مثلا: اختلف المتقدمون في وجوب الوضوء من لمس الذكر على قولين:
الأول: يجب الوضوء من مس الذكر.
والثاني: لا يجب الوضوء من مس الذكر.
وذهب بعض المتأخرين إلى أنه مندوب
فهذا القول الأخير يعد قولا على التحقيق وإن كان الندب قدرا جامعا بين الجواز والوجوب.
وأما مسألة التعليل بالحكمة ففيها قولان فقط لأن من منع من التعليل بها صرح بأن المانع من ذلك هو عدم انضباطها، وأنها إذا انضبطت فتكون علة وحكمة لا مجرد حكمة، فالقول الأخير لم يزد شيئا على ذلك، وإنما حرر النزاع في المسألة كما قال الشيخ زياد فتح الله عليه.
يظل مسألة إحداث قول جديد مخالف للأقوال المتقدمة هل يعد خرقا للإجماع أو لا.
ومأخذ القائلين بعده خارقا للإجماع أن الاختلاف السابق يتضمن إجماعا آخر بأن الحق منحصر في الأقوال المذكورة.
ومأخذ القائلين بعدم عده خارقا للإجماع أن لا إجماع في المسألة على قول وأن الخلاف فيها يستلزم إقرار كل فريق من المختلفين بجواز وجود رأي آخر. أي أنهم أجمعوا ضمنا على جواز الاختلاف في المسألة، فإحداث قول جديد يدخل في ضمن هذا الإجماع.
ومع أن الأقوال المحدثة غالبا ما تكون ضعيفة أو شاذة إلا أن القول بردها مطلقا وأنها تخالف الإجماع من حيث المبدأ قول فيه نظر، لأنه يقوم على أساس أن الحق لا يغيب عن الأمة في زمن قط، وهذا أصل لا توجد ادلة قوية تنهض به. على أن الإجماع نفسه في غير المعلوم ضرورة ادلته تتوجه عليها إشكالات كثيرة.
ثم إنه في فقه الأئمة الكبار الكثير جدا من الأقوال المحدثة المخترعة، وقد زعم ابن حزم أنها بالمئات وانه يمكن ان تجمع منها مجلدات في فقه أبي حنيفة ومالك والشافعي ، وأنها كلها تعد خرقا لما أسموه بالإجماع السكوتي.
وقد قال مالك رحمه الله في أربع مسائل: «إنه لشيء استحسنه وما علمت أحدا قاله قبلي». والذي قاله إنما هو تفصيل جديد في مسائل سبق كلام للسلف فيها، فلم ير بذلك حرجا ولا مخالفة للإجماع والله أعلم.