ج/ لا يجب ذلك..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم"، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم".
فهذا جيشٌ يغزو الكعبة نزل بهم الخسف، فكان هذا الخسف لقومٍ عقوبةً أماتتهم فيبعثون فيعذبون، وقومٍ آخرين -معهم- أماتتهم فبعثوا بنيةٍ أخرى فكان أمرهم إلى الله، هل هناك أشد من جيشٍ يغزو الكعبة وصحبته!!؟ ومع ذلك فلم تكن كارثة الخسف بهم برهانًا على عقوبة كل من خسف به!
ثم تأمل أن السيدة عائشة عليها الرضوان بادرت بالسؤال عمن ليس فيهم، رغم أن السياق في خسف بجيشٍ يغزو الكعبة، ثم تأمل كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجابها ولم ينهرها أنّه يحدثها في شأنٍ وهي تحدثه في شأنٍ آخر، أو يعنّفها أن العاطفة لا موضع لها هنا! هذا ونحن نتحدث عن جيشٍ يغزو الكعبة!!
فإن رأيت مدينةً يصيبها كارثةً طبيعية، فلا عليك أن يكون في قلبك تجاهها مشاعر شتى، أسفٌ على الأطفال والصغار ومن كنت تتمنى موته بعد إسلامه، وفرحٌ بمهلك الفسدة والظالمين، وحزنٌ لموت الصالحين، واتعاظٌ بموت الفجأة والموت الجماعي، وإن غلب شيءٌ من هذا على ما سواه لطبعٍ فيك وفي شخصيتك فاحذر أن تلوم من غلب عنده شأنٌ آخر! "الموت كاس وكل الناس شاربه" فهو في حق الصالحين نقلةٌ لدار الثواب، وفي حق الطالحين نقلةٌ لدار العقاب، وكل يبعث بعمله ونيته!
أما كون الكوارث الطبيعية نتيجة تأثيرات وتغيرات فهذا لا ينافي كون تلك الكوارث عقوبة أو عظة أو آية أو ما شابه، فالله تعالى إذا يقدر الأمر بأسبابه كما يشاء، ولا مانع في الطريقة العلمية التجريبية من وجود عدة مستويات لتفسير حدث معين أو عدة زوايا Explanatory Pluralism وانظر في تفصيل ذلك وأمثلته وبيان عدم وقوع التعارض بين الدين والعلم الطبيعي به كتاب الإلحاد وثوقية التوهم صفحة 188 فما بعدها.