للعالم المغربي / عبدالرحمن بن محمد النتيفي الجعفري
المتوفى سنة (١٣٨٥) ٠
يعتبر أول رد موسع على كتاب (الحكم العطائية) لابن عطاء الله السكندري الشاذلي ) وجمع في رده على الحكم شرحين آخرين لها ، وهما :
الأول : لابن عباد النفزي (غيث المواهب العلية ) وهو أول شروح الحكم ٠
الثاني :شرح ابن عجيبة الحسني (إيقاظ الهمم) ٠
-عقيدة ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم :
أشعري ، صوفي ، يقول بوحدة الوجود ، وينتصر لرؤوس الاتحادية القائلين بوحدة الوجود كابن عربي ، ويجيز
الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ٠
قال في كتابه (تاج العروس ص٥١) :
(فإن دفعت عنه فاستغث بالله ، وقل : ياملائكة الله !
ويارسل ربي فاتتني الغنيمة التي نالوها من لذة المناجاة ، ووداد المصافاة) ففي هذا نداء الملايكة والرسل ماهو من جنس دعاء غير الله من الصالحين والاستغاثة بهم ٠
قال ابن عطاء الله في الحكم :(ماحجبك عن الله وجود موجود معه ، إذ لاشيء معه ، ولكن حجبك عنه توهم موجود معه ) ،
(كيف يتصور أن يحجبه شيء ، وهو الواحد الذي ليس معه شيء !) ٠
(لولاظهوره في المكونات ماوقع عليها أبصار ، ولو ظهرت صفاته اضمحلت مكنوناته) ٠
فكل هذه العبارات تصريح بوحدة الوجود ٠
-معنى الحكم العطائية : جمل قصيرة تتضمن صورة خطاب موجه للسالك في طريق التصوف / وهي عبارات معبرة عن خطرات نفسه التي عرضت له في أذواقه فدونها وعددها (٢٦٤) حكمة ، واعتنى فيها بالمحسنات البديعية
من السجع والجناس ٠
-ابن عجيبة في شرحه (إيقاظ الهمم) صرح بالحقيقة المحمدية / وهو معتقد صوفي غالي ، حاصله :أن نور محمد صلى الله عليه وسلم هو أول تجليات الذات الإلهية
وعنه انبثق الكون ٠
-النفزي : في شرحه على الحكم العطائية اعتمد على النقل عن المتصوفة المتقدمين ؛ كالسلمي والمحاسبي ٠
-معنى الحقيقة لدى ابن عطاء الله في الحكم : شهود الحلول والوحدة في مظاهرها ، وأن الله انكشف موجودا فيها (التصريح ب الاتحاد ووحدة الوجود) ٠
-مفهوم الشرك عنده : عدم الفناء عن النفس والبقاء مع الله ، وعليه / فكل من لم يفن عن نفسه وتجرد للبقاء مع ربه كان مشركا بهذا المعنى ٠
قال النتيفي في رده على ذلك :(وقد تقدم المرة بعد المرة أن أكمل الخلق وهم الرسل لم يفنوا عن أنفسهم ولا عن خلق ربهم ، وبقوا مع ربهم غير ملتفتين لسواه ) ٠
- قال النتيفي (٢/ ٢٠٠) :(إطلاق خواص الخواص على غير الأنبياء والرسل لايبقي لهم مقاما فوقه ، والقول بذلك قد لايشك في خروج صاحبه من الإسلام ؛ إذ لامقام فوق مقامهم للبشر ) ٠
-تكلم النتيفي عن الفرق بين إلهام النبي في الوحي والوعود وبين إلهام الولي ، وأن إلهام النبي في الأحكام وحي وفي الوعود ، إذ لاسبيل للشيطان على وحيه وإلهامه ، وأما إلهامه في الاجتهاد فليس بوحي ، فغالبه صواب وقد يخطئ ، وإما إلهام الولي فليس بوحي ، فلا يقين في إلهامه وعليه فتصديقه في وعده الإلهامي ليس كتصديق الوحي
وماقيل في إلهام الوحي يقال أخرى في التجلي ، إذ لابينة
على أن المتجلي لك أو فيك هو الله سبحانه أو الملك ،
أو روح الرسول ، بل قد يكون ذلك خيالا أو صورة شيطان أو قرين ومثل ذلك ٠
-قول شارح الحكم :(يترك الدنيا وأسبابها) :
قال النتيفي :(هذا مخالف للزهد الشرعي ، وماخلق الله الإنسان وخلق له الدنيا وسخر له مافيها ليتركها ويعرض عنها بالكلية ، وإنما خلقه واستعمره فيها ، فأمره بالعمل فيها وشكر المنعم بها عليه ) ٠
-قال شارح الحكم :(من لا شيخ له فالشيطان شيخه ) :
قال النتيفي :(لعل قائل هذه المقالة كان الشيطان شيخه فيها ؛ إذ لوكان هذا حقا للزم منه أن يكون الصحابة من لم يتخذ شيخا من المتصوفة يسلك مسالكهم ويدعوهم في الغالب إلى مخالفة الشرع أن يكون الشيطان شيخه
كما يلزم منه أن كل من تلمذ لأهل التصوف لايحوم الشيطان حوله وهم بعكس ذلك )٠
-قول شارح الحكم :(خلق العمل ونسبه إليك ) :
قال النتيفي :(هذا تصريح بمذهب الجبرية ؛ وهو باطل على التحقيق ، ف العبد يفعل بعض أفعاله باختياره ، والله جعل له الاختيار في بعض تلك الأفعال ) ٠
-قول شارح الحكم :(فستر الله سبحانه صفاته الأزلية اللطيفة بظهور الذات البشرية ) :
قال النتيفي :(هذا مما يؤذن بأن القوم لايدندنون إلا حول الحلولية والاتحاد بهذه الألفاظ الكثيرة السجع ، الكثيرة فساد المعنى ) ٠
-الخلاصة :أن الحكم العطائية تضمنت تقرير الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وتجويز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، والتصريح بعقيدة الجبر ، والقول بحجية إلهام الأولياء ، والإعراض عن الدنيا بالكلية ومخالفة الزهد الشرعي ، واعتقاد أن الولي يعلم مافي الصدور ، ودعوى تقسيم الإسلام إلى شريعة وحقيقة ، ودعوى العزلة في الجبال والمغارات والغابات ، وإطلاق خواص الخواص على غير الأنبياء والرسل ، والتفسير الإشاري الباطني للقرآن وغير ذلك ٠