أبو السَّمْح الخولاني

وقالوا ما نسيتَ أبا عمادٍ
وقد دثرت معالمه المنيّه

فقلتُ لهُم وفي نفسي عليهم
لما قالوهُ أشياءٌ خفيّهْ :

أجل قد مات صاحبنا ولكن
مودّتهُ على الأيامِ حيّهْ

إنّ بَدْرَ بن ربيعهْ
‏أحسنُ الناسِ صنيعهْ

‏لِعداتٍ ما توانى
‏منه تأتينا سريعهْ

‏ليس ينسى حين ينسى
‏صاحبُ النفسِ الوضيعهْ

‏كلّ مجدٍ وفخارٍ
‏حاز والشُّكرَ جميعهْ

سأشكرُ سالمًا ما عشتُ إنّي
‏أرى شُكْرَ الكرامِ أجلّ واجِبْ

‏فتًى أبوابهُ كالمَاءِ هونًا
‏تمر بهنًّ ليس لهنًّ حاجِبْ

‏يُسرُّ بزائريه وكلّ وغدٍ
‏على شجَبٍ من الزوّارِ شاجِبْ

إن غشاء الوجه الذي يحفظ ماءه من أرق الأشياء تكاد الخدشة من الحاجة أن تذهب بما فيه

ما لكم تقلون الشّريفَ فإنّي
‏لا أراكم تقلون غير الشّريفِ

‏ألعرضٍ لهُ مصونٍ عزيزٍ
‏أم لمالٍ لهُ مُذالٍ ضعيفِ؟

‏فدعوه فليس ذنب عصامٍ
‏أن سفلتم عن المقام المنيفِ

‏وتلقّى من دونكم راية المجْد
‏بكفٍّ عن الدنايا عزوفِ

‏كان يفري صفّ الأشاوس فريًا
‏يوم أنتم حول الظّباء الْهِيفِ

‏وتَهَزّون الْرّدْفَ وهْو مشيحٌ
‏بين هزّ القنا وهزّ السّيوفِ

‏لا تظنّوا لجهلكم بالمعالي
‏أن ضرب الطُّلى كضربِ الدّفوفِ

آليتُ ألحى غبيًّا
‏وأن أُعظِّمَ أَمْرَهْ

‏وإن عليّ تمادى
‏وأتأق الجهلُ صدرَهْ

‏وكيف يعرفُ قَدري
‏من ليسَ يَعرف قدرَه

ما عاب شعري عامرٌ صادقًا
‏فيه ولكن حسدٌ غَالَهُ

‏حين توخّى نبعتي جاهدًا
‏فلم يحر أن هاج بلْبالَهُ

‏يا عامر السّوءِ أرح مُتْعبًا
‏أولى لهُ عن ذاك أولى لهُ

‏فإنّ شعري في ذرى سامقٍ
‏هيهاتَ أن تبلغ أذيالهُ

الآن طابت بك الدنيا فأنت بها
‏يا شام شامتها والشيمةُ الأُنُفُ

رضيتُ بالله ربًّا وهو قال لنا
‏فلتنفقوا وثقوا بالخالق الباري

‏فالحمد لله كفّي غير ممسكةٍ
‏عن العطاء وقلبي غير خوّارِ

جزى الله عني سالمًا إنّ سالمًا
‏يعين على كسب العلا والمآثرِ

‏هو المرء لم يلؤم أبوهُ ولم يكن
‏لينبتَ إلا في الفروع النواضرِ

‏له راحةٌ لم يعرف المال راحةً
‏بها ولسانٌ لم يقل غير طاهرِ

‏إذا أَمَّهُ المحروبُ قام ولم يصخ
‏إلى كلّ لوّامٍ عن الجود زاجرِ

.. فقر الدم

تعبتُ أمشي بذي الدمام منفردًا
مرًّا على وعرٍ منها وفي سَهَلِ

أعملت ساقيّ فيها لا أمرّنها
ولا أروّضها عن شيمة الكسلِ

- لكنني وجميلُ الله أرقبهُ -
من غير سيارةٍ لا لا ولا جملِ

فالحمد لله قولًا لا أبدّلهُ
والله من دون تأميل الورى أملي

بأحمد الخير نلتم كلّ مكرمةٍ
‏لولاه ما نلتمُ دنيا ولا دينا

‏يا رب صل على المختار سيّدنا
‏ما قلتُ والناسُ قبلي : ليتهُ فينا

ما أكرم الله لم يُهرق لسائلهِ
ماء المحيا ولكن زاده ماءا

وقالها اللهُ فادعوني أهب لكمُ
فادعوهُ إن له في الخير أسماءا

فدتك دراهمي وفدتك نفسي
معاذ الله أمسكُ عنك شيّا

لئن كرم التلاد على أُناسٍ
فأنت أُخيّ أكرمهُ عليَّا

ومالي في يديك أحبُّ عندي
وأعظم منه نفعًا في يديَّا

أتزعم أنّ الجود والمجد والعلا
أبا عامرٍ حَزنًا مسالكها يبسُ

وهبها فإنّ المال مالكَ وافرٌ
تجوز بهِ والمال في مثلها عنسُ

ولو كنت تبغي أن تسود وجدتها
لكالرملة الميثا ولكنّها النفسُ

ألا فاطرح الأعذار عنك ولا تزد
لعمري لقد شقت دياجيكم الشمسُ

أأصحابنا من كلّ حيٍّ وبلدةٍ
‏جزيتم من الرحمن مغفرةً جمّا

‏إذا أنتم لم تذكروني بدعوةٍ
‏تزيدُ الهنا في الغيبِ أو تدحر الهمّا

‏فذاك وإلا فاطرحوني مخالفًا
‏إلى يوم يبلي التربُ عن صاحبٍ عظما

وقالوا ذاهبٌ معنا
‏لنوحٍ؟ إنه نوحُ!

‏فقلت لهم على عجلٍ
‏وبي ثقةٌ ألا روحوا

‏أأطرقُ بابَ إنسيٍّ
‏وبابُ اللهِ مفتوحُ

‏ألا سبحانهُ مَن مِن
‏عطايا كفه الروحُ

دمًى بالعَقِيقِ أثرن خبالا
‏أبحن الهوى ومنعن الوصالا

‏نزعن التجمّلَ من بخلهنّ
‏ ولكنهنّ لبسن الجمالا

‏مررن غصونًا لطافًا خفافًا
‏ورحن أكامًا ملاءً ثِقالا

‏إذا ملن غُنجًا يمينًا شمالًا
‏لعبن بقلبي يمينًا شَمالا

‏ومن عجبٍ مشيهنَّ حياءً
‏إليك وإدبارهنّ اختيالا

‏وكيف سقينك سمًّا ذعافًا
‏بثغرٍ تضمّنَ حُلوًا زُلالا

وفيهنّ ناعمةٌ غادةٌ
أراقت دموعي سجالا سجالا

سليمى التي طال ليلي بها
وأورثت القلب داءً عضالا

تقول حرامٌ وصال المحبّ
وهل كان قتل المحبّ حلالا

وهل كان مثلك يابن عليٍّ
كريمٌ ينيل وينسى النوالا

لعمري لأنت الصديق المرجّى
لخيرٍ تولّى وخطبٍ توالى

فتًى لم ير المال تاجًا عليهِ
فيحني له الرأس لكن نِعالا

وكيف يُعزّ امرؤٌ مالَهُ
إذا العزّ أوجبهُ أن يُذالا

ألست الذي جادني بثمينٍ
تخيلتهُ قبل ذاك خيالا

وتوسعني بالسماح فعالًا
وعهدي بهم يوسعون مقالا

كرمتُ أبًا وكرمتَ أخًا
وأمًّا وجدًّا وعمًّا وخالا

فلا برحت نعم الله تزجى
إليك من الله حالا فحالا

ولا زلت زينًا لهذا الزمانِ
تعين الرشاد وتخزي الضلالا

إليك إليك بعثتُ بها
على طربٍ معنقاتٍ عُجالى

غرائبَ تذهبُ في كلّ فجٍّ
تخوض البحار وتعلو الجبالا

خوالدَ تنسلّ من يد ذا ال
الفناءِ وتأبى عليه الزوالا

يا زيد بالله دعني
وقم بثقلك عنّي

ما زلت تنطق حتى
آلمتَ والله أُذني

لا تنم عنّي أُخيَّ
ضاقت الدنيا عليّ

جاملِ الحرّ وأدرك
لا يرق ماء المحيّا

شق ثوب الصبر ضعفي
أصبح الكرب جليّا

وُفّقتُ للخير أيّامًا ظننتُ بها
‏أنّي التقيّ فيا للغافل الساهي

‏حمدتُ نفسي على ما كان من عملٍ
‏ولو فطنتُ لكان الحمد للهِ

إنّ هذا الحُبَّ سهلٌ
ما وجدناهُ بَلا

ومَلامٌ فيهِ عندي
كان منهُ أسهلا

قُلنَ ضَنّت قلتُ أدري
قُلْنَ دعها قُلْتُ لا

أبعدِ اللهمّ عنّي
كلّ ذي قيلٍ وقالِ

لا تقرّب ربِّ منّي
غير أحرار الرّجالِ

أعوذ بالله من همٍّ يؤرّقني
وغمّةٍ أنا منها خائفٌ وجِلُ

يا ربِّ إن فراشي منذ أزمنةٍ
مما أُصبتُ بهِ يا ربِّ مشتعلُ

فاغفر وفرّج على مولاك كربتهُ
وحكمكَ اللهَ لا يُلغى ويُمتثلُ

سأصبر عن شكوى الزمان وأهلهِ
وعن خطّةٍ في الدهر لا أستطيعها

لعل كروبًا بعد ذلك جمّةً
‏يُفرج عني بعضها أو جميعها

لازمني الهمُّ ولازمْتهُ
‏لزوم مرغوبٍ إلى راغبِهْ

‏ما جزتُ من أرضٍ ولا جازها
‏إلا وجانبي إلى جانبِهْ

‏فلستُ أدري ضلّةً أيّنا
‏أشدّ إلحاحًا على صاحبِهْ

وإنّي ليدعوني القريض دعاء من
يناشد أهل الخير في غمراتهِ

قوافٍ هي الكاساتُ أُترع جوفها
بطبعٍ كماء المزنِ أو كَفُراتهِ

تكاد جلودُ الكُتبِ حين تضّمهُ
وقد يبست تبتلّ من قطراتهِ

ولا أترك الناصبيّ الذي
عقيدتهُ أبدًا فاسدَهْ

يعادي الرشاد لنفسٍ لهُ
على كلّ ذي قُربةٍ حاقدهْ

ولم يرع حق النبيّ ولم
يخف دعوةً لم تزل قاصده

فيا لعنة الله حلّي عليه
وكوني عليهِ غدًا شاهده

لعمرك إنّ الروافض هم
على ديننا كربةٌ زائدهْ

يفدّون بالنفس كلّ عدوٍّ
يريد بأمتنا الآبدهْ

وإن يك يومٌ لنفع العباد
فهيهات ما منهم فائده

كأنّ النصارى لهم والدٌ
وشعبُ اليهودِ همُ الوالدَهْ

متى نجمع الظالمين معًا
ونضربهم ضربةً واحدهْ

يمنّيهم الخنزيرُ ما الله مانعٌ
‏وجل مقال العاجزين أماني

‏ودون منى الأعداء عدّاءُ سلهبٌ
‏أنوفٌ وُمحمرّ الغِرار يمانِ

لا تلمني على السفاسف أني
أنتحيها للهو وهْيَ متاعُ

ولو انّي رمت الإجادة جادت
هاميات القوافي فيها اندفاعُ

من معانٍ إذا سُطرنَ بسَفْرٍ
ضاء منها على الليالي شُعاعُ

بيد أنّي أنفت للشعر أن يُلقى
مهينًا كريمهُ لا يذاعُ

ثمّ عُدمي على الإجادةِ مما
يبتريني عليه منه الهلاعُ

ليس جَورٌ أُثابهُ كجَوارٍ
وبعيد ٌعن الضِّياعِ الضَياعُ

خاض النّواصبُ في القرم الذي شهدت
له المشاهدُ في اللأواءِ والنُّوَبِ

ربيبُ أحمدَ والمبعوثُ منهُ إلى
شرّ الصّناديدِ من عُجمٍ ومن عربِ

سل خيبرًا وفتاها مرحبًا وكفى
بها تُحّدْثك أخبارًا من العجَبِ

نفسي الفداءُ لهُ من فارسٍ بَطلٍ
يوم الهياجِ ومن حَبرٍ أخي أدَبِ

إنّ النواصبَ مما يذهبون لهُ
غدًا لدى مَالكٍ من جُملةِ الحَطَبِ

أمّا الروافضُ فالعن أمّ واحدهم
والعن أباهُ مرارًا غير ما تَعِبِ

خابت يداهم وتبّت حينذاك كما
تبّت يدا الظالمِ الطاغي أبي لهَبِ

وارجم قبورهم ما عشت إنّهم
كما النواصبِ في زيغٍ وفي كذبِ

والرّفضُ والنّصْبُ قرنا ماردٍ وهما
أهل الضلالِ بلا شكٍّ ولا ريَبِ

ألم تر الرافضيّ القرد في دأبٍ
بشتمه عُمَرًا والقردُ ذو شغبِ

والرافضيّ بعيدٌ أن يُلمّ بهِ
ما للفروق إلى الفاروق من سببِ

سل قيصرًا عن فتًى بالحقّ حرّبَهُ
تاجًا يُخالطهُ باللحمِ والعصَبِ

وقل لكسرى ألم يرجعك منكسرًا
بعد التجبّر كسرًا جدّ منشعبِ

ذاك الذي ثوبهُ ثوبانِ من زُهدٍ
لكنّ لابسه أغلى من الذهبِ

في كفّهِ دُرّةٌ أنفى لعفريةٍ
من كَوكبٍ في عُلا الآفاقِ منقضبِ

وعرّضوا بأبي بكرٍ وحُرّتهِ
زوج النّبيّ بأمّي تُربها وأبي

كم عائبٍ لهما كفرًا وزندقةً
والله يشهدُ لولا ذاك لم يعبِ

ولن ألوم دعيًّا في عدواتهِ
قومًا صريحٌ أبوهم غير مؤتشبِ

هي النقيّةُ والمعروف عفّتها
وما بعرضِ أبيها النَّدْبِ من نَدَبِ

قد خصّه الله دون الناس كلّهم
مُصاحبًا لم يُرَبْ فيه ولم يُرِبِ

صفيّهُ الصادقُ الصّديقُ يعرفهُ
ثورٌ وأيّامهُ فاسأل بهِ يُجبِ

يا ليلةً لأبي بكرٍ مُبَجّلةٍ
لذَكرها في فمي ضَرْبٌ من الضَّرَبِ

أثابها الله ذكرًا يستضاء بهِ
في مُحكمِ الآي لا يبلى مع الحِقَبِ

محمّدٌ سيّدي المعصوم أتبعهُ
‏ماعشتُ فيها ولا أدعو سوى اللهِ

ثلاثة أشياءٍ بها العيشُ كلّهُ
‏ومالي إلا في الثلاثةِ من أرَبْ

‏جلوسي وحيدًا والظلام يحيطني
‏وحفظي لحَبْرٍ ما يقولُ وما كتَبْ

جمرة الهجاء خبت لانشغالي عنه ولما أضرمها

ما قرأت شيئا في صفة الماء الكدر الكريه أبرع من قول ابن الرومي في ربع شطر:

‏وماءٍ كفقد الماء "

وإنّ امرأً يرجو دوامَ خليلهِ
‏وليس لهُ صبرٌ يُديمُ لجاهلُ

‏فكلّ امرئٍ لا شكّ مُحْدثُ زلّةٍ
‏ونِعْم رفيقُ الصّاحبينِ التّغَافُلُ

سقى الرحمن أعظمكِ اللواتي
‏تضمّنها الترابُ حيا الغمامِ

‏وصيّر قبرك الميمون نورًا
‏يبّددُ عنكِ غاشيةَ الظلامِ

‏ولا زال النسيمُ عليك يغدو
‏بطلقٍ يا حبيبةُ مستدامِ

‏سلامُ اللهِ تاركةَ الدنايا
‏إلى نعم المحلّةِ والمُقامِ