قناة د. أيمن صفوت سالم

إعادة نشر لمنشور قديم

العلو الحِسِّي، والعلو المعنوي.

لمَّا طوَّحَتْ به السنون ضاربًا في الأرض، ضاريًا كالأسد، ارتأى أنَّ ما كان يسعى خلفه كان جديرًا بالسعي، لكن جدارته إنما هي تاليًا لا أولًا.

من هو ذا؟ إنه ذاك الذي هام على وجهه موليًا وجهَه شطر علو الإسناد الحسي، دون التفاته إلى العلو المعنوي.

ولعلك تسأل الآن: ماذا تقصد بالعلو الحسي والمعنوي؟

أقول لك: اسأل نفسك أولًا، ثم عوِّدها على التأمل، وأجِد لنفسك إجابة، ثم طالع أقوال العلماء في ذلك تجدْ نفسَك أرسخ قدمًا، وأعلى فهمًا، وأكثر علمًا.

وإنما أرشدنا إلى ذلك ما قاله لنا قديمًا الدكتور فهد الشتوي -رحمه الله- في دروس التفسير: فلتقرأ الآية، ثم تتفكر في معناها بما تعرفه من نحو وصرف ولغة وفقه، وتقلبها على وجوهها محاولًا فهمها استقلالًا، حتى إذا فار تنور عقلك ووقفتَ على معناها فارجع إلى التفاسير واغترف من بحرها، وانظر في موارد استدلالها تتكون عندك المَلَكة.

الآن دعني أعود بك إلى ما نحن بصدده، العلو الحسي: هو قلة عدد الرجال في الإسناد بينك وبين سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإذا قلَّ العدد؛ علا الإسناد.

وما هو المعنوي إذًا: هو علو شيخك في نفسه وإن كان بينه وبين سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عدد أكبر من صاحب العلو الحسي.

والعلو المعنوي هو: أن تقصد شيخًا للقراءة عليه إما لكونه من الصالحين الأولياء، أو المحققين النبهاء، أو من الربانيين العلماء.

أرأيت إن كنت في زمنٍ كان فيه شيخ عالي الإسناد لكنه من عوام المقرئين، وشيخ في إسناده نزول لكنه من الأولياء والمحققين والمشتهرين بالعلم؟ مَن كنت تولي وجهك للقراءة عليه؟

كان ذلك في زمن الإمام العلامة الشاطبي -رحمه الله- إذ إنه في زمانه لم يكن من أصحاب العلو الحسي، لكنه كان ذا زهد وقناعة، وبلاغة ونصاعة، فهاجر الناس إليه، ووقع الاختيار من الطلبة عليه.

وكان مثله كذلك العلامة علي الضباع -رحمه الله-، فلم يكن هو في زمانه أعلى إسنادًا، لكن علوَّه المعنوي من كونه الأغزر علمًا والأرفع منصبًا لفت أنظار الطلبة إليه.

وإنما قلت: إن الحسي إنما يُطلَب تاليًا؛ لانشغال الشيخ صاحب العلو بالازدحام عليه بالسرد دون الوقوف على الدقائق من العلم، ويستطيع أن يطلبه كل أحد وإن كان من العلم قُلٌّ، بخلاف ذلك الرباني.

وكأني بالإمام الداني يشمر عن ساعديه ويفرك أذنيك يا طالب الحسي فقط دون المعنوي قائلًا: (العلم فطنة ودراية؛ آكد منه سماعًا ورواية).

ثم ترك أذنيك لتبرد.

إن وقف الرجل في المطبخ ليصنع طعامًا فإنك ستأكل منه طعامًا مختلفًا فيه صنعة الاحتراف، وإنما أتكلم عن الرجل الذي امتهن الطهي، وإلا فالطعام لا محالة محروق.

لكن الأمر يختلف إن صنعَت ذلك الطعام امرأة ، فإن الزيادة على احترافها في فن الطهي إنما هو الحنان ولمسة الأمومة.

أردت مرة شراء وجبات طعام من مطعم اعتدت أن يكون العاملون فيه رجال، ثم وجدت في ذلك الفرع أن العاملات فيه كلهن نساء، رغم أن وجبات ذلك المطعم إنما تصنعه الآلات لا البشر، وهذا معيار أساسي في الحكم على الطعام عند خبراء تقييم المطاعم، هو أن يكون الطعام من صنع البشر لا الآلة، رغم ذلك استبشرت.

على أي حال، اشتريت وجبات للأسرة من ذلك المطعم، وقلت وقتها وقد كان أبي موجودًا: الله، الأكل من إيد الستات حاجة تانية.

فقال أبي: امشي يا واد يا قليل الأدب 😂

كنت مرة مسافرًا على متن الطائرة الإثيوبية على الدرجة الأولى، وهكذا كان حظي دائمًا مع الطيران الإثيوبي، إما أن يتكرم صاحب الكاونتر فيُرقِّي درجة الكرسي الذي أستقله، أو يحجز لي من يحجز فأكون على الدرجة الأولى.

وإن كنتَ على هذه الدرجة فأبشرك بأنك لن تقف في الطوابير الطويلة للوزن، وقطع بطاقات الصعود إلى الطائرة، وعلى أي حال إن وقفت فلتقف مستمتعًا بالرحلة، متخيلًا الوجهة، وما أنت مقبل عليه من تغيير الوجوه وتبدل الثقافة، إلا إن كانت وجهة بنت كلب، فلا ضير عليك أن تنغص على نفسك من أول الرحلة.

المهم كان معي صديقان لكنهما يركبان على الدرجة الاقتصادية، ويقفان في طابور طويل، فاقترحا أن أقترح على موظفة الكاونتر أن يأتيا معي ويُعتقا من الزحام، فاستخدمت مهاراتي في التواصل، وكنت قد قرأت في هذا الحقل عددا من الكتب طورَت مهاراتي التواصلية الفطرية، ثم استغنيت عن النظريات وصرت أطبقها بالحدس والفطرة، فقلت لها بالإنجليزية : هل أنت من كينيا؟

غضبت المرأة، وهذه عادة الدول المتجاورة، يكرهون بعضهم بعضًا، كالهنود والباكستان، وشوية دول كده بلاش نذكرها.

فعلمت أن الأمر التوى على الحل، فقلت: نعم أنت من إثيوبيا، يظهر جدا من ملامحك، فقالت: نعم، ولكنك تكذب، لأنك تعتقد أننا جميعا نشبه بعضنا البعض، فقلت: لم أنت تتحسسين؟ نحن جميعا من إفريقيا، هنا تهللَت وقالت: نادِ أصحابك.

أشرتُ إليهم من بعيد أن تعالوا فقد أعتقتكم المرأة من الطابور، ولما خرجوا من الطابور اعترضَتْهم قميئةٌ أخرى وهي مديرة الأولى فنسخت حكمها، فولَّوا مدبرين وعادوا سيرتهم الأولى.

هنا نظرت إليهم يقفون، أرفع حاجبيَّ وأغيظهم، فما هي إلا أرزاق تيسرت لي، ليس لشخصي وإن كنتُ أستحق 🤣

بل لأوْثقِ شافعٍ أحمله في صدري وهو كتاب الله عزّ وجل.

التقيت في الريف الإنجليزي برجل كان يسكن في لندن، ثم ارتأى بعد معاناته من الصخب والإغراق في المدنية أن ينتقل إلى ويلز ويشتري مزرعة هناك ويعيش فيها منخرطًا في الطبيعة وبعيدًا عن حياة المدينة، وقد جلست عنده في مزرعته يومين شممت فيهما أنقى هواء، والتذذت بطعامه وخضرواته التي هي من زراعته ومن صنع يديه، ولم يكن طعمها يشبه ما تعودت أكله من الأطعمة المليئة بالهرمونات والكيماويات.

فشعرت بشعوره يوم أن قرر قراره ذاك من ترك الصخب والخلوة بأسرته في المزرعة بعيدًا عن الناس.

ومثله آخر التقيت به مؤخرًا في المدينة المنورة، فقد كان يعمل مخرجًا للأفلام الوثائقية في هوليوود في أمريكا، ثم قرر ترك ذلك كله وانتقل إلى العيش في مزرعة اشتراها في ڤيرجينيا في أمريكا، بعد أن سئم المدنية والصخب، وآثر حياة الهدوء والتأمل.

وقد قرأت مقالًا للأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي رحمه الله يتكلم فيه عن أن الإغراق في حياة المدنية جالبٌ للاكتئاب، وبعيد عن الشعور بالسلام النفسي، حتى أن أعلى نسب الانتحار تكون في أعلى الدول مدنيةً كاليابان والسويد وأمريكا.

وأوصى بأن يختلي الإنسان بنفسه بعيدًا عن الناس، ويختبر نفسه ويحاسبها، ويسبر أغوارها حتى يتخلص من الأوضار التي تورثها المدنية من عدم الصدق مع النفس والتزلف والتصنع والتجمُّل الزائد، فيخرج من خلوته وقد اكتسب ذلك الصدق والسلام الداخلي في حال التعامل مع الناس.

على أن بعض الناس استطاع الوصول إلى ذلك السلام وهو في حال المدنية، مثل ذلك الذي أخبرنا عنه أحد الأساتذة عن جاره في الحي، بعد أن رآه وقد زاد وزنه وثقل جسمه فسأله عن التغير الحاصل في حياته، فأشار إلى دماغه أن قد أقال عقله عن التفكير في شيء، وقد سلَّم نفسه إلى ما يقوده إليه القدر دون مقاومة، لكني رأيت أن السلام النفسي ليس هو ذاك، وما فعله ذلك الرجل أشبه إلى العجز والكسل وقلة الحيلة.

وتتأصل تلك الخلوة بفعله صلى الله عليه وسلم ذلك في غار حراء الليالي ذوات العدد قبل البعثة، ثم في تشريعه سنة الاعتكاف كل عام في رمضان، فتصفو النفس وترجع إلى الناس بطاقة جديدة وأفعال حميدة، وصبر جميل.

أصل الحركات

أراد أحد شيوخنا الزواج بأخرى، لكنَّ علوَّ سنه وكونه كفيف البصر لم يُتِح له خيارات متعددة، فتزوج امرأة بكرًا عانسًا لامست الخمسين من العمر، لكنها لم تكن على مراده وعلى ما كان عليه خياله، ويبدو أنها كذلك لم تختره إلا لأنها علمت أنه في بحبوحة مالية ليست بالكبيرة جدًا، لكنه ميسور الحال على كل حال، فاتخذَتْه ماكينة صراف 🏧.

ثم ضاق شيخنا بها ذرعًا بعد أن استنزفتْه تلك المرأة، وشعر أن أولاده أولى بماله منها، فتفاقمت الأمور بينهما وانتهت علاقتهما بالطلاق.

لكن شيخنا كان كريمًا، فوصلها بشيء من ماله بعد الطلاق، ولما أراد أن يحوِّل لها مبلغًا من المال؛ أوكل إليَّ تلك المهمة، فجئت أحول المال إلى رقم الحساب الذي أعطانيه، فقلت له: هذا حساب شخص اسمه (جمعة) يا سيدنا.

فأخرج زفرات من صدره وقال: دي مراتي يا ابني اسمها جمعة،
واتعرض عليَّ قبل كده واحدة اسمها (سلامة)، وقال بحسرة وصوت عالٍ: (أنا بيتعرِض عليَّ رجالة يا أيمن) 😂

وقد عرفت كذلك من أحد الإخوة العجم أن أخته اسمها (عطية)، فافترَّت شفتاي عن ابتسامة تساءل عنها الأخ، وقال: أهذا عندكم اسم رجل؟ قلت: نعم، وليس رجلًا عاديًا، بل ربما يكون رجلًا شديدًا، فقال: والله يا شيخنا لقد أخذَت نصيبًا من اسمها ذاك، فهي تجادل وتقاتل كالرجال، وهي من النسويات.

وليس العجب من تلك الأسماء إن عرفت أنني قابلت امرأة في جنوب إفريقيا اسمها: (شبانة)، إذ لم يكتف أهلوها باختيار اسم رجل عادي، بل ربما اسم تاجر سلعة المخدرات.

فلنكتف بجمعة، وسلامة، وعطية، وشبانة.

حتى تأتي على الشيء من جميع أوجهه عليك أن تفعل كما يفعل أهل القراءات.

ألا ترى كيف يُضرَب بهم المثل؟
انظر إلى المحقق الشاعر الراوية أحمد الزين ١٩٤٧م، كيف كان يُلقي شعره فشبَّهوه بالمقرئين:

(يوم ألقىٰ قصيدته ((صرعىٰ الأغراض)) بموسم الشعر سنة (١٩٣٦) وقف متكئًا على عصا، فأعاد للناس سيرة خطباء العرب، واستولىٰ بقصيدته علىٰ الألباب، واستُعِيدت أبياتها مرارًا، وقال بعض من حضر من الشعراء: (إن الزين يُلْقِي اليوم بالسَّبْع)! أي كما يفعل حُذَّاق المقرئين حين يقرؤون في المحافل بجمع القراءات السَّبع).

[قسطاس البيان ٦٤].

وكذلك ما جاء عن الفقيه الدستوري الدكتور عبد الرزاق السنهوري ١٩٧١م، الذي صاغ الدستور المصري، وكان أستاذًا في كلية الحقوق:

(وفي التدريس تميز السنهوري ١٩٧١ في إيصال المعلومات إلى الطلاب.. فكان لا يترك الفكرة الواحدة وهو يدرسها لطلابه، حتى يعرضها بالصور المختلفة التي تجذب وتقنع مختلف المستويات والأفهام، حتى قال عنه بعض الظرفاء: " إنه يحاضر بالقراءات السبع "!)

[الدكتور عبد الرزاق السنهوري.. ص ٣٠].

وجمع القراءات جدير بذلك، وهو الذي جعل الحاكم السنوسي في ليبيا بعد أن سمعه يرفع المقرئين به في مراتبهم الوظيفية إلى درجة أستاذ جامعي.

جمَّلنا الله وإياكم بكتابه العظيم.

يوم أن كانت موضة الظائيين في ذروتها، وهم الذين ينطقون الضاد ظاءً أو شبيهة بها، كنا في محاضرة القراءات في الجامعة، وقد كان الأستاذ هو شيخنا الدكتور محمد نبهان رحمه الله وأعلى درجته في عليين.

وإذا بأحد الزملاء من الظائيين يقرأ قوله تعالى: (فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة)، وقرأها بتلك الضاد المشوبة بالظاء، وهو صوت قمئ تمجه الأذن وتشمئز منه النفس.

فردَّه الشيخ بهدوء وقال: (الضلالة)، فأعاد الطالب سيرته الأولى بذلك الصوت المشوب، وكأنه يريد أنه لا يتزحزح عن الحق.

فرده الشيخ مرة ثانية، فأعاد الطالب الخطأ متعمِّدًا، وكان المفترض به أن ينزل على رأي الشيخ وفي مجلسه وإن لم يعتقده، لكن كثيرًا ما تكون عجمةُ اللسان عجمةً في العقل.

فغضب الشيخ غضبةً شديدة، وانتفخت أوداجه، واحمرَّ وجهه، وقد كان بصيرًا بقلبه رحمه الله، ثم قال بلهجته السورية: (عم اقلّك الضلالة، وانت بتقول الظلالة، كلّ البلا جانا منكو، يا …) وسبَّه.

وللأسف فإن هذا الرأي قد اقتنع به عدد من شيوخ القرآن بعد أن نشره وأعاد ذلك الرأي الدارس بعضٌ من شيوخ العجم.

وإن كانت بعض نصوص الأقدمين تؤيده، إلا أن الكثرة الكاثرة، والغالبية العظمى من القراء ليسوا على هذا القول من قديم وحديث، وهو قول لا ينزل القراء المعتبرون عليه، ولا يلتفتون إليه.

تحرير اجتماع البدل مع ذوات الياء لورش.

فائدة من النقل التاريخي في القرآن الكريم

قد ينطلق لسانك بوردك القرآني في صباح يوم وتنتهي منه دون شعور بالمقاومة في إنهائه.

ويتلجلج لسانك ويتشوش ذهنك في صباح آخر فلا تنتهي من وردك إلا قبل النوم، فتقعد يومك كاملًا على ذمته.

وما هو إلا إذن منه سبحانه، لا لك، ولا منك.

نظرت إلى رجل في المستشفى ووجدت وجهه مألوفًا لديَّ تمامًا، أنا أعرف هذا الرجل، رأيته كثيرًا، لكن أين؟ لا أدري.

جاء إليَّ وسلَّم عليَّ فرحبتُ به وانصرف، عصرت مخي لأتذكر من هو؟ فلم أتذكر.

ثم تبين لي في اليوم التالي مَن هو.

إنه البقَّال الذي أشتري منه الخبز كل يوم، لكني لا أعرف وجهه إلا في ذلك المكان، فإذا ما خرج منه غابت عني هويته.

لا أدري ما الذي أصاب دماغي.

انتبه أن السبق والاختيار الإلهي إنما يكون بما وقر في القلب وصدقه العمل، وليس هو بكثير صلاة وصيام فقط.

فالحمد لله الذي جعل المعيار في يده لا في أيدي الخلق.

ابني الصغير سميته محمدًا لأنه ولد في شهر ربيع الأول قبل أربع سنوات، وقد كنت نائمًا فرأيت عمي الكبير محمدًا قد أتى يؤذن في مسجد، فما هي إلا ساعة وإذا بالمخاض قد أجاء زوجتي وقد كانت تأخرت فيه، فعلمت أن عمي قد أتى بالبشارة.

ولمَّا أخبرت أبي بالرؤيا قال: سمِّه محمدًا.

ثم لما وُلِد وجعلتُ أناديه محمدًا، ثم أضيف إليه ياء النسبة فأقول: (محمدي)، تسارع إلى لساني اسم القارئ (محمدي بحيري)، فجعلت أناديه به مركبًا، ثم تطور الأمر فحذفت الأول وجعلت أقول: (بحيري).

فإذا ما ناديته بهذا الاسم غضبَت زوجتي وأرعدَت واعترضت تقول: لا تنادِه بهذا الاسم.

وليس إلى إحكام تصرفات الصبي الطائشة سبيل، وقد كنتُ أخبرتك قبل ذلك أنه قد فتح الباب وخرج إلى الشارع دون علمنا وقد كان ذلك اليوم عصيبًا أورثَنا فوبيا تكرار الأمر.

على أي حال، في يومٍ غاب الولد عن ناظريْنا وقد كان يلعب في غرفة أخرى، فانتفضنا نناديه فجعلت أقول: بحيري بحيري، وجعلت زوجتي تردد الاسم خلفي تناديه به دون شعور 🤣

ثم غاب الاسم إلا طرفًا من النهار وزلفًا من الليل.

لا يوجد حرفي مثقل إلا في لآم من (الٓمٓ، الٓمٓصٓ، الٓمٓر)، والسين من (طسٓمٓ).

المد اللازم الحرفي

كتب الدكتور جلال أمين رحمه الله سيرته الذاتية ثلاث مرات، وهي:
(ماذا علمتني الحياة؟)، و(رحيق العمر)، و(المكتوب على الجبين)، وثلاثتها تستحق القراءة بلا ريب، لأنه كان صريحًا وخاصة في كتابه الثاني (رحيق العمر) صراحةً فجَّة فيها مجاهرةٌ يشمئز منها أهل الديانة عمومًا، إلا أنك عندما تقرأ فلا بد أن تتعلم أن تفصل بين ما تريد وبين ما تقرأ، وإلا بقيت في دائرة مفرغة، تقرأ ما تعرف ولا تزيد، فالقراءة لمن ليسوا على شاكلتك هي السبيل إلى الفهم والاتساع، بل هي السبيل إلى فهم أفكارك الخاصة وما تعتنقه.

على أي حال، أراد الدكتور جلال أمين أن يسمي كتابه: (ماذا علمتني الحياة؟)، أراد تسميته بـ (لماذا تخيب الآمال؟)؛ لأنه كان يرى أن الحياة إنما هي حلقات متتالية من خيبة الأمل، كما كان يراه ونراه على كل من حولنا، فذاك أصيب بمرض كذا، وذلك يعاني من أولاده، وتلك فقدت وظيفتها، وذياك خسر تجارته، وكذلك الحال على مستوى الدول والمجتمعات.

لكنه عدل عن ذلك الاسم خوفًا من تشاؤم القراء، وآثر أن يعقده فصلا في نهاية الكتاب بعنوان: (البدايات والنهايات)، وسرد أمثلة الخيبات.

وقد قرأت قديمًا مقالًا للأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار سماه: (أنا والفشل)، لكن ذلك المقال كان أوسع مقالاته انتشارا في ذلك الوقت، وكأن حكاية الناجحين عن إخفاقاتهم فيه سلوى لأولئك الرابضين في الفشل، أو الذين يقعون فيه، وكلنا ذلك الشخص.

هل يمكن أن تتجرأ وتكتب ما وقعت فيه من فشل؟

للقوم طرائق في أكل اللحم الاستيك، فبعضهم يأكله مستويًا شديد الاستواء، وهو ما يطلقون عليه قولهم: (well done)، ويقول عليه المصريون: مستِوي، وأهل الخليج: مقَمَّر، بإبدال القاف قيفًا، كالجيم القاهرية.

ويأكلونه على غير استواء كامل، فيقولون: (Medium)، أو: نص سِوا.

أو يكون لون اللحم أحمرَ لم يستوِ جيدًا ويكون نيِّـئًا فيقولون: (Rare)، وهو يناسب كثيرًا من أولئك القوم إذ يُحبون الدم، فلا ضير أن يأكلوا اللحم وهو يَنِزُّ دمًا، ولا يناسب كثيرًا من العرب الذين يستحضرون حرمة الدم المسفوح، وإن كان الاستيك ذاك، على درجة السِّواء تلك، غير حرام.

لكن ذلك اللحم المعجل على النار الذي لم ينتَظر به النضج الذي يسمى لغةً: (المُلَهْوَج)، يكون لذيذًا في حال التشبيه.

ألا ترى قول الشماخ بن ضرار التغلبي عن حبيبته:

يَقِرُّ بِعَينِي أنْ أُنَبَّأَ أنَّهَا
وإن لم أَنَلْها أيِّمٌ لَم تُزَوَّجِ

وكنتُ إذا لاقَيتُها كانَ سرُّنا
وما بيننا مِثلَ الشواء المُلهْوَجِ

يريد أنهما كانا على عجلة من خوف الرقباء، فكانا يلتقيان سريعًا كأنك تعجل بالاستيك على النار فيكون (اًRare)، وقد وضعتُ لك ألف النصب عليها التنوين في الكلمة الإنجليزية حتى أمزج الكتابة العربية بالإنجليزية فأكون مبدعًا مجددا 😜

في كم يُقرأ القرآن؟
وما هو صنو الورد القرآني؟

يصاب المجاز بترهُّلٍ في أعضاء النطق إذا انقطع بعد الإجازة عن معاهدة نفسه بالشيوخ وبالتعليم، فربما يقع في أخطاء يقع فيها المبتدئ في التعلم بطول العهد عن البيئة العلمية.

ولذا استحبّ بعضهم أن يعرض الرجل القرآن على شيخ في كل عام مرة كما كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على سيدنا جبريل عليه السلام في كل عام مرة.

قال الإمام الشاطبي في العقيلة:

وكُلَّ عامٍ على جبريلَ يَعْرِضُهُ *** وقيلَ آخرَ عامٍ عرْضَتَيْنِ قَرَا

عيبٌ عليك أن لا يكون لك أي معيار تقييمي لغيرك إلا بمذهبه العقدي أو الفقهي.

ما رأيك أن تجرب أن تكون معايير تقييمك لغيرك أخلاقية أو اجتماعية، أو أن تكف مطلقًا عن التقييم وتنشغل بنفسك؟

هذه هي الغرفة التي ولد فيها سيد الخلق سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم

تنساب كلمات الكُتَّاب على الورق كالسيل الهادر إذا كانت عن آبائهم الروحيين، أقصد شيوخهم.

يتعلق الطالب بشيخه تعلُّق الغريق بالقشة، ولو صار شيخًا وإمامًا فإنه مستمسك بأبيه حتى تكون السلسلة وثيقة العُرى.

والتمسك بالسلسلة يحمي صاحبها من الوقوع، فلو ترك هو لسقط، ولبقي مَن فوقَه محميًا باتصاله بمن فوقه.

ينظر العلامة السخاوي -صاحب كتاب الضوء اللامع- إلى شيخه العلامة ابن حجر العسقلاني نظرة يتبينها من وقف على جهده في ترجمة شيخه، فإنه لم يكتف بترجمته مطولًا في كتابه الضوء اللامع؛ وإنما أفرد لترجمته كتابًا برأسه سماه: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، وهو يقع في ثلاثة مجلدات تعد ذخيرة علمية هائلة، مشحونة بالفوائد والجواهر والدرر كما سماها صاحبها.

ولا يكون الوقوف وتكرار النظر في مثل تلك الأسفار دائمًا إلا لباحث أدمن تلك الأخبار، وصار استئناسه بابن حجر والسخاوي وغيرهما أعظم من استئناسه بمعاصريه.

وقد وقفت على هذا الكتاب بدلالة شيخ الباحثين العالم الجليل يوسف الصبحي، مدير مكتبة مكة المكرمة، والذي تتفجر ينابيع الحكمة على لسانه، ويظهر نور حب النبي وصحابته ودواوين الإسلام ورجاله وتاريخ مكة وآثارها على ضوء عينيه اللامع.

وإذ إن الرجل يستمد أنواره من الغوص في تاريخ الزمان، فإن جغرافية المكان الذي يجلس فيه تشحن روحه وعقله بروحانية الزمكان، فموقع المكتبة في منطقة الغزة جهة المسعى متصلة بالحرم، وهو المكان الذي ولد فيه سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد أكرمنا الشيخ يوسف بإتاحة زيارته في المكتبة التي تحوي ٢٣ مكتبة من مكتبات علماء مكة القدماء، تلمست فيها كتبهم ونظرت فيها إلى تعليقاتهم، وقد أصبت بالقشعريرة إذ وقفت في المكان الذي وضعَتْ فيه السيدة آمنة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان لا دليل على المكان.

أرأيت أن آخر المقال ينقض أوله، أَكمِل ما نقص من الفكرة أولًا، وليكن ما بقي من المقال تذكيرًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثانيًا.

ثم دعني الآن لأستريح، فلو كنت أكتب بالقلم لأكملت، ولكني أنقر بإبهامي على شاشة الهاتف، وحظك اليوم أن النقرة لا تتزامن مع الحرف، لأن الجوال في بعض الأحيان يتباطأ فيصير كما يسبق الصوت حركة الشفاه في الأفلام؛ فترى حال المتفرج كأنه يُعذّب بقطر الماء على رأسه قطرة قطرة كما كانوا يفعلون في محاكم التفتيش في أسبانيا.

كان الوالد رحمه الله يرقد على سرير وفاته في المستشفى، وكان بين غياب طويل وصحو خفيف.

ويوم أن كان في صحوه وقفت وإخوتي نكلمه وكان صوته ضعيفا لا يكاد يخرج، فأردت أن أنشطه وأتأكد من صحوه فقلت: من هم القراء العشرة؟

فنظر إليَّ بنصف عين وقال: ماتستعبطش😊

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع القراء والمقرئين، مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

على ما في العلوم من اتساع، وإعمال العقل والنظر، واجتهاد أصحابها فيها للوصول إلى المراتب العليا، إلا أن جميعهم يغبط المشتغل بالقرآن إذا حضرَتِ الوفاة أحدًا منهم متحسرًا أن لو كان من أهل القرآن.

ومن ذلك ما كان من نفطويه الإمام في الحديث واللغة، أنه كان يمر مع ابن خالويه بمسجد خلف بن هشام البزار (خلف العاشر) ، مقرئ بغداد، وأحد القراء العشرة، فقال: هذا مسجد خلف مقرئ أهل بغداد، والله ما كان بأعلم مني، ولكنه أطاع الله فرفع منه، وعصيتُ الله فوضع مني.

وهذه الحسرة رأيتها في عيون عدد من المشتغلين بالعلم يوم أن حضرتهم الوفاة.

ولم يكن أهل القرآن في تلك الحسرة، بل في تعلق بالله بتلك الوسيلة واستحضارها.

علاقة إتمام الحركات بالتفخيم والترقيق.

رجل توفيت أمه، فأراد أن يعتمر عنها أحدَ طلاب العلم الصالحين مقابل مبلغ مالي، فكلم أحد الشيوخ لينظر له في الأمر.

فقام الشيخ باختيار أحد طلاب العلم الفقراء، البالغين من الفقر مبلغه لينتفع بالبدل، وكان ابن المتوفاة قد أوصى بأن يكثر الدعاء لأمه في العمرة بإخلاص.

وقد كمُلت المهمة، واعتمر الأخ عن المرأة المتوفاة، ودعا لها دعاءً خالصًا، وأخذ المبلغ المتفق عليه.

ثم بعد أسبوع، رأى الرجل أمه المتوفاة في المنام تشكره شكرًا جزيلاً على تلك الهدية التي أرسلها لها، وهي العمرة، وعلم عندها أنها علامة على قبولها إن شاء الله، لإخلاص ذلك الرجل في أدائها.

فاتصل على الشيخ الذي أوصله به، وأجرى على طالب العلم ذاك راتبًا شهريًا يغطي احتياجاته إسداءً لمعروفه في أمه، ولأن الله قدَّر لذلك الشاب ذلك الرزق من حيث لا يحتسب.

فصل في إشراك الحاجبين الفمَ في التلاوة.

أخطأت يا عزيزي إذ فهمت أني أوجهك لذلك، لا تفعل، فإن عضو النطق الظاهر هو الفم فقط.

جلست يومًا بجانب أبي -رحمه الله- لمَّا حضر إليه أحد طلابه الذي بدوره أجاز طالبًا أحضره معه، فالوالد هنا بمثابة جدِّه في الإسناد، وقد أحضره ليطمئن أن الطالب قد سار على الجادة التي تلقاها هو عن شيخه.

ولمَّا بدأ الرجل يقرأ فإذا بحاجبيه يرتفعان في المد، وتنغمس عينه في الغنة، وينتفش أنفه في الإظهار، فصار لكل حكم عضوٌ في وجهه ينطق به.

ولما كنت أتأثر بمن أمامي؛ وجدتني رافعًا حاجبيَّ معه، ونافشًا أنفي، إلا أن فمي لم ينطق، لأنه متعطل بقراءته هو.

ثم رفعت بصري إلى الوالد -رحمه الله- فوجدته قد خفض بصره عن الطالب وقد أمسك أنفه بيده، ليحول دون انتفاشه لا إراديًا.

وبعد انتهاء الرجل من القراءة شعرت وكأن أحدهم قد أسدى إليَّ معروفًا بأن توقف عن ذلك المساج الذي عمله في وجهي.

ثم التفت إليه أبي قائلًا: إنت بتقرا بوشَّك ولّا ببقك؟

انتبه أن تُشرك غير فمك في النطق، حتى لا تكون مسرحًا للنظر والأذى.

علمت مؤخرًا من بعض الناس أن طالبًا قرأ على الوالد رحمه الله ختمة كاملة عن بعد، فتفاجأ ذلك الطالب أن الوالد رحمه الله كتب شهادة قال فيها: وبعد: فقد قرأ عليَّ أخي فلان ختمة كاملة (غيبًا نظرًا)، وأراد الطالب أن يغيرها ويمحو كلمة (نظرًا).

وعند سؤاله من بعض الشيوخ: هل كنت تفتح المصحف وأنت تقرأ على الشيخ عن بعد؟، فقال: نعم في مواضع لم أراجعها جيدًا.

الجميل أن الوالد رحمه الله لم يواجهه بما شعر به لئلا يجرحه، بل أعطاه الخابور في تلك الشهادة بعد انتهائه.

لا أدري كيف يستطيع أحدهم استغفال شيخ قضى سنوات متطاولة في الإقراء، ويحسب أن الشيخ لا يعرف أن الطالب يقرأ غيبًا أم نظرًا؟

رحمة الله عليك يا أبي.
إني في شوق إليك.