الذين عيّروا أهلَ سوريا وأهلَ غزة بالثمن الباهظ الذي دفعوه مقابل حريتهم وكرامتهم يتجاهلون أن كل شيء في الدنيا له ثمن، فالراتب الذي استمتع به الموظف في آخر الشهر لم يأتِ إلا بعدَ تعبِ ثلاثين يوماً، والمولود الذي أسعد قلبَ الوالدة سبقته تسعةُ أشهر حافلة بالكدر والمعاناة، والشهادة الجامعية التي يفرح بها المرء إنما هي نتيجة صبر العدد العديد من السنين.
كل ما يشتهيه الإنسان يشتريه بثمن ينقص أو يزيد: الجهاز الذي يستخدمه والسيارة التي تنقله والبيت الذي يقيم فيه. حتى الذين يَنشُدون المتعةَ في السياحة والسفر يدفعون الثمن ولا يحصلون على المتعة مجاناً، وما الثمن؟ عناء في التنقلات وانتظارٌ في المطارات وتعب وسهر ونفقات.
لا شيء في الدنيا بلا ثمن، حتى المال المسروق الذي يظن السارق أنه حصل عليه مجاناً سيدفع ثمنَه في الآخرة عذاباً في نار الجحيم. فلماذا ساغت في أعين أولئك اللائمين المخذلّين كلُّ التقدِمات والتضحيات مهما بلغت البضاعةُ المُشتراة من البَخس والهوان ثم استكثروا الثمن الذي يُدفَع في سبيل استرجاع الحرية المنهوبة والكرامة المسلوبة؟
إن معركة الحرية والكرامة والاستقلال لا يُستكثَر فيها ثمنٌ ولا تُستثقَل فيها تضحية، ولقد كبّل شوقي أعناقَ الأحرار بديون للأوطان لا تستوفى إلا دماً: “وللأوطان في دم كل حر يدٌ سَلَفت ودَينٌ مُستحق”.
إن هذه الدماء والتضحيات هي ثمن المجد والحرية والكرامة، فهنئياً لأهل غزة وأهل سوريا حريتهم وكرامتهم التي دفعوا ثمنها كاملاً غير منقوص:
ثمنُ المجدِ دمٌ جُدنا بهِ *** فانظروا كيفَ دفعنا الثمنا