخصّ الجماعة المسلمة.

قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65). فقد ربط سبحانه قاعدة الشريعة بقاعدة الإيمان، والآيات في هذا الباب كثيرة.

شريف محمد جابر

08 Jan, 11:43


شاركتُ عام 2011 في مناظرة ممثّلا عن حركة طلابية إسلامية، وكانت المناظرة على إحدى الإذاعات العربية المحلية، وحاولتْ مُيسّرة المناظرة (وهي اليوم مقدّمة برامج في الجزيرة) أن تحرجني بسؤالها: كيف تكونون حركة طلابية "إسلامية" والمجتمع العربي الذي تخاطبونه فيه أشخاص غير مسلمين؟

أخبرتها أننا نقدم الخدمات لجميع الطلاب العرب بغير تفريق، وذكّرتُها بأنّ هناك أقلية شركسية مسلمة غير عربية نشملها في خطابنا ولا تشملها الحركات الأخرى، وأنّ الإسلام رسالتنا كما أنّ الشيوعية والقومية والعلمانية رسالة للحركات الأخرى والمجتمع ليس كله كذلك.

فاستمرت في محاولة إحراجي (كما تظنّ) فسألتْ إذا كان يمكن أن ينضمّ لهذه الحركة الطلابية الإسلامية طالب غير مسلم، وكأنّها تريد أن تُظهر "طائفية" هذه الحركة، فأخبرتها ما معناه أنّ العضو في أي حركة لا بدّ وأن يتفق مع رسالتها، والإسلام في صلب رسالتنا فكيف يكون العضو غير مسلم أساسًا؟ وكما أنّ العضو في الحزب الشيوعي ينبغي أن يؤمن برسالة الحزب فكذلك الأمر في هذه الحركة. ثم أحببتُ استفزازها حتى لا تظنّ أنها أحرجتْني فأضفت: ثم ما المشكلة في أن يصبح مسلمًا ويعمل مع هذه الحركة الطلابية؟

حينها فغرتْ فاها متعجّبة ومستنكرة أن يُدعى غير المسلم إلى الإسلام.. وكأنّ ما قلته إنني سوف أربطهم في جذوع النخل وأجلدهم حتى ينطقوا بالشهادتين!

وهذه هي مشكلة العلمانيين العرب، وكثير ممن تأثّر بهم من العوام، أنّهم لا يفهمون الدعوة إلى الأفكار والاعتقادات والممارسات إذا كانت في سياق ديني، وتحديدا "إسلامي"، فقد شُوّه هذا الباب منذ عقود. أمّا أن يدعو العلماني إلى أفكاره فلا إشكال، وأمّا أن تدعو النسوية إلى أفكارها فلا بأس، وأمّا أن يروّج المنحلّ إلى انحلاله فهذه حرية شخصية.. العالم اليوم كلّه ترويج وتسويق لأفكار وأيديولوجيات وممارسات، فإذا دخل المسلم إلى هذا المجال نُبذ بالطائفية، وهي تهمة سخيفة خصّصتُ لتفنيدها فصلا بعنوان "الهوية الإسلامية والطائفية" في كتابي "الهوية والشرعية: دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية ورفع الالتباسات عنه" (2011).

ونحن على أية حال لا ينبغي أن نأبه لردود فعل الناس وموقفهم من الدعوة إلى دين الله في جميع الأصعدة، رضوا أم لم يرضوا، فهذا واجب شرعي، نتخذ له طريق الحكمة والموعظة الحسنة كما أرشدنا ربّنا عزّ وجلّ في كتابه، ونحتسب عند الله كلّ أذى ينالنا من كلام وتشويه وتضييق، ونأخذ بأيدي أهلنا ممن تلوّثوا بالأفكار العلمانية فظنّوا أنّ الدعوة إلى دين الله جريمة، مع أنها أسمى ما في هذا العالم من عمل، فهو طريق الأنبياء والأولياء.

شريف محمد جابر

07 Jan, 17:02


العلمانية بجميع أشكالها مرفوضة، لا يوجد علمانية جيدة وعلمانية سيئة. الاختلافات في الدرجة والتغوّل بين الأنظمة العلمانية التي عرفها العالم لا تعنينا على مستوى القبول أو الرفض لتطبيقها في بلادنا. لا يوجد مسلم علماني ولا يوجد علماني مسلم. العلمانية تعني بأدنى درجاتها ألّا يكون الدين مهيمنا على الحياة العامة؛ السياسية والاقتصادية وغيرها، ألّا يكون الوحي الغيبي هو المتحكّم في حياة الناس، وأن يدير الناس شؤون عالمهم الدنيوية السياسية والاقتصادية بأنفسهم بغير اعتبار للدين والغيب.

وإذا كانت هناك علمانيات تتيح للناس ممارسة شعائرهم التعبّدية ولا تقسو كثيرا على أهل الأديان، وعلمانيات أخرى تلاحقهم في خياراتهم الفردية وتضيّق عليهم حريّة عبادتهم؛ فإنّ هذا كله خارج النقاش العربي الإسلامي مع العلمانية. أزمتنا مع العلمانية أننا شعوب مسلمة فُرضتْ عليها هويّة وأنظمة غريبة تماما عنها منذ أكثر من قرن، هوية لا تعبّر عن ثقافتها وأنظمة لا تنبثق من إرثها التشريعي ولا واقع حياتها واحتياجاتها. ولهذا فكل الأنظمة العلمانية، مهما كانت مخفّفة وملطّفة، هي بجميع الأحوال معادية لهوية الأمة وثقافتها وحضارتها وقبل كل شيء لدينها.

كل حديث عن قبول العلمانية والتصالح معها ولو بأخفّ صيغها هو حديث عن رفض الإسلام ومعاداته!

شريف محمد جابر

07 Jan, 06:46


هناك فكرة قبيحة تنتشر بين المسلمين هي من الآثار القبيحة للأيديولوجية الوطنية التي استوردناها من الغرب، ومفاد هذه الفكرة أن هناك إسلامًا مصريّا أو سوريّا أو مغربيا أو غير ذلك، وأنّ كل نمط تديّن أو فكر ديني مختلف عمّا عهدته هذه المجتمعات فهو مرفوض، وتجد المتحدّث يحكي بكل جرأة بهذه النبرة العدائية المنغلقة وهو يجد التصفيق من دعاة الليبرالية وحرية الرأي!

في الوقت نفسه ستجد صاحب الكلام يقبل التيارات العلمانية والليبرالية باعتبارها جزءًا من النسيج المجتمعي للبلد، ولأننا لا يمكننا إجبار جميع الناس على فكر واحد! علمًا أنّ هذه العلمانية والليبرالية جاءت من الغرب الذي غزانا ثقافيّا إبّان ضعفنا ثم عسكريا، وفرض علينا نموذجه العلماني بقوة المدفع والبندقية!

وإذا عدنا للمذاهب والتوجهات الإسلامية وأخذنا سورية نموذجًا فإنّ كل التوجهات والمذاهب الدينية جاءتها من الخارج، الإسلام نفسه يا أفاضل جاء من جزيرة العرب، وجاء المذهب الشافعي أيضًا من الحجاز، أما المذهب الحنفي فقد جاء من العراق، وفي سوريا مركز الحنابلة العتيد في صالحية دمشق وفي دوما. بل حتى التوجه السلفي الحديث الذي تأثر به بعض أعلام الشام الكبار كرشيد رضا والقاسمي والبيطار وغيرهم جاؤوا به من خارج الشام، والطريف أنّ هناك من يتحدث اليوم عن سلفية "شامية" أليفة تتمثّل بهؤلاء الأعلام، لمجرّد أنه مضى قرن أو نحو ذلك على دخولها! فهل جاء السلفيّون المعاصرون الذين تأثّروا بمشايخ من الخليج وغيرهم من المريخ حتى لا تقبلوهم؟ هل يمكن إغلاق القطر السوري تماما عن أي تفاعل مع الأفكار والتوجهات الخارجية في عصر مواقع التواصل هذا؟!

الواقع أنّ هذه نزعة عنصرية قبيحة، وهي غريبة عن الإسلام والمسلمين، وهنا تماما يظهر الوجه الحقيقي القبيح للوطنية، حيث تعمل في عقول الناس ضدّ مصالحهم، فلم تكن مصلحة المسلمين يومًا في هذا الانغلاق عن الآخر خارج حدود القطر ورفضه لمجرّد أنه قدم من خارج الحدود، بل كان التفاعل مع الأفكار وسفر الناس واستقرارهم في أقطار أخرى (كما فعل المقادسة الحنابلة في الصالحية) رافدًا من روافد النهضة الثقافية. بل هؤلاء أنفسهم سيصمون الذي يرفض قراءة الفكر الغربي بأنّه "منغلق"، لكنهم سيغدون متحرّرين منفتحين حين يصدعون برفض التيارات الدينية التي جاءت من مناطق أخرى خارج القُطر السوري، والسبب أنّ الليبراليين والعلمانيين سيصفّقون لهم، لأنّ هؤلاء البُله يظنّون أنّ السلفية متشددة بينما المذاهب التقليدية القديمة في سورية متسامحة معهم!

ومن طرائف ما سمعت هذه الأيام، راهبة من سورية تقول في لقاء على BBC إنّ المذهب المتّبع عادة عند أهل السنّة والجماعة في سورية هو المذهب الحنفي أو الشافعي، ونرى اليوم أنّ هناك إدخالًا "للمذهب السلفي المتشدّد حسب عقيدة ابن باز"، وتقول إنّ هذا "تحوّل جذري"!

وبصرف النظر عن "التخبيص" في كلامها، وأنه لا وجود لعقيدة خاصة بابن باز ولا هو رمز السلفية الأوحد.. أقول لها: ما أحلى أن يلتزم أهل سورية بالمذهب الحنفي أو الشافعي، وما أجمل أن يغدو فقه الأحناف والشافعية مصدر التشريع لأهلنا في سورية، وما أجمل أن يتزيّى نساء سورية بمثل حجابك، روحي يا حجّة الله يخلف عليك!

شريف محمد جابر

06 Jan, 11:39


من الصعب أن تشرح لغير المسلم لماذا لا يصافح المسلم المرأة. صحيح أن بعضهم يمتلك من اللياقة الثقافية ما يجعله يشعر بالقناعة والرضا بإزاء اختلاف الثقافات والمفاهيم، لكن سيظل هناك مجموعة كبيرة من الغربيين بل من المسلمين الذين تطبعوا بالقيم الليبرالية الغربية تشعر بعدم فهم لهذا السلوك، فهُم ينظرون إليه من منظار واحد وهو منظار "المساواة بين الجنسين"، والذي بلغ مراحل عصابية وله رصيد من التاريخ والمفاهيم والنضال، ومن ثم فمن الطبيعي أنّ من يشاهد حدث عدم المصافحة من هذا المنظار سيفهم الفعل باعتباره "إهانة" أو "احتقار" للمرأة، ومن هنا يصدر عنه الاستنكار.

ولهذا من المهم قبل مناقشة هذه الجزئية تسليط الضوء على المفاهيم الكبرى التي تحرك كل إنسان، ومن ثم على المناظير التي يشاهد الفعل من خلالها.

في الإسلام من جهة أخرى يبدو الفعل مرتبطا أشد ارتباط بالمحبة التي يصرفها المسلم لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يستقيم الدين بغير محبة، والله تعالى يقول: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أصافح النساء". ومن هنا يرى المسلم هذا الفعل من منظار المحبة، وتبدو الموازنة بين أعراف المجتمع وسنّة النبي صلى الله عليه وسام محسومة لصالح اتباع السنّة.

وهناك منظار أوسع وأسمى يبحث بمحبة عارمة عمّا كان يفعله صلى الله عليه وسلم فيمارسه بحب لا بإكراه للنفس، ولا يضيره اعتراض العالم كله ما دام مقلدا لحبيبه الذي كان معيارا للحق والذي يرجو أن يجتمع به فيما وراء العالم المنظور.

وهناك منظار أرحب يتطرق إلى الحكمة من هذا الفصل الجسدي بين الجنسين، فهو متصالح مع شهوات الرجل ويدرك أهمية تجنب إثارتها في غير موضعها، فلا يستخف بأن تؤدي المصافحة إلى إثارة شهوة الرجل ويسخر ثم نجد شهواته تبلغ الحيوانات والأشياء والخيالات المريضة! وإنّ ما بلغه الغرب اليوم من شهونة اللامشتهى في الوضع الفطري للرجل هو نتيجة حتمية لتجاوز الضوابط الإلهية بين الرجل والمرأة، وهو عقوبة إلهية على الانحراف عن الشريعة.

هذه هي مناظير المسلمين، واضحة وفطرية، ومداها أوسع من المنظار الليبرالي المتأزم بتاريخ أوروبا ومفاهيمها الضيقة، لأنه يأخذ المسلم في لحظة واحدة إلى ما وراء العالم، ويبقيه في اللحظة نفسها متصالحا مع طبيعة الإنسان التي فطره الله عليها في هذه الدنيا.

شريف محمد جابر

05 Jan, 21:36


عندي يقين تامّ بأنّ من يريد الشريعة - بعد إدراك معنى الانقياد لشرع الله عزّ وجلّ وموقعه من صلب التوحيد - سيجد الطريق إلى إقامتها إنْ كان حاكمًا، أو البدء بإقامتها. وإذا كان داعية، فسيجد الطريق إلى الدعوة إليها وتنبيه الناس إلى قضيّتها.

فكرة عدم تطبيق الشريعة لأننا لا نملك نموذجًا أو رؤية للحكم، أو لأنّ الدولة القومية الحديثة تخالف نموذج الحكم الإسلامي، أو لأي حجّة أخرى؛ هي في نظري مسوّغات متهافتة بسبب الرهبة من الواقع الغربي المهيمن وربما لضعف اليقين الذي في قلوبنا إلى جانب ذلك.

ولقد مضى قبلنا قومٌ أميّون قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، فتحوا الشام ومصر وفارس في ومضة من التاريخ، فوجدوا أنظمة إدارية وسياسية ومالية ضخمة قائمة، فلم يهدروها جميعًا، بل أقاموا أحكام الشريعة التي يعرفونها كما يعرفون قلوبهم، وحقّقوا مبادئ الحكم الراشد التي قبسوها من الكتاب والسنّة النبوية، وعدّلوا على تلك الأنظمة البيزنطية والفارسية بعد أن استبقوا ما ناسبهم منها، وأضافوا إليها وطوّروها تدريجيّا من خلال الممارسة.

حين تتمكّن من الدولة الحديثة فهي لن تجبرك على موالاة أعداء الله واتخاذ البطانة منهم، ولن تجبرك على إعانة المشركين على المسلمين، ولن تمنعك من جعل منظومة التشريع قائمة على منهج أصول الفقه الإسلامي ويقوم عليها فقهاء، ولم تمنعك من حظر ما تستطيعه من الربا والغرر والاحتكار وسائر المحرّمات المالية، ولن تجبرك على تبديل أحكام الله في الحدود.. ولو عدّدنا أحكام الله عزّ وجلّ المعطّلة لوجدنا أنّ معظمها غير متعلّق بإيجاد نموذج مثالي متكامل ولا هو معطّل بسبب الدولة القومية الحديثة!

على أنّ علماء المسلمين ومفكّريهم اجتهدوا منذ النصف الأول من القرن الماضي وتركوا لنا ذخيرة ضخمة من الكتب والنظريات والاقتراحات، بين أنظمة حكم ودساتير ومبادئ راشدة وغير ذلك ممّا يتعلّق بالحكم الإسلامي الراشد.. فلم يؤدّ منها شيء إلى إقامة الشريعة في بلد من بلدانهم، واستطاع أقلّ الناس تنظيرًا إقامة طائفة واسعة جدّا من الشريعة - مع تقصير يسير - اعتمادًا على الفقه الحنفي التقليدي!

فالمسألة مسألة إرادة، وإذا وجدت الإرادة الجادّة وانتُزعتْ مهابة أعدائنا من صدورنا ولدتْ الرؤية والمشروع، أو تبنّى صاحب الإرادة شيئا مما يُطرح على الساحة أو ممّا طُبّق في بعض الدول مع تعديل يناسب الواقع الراهن، أو شرع في خطوات يسيرة جادّة نحو الشريعة إنْ كان الواقع الجاهلي ضاغطًا جدّا.

ولذلك، عود على بدء: من أراد الشريعة وجد طريقه إليها، أو بمعنى أدقّ: دلّه الله عليها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69)

شريف محمد جابر

05 Jan, 07:58


كتيب لطيف ومهم بعنوان "أربع وخمسون منارة بعد النصر" لأحد الفضلاء من أهل سورية، وهو متن قصير من الآيات والأحاديث التي ينبغي الاستهداء بها في هذه المرحلة العصيبة.. رحم الله من شارك في نشره

شريف محمد جابر

04 Jan, 21:51


الواجب على ساداتنا الدعاة في سورية اليوم تذكير الناس بأنّ الغاية من الدنيا ليست الرفاه والتنمية والتقدّم، فهذه مطلوبة ولكنّ الإنسان لا يحيا من أجلها، بل المطلوب الأسمى والأجدى في الدنيا والآخرة هو تربية الأجيال على التعلّق بالله والآخرة، والزهد في الدنيا، وإشاعة العدل والتراحم والبرّ في المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب مجد هذه الأمة وعزّها، وإعادة بناء حضارتها وريادتها للأمم.

شريف محمد جابر

04 Jan, 05:21


لا يمكن إقامة الدين كما أراده الله مع الإقرار بعلمانية الدولة، هذه الحقيقة البديهية يحاول اليوم بعض من ينتسبون إلى الإسلام ويكتبون في مجال الفكر الإسلامي أن يشوّشوا عليها، بأفكار علمانية بالية يعيدون تدويرها بصياغات جديدة لتبدو مقبولة إسلاميّا، أو تحت حجة عدم إمكان إقامة الشريعة في واقع الدولة القومية الحديثة. وهكذا توضع عشرات الأحكام الشرعية القطعية التي كُلّفت بها الجماعة المسلمة في الأدراج لمجرّد أنّ الواقع الذي فرضه علينا الاستعمار الغربي يخالفها. وهذه إعادة تدوير للجبر والقبول بالواقع أيّا كان ولكنْ بصيغة أكاديمية!

لكنّ الحقيقة أنه لا جديد تحت الشمس، فالعلمانية لا تقبل حاكمية الشريعة في المجال الجماعي، أي لا تقبل أن تكون التشريعات في الدولة مبنية على منظومة الشريعة وما حُمّل عليها بطرق الاجتهاد الشرعي، ولا تقبل أن يكون القضاة علماء مجتهدين يحكمون بالشريعة والفقه. إنها لا تقبل ببساطة أن يتدخّل الدين في نظام الحكم. تقبله اعتقادا في ضمائر الأفراد وطقوسًا شعائرية والتزاما ببعض الأحكام على المستوى الفردي إن كانت سخية معنا! أما أن تكون له الكلمة العليا، فلا، وألف لا!

لكنّ المسلمين مكلّفين بإقامة شرائع الإسلام التي جاءت في الكتاب والسنّة، وكثير منها معطَّل، فماذا يفعلون؟
هل ينتظرون الأوضاع المثالية التي تسمح لهم بذلك؟ أم يناضلون بكل ما يستطيعون للتمكّن من إقامتها ويقيمون ما يستطيعون منها لأنّها أمر الله عزّ وجلّ ولا يجوز تأخيرها ما دامت مستطاعة؟

عبر التاريخ الإسلامي لم تكن أوضاع المسلمين مثالية يومًا من الأيام، أُهدرت بعض أسس نظام الحكم في الإسلام كالشورى والجماعة التي تقوّم السلطة، وأُخذ التوريث عن الهرقلية والكسروية، واختُزلت الجماعة المكلّفة بتقويم الأوضاع العامة، والتي كانت حاضرة في عهد الخلفاء الراشدين، بالسلطة الضيّقة للإمام وحاشيته، مع جهود فردية لبعض العلماء دون مشاركة حقيقية في نظام الحكم. لكنّ الشريعة لم تسقط، بل ظل معظمها يقام بأدوات الدولة والمجتمع على السواء، تراجعت حينا وتقدّمت حينا، لكن العبرة أن الأوضاع المخالفة للشريعة في بنية الحكم لم تكن سببا في النكوص عما يُستطاع إقامته من دين الله.

وكذلك الأمر – مع الفارق الكبير – في أوضاعنا المعاصرة، فواقع الدولة القطرية القومية لا يجعلنا نلغي فكرة إقامة أحكام ديننا من الحسبان، نعم هي مضادّة لفكرة الإسلام عن الحكم ولتطبيقه عبر التاريخ بشكل كبير، ولكنّ المضادّ فيها ليس كونها دولة حديثة، بل هو تحديدا: الانتساب إلى القانون الوضعي الذي يشرّعه البشر بأهوائهم بمعزل عن هداية الوحي، والاجتماع على المواطنة باعتبارها الرابطة الأعلى، أو "القومية القُطرية"، فهي "دولة المواطن" لا "دولة المسلمين".

فهل نقف مكتوفي الأيدي لأنها مصمّمة بمنظومة مغايرة تشريعًا وولاءً؟

الواقع أنّ بإمكاننا فعل الكثير، فالقاعدة الشرعية أنّ "الميسور لا يسقط بالمعسور" وأنّ "ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه"، وقال الله تعالى قبل ذلك: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وهذا الأمر عابر للعصور والأوضاع، فحتى لو كنت مشلول الجسد ستظل فريضة الصلاة واجبة عليك وإن كنت عاجزًا عن إقامة معظم شروطها وأركانها! ولذلك علينا أن نسعى في بلداننا إلى إقامة ما نستطيعه من دين الله، حتى لو لم تتحقّق "الشروط" المثالية لإقامته، ولم تتوفر كلّ "الأركان" لتطبيقه، لأنّ الواقع بطبيعته لن يكون يومًا ما مثاليّا.

يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإنّ قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرًا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيًا، بل وإمامًا، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل: إنه سمّ على ذلك. فـالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها" (منهاج السنّة النبوية).

انظر إلى كلامه عن بلد نصراني كالحبشة آنذاك يحكم بشرائع أخرى، وإلى نظام تتري يحكم بالياسق الذي وضعه جنكيز خان، فكيف في بلد معظم أهله مسلمون مكلّفون بإقامة أحكام دينهم ولا تسقط عنهم هذه الأحكام لأنّ تصميم الدولة الذي صمّمه الاستعمار بُني على أصول فاسدة!

بل هم مكلّفون بتغيير ذلك، والواجب بثّ الوعي والتربية على تغيير الواقع الفاسد وتعزيز الرابطة الإسلامية وحاكمية الشريعة وبيان مفاسد الأيديولوجية القومية العلمانية، والعمل بقدر الإمكان على تغيير الأوضاع، بدلا من الاكتفاء بالعجز ووصم العاملين على التغيير بمعاندة الواقع في جبرية مقيتة، ثم تمنّي "دولة خلافة" جامعة أو مجتمع إسلامي مثالي قد ينزل إلينا من السماء دون أي خطوات مرحلية تسبق ذلك في التغيير!

شريف محمد جابر

03 Jan, 20:54


وزير الخارجية الفرنسي يقول إن بلاده تعرض تقديم المعونة الفنية والقانونية لصياغة دستور سورية.

هذه العبارة تعكس الفوقية التي يفكر بها الغربي، فنحن في نظره شعوب متخلفة تفتقر إلى القدرة على صياغة دساتيرها وقوانينها، وينبغي لها أن تستنير بأنوار الحضارة الغربية!

والواقع أننا بما لدينا من رصيد تشريعي وعلم أصول الفقه وقواعده المتقدمة ورصيد تجربتنا الطويلة مع الشريعة لسنا فقط قادرين على صياغة دساتيرنا بدون معونة غربية، بل يجدر بهؤلاء الجاهليين في فرنسا وغيرها أن يتعلموا منا أصول التشريع وضوابطه وقواعده.

ومن المهام الجليلة التي ينبغي أن يقوم عليها الدعاة والمفكرون المسلمون اليوم: تحرير النفوس من الفوقية الفكرية للغرب، وإعادة الثقة بالشريعة وفضائها الذي يتسع لكل حادثة وعصر، وإحياء الشريعة في قضايا الواقع الراهن، لتكون أقرب للتطبيق في العقول، ولا تظل مطلبا إجماليا يداعب وجدان المسلمين من غير أن يلامس قضاياهم المركزية الكبرى.

شريف محمد جابر

02 Jan, 20:17


قد يكون تعديل بعض نصوص منهج التربية الإسلامية في سورية بدافع من شريحة المتشرّعين من رجال السلطة الجديدة لفظاعة إبقاء هذه الأمور الباطلة الفجّة في منهاج لتدريس الدين الإسلامي، أو ربما كانت المسارعة لإلغائها الآن لجسّ النبض ومعرفة حجم التغوّل العلماني على العقول (وقد ظهرت نتائج مؤسفة) دون المخاطرة بخطوات شرعية أكبر حاليا.

لكنّ الذي لا شكّ فيه أنّ هذا التعديل هو أول شرارة في معركة مريرة وضرورية سيخوضها أهل سورية وهي معركة: حسم صراع الهوية. وقد كشفت هذه الخطوة هشاشة الهوية الوطنية التي يتغنّى بها كثيرون، فهناك من يريد لهذه الهوية أن تكون أعلى من الهوية الإسلامية، وأن يداهن المسلمون في دينهم لإرضاء "إخوة الوطن" من الأديان الأخرى. وهؤلاء هم الذين يقولون قولة الزور: نحن سوريون قبل كل شيء!

والصراع في الحقيقة ليس مع أهل الأديان الأخرى، لأنّ أزهر عصورها على مستوى العالم وأكثرها أمنًا كانت في ظلّ أنظمة إسلامية تحكم بالشريعة، ولكنّ الصراع مع المنتسبين إلى الإسلام الذين يحملون أفكارًا تناقض قطعيات الدين، فهم يريدون فرض هوية علمانية على بلد مسلم تنطق مآذنه بهويّته ليل نهار.

إنّ نداء "الله أكبر" ليس مجرّد نداء لممارسة طقوس دينية، بل هو يعني أنّ الله سبحانه أكبر من كل اعتبار، ومن ثمّ فإنّ الولاء في الله والتلقّي عن الله واتّباع شريعة الله في الروابط والعلاقات والمعاملات؛ أكبر من أي معيار أو قيمة أخرى يخترعها البشر، حتى لو كانت شائعة في عصر ما وكانت البلدان التي تحملها أكثر البلدان مدنية وتطوّرا على المستوى الماديّ.

شريف محمد جابر

02 Jan, 13:45


هذا الكتاب هو أفضل ما كُتب من وجهة نظري في الشكل التطبيقي المعاصر للحكم الإسلامي.

وهو الكتاب الرابع الذي أنصح به في هذه المرحلة، خصوصا لأهلنا في سورية.

الذي يميّز كتاب "الحكومة الإسلامية: رؤية تطبيقية معاصر" للشيخ الأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله أنّه بخلاف معظم ما كُتب في شكل نظام الحكم في الإسلام يقدّم "رؤية تطبيقية" لا "نظرية" فحسب، فقد كُتب الكثير حول نظرية الحكم في الإسلام، وذلك بتحديد المبادئ الأساسية، أو من خلال استقراء الأشكال التاريخية، أو بالاستفادة من كتب السياسة الشرعية التراثية.. وهذه كلها نافعة، ولكنها لا تقدّم نموذجًا جاهزًا للتطبيق على واقعنا المعاصر بتعقيداته وتقييداته ومتطلّباته.

ومن جهة أخرى، هناك من سعى إلى تقديم نماذج تطبيقية مثالية على غير مقاس واقعنا، كمن يقدّم نموذجًا لدولة الخلافة، مع أنّ قطرا واحدًا من أقطارنا (كسورية مثلا) لن يحمل صفة الخلافة الشرعية لأنه لا يعبر عن القيادة السياسية لجميع المسلمين أو معظمهم. أو كمن يقدّم رؤية انقلابية مثالية تلغي دور الدولة من تفاصيل كثيرة، وترد الكثير مما تقوم به الدولة اليوم إلى المجتمع، وهو بذلك يجعل تصور الحكم الإسلامي بعيدًا جدا، والوقت لا ينتظر لإقامة دين الله ولاستلام دولنا وبناء عناصر قوتها.

ومن جهة ثالثة هناك من جعل دولة المواطنة الديمقراطية المعاصرة بقيمها وآلياتها هي النموذج المثالي، مختصرًا الفجوة بين ما ينبغي أن يكون عليه النظام الإسلامي للمجتمع المسلم وما هو موجود في الواقع من أنظمة غربية لها فلسفتها وقيمها المغايرة، فجعل يُشرعنها باستدلالات واهية ليريح نفسه من عناء بذل الجهد لبناء نظام إسلامي يتّسق مع ديننا وثقافتنا وحضارتنا.

بخلاف ذلك كله، قدّم الشيء رؤية لا تبتعد كثيرا عن اصطلاحات الواقع التي نعرفها للدولة والحكومة، ولكنها في الوقت نفسه تتضمّن إقامة القطعيات الشرعية بحسب الممكن في إطار الواقع الحالي، فمع رفضنا لحدود الدولة القطرية وإقرارنا بفرضها علينا غربيّا لا بد وأن نتعامل معها مرحليّا، وأن نقيم بداخلها دولة مسلمة قوية ذات سيادة تحفظ الحقوق وتصون الحرمات وتردّ الكرامة المنهوبة.

ويمكن تقسيم كتاب الشيخ إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول (أول فصلين) يتناول فيه دولة الخلافة الراشدة وأصولها، ويسهب في بيان كيفية اختيار الخلفاء الراشدين الأربعة وتأكيد مبدأ الشورى، مع بيان خصائص دولة الخلافة التي هي النموذج المثالي المنشود استراتيجيّا.

والقسم الثاني (الفصل الثالث: نظرة للواقع): يفصّل فيه شكل نظام الحكم المقترح في إطار الدولة القطرية الحالية، وأنواع السلطات التي يقسّمها إلى أربع سلطات: تنفيذية ورقابية وتشريعية وقضائية، ودور الأحزاب في الحكومة الإسلامية، ووضع الأقليات، مع تحديدات مهمة جدا لمواجهة قضايا الواقع الراهن، ولعل من أهم الجوانب التي تحدّث عنها مفهوم "الطرف الثالث" الذي يعزز من مشاركة الأمة في الحكم وكبح الاستبداد. وهو في هذا الباب يمزج بين التأسيس على الأصول الشرعية والراشدة والاستفادة من التجربة التاريخية للأمة، وبين الاستفادة من تجارب الأمم المعاصرة.

والقسم الثالث (الفصل الرابع والخامس): هو عبارة عن تعليقات ومقتبسات ومقالات مهمة جمعها الشيخ ورتّبها تتضمّن شبهات وردود ومخاوف ومحاذير، إلى جانب رؤية للمستقبل كما يراه الأعداء وكما ينبغي أن يكون.

فمهّد ببيان الأصل الأمثل، ثم وضع شكلا تطبيقيّا مقترحًا مناسبًا للواقع الراهن، ثم قدّم الإجابات عن الإشكالات والشبهات مع رؤية للمستقبل.

فهو كتاب نفيس على صغر حجمه ويسر أسلوبه، وصاحبه من أخبر من عرفت في باب السياسة المعاصرة ودهاليزها وفقه بناء الدولة والتنمية، وكتابه يستحق القراءة والنقاش حول كثير من أفكاره ومقترحاته، لإثراء النقاش السياسي والفكري المعاصر، خصوصا في هذه المرحلة التي بدأت فيها الأمة تنتفض على بقايا الأنظمة العلمانية البائدة، وتبحث عن أنظمة حكم تحقّق هويّتها وتحفظ حقوقها وكرامتها.

رابط تحميل الكتاب: https://t.me/sharefmg/323

شريف محمد جابر

01 Jan, 21:36


عن أهمية تحديد "المغضوب عليهم" و"الضالين" باليهود والنصارى، قلت في مقال قديم حول سورة الفاتحة:

ورغم أنّ جمهور المفسّرين على أنّ "المغضوب عليهم" هم اليهود و"الضالّين" هم النصارى، فإنّ القارئ المتدبّر لا يقف عند هذه النتيجة، بل يرغب بمعرفة: ما الذي جعلهم مغضوبًا عليهم؟ وما الذي جعلهم ضالّين؟

إنّ هذه الآية تستدعي مجدّدا ذلك المحتوى المفصّل من القرآن حول صفات المغضوب عليهم وصفات الضالّين، ففي سورة البقرة مثلا تفصيلٌ وافٍ عن أفعال بني إسرائيل مع نبيّهم موسى، وعن إيمانهم المتزعزع أمام سطوة الهوى رغم المعجزات الحسّية والنعم الكثيرة، وعن قسوة قلوبهم واستكبارهم وحرصهم على الحياة، لتخبرنا الآيات بعد ذلك عن رفضهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو رفض ناتج عن "استكبار" لا عن جهل بحقيقة الرسالة، ولهذا استحقوا الغضب كما تخبرنا الآيات (تُراجع الآيات 40 حتى 103 من سورة البقرة كمثال).
وفي سورة آل عمران والمائدة تفصيل وافٍ حول ضلال النصارى، نجده مسبوقًا بالتعريف بحقيقة المسيح عليه السلام وطبيعته البشرية هو وأمه، وبحقيقة التوحيد ونفي الشرك (تُراجع الآيات 33 حتى 85 من سورة آل عمران كمثال). وهكذا، يستحضر المسلم حين يصل إلى الآية الأخيرة من الفاتحة أصول أنواع الضلالات من اتّباع الهوى والاستكبار والجهل، مع صورها العديدة التي ذكرها القرآن، فيعزم على تجنّبها مستعينًا بالله.

رابط المقال: https://www.aljazeera.net/blogs/2018/3/5/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A9-%D9%83%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A3%D9%87%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D9%82%D8%A8%D9%84

شريف محمد جابر

01 Jan, 19:37


أهل سورية المغتربون كنز ثمين لبلادهم، وتحديدًا أولئك الذين عانوا وتعبوا وبنوا أنفسهم من جديد في بلاد قريبة أو بعيدة، فقد واجهوا من الصعاب واكتسبوا من الخبرات والثراء المعرفي من خلال الاختلاط بشعوب أخرى ما يجعلهم عملة نادرة بمختلف تخصّصاتهم. وعليهم هم أن يدركوا ذلك عند إجابتهم عن سؤال: هل نعود؟ ومتى؟ وأن يضعوا مقابل كلفة اقتلاع تجذّرهم في بلاد الغربة فوائدَ عودتهم العظيمة.

كما على الحكومة القادمة المكلّفة بوضع خطة تنموية أن تستقطب هؤلاء تحديدًا بحوافز مهما كانت مكلفة فستكون مجدية في بناء الدولة، وإلا فما الذي سيدفع هؤلاء إلى العودة لبلادهم؟ همّ بناء البلد والرسالية وحدَها؟ ليس الجميع على المستوى نفسه من المبادئ وظروفهم تختلف، ولا بأس بـ "تشريك النيّات" إذا استصحبنا ذلك المبدأ في المذهب الشافعي، وليكن للاستقرار المادي دور في تحفيزهم على العودة إلى جانب مسؤوليّتهم في بناء البلد.

وإلى جانب الخبرات التي راكموها ويمكنهم من خلالها بناء البلد، فثمة هوية إسلامية ترسّخت مع شريحة كبيرة من هؤلاء المهاجرين ونخبهم الشرعية والدعوية والفكرية، إذ لا يمكن التغاضي عن كون الإسلاميين وأهل التديّن عمومًا هم أكثر من فضّل الاغتراب على جحيم سجون الأسد وتضييقاته. وهؤلاء وأبناؤهم سيكونون رصيدًا مهمًّا في حسم صراع الهوية: هل هي دولة مواطَنة بلا رائحة ولا لون ولا هوية؟ أم هي دولة مسلمة سنّية لها رسالة وبوصلة واضحة، وتعتزّ بهويّتها وشريعتها وتضعها موضع التطبيق؟

شريف محمد جابر

01 Jan, 08:34


ما أدعو إليه هو الاسترشاد بالهَدي النبوي والنموذج الراشد في الحكم، وقد فصّلت ذلك في مقالات عديدة منذ 2011، وستصدر قريبًا بإذن الله بعد جمعها وتهذيبها في كتاب. لكن لا بأس من أخذ العبر من بعض التجارب المعاصرة، وتعلُّم درس الاستبداد السيّء الذي "علّم على جنابنا" كما يقال في العامية. فلا بدّ من التفكير في أحسن الطرق للحيلولة دون عودته، وهذه الطرق ليست محصورة في الديمقراطية والنموذج الغربي، بل لنا في تراثنا الراشد وتجاربنا وعقولنا ملاذ لنرسم شكل أنظمة حكمنا بعيدًا عن الاستبداد والفساد.

شريف محمد جابر

01 Jan, 08:34


هناك شيء يستحقّ الإشادة في نموذج الإمارة الإسلامية في أفغانستان، صحيح أننا "لسنا مثل أفغانستان" كما يتردّد اليوم، وصحيح أنّ الاختلافات كثيرة بين بلادنا العربية وبينها، ولكن ثمّة شيء تفوّقت فيه أفغانستان علينا، وعلينا أن نتعلّمه من هؤلاء المعمّمين الذين لم يرتدوا البدلات الرسمية وربطات العنق، وهو شيء من الهدي الراشد الذي أضعناه، سواء حين اعتمدنا الاستبداد الفردي طريقة في الحكم، أو حين لهثنا خلف سراب الديمقراطية الزائفة.

وبالطبع، حين يشيد أحدهم بالنموذج الأفغاني لا بد أن يسخر بعض "المحنّكين" في بلادنا، لأنّه في حسّهم نموذج للاستبداد والتخلّف والتعصّب، وسبب ذلك هو كثافة الدعاية الغربية المضادّة لهذا النموذج، وضحالة المعرفة التاريخية والاجتماعية للطبيعة الأفغانية، مع إقراري بوجود مشاكل في هذا النموذج، وأنه ليس النموذج المثالي الذي أنشده، لكن طريقة الحكم فيه تحتاج إلى الاعتبار.

فأول ما يلفت النظر فيه هو عدم التمركز حول شخصية واحدة، ليس هناك زعيم واحد للنظام تتسلّط حوله الأضواء ويمسك سلسلة مفاتيح النظام وحده، فالقائد الأعلى هبة الله أخوند زادة قليل الظهور إعلاميّا، وتلمع معه في القيادة أسماء أخرى مثل سراج الدين حقّاني، والملا محمد يعقوب ابن الملا عمر، والملا عبد الغني برادر، والملا محمد حسن آخند وغيرهم.

وإلى جانب ذلك، تمتلك الحركة مجلس شورى كبير نسبيّا، يضمّ نحو 70 عضوًا، وهو يضمّ قيادات دينية وسياسية وعسكرية بارزة من مختلف مناطق أفغانستان، مما يعكس تمثيلا جغرافيا وقبليًّا واسعًا. وهو يذكّرنا إلى حدّ ما بنموذج "العرفاء" في العهد النبوي، "والعَريفُ القيّم والسيد لمعرفته بسياسة القوم" كما في لسان العرب، وهم الذين يرفعون أمر الناس كما في حديث وفد هوازن في صحيح البخاري: "فقال الناسُ: طَيَّبْنا ذلك. قال: إنَّا لا ندري مَن أَذِنَ منكُم مِمَّن لم يأْذَنْ، فارْجِعوا حتى يرفعَ إلينا عُرَفاؤُكُم أمرَكُم. فرجعَ الناسُ، فكلَّمَهُم عُرَفاؤُهُم، ثُم رجعوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبروه: أنهم طيَّبوا وأذنوا". أو "النقباء" الاثنا عشر من الخزرج والأوس، والنقباء في لسان العرب: "جمع نَقيبٍ، وهو كالعَرِيف على القوم، المُقَدَّم عليهم، الذي يَتَعَرَّف أَخْبَارَهم ويُنَقِّبُ عن أَحوالهم".

صحيح أن القيادة في النموذج الأفغاني فردية؛ لأن القائد الأعلى له قرارات مركزية، لكن ذلك لا يلغي دور الشورى والجماعة الممثّلة عن فئات مختلفة ومناطق مختلفة في ترشيد القيادة واتخاذ القرارات والحفاظ على مقومات الدولة ومسارها من الانحراف والوقوع في قبضة الأجنبيّ.

فمن السهل – كما حدث في بلادنا مرارا – أن يقع حاكم متفرّد أو أسرة متفرّدة بالحكم في قبضة الخارج، لأنّه يحتاج إلى ظهر قوي يستند إليه، أو بسبب غوايته بالمال والدعم، أو بسبب تهديده، أو بسبب تغيّر قناعاته وتبنّيه أفكارا علمانية أو لغير ذلك.. لكنّ هذا الانحراف الخطير في النظام السياسي أصعب ألف مرة في حالة يوجد فيها مجلس شورى فعّال يتكوّن من عشرات القيادات من مختلف أنحاء البلاد والقبائل، يتابعون شؤون السلطة ويساهمون في صناعة القرار والحفاظ على مقدّرات الأمة ونظامها من الاختراق، فكيف إذا كان معظمهم من أهل النظر والاجتهاد وأهل الأيدي والقتال؟ وكيف إذا علمنا أن لدى الإمارة نظام ديني صارم في التعليم الشرعي والتربية الدينية؟

إنّ هذه كلها عناصر فعّالة جدّا تصعّب عملية اختراق النظام السياسي وعودة الأمة في قبضة الخارج، ومن هنا من الصعب إطلاق وصف "الاستبداد" على نظام الإمارة السياسي؛ فالاستبداد ليس نقيضًا للديمقراطية، والديمقراطية ليست نظامًا محكمًا للنجاة من مخاطر الاستبداد كما يظنّ بعض مثقّفينا المبهورين بالنموذج الغربي، سواء لعيوب فيها تجعل مآلها إلى استبداد طبقة منتفعة هي التي تتحكّم بمقدّرات البلاد، أو لكونها لا تعمل بكفاءة في عالمنا العربي لأسباب ثقافية وتربوية وغيرها.

ولست أدعو إلى احتذاء النموذج الأفغاني في بلادنا، ولا إلى رفض آليات الانتخاب وتفعيل دور الناس في اختيار من يحكمهم، فهذا ما أدعو إليه، ولكن لا بأس بالاعتبار والتعلّم من أي تجربة، ولو قال أحد المسلمين اليوم: علينا الاستفادة من الأنظمة الغربية المعاصرة؛ لهلّل له الناس واحترموه مع ما فيها من علمنة وفساد، ولكن من هذا الذي يدعو إلى الاستفادة من نظام حكم جديد في بلد متخلّف فقير كأفغانستان؟! لا شكّ أنه يدعونا إلى التخلّف! هكذا يفكّر القوم عندنا!

شريف محمد جابر

31 Dec, 16:59


انظر المنشور أعلاه 👆🏻

شريف محمد جابر

31 Dec, 16:59


يقول الأستاذ علي عزت بيجوفيتش رحمه الله معبّرا عن فكرة مركزية مهمة:

"أثبت التاريخ حقيقة واحدة لا لَبْس فيها: وهي أنّ الإسلام هو الفكرة الوحيدة القادرة على إطلاق خيال الشعوب المسلمة.. الفكرة الوحيدة التي تستطيع أن تَقْطُر في عقول المسلمين ووجداناتهم كل ما يحفّزهم على التنظيم.. وكل ما يُفجّر فيهم الطاقة والإلهام.. ولم تستطع فكرة أخرى أجنبية عن الإسلام أن تستحوذ على فكر المسلمين استحواذًا حقيقيّا سواء في الثقافة أو في السياسة. في الحقيقة.. لقد تم كل أمر عظيم ومهم في تاريخ الشعوب الإسلامية تحت راية الإسلام".

(علي عزت بيجوفيتش - الإعلان الإسلامي)


ويشرح الأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله أحد جوانب هذه الفكرة المركزية بقوله:

"عند غياب الهوية الإسلامية - كهوية حقيقية راسخة ذات جذور - في بلد مسلم يحدث اغتراب (فراغ سياسي وفقدان انتماء) لضعف الاجتماع على غيرها من الهويات المستعارة لهذه الأمة، وعدم قدرة هذه الهويات على ملء الفراغ الذي تركته الهوية الإسلامية، وهذا يؤدي إلى:

1. حكم الأراذل: عند حدوث الاغتراب يفقد شرفاء الأمة وحكماؤها سيطرتهم على الأمة؛ لأن المجتمع يصبح همجًا رعاعًا أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح، نتيجة تعدد محاور الاستقطاب في الأمة، فلا تجتمع الأمة حول أهل الشرف والمكانة والرأي الراجح، بل قد تجتمع حول بعض المضللين والدجالين وأراذل الناس أو يتبعثر الناس حولهم.

2. التبعية للخارج: لقيام دول أو دويلات صغيرة نتيجة التفتيت، ولانفصالها عن مشروعها الحضاري الإسلامي الكبير، وهذا يؤدي إلى الدخول في التبعية للكيانات الكبيرة لملء الفراغ السياسي وحمايتها داخليا وخارجيا، لعدم وجود الرصيد الشعبي الناتج عن ضعف القواعد الشعبية، وذبذبة ولائها، وقبولها لكل هوية حيث لا هوية لها.

3. الفساد: ويتولد بالضرورة مع وجود التبعية وحكم الأراذل، كما أن انتشار الفساد يدعم حكم الأراذل ويمهد للتبعية، وهذا يفسر الدائرة الخبيثة النكدة التي تحياها الأمة الإسلامية والتي تجمع بين النواتج الثلاث".

(عبد المجيد الشاذلي - الطريق إلى الجنة، والرسم من الكتاب أيضًا)

شريف محمد جابر

30 Dec, 21:37


لماذا يجب على أهلنا في سورية قراءة "الإعلان الإسلامي" لبيجوفيتش؟

هذا هو الكتاب الثالث الذي أقترح قراءته في هذه الفترة، وهو كتاب صغير الحجم ومهم جدا فيه خطة عامة لإحداث نهضة إسلامية الطابع في عالمنا الإسلامي. وقد سلّط بيجوفيتش الضوء فيه بذكاء على بعض القضايا بأسلوب سهل ممتنع، ورغم أن الكتاب صدر في سبعينيات القرن الماضي لكن قضاياه المركزية ما زالت محط اهتمام.

يضع الكتاب المسارات الرئيسية لتشكيل هوية أي دولة مسلمة جديدة مع رسم الخطوط العريضة لنهضتها وكيفية بنائها، ويضم في أثناء ذلك إجابات عن أسئلة كثيرة مهمة يسألها المسلمون في بلد ما زال قيد البناء، كما يحدث الآن في سورية ما بعد انتصار الثورة وسقوط النظام البائد.

وقد تحدّث فيه عن أهمية تعزيز الروابط مع الشعوب الإسلامية، واعتبار البلد امتدادًا لأمة كبيرة وعدم التقوقع على هوية وطنية زائفة لا تحقق ما يرجوه الناس، حيث تحدث عن الهوية الإسلامية وعن الإسلام باعتباره الفاعل الأهم في الشعوب المسلمة.

وتحدّث فيه عن التنمية والمعيار فيما يؤخذ عن الحضارة الغربية وما لا يؤخذ، وعن مكمن قوة الغرب.

وأجرى فيه مقارنة ذكية بين نموذج تركيا في تلك الفترة وبين اليابان، وهي مقارنة جيدة لكيفية تأثير ما نأخذه عن الغرب في نهضتنا، فلم تنهض اليابان آنذاك لأنها أخذت عن الغرب مطلقا، بل لأنها عرفت ماذا تأخذ وماذا تترك.

وتحدث عن خطورة الاستناد إلى المساعدات الأجنبية وتبنّي نموذج تنمية بمواصفات غربية. وهو يذكّرنا بالفشل المتكرر في بلداننا العربية في اعتماد الاقتصاد الحرّ وأخذ الديون والاستثمارات الأجنبية بدون نقل التكنولوجيا وبناء قاعدة صناعية.

وقد تناول فيه ضرورة الارتباط بكتاب الله وخطورة الانفصال عنه وعن مضامينه الفاعلة بطريقة جذابة.

كما تحدّث عن الجهاز التعليمي وعن "الخيوط الحريرية للتعليم الأجنبي" التي باتت كالسلاسل الحديدية في إخضاع شعوبنا. أكتب هذا وأنا أقرأ اليوم عن المنحة الألمانية بخمسين مليون يورو لدعم التعليم وحقوق المرأة في سورية!

وتحدث بذكاء عن عدم استقرار أنظمة الحكم في البلاد المسلمة نتيجة لمجافاتها لروح الإسلام. وهو درس لكل من يعتقد أن الاستقرار يتحقق بالابتعاد قدر الإمكان عن الهوية والفواعل الإسلامية في نظام الحكم!

وتحدث أيضا عن عدم إمكان إقامة مجتمع إسلامي على أساس من المصالح الاقتصادية والاجتماعية فحسب، ولا على أي أساس تقني آخر، مما يشير إلى أهمية حسم صراع الهوية والشريعة لبناء مجتمع إسلامي مستقر وقوي.

وتحدث عن مركزيات في النظام الإسلامي كتحريم الربا والدعارة والقمار وجمع الزكاة وغير ذلك.

وتحدث عن خطورة تعظيم الشخصيات وكيف يناقض ذلك روح الإسلام وحقيقة لا إله إلا الله.

وتحدث عن أشياء أخرى مهمة كحرية الضمير، والإسلام والاستقلال، والمرأة والأسرة، وكيف أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وعن الأقليات، والطريف في هذا الباب أن الرجل يتحدث عن تطبيق النظام الإسلامي حتى مع وجود أقليات غير مسلمة، وهو يعيش في شرق أوروبا في بيئة شيوعية، وفي بلد يشكل المسلمون فيه أقلية كبيرة بالنظر إلى يوغوسلافيا، وأكثر من النصف بقليل في البوسنة والهرسك اليوم، مع التأثر الكبير بالثقافة الأوروبية.. لكنا حين ننظر إلى كثير من المسلمين اليوم نجدهم يتحرّجون من الحديث عن النظام الإسلامي في بلدان عربية يشكّل المسلمون فيها نحو %90 من السكان!

وتحدث عن أشياء أخرى كثيرة يصعب حصرها، كأهمية التربية وبناء المجتمع المسلم، وعن مخاطر التنمية المتسارعة، مع مناقشته لبعض النماذج في تطبيق النظام الإسلامي. وقد أعجبني فيه أنه يتناول أمثلة من مختلف أقطار العالم الإسلامي، كتركيا والجزائر وباكستان وغيرها، مما يدل على همّ الرجل الإسلامي غير المتقوقع على قطره. ولاحقا، أصبح رئيس دولة، وخاض صراعا مريرا للدفاع عن المسلمين، نجح وأخفق، وقدم تجربة تُدرَّس.

بالتأكيد هناك بعض الملاحظات على كتاب "الإعلان الإسلامي"، لكن خيره في نظري يغلب شرّه، ولا أبالغ إن قلت إنه "كتاب السنة" بالنظر إلى موضوعاته وكيفية معالجته لها، فهو راهن رغم مرور نحو نصف قرن على كتابته!

أرجو لكم قراءة نافعة..
لتحميل الكتاب انظر المنشور السابق 👆🏻

شريف محمد جابر

30 Dec, 09:50


هناك خلل كبير في مفهوم مجتمعاتنا العربية عن "النقد"، إذ يُنظر إليه كمرادف للذمّ والثلب وتتبّع الأخطاء والمعاداة، مع أنّ النقد – بمفهومه اللغوي والاصطلاحي ومن خلال تطبيقاته – أوسع من هذا، ولا يرادف هذه المصطلحات. وهو نشاط ضروري وحيوي لبناء العقول وترشيد أي نشاط أو مسيرة.

على سبيل المثال: عبد القاهر الجرجاني ناقد أدبي بصير، وكتابه "أسرار البلاغة" يعتبر كتابًا نقديًّا بامتياز، وهو مع ذلك من أسس الدرس البلاغي تاريخيّا، ففيه من القواعد واللفتات والتنبيهات والنظريات ما انتفع به الناس حتى يومنا هذا.

ومثال آخر له علاقة بمنشوري السابق حول أحمد الشرع، حيث فهم كثير من الإخوة "النقد" أنه مجرّد اعتراض وذمّ وتتبع للأخطاء وبث للفرقة، مع أنّ المقصود كان بثّ الوعي السياسي حول كل ما يجري وتقويم كل خطوة وتجربة. ومن هذا الباب ما كتبته في منشور سابق عن لقاء السيدة عائشة الدبس مسؤولة شؤون المرأة، فلم أكن معاديا بل ناصحًا، وحين بيّنت مواضع الزلل لم أكن ذامًّا بل منبّهًا للترشيد، فهل يؤدي ذلك إلى تأليب الناس عليها وعلى إدارتها وانفضاضهم عنها؟! ثمة فرق بين "النقد" و"الطعن".

بل استشهد بعض المعترضين على منشوري بما حدث للرئيس محمد مرسي رحمه الله في مصر، حيث يزعمون أنّ النقد هو الذي أسقطه، مع أن الذي أسقطه هو عدم استجابته للنقد، إلى جانب التشويه الإعلامي والتآمر ضدّه وحشد الشارع لإسقاطه، وهذا لا علاقة له بالنقد.

أما النقد الذي لم يستفد منه محمد مرسي رحمه الله ولم يستجب له فإحدى أبرز نقاطه أنه شكل حكومة توافقية، وفتح المجال للتراخي في العمل، إذ إن الوزراء من الأحزاب الأخرى لن يعملوا معه بسلاسة كما سيفعل أبناء حزبه وجماعته، بل فتح على نفسه باب الاعتراض كما فعل حزب النور الذي رفض الحقيبة الوزارية الوحيدة التي أعطيَها ومارس احتجاجه!

وأذكر أن شيخنا عبد المجيد الشاذلي رحمه الله نشر في ذلك الوقت مقالا موجّهًا للرئيس مرسي (الذي دعم انتخابه) قال له فيه: "الشعب يريد حكومة تؤلفها أنت دون مشورة أحد". وقال فيه أيضًا: "فأسرع بالبحث عمن يطيعك لتواجه به من يعصيك" مستشهدا بالحديث: "قاتل بمن أطاعك من عصاك". وقال له أيضًا في كلمات قيّمة جدّا:

"هؤلاء لا يجدي معهم إلا طريقة أنور السادات للتخلص منهم، وإلا تخلصوا منك أنت في مدة شهرين كما قالت تهاني الجبالي بعد استكمال أعمال الدستور، كما تخلصوا من محمد نجيب، فاختر أحد أمرين: إما أن تكون كأنور السادات فتحكم الدولة منفردا (كامل الصلاحيات بلا وصاية من العسكر أو غيره) بشجاعة، وإما أن تكون كمحمد نجيب تقضي بقية حياتك في الأسر.
أسرع
إما أن تكون كأردوغان أو تكون كرؤساء تركيا قبل أردوغان الذين انقلب عليهم العسكر. وتاريخ تركيا الإسلامي بعد أتاتورك وانقلاب العسكر على الإسلاميين معروف وكارثي، فاختر أحد أمرين: إما أن تكون كأردوغان، وإما أن تكون كمن أُعدموا وشرّدوا من رؤساء الجمهورية الإسلاميين، وتستطيع أن تُراجع ذلك ببساطة، فالعسكر لا أمان لهم.
وقد نصحت لك، وخسارتك معهم ليست خسارة لشخصك فقط، إنها خسارة للأمة كلها وللعالم العربي كله، إما أن يبقى متخلفا أسيرا لحكم العسكرـ وإما أن ينطلق من قيودهم التي تشبه قيود المماليك" (من "خطاب إلى السيد الرئيس"، بتاريخ 13/07/2012).

فالشاهد هنا أنّ هذا الخطاب حمل نقدًا لا طعنًا، فهل كان هذا النقد سببا في سقوط مرسي والتفرّق عنه؟ هذا هو جنس النقد المطلوب، وهو ما يسمّى "النقد البنّاء"، ومن يعترض عليه ويريد إسكات كل صوت بحجة "مش وقت النقد" فهو يجهل فائدة النقد ويحتاج إلى فهمه من جديد والتعرّف عليه.

ومن هذا الباب ندرك أنّ قائد الإدارة السياسية في سورية أحمد الشرع قد استفاد من هذا الخطأ وأحسن حين جعل الحكومة متجانسة من لون واحد، كي يتمكّن من الإنجاز والعمل بفاعلية. بل حتى حين نذكر ذلك ونشيد به مقارنة بتجارب سابقة يكون هذا الخطاب كله "نقدًا". لكن النقد الأهم هو النقد البنّاء، أي الذي يشير إلى المشاكل ويقوّمها، والسيد أحمد الشرع ليس منزّهًا عن الخطأ، فإنْ أحسن في ملفات فقد يسيء هو أو أحد المسؤولين في إدارته في ملف آخر، مما يستدعي النقاش والتقويم وطرح الرؤى في المجال العام.

والأمم الناهضة هي التي يكون الخطاب النقدي في مجالها العام حيّا، ولا تنظر إليه باسترابة، بل تدرك أنه حالة صحّية ضرورية لاستمرارية الأمة وبنائها، أما الأصوات الداعية إلى ترك النقد في أي مرحلة بحجة البناء وأنها حالة حرجة أو غير ذلك من العلل، فهي أصوات غير واعية، وتقدّم بهذه الدعوة أسوأ نصيحة لأمتها والقائمين على قيادتها السياسية.

شريف محمد جابر

29 Dec, 20:31


حتى لو كان أحمد الشرع أخلص الناس في سورية وأكثرهم تفانيا، فإنّ وضع الثوار وفصائلِهم بيضَهم كلّه في سلّته خطيئة كبرى، فهو ليس معصومًا، وقد يزلّ ويقع في مسار يعاكس مصلحة أهلنا هناك ومصلحة الأمة عمومًا.

وأكثر ما ينفع أهلنا في سورية اليوم التقليل من التعظيم والمديح، والتكثير من النقد والمراجعة وبثّ الوعي السياسي بين الناس وتحصينهم من المسارات الاستبدادية سياسيا أو العلمانية قانونيّا أو الرأسمالية المتوحّشة اقتصاديّا، بغير نبرة عدائية تخوينية، فهذه هي الممارسة الأفضل للوقاية من أي مصير سيّء يمكن أن تقع فيه البلاد في المستقبل القريب أو البعيد.

شريف محمد جابر

29 Dec, 06:42


بخصوص لقاء السيّدة عائشة الدبس جزاها الله خيرا على حرقتها على الدين وصدعها بمرتكز الشريعة الإسلامية، فرأيي أن فكرة وضع ناطقة أو مسؤولة عن مكتب لشؤون المرأة مرتبط بقيادة "سياسية" هو أحد الأخطاء. أنت في هذه الحالة تصنع شيئا للجدل والرد على الجدل فحسب.

وبخصوص كلامها فلو أنّها تمسّكت بثوابت الدين في خطابها وأضربتْ عن جميع الشوائب العلمانية المعاصرة لكان خيرا لها، ففكرة "تمكين المرأة" التي تنادي بها هي من ممارسات الخطاب النسوي المعاصر الراسخة، وهي فكرة ذات جذور علمانية غربية، ثم هي في الوقت نفسه ترفض النموذج "العلماني" كما تقول وتدعو إلى نموذج محلّي نابع من عاداتنا وتقاليدنا!

كما أنّها تدرك كما يبدو من خطابها كيف يسعى النظام الدولي ومنظماته إلى فرض نموذجه التغريبي للمرأة، ثم تدعو في اللقاء نفسه المنظمات الدولية لمدّ يد العون في ملف المرأة! وهي دعوة لا تتّسق مع بناء النموذج "المحلّي"، كما أنّ هذه المنظّمات لا تقدّم درهمًا أو دعمًا بغير تدخّل قيمي يحاول فرض النموذج التغريبي، ثم تقول: "لن أفتح المجال لمن يختلف معي بالفكر"!

وفكرة النموذج الوطني السوري الخاص للمرأة الذي تريد "صناعته" هي أيضًا فكرة طوباوية لا حقيقة لها، إذ لا تتميّز المرأة المسلمة في سورية عن سائر نساء المسلمين، أما إذا كانت تقصد عموم النساء في سورية من مسلمات وغيرهن (وهو المقصود غالبا بهذا الخطاب الوطني) فكيف تقول لنا عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا وجذورنا وحضارتنا وهي مختلفة في جوانب كثيرة بين المرأة المسلمة والمرأة المسيحية على سبيل المثال؟ وهل ثقافة المرأة العلوية في الساحل كثقافة المرأة المسلمة المحافظة في حمص؟

لماذا نضحك على أنفسنا ونحاول تقديم خطاب ضعيف يثير النقد والامتعاض والجدل أكثر مما ينفع؟ لماذا ندخل إلى عشّ دبابير بدون أي جاهزية؟ وماذا تتوقع سيّدة مسلمة فاضلة حين تخرج للتحدث عن نموذجها "الإسلامي" في فضاء الإعلام لمجتمع غير متجانس فكريا غير إثارة الجدل حتى لو خفّفت نبرتها الإسلامية وطعّمت كلامها بمفردات علمانية كتمكين المرأة والخطاب الوطني واستقطاب المنظّمات الدولية؟ الواقع أنّ هذه "التطعيمات" لم تنفعها بشيء، وأثارت الجهات التي كان يراد خطب ودّها.

كان بالإمكان الاكتفاء بإنشاء قسم لرعاية النساء المنكوبات من الحرب ومن نظام الأسد عمومًا، يركز على الرعاية الاقتصادية والنفسية والاجتماعية لهنّ، ومعالجة الجراح التي سببها النظام خلال الثورة وقبلها. وإذا كان لهذا القسم خطاب إعلامي فليكن متمحورا حول مفردات هذه الرعاية وخططها ومحاورها ومنجزاتها، فهذا الذي يتفق عليه الجميع ويحتفي به الجميع.

أما الجوانب الفكرية والمعايير القيمية بخصوص حياة المرأة وعلاقات الجنسين فلتكن مهمة الدعاة ومؤسساتهم في المجتمع، وليُترك المجتمع ليصنع نموذجه (مع إشكالية فكرة "النموذج" هذه) بغير وجود قسم تابع لجهة سياسية. أما الجوانب التشريعية والقانونية فلتتم لاحقًا عبر الحكومة ومجالسها المنتخبة بغير هذا التمهيد المستفزّ في الإعلام، فهو يحشد الخصوم، وكأنّك تقول لهم: انتبهوا، حين أمسك الحكومة فسأفعل كذا وكذا مما لا يسرّهم، وابدأوا من الآن في حشد خطابكم الإعلامي المضادّ الذي سيرهقني ويدخلني في جدليات فارغة في هذه المرحلة الحرجة!

هذا والله أعلم.

شريف محمد جابر

28 Dec, 07:00


من ملامح القيادة النبوية أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يقزّم شخصيات أصحابه رضي الله عنهم، لم تكن الأضواء مسلّطة عليه وحدة في السيرة، رغم الهوة العظيمة بينه وبينهم. ولذلك وجدناهم يبرزون في حياته فيكون لهم شأنهم ورأيهم و"شعبيّتهم" إن جاز التعبير على تنوّعهم، ولم يكن الأمر مقتصرا على اثنين أو ثلاثة، بل على العشرات من القيادات البارزة ذات الشأن و"الكاريزما" بلغة اليوم، دون أن تهدّد هذه الشخصية القيادية العالية لكلّ منهم وحدة الجماعة، بل كانت عنصر قوة لها ضمن استمراريّتها.

وحين انتقل إلى جوار ربّه صلوات الله وسلامه عليه، لم تنكسر الحركة الكبرى التي أسّسها في المدينة، بل بقيت رغم حروب الردّة صامدةً بقوة، ثم سرعان ما انطلقتْ إلى سائر البلدان فتحًا ونشرًا للهداية. بل حتى حين قُتل ثلاثة من القيادات الأربع الأبرز، لم يكن ذلك ليفتّ في عضد الجماعة، بل حافظت على وجودها وهويّتها وشريعتها واستمرّت في الانطلاق إلى سائر البلدان فتحًا وتمكينًا للدين.

لم تتفكّك الجماعة، ولم تنكفئ على أزمات داخلية ولا على فراغ داخلي أدّى إلى توقّف الانطلاق ولعق الجراح، وهو ما يدلّ على قوة هذه الأمة بقوة الرجال القياديين الذين ربّاهم النبيّ صلى الله عليه وسلّم. ولا بدّ أن تُدرَّس التربية النبوية للقيادة جيّدا، خصوصا ونحن نرى حركات إسلامية اليوم من مختلف التوجّهات، تضع الثقل في شخصية واحدة، وتتسلّط الأضواء الإعلامية عليها وحدها، بل تكاد تُنسب إليها الإنجازات وحدها، ونادرا ما تتجاوزها إلى شخصية أخرى معها، بل عادة ما يكون مَن حولها رجال بلا كاريزما ولا ملامح قيادية، مما يجعل قطف رأس هذه الشخصية ضربة مزلزلة للجماعة، تربك حركتها وتدفعها إلى التخبّط!

لا بدّ لأيّ عمل إسلامي من تعدد بناء القيادات، وتوزيع هذه القيادة وفقًا لجوانب التخصص والمهارة المختلفة. و"الزعيم" الذي يخاف من نموّ القيادات الأخرى فيسعى إلى عزلها بمختلف الطرق لا يعمل لقضية سامية بقدر ما يعمل لذاته ولتحقيق مطامحه الشخصية!

ولا بدّ من العمل المؤسسي الذي يضمن الاستمرارية حتى في حالات فقدان القيادات. ولقد كان حبّ الله تعالى وحبّ رسوله صلّى الله عليه وسلّم والولاء للإسلام والمسلمين واتّباع الشريعة مع وجود "الجماعة" القوية التي تراقب السلطة وتكبح جماحها وتُرشّد حركتها بمنزلة "المؤسسة" في العهد الراشد، فهي التي جعلت ذلك الجيل الفريد يميّز بين "الأشخاص" و"القضية"، وهو درس أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: "ألا من كان يعبد محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ محمّدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت".

وهو قبل ذلك درس القرآن الخالد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 144).

شريف محمد جابر

27 Dec, 12:01


حتى تدركوا جذرية ما حدث في سورية: يمثل سقوط نظام الأسد فرصة لم تحدث منذ خروج جيوش الاستعمار الأجنبي من بلادنا، فقد حرصت قوى الاستعمار وعلى رأسها أمريكا التي ورثت الاستعمار القديم على إبقاء أنظمة وجيوش وقيادات يمكنها التفاهم معها أو الاستحواذ عليها وتقزيم بلادنا العربية الإسلامية لخطورة استقلالها على مصالحها في المنطقة، فلم يستقل بلد عربي بمعنى أن تمسك قيادته ومفاصل القوة فيه نخبة يفرزها الشعب تعكس دينه ومواقفه وتطلّعاته.

كانت الأداة المثلى للهيمنة هي السيطرة على قيادات الجيوش، وهي مؤسسة خطيرة صعبة الكسر والاختراق من قبل الإسلاميين، وقد كانت هناك محاولات لذلك قديما ولكنها لم تفلح، وازدادت هذه المؤسسة بعدا عن الخير وتحقيق آمال الأمة. وهذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها هدم هذه المؤسسة تماما، وإعادة بناء الجيش بواسطة قوى الثورة التي تمثل إرادة الأمة، لا على عين الاستعمار وعلى هواه.

والسؤال هنا: هل سنتعلّم من درس جيوش ما بعد الاستعمار التي توهّمنا أنها كانت "استقلالا" فكانت استمرارا للاستعمار ولكنْ بصورة غير مباشرة؟ هل سنبذل الجهد للتعلّم من درس التاريخ الحديث هذا، ومن درس التاريخ القديم (سيطرة العسكر المحترفين على الملك منذ عصر الدولة العباسية) ودروس الأمم الناهضة الأخرى التي تعزل الجيش عن التدخل في السياسة والتعدّي على خيارات الشعب؟

في نظري هذه هي أهم الوسائل لتحييد خطورة الجيش على الأمة:

- بناء ثقافته وعقيدته العسكرية من جديد بقيم شرعية أخلاقية عالية، فهي أكبر ضامن بعد الله لعدم انحرافه ووقوعه في قبضة الخارج، فحين يتربّى القادة والجنود على حرمة موالاة أعداء الله والأمة، وعلى حرمة دماء المسلمين، وأن دورهم حماية حقوق الأمة وحفظ أمنها وصيانة حرماتها، وأن للحاكم (الرئيس) حق الطاعة العليا، فحينها سيكون اختراق هذا الجيش والانقلاب على إرادة الأمة والوقوع في قبضة الأعداء أصعب.

- بناء ثقافة شعبية راسخة تكره الانقلابات العسكرية وتقاومها، وتدرك أن تدخّل الجيش في السياسة مدعاة لعدم الاستقرار وتأخر التنمية فضلا عن اغتصاب الحقوق، وتمنع تدخل الجيوش في الخيارات السياسية، إلا في حالات الانقلاب على إرادة الشعوب أو تدخل خارجي أو الاعتداء على دين الأمة، فحينها يتدخل الجيش ليردّ الحقوق السليبة ويدفع الصائل ويعيد حق الأمة في اختيار من يحكمها ويؤمّن مشاركتها في الحكم. وكلّما اعتادت الأمة على اختيار من يحكمها من خلال ممثّليها، ستكون أمنع من اغتصاب هذا الحقّ.

- تقييده دستوريا بمواد تجعله منقادا لرئيس الدولة، مع مواد تشدد على أي خروج عن هذا المبدأ وتحظر أي تكتلات سياسية أو أيديولوجية أو طائفية داخل المؤسسة العسكرية، وتحدد وظيفة الجيش في حماية الأمة والبلاد، كما تقطع الطريق على من يعادي دين غالبية الأمة من الانتساب إلى الجيش ومن ثم من الوصول إلى مراكز قيادية فيه. مع وجود هيئة رقابية من خارج الجيش تكون مشكّلة من ممثّلي الشعب لإجراء رقابة دورية على الجيش تضمن عدم خروجه عن وظيفته وعن التقييدات القانونية والدستورية.

- تقييد الأنشطة الاقتصادية للجيش، بخلاف ما يحدث اليوم في بعض المزارع العربية التي تسمّى دولا، حيث يمتلك الجيش وقياداته مقدّرات اقتصادية هائلة تجعل من تدخّله في الشؤون السياسية والاقتصادية للبلد واقعًا مفروضا.

- الحدّ من ارتباط الجيش بقوى خارجية، خصوصا في سياق التسليح والمناورات والدفاعات المشتركة والبعثات العلمية وما شابه، والعمل بشكل حثيث على الاكتفاء العسكري من خلال الصناعات العسكرية المحلية في أسرع وقت، والابتعاد قدر الإمكان عن تلقي الأسلحة ورفض المساعدات الاقتصادية من الدول الاستعمارية وتلك التي لها توجهات تعادي دين الأمة ومصالحها، فهي لا تقدّم هذه المساعدات لسواد عيوننا، بل لها مآرب أخرى.

شريف محمد جابر

26 Dec, 20:26


#غراس | #مرئيات
📍مشكلة الانتماءات الفرعية..

📌مقتطف من لقاء الأستاذ شريف محمد جابر تحت عنوان: "حوار الهوية" ضمن برنامج مخيم غراس الصيفي الأول

#غراس_للإنتاج_الفكري

شريف محمد جابر

25 Dec, 18:38


هذا الكتاب قراءة واجبة على الشباب..

وخصوصا شباب المسلمين في سورية الحبيبة، هذا واجب اللحظة لإدراك عمق المأزق في تغييب شريعة الله عزّ وجلّ.

والأستاذ الشهيد عبد القادر عودة رحمه الله هو أحد أعلام القانون، يتحدث عن خبرة وعلم بتفاصيل القانون الوضعي مع علمه بالشريعة. وهو كتيب قصير يُقرأ في يوم أو يومين، ولكنه يملأ العقل والقلب همّا شريفًا نبيلا لا غنى عنه لمسلم.

تنويه: النسخة التي أصدرها موقع هنداوي حُذف منها آخر فصوله وهو من أهم فصوله، ولا أدري سبب حذفه، ولذلك لم أرفقها.

👇🏼👇🏼👇🏼

شريف محمد جابر

25 Dec, 13:40


ماذا يعني أن تكون الدولة "إسلامية"؟

ألاحظ أن كثيرا من المسلمين مع الأسف يجهلون الفرق بين دولة المواطنة العلمانية المعاصرة وبين الدولة الإسلامية التي ينادي بها الكثير من الدعاة منذ عقود طويلة، بل يزداد الالتباس تحت تأثير التنظيرات "الإسلامية" التي حاولت التوفيق بينهما "ويا دار ما دخلك شرّ"!

وأحب أن أقول ابتداءً: إنّ الفارق الأساسي بين الدولة العلمانية الحديثة وبين الدولة الإسلامية يتمثّل في نقطتين: الولاء والتشريع. فالحدّ الأدنى لأي دولة إسلامية، كي تكون دولة شرعية: الاجتماع على الإسلام رابطة ولاء والانتساب إلى الشرع في الأحكام.

ولذلك ففي أي قطر من أقطار المسلمين يصل فيه أهل البلاد المسلمين إلى الحكم، مع التخلّص من الاستبداد والتبعية للخارج، ينبغي العمل على الانتقال من دولة القانون الوضعي إلى دولة الشريعة، ومن دولة المواطنة إلى دولة الرعاية الإسلامية.

والفرق أنّ دولة القانون الوضعي توكل مهمة التشريع إلى أهواء البشر ومصالحهم، وإلى مجموعة لا تحمل شروط الخبرة والكفاءة سوى "التمثيل" من خلال الانتخابات.

أما في في دولة الشريعة فتكون السيادة العليا للشريعة، ويحظر سنّ أي قانون أو تشريع يخالفها، والذين يستنبطون الأحكام الجديدة للحالات المستجدة هم "فقهاء"، والمنظومة التي يعتمدونها ليست أسس القانون الوضعي التي تدرّسها كليات الحقوق، بل الكتاب والسنّة وما حُمّل عليهما بطرق الاجتهاد المنضبطة الموضّحة في كتب أصول الفقه.

أما دولة المواطنة فهي تجعل الحقوق والواجبات مبنية على المواطنة بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو الانتماء السياسي، بينما ترعى دولة الرعاية الإسلامية البشر الذين تحكمهم بناء على أحكام الشريعة، وصحيح أنها لا تفرّق بحسب العرق، ولكنّ منظومة الحقوق والواجبات تختلف بحسب اختلاف الجنس أحيانا (واجبات الرجل وحقوقه ليست كواجبات المرأة وحقوقها)، وبحسب اختلاف الدين (المسلم الحامل لرسالة الدولة له من الحقوق وعليه من الواجبات ما ليس لغير المسلم الذي لا يحمل رسالة الدولة أو الذي يحمل رسالة تعادي الدين كالعلمانية أو الشيوعية).

وأساس دولة الرعاية الإسلامية أنها هيئة الاجتماع السياسية للمسلمين أو لمجموعة منهم، ترعى مصالحهم وتصون محارمهم وتحمي حقوقهم، دون أن تظلم أحدًا ممن دخل في سيادتها بل تحفظ حقوقه ومصالحه ومحارمه، لكنها لا تتنازل عن رسالتها ولا تنسلخ عن أهدافها الإسلامية لمجرّد وجود فئات من الأقليات غير المسلمة، فالمسلمون أمة واحدة من دون الناس: (جاء في صحيفة المدينة: "هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن اتّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنّهم أمة واحدة من دون الناس"). كما أن الدولة الغربية العلمانية لن تتنازل عن علمانيّتها لمجرد وجود مسلمين فيها يرفضون العلمانية، ولا يمكنها الانصياع إلى شريعتهم كي لا يقال إنها دولة إقصائية!

وفي الوقت الذي تركّز دولة المواطنة على "المواطن" وترعى مصالحه في المقام الأول، وتتعامل بإجحاف تجاه كل إنسان يخضع لسيادتها ولا يكون مواطنا حتى لو كان مسلمًا يدين بدين غالبية أهل البلاد، أو حتى لو مكث فيها عشرين عاما بغير جنسية؛ فإنّ دولة الرعاية الإسلامية ترعى مصالح جميع البشر في نطاق سيادتها، وتسوس حقوقهم المالية والسياسية والصحية وغيرها بناء على أحكام الشريعة لا على حملهم المواطَنة.

وهي لا تعطي المواطن القاطن فيها حقا وهميّا في جميع حدودها المترامية فقط لكونه مواطنًا يحمل جنسيّتها، بل حقوقه المالية وغيرها مرتبطة بما يملك كفرد من أرضٍ أو عقار، ويكون فيها متساويا مع كل إنسان، طالما أنّ جميع من يخضع لسيادتها يلتزم بكل الواجبات التي عليه، فلا تجبي الأموال من المقيم فيها لسنوات طويلة وتنتفع بنشاطه التجاري ثم تحرمه من الحقوق السياسية والمالية والصحية والتعليمية التي تمنحها للمواطن لمجرد أنّه يحمل جنسيّتها. وهي لا تقدّم في الحقوق غير المسلم المعادي لرسالتها ودينها لمجرّد كونه مواطنًا على المسلم الذي لا يحمل مواطَنَتها.

وحين ننظر إلى أقطارنا الحالية ندرك تمام الإدراك مدى بعد هذه الكيانات السياسية عن الإسلام، وندرك حجم الدجل الكبير الذي يمارسه بعض المسلمين مع الأسف في محاولة التوفيق بينها وبين الإسلام، أو من خلال الزعم بأنّه لا يوجد في الإسلام أي تصوّر يتعلّق بالدولة. والاجتهادات بطبيعة الحال مفتوحة طالما أنها تلتزم بهذه الأسس الشرعية الواضحة، والمسلمون قادرون على بناء نموذج سياسي يلبي معايير شريعتهم، أما الزعم بأنّ ذلك مستحيل فهو زعم باطل، والأسباب الأساسية لعدم تحقيق ذلك تكمن في ثلاثة أمور: نقص العلم والوعي، وانعدام الإرادة، وانعدام القدرة. والله الموفق.

شريف محمد جابر

24 Dec, 08:44


الإخوة الكرام في سورية..

كنت قد بشّرتهم بالانقطاع قليلا عن الكتابة هنا لأريحكم قليلًا من منشوراتي اليومية وأريح نفسي من النقاش والردود على التعليقات، فهو يستهلك وقتا ثمينا يأتي على حساب أداء المهام.

وها أنا ذا أخلف بوعدي لِما أراه من خطاب يشيع الآن في الساحة السورية، واعذروني إن لم أتفاعل مع بعض التعليقات التي ربما أعود إليها لاحقا.

ستواجهون الآن خطابًا فكريا يتميّز بالغلوّ والحدّة، تجاه كل ما يتعلّق بسياسة الإدارة الجديدة، وهو خطاب يقف عند كل خطوة وكل تصريح مندّدًا أو مخوّنًا أو مبيّنًا مخالفة هذه الإدارة للشريعة.

ليس كل هؤلاء دواعش، وليس كل ما يقولونه باطل، بعض ما يقولونه سطحي وغير دقيق، وبعضه باطل، وبعضه صحيح لكن في غير محلّه ووقته، وبعضه ينظر من زاوية واحدة ولا ينظر من الزوايا الأخرى، وبعضه صحيح وفي محلّه ووقته لكن عابه نبرة حادّة عدائية فأفسد وسيلة وصوله لقلوب الناس وعقولهم.

وفي مقابل هذا الخطاب، الذي تعب منه الإخوة في سوريا وتبنّته داعش، سيروّج آخرون لخطاب في غاية الميوعة والترهّل، وهو خطاب أقرب إلى "التطبيل" من جهة، وتسويغ كل ما تفعله الإدارة سواء بأنّهم أدرى ببواطن الأمور أو من خلال تلبيس ثوب الشريعة عليه، أي يتجهون إلى النصوص ويلوون أعناقها أو إلى نصوص في غير محلّ الاستشهاد ليسوّغوا تلك الأفعال. ومن جهة أخرى سيترافق مع هذا الخطاب خطاب آخر تنظيري يحاول المواءمة بين الدولة العلمانية والدولة التي تقيم دين الله، فيهوّن من مخالفة قبول غير شرع الله في الأحكام والاجتماع على غير الإسلام رابطةَ ولاء.

من أجل ذلك كلّه أصدرت عام 2015 كتابا صغيرا بعنوان "الخطاب المريض: جراحة استئصالية لأفكار سرطانية"، وهو مجموع نصوص كتبتها في ذروة صعود خطاب الغلو مع داعش وغيرها، وناقشت فيه القضايا التي ستعود إلى الواجهة الآن مما يتعلق بالمصطلحات السياسية الغربية كالديمقراطية وغيرها، أو بالمشاركة السياسية والانتخابات، والخلافة والدولة وإقامة الشريعة وإرادة الشعب وغير ذلك من القضايا المرتبطة.

لا بد من الإدراك بأنّ خطاب الغلوّ يدفع بعض المخلصين إلى النفور من حدّته وسطحيّته ومن ثمّ إلى تبنّي خطاب مائع لا طعم له ولا لون ولا رائحة، وهو محاولة للتصالح مع القيم السياسية الغربية المعاصرة والخضوع لها وتلبيس الأمر على الناس بخصوصها مع ما فيها من فساد، وذلك من خلال التساهل في قبولها أو مواءمتها مع الإسلام.

ولا بد مع ذلك من خطاب متّزن لا يأخذ مسلك ردود الفعل، بل كما قال شيخنا عبد المجيد الشاذلي رحمه الله: "يجمع بين اتباع الحقّ ورحمة الخلق، بيان الحقيقة ومراعاة الواقع، المرونة مع الثبات على المبدأ والاحتفاظ بالهدف". ورحم الله الشيخ الشاذلي، كان إمامًا لم يُرَ مثله في عصرنا في باب السياسة الشرعية وقضايا الدولة، وكان أبو يزن الشامي رحمه الله، أحد روّاد تجديد الخطاب في الثورة السورية، شديد التأثّر به كما ظهر في محاضراته وكتاباته. ومن باب الاعتراف بالفضل لأهله أقول إنني استفدت في هذا الكتاب أشدّ الاستفادة من كتب الشيخ عبد المجيد الشاذلي ومحاضراته، فقد وجدت لديه مفتاح حل الكثير من الإشكالات.


رابط الكتاب: https://t.me/sharefmg/119

أرجو لكم قراءة نافعة، ولا تبخلوا بإرساله لأصحابكم ممن لمستم لديهم التخبّط في هذه القضايا التي تطرح الآن.

شريف محمد جابر

22 Dec, 19:48


سأنقطع لمدة قصيرة لإتمام كتاب حتى بداية العام الجديد بإذن الله، ولكني أترككم مع بشرى للقراء الذين طلبوا كتابي الأخير "لماذا هجرنا القرآن في بناء أصول الإيمان؟" بصيغة إلكترونية، فهو متوفر الآن على موقع مركز غراس للإنتاج الفكري بصيغة PDF، إلى جانب توفره ورقيّا عن مكتبة الأسرة العربية.


رابط التحميل: https://ghirascenter.org/2024/12/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d8%ac%d8%b1%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7/

أرجو لكم قراءة نافعة..

شريف محمد جابر

21 Dec, 22:41


إسلاميّو مصر هم أعلى النخب الإسلامية ثقافة، وأغزرهم إنتاجا، وهم متقدّمون بمراحل على غيرهم، هذه في نظري حقيقة لا ينبغي تجاوزها.

ربّما الصورة الراسخة في الأذهان حاليا هي صورة المهزومين الذين استطاعت الدولة خداعهم والانقلاب عليهم وزجّهم في السجون أو تشريدهم في المهجر، وأنهم آخر من يمكن الاستفادة منه ومن يقدّم النصح لثوار هدموا الدولة كاملة في سوريا.

لكن الحقيقة أنهم بذلوا ما بذلوه مشكورين، وإنْ أخطأوا كثيرا بلا شكّ، وربما لو كان غيرهم في مكانهم لعمل مثل عملهم، فلكل بلد طبيعة مختلفة سواء في بنية الدولة ومكوناتها، أو في التركيبة السكانية وغير ذلك.

وكل ذلك لا يلغي أنهم أصحاب الذخيرة المعرفية والتنظيرية الأغزر التي ينبغي على المسلمين من شتى أنحاء المعمورة الاستفادة منها، وخصوصا في سوريا. إلى جانب تجربة طويلة ومحاولات عديدة يمكن الاستفادة من خطئها قبل صوابها.

شريف محمد جابر

21 Dec, 16:58


في السياسة الدولية لا تكمن الحكمة في مجرد الاستجابة لمعايير القوى الكبرى لتحصل على الاعتراف وتخرج من العقوبات والحصار، فهذا يستطيعه كل أحد، بل الحكمة في ألا تستمر على هذه الخطة إلى الأبد، وألا تتحول هذه المعايير إلى معاييرك الخاصة، وألا تصبح "جلّادًا" عند القوى الدولية تقدّم مصالحها على مصالح أمّتك.

والتجارب السابقة تعلّمنا أن الساسة العرب عادة ما يفشلون في الخروج من "حمّام" الأمريكان، لأنّ "دخول الحمّام مش زي خروجه" كما يقول العامّة. وفي الوقت الذي تقدّم لك أمريكا الدعم والشرعية، فإنّها تدسّ لك شباكها التي تأسرك في منظومتها الدولية والاقتصادية، حتى إذا "لعبت بذيلك" صفعتكَ لتتذكّر حجمك!

وفي نظري أن لبدايات العلاقة مع النظام الدولي أثر كبير في المراحل القادمة، وهي مرحلة حساسة جدا، تحتاج إلى مهارات في التفاوض والحوار، لا ترتكز فقط على إظهار قبول المعايير و"الخضوع" لكل ما تريده القوى الدولية للحصول على الاعتراف والمسرّات الاقتصادية، بل تشتمل على مساحات من "الاستغناء" و"البدائل" يُعمل على بنائها وتنميتها، وعلى إظهار أوراق القوة التي تحسب تلك القوى حسابها، فكل عملية تفاوض أيّا كانت لا تحمل هذين العنصرين تؤدي إلى تحكّم الطرف الأقوى في العلاقة.

وإذا كانت "حنفية" التنازلات "تخرّ" عند كل ضغطة صغيرة، فإنّ هذا سيشجّع نهم تلك القوى على المزيد من الضغط، لا على التقليل منه. ولا بدّ من انتهاج سياسات أخرى تنمّي خيارات الاستغناء وتعزّز البدائل وتعرض أوراق القوة التي يجب عدم الاستهانة بها، وهي التي تكبح مسار التنازلات (التي تكون مطلوبة في مرحلة ما) عن أن يتحوّل إلى انزلاق سريع في قبضة القوى الخارجية.

حتى فأرة المنزل الضعيفة بإزاء وحش كاسر يحمل فأسًا، لديها من نقاط القوة حين تهدّد هذا الوحش بقرض أرضية منزله الخشبية من الأسفل، وربما احتاج إلى تكسير تلك الأرضية كلها بفأسه حتى يجدها، وهو لا يريد دفع تلك التكاليف!

ولذلك فإنّ أرضية التفاوض لا تكون بالتركيز على تقديم "التطمينات" فحسب، بل بقراءة شاملة لنقاط القوة الذاتية ونقاط ضعف الطرف الآخر وللخيارات والبدائل، وبغير هذه القراءة الشاملة والتفاوض بناء عليها تكون نتائج التفاوض بخلاف مصلحة الأمة على المدى البعيد، مهما حملت من مباهج على المدى القريب.

شريف محمد جابر

21 Dec, 09:09


مع سقوط نظام بشار الأسد يسقط آخر نظام قومي عربي بعثي في عالمنا العربي، ورغم أن علاقته بالقومية قبل سقوطه بمدة طويلة كانت منعدمة نظرًا لتحوّله إلى حزب طائفي رهين قوى أجنبية كروسيا وإيران، فلا بدّ من الالتفات إلى "رمزية" اللحظة وما تعنيه.

كانت أزمة القومية العربية الآفلة أنها داعبت عند نشأتها وجدان العرب بشعارات رومانسية عالية الوتيرة، أكتب الآن وفي خلفيّتي نشيد حزب البعث العربي الاشتراكي:

يا شباب العُرب هيّا .. وانطلق يا موكبي
وارفع الصوت قويّا .. عاش بعثُ العربِ

أقول: داعبتْ وجدانهم لكنّها حاولت وضعه في إطار هجين مستورد من أنظمة الأمم الأخرى، فلا هي حقّقت آمال هذا الوجدان حين حكمتْ، ولا استطاعت تطبيق تلك النظم البالية كالاشتراكية، وتحوّلت إلى أنظمة استبدادية قمعية تنتهك حريّة الشعوب وتمزّق وحدتها.

ونشهد في هذه الألفية صعودًا متجدّدا لا يكلّ للتيّارات الإسلامية، ومنذ أن اندلعت شرارة الثورات العربية وجدنا الإسلاميين في مقدّمة هذه الثورات، هم خبزها وملحها، وهم قادتها وحماتها، ورغم ما حدث لهم من عثرات وانتكاسات نجدهم ينبعثون من رماد انتكاساتهم وعثراتهم، ويفاجئون العالَم بوجوههم الملتحية في الواجهة في كل مرّة!

لكنّ مشكلة الإسلاميين لا تختلف كثيرا عن مشكلة القومية العربية، فإذا كانت القومية العربية تداعب الوجدان بوحدة عربية تستعيد المجد السليب، فقد داعب الإسلاميون هذا الوجدان بما هو أكثر أصالة، وهو دين الإسلام الذي حقّق المجد والظهور والنهوض لأهل هذه المنطقة العربية، وشمل في طيّاته العربية والعروبة لغةً وقوميةً، ولكنّهم لم يبنوا مشاريع نضالهم السياسي والثوري الساعي إلى امتلاك السلطة على أسس من دينهم وحضارتهم السليبة، بل استعاروا القوالب الغربية الشائعة وحاولوا المواءمة بينها وبين ما يردّدونه من شعارات.

لم يحمل الإسلاميون ولا القوميون قبلهم من الرؤى والمشاريع ما يتواءم مع ما رفعوا من شعارات وداعبوا من وجدان، ممّا يجعل مشاريعهم السياسية عرضة للاهتزاز والتردّي على الدوام. والإسلاميون تحديدًا، لم يستفيدوا من تلك الذخيرة الشرعية الضخمة المؤهِّلة - أكثر من أي نظام وحضارة في العالم – لبناء رؤية سياسية واقتصادية تفصيلية، متفرّدة في مضمونها ومتخلّصة من عيوب الأنظمة الغربية المعاصرة.

إنّ كل ثورة قامت وأحدثت تغييرا حقيقيّا وبناء نظام جديد ناهض كانت تحمل إلى جانب الشعارات الصادقة الملهبة للجماهير مبادئ وقيمًا ولاحقًا مشاريعَ لبناء نظام جديد مفارق للنظام القائم، أما الثورات التي اندلعت كالشرارة ثم وجدت نفسها على سكّة النظم السابقة أو السكّة التي توضع لها بقوة النفوذ الدولي، فقد رأيناها رأي العين تعود بعد التعب والتضحيات من حيث أتت؛ إلى الاستبداد والضعف والتخلّف والتبعية، لأنّها لم تمتلك رؤيةً ومشروعًا منبثقين من ضمير الأمة، ومضت في الركب الذي لم تحدّد هي وجهته، فضلّت وأضلّت.

وإجابة عن السؤال المتكرّر مؤخرا: هل لدى الإسلاميين أصلا رؤى تفصيلية لنظام سياسي؟

سأطرح في القادم بإذن الله شيئا من الذخيرة التنظيرية الكبيرة التي أنتجها إسلاميون في العقود الأخيرة، وما زلت أعتقد أننا لم نقرأ الإسلاميين جيدا، وأن هناك فصامًا نكدًا بين أهل السياسة والسلطة منهم وأهل الدعوة والتنظير، والعمل على حلّ هذا الفصام من أهم الخطوات للمرحلة القادمة، فالنقاش والمراجعة والتعديل ومحاولات التطبيق هي الأساليب العملية للوصول إلى الأنظمة التي تلائمنا وقبل كل شيء تتناسب مع شريعتنا.

شريف محمد جابر

20 Dec, 17:02


وأنا أدرك أن المرحلة الآن مرحلة إطفاء حرائق وتوحيد البلاد ومنع النزعات الانفصالية وإسقاط العقوبات وغير ذلك بالنسبة لأصحاب القرار، لكن هذا لا يمنع النخب الدعوية والفكرية الواعية من بدء تأسيس هذا الخطاب للمرحلة القادمة، فالمسلم العاقل يستبق اللحظة ويؤسس لها، لأنّ الوقت لا ينتظر، وقد سبقكم غيركم من العلمانيين المعادين لدين الأمة في التأسيس لمفاهيمهم الباطلة، وستكون هناك لحظة تأسيسية لبناء الدولة وشكل الحكم دستوريّا، وينبغي على النخب المسلمة التمهيد لهذه اللحظة بخطاب هادئ متّزن، وإيصاله إلى أكبر قدر من الناس في ربوع سوريا، لتصبح الشريعة ورفض العلمانية مرتكزًا أساسيا في بناء النظام السياسي عند غالبية الشعب والله الموفق.

شريف محمد جابر

20 Dec, 17:02


هناك من يرى ضرورة تأجيل أي كلام عن مرجعية الشريعة في بناء الدولة في سوريا، وأي كلام عن نموذج سياسي مختلف عن النموذج الغربي، وأنّ علينا المضيّ في الوصفة الغربية لشكل النظام السياسي والاقتصادي. والسبب: أن البلاد ضعيفة ومفككة، والضغط الدولي كبير ومتربّص، وهذا سيؤدّي إلى مفاقمة الأوضاع.

لكنّي أنظر إلى الأمر برؤية مختلفة، وهي أنّنا جربنا الوصفات الغربية لشكل نظام الحكم والاقتصاد على مدى نحو قرن، وآلت جميعها إلى كوارث دفعنا تكاليفها دماءً ودمارًا وتهجيرًا وحروبًا وصراعات، لم يفلح أي نظام حكم في سوريا سواء كان برلمانيا يضمن حياة نيابية فيها تعددية حزبية (حكومات هشّة متغيّرة) أو كان نموذج الحزب الواحد مع نزعة اشتراكية (استبداد وقمع وسفك للدماء)، وجميعها لم تحقق أي لُحمة أو استقرار ونهوض، وسبب ذلك أنها نظم هجينة، تفتقد إلى الانسجام مع ذاتنا الحضارية وإلى أي ضامن يحقّق الاستقرار لشعوبنا.

إنّ هذا الضامن لا يوجد إلّا في الشريعة، التي لها ضوابط جادّة محكمة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتمنع الجَور والظلم والقمع والاضطهاد، ولها في "رصيد الفطرة" بتعبير سيد قطب في كتابه "هذا الدين" ما يجعل التعامل معها مختلفًا عن التعامل مع القوانين الوضعية.

كما أننا لو عدنا إلى "رصيد التجربة" الطويل لهذه الأمة بتعبير سيد قطب أيضًا، سنجد أنّ جذور الشريعة ونظامها ممتدّة ومتجذّرة في التاريخ ولم تُقتلع تمامًا، ما يجعل أي نظام يستهدي بالشريعة والممارسات الراشدة المبنية عليها نظامًا أفضل بجميع المقاييس من الأنظمة التي جربناها في القرن الأخير، فقد مارسته هذه الأمة تاريخيّا بدرجات متفاوتة عبر قرون متطاولة، وهي تجربة مهمة لا ينبغي الانقطاع عنها بل البناء عليها.

أما الخوف من الآخرين فلن ينتهي أبدًا، والذي ينبغي مراعاته أولا وقبل كل شيء ما تريده الأمة لا ما يريده الآخرون، فهم بالتأكيد لا يريدون لك الخير، ويريدون فوق ذلك أن تستعير نماذجهم ليفرضوا سطوتهم الحضارية وليضمنوا علوّهم في الأرض. ونفسية "الآن لا نريد تبني شيء يؤلّب الغرب علينا" ستتحوّل (كما تدلّ التجربة) إلى نفسية "هذا أفضل الموجود"، ثم إلى نفسية "لا يمكن تجاوز النظام العالمي وعلينا القبول به". وهذه النفسية لا تبني دولًا ولا نهضة، ومنطق الثورة ينبغي أن يولّد مشاريع نهوض وبناء تنتمي إلى ثقافة هذه الأمة وجذورها الحضارية.

كما أنّ مثل هذا الحراك السياسي الفكري الذي يسعى إلى بناء نموذج سياسي واقتصادي يُرضي الغالبية العظمى من الشعب ويتواءم مع إرثها الديني والحضاري والتاريخي، إلى جانب ما فيه من خير للشعب نفسه وسعي لتحقيق مصلحته قبل مصلحة الغرب.. فإنّ فيه أيضًا جانبًا مشرقًا من الدعوة، وفرصة لإظهار التفوّق الإسلامي في التفكير السياسي والاقتصادي استنادًا إلى الشريعة الإسلامية، وتقديم صورة مشرقة لمفكري الغرب ونخبه عمّا يمكن للمسلمين أن يقدّموه للعالَم، وهو مجال ينشط فيه اليوم العديد من مفكري الغرب وفلاسفته ذوي الأثر.

إنّ الغرب لن يحترمك حين يراك تتبع وصفاته مع إظهار العجز عن توليد أي نموذج خاص بك، صحيح أن هناك نخبًا سياسية وحكومات ستغتاظ من تبني هذا النموذج، ولكنّ إرضاء هذه النخب والحكومات – كما تدلّ التجربة – مستحيل، هم لن يرضوا حتى يرونك في الحضيض، ضعيفًا هشًّا ممزّقًا، سواء كنت متبنّيًا لنظمهم السياسية أو لنظام خاص بك.

كما أنّ هناك نخبًا غربية أخرى ستجد في اجتراح النخب المسلمة في سوريا لتجربة مغايرة في بعض الأسس عن التجربة الغربية (مع اتفاقها في أسس أخرى)، ومغايرة في الوقت ذاته عن تجارب هزيلة كالسعودية وإيران وداعش، وفي تقديم حلول لمعضلات عجزت الأنظمة الديمقراطية الغربية عن حلّها.. ستجد في ذلك وغيره موضع تقدير وإعجاب، خصوصا إذا رافقه استقلال في القرار وقدرة على التقدّم وبناء الدولة وتقديم براعم حضارية. ففي هذا كله خير دعوة للأمم الأخرى، ونحن أمة "وسط"، ينبغي لها أن تكون شاهدة على الأمم دالة لها على الخير.

وإذا نظرنا إلى دولة النبوة فقد اتّخذت هذا الخطّ في التفرّد منذ البداية، رغم وجود نظامين ضاربين في الحضارة والتاريخ في الشرق والغرب، صحيح أنّ الدولة الراشدة استعارت بعض النظم الإدارية من هذين النظامين حين توسّعت في أراضيهما، ولكنّها لم تستنسخ نظاميهما تماما، بل احتفظت بأسس راشدة تنتمي إلى مرجعية مفارقة، وكان تمسّكها بهذه الأسس هو سرّ نهضتها وقوّتها.

شريف محمد جابر

19 Dec, 19:48


مظاهرة اليوم المنادية بدولة لادينية علمانية في سوريا، مع شعارات وقحة ترفض الحكم الإسلامي، هي من المحفّزات التي ينبغي أن تدفع العلماء والدعاة والنخب المسلمة السورية إلى العودة لبلادهم والعمل في الدعوة وتصحيح المفاهيم والإحياء الإسلامي منذ اللحظة الأولى لوصولهم.

فإذا كان هؤلاء الذين "اعتكفوا" كما يقول أحدهم 13 عامًا بعضهم صامت وآخر يصفّق لمذابح الأسد.. إذا كان هؤلاء ينشطون منذ الآن للدعوة إلى باطلهم وفسادهم، فكيف يتقاعس المسلم عن دوره ومسؤوليّته بعد كل هذه التضحيات التي بذلتها الثورة السورية؟ هذه هي في نظري الرسالة الأهم من مظاهرة العلمانيين في ساحة الأمويين.

ولا ينبغي الاستهانة بالتيّار العلماني، لا من حيث كثرته بل من حيث تأثيره بسبب الدعم الإعلامي، ولا ننسى أن بعض الشباب الذين خرجوا في ظروف مأساوية إلى أوروبا بدون أي حصانة إيمانية ولا وعي شرعي تجرّعوا الأفكار الغربية حول علاقة الدين بالدولة ويسعون إلى بثّها، وينظرون إلى كل توجّه إسلامي بنظرة عدائية. كما لا ننسى عزمي بشارة ومؤسّساته المفسدة وصبيانه الذين استقطبوا عددا من الشباب السوري خلال العقد الماضي، وهؤلاء سيكون لهم دور مشؤوم في صراع الهوية والمرجعية التشريعية في سوريا في المرحلة القادمة، وبعضهم يرتدي الحلّة الإسلامية الزائفة ليروّج من خلالها للعلمانية.

هذا دوركم أيها الشباب الحامل لرسالة الإسلام، هذا دور الأخذ بيد أهلنا في سوريا إلى برّ النجاة وتجنيبهم الانخداع بدعوات هذا التيّار التخريبي الذي هو مطيّة الاستبداد والفساد.

شريف محمد جابر

19 Dec, 06:48


مشكلة الناطق باسم إدارة الشؤون السياسية في سوريا، عبيدة الأرنؤوط، ليست في مضمون إجاباته في نظري، بل في أنّه يجيب عن كل ما يُسأل عنه.

التقنية شبه الوحيدة التي يمارسها، وأحيانا بما يضر ولا ينفع، هي الإجابة الدبلوماسية غير الواضحة، والتي كثيرا ما تكون مبهمة وتزيد الإشكالية، وخصوصا في قضايا السياسة الخارجية. لكنه في جميع الأحوال يتمركز حول نقطة واحدة: تقديم إجابات عن الأسئلة المطروحة.

ومن خلال تجربتي في الحوار والمناظرة فإنّ أي محاور جيّد عليه أن يتمكّن من توسيع آفاق الحوار وتجاوز أفخاخ الأسئلة، فحين يسأله المذيع شيئا لا ينبغي أن يتمركز كلامه حول "تقديم إجابة"، فإما أن تكون مباشرة ينتظرها المذيع ليبني عليها الإعلام نشيد جوقته، أو غامضة غير واضحة فيُتّهم بالتهرّب. بل من حقه أن يتحدث عن جدوى السؤال، وأسبابه، ودوافعه. وربّما تكون هناك علّة ما أو إشكالية في السؤال نفسه، تولد من طرحه وتقديم إجابة عليه صورة غير مكتملة، تضرّ أكثر مما تفيد. وله الحقّ في الحديث عن ذلك بل يجب عليه، فكثير من الأسئلة يعكس زاوية نظر محددة غير شاملة، والانتباه لذلك مهم.

يمكنه أن يقلب الطاولة على المذيع فيكشف عن المراد من السؤال بطريقة ذكية تدلّ على أنه "مفتّح" ولا يقع في الأفخاخ الإعلامية التي تهدف إلى إثارة الجدل والتشويش على الأهم.

يمكنه تحويل المرجعية في الإجابة إلى جهة أخرى تمثّل الناس ومطالبهم، أو إعادة توجيه النقاش بما يراه صوابا متجاوزًا ضيق زاوية نظر السؤال.

يمكنه فعل الكثير غير التمركز حول "تقديم إجابة" كما لو كان تلميذًا في مدرسة!

ولعلّ هذا من جنايات أنظمة التعليم في بلداننا العربية، التي تتمركز حول حفظ المواد وإفراغها في الامتحان لا غير، دون أي اهتمام بتنمية مهارات النقد والتفكيك، ولا تنمية حسّ الإشكالية لدى الطلاب. فلم نعتد في مدارسنا على التفاعل النقدي مع الأسئلة، بل اعتدنا على الخضوع لسلطة السؤال، دون أي مساءلة لها!

شريف محمد جابر

18 Dec, 22:17


ليس بالضرورة أن يكون سيناريو محاولة إفشال منجزات الثورة السورية عبر نموذج شبيه لما تمّ في مصر أو اليمن أو ليبيا، بل ربما يكون ذلك كله من باب "شوف العصفورة"، وتأتي المفاجأة من حيث لا يحتسب الناس، بينما كانوا يرتقبون ثورة مضادة من خلفهم.

لكل تجربة معطياتها التي يجب أخذها بالحسبان عند ممارسة الحذر، ولا شك أنه يجب التعلّم من التجارب السابقة كما قيل في العقل قديما إنّه: "الإصابة بالظنون، ومعرفة ما لم يَكُنْ بما قد كان"، لكن ينبغي للعاقل أيضا تدبّر الأوضاع الحالية ومنافذ الانقلاب على منجزات الثورة في عناصرها.

ولهذا قيل في الأمثال: "الأمور تتشابه مقبِلةً ولا يَعرِفُها إلّا ذو الرَّأي، فإذا أدبرتْ عرَفَها الجاهل كما يعرِفها العاقل. ومنه قول الشاعر:

تَشابَهُ أعناقُ الأمور بَوادِيا .. وتَظهرُ في أعقابِها حينَ تُدبِرُ"

شريف محمد جابر

18 Dec, 09:17


فالذي ينبغي لكل حكومة راشدة أن تُجنّب الشعوب "الضنك"، والتنمية والتقدّم مطلوبان بشدّة، لكنهما لن يُجنّبا الشعوب الضنك، فلا ينبغي أن يكونا على حساب التفريط بالأسس الراشدة التي تجلب البركة. وتنمية بطيئة متّزنة مع شيء من الكفاح والثبات على الهوية والمنطلقات الحضارية، أفضل مليون مرة من التنمية السريعة التي تأتي نتيجةً للتخلّي عن المنطلقات الحضارية والمضيّ في الوصفات الغربية!

شريف محمد جابر

18 Dec, 09:17


من أجمل المشاهد التي رأيتها عند أهلنا في سوريا في الأيام الفائتة ذلك الرفض الصريح لمخرّجات مؤتمر العقبة وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.

قالوا: نحن قادرون على بناء دولتنا الجديدة بغير وصاية غربية. وهي عبارة جوهرية تدلّ على العزّة والكرامة التي تقوم عليها الدول، وخصوصا في مثل هذه اللحظات التأسيسية.

لكنّ المؤسف في المشهد السوري والعربي عمومًا: عدم الوعي على خطورة "الوصاية الفكرية" الغربية، فإذا كنا نرفض أن يتدخّل الغربيون بمراقبيهم وجيوشهم في بلادنا، كما لو كنّا أطفالا غير راشدين نحتاج إلى من يرشدنا من مبعوثي الأمم الضالّة، فكيف نقبل بأخذ وصفاتهم السياسية بكامل عيوبها؟ وأتحدث هنا عن تبني نظام سياسي واقتصادي على النموذج الغربي تماما.

تراودني الحرقة نفسها التي تراود ذلك الرافض للوصاية الغربية عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة، حين أرى مسلمين لهم إرثهم التشريعي والحضاري العريق لا يرون نظامًا صالحًا في سوريا إلا أن يكون نموذجًا غربيّا، فهم يتحدّثون عن نظام سياسي بسلطاته الثلاث، حيث يختار الشعب من يمثّلهم ليشكّلوا حكومة (كما في النظم البرلمانية) وليشرّعوا القوانين الجديدة، إلى جانب اقتصاد السوق الحرّة (دعه يعمل دعه يمر) ردّا على الانغلاق وتدخّل الدولة الذي مارسه النظام في عقود سابقة.

المشكلة أنّ هذه الوصفة مجرّبة في السابق، وأثبتت فشلها لأنّ هذه الأنظمة نشأت وتطوّرت في بيئة ملائمة لها، وفُرضت علينا فرضًا من الأعلى في مرحلة الاستعمار وما بعده، وأدّت إلى حكومات ضعيفة متقلّبة ومفكّكة، وإلى إبراز ثغرات يصعد من خلالها الاستبداد.

إنّ الاستقرار الحاصل لهذه النظم الديمقراطية في الغرب الأوروبي وأمريكا ناتج عن وجود قيم رديفة له، أبرزها: حسم صراع الهوية، وهو صراع لم يُحسم في بلادنا العربية بسبب تغوّل الأفكار العلمانية التي تتبنّاها شرائح فاعلة ومدعومة غربيا. فنحتاج إلى أدوات ووسائل من ديننا وحضارتنا لمنع نشأة الحكومات الضعيفة المتقلّبة ولمنع صعود الاستبداد مجدّدا.

وأقول لكم عن دراسة طويلة: إنني أرى الحلّ في الشريعة كما أرى الأشياء القريبة حولي وكما أحسّها، أكاد ألمسه واقعًا متجسّدا لولا أنّ قومنا في هذا العالم العربي مصابون بخوف وتوجّس من مثل هذا المسار. ولا شكّ أنه مسار صعب، ولكنّ الذي قاوم جيشا مجرما (الأسد) تدعمه قوة إقليمية متغطرسة (إيران) وقوة دولية جبّارة (روسيا) لنحو 14 عامًا وصبر على اللأواء والعذابات والدمار كيف يهيمن عليه الرعب والارتعاد من فرض عقوبات لو لم يمض على الوصفة الغربية لشكل النظام السياسي والاقتصادي؟!

هذا لا يعني الاستغناء عن الذكاء الدبلوماسي، ولا يعني تقديم تصريحات استفزازية، ولا إيجاد الذرائع للتدخل الغربي واستمرار العقوبات على البلاد.. ولكنه يعني أنّ مثل هذه اللحظة التاريخية لا بد فيها من حسم قضية الشريعة لصالح الغالبية المسلمة التي تؤمن بها في البلاد، حتى لو كلّف ذلك بعض التضييق، فليست كل حسابات بناء البلد متعلّقة بـ "كيف سينظرون إلينا"؟ أو "هل سيسكت النظام الدولي"؟

ثمة حسابات أخرى أولها إرضاء الله عزّ وجلّ، وهو مفتاح للتوفيق والبركة في الدنيا. فاليد المرتعشة التي يهيمن على صاحبها الخوف من ردود الأفعال الدولية والإقليمية ستظلّ تقدّم التنازلات إلى أن تتخلّى عن هويّتها ومشروعها، ويصبح النظام القائم عائقًا أمام تماسك البلد وقوته، فتكون النتيجة على المدى القريب أو البعيد هي تحقق ما كان يخشاه المتخوّف من القوى الدولية، وهو فشل المشروع وعودة الاستبداد أو الضعف والتفكك. أما اليد الثابتة، فمع جهودها الدبلوماسية وذكائها الإعلامي تحتفظ بهويّتها وتُفهم العالم كله أن ثمة خطوطًا حمراء لا يمكن التخلي عنها، وأنّ الذي لنا أولى بالمراعاة من الذي لكم.

الشريعة هي وحدها القادرة على حفظ حقوق الأقليات كما أثبتت عبر قرون، ولا نحتاج إلى توصيات الذين ينزعجون من الأقليات في بلدانهم وأقاموا لهم المذابح قبل أقل من قرن!

الشريعة هي وحدها القادرة على منع عودة الاستبداد، بما تتّسم به من انضباط وجدية في التشريع يمنع "ترزية القوانين" التي يمارسها المستبدّون.

الشريعة هي وحدها التي تجلب البركة في المال بما فيها من حظر للربا والاحتكار والغرر وبيع ما لا يملك وسائر أحكام الأموال.

وقبل كل شيء، فالشريعة هي وحدها التي تضمن البركات كما أخبرنا الله في كتابه، فمن يبحث عن المسرّات الاقتصادية بعد حصار وعقوبات عليه أن يدرك أن المطلوب ليس المسرّات المادية بذاتها بل البركات، والفرق أنّ المسرّات قد تأتي ولا ترضى الشعوب ولا تشبع لأنّها فقدت بوصلتها الإيمانية ولهثت خلف الرخاء الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة، فتسخط عند كل تعثّر، لكن البركة تجلب الرضا إلى قلوب النّاس ولو عاشت باليسير، ولو كان تقدّمها الاقتصادي بطيئا معتدلا.

شريف محمد جابر

17 Dec, 16:39


هل علينا أن نذكر "إسلامية" الدولة في الدستور؟

من خلال ما تابعته من تجارب الإسلاميين في التعاطي مع قضايا الدستور، وتحديدا التجربة المصرية الملهمة للكثير، والتي أعتبرها توثيقًا مهمّا للصراع الإسلامي العلماني، لاحظتُ إشكالا فيما يتعلّق بموقع الإسلام من الدستور.

يتمسّك بعض الإسلاميين الغيّورين على دينهم بصيغ أجد أنها إشكالية، ومن هذه الصيغ قولهم "الإسلام دين الدولة"، أو "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع".

وابتداء أقول – كما كتبت منذ سنوات – إنّه لا يوجد في الدين فريضة ينبغي بموجبها تسمية الدولة بـ "الدولة الإسلامية" أو "الخلافة" أو "الإمارة الإسلامية" وما شابه، فالعبرة بمضمون هذه الدولة وكيف تتصرّف.

ثم إنّ كثيرا من هذه المواد مستقى من دساتير لدول عربية علمانية، كانت وبقيتْ علمانية مع وجود هذه المواد التي تؤكّد الهوية الإسلامية للدولة! مما يدلّ على أنّ هذه المواد ما وُضعت إلّا لذرّ الرماد في عيون "الإسلاميين" الغيورين على دين الله، ولكنهم في الآن نفسه غير واعين على أن العبرة بفاعلية المادة وقوتها القانونية الحقيقية.

لو جاز لي أن أقترح، وأنا بعيد من هذه المكانة، لاقترحت على الإسلاميين عدم التمسّك بهذه المواد التي تهدف إلى إبراز الهوية الإسلامية دون رصيد حقيقي من إقامة الدين، وتحديدا مادة مثل "الإسلام دين الدولة"، فالإسلام دين للبشر وليس للكيانات، وسوف تكلّفهم هذه المادة جدلا طويلا مع العلمانيين والطوائف الأخرى كانوا في غنى عنه.

كذلك الأمر بخصوص المادة التي تقول إنّ "الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع"، فهذه المادة من حيث الصياغة يمكن الاحتيال عليها قانونيّا لعدم إحكامها، وثانيا يمكن الاستشكال عليها بأنّ ثمة ما يسمّى "تشريعات" في الدولة الحديثة لا يمتّ للدين بصلة، وهو أقرب إلى التخطيط أو تنظيم أمور إدارية وغير ذلك مما لم تنصّ الشريعة عليه والقياس فيه بعيد.

لكن تخيّلوا مثلا أن تكون هناك مادة مفادها أنّه: ينبغي عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية في أي قانون أو تشريع. فهذه الصياغة الهادئة أكثر إحكامًا وضمانًا لعدم مخالفة أي قانون للشريعة، ثم هي تضع المعترض الكاره للهوية الإسلامية في موقف حرج، فيحتاج هو أن يدافع عن موقفه المستهجَن من عموم الشعب، وحينها سيقال له بهدوء إذا اعترض: هل تريد أن تسنّ الدولة أحكامًا تنتهك دين الأغلبية المسلمة في البلاد؟! هل تريد سلب حقّهم في ممارسة دينهم؟! وبهذه الطريقة يتم تحييده بشكل أكبر عن إثارة القلاقل بزعم اضطهاد الأقليات واستبعادها.

وكثير من الجدل الإسلامي العلماني في الحقيقة متعلق بالاصطلاحات، والمعركة فيه معركة صياغات، وهنا ينبغي استحضار مهارات الصياغة لا إيكال الأمر لمن لديهم غيرة دينية مع فقر لغوي أو دبلوماسي. وأنا واثق أن بلادنا العربية تمتلك من هؤلاء الكثير، وينبغي استشارتهم والاسترشاد بهم لصياغة الإعلانات الدستورية والمواد ذات الخطر.

على ألّا تهيمن نبرة "التطمينات" الزائدة واليد المرتعشة على كتابة هذه المواد، لأنّها تُفضي إلى التخلّي عن الثوابت، وإنّ الثبات والعزة والاعتماد على الله تعالى ثم الظهير القوي من الشعب المسلم مطلوب حتى في أحلك الأوقات بل تحديدًا في أحلك الأوقات.

شريف محمد جابر

17 Dec, 14:54


تعزيز الهوية السورية، حتى في هذه الأجواء الاحتفالية، بل تحديدا في هذه الأجواء: خطيئة تاريخية.

وعلى الواعين من النخب الإسلامية في سوريا الانتباه لهذا الأمر والسعي إلى التخفيف من وطأة هذه الهوية القطرية وخصوصيتها الهشّة، المبنية على تجربة استعمارية وما بعد استعمارية هزيلة، والانفتاح على العناصر التي تجمعها مع العالم الإسلامي والعربي قدر الإمكان.

التجارب كلها تدلّ أن تعزيز الهوية القطرية مآله المزيد من الانكفاء على الذات في عصر لا يصلح فيه هذا الانكفاء الذي يعني مواصلة الضعف. بل إنّ هذا التعزيز لهوية "سورية" أو "شامية" تقتصر على سوريا الانتدابية يستبعد – دون أي تسويغ شرعي سوى الأمر الواقع الذي حدده الاستعمار – مناطقَ هي في القلب من الشام التاريخية، فالقدس هي مركز الشام وأُسّ بركتها، وهي في الوقت نفسه مستبعدَة من هذه الهوية السورية القُطرية.

يمكن بناء العديد من الصيغ الدستورية المستندة إلى الشرع بخطاب يحمل من الانسجام المجتمعي وحفظ حقوق الجميع والذكاء الدبلوماسي في مخاطبة العالَم دون اللجوء إلى تعزيز الهوية القُطرية، وحالة الضرورة التي تستدعي بناء دولة في هذا القُطر المحدَّد استعماريا قبل قرن لا تستلزم التماهي مع هذا التحديد وبناء هوية هشّة عليه، لا تستند إلى عناصر اجتماع حقيقية صلبة يمكنها بناء أمة قوية، بل هي مجرّد غطاء شفاف يكشف ما تحته من تضاريس وتباينات، ولم يفلح يومًا في بناء لُحمة حقيقية وأمّة ذات هوية متجانسة.

شريف محمد جابر

16 Dec, 16:46


أخطر ما قد يهدد انتصار الثورة السورية اليوم إلى جانب مخاطر الانقسام الداخلي: الاستبداد.

الاستبداد حتى لو كان إسلاميا فهو شر مستطير عانت منه الأمة لقرون طويلة، ومع التفوق الغربي عانت منه أضعافا مضاعفة حتى غدا قرارها ليس بيدها.

أتفهم جدا دوافع المقولات التي تنبذ الديمقراطية وتداول السلطة سواء لأسباب فكرية شرعية أو خوفا من صعود العلمانيين المرتهنين للغرب مجددا، لكن صدقوني لا شيء أخطر على الأمة من مستبد لا يكون قراره مأطورا بمن يمثلون الأمة من علماء وحكماء وخبراء، بأي شكل شئتم للحكم، فهذا هو الضمان الوحيد بعد الله لعدم عودة الطغيان والارتهان للخارج.

لأن المستبد حين يضع خيوط السلطة كلها بيده يضطر في مرحلة ما إلى إزاحة المخلصين أيضا من طريقه لا المعادين لدين الأمة والمرتهنين للخارج وأصحاب المطامع الشخصية فحسب، وحين يفعل ذلك يغدو بلا ظهير ناضج من الأمة، والظهير المطلوب ليس هو الشعبية والتصفيق فحسب، بل الذي يقوّمه ويأْطره على الحق والعدل، من خلال مؤسسات قوية تمثل الأمة وتحميها الأمة.

شريف محمد جابر

09 Dec, 20:06


في كل مرة كنت أقرأ تاريخ سوريا الحديث أو أتابع وثائقيّا يتناول هذا التاريخ أكابد حسرةً كبيرة في صدري..

هذه الشام يا عالم، وهذه دمشق درّتها.. كيف سيطر عليها هؤلاء الأنذال؟ كيف يمكن لمجموعة عسكرية علمانية قذرة معظمها من طائفة معيّنة أن تمسك بتلابيب الحكم في غفلة عن أعين الناس؟ وكيف استمرّوا وأحكموا السيطرة وساموا أهلنا سوء العذاب على مدى أكثر من 60 عامًا؟!

الآن أحاول استيعاب ما حدث.. لقد زال هؤلاء، لم يكن الذي سقط بشّار الكلب فحسب، ولا عائلته.. الذي سقط هو كل هذه المنظومة العسكرية التي كانت تتحكّم بمصير هذا البلد المهم.. الذي سقط هو تلك السيطرة الطائفية التي هندستْها فرنسا في النصف الأول من القرن الماضي.. الذي سقط هو تاريخ من الغفلة والآلام والدموع والجراح.. لقد كان الذي سقط شيئا كبيرا، ومهما حاولت وصفه لن تتمكّن عبارتي من الإحاطة به!

والآن بعد أن تهشّم كل ذلك إلى غير رجعة بإذن الله.. فإنّ السؤال القَلِقَ الذي يشغل تفكيري وينغّص عليّ فرحي كل ساعة بل كل دقيقة من هذه الأيام التي تبتهج فيها قلوبنا وتمتزج مع ألمنا على ما حدث للمعتقلين ومصير ما تبقى منهم.. السؤال القلق هو: كيف يمنع أهلنا في سوريا عودة ذلك كله؟ كيف يضمنون ألّا يعود هذا الجحيم الطويل أو مثيله؟

في تراثنا العربي القديم سُمّيتْ عدة شخصيات بلقب "مانع الضَّيْم"، وهو لقب جميل يعني مانع الظلم والقهر والاضطهاد، ومع جمال هذا اللقب فهو يعكس معاناة الإنسان العربي من الجور والضيم في حقوقه منذ زمن بعيد قبل الإسلام.

ولقد كان العهد النبوي ثم الراشدي وخصوصا عهد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما نموذجًا مثاليّا في رفع الضيم.

وفي عصرنا هذا ما أحوجنا إلى بناء نظام سياسي وقضائي يمنع الضيم عنّا، لأنّنا كلّما أمسكنا بخيط التحرر من هذه الأنظمة الطاغية وجدناها تتسلّل من شقوق انتفاضاتنا لتعود فتبسط ضيمها وجورها على قلوبنا وأجسادنا، فما أحوجنا إلى نظام يمكن تسميته "مانع الضيم"، يستمدّ مبادئه وأصوله من الشريعة ومن ممارسات الراشدين التي ستظلّ بقعة نور تضيء للإنسان طريق الرشاد، ونستعين لبناء وسائله وأدواته بخبراتنا التاريخية القريبة والبعيدة، التي تخبرنا بقصة الاستبداد الموجعة حدّ الموت، ولا بأس بالاستفادة من خبرات الشعوب الأخرى، خصوصا أولئك الذين وصف القائد الذكي الألمعي عمرو بن العاص رضي الله عنه أسلافَهم قائلًا:

"إنّ فيهم لخصالًا أربعًا: إنّهم لأحلمُ النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرّةً بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسةٌ حسنةٌ جميلة: وأمنعهم من ظُلم الملوك" (صحيح مسلم).

فهلّا كنّا كذلك بل أفضل من ذلك؟

شريف محمد جابر

09 Dec, 05:37


أكبر شُكر يقدّمه أهل سوريا على هذا النصر المبين وزوال الخوف والرعب والطغيان أن يرجعوا إلى شريعته في أوضاعهم الجماعية كما يرجعون إليها في أوضاعهم الفردية، والشريعة صالحة لكل زمان ولكل حالة إلى يوم الدين، فإذا لم يتحاكموا إلى شريعة الله الذي نصرهم ولم يجعلوها مرجعيّتهم في كل ما يعرض لهم الآن من محطات بناء الدولة والعلاقة مع الآخرين؛ فقد كفروا بأنعم الله، واستحقّوا الذل والعقاب وعودة الطغيان.

فلا طريق للتحرّر والعدل وإقامة الحقوق إلّا طريق الله.

وتأمّلوا هذا السياق القرآني: يقول تعالى مخاطبًا رسوله صلّى الله عليه وسلّم (ونحن بالتبعية): {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (الجاثية: 18-19).

وحين نقرأ الآيتين اللتين قبل ذلك ندرك غور هذا الأمر: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الجاثية: 16-17).

فحين تركوا البيان الذي جاءهم في الكتاب من شريعة الحلال والحرام اختلفوا وبغى بعضهم على بعض!

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية الثانية: "يقول تعالى ذكره: وأعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا بتنزيلنا إليهم التوراة فيها تفصيل كل شيء {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} طلبًا للرياسات، وتركًا منهم لبيان الله تبارك وتعالى في تنزيله".

وقد أنزل الله إلينا أحسن الكتب والشرائع وأكمل الرسالات، ومن حقّه الخالص علينا الانقياد إلى شريعته فهو من صُلب عبادته وحده سبحانه، وإلّا فلا نلومنّ إلّا أنفسنا إنْ نحن أعرضْنا عن شريعة الله حين مكّننا الله من إقامة ما عُطّل منها بقوة الطغيان العلماني.

شريف محمد جابر

08 Dec, 07:46


هذا يوم كلّه تكبير وفرح لأهلنا في الشام
هذا يوم الدعاء بإتمام النعمة وشكرها
هذا يوم يفرح فيه كل مؤمن..

شريف محمد جابر

08 Dec, 04:28


الحمد لله على زوال المجرمين، الحمد لله على سقوط نظام الطغيان في دمشق.. الحمد لله والعاقبة للمتقين
مبارك لأهل الشام ولجميع المسلمين

شريف محمد جابر

07 Dec, 12:05


المرحلة القادمة في سوريا بعد سقوط دمشق بيد أهلنا هناك بإذن الله هي أخطر مرحلة من مراحل الثورة السورية، ويمكن أن نسميها مرحلة "عنق الزجاجة"، ففي مثل هذه المراحل الانتقالية كثيرا ما أخرجت القوى الفاعلة في الأمة الكرة خارج الهدف! وكثيرًا ما وجد الاستبداد (المتواصل مع الغرب، الكابح لقدرات هذه الأمة، المصرّ على تخلّفها وضعفها) طريقَه إلى السلطة.

هناك من يُعوّل على أنّ الوضع في سوريا مختلف، وأن التغيير هذه المرّة "جذري" وله قوة عسكرية وليس مجرّد إسقاط للواجهة السياسية، وهذا صحيح، لكن في سوريا من التحدّيات والتعقيدات ما يجعل صعود نخبة سياسية تعبّر عن إرادة أهلنا هناك أمرًا في غاية الصعوبة:

- لدينا تحدّي القوى العلمانية الكردية الانفصالية في الشمال الشرقي، وهؤلاء يسيطرون على مناطق شاسعة منذ سنوات ومدعومون من الولايات المتحدة.

- لدينا تحدّي وجود الطائفة العلوية ونخبتها العسكرية التي عوّل عليها الاستعمار من قديم في السلطة ولها مواضع ارتكاز (جبال الساحل تحديدا) مما ينذر بخطر التقسيم مع قضية القوى الكردية الانفصالية.

- لدينا تحدّي تصنيف الفصيل الأبرز في الفتوحات الأخيرة "إرهابيّا" من قبل القوى الدولية، مما يضع أهلنا أمام ذرائع وسيناريوهات صعبة، قد تكون "الاغتيالات" إحداها، وقد تكون "شيطنة" فصائل معينة وتصفيتها بيد فصائل أخرى بعد نشوب اقتتال داخلي أو "حرب أهلية" أحد السيناريوهات البشعة أيضًا. والاحتمالات مفتوحة، ولذا ينبغي للعقول أن تكون مفتوحة وحذرة، خصوصا مع دخول فصائل تابعة بشكل مباشر لأمريكا في التنف بدأت بالتحرّك وربما غيرها.

- أما التحدي الأبرز فهو مجاورة سوريا لدولة زُرعتْ في هذه المنطقة لتخدم مصالح الغرب المهيمن، فحمايتها هي الهدف الأهم للغرب وعلى رأسه أمريكا، ومن الصعب قبول دولة ناهضة قوية تعبّر عن إرادة شعبها المسلم العربي بجوارها. فسوريا ليست أفغانستان، بل التغيير الحقيقي في سوريا له تأثير كبير جدّا في موازين القوى في هذه المنطقة المحورية التي يجري عليها الصراع الدولي والإقليمي. ومن هنا قد يتم تلميع شخصيات ليبرالية مهادنة لتكون القيادة السياسية للمرحلة، فتشكل "الأمان" الذي كان يشكّله نظام الأسد وزيادة.

وقد أظهرت لنا السنوات الماضية كثرة اللاعبين الدوليين والإقليميين في سوريا، وهو أمر يحتاج إلى نخبة سياسية ذكية قادرة على الخروج من هذه المآزق بما يخدم مصلحة أهلنا في سوريا، وتستند إلى أوسع قاعدة شعبية من أهلنا فتكون معهم ويكونون معها على طول الطريق إلى التمكين، وهو الذي يحتاج بدوره إلى تعاون بين جميع النخب الفاعلة بينهم بمختلف تخصصاتهم دون إقصاء أو انفراد، بعد تحديد الأهداف الأساسية المشتركة، لأنّ الانفراد والاستبداد هو بوابة الهيمنة الأجنبية كما علّمتنا تجربة عقود طويلة بل قرون.

الوعي السياسي الآن هو شعار المرحلة القادمة، وينبغي التعلّم من تجارب الربيع العربي السابقة رغم اختلافها في كثير من التفاصيل، وينبغي الانتباه للخطابات المتنوعة التي تسري إلى آذان أهل سوريا الآن ولاحقًا، والحذر من الفتن التي ستعمل أطراف عديدة على إشعالها.

وفّق الله أهلنا في الشام إلى ما يحبّ ويرضى، وإلى ما يضع عنهم إصر الاستعمار الأجنبي وأغلاله وآثار التيه الطويل الذي عاشوه كغيرهم من أبناء هذه الأمة عبر عقود طويلة.

شريف محمد جابر

06 Dec, 16:04


هل انقلاب الرجل الحاد من النقيض إلى النقيض عبر سنوات جاء نتيجة قناعة شخصية أم هو حالة براغماتية؟

في نظري أن الأمرين مندمجان معًا، يتغيّر الإنسان لتغيّر قناعاته، وتتغيّر قناعاته بفعل الواقع الضاغط المليء بالخصوم الداخليين والقوى الخارجية المتربّصة، يحسب أن المصلحة تقتضي ارتداء ملابس جديدة وممارسة خطاب مختلف، هذه براغماتية، وهي في الوقت نفسه قناعة.

وسواء كان قد ارتدى هذا الرداء الجديد عبر السنوات الأخيرة للتمويه عن نواياه التي ما زالت كما كان قبل عقد، فإنّ الرداء يوشك أن يتحول إلى شيء من جلده، وحينها لن يكون بإمكانه خلعه!

رفع الغلوّ عقيرته عاليًا في الثورة السورية، وأُتيحت له مساحات كبيرة من تطبيق نظريّاته على أرض الواقع، ففشل فشلًا ذريعًا، وأسال دماءً حرامًا كثيرة، ورأى النّاس كوارث تطبيقه كما رأى المدركون لحقيقته كوارث أفكاره.

وفي مثل هذه البيئة التي أدركت فساد خطاب الغلوّ، لم يكن بإمكان أحمد الشرع أن يبقى على المنطلقات نفسها التي أسس لها الغلو، كان لا بدّ له – من أجل البقاء والسيطرة – أن يُطلّق هذا الخطاب وإنْ تدريجيّا، حتى وصل إلى هذه الحالة التي تحكيها الصورة أعلاه بتفاصيلها المتنوّعة أحسن حكاية!

أولئك الخصوم الذين قاتلهم وقاتلوه، وأثخن فيهم وأثخنوا فيه، ثم انتصر عليهم بدهائه قبل سنوات قد أثّروا فيه. وعلينا أن نعترف بأنّه يطبّق الآن خطابًا نادى به خصومه وقاتلهم بسببه! ثم لم يجد بدّا - بعد دحرهم وضمّ آخرين منهم إلى كنفه - من استعارة خطابهم وتطويره بل تجاوُزِه!

ربما يكون الرجل قد انتصر على خصومه قبل سنوات "فيزيائيا"، ولكنهم انتصروا عليه "فكريّا"، إذ اضطرّوه إلى حمل خطابهم الذي وجدوا فيه خلاص بلادهم.

ولديّ يقين بأنّ الله عزّ وجلّ يقود الأمّة في هذه الرقعة من بلاد المسلمين إلى خير عظيم، وفي كل مرحلة من مراحل هذه الثورة كانت هناك دروس تتعلّمها الأمة بأثمان ثقيلة، ربّما يكون أبرزها "درس الغلوّ" الذي لم تعد له بيئة ممكنة في الشام إن شاء الله.

ولعلّ الدرس القادم المهم هو درس الاستبداد، الذي قامت الثورة من أجله، والذي يقضي بأنّ أي وضع ناجح لما بعد الثورة لا ينبغي أن يرتكز إلى "قائد" أو "فرد" أيّا كانت إنجازاته وإخلاصه، لا ينبغي أن يوضع مصير بلد بيد قائد أو مجموعة ضيقة، بل ينبغي أن يرتكز إلى وضع مؤسّسي تشارك فيه الأمة بقواها المتنوّعة، فلا يقدر أحدٌ على اغتصاب إرادتها أو احتكارها مع مجموعته في الغرف المغلقة.

شريف محمد جابر

06 Dec, 16:03


👇🏼👇🏼👇🏼

شريف محمد جابر

05 Dec, 16:21


الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.. الحمد لله على تحرّر حماة من الطغيان
حرّر الله جميع أوطاننا من بقايا الاستعمار الأجنبي، وردّها إلى دينه ردّا جميلا، وأعادها عزيزة قوية راشدة كما كانت حين أخرجها الجيل الأول من المسلمين من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد.

شريف محمد جابر

04 Dec, 13:13


لسقوط حماة بيد أهلنا في سوريا رمزية كبيرة، فهي المدينة التي ثارت على نظام المجرمين الطائفي عام 1964، ثم ثارت مرة أخرى عام 1982 بعد نضال لسنوات وأقيمت لها في العام نفسه مذبحة من أعظم مذابح المسلمين في القرن الماضي، حيث قضى عشرات الآلاف من الشهداء حتفهم جرّاء حصار غاشم بالقطع العسكرية الثقيلة.
ولذلك يبذل النظام وحلفاؤه أقصى جهودهم للإبقاء عليها، كما فعل في أوائل الثورة عام 2011 حيث كثّف حصارها وضبطها عسكريا كي لا تخرج عن سيطرته.

شريف محمد جابر

04 Dec, 09:11


نصّ مهم يوضّح كيف فهم فقهاؤنا قديمًا علاقة الشريعة بالدولة:

"الشَّريعة: هي المحجة التي جاء بها رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وسنّها وأوجب اتباعها وصونها، وهي إلى الله أقصد سبيل، لأنّ مبناها على الوحي والتنزيل، والخير كُله في اتّباعها، والشَّر كُله في ضياعها. وقد جعل الله لها حماة يُقيمون منارها، وحملة يحفظون شعارها. فحماتها: الملوك والأمراء. وحفّاظها: هم الأئمة العلماء. أما الملوك والأمراء: فقد تقدّم شرح صفاتهم وأنواع تصرفاتهم، وأما العلماء القائمون بحملها المعنيّون بحفظها ونقلها، فهم المرجع في حلالها وحرامها، ومواقع أحكامها".

- أبو عبد الله بدر الدين بن جماعة الحموي (639-733 هـ)، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام

شريف محمد جابر

03 Dec, 21:09


لقد كان سيد قطب في الواقع “تراثيّا” في طرحه أكثر من أولئك “التراثيين”؛ لأنّه إنما تابعَ تراث المتقدّمين من الأئمة الكبار كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم، ممّن اعتمدوا في بيان حقائق الدين على الكتاب والسنّة والعربية، من غير التأثّر بالفلسفات الأجنبية المجافية لطبيعة الخطاب القرآني والنبوي، بينما نجد أولئك “التراثيين” يُهملون إلى حدّ بعيد تراثَ المتقدّمين ويقدّمون عليه تراثَ المتأخرين المعجون بالفلسفة والمنطق!

فإذا كان أولئك “التراثيّون” المتأخّرون يُهملون من شأن العمل في علومهم، فيخوضون في ما لا يبنى عليه عمل، مخالفين في ذلك تراثًا هائلًا من السنن والآثار وكلام الأئمة الكبار، فقد كان سيّد قطب متابعًا لأولئك الكبار، بل منتبهًا لإشكالية “المعرفة الباردة” على حدّ تعبيره فيقول:

“على أنّنا نحبّ أن ننبّه هنا إلى حقيقة أساسية كبيرة.. إنّنا لا نبغي بالتماس حقائق التصوّر الإسلامي مجرّد المعرفة الثقافية. لا نبغي إنشاء فصل في المكتبة الإسلامية، يضاف إلى ما عُرف من قبل باسم “الفلسفة الإسلامية”. كلا! إنّنا لا نهدف إلى مجرّد “المعرفة” الباردة، التي تتعامل مع الأذهان، وتُحسب في رصيد “الثقافة”! إنّ هذا الهدف في اعتبارنا لا يستحقّ عناء الجهد فيه! إنّه هدف تافه رخيص! إنّما نحن نبتغي “الحركة” من وراء “المعرفة”. نبتغي أن تستحيل هذه المعرفة قوّة دافعة، لتحقيق مدلولها في عالم الواقع. نبتغي استجاشة ضمير “الإنسان” لتحقيق غاية وجوده الإنساني، كما يرسمها هذا التصوّر الربّاني. نبتغي أن ترجع البشرية إلى ربّها، وإلى منهجه الذي أراده لها، وإلى الحياة الكريمة الرفيعة التي تتّفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان، والتي تحقّقت في فترة من فترات التاريخ، على ضوء هذا التصوّر، عندما استحال واقعًا في الأرض، يتمثّل في أمّة، تقود البشرية إلى الخير والصلاح والنماء”.

من مقالي الأخير "هل كان سيد قطب معاديا للتراث؟":
https://hekmahyemanya.com/?p=28501

شريف محمد جابر

01 Dec, 16:00


من مآسي السنة الأخيرة أنه حدث اختراق للوعي السنّي بواسطة أبواق الإعلام الإيرانية ومحورها القذر، وتحديدًا في عقل بعض أهل فلسطين: في الضفة والقطاع والداخل والشتات، فبات بعضهم يردّد مقولات ارتيابية توجّسية (في أفضل الأحوال) واستنكارية عدائية تجاه الواضح الثابت ممّا يقوم به أهلنا في سوريا اليوم.

هناك إعادة إنتاج للسردية التشبيحية السخيفة القذرة التي كنّا نتندّر بها قبل عَقدٍ في فلسطين، فباتت اليوم تُطرح على ألسنة "إسلاميين" بسبب ملابسات السنة الأخيرة. ولذلك أكتب هذه الكلمات:

إذا كنت غائبا عن الوعي طوال أعوام منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشّار الأسد فأرجو منك عدم التحدّث بما يدلّ على سفاهتك وخفّة عقلك. وإليك هذه الإشارات حول بعض الثوابت، وهي أفضل لك من اتباع هواجسك أو آثار جهلك بالواقع:

- من الواضح الثابت في سوريا وجود نظام علمانيّ مجرم موالٍ لقوى خارجية، مضطهد لشعبه، وتحديدًا الغالبية السنّية، حيث تمتلئ السجون بهم والقسم الآخر إما تحت التراب أو في المهجر أو يعيش أحوالا بائسة تحت سطوة هذا النظام، وهو يمضي من فساد وتخلف إلى فساد وتخلف أكبر. وأن هناك ثورة قامت عليه عام 2011، انحسرت بفعل عوامل خارجية وداخلية عديدة نعم، ولكنها عادت وانبعثت من مناطقها التي احتفظت بها وتقاتل هذا النظام بغية إسقاطه.
الآن: موقف أي إنسان عادي طبيعي غير مختل، ولا أقول مسلم سنّي، هو الفرح لهذا، والدعاء لهم بالتوفيق والتسديد، فكيف وأنت مسلم سنّي تغوص في الجهل والارتياب المَرَضي وتبتلع بكل حماقة المقولات التشبيحية القذرة؟! عيب!

- ومن الواضح الثابت لدينا في سوريا أنّ حلفاء أمريكا وأذنابها في المنطقة هم قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأنّ نظام الأسد موالٍ لروسيا ولها قواعد وضبّاط وقطع عسكرية في مناطق سيطرته، وهي تُعينه في القصف الجوي كما تعين أمريكا قوات سوريا الديمقراطية الكردية العلمانية. هذا الأمر لا ينطبق على فصائل الثوار الذين حرّروا حلب ويجتاحون الآن مناطق النظام في حماة وغيرها. لم نسمع يوما أن أمريكا تقصف بالطائرات جهةً ما ليتقدّم الثوار إليها أو أنها تنسق معهم! ومن ثم فالكلام عن عمالة الثوار لأمريكا أو إسرائيل هو عبث يتنزّه عنه الأطفال!

- استغلال ضعف حزبله وفصائل إيران وانشغال روسيا ليس وصمة للثوار، بل ممارسة تدل على ذكاء واقتناص الفرصة. وإنّ معرفة التوازنات واقتناص الفرص المتاحة وخصومات القوى المختلفة سنّة نبوية مستفادة من السيرة. المشكلة لديك أنت، لأنك تريد من أهلنا في سوريا أن يكونوا أغبياء جهلة أو مفرطين بالمثالية!

- تساقُط النظام السريع ليس عجيبا لمن يدرك أنّ بقاءه كان مسنودًا بقوات إيران وحزبله والفصائل الشيعية متعددة الجنسيات وروسيا، فلولاها لسقط منذ دهر، وهؤلاء يعلم كل متابع ما أشغلهم وأضعفهم في الآونة الأخيرة. والسنوات الأخيرة دلّت على أنّ نظام بشّار غير قابل للإحياء ومآله إلى السقوط، فحالة دولته في تخلف دائم، وهو يشبه مريضًا في الإنعاش يموت حين تُرفع عنه الأجهزة (روسيا وإيران ومليشياتها). كما أن جنوده يفتقدون للعقيدة القتالية التي يتفوق معظم الثوار في الشمال بهم عليها، حيث يغلب عليهم التديّن والعبادة، وهو السمت الشائع المنتشر المتعزّز في منطقة إدلب المليئة بدروس العلم وحفظة كتاب الله، وهو الأمر الذي لا تركّز عليه أعين الإعلام غربية الرؤية، فماذا نصنع لك إن كنت تُعير عقلك للإعلام بغير تمحيص وبحث عن الحقيقة التي تخصّ أهلك وإخوانك؟!

- وأخيرا: وجود توجهات وممارسات نكرهها من بعض الفصائل أمر لا ينكره عاقل، بل نحن نكتب عن أخطاء تاريخية لدول إسلامية كبرى لا تقارَن بما يحدث اليوم، ولكنْ: هل هذه التجاوزات والأخطاء والانحرافات مسوّغ لاتهام مجتمعات كاملة من المسلمين تكافح من أجل تحرير بلدها من طاغية مجرم عميل، لا ريب في طغيانه وإجرامه وعمالته.. هل هي مسوّغ لاتهامها بالعمالة والخيانة أو للارتياب منهم والنظر إليهم كما لو كانوا ميليشيات أجنبية في أقصى الأرض لا نعرف عنها شيئا؟!

عيب.. والله عيب!

شريف محمد جابر

30 Nov, 14:59


بعد غياب طويل عن الكتابة في "حكمة يمانية" وفي مجال "التراث"، أعود بهذا المقال لأذبّ شبهة عن رجل له سهم كبير فيما يجري في الأمة اليوم من تحركات للتحرّر والنهوض من بقايا الاستعمار الأجنبي والأنظمة العلمانية المجرمة.

هل كان سيّد قطب معاديًا للتراث؟

هذه شبهة يروّجها اليوم جيل من المستشرقين الجدد ومن تابعهم في عالمنا العربي، إذ يرون أنه تأثّر بالحداثة في تشكيل بعض مقولاته الرئيسية، وأنّ هذه المقولات مجافية لتراث المسلمين الديني.

والمقال فيه بيان متابعة سيّد قطب لجوهر التراث وللتيّار المركزي فيه في القرون المفضّلة الأولى وعدد كبير من الأئمة المتأخرين عبر القرون.

أرجو لكم قراءة نافعة

https://hekmahyemanya.com/?p=28501

شريف محمد جابر

29 Nov, 11:20


الحياة المبتعدة عن ظلال الشريعة هي ذل محض، تراه في كل الحكومات والمجتمعات "المسلمة" التي تواطأت على نبذ شريعة الله، حتى مسرات الاقتصاد والصناعة والقوة ستظل مغموسة بنكد الحياة ومحق البركة وسخط النفوس واضطرابها وخوَرها.

شريف محمد جابر

27 Nov, 13:37


أمضي كل أسبوع ساعات طويلة في تصفّح كتب التراث والقراءة فيها، هذا هو حالي منذ سنوات طويلة جدا، ولا يكاد يمرّ أسبوع أو شهر إلا وأتعرّف فيه على كتاب جديد في مختلف أبواب العلم. فالعجب من أولئك الذين يظنّون أنّهم اطلعوا على مجمَل التراث، والمطبوعُ منه لا يكاد يحصيه أحد، فكيف بالمخطوط والمفقود؟!

وكلّما ازداد غوصي في أبواب التراث أدركتُ أشياء من أجلّها: أننا أمة عظيمة، عظيمة جدّا أيّها الناس! وأنّ لعلمائنا من النظرات والتحقيقات والآراء ما يجدر أن يُبثّ بين النّاس ويبسّط. وأنّ في تكالبنا على فلسفات الغرب وآدابه وقيمه وعلومه الإنسانية غَضٌّ مما بين أيدينا من كنوز التراث، التي يجدر بنا أن نطيل المكوث معها وننطلق لنبني عليها حين نشتبك بقضايا واقعنا.

أمس كنت في حضرة الإمام الذي كنت أسمع باسمه ولكني لم أقرأ له، وهو أبو الحسن عليّ بن سعيد الرُّسْتَفَغْني (أو الرُّسْتَغَفْني)، التي توفي عام 345 م، والذي كان من أصحاب الإمام أبي القاسم السمرقندي الحكيم رحمهما الله.

قرأتُ قطعًا من كتابه الذي طبع قبل سنوات ثلاث بعنوان "مختصر فوائد الرستفغني"، وهو فوائد منثورة معظمها في الفقه، وبعضها في الزهد والمعاملات وغير ذلك من شؤون الشرع ومسائل الناس. فوجدت في كلامه إشراقًا عجيبًا، لغة سهلة سلسة تدخل إلى القلب، وفكرٌ نيّر عميق.

ربما لم أوافقه في كل شيء، لكنّي وجدته إمامًا متفتّح الذهن، سهل العبارة، ينطلق من محكم الدين وثوابته، كثير العُذر للمسلمين في فقهه وفَهمه للمسائل، صاحب روح مرحة يألفها القلب من اللقاء الأول.

وحين دفعني إكباري للرجل إلى البحث عمّا بلغنا من آثاره وجدت كتابه هذا الذي جمعه الإمام أبو العباس أحمد بن موسى الكشّي الحنفي (550 هـ) كاملا، وقال في مقدّمته: "أما بعد، فإنّي لمّا نظرت في الكتب المتقدّمة من السَّلَف الأئمّة الأجلّة المتفقّهين في المسألة، فلم أرَ كلامًا أنجع في قلبي وأشفى لصدري وأوفى حظًّا لي في باب الدين من كلام الفقيه الإمام الرشيد أبي الحسن علي بن سعيد الرستفغني، أنار الله برهانه وثقل عن الخيرات ميزانه". انتهى كلام الكشي.

وكتاب الرجل الكامل هذا ما زال مخطوطًا على حدّ علمي، وهو بعنوان "الزوائد على الفوائد". وحبّذا لو نشط أحد الباحثين لتحقيقه تحقيقًا يليق به. أما المختصر الذي طالعت فيه أمس، الذي نُشر بعنوان "مختصر فوائد الرستفغني" فمطبوع مصوَّر، ولعلّ الصواب أنه مختصر من "الزوائد على الفوائد" والله أعلم.

رابط تحميله:

https://archive.org/details/20220912_20220912_0441/page/n11/mode/2up

وإذا لم يكن في جولاتي في كتب التراث ومخطوطاته سوى ما ألاقيه من هذه الحكمة السارية في أئمّته وأعلامه فهذا عندي من أجلّ الفوائد وأنفعها للقلب.

وسأنقل بعض فوائده في هذه القناة إن شاء الله.

شريف محمد جابر

26 Nov, 14:25


مما أحلم بوجوده في التطبيقات أو المواقع: موقع يُعنى بجمع كل ما طُبع من تفاسير تراثية وتفريغ ما لم يفرّغ منها للتمكّن من البحث في محتواه، بل ويسعى إلى توفير ما لم يُطبع بعد، ويعرض التفاسير بالترتيب التاريخي، بحيث يتمكّن القارئ من مطالعة تفسير الآية في جميع تفاسير علماء الأمة المتوفرة من الأقدم إلى الأحدث.

هناك مواقع تقدّم ذلك، مثل تطبيق "الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم"، ولكنه لا يضم سوى نسبة قليلة جدّا من التفاسير المطبوعة، ربما %5 أو شيء من هذا القبيل فحسب! فكيف بغيره؟!

هناك موقع آخر، وهو "الموسوعة القرآنية"، يشتمل على أكبر عدد من التفاسير المطبوعة، ومعظمها مفرّغ في الموقع، لكن مشكلته أنّه يضعه بغير ترتيب ومع كتب في علوم القرآن وليست تفاسير، كما أنّه يضع بينها كتبا معاصرة في علوم القرآن، مما يجعل البحث عن تفسير آية فيه صعبًا جدًّا ولا يحقّق المرجوّ منه.

فلو عَمد بعض الإخوة النابهين، المتمرّسين في صناعة التطبيقات والمواقع، وبذلوا جهدهم في جمع كل التفاسير التراثية المتوفرة على "الموسوعة القرآنية" وعلى موقع "مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي" وغيرهما من المواقع. ثم أضافوا إليها ما استطاعوا استدراكه مما لم يوجد فيهما، وجعلوها تظهر بترتيب مريح فيتمكّن المتصفّح من استطلاع تفسير السورة والآية في نحو مائتي تفسير وربّما أكثر؛ فستكون تلك خدمة عظيمة يقدّمونها للباحثين ولكل مسلم. وتنبع أهمية هذا المشروع من كونه خدمة لكتاب الله عزّ وجلّ، فيكون قد حوى – تقريبًا – كل ما قاله علماء الأمة في باب تفسير كتاب الله، والله أعلم.

إنّ ما يعرف اليوم بالتفاسير المشهورة أو "أمهات التفاسير" هو مشهور في حسّنا نحن فحسب، وهو مساحة ضئيلة جدّا مما كان معتمدًا ومشهورًا ومن أمّهات كتب التفسير قديما. وإذا كنّا – مثلا – نعرف تفسيرين أو ثلاثة أو أربعة قد برعتْ في باب البلاغة واللغة، فإنّ في التراث المطبوع حديثًا أو قديمًا، مما لم يشتهر من كتب التفسير، ما يفوق بمحتواه بعض المشهور المعتمد. وفي بعضها لفتات لم يطلع عليها الناس. وفيها نكات لطيفة وتنبيهات بليغة وإفادات حسنة قيّمة حول الآيات والسور.

وأنا على استعداد لتقديم أي استشارة بحثية أو علمية لمثل هذا المشروع مجانًا بإذن الله.

شريف محمد جابر

21 Nov, 22:08


في أجواء القتل الذي يحيط بنا من كل جانب في هذا العالم الآيل إلى الخراب..

قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة: "يتقاربُ الزمان وينقص العمل، ويُلقى الشُّحُّ ويَكثر الهَرْج، قالوا: وما الهَرْج؟ قال: القتل القتل" (صحيح البخاري).

وكنت أعجب كيف كان الصحابة العرب، وهم الأعرف بعربية رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يسألون عن معنى كلمة الهَرْج؟

وربما يعجب المرء أيضًا حين يجد تفسيرها في بعض الروايات بلسان آخر غير العربية، كما في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ بين يدي الساعة أياما، يُرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج". والهرج القتل". (صحيح البخاري).

وجاءت رواية تليها عن أبي موسى الأشعري أيضا: "والهرج بلسان الحبشة القتل"، وفي رواية ثالثة تليها: "عن عبد الله، وأحسبه رفعه، قال: "بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول العلم ويظهر فيها الجهل". قال أبو موسى: والهرج: القتل بلسان الحبشة".

وقد عاش أبو موسى الأشعري في اليمن، وأصوله فيها قديمة، فلعلّه سمع لسان الحبشة، ولا يخفى تأثير مملكة الحبشة ثقافيا على جنوب الجزيرة.

ثم إني قبل ذلك وجدت كلمة "الهَرْج" تشبه كلمة "هِيرِج" (הֶרֶג) في العبرية (تُلفظ الجيم كما يلفظها المصريون)، ويقال: هَرَجْ أي: قَتَلَ. وفي سفر إشعياء: "בְּיוֹם הֶרֶג רָב"، ترجمتها: "في يوم المقتلة العظيمة".

وحين فحصت استخدام كلمة "هرج" في الحبشية القديمة والمعاصرة وجدت دقّة قول أبي موسى الأشعري، وأنقل لكم ما قاله صاحبنا الذي يسأله الناس جميعا اليوم بالمعنى:

ففي الجعيزية (إحدى لغات الحبشة القديمة): ሐርግ (حَرْگ): وهي القتل أو الذبح أو الإبادة. وتشير في النصوص الدينية إلى "القتل العنيف". وأخبرنا أنها ما تزال تُستخدم بالمعنى نفسه في الأمهرية، وهي لسان إثيوبيا اليوم. وكذلك في التغرينية، وهي لسان إريتريا وشمال إثيوبيا. انتهت الإفادة منه.

والسؤال هنا: هل يعني هذا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم قد تأثر بثقافات أخرى وأخذ عنها؟
وإذا كانت هذه كلمة مشتركة بين لغات "سامية" (كما يسمّونها)، فلِمَ لم يَعرفها العرب؟ ولمَ احتاج أبو موسى أن يقول لهم إنّها "بلسان الحبشة"؟!

ما يطمئنّ له قلبي أنّ العربية التي تكلّم بها الله سبحانه لسان موغل في التاريخ، وهذا اللسان القديم كان يوما ما أصلا لجميع هذه الألسنة في المنطقة، ومع تعاقب الدهور يحدث الاختلاط والنسيان لمفردات لم تعد تستخدم، وحلّت مكانها مفردات أخرى، كما حدث لنا حين نسينا كثيرا من الكلمات التي نسميها "وحشية" ولا نفهمها من الشعر الجاهلي، فاحتجنا إلى المعاجم. أو كما يحدث حين تحفظ بعض اللهجات العربية الحديثة مفردات عربية أصيلة وتختفي في لهجات أخرى.

وحقيقة أنّ الكلمة موجودة في فرعين متباعدين من اللغات "السامية" (العبرية والحبشية)، قد تشي بأنّ أصلها اللسان الذي كان مشتركا بينهما، وهو اللسان النقي المعرب، العربية الصافية. وتكون اللغتان في ذلك - والله أعلم - مصدرًا للتعرّف على بعض سمات ذلك اللسان التي ربما نسيها العرب في جاهليّتهم، على أن يكون الوحي هو الأصل؛ فقد دخل التخليط والتأثر على تلك الألسنة كما دخل على كل لسان.

ويكون بذلك حديث الهَرج دليلا على أنّه صلوات ربي وسلامه عليه أفصح العرب، إذ نهل وتعلّم من نبع الوحي الصافي الذي لم يشبه تعاقب الدهور واختلاط الألسنة، فينبغي للمسلمين الانكباب على النهل من جوامع كَلِمِه والصحاح الثابتة عنه ليقوّموا بها قلوبهم وألسنتهم.

ويكون في ذلك مزيد تأكيد على أنّ كلامه صلوات ربي وسلامه عليه "وحي" يوحى إليه، فالحديث في غيب سيكون، وهو من علم الله سبحانه، وقد كان كذلك بشيء من مفرداته التي لا يمكن للنبيّ العربيّ الأمّي الذي نشأ في وسط الجزيرة أن يعرفها بنفسه، ولم يُعرف عليه الصلاة والسلام بالضلوع بالألسنة الأخرى المجاورة، بل لا معنى أن يقتبس من الألسنة الأخرى وحوله اليهود والعرب اليمانيون الذين يعرف بعضهم لسان الأحباش والعبرانيين، وهم أدرى بحاله صلوات ربي وسلامه عليه.

بل هطلتْ على قلبه صلّى الله عليه وسلّم نقيّةً من غيث الوحي الذي لا يؤثّر فيه البيئة والتاريخ.

ولا بدّ في عصرنا هذا من دراسة مفردات القرآن والسنّة على ضوء هذه الألسنة التي تسمى اللغات السامية؛ لسدّ الطريق على أهل الاستشراق والشبهات الذين يرفعون عقيرتهم بمقولة "التأثّر"، ولتعزيز الثوابت التي نقلها الأئمة في معاني الآيات والأحاديث، والله أعلم.

شريف محمد جابر

20 Nov, 20:35


لو كان في عمري امتداد كامتداد بحر عكا الكبير أمام الناظرين..

ولو كان الحال غير الحال، والقلب غير القلب؛ لكتبتُ حاشية على السيرة الذاتية البديعة للشاعر العربي محمود درويش، التي سماها "في حضرة الغياب"، ولا يقل نثرُه عن شعره بل ربّما فاقه، فقد حشد فيها رموزا كثيرة لأشياء من واقع الحياة، من واقع البلاد والهزيمة، والحاضر والتاريخ، والحرب والسياسة وغير ذلك..

انظر إليه يقول: "ولا تندم على حربٍ أنضجتْكَ كما يُنضج آبُ أكواز الرمّان على منحدرات الجبال المنهوبة".

يريد – والله أعلم – منحدرات جبال صفورية، إحدى أكبر قرى الجليل المهجّرة، التي اشتهرت بالرمّان وكانت عامرة به قبل النكبة.

ويقول: "وحين تصحو لا تندم لأنّك كنت تحلم، ولم تسأل أحدًا: هل أنت من القراصنة؟ لكنّ أحدًا ما سيسألك: هل أنت من القراصنة؟ فكيف تزوّد البديهة بالوثائق والبنادق، وفيها ما يكفيها من محاريث خشبية، وجرارٍ من فخّار، وفيها زيت يضيء وإنْ لم تمسسه نار، وقرآن، وجدائل من فلفل وبامية، وحصان لا يحارب".

يريد الصهاينةَ الذين بدأوا بالتوافد إلى فلسطين بنيّة أخذِها، وهم أنفسهم سيسألونه – بعد احتلال البلاد عام 1948 - هو وآلاف غيره من الذين حاولوا الرجوع إلى فلسطين بُعيد النكبة: هل أنت من القراصنة؟ أي: هل أنت متسلل "غير شرعي" تريد العودة إلى منزلك؟! عاد درويش متسللا من لبنان مع أسرته وهو طفلٌ صغير، فوجدوا بلدتهم "البِرْوَة" حطامًا، فانتقلوا للعيش – متسلّلين مستخفين – إلى بلدة دير الأسد التي تبعد عنها مسافة قليلة.

ويشير درويش إلى مسألة مهمة: وهي سخافة تلك المحاولات التي تحاول إثبات أحقّيتنا بفلسطين من خلال الدلائل التاريخية، سواء كانت موغلة في التاريخ أو بريطانية المذاق! فما كان فيها وما زال من حياة حاضرة تعجّ بنا وبأشيائنا وبثقافتنا وحضارتنا ورموزها كافٍ، وهو "البديهة" التي لا تحتاج إلى دلائل!

ويقول عن أهل البلاد قبل التهجير: "وكانوا شجعانًا بلا سيوف، وعفويين بلا بلاغة، فانكسروا أمام الدبابات، وهُجّروا وبُعثروا في مهبّ الريح، دون أن يفقدوا إيمانهم بالشفاء من جرح التاريخ".
يريد ضعفنا المادي والدبلوماسي، كنا ضعفاء حقّا، لا نملك جيشا مدجّجًا بأحدث الأسلحة، ولا مشروعًا سياسيّا يرعاه دبلوماسيون حاذقون كما كان لدى الآخرين.

ويقول: "وبحثْنا عن علَمنا الوطنيّ، فأرشدنا بُعدنا القوميّ إلى بيت الشعر إيّاه، الذي أغدق على الألوان الأربعة أوصافًا قد تجافي الموصوف، ولكنّها تهيّج الحماسة".

يريد بيت صفيّ الدين الحلّي في قصيدته الرائعة عن معركة زوراء العراق ضدّ المغول:

بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا .. خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا

وهي الألوان التي شكّلت علم الثورة العربية الكبرى ثم علم فلسطين مع اختلاف في ترتيب الألوان. لكن هل العلم مستوحى فعلا من هذا البيت؟ ثمة معلومات تاريخية تتحدث عن رسمه بالتعاون مع شخصيات بريطانية، والموضوع يستحق البحث.

أراد درويش من نصّه أشياء، وأردتُ أنا أشياء في تأويلاتي له..

ولكنْ ما الذي نريده نحن في هذه الورطة التاريخية التي نعيشها؟

هل أقول: في هذا الذلّ؟ في هذه الخيمة التاريخية التي ملأتها ثقوب الوهن بماء الهزيمة؟!

ماذا فعلنا نحن المتنعّمون في عواصم هذا العالم الخربة؟

نحن الذين نتأفف من بللٍ قليل يلامس أجسادَنا حين يَزخُّ علينا الشتاء في الطرقات..

نعتذر لأمّهاتنا الصابرات في الخيام عن خطيئة وهْننا وهواننا.. ثم نمضي بوجوه متمعّرة مدركين أننا لم نفعل شيئا، ولكنّا نحاول إقناع ضمائرنا بأنّا عاجزون، وأنّ استياءنا كافٍ، وأنّ الحياة ستمضي رغم كل شيء..

بيد أنّ المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان لا ينفق عمره في شيء لا يرضي الله، ولا يسعى في مساعي اللهو والغفلة والفساد، ولا يضع الدنيا أمام ناظريه فيسعى إليها وهو يدرك في قراره قلبه أنّ هذا كان مبتدأ سقوطنا!

المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان حين يرى رأس أمّته منكّسًا في التراب يهبّ لرفعه وليمسح عنه وحل الهزيمة والسفول، ولا يطؤه بقدميه وهو يزعم أنّه يبكي تأسّفًا عليه!

فماذا فعلنا نحن الذين تمعّرت وجوهنا لله – كما نزعم – كي نخرج من مستنقع نكساتنا ونكباتنا؟!

شريف محمد جابر

20 Nov, 07:53


المعنى الذي يغيب كثيرا..

أبو حامد الغزالي.. أيها الولد المحب

شريف محمد جابر

19 Nov, 07:52


يقول الشيخ الفاضل: لم أجد أسبق من النبيّ صلى الله عليه وسلّم في إعطائه مكانة للمرأة.

أتدرون أين المشكلة؟

المشكلة ليست في النصوص التي سيحشدها من أراد لتعزيز هذا الموقف، ولا في القناعة بأنّ المنهج النبوي المحمّدي هو المنهج الأسمى في معاملة الخَلْق جميعًا بما فيهم النساء، فهذا ما أدين الله به.

المشكلة أنه تورّط باللجوء إلى النصوص الشرعية بمنظار غربي، أي أنّه حمل مفاهيم هذا العصر الغربية المركزية، ونظر من خلالها إلى نصوص الشريعة والسيرة.

مفهوم "تعزيز مكانة المرأة" مفهوم غربي بامتياز، له سياقاته التاريخية والدينية والفلسفية المعروفة لدارسي التاريخ الأوروبي، وحين نتّخذه مجهرًا نرصد من خلاله الشريعة والتراث لا يغدو مجرّد قالب أو مصطلح محايد نملؤه بمحتوانا الشرعي كما يظنّ بعض المتشرّعين، بل يصبح فاعلا ومؤثّرا في توجيه رؤانا وصياغة أهدافنا في الدعوة والكتابة والتنظير.

ومن طريف ما طالعتُ في كتب المتقدّمين قول الحكيم الترمذي في مقدّمة كتابه "الأكياس والمغترّون" (ونسبه الغزالي خطأً إلى محمد بن علي الكتاني في بدايات الإحياء)، حيث قال الحكيم: "الحمد لله وليّ الحمد وأهله. أمّا بعد، فإنّا وجدنا دين الله مبنيًّا على ثلاثة أركان: على الحقّ والعدل والصدق؛ فالحقّ على الجوارح، والعدل على القلوب، والصدقُ على العقول".

وبصرف النّظر عن موافقتنا للحكيم أو مخالفته في ذلك، ولكنّ الفكرة أنّه "نظر في دين الله" – كما قال - بغير منظار غربي أوروبي يرى فيه الدين قائمًا على العدالة والحرّية والمساواة كما نَظّر بعض المسلمين في هذا العصر!

وانظروا إلى مفردة "الصدق" في كلام الحكيم، هل فكّر أحد اليوم من أولئك المتحدّثين في مقاصد الدين وغاياته العظمى فأدرجوا فيها غايات الثورة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية.. هل فكّروا في قيمة الصدق باعتبارها قيمة تميّز هذا الدين وغاية عظمى ينشد تحقيقها السالكون فيه؟!

ولا شكّ أنّ الحكيم الترمذي وكل كاتب متأثرٌ بثقافة عصره غيرُ قادر على الاستقراء المجرّد، فلا وجود لإنسان مجرّد عن ملابسات بيئته وثقافته.. ولكنْ ثمّة فرق بين من يكون الميراث الشرعي واللغوي هو المحرّك الأساسي لاستقرائه، وبين من يكون استقراؤه نابعًا من مؤثّرات حديثة ودوافع واضحة في تقديم الدين متصالحًا مع ثقافة العصر الجاهلية بطابعها، وتلك أسوأ رسالة نقدّمها عن هذا الدين!

شريف محمد جابر

18 Nov, 22:46


ووردَ عليّ كتابك يا أخي، وكتابٌ بعد كتاب، ووكّدتَ في ذكر عيوب النفس في باب المعرفة. فإنْ قدرتَ يا أخي ألّا تشتغلَ بذكر العيوب - وكلّ هذا سوى الله تعالى - فافعل؛ فإنّ لله عبادًا عرفوه معرفةً وأنكروا كلَّ شيءٍ دونه، واتّقوا من ذكر النفس وخافوه، فكأنّهم إذا ابتُلوا بذِكرها تَدور بأحدهم معدته حتى يكاد يقيء!

وكيف يقدر مَن جال في بساتين الورد والياسمين والنسرين أن يرتع في بقاع الشوك؟! أم كيف يقدر من صار ذكر الجليل له غذاءً أن يستمع إلى ذِكر غيره؟!

العلم بالله، والمعرفة لله، والعقل عن الله: مَن حَوى هذه الثلاث حَيِيَ قلبُه بالله تعالى، ونعم بالُه، وطابَ روحُه، وصحّتْ عبودته، وظفر بالحرّية من رِقّ نفسِه، وعلتْ رتبته، وبرزتْ منزلته، وسادَ أشكالَه، وكرم على مولاه، ونال منه فوق أمله في العاجل والآجل.


(من رسالة لأبي عبد الله الحكيم الترمذي إلى أبي عثمان النيسابوري، أحد أكبر شيوخ الملامتية في عصره)

شريف محمد جابر

17 Nov, 22:39


فُتنت بالشعر منذ الصغر، بل كان من عيوبي التي أُلمَز بها في بيئة مدرسية فاسدة نشأت فيها، إذ كنت أُلمَز باثنتين: الشعر، والتردّد طويلًا على مكتبة المسجد الجامع!

وحين جاء الوقت لأقرض الشعر الموزون في الشباب الباكر، عكفت عليه مدّةً، وخالطتُ بعض أهل الشعر في بيئتنا المحلّية وفي ملتقيات الشبكة الأشهر، التي كانت مشحونة بالشعراء، والذين صار بعضهم اليوم من الأوجه البارزة في الساحة الشعرية العربية.

لقد خلصتُ خلال اشتغالي بالشعر ومخالطتي للشعراء إلى نتيجة كان قدّ علّمنا إيّاها كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، مفادها: أنّ الإيغال في الشعر مفسد لأخلاق المرء على درجات.

أن يكون الشعر "هوسك" الذي يحرّكك، أن يكون حلمك أن تصبح شاعرًا مفلقا يُعجب الناس بما يقرض ويصفّقون له على المدرّجات، أن يكون حلمك أن تغدو المتنبي أو أبو ريشة أو درويش زمانك.. تلك إذن فتنة كبرى، ستسلبك الكثير من القيم الصالحة!

قال لنا الله سبحانه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 224-227). والآية توضّح أنّ رسالة الإنسان الأولى في الحياة هي الإيمان وعمل الصالحات وذكر الله عزّ وجلّ ومكافحة الظلم والظالمين، هذا ما يتمحور حوله المؤمن، وحين يصبح كونه "شاعرًا" هو محور حياته يغوي ويتّبعه الغاوون!

وقال لنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: "لأنْ يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا" (صحيح البخاري)، وفي رواية لمسلم: "بيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالعَرْجِ إذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ، لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" (صحيح مسلم).
وأفهم من الحديث ما فهمته من الآية: أنّ التمركز حول الشعر - هويّةً وممارسةً - هو طريق الشيطان ومنبع للضلالات.

وربّما تبدأ زلّات الشعر خفيفة: كاستعمال لفظ تُشمّ منه رائحة إساءة أدب مع الله جلّ جلاله أو مع الدين، لكن الشاعر الغارق في ذاتيّته هنا يتجوّز ويسوّغ لنفسه (كما أخبرني شاعر فاضل يومًا) ويردّد على نفسه وعلى المعترض أقاويل بعض النقاد قديما وحديثا التي تدور حول "يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره"، وهكذا يبدأ حبل الغواية، ويتّسع الرقع على الراقع، إلا من رحم ربّك وحافظ على تذكير نفسه.

وربّما تصبح الزلّة مفاضلةً بين مكاسب الانضمام إلى برنامج تلفزيوني شهير، حتى لو كان على حساب التطبيع مع الحكومة التي ترعاه وتلمّع نفسها به وما يجرّه ذلك.. وبين حسنة البقاء بعيدًا عن هذه الأجواء/الأضواء.. ثم يغلب جانب المكاسب المعجون بالمباهج والبهارج والأضواء التي تلوح للشاعر المتحلّق حول ذاته الشاعرة.. وتنزلق الأقدام إلا من رحم ربّك، وربّما صار يومًا حملًا وديعًا مبتعدًا عن أي ملامح سياسية تغضب الحكومات في شعره، أو انتهى حاله إلى مديح الباب العالي!

ومع كل ذلك لم أترك كتابة الشعر يومًا ولا قراءته لزيادة رصيدي الأدبي واللغوي. ربما يغيب الشعرُ لسنوات فلا أفتقده إلا قليلًا؛ لأنّ بين يدي ما أشتغل به ويهمّني ويملأ عقلي ووجداني مما هو أولى من الشعر. وربّما جاءني يومًا لأقرض شيئا من وحيه، فهو نفثات يُنفّس بها المرء عن قلبه، وحين يتحوّل إلى مهنة تُحتَرَف ويسعى لترسيخها والاشتهار بها؛ يجاور الإنسان وادي عبقر بغير حصن لقلبه!

شريف محمد جابر

16 Nov, 19:31


لكن الذي حدث أن ابن عبد الوهاب رحمه الله قَبِل الصفقة الآثمة، وهي – كما يقول شيخنا عبد المجيد الشاذلي رحمه الله: "أنَّ الدَّعوة الوهَّابيَّة قد قامت على أساس: "إنَّ اللهَ لَيَزَع بالسُّلطان ما لا يَزَع بالقرآن"، ونَسِيَت قَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران : 110)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَّدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران : 104)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَّهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف : 159)، وقَوْل الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَّهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف : 181).

فَهُمْ قد ركَّزوا على دور السلطة، ومعها الصَّفوة، ولكنَّهم نسوا دور الأمَّة، وكانت الأمَّة غائبة عن القضيَّة أصلاً، أمَّا السُّلطة فقد وقعت في براثن الصليبية الدولية، وكانت الأمّة غائبة عن القضيّة أصلا، ففرحت بالمسرّات التي جلبتها إليها السلطة، وضاقت بتشديدات الدعوة الوهابية، أو الدّين، وتريد الانسلاخ، ثم سُلِّطَت الفتنة على الصّفوة، ولم يبق صامدًا منها إلا القليل، فبين: [خيانة سُلطة، وغياب دور أمّة، وتحالف أمّة مع سُلطة، وتمزُّق صفوة]، فهنا: [الواقف يكون أضيع من الأيتام في مأدُبة اللِّئام].

ولو كان دور الأمَّة قويّا لاختلف الموقف، ويوم أن كان دور الأمَّة أقوى بعض الشَّيء من الآن، كان باستطاعة ابن باز وغيره أن يُكلّم: فيصل، وأن يقول له: "يا فيصل، كذا"، وليس : "يا جلالة المَلِك"، وكان له سطوة، وله نفوذ، وله كلمة، أمّا الآن فقد أصبح رجال الدِّين عبارة عن: [جهة تبريريَّة لما تفعله السُّلطة]، كما يحدث في مصر وفي غيرها، لأنَّهم فقدوا سُلطتهم بعدم مُساندة الأمَّة لهم، وبغياب دور الأمّة". انتهى كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي، هذا وقد توفّي الشيخ رحمه الله عام 2013، وكلامه هذا من تسجيل منذ منتصف التسعينيات، فكيف لو رأى جنيفر لوبيز وهي ترقص عارية؟ وكيف لو رأى مجسّم الكعبة؟ وكيف لو رأى الأصنام تُبعث من جديد! (سأضع رابط كلامه هذا كاملا هنا).

والخلاصة أنّ ما يحدث الآن ليس درسًا في فساد هذه الفئة فحسب وفساد الأنظمة التي تحكم الأمة، بل هو درس في فساد الاستبداد وقبحه ومآلاته الخطيرة، حتى لو كان في البداية استبداد "صالحين"، فلا بدّ أنّ عاقبته الفساد والإفساد، وهذا هو درس التاريخ الكبير الذي أرى أنّ كثيرا منّا لم يستوعبه بعد! والله المستعان.

كلام الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله:

https://www.facebook.com/photo/?fbid=10152272456158583&set=a.136435663582

شريف محمد جابر

16 Nov, 19:31


لماذا غنّت جنيفر لوبيز عارية في قلب نجد؟
وكيف عادت الأوثان تتلألأ في قلب جزيرة العرب؟

الفساد الموغل في القبح الذي نراه في السعودية الآن والذي بدأ يظهر بشكل فجّ منذ سنوات هو – بتبسيط غير مخلّ – نتيجة مباشرة للاستبداد في الحكم، أي لوقوع الأمة تحت هيمنة فئة أو أسرة حاكمة تسيطر على كل مقاليد الحكم ولا تُمكّن الأمة من المشاركة في الحكم من خلال "الجماعة" التي تمثّلها، وهي المذكورة في الخطاب الجماعي في الكتاب والسنّة وسنّة الخلفاء الراشدين.

ومن أمثلة هذا الخطاب قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث السفينة: "وإنْ أخذوا على أيديهم؛ نجوا ونجوا جميعًا". وقول أبي بكر رضي الله عنه في خطبته الشهيرة: "وإنْ أسأتُ فقوّموني".

هذا الوضع الجماعي الذي كُلّفت به الأمة لم يكن بالإمكان تحقّقه في عهد الخلفاء الراشدين (وهي الحالة القدوة التي نعود إليها دائمًا مرجعًا لنا) إلا بوجود الجماعة الفعلي في تفاصيل اتخاذ القرار كما تخبرنا سير الراشدين وخصوصا الشيخين رحمهما الله، وهو يعني: مشاركة الأمة في الحكم من خلال نخبها الراشدة الممثّلة لها والمتّصفة بالكفاءة والعدالة.

وهو أَولى في عصرنا هذا الذي تضخّم فيه حجم المجتمعات ولم يعد بالإمكان وضع مصير عشرات الملايين في كل قطر بيد أسرة أو حزب أو فئة عسكرية ضيقة تتصرف بحسب مصالحها، والذي يحدث عادةً أنّ القوى المعادية للأمة سرعان ما تهيمن على هذه الأسرة أو الفئة وتُصرّفها لمصالحها لا مصالح الأمة، أو تبتزّها وتحلِبُها، أو تتغير معتقدات تلك الفئة فتميل إلى مذاهب فكرية وأخلاقية معادية لدين الأمة وتحاول فرضها كما يحدث اليوم في الخليج.

في دولة الهند المغولية السنّية العظيمة لدينا نموذجان واضحان يعبّران عن أزمة الاستبداد هذه، نموذج جلال الدين أكبر (963-1014 هـ)، ونموذج حفيده أورانكزيب عالمكير (1068-1119 هـ)، فكلامها حكم لنحو 50 عامًا. قرّر الأول تبنّي "الدين الإلهي"، وهو مزيج من الهندوسية والإسلام والمسيحية والزرادشتية والبوذية! (وهو يذكّرنا بمشروع "الدين الإبراهيمي" المعاصر!) ومضى حفيده في إصلاحات في إقامة الشريعة، فبأمره وُضعتْ "الفتاوى العالمكيرية" المعروفة باسم "الفتاوى الهندية"، وكان تقيّا عالمًا، ينسخ المصاحف ويرسلها لمختلف الأقطار، ملغيّا لكثير من المكوس، إلى غير ذلك مما دلّ على صلاحه وإصلاحه، رغم زلة كبيرة وقعتْ منه إذ أعطى امتيازات لشركة الهند الشرقية البريطانية.

هذان النموذجان يوضّحان كيف أنّ قرار حاكم (سواء كان صالحًا أو مفسدًا) يتحّكم بمصير أمة كاملة! وهذا أمر لا يرضاه الله كما وضّح في كتابه، ونصوص الكتاب والسنّة وآثار الراشدين توضّح ضرورة عدم الوقوع فيه. ترى هل كان أكبر قادرا على فرض الدين الإلهي (الذي رفضه معظم العلماء وعارضوه) لو كانت هناك "جماعة" مشاركة في الحكم تأتمر بأمره ولكنها تأخذ على يده وتأطره على الحقّ أطرًا وتقْصُره على الحقّ قصرا كما أشار الحديث الشريف؟ وهل كان أورانك زيب سيقع في فخ شركة الهند الشرقية التي تحولت بعد عقود قليلة إلى احتلال كامل للهند لو أنّ قراراته السياسية المتعلّقة بمصير أمة كانت مدروسة باستشارة الخبراء الأمناء المخلصين؟!

ولكنْ حتى اليوم مع الأسف، ورغم تجربة التاريخ الإسلامي المريرة في قضية الحكم وما جلبته من مآسٍ ودخول في ولاءات الكافرين وإضعاف الأمة وإنهاكها.. رغم كل ذلك ما زال بيننا من يرفض الخوض في هذه الأمور، ويرى تاريخنا الإسلامي صفحة بيضاء مشرّفة، ولا يرى بعضهم إشكالا في التوريث، ولا في أن تهيمن فئة أو تنظيم أو حزب على الحكم بعد استلامه وتقرر هي وحدها في غرفها المغلقة مَن يكون الحاكم؟ وكيف تسير سياسة الأمة واقتصادها؟ وكيف تصرّف مقدّراتها؟

ولم تعمل كثير من التوجهات والحركات العاملة على تقديم حلول لهذه المعضلة الأساسية التي تكاد تعصف بكل الجهود والتضحيات، إلا من رحم ربّك، وهو خير ولله الحمد.

لم يكن في بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (أيّا كان رأيك في مذهبه) أنّه سيخرج من نسل الأسرة التي وضع يده في يد مؤسس دولتها الأولى محمد بن سعود علمانيون كارهون للتوجه الإسلامي كابن سلمان وأبيه، يعملون جهدهم لحرب الإسلام وإعادة الأوثان التي هدمها بيده ويد آل سعود في عصره!

بل لم يخطر في باله أنّه سيخرج من نسله بعد قرنين ونصف من وفاته علماني إباحيّ جَلد كتركي آل الشيخ، لينصَّب على هيئة للترفيه ونشر الفسق والفجور، جاءت على حساب تقليص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!

شريف محمد جابر

16 Nov, 10:26


في كتاب الله: الأنبياء وورثتهم من الأئمة والصالحين من الدعاة هم الذين يعملون على تغيير الفساد الذي يمارسه الطغاة. ولذلك عمد السيسي وابن سلمان وأضرابهم على زجهم في السجون فتخلو لهم الساحة. إذا لم يكن العلماء العاملون هم قادة التغيير ولم تعمل الأمة على توقيرهم واستنقاذهم من بطش الطغاة فلا إصلاح في هذه الأمة.

شريف محمد جابر

14 Nov, 22:00


من مظاهر فوضى الاستدلال بالقرآن الكريم والسنّة النبوية والسيرة: جَعلُ ما محلّه "المُلَح" و"اللطائف" موضع "المقاصد الكبرى"، فينهمك الباحث في إثبات نظرية معيّنة من خلال تتبّع إشارات ضعيفة غير قطعية ونسْجها لتتّفق مع مسار واحد ربّما يكون قد تحدّد لديه مسبقًا.

لا يمكن بناء نظريّة سياسية أو حركية متكاملة تتعلّق بالأمة كلها وبمصيرها بناء على تأويلات لم يقل بها أهل التفسير بل قالوا خلافها، أو افتراضات شديدة الظنّية تنحو نحو التفسير الرمزي أو الإشاري! ولا أقول إنّ التفسير المعاصر للقرآن محظور، أو إنّ ربطه بالأحداث المعاصرة ممنوع، ولكنّه يبقى شيئا من مجال "الظنّيات" و"الاجتهاديّات" وينبغي التعامل معه بحذر، وليس من قواطع القرآن ومقاصده الكبرى وتوجيهاته المحكمة.

في القرآن والسنّة والسيرة "دروس وعبر" نستفيدها بعد الأحكام الشرعية القطعية الثابتة فيها، لكن لا يمكن لأحد أن يفسّر أحداثًا معاصرة بناء على فهمه هو لبعض الآيات، فيربطها بها ربطًا محكمًا يدخله هو ومن صدّقه لاحقًا في متاعب نفسية وإشكاليات فكرية!

ومن الجيّد في هذا الباب قراءة المقدّمة التاسعة من مقدّمات كتاب "الموافقات" للإمام أبي إسحاق الشاطبي، حيث فرّق بين "صلب العلم" و"مُلَح العلم" و"ما ليس من صلبه ولا مُلَحِه". فأصل العلم هو ما كان قطعيّا أو راجعًا إلى أصلٍ قطعيّ، والمُلَح ما كان راجعًا إلى ظنّي أو إلى قطعي تخلّف عنه خاصّة من خواصّ ذَكرَها، وما ليس من الصلب ولا من المُلَح هو "ما لم يرجع إلى أصل قطعي ولا ظنّي، وإنّما شأنُه أن يَكرَّ على أصله أو على غيره بالإبطال". والتفاصيل عند الشاطبي.

ما يهمّني في هذا الباب التأكيد بأنّ حاجة الأمة اليوم هي ترسيخ القطعيات والثوابت، فهي التي يتناولها أهل الزيغ اليوم بالإنكار والتشكيك والشبهات، أما بناء المناهج الشرعية والحركية على المُلَح بل ما هو أدنى منها فمن شأنه هزّ ثقة الناس بالخطاب الشرعي المعاصر؛ إذ هو خطاب يُكثر من الدعاوى والوعود المبنية على توافقات مع النصوص يزعم أصحابها أنّها قطعية مع أنها بعيدة جدًّا عن الظنّ المحمود في الاجتهاد الشرعي، وكثير منها تخرّصات لا أصل لها.

وقد استمعت مؤخرًا إلى رجل يفسّر شطرًا من آية بتفسير غريب، فوجدته لا يوافق فيه أحدًا من أهل التفسير، وجميعهم على رأي واحدٍ خلافه، ولكنّه لا يذكر ذلك في محاضرته، بل يقدّم رأيه بكامل الثقة وكأنّه منطوق الآية!

وأخيرا، أنصح كل مستمع لأيٍّ من المعاصرين أن يراجع كل تفسير يصدر عنه لكتاب الله تعالى على ضوء ما قاله أبرز المفسّرين، وخصوصًا المتقدّمين، وألّا يأخذ كلامه ولا لغة جسده الواثقة ولا المناسبة الظاهرة التي تبدو "مقنعة" دليلا على صحّة كلامه.

لا تشرب كلامًا في دين الله وكتاب الله بغير تمحيص وتنقيب، فهذا من دروس القرآن القطعية الأَوْلى بالأخذ والاستمساك من جميع تلك التأويلات المعاصرة، والله أعلم.

شريف محمد جابر

14 Nov, 19:10


من المعضلات الكبيرة والأمراض الخطيرة التي تقف حائلًا أمام نهضة هذه الأمة كما يرى الشيخ الأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله ما يسمّيه "الشخصية الإيحائية"، وألخّص لكم بشيء من التصرّف بالعبارة ما قاله في سلسلة صوتيّة قدّمها في تسعينيات القرن الماضي.

قال رحمه الله: إنّ خامة الأخلاقيات العامة في المجتمعات الإسلامية الحالية رديئة، يتأثر فيها الإنسان بالإيحاء، ويرى أنّ هذا يعود إلى عناصر عديدة تراكمت عبر مدة طويلة من الاغتراب واللامبالاة والخضوع للحكام وعدم الرغبة في التغيير والاستخفاف {فاستخفّ قومَه فأطاعوه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} والإذلال طويل المدى والبُعد عن المشاركة والاستبداد بالحكم.

وقال إنّ الناس في مصر ظلّوا مدّة طويلة مثلا يصدّقون بأنّ الملك فاروق يأتي بأربعة ديوك رومي تُضغَط له حتى يأخذها في فنجان شوربة!

وقال إنّ هذا المثال وغيره سببه أنّ الشخصية "إيحائية"، تسير بروح القطيع وليس بروح الفريق، يفكّر المرء بعقل جمعي، ولذلك قال الله تعالى: {قلْ إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مَثنى وفُرادى ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم مِن جِنّة إنْ هو إلّا نذير لكم بين يدَي عذابٍ شديد} كي يبعدهم عن عقلية القطيع والعقل الجمعي الذي يفكّر بالإيحاء أو يتأثر بالإيحاء دون أن يفكّر في صحّة التوجّه الذي هو ذاهبٌ إليه؛ هل هو صحيح أم خطأ؟ فهو يسير مع القطيع ملغيًا عقلَه، كالبغل يركب القضيب ويُسحب منه فيسير ولا يعرف إلى أين يذهب!

يستمر الشيخ موضّحا: قد يكون له عقل وذكاء، ولكن لا يقوم بتشغيله لأنّه تربّى على سياسة القطيع والإيحاء، يأتي إليه أحد ويهيّجه بكلمتين كأنْ يقول: يا جماعة.. إلخ.. فيسير خلفه. وإذا أراد أن يقول كلاما مخالفا لهذا التوجّه الذي سارت به الجماعة فإنّ الباقين سينزعجون منه، وهو لا يريد أن يُغضب أحدًا، فيسير معهم.
ويستطرد الشيخ في الحديث عن "الحرمان العاطفي" وعدم استقرار الأسرة وما ولّده من إغراق عاطفي ضمن الجماعات الإسلامية وخوف الفرد من الحرمان من هذا الإغراق فينصاع للتيّار.

لكنّ الفكرة أنني عدت إلى كلام الشيخ رحمه الله هذا حديثًا (وكنت قد سمعته منذ سنوات طويلة) حين شعرت في الآونة الأخيرة بشدّة "تأثير الإيحاء" هذا، ووجدت شواهد له عبر شهور طويلة في أكثر من موقف، وأيقنت بشدّة أنّ هذا المرض يحتاج إلى معالجة كثيفة وإلى توارد المعالجات من أكثر من جهة وبأكثر من أسلوب، فهو عائق كبير أمام أي تفكير حكيم وجاد، ووجدتُ من سماته التي تعيش بيننا أن النّاس تقتنع بما يروي رغباتها وعواطفها، فالأطروحة التي تقدّم لها مستقبلًا مزهرًا أو نصرًا أو بشريات قريبة غير واقعية تلقى رواجًا لما تصادفه من رغبات في نفوس الناس، لا بما تقدّمه من مستندات شرعية أو واقعية!

بل وجدت الكثير من الباحثين يتوجّهون إلى كتاب الله وإلى السنّة النبوية وإلى السيرة بروح "إيحائية" إن جاز التعبير، تبحث عمّا يُرضي العاطفة الجمعية أكثر مما تبحث عمّا يصلح عقول الناس وقلوبهم وسلوكهم.

والحديث يطول في هذا الباب، ولعلي أنشط قريبًا للكتابة فيه بتفصيل أكثر، والله الموفق.

شريف محمد جابر

14 Nov, 08:39


من مظاهر ازدواجية معاييرنا أننا نبذل كل جهد في محاولة نفي وجود شعب يهودي، ونردد السرديات اليسارية الغربية حول اختراع الصهيونية المسيحية لفكرة الدولة اليهودية وأنها لم تكن موجودة في الدين اليهودي (وهو طرح مغلوط)، ونستشهد بكتابات شلومو زاند حول "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل"..

لكنْ حاولْ أن تخبر أحد هؤلاء بأنّ الشعب الفلسطيني شعب مخترع، وأنّ الدولة الفلسطينية لم تكن يومًا موجودة، وأنّ بريطانيا هي التي اخترعتها.. سيحدّثك الأخ عن "الأمر الواقع"، وسيجلب لك شواهد غير ذات صلة من النصوص الدينية ليثبت أصالة الهوية الفلسطينية!

إذا كانت القضية قضية "أمر واقع" فلا حاجة لكلّ هذا التنظير، وإذا تبنّينا نوعا من التنظير فعلينا الالتزام بمقتضياته سواء كان في صالحنا أو ليس في صالحنا، فالحقيقة دائما في صالحنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}.

شريف محمد جابر

13 Nov, 22:06


قل لي يا أخي ما نفع علمك إذا كنت تفخر بطاغيةٍ عدوٍّ للمسلمين أو تعترف بشرعيّته الساقطة أو لا تبالي بمدحه؟!

العلم قبل كل شيء مواقف أخلاقية، فإذا كنت لا أستسيغ أخذ العلم عن رجل ممتلئ بالعلم النظريّ ولكنّه قليل المروءة فاحش الخلق بذيء اللسان، فلا آخذه أيضًا عن موالٍ للطغاة المجرمين، مزيّنٍ لهم في عيون النّاس ولو بشطر كلمة.

من أخطر ما تمرّ به الأمة اليوم أنّ أوضاعها السياسية – الناظمة لأوضاعها الأخلاقية والتشريعية – ليست بيدها، ومن أوجب الواجبات على العلماء؛ أولي الأمر الذين يُرتجى منهم قيادة الأمّة إلى برّ الأمان، أن يساهموا في تغيير هذه الأوضاع لتكون في يد الصالحين من أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، كي يستضيء الناس بأنوار العلم بعد إزالة أثقال الظلمة التي تنخر عقولهم وقلوبهم في النظام التعليمي والإعلامي والتشريعي والاقتصادي وغيرها، وكلّها بيد الدولة.

فكيف إذا كان العالم أحد أدوات السلطة الفاسدة المفسدة أو أحد المصفّقين لها أو المزيّنين لها في عقول النّاس؟!

شريف محمد جابر

12 Nov, 06:52


لست من المعجبين بفكر الشيخ الألباني رحمه الله وأجزل له العطاء، بل لديّ نفورٌ شديد من بعض فتاويه وأطروحاته، لكنّ فكرة الطعن فيه وإهدار قيمته تمامًا لأنّه "لا شيوخ له"، وربط الأخطاء التي جاء بها في المنهج والفتاوى كلها بهذا الأمر فكرة غير صائبة بنظري. لدينا جيش من المشايخ المعاصرين ممن كان لهم شيوخ تقليديّون كبار وقد جاؤوا بطوامّ تفوق ما جاء به الألباني، فماذا نفعهم أخذهم عن المشايخ؟

لدينا مفتٍ سابق قديم لمصر صرف كثيرا من آيات القرآن عن حقيقتها وأوّلها تأويلا يناسب التطوّر العلمي الحديث، فضلا عن علاقات وآراء وأفكار طعن فيه من أجلها بعض المتشرّعة، فهل نلغي كلّ علمه ونهدره تمامًا وننكر كل فضيلة له؟

ولدينا طوام من بعض مَن تلقّوا العلم الشرعي "على أصوله" على الشيوخ، فلم يعصمهم التلقّي عن الشيوخ عن الخطأ والزلل والانحراف، فليست الاستقامة الفكرية أو العلمية أو الأخلاقية منوطة بهذا، بل هي منحة من الله يكرم بها عباده المصطفين الذين يطلبون هدايته في كل حين، فهو وحده سبحانه الهادي إلى سواء السبيل، وهو وحده الذي يرشدنا إلى الصواب.

لا أقول هذا لأقلل من قيمة التلقّي عن الشيوخ معاذ الله، بل من وجد شيخا يتصف بالعلم والخلق واستقامة السيرة فلينكب على النهل من علمه وأخلاقه، وليعلم أنه لن يجد في الكتب والصوتيات والمقاطع المرئية ما يجده في إرشاد وتعليم من شيخ فاضل ممتلئ بالعلم والأخلاق.

ونحن في هذا العصر نسدّد ونقارب، فنبذل غاية الوسع في تلقّي العلم، فمن العلم ما يجري في قلبك وعقلك في خلواتك التي تناجي فيها الربّ سبحانه وتستعينه وتستغفره وتستهديه. ومن العلم مجالسة الشيوخ والعلماء وسؤالهم والأخذ عنهم وتدوين ملاحظاتهم وتصويباتهم. ومن العلم ما يتفتّح في ذهنك وقلبك وأنت تقرأ تفسير كتاب الله وشروح السنن. ومن العلم ما تشاهده من دروس وفّرت لنا الوسائل الحديثة نقلها بأحسن صورة. ومن العلم ما يحصل من مراسلات بين طلبة العلم والعلماء في كلّ فنّ.. إلى غير ذلك من الوسائل.

فهذه كلها وسائل تتفاضل فيما بينها، ويختلف أثرها من شخص إلى آخر، ومن عصر إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. لكنّ اللبيب من لا تلهيه الوسيلة عن نشدان الحقيقة، ولا تشغله تفاصيل الدروب عن طلب الغايات. والعبرة في النهاية فيما ينتج الإنسان من علم، فيقوّمه أهل العلم بما لديهم من علوم ودلائل، لا بما لديهم من ألقاب ومكانة.

وهذا الإمام أحمد بن نصرٍ الداودي المسيلي المالكي (ت 402 هـ) كان ممّن عُرف أنّه لا شيوخ له، وقد أنكر على علماء القيروان عدم خروجهم منها حين سيطر عليها العبيديّون الفاطميّون، لكنّ بعضهم أجابه "اسكت! لا شيخ لك". قال القاضي عياض مبيّنا ذلك: "أي لأنّ درسه كان وحدَه، ولم يتفقّه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنّما وصل إلى ما وصل بإدراكه، ويشيرون أنّه لو كان له شيخ يفقّهه حقيقة الفقه لعلمَ أنّ بقاءهم مع من هناك من عامّة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام، وبقيّة صالحة للإيمان، وأنّه لو خرج العلماء عن إفريقية لتشرَّق [أي صار على مذهب العبيديين الذين جاؤوا من المشرق] مَن بقي فيها من العامّة الألف والآلاف، فرجّحوا خير الشرّين".

والإمام الداودي من خير من يُذكّرنا بالشيخ الألباني، سواء لقلّة شيوخهما (كلاهما تلقّى عن عدد محدود جدّا من المشايخ وعُدّ ممن لا شيخ له)، أو بسبب تشابه فتوى الداودي (مع الفارق) بفتوى الشيخ الألباني حين سئل عن الهجرة من فلسطين، فقد استدلّ بهجرة النبيّ صلى الله عليه وسلّم من مكّة وهي أفضل من بيت المقدس على حدّ تعبيره، وإن كان قد نفى ذلك لاحقًا، لكنّ كلامه حول الأمر وإثارته كان إشكاليّا جدّا وأنكر عليه أهل العلم ولم يوافقوه عليه.

لكن هل أدّى موقف العلماء إلى إسقاط الداودي والإضراب عن علمه ومصنّفاته؟

التاريخ يخبرنا بقصّة أخرى، فالداودي الذي كان درسه وحده ولم يتفقّه في أكثر علمه على إمام مشهور ووصل إلى ما وصل بإدراكه – كما يخبرنا القاضي عياض – ترك من العلم ما انشغل به العلماء المحقّقون. وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم منهم القاضي عياض نفسه الذي قال عنه: "من أئمة المالكية بالمغرب، والمتّسعين في العلم، المجيدين للتأليف... كان فقيهًا فاضلًا عالمًا متفنّنًا مؤلّفًا مجيدًا، له حظّ من اللسان والحديث والنَّظَر".

وقال عنه الإمام السهيلي صاحب "الروض الأُنُف": "غير أنّ الداودي من أهل الثقة والعلم".

وقد ذكره في سياق المدح والاعتراف بإمامته قوم من العلماء منهم الإمام القرطبي صاحب التفسير، والإمام الشاطبي صاحب الموافقات، والإمام الذهبي، والإمام ابن فرحون والإمام زين الدين العراقي وغيرهم.

فانتفعوا يا معشر طلبة العلم بما أفاد به الألباني عالَم الحديث والتحقيق، واضربوا صفحا عن أخطائه وزلاته، وراجعوا نقّاده المجيدين فيما قدّم من علوم، فأنتم على ربوة عالية تشرفون منها على الصواب والخطأ، فتتعلّمون من تجارب السابقين، وتضيفون ما ينفع هذه الأمة إن شاء الله.

شريف محمد جابر

10 Nov, 22:43


أحد أوجه الإبهار اللغوي في القرآن، والذي أجده على المستوى الشخصي على الأقل، هو الانطلاق اللغوي الذي يتعالق مع كل العصور دون أن ينطوي شيء من دلالاته في حقبة تاريخية ما أو سياق اجتماعي ما، بل تظل للنصّ القرآني طلاقته التي تنشئ الرابط الواضح مع كل العصور، حتى حين تعالج الآية حادثة اجتماعية تاريخية في بلدة صغيرة قبل 14 قرنا كما في آية الحجاب جاء النص طليقا هكذا {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}، لم يحدد يُعرفن ممن؟ لم يذكر الإماء كما ذكرت أسباب النزول؛ لأنها ظرف اجتماعي متغير، بينما ظلت الآية طليقة على المستوى اللغوي، ترتبط دلالتها مع كل عصر، متجاوزة للتفاصيل الحابسة.

شريف محمد جابر

10 Nov, 13:15


إخوتي في الجزائر..

سألني كثير من الإخوة عن كتبي المتوفرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب العربي، وكنت أجبت بعضهم - مخطئا - بعدم توفرها، لكني تذكرت أن كتابي الأخير "لماذا هجرنا القرآن في بناء أصول الإيمان" متوفر في المعرض في جناح مكتبة الأسرة العربية، رقم الجناح: ( B41 AHAGGAR ).

يعالج هذا الكتاب إشكالية خطيرة في خطابنا العقائدي وهي الإعراض عن الانطلاق من القرآن في بناء أصول الإيمان، فيكشف عن الاعوجاج الذي حدث حين هجرْنا كتاب الله في هذا الباب، ويقوّم ذلك الاعوجاج بالنقد والنقاش والأدلّة، ويقدّم الدلائل القرآنية الكثيفة التي تُبرهن بما يقطع كلّ شكّ على مركزية القرآن في بناء أصول الإيمان، مفنّدًا بذلك المقولة التي تزعم أنّه لا يمكننا مخاطبة غير المؤمنين بالقرآن لأنّهم لا يؤمنون بصدقه، أو التي تزعم بأنّنا يجب أن نبدأ بإثبات وجود الله وصفاته الثبوتية وصحّة النبوة بالعقل المستقلّ قبل الاستناد إلى القرآن كي لا نقع في الاستدلال الدائري. كما يعرض الجهود التاريخية المباركة التي انطلقتْ من القرآن وأسّستْ هذا الباب عليه في القديم والحديث، فأضاءت لنا طريق العودة إليه لبناء أصول الإيمان.

أرجو لكم قراءة نافعة..

شريف محمد جابر

07 Nov, 20:30


هناك تصوّر ساذج وسيّء لدى كثيرين ممّن يحملون لواء "تصحيح العقيدة" وشعارات "التوحيد أولا" حول مفهوم الإيمان وفاعليّته في الحياة، بل لدى بعضهم ارتباطات مختلّة بحكومات معادية للدين أساسا، هذا كلّه معروف ومفهوم.. ولكنّ رفض الطرح العقائدي تمامًا تحت حجّة "مش وقته" أو أنّ هناك تحدّيات كبرى أولى بالاهتمام؛ يمثّل دورانًا حول معالجة "الأعراض" وتجاهلا للعوامل والدوافع والمسببات.

كثيرا ما يرفض بعض الإخوة المعالجات المفاهيمية الجذرية لقضايانا الكبرى، مع أنّ هذه المعالجات وفي ظلّ الواقع الراهن الضاغط نحو الانشغال بردود الأفعال هي من أولى ما ينبغي الانشغال به؛ لأنّ المشكلة تكمن في "نظام التشغيل" أكثر مما تبدو في شكل الانفعال اللحظي بالوقائع.

نظام التشغيل الذي ينطلق من منطلقات فاسدة وغايات فاسدة لن يُنتج لنا حلولًا نافعة حتى لو كنا واقعيين إلى أبعد مدى. والذين غيّروا في هذا العالم هم الذين كانوا يمتلكون منذ البداية رؤية ومنطلقات مختلفة عن الواقع السائد، هم الذين قال لهم أقوامهم: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا}.

و"الآلهة" التي يتمسّك بها النّاس اليوم كثوابت ومنطلقات كثيرة جدا، فما أحوجنا إلى إعادة التفكير فيها قبل التفكير في تغيير الواقع إلى الأفضل!

شريف محمد جابر

07 Nov, 13:43


أهلنا في المملكة، يمكنكم الحصول على كتبي من متجر صوان

شريف محمد جابر

07 Nov, 03:53


من باب التعريف بحقيقة العلم ما رواه أبو محمّد الدارمي (181-255 هـ) "عن موسى بن يسار عمّه قال: بلغني أنّ سلمان رضي الله عنه كتب إلى أبي الدرداء رضي الله عنه:

"إنّ العلم كالينابيع يغشاهُنّ الناس، فيختلجُه هذا وهذا، فينفعُ اللهُ به غيرَ واحد، وإنّ حكمةً لا يُتكلم بها كجسدٍ لا روح فيه، وإنّ علمًا لا يَخرج ككنزٍ لا يُنفَق منه، وإنّما مَثَلُ العالِم كمَثَل رجلٍ حمل سراجًا في طريق مظلم، يستضيء به من مَرَّ به، وكلٌّ يدعو له بالخير" (مسند الدارمي).

فكان التعريف بالعلم هنا من جهة نفعه وفائدته ودوره الحيويّ في الحياة الإنسانية. يدلّك هذا الأثرُ على ما ينبغي معرفته حقّا في سياق العلم كي لا تضلّ عن حقيقته، فإذا كنتَ تُراكم العلمَ من غير العمل به أو نشره والإضاءة به، ليكون بمنزلة "العلامات" التي تُرشد في الطريق؛ فأنت لم تفقه حقيقة العلم!

(من كتابي "منطق القرآن: إصلاح العقل على طريق الحق والصدق والعدل")

شريف محمد جابر

05 Nov, 14:24


يحضرني موقف كثير من المنظّرين العرب، بل بعض “الإسلاميين” مع الأسف، الذين يوجّهون نقدًا للمشروع الصهيوني متعلّقًا بالهوية، يقولون: إنّ هؤلاء لا يكاد يجمعهم شيء، فقد جاؤوا من دول وشعوب مختلفة، منهم الأشكنازي ومنهم الشرقي ومنهم الحبشي ومنهم البريطاني ومنهم الأمريكي إلخ على سبيل الذمّ.. مع أنّ ذلك الأخ الداعية سيتحدّث في مجلس آخر مشيدًا بالدولة النبوية التي ضمّت أبا بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وصَهَرتهم في هوية واحدة وولاء واحد!

كتبت هذا الكلام في مقالي الأخير الذي نشرته قبل أيام هنا: "لماذا يجب أن نتخلى عن هوياتنا الوطنية؟"

وأتساءل الآن: هل استلهمنا السيرة النبوية حقا في فهمنا للواقع؟ أم تجاهلنا الكثير من حقائقها الدامغة بخصوص الهوية وغيرها من القضايا الكبرى، بل تمادينا وأسقطنا مفاهيمنا المعاصرة عليها وقرأناها بأنظار كليلة تستمد من مفاهيم العصر أكثر مما تستمد من الهدي النبوي! حتى وجدنا اليوم من يستشهد لدولة المواطنة الغربية بدولة المدينة، أو من يستشهد بالأحاديث المتعلقة بأقاليم الإسلام وفضائلها على شرعية الهويات القطرية التي فرضها الاستعمار!

شريف محمد جابر

04 Nov, 17:52


يخطر لي أحيانا أن أمتنا في باب التربية تعاني من مشكلة التحيّز لجوانب معيّنة والإعلاء من شأنها، كأن يقول القائل: إن أساس التربية هو التنشئة على الجرأة والعزة والقوة، أو يقول آخر: تبدأ التربية من القراءة.

ولا شكّ أنّها جوانب مهمّة جدّا، لكنها كثيرا ما تتحوّل إلى "قوالب" لشخصيات تُناهض غايات التربية الإسلامية؛ فقد تصبح القوة والعزّة كبرياءً وتسلّطًا وقسوةً على المؤمنين، أو انبهارًا وإعلاءً لدور الجانب المادي في نهوض الأمة من كبوتها مع الغفلة عن الجوانب الأخرى.

وقد ينشأ الطفل نهمًا على قراءة كلّ شيء، حائزًا على مديح أهله وذويه ومعلّميه، ثم نكتشف لاحقًا أننا كنّا نربي مشروع ملحد كبير أو روائي إباحي أو كاتب "ديني" وصولي؛ لأنّ القراءة كانت لذاتها، ولم تكن متوجّهة ببُعد رسالي أخلاقي.

ما لم يكن "إصلاح القلب" أساس كل عملية تربية، وربطه بالله أولا وآخرا وبكل ما ينبثق عن هذه الحقيقة من حقائق الإيمان والإسلام، وما يبنى عليها من قيم وآداب وأخلاق.. فإنّ كل تربية تركّز على جانب من الجوانب هي عرضة لأخذنا بعيدًا عمّا نرجوه من الأجيال الصغيرة، التي نفرح كثيرا ونحن نراها تنشأ وتتشكّل أمام أحلامنا المتعطّشة لشيءٍ من المجد والعزّة والنهوض.

شريف محمد جابر

04 Nov, 17:14


قدوتي بعد الأنبياء شيخان؛ صدّيقٌ أقام الصدقَ في أموره كلّها، وفاروقٌ أقام الحقّ في أموره كلّها.
فأمّا الأول، فقد كان أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عتيق الله من النار، وقد أنابه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنه ليرشد الناس بعده ويؤمّهم،
وأمّا الآخر، فقد أعزّ الله به الإسلام، وكان أحوذيّا نسيجَ وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها، وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ غضبه عزّ ورضاه عدل.
قال عليه الصلاة والسلام: "إنْ يُطع الناسُ أبا بكر وعُمر فقد أَرشَدوا".

شريف محمد جابر

01 Nov, 17:56


ثمة أمر يجب التنبيه عليه لوقوع المغالطة فيه عند كثير من الناس، وهو جعلهم “الوطن” بمنزلة “القُطر السياسي”، وهو خطأ كبير؛ فالانتماء الجغرافي أو العرقي أمرٌ فطري تعارَف عليه البشر منذ آلاف السنين، ولكنّه ليس “هوية” تُشكّل تعريفنا الأول بذواتنا وتُحدّد ولاءاتنا ومواقفنا الأخلاقية. كما أنّ الانتماء الجغرافي يكون للمدينة أو القرية أو المنطقة التي ولد وعاش فيها الإنسان، لكنّه لا يكون للقُطر السياسي، ومتى تحوّل الانتماء إلى القُطر السياسي أصبح أيديولوجية غربية وافدة، لها مضارّ عانينا منها كثيرًا على مستوى الأمة ولم نكسب منها شيئا، فضلا عن عدم فطريّته ولا اتّساقه المنطقي، وإمكان التلاعب من خلاله بعقول الملايين وقلوبهم، وارتداء “الدولة” رداء “الوطن”، وتحويلها إلى “وثن” يُصرف الولاء إليه، وتُقطف المُهج من أجله، ويكاد يُعبد من دون الله!
من مقالي الجديد "لماذا يجب أن نتخلّى عن هويّاتنا الوطنية؟"

لقراءة المقال: https://bit.ly/3Yqg69r

شريف محمد جابر

31 Oct, 17:07


إذا كنت من الذين ما زالوا متمسّكين بهويّتهم الوطنية القُطرية التي تأسست في عهد الاستعمار الأجنبي لبلادنا، ومن الذين يرون في ذلك خيرًا للأمّة؛ فهذا المقال موجّه إليك، وهو دعوة إلى تحرّرك منها..

هذا المقال رسالة جادّة، ودعوة مفتوحة، وهو لا يستقلّ عن أيّ من الأحداث الكبرى التي تعيشها أمّتنا اليوم، بل يرى في "الهويات الوطنية" عائقًا كبيرا فاقمَ الكثير منها وتسبب في ضبابية رؤيتنا لطريق تحرّرنا ونهوضنا.

أرجو لكم قراءة نافعة، ولا تنسوني من جميل دعائكم..

لقراءة المقال: https://bit.ly/3Yqg69r

شريف محمد جابر

29 Oct, 21:49


ستظلّ مخالفة هوى النفس من أرحب السعادات الإنسانية التي يمكن للإنسان أن يعيشها إلى أن يصل الجنّة بإذن ربّه وعفوه ورضاه. ورغم ما يبدو من مشقّة وتعب وألم في مخالفة ذلك الهوى الشديد، تظلّ لحظات الانتصار عليه، والشعور بالعقل المستنير بأنوار الوحي وهو يقود الإنسان إلى خيري الدنيا والآخرة.. تظلّ هي الراسخة في القلب، الجالبة لسحائب الرضى والهناء الحقيقي.

شريف محمد جابر

28 Oct, 13:07


حين أقرأ في كتب التراث المشحونة بأقوال الفلاسفة الإغريق وغيرهم، وبالأحاديث الموضوعة والواهية والحكم التي لا يُعرف لها صاحب؛ أشعر بانقباض رغم اهتمامي بتلك الكتب، ولا يذهب ذلك الانقباض إلا بمطالعة كتب السنن الثابتة، ثم الآثار المسندة عن الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة الأعلام، وحينئذ يدرك المرء كم ظلمتْ هذه الأمة تراثها الأصيل حين أهملته وولعت بتراث الأمم الأخرى الخالي من أنوار النبوة.

أما القرآن، فذلك شأوٌ لا يبلغه الآدميون!

شريف محمد جابر

27 Oct, 20:17


"ما الظلم بالباقي ولا ربّي برحمته ضنين"

شريف محمد جابر

27 Oct, 16:39


هل تذكرون حين كنا نرى أطفال حلب والغوطة وإدلب قبل سنوات لمدد متطاولة يذبحون ويدفنون تحت الأنقاض ونحن نشعر بالعجز الشديد ونعاهد الله على أن نغير أنفسنا ونصحو من غفلاتنا.. ماذا ترك ذلك فينا الآن؟

والآن، ماذا ستترك هذه المشاهد التي تراها من القطاع فيك؟ هل ستقتصر على الألم والحزن ولعن العجز؟ أم ستفكر في شيء تنفع به أمتك وتساهم في بنائها فيما تحسن؟

هل ستظل منكبا على ما كنت عليه من تمركز حول إشباع الشهوات وأوهام تحقيق الذات بالانعزال عن الواقع؟ أم ستكسر قوقعتك الذاتية وتمضي لتصلح نفسك وتصلح مجتمعك بما تستطيع؟

هذه هي الأسئلة الحارّة التي ينبغي للشباب التفكير فيها بجدية.. وإلا فستكون نكباتنا المتكررة مجرد مواسم للألم والحزن والبكاء، تعقبها مواسم الغفلة والشرود من جديد!

شريف محمد جابر

26 Oct, 18:28


لا شكّ أنّ هناك من لا يتمكّن من التخلّص من اهتماماته التافهة حتى في خضمّ هذه الأوضاع المؤسفة التي يمرّ فيها عالمنا العربي، حيث تقام المجازر للمسلمين في فلسطين والسودان وسوريا وغيرها كل يوم، لكن يا أخي ويا أختي على الأقل تذمّموا قليلا ولا تبثّوا تفاهاتكم التي تزاحم أخبار الضحايا وصور الأطفال الممزّقة أجسادهم!

إنْ لم تكن هذه الأحداث بمنزلة صحوة لكثير منّا لنتخلّص ممّا تبقّى لدينا من اهتمامات تافهة وإضاعة للأعمار وتقصير في الواجبات الشرعية فمتى نصحو؟!

وإني والله لأخاطب نفسي قبل كل أحد، وأرجو أن تؤخذ هذه الرسالة على محمل الجدّ، من قلب رجل مقصّر في حقّ ربّه وحقّ أمّته وحقّ نفسه، ويرجو لقلبه أن يفيق كما يرجو لقلوب المسلمين.

شريف محمد جابر

26 Oct, 15:28


من الأمور التي أحب توضيحها أنني لا أهتم بأي منطق نقاش لا يبنى على الشرع الحنيف، مع مراعاة وجود أمور "اجتهادية" قابلة للاختلاف، ولكنّ مستند النقاش شرعي وأدواته شرعية، فلا يهمّني "المنطق الوطني" الضيق لأنّه منطق تالف ومصادم لمفهوم الولاء الإيماني، ولا المنطق "اليساري الثوري" الذي يحتكم إلى أهواء أصحابه، ولا "المنطق الإنساني" المزعوم الهشّ؛ لأنّ كل قيمة جيّدة للإنسان شملها الشرع الحنيف فهو لكل البشر.

كما أنّ هذا الكلام لا يسوغ قبول كلّ من يتحدث باسم الشرع، فلست بالخبّ ولا يخدعني الخبّ كما قال عمر رضي الله عنه، وأسهل ما يمكن للداعية الفاهم لدينه أن يكشف غربة هؤلاء عن الدين، وتفكيرهم بمنطق الطغاة الفاسدين لا منطق السلف الصالحين.

وأكثر ما أحبّه في منطق الشرع وما يزيدني ثقة به واطمئنانًا إليه وتمسّكًا به؛ أنّه يمتلك مرجعية تفصيلية شاملة، فضلا عن كونها ربّانية، محفوظة أحسن الحفظ، بينما معظم من يتحدث بمرجعيات وطنية أو إنسانية أو ثورية أو أشباهها يفتقد للمرجعية، وتعتور خطابه المزاجية، فضلا عن التحاكم إلى القيم الغربية المائعة المتبدّلة على الدوام.

كما أن المرجعية الشرعية الراسخة تعصم صاحبها – بإذن الله – من الخطاب الانغلاقي المتعصّب الأحادي الذي لا يرى الحقّ إلّا في رؤيته في المسائل التي تحار فيها الأذهان ويشيب لها الولدان، ويلقي بوصمات حادّة على كل مختلف معه كالخيانة والنفاق وغير ذلك، وهو يشبه في ذلك الخطاب "الخارجي" الذي وصفه التيار السائد في الإسلام بالخروج لكونه خرج عن معيار الشرع إلى الأهواء، فكان من رؤوس "أهل الأهواء".

شريف محمد جابر

26 Oct, 09:40


لطيف!

كتبه الناسخ على مخطوط لتفسير الراغب الأصفهاني (من علماء القرن الرابع الهجري).

شريف محمد جابر

25 Oct, 14:14


روى مالك بن أنس في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد: "أنّ أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أنْ هلُمَّ إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: إنّ الأرض لا تُقدّس أحدًا. وإنّما يقدس الإنسانَ عملُه...".

وفي رواية ابن أبي شيبة في "المصنّف" عن عبد الله بن هبيرة: "كتب أبو الدرداء إلى سلمان: أما بعد، فإني أدعوك إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد. قال: فكتب إليه سلمان: أما بعد، فإنك قد كتبت إليّ تدعوني إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد، ولعَمري ما الأرض تُقدّس أهلها، ولكنّ المرء يقدِّسُه عملُه".

وفي رواية أبي داود في "الزهد": عن حميد بن هلال قال: "أُوخيَ بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء بالشام، وسكن سلمان الكوفة، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإنّ الله قد رزقني بعدك مالا وولدا، وأُنزلتُ الأرض المقدسة. قال: فكتب سلمان إليه: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إليّ أن الله رزقك بعدي مالا وولدا، وإنّ الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكنّ الخير أن يعظُم حِلمك، وأن ينفعك علمك، وكتبتَ إليّ بأنك نزلت الأرض المقدسة، وإنّ الأرض لا تعمل لأحد، فاعمل كأنّك ترى، واعدد نفسك في الموتى".

فوائد الأثر:

- الإقامة والانتساب الجغرافيان لا يقدّمان أحدًا ولا يعطيانه فضيلة، فكيف إذا كان الانتساب للحدود الاستعمارية؟! بل العمل وموافقته للشريعة هو الذي يقدّم الإنسان أو يؤخّره. ولا ينبغي للمسلم التحسّر على أنّه يعيش بعيدًا عن أرض الملاحم في الشام، بل لعلّه يقدّم للأمّة من موقعه ما يربي على ما يفعله المقيم في الشام.

- وليفكّر كل مسلم في خندقه الذي يستطيعه ويرضي الله تعالى، ولا ييأسنّ من البذل والعطاء، ولعلّ الله ينفع فيه ويصلح بما لم يكن ليتصوّره، وبدلا من لوم نفسه فلينهض من أساه ولينهل من الكتاب والسنّة وسير السلف ليكون مثلهم في البذل والعطاء للأمّة. كان سلمان حكيمًا بحرا في العلم في العراق، ينصح أخاه أبا الدرداء الذي كان يعلّم القرآن في دمشق الشام، وكانا أخوين متحابّين متناصحين متصافيين.

- "الأرض المقدّسة" غير محصورة في فلسطين، فضلا عن أن تكون محصورة في "فلسطين الانتدابية" التي رسمت بريطانيا حدودها، بل تشمل سائر بلاد الشام؛ إذ كان أبو الدرداء في دمشق قاضيا، ودعا أخاه سلمان الذي آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما إليه.

- فإذا قرأتَ في الآثار عن فضائل بلاد الشام فلا تحسبنّها مخصوصة بسوريا الفرنسية وتنسى فلسطين، وإذا قرأتَ عن الأرض المقدّسة وأكناف بيت المقدس فلا تقتصر على ما أدخلتْه بريطانيا في حكومتها في فلسطين وتُخرج سائر بلاد الشام، فإنّما هي وحدة جغرافية واحدة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولها أهميّتها ومحوريّتها قديمًا وفي عصرنا هذا، وعدم الوعي بذلك وما يترتب عليه من الرؤية والعمل من أهم الآفات التي تعتري أفكار المسلمين في هذا العصر. وكل تمسّكٍ وافتخارٍ بالهويّات الاستعمارية الأربع التي مزّقت الشام (السورية، اللبنانية، الأردنية، الفلسطينية) هو خيبة وخسران، وتمترسٌ حول سرديات فاشلة تزيدنا ضعفا وشتاتًا.

شريف محمد جابر

24 Oct, 20:59


من خير ما ينهل منه الشباب في هذه الحقبة القاسية التي تمرّ على الأمّة الإسلامية سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ للتأسّي والاقتداء، ولأخذ الدروس والعبر الكاشفة عن طريق خروجنا من النفق المظلم الذي نعيش فيه، ولتثبيت القلوب وبنائها بهداياته صلّى الله عليه وسلّم، فإنْ لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلّم هو دليلنا في هذه الظلمة الحالكة فمن يكون الدليل؟!

يقول الشيخ صالح أحمد الشامي – فكّ الله أسره – عن قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21):

"ونحن كثيرا ما نستشهد بالآية الكريمة على ضرورة اتّباعه صلى الله عليه وسلم في كل أمر من أموره، وفي كل عمل من أعماله، وفي كل شأن من شؤونه.. بحيث تكون سيرته نصب عيني كل مسلم فيتأسّى به ويسير على هديه. وإذا علمنا أنّ هذه الآية نزلت في مناسبة غزوة الأحزاب.. علمنا أنّ هذا التأسّي ليس قاصرًا على قضايا السلم، بل هو ألزم في أوقات الأزمات، حيث يكون التأسّي به صلّى الله عليه وسلّم ثباتًا في الجأش وقوّةً في الأعصاب وصبرًا جميلًا في مواجهة المصاعب. وهذا هو الميدان الأول الذي نزلت الآية الكريمة في مواجهته".

وفي هذا الصدد أنصح بثلاثة كتب معاصرة في السيرة، وهي رغم ثرائها وقيمتها الكبيرة مغمورة بين الشباب اليوم:

- "دراسة في السيرة": للعلامة الدكتور عماد الدين خليل الموصلي حفظه الله، وهو يركّز على تقديم الهيكل الأساسي المتفق لأحداث السيرة النبوية.

- "السيرة النبوية: تربية أمة وبناء دولة": للشيخ صالح أحمد الشامي الدوماني حفظه الله، وهو يركّز على رصد حركة الدعوة في السيرة.


- "دبلوماسية محمّد" صلى الله عليه وسلّم: للأستاذ الدكتور عون الشريف قاسم السوداني رحمه الله، وهي دراسة لنشأة الدولة الإسلامية في ضوء رسائل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعاهداته.

فهذه الكتب الثلاثة تراعي الجوانب العلمية والدعوية والسياسية على الترتيب، من غير أن تخلو من التربية والتزكية، وجميعها تُعنى بالكشف عن الطريق النبوي في الدعوة والتمكين وبناء الأمة، وهو الباب الذي ينبغي أن تنشغل به أجيالنا المعاصرة، والله الموفق.

شريف محمد جابر

24 Oct, 06:19


الذي يحدث الآن من استدلال بآيات كريمة تحاول المطابقة بين حالنا اليوم وحال العصبة المؤمنة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطير جدّا، وينبغي الحذر بشدّة قبل إسقاط الآيات على الواقع المعاصر، خصوصا ممّن لا يملكون أدوات اللغة والفهم الكافية، أو على الأقل لا يدركون الفرق بين سياق كل آية وأسباب نزولها والواقع المرتبط بها وبين الواقع الذي يُسقطون الآية عليه. وهناك فرق بين خطاب تثبيت الناس الذين يعانون أشدّ المعاناة من أهلنا، أهل الخيام الذين يرون الدمار والأشلاء والجوع كل يوم، ومواساتهم اعتمادا على هدايات الكتاب والسنّة، وبين إسقاط الآيات بغير دقة أو حذر والبناء عليها تألّيًا.

يتحدث بعضهم الآن عن النصر الأكيد الموعود من خلال استجلاب آيات خوطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ووُعِدوا بالنصر.. ويتحدث آخرون عن حصار الشِّعب، وربّما يأتي يوم سيتحدّثون فيه عن أهل الأخدود!

ويحبّ آخرون استجلاب آيات المنافقين لوصم كل مخالف لهم في الرأي، حتى لو كان نظيف السمعة والمسلك والأخلاق، بالنفاق والإرجاف والتبطئة والتثبيط وغير ذلك مما جاء من أفعال أهل النفاق لمجرّد أنه يختلف معهم في الرؤية والتقدير، لا لكونه يصطفّ مع الذباب.

النتيجة الفعلية لهذه الاستدلالات - العبثية في معظمها مع الأسف – هي تنمية بذور الإلحاد في قلوب النشء الذين لم يتأصّلوا بعدُ بقيم الكتاب والسنّة، والذين يبتلعون جرعة هذه الإسقاطات بكامل قلوبهم الغضّة الرقيقة، ثم – حين يصدمون بالواقع المختلف – قد ينتكسون كما حدث مرارا في العقود الأخيرة، التي أدّت فيها الأحداث إلى انتكاسات فردية بسبب الخيبات، وإلى موجات من الإلحاد والانزواء والفردانية.

وإلى جانب ذلك ينبغي للمسلم أن يفرّق بين صاحب الرأي المختلف، الذي قد يُخطّئه ويختلف معه دون تجريح أو إسقاط، وبين المنافق واضح النفاق الذي يصطفّ مع ذيول الاستعمار والاستبداد، وإلّا فإنّ مثل هذا الخطاب (الذي يلوّح بوصمة النفاق) سيؤدّي إلى زيادة الشحناء والفرقة بين المسلمين، وخطاب القرآن واضح في التأليف بين قلوب المؤمنين ونبذ الفرقة.

ربما يكون خطاب تأجيل النقاش حول بعض المسائل خطابا راشدا الآن إلى أن ينقشع غبار الحرب، وحينها لن يكون المتحدث العاقل الحصيف "حكيما بأثر رجعي" كما يوصم الآن، بل نحن مأمورون في كتاب الله بأن نتعلّم الدروس والعبر من أحداث التاريخ والحاضر، والقرآن كلّه يشير إلى ذلك، فلم تكن دروس الأمم السالفة وحكايات الأنبياء عليهم السلام معهم ودروس أُحد وحُنين وغيرها إلا دروسًا وعِبرًا لكل تالٍ لكتاب الله، وتوجيهًا له بأن يتعلّم من دروس تاريخه الخاص.

سيأتي يوم ليصبح كل ما نحن عليه الآن تاريخا قريبًا، وعلينا – نحن أبناء هذه الأمة الإسلامية – أن نعيد تقييمه بلا خوف، محاولين قدر الإمكان ألا ندخل في أتون الصراعات التجريحية.

أقول هذا وأنا والله أدنى من أن أقول: ما الذي ينبغي فعله الآن في الحرب؟ إذ القرار ليس لي، كما أنني لا أعرف جميع المعطيات، وإنما أردت هنا فضّ إشكال والتحذير من خطرٍ داهمٍ في الخطاب، فاهدؤوا معشر المسلمين، وتآلفوا فإنّ الله يحبّ المتآلفين، واعرفوا الصديق من العدوّ بعد خلع نظّارة الشحناء، ونزّهوا كتاب الله عن الإسقاطات المتعجّلة، وارفقوا قبل النطق بكل كلمة بقلوب الشباب، فللكلمة أثر خطير.

حفظ الله أهلنا وأرحامنا في القطاع من كل مكر وسوء، وأزال عنهم هذه الغمّة، والله الحافظ والمستعان.

شريف محمد جابر

23 Oct, 18:55


خلاص هذه الأمة في أن تفكّر باعتبارها "أمّة" لا باعتبارها "شعوبًا" متفرّقة، وكلّما فكّر شعب من شعوبها بخلاصٍ خاص به بمعزل عن سائر الأمّة أوغلَ في خيبته.

شريف محمد جابر

23 Oct, 13:56


هدم المباني التاريخية والقباب الجميلة في قرافة الإمام الشافعي في مصر، دون أي شعور بوخز الضمير ولا سماع لصوت المعترضين ولا مراعاة لمشاعر الناس التي فزعت لذلك هو مجرّد دلالة لعظيم نكبة المسلمين بهذا النظام العسكري الذي هدم البشر والحجر في مصر منذ أكثر من سبعين عامًا.

فهو نظام معادٍ لأي رمز حضاري يُعيد المسلمين في مصر إلى مجدٍ وسؤدد قريب أو بعيد، والعجيب أن يتطابق تعامل النظام المصري تجاه الآثار الإسلامية مع تعامل المؤسسة الإسرائيلية، إذ يتراوح الأمر بين الهدم والإهمال، فهناك عدد كبير من المباني والآثار التي هُدمت لأغراض سياسية ودنيوية (قلب حيفا القديمة، حيّ المنشية في يافا، العديد من المساجد والمباني التاريخية في مختلف البلدات والقرى من الشمال إلى الجنوب، حارة المغاربة في القدس وما تحويه من مبانٍ تاريخية وغيرها..)، إلى جانب المباني التي تئنّ تحت وطأة الإهمال والتدنيس.

وإذا كان الأمر مفهومًا في سياق مؤسسة صهيونية لا ترى أي انتماء لهذه المباني التاريخية الإسلامية، فكيف نفسّر ذلك في نظام يتحدّث العربية وينتسب إلى الإسلام ويزعم المحاماة عن الوطن؟!

إنّ دلالة الأمر أكبر من هدم قبّة أو إزالة قرافة، بل دلالته ترشدنا إلى فهم ما يحدث الآن من تخلّي هذا النظام عن القطاع الذي حكمه 19 عامًا ويساهم الآن في حصاره، وإلى فهم ما يحدث من إذلال هذا النظام لأهل مصر وإمعانه في تخلّفهم وتجهيلهم وإفقارهم وحبس شرفائهم كي تخرج مصر عن الحضارة قدر الإمكان، فهو مِعوَل بيد الهيمنة الدولية الغربية لمحو رموز الحضارة الإسلامية، ولكبت أي نفَس يحاول النهوض.

شريف محمد جابر

23 Oct, 05:52


حين ترى كاتبا كان يومًا ما "إسلاميّا"، أي أنّ الإسلام كان محورًا لكتاباته، وكانت كتبه تُتَداول في الأوساط الشبابية لتعزيز الإيمان والتقرّب من الدين وفهمه فهمًا بعيدًا عن القيم الغربية الفاسدة.. حين تراه اليوم يروّج لنظام حكم علماني، ويرى ضرورة إبعاد من يسميهم "رجال الدين" عن الحكم، وقصارى ما يدعو إليه هو "احترام الدين والتقاليد، وعدم إجراء تغييرات في قانون الأحوال الشخصية"، ويضع كلّ ذلك في قالب "ما تريده غالبية الشعوب المسلمة" كي يعطي لرأيه الشخصي وجاهةً.. حين ترى ذلك لا يسعك إلا أن تدعو الله بالثبات والعصمة من الفتن.

والواقع أنّه لا يوجد شيء اسمه "رجال دين" في الإسلام، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ودنيا، وكلما ازداد علم المسلم ومعرفته لربّه ودينه ومتابعته لرسوله صلى الله عليه وسلّم كان أحبّ إلى الله، وهذا موجّه لكل مسلم وليس لفئة مخصوصة، وهو من بدهيات الإسلام. أما مفهوم "رجال الدين" الذين يجب عزلهم عن الحكم فهو مفهوم أوروبي كنسي قديم ابتلعه "المفكّر النهضوي" الذي يريد "قيام" أمته الإسلامية ودسّه في عقول من يتابعه بغير مراجعة!

كما أنّ المسلم الحقّ يرجو أن يُقام دين الله وشريعته في ديار المسلمين، ويعلم أنّ الكثير من أزمات الشعوب المسلمة – بل أزمة الأزمات - كامن في تعطيل شريعة ربّها، وأنّ هناك بحرًا من المسلمين يعلم ذلك ويرجوه أو يسعى إليه، قد تمعّرت وجوههم ممّا يرون من عزل المسلمين عن شريعتهم والاستعاضة عنها بشرائع جاهلية وأنظمةٍ ولاؤها لغير الأمّة، فكيف يتجاهلهم وهو يزعم أنّه يتحدث عن "انطباعاته" عن الشعوب المسلمة التي تعامل معها؟!

وكيف يغيب هذا الخطاب عن المشتغل بتعريف أمّته ببوصلة كتاب الله سبحانه الذي قال لنا فيه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).

نسأل الله العصمة والثبات..

شريف محمد جابر

20 Oct, 20:09


لا أدري والله لماذا يعامل الناس الحسابات في مواقع التواصل باعتبارها شخصيات حقيقية وازنة، فيعيدون نشرَ ما تنشره بعض الحسابات التي تنتحل شخصيات متديّنة وتتفوّه بما يخالف مشاعر التيار السائد في الأمة، ثم يصبّون غضبهم ولعناتهم عليها..

يا أخي هوّن عليك، الجميع هنا "حسابات" افتراضية لا أكثر، قد تكون ذبابًا إلكترونيا، وقد تكون تابعة لأجهزة استخباراتية لدول معيّنة تهدف إلى بثّ رسائل وصناعة حالة ترجو من ورائها شيئا.

وقد علّمنا العوام في بلدنا قديمًا مثلا قبيحًا لا أحبّ ذكره بكامل ألفاظه هنا، ولكني أهذّبه فأقول:

"انكُش (الوسخ) بْتِطْلَعْ رِيحْتُه"!

فنزّهوا أنظار الناس وعقولهم وقلوبهم عن هذا القذر، ولتحسبْ ألف حساب قبل أن تُسهم في نشر مقالة لمجهول أو موتور فتروّجها وتحقّق أجندتها وأنت لا تدري!

شريف محمد جابر

20 Oct, 11:34


الذين غضبوا حين وصف سيد قطب رحمه الله مجتمعاتنا بأنها "جاهلية" عليهم أن ينظروا جيدا في الحالة التي يرثى لها لهذه المجتمعات العربية المسلمة.. بحر من البشر في أقاليم ضخمة وموارد جبارة على جميع الأصعدة، ثم نراقب أنفسنا إذ تُمتهن كرامتنا ودماؤنا وأعراضنا وأموالنا، ونبقى عاجزين عن الفعل الحقيقي الذي نغير به أحوالنا، بل تبقى فئام كثيفة منا غارقة في مستنقعات التفاهة والذل والخيبة!

لو لم تكن هذه الأمة مغيّبة عن الإسلام الحق لَما كانت تعيش هذه الحالة من التنكّر لشريعة كتابها الذي خصها الله به، فرضيت الاستعاضة عنها بشرائع الجاهلية المعاصرة وأعرافها وأخلاقها التالفة، ولَما قبلت التولي بالولاءات الوطنية والقومية النتنة، عوضا عن الولاء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. وكما لا يُجمع في غمد سيفان، فلا يُقبل في قلبٍ شريعتان أو ولاءان.

إن الشريعة وحدها، حين نفهمها ونأخذها بقوة، هي التي تعلمنا معنى أن نتحرر، وإن الولاء الإسلامي وحده، حين تخالط بشاشته القلوب، هو الذي يلهمنا معنى أن نتعاضد ونتكاتف ونرى أنفسنا نفسا واحدة. ولكنّا ابتلينا بسرطانات فكرية وشعورية وقانونية وأخلاقية ربضت على قلوبنا وأعاقتْها عن النهوض وعن رؤية المأساة بعمقها البعيد.

نحن نعيش أشد حالات الغربة عن دين الله، ولو عاد صحابيٌّ أو تابعي بل مسلم عادي عاش منذ قرون، ثم نظر إلى حال الأمة وهي تراقب فئة صغيرة منها تحاصر وتقتّل وتدمّر بيوتها ومعايشها دون أن تكون قادرة على إيقاف ذلك، كما فعلت مع فئة أخرى طوال عقد وخذلتها في الشام، لحوقل وضرب كفا بكف وبكى كمدا على حال أمة الإسلام!

(في الصورة: عشرات الآلاف في حفل تامر حسني أمس في الإسكندرية)

شريف محمد جابر

19 Oct, 17:33


من أوجب واجبات المرحلة الحالية التي تعيشها الأمة العمل الحثيث على استلام مفاصل الدولة التي أسسها الاستعمار وتركها نقمة علينا في بلادنا، وتوجيهها لصالح الأمة وتحررها ورفع مظالمها وإقامة دينها، بعد أن كانت وما زالت منذ تأسيسها أداة لتكبيلها وكفها عن النهوض والقيام بدورها الحضاري.

التفكير في هذا ليس ترفا ولا تفكيرا في معجوز عنه، بل هو تفكير في الطريق الوحيد للخلاص من الذل والمهانة التي نعيشها.

الطريق إلى الدولة هو الطريق الأساسي الآن، دون غمط سائر الطرق التي تعمل على بناء الأمة وترميم جراحاتها، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

شريف محمد جابر

19 Oct, 14:05


في مثل هذه الأحداث التي تعيشها الأمة ما أشدّ حاجتها إلى كتاب ربّها كي يهدي قلوبها وعقولها إلى خيري الدنيا والآخرة. وهي في حاجة إلى القرآن في كل وقت وحين، ولكنّها في أمسّ الحاجة إليه في أحوال الضعف وتكالب الأمم ورواج الفتن والشبهات التي تعبث بالعقول والقلوب.

ومن أهم تفاسير الأمة التراثية تفسير ظلّ خبيئا في أدراج المخطوطات لقرون، حتى حُقّق عام 2019 وصدر عن دار اللباب، وهو "التيسير في التفسير" للعلامة الإمام أبي حفص، عمر بن محمد النَّسَفي (461-537 هـ)، أحد أئمة الأحناف في بلاد ما وراء النهر في القرنين الخامس والسادس الهجريين.

وقد تميّز هذا التفسير بخصائص من أبرزها: بلاغة الأسلوب ويُسر العبارة، وتركيزه على قضايا الإيمان والتزكية التي هي أحد محاور كتاب الله، مع اعتنائه عناية لا مثيل لها – بحسب محقّقي الكتاب – بتفسير القرآن بالقرآن.

أنت مع الإمام أبي حفصٍ النَّسَفي في تفسيره لستَ مع مادة علمية تعتني بمعرفة الألفاظ والتعريج على مختلف علوم الكتاب العزيز فحسب، بل أنت مع نفحات إيمانية تزيد من تأثّرك بكتاب الله، وفهمك لغايات آياته، وتبصّرا بآفات نفسك وطرق إصلاحها بالقرآن.

قال رحمه الله في تفسير {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: "دلالةٌ على شمول القدرة والصَّنعة، وتنبيهٌ على سِنَة الغفلة، أنّهم كانوا فمضوا، وجاؤوا وانقضوا، فلا تنسَوا مصيرهم، ولا تستجيزوا تقصيرَكم".

وله إلى جانب ذلك نقول نادرة نافعة، ونكات مفيدة، وتحقيقات قيّمة. وقد نقلتُ عنه في كتابي الأخير "لماذا هجرنا القرآن في بناء أصول الإيمان؟" الذي صنّفتُه في شهر رمضان الماضي وصدر عن مكتبة الأسرة العربية قبل أشهر قليلة.

ومن لطائف ما حصل لي معه أنني اخترت عنوان الكتاب وجعلت فيه هذه العبارة "أصول الإيمان"، ثم حين بلغت القسم الذي أنقل فيه الآيات الدالة على احتواء القرآن على الأدلة العقلية الكافية لجميع البشر مع نقول لأئمة الإسلام، بدأت بالإمام أبي حفص، فإذا بي أجده يقول في تفسير قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185): "ومعنى وصف القرآن بأنّه هُدًى وبيّنات؛ أنّ الهُدى البيان، والبيّنات الدلائل. وقيل: {هُدًى}؛ أي: هاديًا إلى أصول الإيمان".

فتدبّرت استخدامه لهذه العبارة: "أصول الإيمان"، فاستحسنت ذلك ووقع في قلبي موقعًا جليلًا، وازداد ارتياحي للعنوان لشرف علم الإمام أبي حفص. بل حين بحثت عن ورود العبارة في سائر تفسيره لم أجد لها ذكرًا، وكانت تلك أول آية أهرع إليها في تفسيره لمعرفة قوله فيها! فلله الحمد والمنّة.

رحم الله الإمام أبا حفص النسفي ونفعنا بعلومه.

شريف محمد جابر

17 Oct, 22:52


يتوفر أيضا في معرض النيابة العامة في ليبيا كتابي الجديد "لماذا هجرنا القرآن في بناء أصول الإيمان؟" في مكتبة الأسرة العربية، الصالة 2، جناح 108-109.

شريف محمد جابر

17 Oct, 14:00


الأصدقاء والقرّاء في ليبيا الحبيبة.. ستجدون كتابي "منطق القرآن" الصادر عن دار أركان في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب، قاعة 2 جناح 71، دار النيل للنشر والطباعة.

شريف محمد جابر

16 Oct, 19:16


هذه حوارية (بودكاست) من ساعتين إلا ربع مع الأستاذ إسماعيل عرفة تناولت فيها مفاهيم أساسية تتعلق بالقرآن والسنّة والبناء الإيماني والعقلي، وهي مدخل لما أشتغل عليه منذ سنوات في كتبي ومقالاتي، أرجو أن تجدوا فيها نفعا..

رابط الحلقة: https://youtu.be/IqqlqeYJ-c4?si=iWLqpg7_EyCTn48_

شريف محمد جابر

15 Oct, 12:12


في مثل هذا اليوم قبل عشرين عامًا وُلدتُ من جديد..

كنت عائدًا في المساء إلى المنزل، لأعزم بعد موعظة يسيرة من أخ صادفني في الطريق على العودة إلى طريق الله، دون لجلجة ولا تلكّؤ، بعد شرود طويل في المرحلة الإعدادية والثانوية.

وكنت آنذاك قد تخرّجت من الثانوية قبيل أشهر، ليصفو قلبي وذهني من أجواء مجتمعها الطلابي الموبوء، وأواجه حقيقة ما ينبغي أن أكون عليه مشرقةً في قلبي لا تشوبها شائبة..

عثرت حينذاك على شيء غالٍ نفيس كنت أفقده؛ السجودّ للحيّ الذي لا يموت ومناجاته سبحانه، والمضيّ في طريق معرفته والدعوة إليه.

وعلى مدى عشرين عامًا تعثّرتُ كثيرا..

ولكنّ الشيء الوحيد الذي كان يعزّيني ويبقيني على هذا الطريق هو يقيني بأنّه طريق حقّ، وما زالت حرارة القلب الذي خفق قبل عشرين عامًا حين عزم على تجديد التوبة والعودة إلى الله تسري في قلبي كلّما حزبني أمر، فبه وحده – لا بقوتي – تمكّنت من تجاوز الكثير من أشواك هذا العالم. وإذا خشيت شيئا يومًا ما، فإنّ أخشى ما أخشاه أن أُضيع تلك الحرارة وذلك الطريق!

وكم يجدر بنا في هذه الأيام أن نجدّد توبتنا لله سبحانه، لتنجو قلوبنا مما أصابها من همّ وغمّ، ولتبصر طريقها الذي يرضاه الله عزّ وجلّ، والذي يُعين هذه الأمة على الخروج من نفقها المظلم الطويل.

شريف محمد جابر

14 Oct, 23:27


سمعتُ صوتكَ في صمتٍ وفي تعبِ
وكان صوتُك يغفو في لَظى اللَّهبِ

وكان حُلْمك في الدنيا حُروفَ تُقى
تمضي تُرتّلها هَونًا بلا نَصَبِ

فصرتَ تبحثُ في أخدود خيبتنا
عن واحةٍ هربتْ من يَمّكَ اللَّجِبِ

تمدّ كفّكَ كي تدعو وليس لنا
كفاك ربّك لا تسأل عن العربِ!

شريف محمد جابر

14 Oct, 22:14


ستظلّ اليد الممتدّة خلفَ النار كابوسنا الطويل الذي نحياه..
فنحن، لا غيرنا، أصحاب الأخدود، ولكنّ المأساة أننا "نحن" أيضا الشهود!

شريف محمد جابر

14 Oct, 08:32


مصر اليوم هي أكثر دولة عربية قادرة على إيقاف المجازر المتتالية في القطاع، بما لها من حدود حيوية معه، ولحجمها الكبير جغرافيّا وديمغرافيّا وعسكريّا، ولدورها الاقتصادي الحساس متمثّلا بقناة السويس، وغير ذلك مما يمكنه على الأقل أن يصنع لها دبلوماسية قوية فارقة تمارس فيها ضغوطا لإيقاف الحرب.. ولكنّ مصر مغيّبة اليوم لسبب أساسي: لا توجد في الشارع قيادات، جميع القيادات أو من يمكن أن يصبحوا كذلك إما في السجون أو في الخارج؟ وهذه هي ضريبة الاستبداد الذي يفضي ولا بدّ إلى التبعية والضعف والخزي في أبشع صورها.

شريف محمد جابر

13 Oct, 16:11


كل المشاهد منذ عام وأكثر كانت كفيلة بالتحرّك لإيقاف ذلك كله، لكن العالم كلّه وقف عاجزًا خلال هذه الشهور التسعة عن فعل شيء يُذكر، والسبب أنّه "عالم ليس لنا". وحين يكون لنا عالمنا القادر على فرض إرادته سيكون بإمكاننا بإذن الله إيقاف نزيف الدماء البريئة وحماية هذه الأمة.

شريف محمد جابر

12 Oct, 20:02


وكذلك الأمر الذين نزل فيهم قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 97). فولاء هؤلاء كان ولاءً ظاهرًا ولم يقترن معه موافقة مشركي مكة على دينهم، بل خالفوهم في الدين وأعلن بعضهم ذلك، لكنْ بقي ولاؤهم معهم إيثارًا للوطن والقبيلة. وهم قومٌ كانوا قد أسلموا في مكّة وآمنوا بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لكنّهم فُتنوا وشهدوا مع المشركين حربَ المسلمين.

- ومن ذلك قصّة المسجد الضرار التي جاءت في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (التوبة: 107)، فهؤلاء قوم قصدوا باتخاذ هذا المسجد الإضرار بالمسلمين، وقد أرادوا فيه التآمر مع أبي عامر الراهب الفاسق ليكيدوا فيه للمسلمين، فلم يكن مناط الكفر الذي تذكره الآيات بهذا الفعل تبدّل دينهم أو حبّهم لدين الشرك مع ادعائهم الإسلام، بل التآمرُ مع المشركين بقصد الإضرار بالمسلمين.

- ومن سلبيات بعض الدعوات المعاصرة أنّها تشدّدت في المسائل الفردية – كالعلاقات الفردية مع الكفار – وتساهلت في المقابل بالولاء على الراية ومناصرة الكافرين على المسلمين كما حدث في حرب الخليج الأولى وغيرها، وهو المقصود في هذا البيان، وهو مناصرةٌ أو مظاهرةٌ أو إعانةٌ أو تآمرٌ بقصد الإضرار بالمسلمين، كما قال الصحابي ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أبو سفيان بن الحارث، في قصيدته الاعتذارية عمّا بدر منه من حربٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
لَعَمْرُكَ إنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً … لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ … فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي
وقد كانت راية الحزب وسيّده الهالك في سوريا طوال عقد وأكثر لتغلب دبابات الأسد وروسيا جند المسلمين هناك، فقد هرع من لحظات الثورة الأولى خوفًا من أن تسقط راية نظام الأسد فيتضرّر في دنياه، فانخرط تحت هذه الراية وقاتل من أجلها قاصدًا الإضرار بالمسلمين.

- أما استدلالهم بقصّة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، حين أرسل محذّرا أهل مكّة من غزوة الفتح رغم تحذير الرسول صلى الله عليه وسلّم من إفشاء الأمر، فلم يكن ذلك ولاءً، بل عصيانًا لأمر الإمام، فقد كان لحاطب أهل وأقارب في مكة ويخشى بطش قريش فيهم، فأرسل إلى أهل مكة مخبرًا بقدوم الغزو، أراد بذلك أن تكون له يد عند أهل مكّة يردّ بها أذاهم عن أهله كما قال: "أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي"، ولا يضرّ مع ذلك بها المسلمين لقوة المسلمين آنذاك وثقته في نصر الله وتأييده لنبيّه صلى الله عليه وسلم. بل تضمّنت رسالته إليهم هذا المعنى، إذ جاء فيها: "أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده. فانظروا لأنفسكم والسلام". فليس هذا فعل من والى المشركين وقصد الإضرار بالمسلمين، فلما تحقّق رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قصده عفا عنه ولم يعاقبه عقوبة تعزيرية لكونه بدريّا، فقد وقع في محرَّم لعصيانه أمر الرسول صلى الله عليه وسلّم ولم يقع في ولاء مكفّر.

كما أنّ هذه الحادثة الفردية التي تندرج ضمن أحكام "الجاسوسية" لا تقارن بالقتال تحت راية الكافرين، والانحياز إلى معسكرهم سعيًا في هزيمة المسلمين وإفنائهم.

وأخيرا، ما أريد قوله إنّ الهدف من كتابة هذا المنشور وما سبقه من منشورات لا علاقة له بالاتهامات التي تكال اليوم بالمجان للناس، كالصهينة وأمثالها، بل لِما وجدته من استغلال الأحداث الحالية لإعادة تلميع حزب مجرم ساقط كاد للمسلمين في سوريا وقاتلهم تحت راية الكفر وهجّرهم من ديارهم تمكينًا لأعدائهم، وهذا والله من أخطر ما يحدث الآن من تشويه لوعي المسلمين، وينبغي التصدّي له مع الإعراض عن تهم الجهلة. ولو خرجتَ بفائدة فهم موقع الولاء في توحيدك والرغبة في زيادة العلم في هذا الباب لخرجت بفائدة عظيمة جدّا، وبالله التوفيق.

شريف محمد جابر

12 Oct, 20:02


منشور طويل لكن أجده من أهم ما يجب الحديث عنه الآن، نظرًا لما يحدث من تزييف وعي المسلمين:

حين نقول إنّ المشكلة مع حزبله في الأساس ليست في كونه شيعيّا، بل فيما فعله في سوريا خلال أكثر من عقد، وأنّ الذي فعله ليس مجرّد "قتال" و"بغي"، بل مناطه الصحيح أنه مظاهرة للكفار (النصيرية العلمانية والروس) وتآمرٌ معهم على المسلمين، وتولٍّ بغير راية الإسلام، يسالم بسلمهم ويحارب بحربهم، وتمكين لعدوّ المسلمين من بلادهم بعد تهجيرهم، ليستقرّ الكفر والعلمانية والإباحية في بلادهم..

حين نقول هذا الكلام تخرج من جديد شبهة إرجائية مفادها أنّ هذا كلّه ليس من الولاء المكفّر الذي ذكره كتاب الله، بل لا يرتدّ فاعل ذلك كلّه (!) إلا بشرط محبّة دين الكفّار وإرادة علوّه على دين الإسلام. أي يجعلون الأمر مشروطًا بكونه "على الدين" وليس "على الدنيا"، فإذا فعل كلّ ذلك لدنيا يصيبها كان مسلمًا ظالمًا باغيًا ولم يخرج من ملّة الإسلام، ويكون له من الولاء بحكم كونه مسلمًا، ومن هنا تفرّع الفساد في الحكم على سيّد الحزب الهالك وجماعته.

ومن باب واجب البيان أكتب هذا المنشور الذي قد يكون طويلًا بعض الشيء، ولكني أجد أنّ من أهم الواجبات في هذه الأوقات تصحيح المفاهيم التي شُوّهتْ وخصوصا في التوحيد، وهي كما ترون مفاهيم لها ارتباط مباشر ووثيق بما نحن عليه من قوة أو ضعف، ومن معرفة أعداء الأمة من أصدقائها.

فأقول وبالله التوفيق:

- تأمّل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: 51). فلو كان المسلم قد والاهم حبّا لدينهم واعتقادًا لصحّته لكانت ردّته لأجل يهوديّته أو نصرانيّته لا لموالاته لهم، ولذلك قال تعالى {ومن يتولّهم منكم}، أي وهو في حال الانتساب للإسلام. بل من يقرأ أسباب النزول في التفاسير سيجد أنّ جميع الروايات المختلفة لم تذكر أنّ المقصود ولاؤهم حبّا لدينهم، وفي ذلك يقول الإمام الطبري في تفسيره ملخّصًا في بيان جميل مهمّ:

"والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره نهَىَ المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الآية نزلت في شأن عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي ابن سلول وحلفائهما من اليهود، ويجوز أن تكون نزلت في أبي لبابة بسبب فعله في بني قريظة، ويجوز أن تكون نزلت في شأن الرَّجلين اللذين ذكر السدي أن أحدَهما همَّ باللحاق بدهلك اليهودي، والآخر بنصرانيّ بالشام، ولم يصحّ بواحدٍ من هذه الأقوال الثلاثة خبرٌ تثبت بمثله حجّة فيسلّم لصحته القولُ بأنه كما قيل.

فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب أن يحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عمَّ، ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا علم عندنا بخلافه. غير أنه لا شك أنّ الآية نزلت في منافق كان يوالي يهودًا أو نصارى خوفًا على نفسه من دوائر الدهر، لأنّ الآية التي بعد هذه تدلّ على ذلك، وذلك قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} الآية".

لاحظ قول الطبري مستنبطا من الآية التي تليها "خوفًا على نفسه من دوائر الدهر"، وانظر كم يشبه ذلك موقفَ الحزب حين تدخّل لصالح الكفرة المجرمين خوفا من أن تدور عليه الدوائر وينقطع المدد عن طريق النظام الذي يرعاه، لا محبّة بدين النصيرية أو الروس الأرثودوكس، فانضوى تحت راية الكفار وناصرهم على المسلمين.

- ولو تدبّرتَ الآيات التي تذكر كفر المنافقين وكفر الناكلين عن الهجرة من مكة فليس شيءٌ منها بسبب موافقة المشركين أو أهل الكتاب في الدين، بل هي لأسباب دنيوية كخشية الدوائر كما تقدّم، أو طلب المنفعة عند الفريق الذي ينتصر ويظهر كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} (النساء: 141). وبداية السياق: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (النساء: 138-139).

شريف محمد جابر

12 Oct, 10:16


بالمناسبة، حتى لو كان حزبله منتسبا لأهل السنّة، ويدرّس منتسبيه العقيدة الطحاوية والعقائد السنوسية، أو الواسطية لابن تيمية وكتاب التوحيد لابن عبد الوهاب، فلن يتغير الموقف منه ومن تلميعه قيد أنملة، ومن هنا تسقط كل اجتهادات فقهائنا الأفاضل الذين انشغلوا في أحكام إطلاق وصف الشهادة على الرافضي المبتدع والعلاقة مع الشيعة وما شابه؛ إذ المناط متعلق بالولاء للكافرين والقتال على رايتهم وارتكاب المجازر بالمسلمين معهم وتهجيرهم من بلاد الإسلام، وهو أخطر من بدعة الرفض بلا خلاف، والجهل به كارثة إذ هو من أصول التوحيد، فكيف والجهل به بين المنتسبين للعلم والفقه؟!

شريف محمد جابر

11 Oct, 20:05


جعل أهل السنة ممثلين بالأنظمة العربية العلمانية الغارقة في التبعية والمعادية للسنّة وأهلها أو بأذيالها من مشايخ السوء كالمداخلة وأضرابهم مغالطة فاحشة، تدل على ضعف العقول أو وساختها، لأن قوي الحجة لا يلجأ إلى أقذر النماذج ليجعل منها خصمه الذي من ورق!

شريف محمد جابر

11 Oct, 11:58


تخيل أن تعود في الزمن إلى القرن السابع الهجري، عُد بكلّك لا بخيالك فحسب، هل كنت تظن أنك وأنت في دمشق ستشعر بانتماء لمن يعيش في حلب وإدلب أكثر ممن يعيش في القدس وغزة؟

طبق هذا المعيار على نفسك الآن، فإذا وجدت في نفسك شيئا من ذلك فاعلم أن الشيء الذي أدخل في نفسك هذه اللوثة هو الدولة الوطنية التي فرضها المحتل علينا، فمارست علينا قوانينها ونُظمها وخطابها لتصنع من هذا المزيج الدنس "هوية" مخترعة اسمها: سوري أو فلسطيني أو غير ذلك.

هذه العودة للتاريخ، للإنسان ما قبل الدولة الوطنية، ضرورية جدا لفرز الأيديولوجيات العفنة التي تتزيى بأزياء العاطفة المخاتلة.

ومهما بدا التخلص من هذه الانتماءات والمشاعر المنحطة ثقيلا على النفس، فلا بد منه في مسيرة تحرر هذه الأمة من إصرها وأغلالها التي وُضعت عليها في القرنين الأخيرين.

شريف محمد جابر

10 Oct, 19:54


من أخطاء الكتابة التاريخية المعاصرة إنجازها من منظور الحدود القُطرية السياسية التي لم تُرسم إلا قبل عقود، وفي أغلب الحالات رسمها الاحتلال الأجنبي في ظروف تعسّفية تمزيقية.

ومن ذلك أن يكتب أحدهم مثلا رسالة بعنوان "الأردن منذ أقدم العصور"، فيتحدث عن العموريين والأدوميين والمؤابيين والأنباط والرومان وغيرهم ضمن هذا القُطر السياسي ذي الخارطة المعروفة اليوم! أو يكتب آخر: "الجزائر في العصر الأموي" قاصدًا بذلك البقعة الجغرافية التي يقوم عليها اليوم القُطر السياسي المسمّى الجزائر!

مشكلة هذه الطريقة في دراسة التاريخ، والتي يغفل عنها كثيرون، أنّها تفوّت سياقات مهمّة ومؤثّرة في المنطقة المدروسة مع أنّ مركزها لم يكن فيها، بل تضع في ذهن القارئ مركزية ثقافية وسياسية وهمية لم تكن قائمة قبل القرن الماضي، والأخطر أنّها تؤطّر رؤيته للتاريخ ضمن إطار ثقافي سياسي معاصر يصبغها بصبغته، ويتحوّل التاريخ إلى مسرح لترسيخ رؤى وأيديولوجيات حديثة بدلا من أن يكون رافدًا للدروس والعبر الماضية!

والصواب في هذا الباب أن تُدرس المناطق الجغرافية ضمن تقسيمات جغرافية لا سياسية أقدم من أو مواكبة للمرحلة التاريخية المدروسة، فحين نريد دراسة فلسطين مثلا، من الخطأ حصرها بفلسطين الانتدابية التي هي خارطة سياسية بريطانية-صهيونية رُسمت لتكون دولة لليهود، بل الأفضل أن تُدرس ضمن "بلاد الشام"، باعتبارها وحدة إقليمية حافظت على هويّة جغرافية خاصة عابرة للدول والكيانات السياسية، وعلى علاقات بين مدنها ومناطقها المحلية، ولا يمكن فهم تحوّلات منطقة فلسطين – وهي جزء من الشام – بغير دراسة إقليم الشام بأسره وما حلّ فيه عبر التاريخ منذ ما قبل الإسلام وخلال العهود الإسلامية المختلفة وصولا إلى العهد العثماني. وإلا فستكون دراسة مبتسرة ناقصة، تضع على التاريخ فلاتر المحتلّين المعاصرة، وترسّخ السرديات الأيديولوجية الوطنية التي نحتاج إلى التخلّص منها!

شريف محمد جابر

10 Oct, 12:08


بعض الجهات استغلّت الأوضاع الحالية في فلسطين ولبنان لإعادة بناء سرديّتها العفنة بخصوص محور إيران والتقارب معه. وهناك وجوه إعلامية و"دينية" مع الأسف تسعى الآن بكل ما تستطيعه لإعادة تلميع صورة هذا المحور الإجرامي خدمةً لأجندة سياسية لبعض الحكومات، سواء كان ذلك بوعي أم بغير وعي منهم.

وكلّما هبّ بعض المسلمين للكشف عن خطورة ذلك وإغلاق الطريق عليهم بفضح سرديّتهم الجديدة، تمسّكوا بشمّاعة ما يحدث في القطاع وسألونا: لماذا لا تتحدثون عمّا يحدث من مجازر؟ لماذا تتحدثون الآن عن حزبلة وسيّده؟

ومن الطبيعي أن يتحدث المرء في القضية حين تكون حامية وإشكالية، وحين يُفتن النّاس بخطاب جديد، والبيان لا يتأخر عن وقت الحاجة كما يقول الفقهاء، وقد مسّت الحاجة الآن للخطاب الذي يفضح كل تلميع وتمجيد لمحور إيران وأذنابها، فقد دفعت الأمة دماء كثيرة في ساحات أكبر من فلسطين، في العراق وسوريا واليمن وغيرها، كي تعي خطورة هذا المحور وعمق عدائه لأي نهوض سُنّي في المنطقة، ومآلُ نسيان ذلك كلّه أخطر من آي مآل صهيوني يحذّرنا منه حاملي شمّاعة فلسطين!

كنت قد شعرت بملل و"وجع قلب" من الجدل الذي يرد إليّ حول ما أكتب في هذا الموضوع، فهممتُ أن أدعه، ثم وجدت أنّني لا أكتب لجمع الإعجابات ولا لإثارة الجدل، بل شعورًا منّي بمسؤولية عظيمة، وحرقةً على ما يحدث من تزييف للوعي من شخصيات لها صوتها وتأثيرها في الناس.

أما حملة دفاتر فلسطين، الذين يحصون من يكتب عنها ممن لا يكتب كي يصنّفوه في خانة "المتصهينين" أو "المناضلين"، فلا وزن لهم ولا قيمة، وليضربوا رؤوسهم في أقرب حائط، ولا يحقّ لإنسان أن يقيّم إنسانًا من خلال ما يكتبه في صفحته، هذا إن سلّمنا له أنّه راجعها ووجد أنّها خالية من أي نصرة لأهلنا في فلسطين.

شريف محمد جابر

10 Oct, 06:52


بعض العلماء وطلبة العلم طيّبون، طيّبون جدّا.. ولكنّهم يساهمون في تشويه وعي الأمة بما يقدّمونه من فتاوى وتحليلات واجتهادات.

كثيرًا ما أسمع من بعض الإخوة هذه الأيام دعوة "غير المتخصصين" إلى السكوت عن الحديث في الأحوال الأخيرة وترك ذلك "للفقهاء". لكني حين سمعت الفقهاء رأيت عجبا من الجهل الفاحش بالواقع ومن الاستدلالات الواهية الفاسدة، فكثير منهم "دراويش" في الحقيقة، مع كامل الاحترام والتقدير لأشخاصهم.

والسؤال الذي يتجدّد هنا: من الذي يقرر ذلك؟

والإجابة: أنت.. نعم أنت، لستَ مُعفى في أي لحظة من حياتك من تشغيل عقلك وقبول الآراء أو رفضها بالدليل، على قدر ما تستطيع، وعلى هذا يحاسبك الله. أمّا أن تقرر مسبقًا أنك قلّدتَ عقلَك لعالم أو مجموعة من العلماء ففيه مدخل للضلالة.

والمسلم ابتداءً لا يأخذ دينه إلّا عمن صحّت أخلاقه وديانته، وعُرف بالمواقف المشرّفة والورع، فهذه شروط أساسية للعالم المأخوذ عنه. ثم يسمع آراء جميع من توفّرت فيهم هذه المواصفات ويختار من بينها من كان دليله في نفسه أقوى، وحتى لو قيل: أنت لستَ عالمًا حتى تُرجّح، تبقى هذه الحالة أفضل من الترجيح المسبق للعالم المتَّبَع واتّباع قوله بغير نظرٍ في الدليل، فهذا فيه فساد كبير.

والمسلم بكل الأحوال مأمور بطلب العلم والزيادة فيه، ومأمور قبل ذلك بطلب الهداية والعون والسداد من الله، لا ينبغي أن ينقطع عن ذلك.

فنصيحتي لكل من حار في الآراء المتضاربة لأهل العلم والدعوة: فليستعن بالله أوّلًا، ثم ليتحرّ أصحاب المواقف الأخلاقية، وخصوصا أولئك الذين لا يمدحون الطغاة والأذناب من سدنة المزارع العربية، ثم لينظر في حجّة كل فريق بعقله الذي وهبه الله وما عرفه من محكمات الدين وبعلمه الذي حصّل، وليختر ما يرجو أن يقابل وجه الله عليه.

هنا رابط منشور قديم لي فيه تفصيل حول هذه النقطة: كيف نختار مَن نأخذ عنهم ديننا:

https://www.facebook.com/sharefmg/posts/pfbid0P1Lo2UsTiD11HULKsYMofRuUHBqfsrJkVVF9QgVVWXFfhNzqkaCPQVWeCUupsrY5l

شريف محمد جابر

09 Oct, 17:52


تخيّلوا أن يقاتل المسلمون الصليبيين ثم تنحاز قبيلة تدّعي الإسلام إلى الصليبيين فتقاتل المسلمين معهم وتحت رايتهم، وترتكب أفظع المجازر بهم، وتتعاون مع أولئك الصليبيين على هتك أعراض المسلمات وتهجير المسلمين من بلادهم وتمكين الكفّار فيها.

ثم يأتي من يقول لك: "لماذا تعاديهم يا أخي، ألأنّهم مبتدعة؟ وهل يخرج أهل البدع من الإسلام؟"

لذلك فإنّني منذ تحدّثت عن الحزب وسيّده الهالك لم أذكر يومًا بدعة الرفض فيهم، لا إغفالا منّي لخطورتها، ولا لاعتقادي بعدم علاقتها بما فعل وما زال في الشام وغيره، ولكن توجيهًا لفعلهم الأساسي الذي هو مناط معاداتهم، فما ننقم عليهم كالذي ينقمه المؤمنون على الذين انسلخوا من الولاء للأمّة ووالوا أعداءها وأعداء الله المجرمين.

وليت فقهاءنا الأفاضل الذين سوّدوا الصفحات في الحديث عن أحكام الشهادة والبغي وأهل البدع يدركون هذا المعنى البسيط الذي أدركه عوام المسلمين في سوريا وهم يرون راية الحزب واضحة تحت رايات الكفر والإجرام!

شريف محمد جابر

09 Oct, 06:16


مع احترامي للإخوة الدعاة والفقهاء الأفاضل الذين يستشهدون بقوله عليه الصلاة والسلام: "وإنّ الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ردًّا على المنزعجين من ردود الفعل المبجّلة لهالك الحزب، فهذا الخطاب بعيد جدّا عن الواقع الذي تصرّ فيه فئات من الأمّة على تمجيد الهالك وجعله "شهيدًا" وبطلا من أبطال الأمة! وهذا هو الذي أزعج فئات أخرى من الأمّة لِما فعله بالمسلمين في الشام.

بل إنّ الحديث نفسه الذي أُخذتْ منه هذه العبارة الشريفة يعلّمنا شيئا مهمّا، وهو ضرورة بيان الحقائق عند حدوث الفتنة، ففي نصّ الحديث: "فكاد بعض المسلمين يرتاب" لِما رأوا من الحكم النبوي عليه بالنّار رغم شدّة قتاله، ولهذا جاء البيان النبوي في آخر الحديث نفسه بعد انتحار الرجل: "يا بلال! قم فأذّن: لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن"، بيانًا للحقّ في أحلك ظروف الفتنة، وفيه ردّ على الذين يقولون: "مش وقته"! ومن أراد الاستدلال بالحديث عليه أن يأخذ درسه الكامل ولا يقتصّ عبارة واحدة يُسقطها في مسار مغاير لمسار الحديث!

وأنتم يا أحبابنا لو ذهبتم إلى هؤلاء الذين يصرّون على تمجيده وإضفاء صفات الشهادة والبطولة عليه ستجدونهم يرفضون تمامًا وصفَه بالفاجر، فهذا خطاب لا ينصرف في واقعنا، وممارسته مع الانقطاع عن الواقع ومعالجة تفاصيله الحقيقية مضرّ بعقول المسلمين.

ولهذا قال ابن القيّم في "إعلام الموقّعين": "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهْم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علمًا. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبّق أحدهما على الآخر".