قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

@mujahed_dira


قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

03 Oct, 14:02


هل ينبغي أن نحتفي ونفرح بصواريخ إيران؟

3/10/2024

قال بعض القائلين: على السوريين الذين أظهروا الفرح بمقتل قادة الحزب اللبناني أن يُقسطوا ويتعاملوا بالطريقة ذاتها مع صواريخ إيران التي ضربت إسرائيل. قالوا: أليس هذا منطقَ الحق والعدل طالما أن كل واحد من الطرفين عدو ظالم -كما تقولون- وأنكم تفرحون بضرب الظالمين بالظالمين؟

أقول أولاً: لو أن محور إيران أثخن في العدو الصهيوني كما أثخن العدو الصهيوني في أهل فلسطين الكرام لكان لهذا الطلب ما يسوّغه، أما وإيران ذات الأنياب الحادة على أهل السنّة في العراق وسوريا تكتفي بخرمشة إسرائيل بأظافر مقلَّمة ولا تصنع فيها شيئاً يُذكر فإن هذا الطلب مردود من أصله ولا محل لبحثه حتى إشعار آخر.

لكن هذا ليس هو جوهر المسألة، فنحن لن نفرح ولن نهلل لإيران ومحورها حتى لو أثخنوا في العدو الصهيوني ولو أذاقوه مثلَ الذي أذاقونا من الويلات (ولن يفعلوا). لماذا؟ لأننا أعقل من أن نغرق في نشوة اللحظة الحاضرة ونغفل عن المآلات، لأننا لن نساهم في تزييف الوعي وتزيين الباطل ولن نجعل المجرمين كالمؤمنين، لأننا نعلم أن إيران ومحور إيران أعداء لأهل السنّة وأننا سنلقى منهم البلاء حيثما كانت لهم سيطرة وكان لهم نفوذ. ولا حاجة لافتراض ما سيأتي طالما أن ما مضى هو الشاهد وهو الدليل والبرهان، وانظروا إلى ما فعلوه بنا في اليمن وسوريا والعراق.

وأخيراً لأننا لن ننسى، لن ننسى أن حزب الله ومليشيات إيران الطائفية في سوريا ارتكبت من الجرائم والأهوال ما لم يرتكب عُشرَ معشاره اليهودُ في فلسطين: ذبحوا أطفالنا بالسكاكين (حقيقة لا على المجاز) واغتصبوا بناتنا ونساءنا وحرقوهنّ أحياء مع الأطفال والرجال، وقصفوا بلداتنا ودمروها على رؤوسنا ثم استعمروها بعدما جلا عنها من بقي حياً من أهلها. وقبل ذلك وبعده: لأنهم كانوا هم السند والظهير لعدونا الأكبر طاغية سوريا في حربه الطائفية المسعورة التي شنّها علينا، وهم الذين أعلنوا أن الطريق إلى القدس يمرّ بحلب والزبداني والقلمون، ثم إنهم احتلوا القلمون والزبداني وحلب وحطوا فيها الرحال ونسوا القدس وتركوا فلسطين لليهود.

فيا من تشيدون اليوم بصواريخ إيران وتجودون على رأس حزبها بلقب الشهيد: أعيدوا لنا ما سَلَب الحزبُ من أرضنا وأحيوا مَن ذبح وحرق وقتل من أطفالنا ونسائنا ورجالنا. وإن صنعتم (ولن تصنعوا لأن الموتى لا يرجعون إلى الحياة) فماذا تفعلون بحرائرنا اللائي اعتدى عليهنّ مَن تشيدون بهم اليومَ وترجون منهم الخير؟

اصنعوا ذلك كله ثم تعالوا نستأنف الحوار.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

28 Sep, 15:07


5 تعليقات على اغتيال قادة الحزب في لبنان

28/9/2024

قبل سبعة أيام نشرت منشوراً قصيراً علّقت فيه على حادثة تفجيرات البيجر بثلاثة تعليقات، وأكملها اليومَ بخمسة تعليقات جديدة بعد اغتيال قائد الحزب البارحة:

1- لبنان بعضُ بلادنا وأهلُه بعضُ أهلنا. أيفرح امرؤ بتهديم بلده وقتل أهله؟ معاذ الله! بل نسأل الله السلامة للبنان وأهل لبنان، ولا نفرّق بين جرائم العدو التي يرتكبها بحق المدنيين الأبرياء في غزة وأمثالها في لبنان وفي غيرهما من بلدان المسلمين.

2- الحزب عدو لنا، وهو جزء أصيل من المشروع الإيراني الصفوي الرافضي الذي عانى منه المسلمون السنّة في العراق وسوريا واليمن الأمرَّين، والفرحُ بإضعافه والقضاء على قادته حق مشروع لكل مسلم وليس للسوريين خاصة، بل يكاد يكون فرضاً على كل مسلم حر عاقل بعيد النظر.

3- هلاك المجرمين بأيدي المجرمين من سنّة دفع الظالمين بالظالمين التي سنّها الله في الدنيا لإنصاف الضعَفة المظلومين من الأقوياء الظالمين. على أنّ المجرم لا يستحق شكراً لأنه قتل مجرماً مثله، بل ندعو الله أن يستأصلهم كلهم ويخلّصنا منهم أجمعين.

4- لا ينبغي لمن فُرضت عليه حرب كبرى أن تضطرب بوصلته بمصلحة آنيّة متحصَّلة من معركة واحدة، وإيران تشنّ ضد العالَم العربي السنّي حرباً وجودية منذ عشرات السنين، أفما آن لعقلاء الأمة أن ينظروا بمنظار الرؤية الشاملة فيرَوا أوجه الخير والشر كلها معاً ولا تعميهم اللحظة الحاضرة عن إدراك النهايات والمآلات؟

5- ولنتذكر أخيراً أن أهل سوريا المكلومين الذين ذبحت مليشياتُ إيران الطائفيةُ أبناهم بسكاكين نَقش عليها القتلةُ اسمَ الحسين، أنهم التمسوا العذر لإخوانهم في غزة عندما تحالفوا مع إيران وتلقَّوا منها الدعمَ والعونَ على مر السنين، وقد آن لأهلنا الكرام في فلسطين أن يردّوا الدَّين وأن يعذروا إخوانهم في سوريا حين فرحوا بانتقام الله لهم من قاتليهم وانتصافه لهم من المعتدين الظالمين.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

21 Sep, 12:29


3 تعليقات سريعة على الأحداث الأخيرة (تفجيرات البيجر)

21/9/2024

1- إذا اقتضت المصلحةُ عدمَ إظهار الشماتة والسرور بضرب حزب الله -كما يردد بعض الناس- فإن مصلحةً أعلى تقتضي عدمَ إظهار التعاطف معه والثناء عليه، فإمّا أن يصمت الطرفان أو ينطق الطرفان، أمّا أن يستمر الطرف الثاني بتضليل الأمة ويسكت الطرف الأول عن التصحيح والتوضيح فإنها معادلة مضطربة ومطلب جائر.

2- كما لا يصح أن تكون سوريا هي المعيار الوحيد الذي نحكم به على الحزب (وسواه من أذرع إيران) -كما يقول بعض الناس- فكذلك لا يصح أن تكون فلسطين هي المعيار الوحيد. المعيارُ الصحيح الدقيق هو الأمة المسلمة دون تفريق بين قُطر وقطر وجنسية وجنسية، وبلاءُ إيران وميليشياتها معروف مشهود حيثما كانت لها أذرعٌ وكان لها نفوذ.

3- المشروع الإيراني الفارسي الصفوي مشروع توسعي لا يختلف عن مشروع إسرائيل الصهيوني اليهودي التوسعي إلا بفروق قليلة (لكنها مهمة جداً): المشروع التوسعي الصهيوني محدود جغرافياً بتصورهم للوعد التوراتي والمشروع التوسعي الإيراني غيرُ محدود ويطمع بابتلاع بلادنا كلها واحداً بعد واحد، والمشروع الصهيوني زائل بوعد الله أما المشروع الإيراني فدائم وهو احتلال لا يزول وتغيير مذهبي وديمغرافي أبدي.

ويمكن أن أختم أخيراً بالتأكيد على أن أهل السنّة الذين عانوا من الإجرام الإيراني الفظيع في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفي إيران نفسها، أنهم لم يذوقوا من إيران الصفوية الرافضية البلاءَ الأحمر بسبب موطنهم الجغرافي بل بسبب انتمائهم الديني والمذهبي، ولو أن إيران سيطرت على فلسطين -لا قدّر الله- فلن يكون أهل فلسطين أقلَّ بلاء من أهل العراق وسوريا، وسوف يتمنَّون حينها لو أن بلادهم بقيت تحت الاحتلال الإسرائيلي لأن ما سيرونه من إجرام ميليشيات إيران سيفوق إجرام اليهود ويُنسي أهل فلسطين أيامَ اليهود.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

28 Aug, 11:02


شكراً خامنئي!

لا يظنَّنَّ ظانٌّ أنني أهزل، بل إنّي أشكر الرجلَ جاداً غيرَ هازل، لأنه ساعدني (وساعد غيري من أمثالي) على توضيح ما كان حقُّه أن يكون من أوضح الواضحات لولا أن الفهم استغلق على كثير من المخدوعين بجعجعة "الحزب" وحربه الوهمية، حرب الطواحين التي ما زال يشنّها منذ عشرة أشهر على الأشجار وأعمدة الاتصال.

قبل تسعين يوماً بالتمام والكمال قرأت في حسابٍ من الحسابات التي كنت أتابع فيها أخبارَ الملحمة في ارض العزة والرباط، قرأت تعليقاً لصاحب الحساب قال فيه: "من حقنا أن نتفاءل ونستبشر بمئة ألف مقاتل في لبنان وحدها اكتسبوا خبرات قتالية جبارة، سواء بحرب الاستنزاف الحالية في جنوب لبنان أو من القتال في سوريا من قبل".

فعلقت على كلامه قائلاً: "تقصد -أخي الكريم- القتالَ في سوريا ضد أحرار سوريا وقطع رؤوس أولادهم بالمناجل والسكاكين وحرقهم أحياء (كما تصنع إسرائيل اليوم بأهلنا الكرام في غزة العزة)؟ فأيُّ فرق بين ضحية وضحية وأيُّ فرق بين مجرم ومجرم؟ وكيف يرجو السنّةُ في فلسطين الخيرَ ممّن ذبح السنّةَ في إيران والعراق وسوريا واليمن ولبنان؟ كيف يرجون الخير من الذي فاقت ضحاياه من المسلمين في هذه البلدان ضحايا إسرائيل في فلسطين آلافَ المرات؟ هداك الله"

فحظرني صاحب الحساب وترك أنصار الحزب يصولون ويجولون ويتلاعبون بالعواطف والعقول!

ماذا تقول اليوم -يا صاحب الحساب- وماذا يقول أصحابك وأمثالك وقد نَزع وليُّهم اللثامَ وكشف السترَ وأظهر الخبيء، وأعلن على الملأ أن معركة الجبهة الحسينية مع الجبهة اليزيدية ماضية إلى يوم القيامة؟ وأنت من أي الفريقين يا صاحبي: من الحسينيين أم من اليزيديين؟

مرة أخرى: شكراً خامنئي! أشكرك لأنك وفرت علينا عناء إقناع الذين خدعَتهم جعجعتُكم الفارغةُ وأعفيتنا من تقديم البرهان على ما نقول، ويا ليت المخدوعين من قومي يعلمون!

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

15 Jun, 11:46


الصبرُ مِفتاحُ النصر

15/6/2024

للصبر أجر عظيم في دار البقاء، ولكن له في الدنيا أيضاً فائدة عظيمة جليلة هي الانتصار على الأعداء. إنها سُنّة من سنن الخلق وقانون من قوانين الصراع بين الحق والباطل، سنّة وقاعدة تقول: "النصر ثمرة الصبر"، وإن شئتم: "الصبر مفتاح النصر". تقولون: وأين وجدت هذا؟ أقول: في كتاب الله الكريم، وصدق الله العظيم.

حينما دعا نبي الله -عليه سلام الله- قومَه في مكة إلى الإسلام عادَوه وآذَوه وكذّبوه وحاربوه هو والذين آمنوا معه. لم يحاربوه يوماً ويومين أو شهراً وشهرين، ولا حاربوه عاماً ولا عامين، بل استمروا في حربه وتكذيبه أعواماً طويلة، عشرَ سنين، فهل يُلام لو أنه يئس منهم وترك دعوتهم وأعرض عنهم وقال: إلى متى أدعوهم فلا يزدادون إلا عتواً وتكذيباً؟

إن الأنبياء هم صفوة خلق الله على التحقيق، ولكنهم بشر تنتابهم المشاعر الإنسانية التي تنتاب سائر الناس، ويمكن أن يصيبهم اليأس الذي يصيب كل الناس. لذلك تابع الله نبيَّه الكريم وما زال يأمره بالصبر ويحثّه عليه مرة بعد مرة خلال تلك السنوات العصيبة: {فاصبر صبراً جميلاً}، {فاصبر إن وعد الله حق}، {فاصبر على ما يقولون}، {واصبر حتى يحكم الله}، {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}، {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}... إلى آخر تلك الآيات، وهي كثيرة جداً في كتاب الله.

ثم فسر ربنا -جلّ وتبارك- سبب الأمر بالصبر وقرر القاعدة التي تربط النصر بالصبر فقال: {ولقد كُذّبت رسلٌ من قبلك، فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}، فإنهم صبروا فنُصروا. ثم جاءت تتمة الآية لتؤكد تلك القاعدة وتقررها سنّةً من سنن الدنيا الدائمة: {ولا مُبدّلَ لكلمات الله}، فإنها سنة باقية في الوجود إلى آخر الزمان.

* * *

صبر النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- فأظهر الله دعوته ومكّن له في الأرض، فهاجر إلى يثرب وأنشأ فيها أول كيان حر مستقل للجماعة المسلمة. لكن الباطل لا يسكت ولا يرضى بالهزيمة، بل إنه يزداد شراسة كلما تقدم الحق خطوة إلى الأمام. لقد تخلص المسلمون من الاضطهاد والاستعباد، ولكن الطريق ما يزال طويلاً إلى النصر الأخير الكبير، وسوف يخوضون صراعاً مريراً يحتاجون فيه إلى كثير من الصبر، بل إن الصبر سيكون هو الشرط لتحقيق النصر الموعود كما يعلّمهم رب العالمين: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظُلموا لنبوّئنهم في الدنيا حسنة}. قال بعض أهل العلم: الحسنة في الدنيا هي النصر على عدوهم. ولكن بأي صفة ينالون تلك الحسنة؟ اقرؤوا تتمة الآية: {الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}.

ثم كانت معارك المسلمين الكبرى وصراعهم الطويل مع المشركين، ومرة أخرى كان الصبر فيها هو عدة النصر: {يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين}، فربط الغلبة بالصبر لا بالعدد. ثم قال: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين}. حتى بعد التخفيف بقي الصبر هو الشرط: مئة "صابرة"، وتكرر تأكيده في الخاتمة أيضاً: والله مع "الصابرين".

* * *

سوف يقرأ هذه المقالةَ قوم فيقولون: ما أسهل التنظير! كيف نطلب من الذين يصبحون كل يوم ويمسون على الموت والدمار أن يصبروا على هذا البلاء الذي لا تحتمله الجبال الراسيات؟

أقول لهم: أعيذكم بالله أن ترددوا مقالة بني إسرائيل لموسى عليه السلام لمّا أمرهم بالصبر على أذى فرعون وعذابه: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده}، فماذا قالوا؟ {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}! فجاء ردّه الحاسم الذي يرى نتيجة الصبر بعين اليقين: {قال عسى ربكم أن يُهلك عدوكم ويستخلفَكم في الأرض فينظرَ كيف تعملون}. ثم كانت العاقبة للصابرين فأهلك الله عدوهم ونصرهم ومكّنهم في الأرض: {فانتقمنا منهم} أي من فرعون وملئه {فأغرقناهم في اليم}. وماذا عن المؤمنين الصابرين من قوم موسى؟ {وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضَعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا}. أرأيتم بأي شيء تمت نعمة الله عليهم؟ {بما صبروا}. وصدق الله العظيم: {لا تبديل لكلمات الله}.

* * *

يا أهل الإيمان في أرض فلسطين: لقد علمتم أن معركتكم في سبيل الحرية حق وأن الاحتلال باطل، ولقد صبرتم على حقكم الصبرَ الطويل وتوكلتم على الله واستعنتم به، وعلمتم أنه لا ناصرَ إلا هو وأنه ليس لكم سواه، فإنكم جديرون بنصر الله، وإنكم تستحقون الحرية والحياة الكريمة بأمر الله، فما عليكم إلا أن تصبروا على ما بقي كما صبرتم على ما مضى، والعاقبة للمتقين الصابرين بإذن الله رب العالمين: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين}، {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

14 Jun, 16:33


سنة التدافع وحركة التاريخ

14/6/2024

نشرت منذ أيام قليلة مقالة عنوانها "طوفان الأقصى وحركة التاريخ" فعلّق عليها بعض الإخوة الأفاضل تعليقات سلبية مشحونة باليأس والإحباط، خلاصتها قولهم: "هذا كلام عاطفي وتنظير حالم وقراءة مفصولة عن الواقع، فماذا انتفع أهل غزة بطوفانهم إذا كانت النتيجة النهائية هي الموت والدمار؟". وهي مقالة قالها من قبلهم قوم نظروا بالمنظار نفسه إلى ثورات الربيع العربي التي دفعنا فيها ثمناً غالياً ولم نبصر ثمرتها العاجلة فقالوا: ماذا استفاد أهل الثورة من ثوراتهم إذا كانت النتيجة النهائية هي انتصار الباطل وخراب البلدان والتشرد في أقطار الأرض؟

إن مشكلة من يردد هذه المقالة ليست في مشاهدة الواقع الذي آلت الثورات إليه، بل في ظنهم أن هذا الواقع المرير هو النهاية، هو "النتيجة النهائية" كما يتصورون وكما يقولون. مشكلتهم أنهم انتظروا نتائج فورية وثمرات معجَّلة، فلما لم يبصروها في حياتهم القصيرة حكموا على الثورات بالفشل وحسبوا أنها قد وصلت إلى آخر الطريق. ولكننا -نحن المسلمين- لا ننظر إلى أمثال هذه الحوادث الجِسام بعين الحال بل بعين المآل، إننا نقيسها بأعمار الشعوب لا بأعمار الأفراد، ونربطها كلها بسنّتين ربانيتين ننظر إلى ما يجري في الدنيا من خلالهما: "سنّة التدافع" و"سنّة الأجل".

* * *

قبل خمسين سنة (وكنت يومها طالباً في الثانوية) أعددت خريطة تاريخية للعالم الإسلامي تغطي أقطاره كلها على امتداد ثلاثة عشر قرناً، ولكي أصنع ذلك قرأت عشرات الكتب التاريخية، ومن بعدها قرأت -على مر السنين- مئات ومئات من المجلدات والمؤلفات التاريخية. وقد لاحظت من ذلك كله أن حوادث التاريخ ليست جزائر منفصلة في المحيط، بل هي أنهار تتدفق على الأرض، فلكل حادثة متأخرة بداياتٌ مبكرة تتقدم عليها بوقت طويل قد يمتد لعشرات السنين، وهي نفسُها ستكون سبباً لحوادث لاحقة تتبعها تتراً على مر السنين اللاحقة.

على سبيل المثال يُجمع كُتّاب السيرة على أن فتح مكة كان نتيجة تراكمية للحوادث التي أعقبت صلح الحديبية (الذي اعتبره الصحابة في وقته إخفاقاً وهزيمة). ويمكننا أن نقرر أيضاً أن نقطة بداية انهيار الدولة العباسية وسقوط بغداد سنة 656 هجرية تعود إلى حادثة تافهة وقعت قبل ذلك بأربعين سنة، عندما أقدم أحد ولاة السلطان محمد خوارزمشاه (ينال خان، وكان واليه على مدينة أُطرار) عندما أقدم وقتها على قتل بعض رعايا جنكيز خان. وبطريقة مشابهة يعتبر كثير من مؤرخي القرن العشرين أن الحرب العالمية الأولى اندلعت في أوربا سنة 1914 نتيجة لسلسلة حوادث بدأت باستيلاء إمبراطورية النمسا والمجر على إقليم البوسنة والهرسك سنة 1878، وأن الحرب العالمية الثانية وقعت عام 1939 بسبب تداعيات معاهدة فرساي (1919)، ولا سيما ضم إقليم السوديت (ذي الأغلبية الألمانية) إلى تشيكوسلوفاكيا، الدولة الجديدة التي أنشأها الحلفاء بعد الحرب.

ما أريد قوله (باختصار وبعيداً عن التطويل والاستطراد في الأمثلة التاريخية، وما أكثرَها) هو أن كثيراً من الحوادث التاريخية (التي تبدو ظاهرياً أنها انتهت في وقتها) لا تلبث أن تصبح هي ذاتها قادحاً لسلسلة حوادث لاحقة تغيّر مسار التاريخ بطريقة غير متوقعة، فمَن ظن أن انكساراً في جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل هو نهاية سلسلة الحوادث التاريخية فقد أخفق في فهم سنة التدافع ولم يحسن قراءة التاريخ.

* * *

وما هي سنّة التدافع؟ إنها واحدة من القوانين الكبرى التي تجري بها أقدارُ الله في الأرض: "ولولا دفع الله الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض". أين جاءت هذه الآية؟ بعد قصة الصراع بين طالوت وجالوت الذي ضربه الله مثلاً للصراع بين الحق والباطل، ولا يكون صراعٌ من هذا النوع إلا ويسقط فيها ضحايا وتُقدَّم فيها تضحيات، ولا يكون إلا بآلام ودموع ودماء.

ومَن استثقل هذا الثمن وظن أن أهل الحق يدفعونه بلا طائل لو خسروا جولة من جولات الصراع مع الباطل فقد غفل عن سنّة أخرى من السنن التي جعلها الله قانوناً صارماً في الوجود، "سنّة الأجل"، وهي سنة ربانية أخرى أكدها القرآن في مواضع كثيرة صوّر فيها الصراعَ بين الحق والباطل وعرض فيها مصارع الأقوام الضالة الظالمة، خلاصتها قوله تعالى: "لكل أجل كتاب". ومن أحسن صور التعبير عنها قوله تعالى: "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى"، وهي آية فيها تقديم وتأخير، أي: "ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجلٌ مسمى لكان لزاماً". ما هو الأمر اللازم الذي كاد يقع حالاً لولا أن الله أخّره إلى أجله المكتوب؟ أفضل ما يُفهم من سياق الآية أنه انتصار الحق وأهله واندحار الباطل وأهله، بدلالة الآية التي قبلها: "أفلم يَهْدِ لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم؟ إن في ذلك لآيات لأولي النهى".

نعم، إن الصراع بين الحق والباطل صراع طويل لا تتقرر نتيجته بنهاية جولة من الجولات، فإن لم نشهد نحن جولة الختام فلا بد أن تشهدها أجيال آتيات.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

12 Jun, 15:16


"طوفان الأقصى" وحركة التاريخ

12/6/2024

لو قلنا إن السابع من أكتوبر هو يوم فاصل غيّرَ تاريخ فلسطين الحديث لما أغربنا القول، ولو قلنا إنه يومٌ هَزَّ ضميرَ العالم وغيّر قناعات ملايين الناس في أنحاء الأرض لما ابتعدنا عن الصواب، بل إن ذلك كله غدا حقيقة يعرفها الخاصة والعامة والكبار والصغار. إن هذا اليوم فَيصلٌ بين ماضٍ راكد ومستقبل صاخب يضج بالحياة، بين ماضٍ نسي الناسُ فيه فلسطين وبات فيه ضياعُها واستيلاء المشروع الصهيوني الاستيطاني عليها واقعاً رسخه النظام الدولي وقبله أكثر أهل الأرض، ومستقبلٍ عادت فيه فلسطين على رأس اهتمامات العالم وصارت محركاً لحوادثه الكبرى وسبباً في نهضة غير مسبوقة في وعي الشعوب.

"لقد حرك طوفانُ الأقصى التاريخَ الراكد، والتاريخ كائن جبار يتحرك ببطء، ولكنه إذا تحرك مضى قُدُماً لا توقفه قوة الإنسان كائناً من كان، فيحصد في طريقه دولاً وجماعات ويعيد هندسة الأرض وتوزيع القُوى ويرفع أقواماً ويضع آخرين".

هذه كلمات ختمت بها مقالة سابقة، وأضيف إليها الآن: إن حركة التاريخ حركة تراكمية تبدأ بعمل بشري، فقد سَنَّ الله في التغيير قانوناً صارماً لا يتحكم في حركة الجماعة المسلمة ومصيرها فحسب، بل في الحراك الإنساني على وجه الأرض بالمطلق، فقال في كتابه الكريم: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". قال "بقوم" كذا بالتنكير ولم يحدّد جماعة بشرية بعينها، لا من المسلمين ولا من غيرهم من الأقوام، ففهمنا أنه قانون بشري عام. ثم إن الآية الكريمة قررت أنهما تغييران يرتبط أحدهما بالآخر ويعتمد عليه، يبدأ التغيير من الناس وينتهي برب الناس. إنه قانون يسند التغيير إلى الله: "إن الله لا يغير"، ولكنه يؤكد أن الفعل الإلهي لا يبدأ بالعمل إلا عندما تبذل الجماعة جهدَها لتغيير حالها، ولو أن الناس تركوا أنفسهم لمصيرهم لتركهم الله إليه ولم يتدخل لتغيير حالهم مهما طال الزمان.

فإذا انطلق الفعل البشري بدأت عجلة الحوادث بالدوران وتحرك التاريخ، فإذا كان هذا الفعل محدوداً في قوته ضئيلاً في حجمه فيغلب أن يتلاشى أثره سريعاً، وإذا زادت قوته بلغ مرحلة "الكتلة الحرجة" التي تبدأ بالتعاظم التدريجي مع الوقت، مثل كرة ثلج تدحرجت من قمة جبل. وكما أن كرة الثلج المنحدرة قد لا تبلغ قَرارة الوادي عاجلاً فإن النتيجة المترتبة على الفعل البشري قد تتأخر زماناً، لكنها متحققة ذات يوم بلا ريب، ومثل هذه الحركة تخضع لمقياس أعمار الأمم وليس لمقياس أعمار الأفراد، فلا يَظنَّ من لم يشهدها في حياته أنها لن تكون، بل لا بد أنها متحققة ولو بعد حين.

* * *

في عام 1935 اقترح الفيزيائي الأمريكي تشارلز فرانسيس ريختر مقياساً لقياس شدة الزلازل. هذا المقياس ما يزال -بعد إدخال بعض التعديلات عليه على مر السنين- هو المقياسَ النموذجي لقياس شدة الزلازل حتى الآن، وقد تكوّن من عشر درجات، الدرجات الدنيا فيه لا يحس بها البشر، فإذا وصلت شدة الزلزال إلى خمس درجات أو ستٍّ صارت آثاره التدميرية المحدودة ظاهرة، وإذا بلغت قوته تسعَ درجات امتدت آثاره التدميرية بعيداً عن مركزه حتى تبلغ مئات الأميال، ومثل هذا الزلزال المدمر يقع -وسطياً- مرة كل عام. أما لو بلغت شدة الزلزال الدرجة العاشرة فسوف ينتشر أثره في دائرة قطرها آلاف الأميال، ومثل هذه الزلازل الجبارة تقع في القرن الواحد نحو أربع مرات لا غير.

لقد كانت عملية "طوفان الأقصى" زلزالاً مذهلاً بلغ من القوة والعنفوان درجة غير مسبوقة في تاريخ فلسطين الحديث، وهي قوة هائلة لو قيست بمقياس ريختر لبلغت عشر درجات، فإن تأثيره لم ينتشر في الأرض التي تحيط به فحسب، بل لقد عبر المحيطات ووصل إلى أقاصي الأرض، حتى ليصعب أن نجد في الأرض اليوم موضعاً لم تبلغه الهزّاتُ الارتدادية لهذا الزلزال العظيم.

إن معركة غزة الحالية واحدة من معارك الأمة المشهودة في التاريخ الحديث لأنها -على صغرها ومحدوديتها- تمثل "اختراقاً نوعياً" لطبيعة الصراع مع المشروع الاستيطاني الصهيوني خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير. ونحن نعلم أن هذه المعركة -مهما تكن خاتمتها- لن تحرر فلسطين الآن، لكنها حرّكت التاريخ الراكد، وحركة التاريخ حركة جبارة تراكمية تستغرق وقتاً طويلاً وتُدفع فيها أثمان باهظة ولكنها تقود -بالمحصلة النهائية- إلى تغيرات هائلة.

بهذه الطريقة سقطت دول وحضارات ونشأت دول وحضارات وتغيرت خرائط الدنيا ومناطق انتشار الشعوب عبر العصور وليس بالانتظار والتمنيات والأحلام، والصهاينة أنفسهم لم يصلوا إلى دولتهم الحالية إلا في سياق تاريخي من هذا الحجم الهائل كما هو معلوم. فعسى أن نكره شيئاً وهو خير، ووعدُ الله الحق سيأتي ذات يوم ولكنه لن يتحقق بلا تضحيات هائلة وثمن عظيم، وما عند الله خير وأبقى.

مرة أخرى أقول: لقد حرك طوفان الأقصى التاريخ الراكد، ولا ريب أن قادة إسرائيل وحلفاء إسرائيل يتمنَّون لو امتلكوا أي وسيلة لوقف حركة التاريخ، ولكن أنّى لقوّة في الأرض أن توقف حركة التاريخ؟

* * *

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

05 Jun, 14:23


اليوم هو الخامس من حزيران.

في صباي وشبابي المبكر كان هذا اليوم يوماً للأحزان والذكريات الموجِعات. ثم دار الزمان نصف دَورة فضاعت الذكرى ولم يعد لهذا التاريخ طنين ورنين، ومضت سنوات طويلات لم نعد نسمع فيها قرع أجراس الحزن، فقد نسي الناس أنها كانت في ذلك اليوم نكبة من نكبات الزمان وأنه فيه ضاع المسجد الأقصى وضاعت البقية الباقية من أرض الإسراء.

نعم، نسي الناس ونشأ جيل لم يشهد ولم يرَ ولم يسمع، جيل جديد وُلد لحياة جديدة ليس في مفرداتها فلسطين ولا شأن لها بالأقصى السليب.

ثم دار الزمان نصف دورة أخرى، فخرج من تحت رماد الأيام جيل جديد آلى أن يبعث مجد الأمة وأن يسترجع ما ضيّعته الأجيال الماضية جميعاً: الأرضَ والمقدسات والذكريات وكرامة الإنسان، جيل قرر أن ينفجر في وجه الزمان كالبركان. من يستطيع أن يسدّ بكفه فتحةَ البركان إذا ثار البركان؟

لا بكاء بعد اليوم، لا مرارةَ ولا أحزان، إنما عمل وجهاد، فقد قرر ابن الأرض أن يستردّ هويته وحريته وأن يسترجع ما ضاع منه من أوطان.

انظري يا قدس، هؤلاء بَنوك قد رفعوا رايات الكرامة والجهاد والاستشهاد. وأبشري، فإن ساعة الانتصار في غزة هي الساعة التي ينفتح فيها إليك الطريق.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

31 May, 08:11


إذا كان هذا هو مبلغ حرص الولايات المتحدة على بقاء "المُلك" ضمن العائلة الأسدية فلا بد أنه يدل على أنهم هم الذين جاؤوا بها أصلاً، أليس كذلك؟ بلى. في تشرين الثاني عام 1970 نشرت الصحف اللبنانية الرسالةَ التي كتبها عبد الكريم الجندي قبل انتحاره (أو نحره) والتي كشف فيها علاقة حافظ الأسد (وزير الدفاع في ذلك الوقت) بالمخابرات الأمريكية التي ساعدته على الوصول إلى السلطة، كما أكد إبراهيم ماخوس (وزير الخارجية أيام الأتاسي) أن انقلاب حافظ الأسد كان من تدبير الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا حديث يطول فيه القول وليست هذه المقالة الموجزة مكانه، فمن شاء فليبحث عن التفاصيل في مذكرات السياسيين وفي كتب التاريخ القريب.

* * *

وبعد، فإن من درس التاريخ الحاضر دراسة واعية سيكتشف بلا عناء أن أكثر كوارث الأمة منشؤها أمريكا وسببها أمريكا وسبب بقائها واستمرارها هو أمريكا. لقد تسببت الولايات المتحدة في شقاء أكثر من ألف مليون إنسان في بلدان العرب والمسلمين (وفي آسيا وأمريكا اللاتينية أيضاً)، أما في سوريا خاصة فإن جريمة أمريكا لا تُنسى ولا تُغفر، فهي التي قوضت حريتنا وجاءت بالحكم الطائفي الاستبدادي فسلّطته على رؤوسنا الدهرَ الأطول وتركته يحصد خير سوريا خمسين عاماً فيضعه في جيبه ويحصد خيرة أهلها فيرميهم في سراديب العذاب. أفما آن لنا أن نعي وندرك ونحسن قراءة التاريخ؟

* * *

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

31 May, 08:11


أمريكا والثورة السورية

31/5/2024

علّق أخ فاضل على جملة وردت في مقالتي الأخيرة عن أمريكا وتواطئها في اجتياح رفح، الفقرة التي قلت فيها "إن أمريكا أجهضت ثورة سوريا واغتالت حلم ملايين السوريين بالحرية والكرامة والاستقلال". أثارت هذه الجملة استغرابه فقال: إنها دعوى عريضة تحتاج إلى برهان، وهي تخالف الانطباع الشائع بأن أمريكا وقفت مع الثورة السورية ضد نظام الأسد.

قلت: إن تكن الدعوى عريضة فإن الدليل عليها أعرض، ولقد كتبت عن دور أمريكا الخبيث في الثورة السورية ملء كتاب من المقالات، ثم جمعتها حقاً في كتاب مستقل ونشرته مع كتب الثورة الاثنين والعشرين التي نشرتها السنةَ الماضية، فمن شاء فليحمّل الكتاب وليقرأه ليعرف ما صنعت أمريكا بثورتنا وكيف قضت عليها واغتالت حلم الحرية الجميل (نشرت الكتاب سابقاً في هذه القناة، وسوف أكرر نشره الآن تحت هذا المنشور).

لقد حاصرت أمريكا ثورتنا وأنشأت في شمال سوريا وجنوبها غرفتَي عمليات تشرف عليهما المخابرات الأمريكية لتمنع دخول أي أسلحة نوعية من شأنها أن تغير معادلة القوة مع النظام، ولا سيما مضادات الطيران. ودعمت المليشيات الكردية الانفصالية ومنحتها ثلث سوريا على طبق من فضة، الثلث الغني بموارد سوريا من الطاقة والغذاء. وأمدت داعش بأسباب البقاء ومنعت الفصائل من قتالها (بل إنها قطعت الدعم والسلاح عن كل فصيل تجرأ على قتالها) حتى خسرنا أربعة أخماس الأرض المحررة، فقد انتقلت أولاً من سلطان الثورة إلى سلطان داعش، ثم مضت مناصَفةً إلى وجهتها النهائية: المشروع الكردي الانفصالي ونظام الأسد (وكل ذلك مثبت بالوقائع والتواريخ في كتابي عن داعش، لا هو افتراءات ولا خيالات).

ظن كثيرون أن أوباما لم تكن له خطة في سوريا، ولكن الرجل لم يكن غبياً وقد قرر ما يريده ونفذ القرار. الذي أراده هو "ما ينبغي أن لا يكون" لا "ما ينبغي أن يكون"، وكانت لاءاته هي: لا سقوط للنظام، لا انتصار للثورة، لا مضادات جوية للمعارضة، لا منطقة آمنة أو عازلة، لا لسقوط داعش حتى تنتهي من مهمتها التي أنشئت من أجلها. وقد حقق كل ما أراد.

* * *

ولماذا أتعب نفسي في سرد تفاصيل حاضر عايشناه وشاهدناه بأعيننا والماضي القريب خير شاهد وأقوى دليل، فمَن صادر حرية سوريا ودمر حياتها المدنية إلا أمريكا؟ لن أستطرد برواية تفاصيل تلك المؤامرة على سوريا، فاقرؤوا -إن شئتم- ما كتبه عنها عميلُ المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند في كتابه الشهير "لعبة الشعوب".

ومَن جاء بحكم الأسد الطائفي فسلطه على رقابنا ووفر له الرعاية والحماية على مر السنين؟ هل تذكرون من كان "عرّاب" نقل السلطة من المورّث إلى الوريث، من السفاح البائد إلى السفاح الجديد؟ بالطبع تذكرون. قبضت ملائكة العذاب روح السفاح الأكبر (حافظ الأسد) في العاشر من حزيران عام 2000، وفي اليوم نفسه اجتمعت القيادة القطرية لحزب البعث ورفّعَت السفاحَ الجديد (بشار الأسد) إلى رتبة فريق واجتمع مجلس الشعب وعدل المادة 82 التي خفضت الحد الأدنى لعمر الرئيس السوري إلى أربع وثلاثين سنة. بعد أربعة أيام، في الرابع عشر من حزيران، وصلت إلى دمشق في زيارة مفاجئة وقصيرة جداً وزيرةُ الخارجية الأمريكية (اليهودية) مادلين أولبرايت، فعقدت على عجل لقاء مغلقاً مع بشار الأسد ثم عادت من حيث جاءت. بعد أسبوع، في الحادي والعشرين من حزيران، اختار حزب البعث بشار الأسد أميناً عاماً جديداً للحزب، وفي السابع والعشرين اختاره مجلس الشعب رئيساً للبلاد.

لقد جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية على عجل، فُتحت لطائرتها الأجواء السورية وهبطت في مطار دمشق وسط إجراءات أمنية غير معهودة، لكنها لم تُمضِ في سوريا أياماً بل ساعات، فلماذا جاءت؟ لقد باركت انتقال السلطة، تأكدت أن المصالح الأمريكية ما زالت في الأيدي الأمينة، ثم عادت من حيث جاءت. كانت الزيارة مهمة وكان من الضروري أن يكون الزائر على ذلك القدر من الأهمية لسبب واحد: لقد كانت عائلة الأسد على وشك الخروج من المشهد السياسي السوري. لم يكن البديل المتوقع سنّياً بالتأكيد، بل كانت الوراثة متوقعة ضمن بعض العائلات والعشائر النصيرية الأخرى، لكن حتى هي لم تكن خياراً مقبولاً عند الأمريكيين، فإذا وُجد الماء بطل التيمم، وهم لن يثقوا بأن يكون أي بديل على القدر نفسه من العمالة كما كان الأسد الأب وكما يُنتظَر من الأسد الابن أن يكون.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

28 May, 16:47


أمريكا والعدوان الإسرائيلي على رفح

28/5/2024

يضحكني الذين راهنوا على أن أمريكا لن تسمح لإسرائيل باجتياح رفح، ومثلهم الذين يتوهمون أن إسرائيل تُغضب أمريكا عندما تبالغ في الإجرام، ومثلهم الذين يأمُلون أن تضغط أمريكا على إسرائيل لكي تتوقف عن القتل العشوائي وحصد أرواح المدنيين الأبرياء، ومثلهم الذين يظنون أن أمريكا يمكن أن تلعب دور الوسيط أو الضامن في إنهاء العدوان.

في هذا المقام تعود بي الذاكرة إلى مقالة قصيرة نشرتها في شهر شباط عام 2012، على رأس أحد عشر شهراً من انفجار الثورة السورية. كان عنوان المقالة "كلهم أعداء"، قلت فيها: "لا تظنوا أن أمريكا أقل عداء لثورتنا من روسيا ولا تتوهموا أن يأتي منها النصر والفرج. وكيف نأمُل أن تمنحنا أمريكا حريتَنا وهي التي حرمتنا منها واستلبت منا استقلالَنا الوليد عندما دبرت أول انقلاب عسكري في العالم العربي على أول حكم برلماني حر في سوريا الحرة، ثم سلمت سوريا للأسد الأب وحرصت على انتقال السلطة من بعده للأسد الابن برعايتها ومباركتها وتحت إشرافها المباشر؟". ثم نشرت بعدها بوقت وجيز تغريدة قلت فيها: "لا تغتروا بالظاهر، الأمريكان كالروس إن لم يكونوا أسوأ بكثير. لن يتركنا الغرب ولن تتركنا أمريكا لنبني سوريا الجميلة الحرة كما نريد؛ علينا أن ننتزع استقلالنا من القوى الدولية كما ننتزع حريتنا من نظام الأسد".

يومئذ جادلني كثيرون وجادلتهم وحاولوا أن يقنعوني وحاولت أن أقنعهم، ثم تركتهم للأيام وتركوني لها لننظر ما تريهم الأيام وما تُريني. أما هم فلا أعلم ما صنعت بهم الأيام وماذا أرتهم، أما أنا فقد رأيت من قبل -وأنا ابن عشر سنين- صورَ أجساد الفلسطينيين المتفحمة بقنابل النابالم الأمريكية، ثم رأيت البارحة صور أحفادهم المتفحمة بقنابل أمريكية أشدّ فتكاً وأكثر وحشية. وبين هذا المشهد وذاك مضت سبع وخمسون سنة رأيت فيها جرائم أمريكا في أفغانستان والعراق، ثم رأيت أخيراً ما صنعته بثورة سوريا وكيف أجهضتها واغتالت حلم ملايين السوريين بالحرية والكرامة والاستقلال.

* * *
يظن بعض الناس أن إسرائيل تسيطر على أمريكا، وفي ظنهم هذا وجاهة وعليه أدلة لا تحصى. ويظن آخرون أن إسرائيل قاعدة أمريكية ترعى مصالح أمريكا في الإقليم، وفي ظنهم هذا وجاهة وعليه أدلة لا تحصى. والتصوران صحيحان ولا تعارضَ بينهما، فإن إسرائيل وأمريكا وجهان لعملة واحدة (كما يقال). خذ في يدك ورقة نقدية وحاول أن تفصل أحد وجهيها عن الآخر، لو نجحت ستنجح في فصل إسرائيل عن أمريكا أو فصل أمريكا عن إسرائيل.

لكي نفهم الصورة أكثر دعوني أخبركم بهذا الأمر الذي ستكتشفونه بأنفسكم لو راجعتم تاريخ السياسة الأمريكية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية: لقد تغيرت أولويات وقواعد هذه السياسة على الدوام، وليس هذا غريباً لأن المرونة من أهم خصائص عالم السياسة، لكن الغريب أن السياسة الأمريكية احتفظت بقضيتين اثنتين واعتبرتهما من "ثوابت" الإستراتيجية الأمريكية إلى الأبد: السيطرة على موارد الطاقة، وضمان أمن إسرائيل.

كل شيء في السياسة الأمريكية كان قابلاً للتعديل والتغيير خلال ثمانين سنة إلا هذين. من يقرأ الإنتاج الأدبي الأمريكي في أربعينيات القرن العشرين يجد أن عداوة ألمانيا واليابان كانت من أكبر أركان السياسة الأمريكية، وفي العقد التالي صار التقارب مع الدولتين ومساعدتهما لإعادة البناء سياسة ظاهرة. أيام الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي الشيوعي صديقاً للولايات المتحدة، ثم انقلب إلى عدو بعد مؤتمر يالطا (1945) وبقي كذلك إلى نهاية الحرب الباردة (1991). دول أوروبا الشرقية كلها كانت دولاً معادية ثم صارت دولاً صديقة ودخلت عشرٌ منها في حلف الناتو مع نهاية القرن المنصرم ومطلع القرن الحادي والعشرين.

على مر السنين تفككت عشرات التحالفات وتبدلت المواقع وتغيرت الإستراتيجيات، إلا إسرائيل، فإن علاقة الولايات المتحدة بها لم تتغير قط: كانت ابنتها المدللة يوم احتل اليهود -بمساعدة الإنكليز- أرضَ فلسطين، وبقيت ابنتها المدللة على مدى سبعة وسبعين عاماً، وما تزال، وستبقى ما بقيت أمريكا هي أمريكا. وإلا النفط (وهذا الموضوع يُبسَط في مجلدات وليس هنا محله، فمن كان مهتماً بمعرفة تفصيلاته فيكفيه أن يقرأ ما كتبه الرجل العبقري الذي لا يكاد يذكره الناس، مع أنه أكبر موسوعة معاصرة في علم إستراتيجيات الطاقة وتاريخ الصراع على أرض النفط، الدكتور المهندس الفلسطيني عبد الحيّ زلوم رحمه الله، ولا سيما كتابيه "حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد" و"إمبراطورية الشر الجديدة").

* * *

يدور الزمان ويبقى اليهود هم اليهود، أعدى أعداء الأمة، وتبقى أمريكا هي أمريكا، حاضنة إسرائيل وراعية إسرائيل وحامية حمى إسرائيل. ومرة بعد مرة نصل إلى النتيجة نفسها: كلهم عدو لا يُرجى منه خير، والحق الضائع لا يُستَرَدّ إلا بعزائم الرجال وبالتضحيات الجِسام.

* * *

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

05 May, 16:16


الحملة الأكثر همجية في التاريخ الحديث

يتفق المؤرخون على أن الحرب العالمية الثانية كانت أكثر الحروب دماراً ودموية في التاريخ البشري، فقد مات فيها أكثر من خمسين مليون إنسان وتسببت بدمار غير مسبوق في جميع أنحاء المعمورة، واستُخدمت فيها أسلحة لم تستخدم في الحروب التي سبقتها، وصولاً إلى القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما أمريكا على اليابان.

في تلك الحرب كانت طبرق تقع على أحد خطوط الصراع فاصلةً بين منطقة النفوذ البريطاني شرقَها ومنطقة النفوذ الألماني غربَها، وبسبب موقعها ذاك فقد تعاقب عليها الطرفان مرات عديدة، فكانت كلها ساحة حرب باستثناء المستشفى الذي أنشأه البريطانيون، فقد مضى يتابع عمله طول الوقت غيرَ عابئ بالحرب التي تجري خارجه ومِن حوله.

وذات مرة وفي جولة من جولات الغلبة الألمانية دخل الجنرال رومل إلى المستشفى البريطاني الذي كان يعالج جرحى الطرفين. قال الراوي: عندما ظهر الجنرال الشهير المرهوب بالباب خيّم الصمت على الجميع، وراح يحدق إلى أسرّة الجرحى، ثم اقترب من جندي ألماني جريح وسأله سؤالاً مقتضباً وأصغى إلى ردّه بانتباه، ثم راح يمشي بين صفوف الأسرّة ويسأل غيره من الجرحى الألمان، وأخيراً أومأ إلى الضابط البريطاني وقال: "يخبرني رجالي أن علاجهم لا يختلف عن علاج جرحاكم البريطانيين وأن الأدوية آخذة بالنفاد. سآمر بإرسال كل ما تحتاجون إليه من الأدوية ولوازم العلاج، فاستمروا في عملكم ولن يزعجكم أحد". وتحقق ما وعد به، وبقي المستشفى سالماً لم يمسّه أحد، يقدم خدماته للطرفين في النصر والهزيمة على السواء.

* * *

لقد حظي الجهاز الطبي بمنزلة عالية في العالم الغربي حيث جرى العرف على تحييد هذا القطاع وعدم التعرض للعاملين فيه أثناء الحروب، ونحن نعلم أن إسرائيل حرصت -منذ ولادتها المشؤومة- على تكريس فكرة انتمائها إلى العالم الغربي والتظاهر باعتناق منظومته الأخلاقية في السلم والحرب، فلماذا ضربت عُرضَ الحائط بتلك السياسة التاريخية في الحرب الأخيرة؟ لماذا ارتكبت المجازر في مستشفيات غزة وفتكت بالطواقم الطبية وتجاوزت كل المعايير الإنسانية والأخلاقية على عين العالم وتحت سمعه وبصره؟

لقد دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً مقابل هذه التصرفات الهمجية وضحَّت بالسمعة الزائفة التي أنفقت ثمانين عاماً في بنائها وتكريسها في الإعلام العالمي والعقل الجَمعي الغربي، فقبل ثلاثة أسابيع نشرت صحيفة "إيكونومست" مقالة مهمة ركزت فيها على الآثار العميقة التي ستعاني منها إسرائيل وجيشها بسبب حربها الوحشية في غزة، وجاء في المقالة: "لقد خسرت إسرائيل معركة الرأي العام العالمي وفشل الجيش الإسرائيلي في حربه في غزة إستراتيجياً وعسكرياً وأخلاقياً".

ومنذ أيام قليلة تحدثت جريدة "يديعوت أحرونوت" بمرارة عن استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا التي أظهرت تراجعاً هائلاً في شعبية إسرائيل، ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم "إن الضرر الذي تعرضت له سمعة إسرائيل وصورتها في الأشهر الأخيرة سيتطلب إصلاحُه عقوداً من الزمن".

* * *

لماذا صنعت إسرائيل ذلك في حربها الهمجية على غزة؟ لماذا ارتكبت أبشع المجازر في مستشفى الشفاء وغيره من المستشفيات؟ لماذا أعدمت المرضى والممرضين والأطباء؟ لماذا قصفت المدارس ومراكز الإيواء وقوافل الإغاثة؟ لماذا هدمت البيوت على ساكنيها من النساء والأطفال؟ لماذا دمرت أربعة أخماس القطاع واستأصلت بنيته التحتية؟

لقد صنعت ذلك كله لسبب واحد، لأنها أدركت -لأول مرة منذ تأسيسها- أنها تواجه تحدياً وجودياً حقيقياً غيرَ مسبوق، ليس بسبب ضخامة الخسائر التي مُنيت بها في "الطوفان"، فإن ألف ضحية عدد ضئيل من الناس مقارنة بملايين الإسرائيليين الذين يستوطنون فلسطين السليبة، وإنما بسبب طبيعة المعركة الاستثنائية التي غيّرت قواعد الصراع وصنعت اختراقاً نوعياً لطبيعة علاقة دولة الاحتلال بشعب فلسطين المحتلة، فإن تلك الصخرة الهائلة التي لبثت مستقرة على شفا الجرف زماناً طويلاً قد حركتها أيدي الأحرار، فإن لم توقفها إسرائيل على الفور فسوف تتدحرج إلى مستقرها ولن يقدر على وقفها وردّها أحد.

ولكن أنّى لهم أن يوقفوا حركة التاريخ؟ لقد حرك طوفان الأقصى التاريخ الراكد، والتاريخ كائن جبار يتحرك ببطء، ولكنه إذا تحرك مضى قُدُماً لا توقفه قوة الإنسان كائناً من كان، فيحصد في طريقه دولاً وجماعات ويعيد هندسة الأرض وتوزيع القوى ويرفع أقواماً ويضع آخرين، وعندئذ ستفقد دولة الاحتلال قدرتها على البقاء. ولهذا الإيجاز تفصيل قد يأذن الله به في مقالة قادمة بإذنه تعالى.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

30 Jan, 16:43


أين الخير في قرار المحكمة الدولية؟

كثيرون لم يُرضِهم ولم يَشْفِ صدورَهم القرارُ الذي صدر قبل أيام عن محكمة العدل الدولية، ولكن أرجو أنهم سيجدون الرضا والمواساة عندما يتصورون ما لهذا القرار من أثر سلبي آجل على دولة الاحتلال على المستوى الشعبي الدولي، وهو أثر تراكمي لا بد أن ينشأ عنه واقع جديد مفيد على المدى البعيد بأمر الله واتفاقاً مع سننه التي سَنّها في الوجود.

ولعلنا لا ننسى في هذا المقام أن أول انتصار حققه المسلمون في تاريخهم لم يكن نصراً عسكرياً صنعته السيوف، بل كان انتصاراً سلمياً صنعه ضغطُ "الرأي العام" الذي أوقف أسوأ وأقسى حصار عانى منه أهل الدعوة في مكة. فقد حُصر المسلمون ومَن معهم في شِعْب أبي طالب نحواً من ألف يوم حتى أكلوا العشب وورق الشجر، إلى أن فَكَّ الحصارَ عنهم نفرٌ من قريش أخذتهم الحميّة وغلبتهم الفطرة الإنسانية السويّة، فرَجَوا أن يتوقف الظلم وأبَوا أن يستمر الحصار وسَعَوا إلى إنهائه، على ما جاء تفصيله في كتب التاريخ.

بل إن مما يلفت النظر أن الحصار لم يقع على مسلمي مكة وحدهم، فقد انتصر لهم وانضم إليهم بنو هاشم وبنو المطلب بمؤمنهم وكافرهم بعدما أبَتْ عليهم إنسانيتُهم أن يُسْلموا المسلمين المستضعفين إلى الحصار الظالم، ودفعتهم المروءة والحميّة إلى المشاركة فيه واحتمال أعبائه ودفع ثمنه.

قال ابن القيم في "زاد المعاد ": "حُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن معه في شِعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، فانحازت إليهم بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وكافرهم، وبقوا محصورين مضيَّقاً عليهم مقطوعاً عنهم الميرةُ والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجَهْد (بفتح الجيم، أي المشقّة) مبلغه وسُمِعَ أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشِّعب". وفي الصحيح أنهم جهدوا جوعاً وعرياً حتى كانوا يأكلون ورق الشجر!

ولكن الخير عاد آجلاً على الدعوة وأهلها، فقد روى المؤرخون وأصحاب السِّيَر أن خبر المقاطعة سرى في أحياء العرب فأثار استغراب القبائل وسخطها على قريش التي صنعت بأبنائها ما لا تعهده العرب ولا تقرّه، فكانت المقاطعة سبباً في انتشار التعاطف مع المسلمين والتعريف بدعوتهم وإخراجها من ضيق مكة إلى سعة الجزيرة العربية، ولفتت هذه المحنةُ انتباهَ الناس في أنحاء الجزيرة العربية إلى هذه الدعوة العظيمة التي احتمل أصحابُها في سبيلها ما لا يكاد يُحتمَل من الجوع والعناء.

ألسنا نشهد اليوم مثل هذا المشهد العالمي بسبب الحصار الجائر والعدوان الغاشم والتواطؤ الظالم على أرض العزة والشرف والصمود؟ ألا ما أشبهَ الأمسَ الماضي البعيد باليوم الحاضر المجيد!

* * *

لعل قرار المحكمة الدولية التاريخي هو غاية ما يطمح إليه المستضعفون من إنصاف محاكم الأرض، أما الإنصاف الحقيقي والمحاكمة العادلة فإنها مؤجَّلة إلى يوم الدين، يوم الحساب، يوم يقف المظلوم مع ظالمه أمام جبار السماوات والأرض فيقول: يا ربّ هذا ظلمني فاقتصَّ لي منه! فيقتص الله لكل مظلوم من ظالميه.

تلك هي محكمة العدل العليا التي ينتظرها المستضعفون في الأرض، وإنها لآتية لا ريب فيها، ولكن أكثر الناس يستعجلون.

* * *

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

21 Oct, 17:31


هل تُلام حماس؟

كثيرون يلقون اللومَ اليومَ على حماس ويحمّلونها مسؤولية ما يجري في غزة (حمى الله غزة وحمى أهلها الكرام) فهل هذا الذي يقولونه صحيح؟

أنا لا أعلم ولا أفتي بما لا أعلم؛ لا أعلم إن كانت هذه العملية صحيحة في التوقيت والتنفيذ، ولكني أعلم جملة من الحقائق لا أحسب أن أحداً يجهلها أو يُماري فيها، أسردها من باب التذكير لا من باب التعليم.

أعلمُ أن تحرير فلسطين من الاحتلال حق لأهلها وواجب عليهم (ثم على من يليهم، الأقربَ فالأقرب). وأعلم أن الاحتلال لن ينتهي سلماً وأن اليهود الذين احتلوا فلسطين لن يتركوها ولن يرحلوا عنها من تلقاء أنفسهم. وأعلم أن دول العالم التي ساعدت على إنشاء دولة الاحتلال أولَ مرة ثم ساندتها مُذ كانت ستكمل اليوم ما بدأته بالأمس وما استمرت عليه الدهرَ الأطول. وأعلم أن خلع شجرة الاحتلال الخبيثة من الأرض الطيبة الطاهرة مهمة شاقة عسيرة دونَها أهوالٌ جِسام وأنها لن تتحقق إلا بكرائم التضحيات.

كل هذا أعلمه ويعلمه غيري فلا حاجة لإعادته، وما بقي بعد ذلك تفاصيل.

* * *

قبل نحو تسعين عاماً نشر أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله مقالة قصيرة بعنوان “كلمة وكُلَيمة”، صاغ فيها قانون الصراع بين المعتدي وصاحب الحق في سطر واحد؛ قال: “إذا كانت المشكلة بين الذئب والحَمَل فلن يكون حلّها إلا من أحد اثنين: إما لحم الخروف، أو عصا الراعي”.

فيا أيها الناس ويا أهل فلسطين الكرام: لا تلوموا حماس ولا تلوموا كل من يسعى إلى تحرير أرضه من الاحتلال، واعلموا أن الطريق الصعب الطويل، طريق عصا الراعي، هو الطريق الموصل إلى الحرية والكرامة والاستقلال، فمَن لم يحمل عصاه ويردع بها الذئب فإنه -لا محالة- لحمُ الخروف المأكول، وخيرٌ للحر الكريم أن يدافع عن نفسه مصيرَ الخراف المأكولة ولو خدشته وخمشته ونهشته الذئاب.

نصر الله أهلنا في غزة وحماهم من كل ضر وشر وسوء، وجزاهم بصبرهم وجهادهم أعظم الأجر وخير الجزاء.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

11 Oct, 16:49


علي الطنطاوي وفلسطين

اتصل بي غير واحد من الإخوة الكرام طالبين نشر هذا الكتاب نشراً إلكترونياً عاماً ليصل إلى كل الناس، وقال لي أحدهم: إنْ لم يُنشَر هذا الكتاب اليومَ فمتى يُنشر؟

قلت: لبّيكم يا إخوة الإسلام، هذا هو الكتاب متاح للتحميل والنشر على كل صعيد، ولا يرجو جامعُه لنفسه أو لجدّه شيئاً سوى أن تجودوا عليهما بالدعاء، والدعاء بالسلامة والنصر والتمكين لإخواننا المجاهدين في فلسطين.

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

15 Aug, 15:50


بفضل الله صدرت عن "دار الأجيال" قبل أيام قليلة الطبعةُ الثالثة من الموسوعة التي وفقني الله إلى ترجمتها وتحرريها قبل نحو عقدين من الزمن، وقد حرصتُ -قبل صدور هذه الطبعة الجديدة- على مراجعة مادة الموسوعة كاملةً وتحديثها بما يوافق التغيرات التي جَدَّت -منذ صدور طبعتها الأولى- في التاريخ والسكان والطب والفلك والعلوم.

وأنا أظن أن القارئ الذي يقرأ أجزاء الموسوعة العشرة قراءة متدبرة سوف يملك ثقافة عامة تغنيه بإذن الله (جزئياً) عن قراءة عشرات الكتب المتخصصة في شتى المعارف والعلوم.

وقد جمعَ الناشر في هذا المجلد المجاني صفحات مختارة من مجلدات الموسوعة العشرة تساعد القارئ على تكوين فكرة وافية عن أسلوب الموسوعة ومحتواها ومستوى إخراجها، وفي آخر المجلد معلومات مختصرة عن الموسوعة وطريقة الحصول عليها من "دار الأجيال"

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة

12 May, 15:30


الاختراقات الكبرى في الثورة السورية

(2) أبو مارية القحطاني: "طفّاية حريق" الجولاني

أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، وهو عراقي، اسمه ميسر علي موسى الجبوري، وُلد عام 1976 في قرية الرصيف العراقية، ويلقب نفسه "الهراري" نسبة إلى قرية هرارة التي انتقل إليها لاحقاً. كان يُنظَر إليه لوقت طويل على أنه "الرجل الثاني" في جبهة النصرة بعد الجولاني، وكان الشرعي العام للجبهة وقائدَها في محافظة دير الزور، وهو المسؤول عن هزيمتها القاسية في قتالها مع داعش في الدير عام 2014. بعد هزيمته انتقل إلى درعا وأمضى فيها سنتين لم يكن فيهما على وفاق مع أمراء النصرة الأردنيين، ثم انتقل إلى إدلب في القافلة المشهورة التي عبرت مناطق النظام تحت رايات حزب اللات.

لمدة سنتين سوّق أبو ماريا لنفسه على أنه يقود تيار الاعتدال والإصلاح داخل جبهة النصرة وروّج حكاية خرافية عن خلافه مع الجولاني، وقد مثّل دوره بإتقان فنجح في خداع كثيرين، منهم قادة في أحرار الشام فتحوا له أبواب المقرات والمضافات، بل سمحوا له بحضور اجتماعات قيادية للحركة في بعض الأحيان، فنجح في اختراق الحركة وتضليل وتحييد عدد كبير من ألويتها عندما هاجمتها جبهة النصرة قبل أربعة شهور.

وهو -كما يسمّيه سيّدُه الجولاني- "طفاية حريق"، بمعنى أنه "الممسحة" التي يمسح بها جرائمَه وخطاياه! وقد بات معروفاً الآن أنه من كبار "مرقّعي" الجولاني وأنه آية في الانتهازية والكذب والنفاق، وهو صاحب مشروع "تعويم جبهة النصرة" عن طريق فكّ ارتباطها بالقاعدة وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام".

(هذا المنشور قطعة من مقالة طويلة نشرتها بتاريخ 2017/12/3)