لأنّ المعصوم لشدّةِ نُورهِ ولشدّةِ كمالِهِ لا نحتاجُ إلى دليلٍ يدلُّنا عليه مِن غيرِهِ..فهو دالٌ بنفسِهِ على نفسِهِ، وهذا المعنى نحن نستدلُّ به حتّى على غيرِ المعصوم،
فأنت قد يصادفُك شخصٌ فتعرف شخصيّتَهُ مِن خلالِ مظهرِهِ ومنطقِهِ وتفكيرِهِ.. فتستدلُّ بشخصِهِ على شخصِهِ،
فنحن في كثيرٍ مِن الأمور نستدِلُّ بهذه القضيّة..لكن حين يصِلُ الكلامُ إلى المعصوم يتوقّف الاستدلال! وهذا مِن سوء التوفيق! وإلّا في كثيرٍ من شُؤوناتِ حياتِنا الدنيويّةِ والاجتماعيّةِ نستدِلُ بالأشياءِ على نفسِها وهذا أفضلُ وأرقى الطُرُق الّتي تُوصِلُنا لمعرفةِ المعصوم،
فدينُنا دينُ الوجدان ودينُ الضمائر لا دينُ الحساباتِ الرياضيّة.. دينُنا دينُ المعنويّات، دينٌ يُدرَكُ بالقُلوبِ وبالفِطَرِ السليمة، يُدرَك بالتعامُلِ المعنويّ الراقي.. هذه المعاني الّتي يُريدُها أئمّتُنا.. ولذا أحدُ أصحابِ إمامِنا الرضا حين سأل الإمامَ عن الوصيِّ الّذي بعده (وهذا الرجلُ مِن الشيعةِ المخلصين المُتحمّسين لدينِهم، فهو مِن غيرتِهِ على دِينِهِ يريدُ أن يعرفَ الإمامُ بعد الإمامِ الموجود) فالإمام أجابه، ولكن بعد أن خرج قال الإمام: (رحِم اللهُ المفضّل لقد كان يقنعُ مِن دون هذا)
يعني كان المُفضّلُ لا يحتاجُ إلى سؤالٍ لتشخيص المعصوم وإنّما يستدلُ على الإمامِ بالإمام،
هذا لا يعني أن الأساليبَ الأُخرى كالمُعجزة والنصِّ والاختبار أساليبُ خاطئة..هذه أساليبُ صحيحةٌ وردت في الروايات..وكثيرٌ المُخالفين اهتدوا عن طريق هذه الأساليب، وكثيرٌ مِن الشيعةِ ازدادوا يقيناً عن طريق هذه الأساليب،
لكن هناك المفضول وهناك الفاضل وهناك الأفضل وهناك ما هو الأكملُ والأرقى،
وهذا الأسلوب (معرفةُ الإمامِ بالإمام) هو مِن أرقى الأساليبِ وأفضلِها لمعرفةِ الإمام، ومِن الآدابِ العاليةِ في التعاملِ مع الإمام،
إذ ليس مِن الأدبِ أن نسألَ المعصوم أن يُقيمَ المُعجزةَ كي نستدِلَّ بالمُعجزةِ على ذاتِهِ الشريفة!
الشيعيُّ الحقيقيُّ لا يحتاجُ أن يطلُبَ مِن إمامِهِ أن يأتيَ له بمُعجزةٍ حتّى يعرِفَهُ،
الشخصُ الّذي لا يعرِفُ إمامَهُ إلّا ببرهانٍ إعجازيٍّ هذا ليس بشيعيٍّ حقيقي.. فالشيعيُّ الحقيقيُّ يعرِفُ إمامَه بالوجدان، ولذا قال رسولُ اللهِ لوفد اليمن: (أنتم نَجَبةُ الله حين عرفتم وصيَّ رسولِ اللهِ قبل أن تعرفوه) يعني أنتم في المقام الرفيع حين عرفتم وصيّي بذاتِهِ قبل أن تعرفوه بالأسباب،
هذا هو المنهجُ اليماني، وهؤلاء هُم اليمانيّون..ولِذا فإنّ اليمانيَّ لا يدعو لا إلى نفسِهِ ولا يدعو إلى أحدٍ مِن دون صاحبِ الأمر..يدعو إلى صاحبِكُم فقط؛ (لأنّه يعرفهُ به، يستدلُّ على صاحِبِنا بصاحِبنا) فيتفرّدُ عقلُهُ وقلبُهُ بالدعوةِ إليه فقط
✦ حين سأل اليمانيّون النبيّ: (مَن وصيّك؟) النبيُّ أجابهم بآيةٍ مِن القرآن وقال: هو الّذي أمركم اللهُ بالاعتصام به، فقال عزّ وجلّ: {واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرّقوا} هذا هو حبلُ اللهِ الّذي أُمِرنا بالاعتصام به..ولكن للأسف هذه الآية الكثيرُ مِن علماءِ الشيعة يستعملونها في غيرِ مضمونِها،
فحين يتحدّثون عن ما يُسمّى بـ(الوحدة الإسلاميّة بين السُنّةِ والشيعة) يأتون بهذه الآية دليلاً على الوحدة! وهذا تحريفٌ صريح لمعنى الآية، لأنّ معنى "حبل الله" الّذي أُمِرنا بالتمسّكِ به هو عليٌّ وآلُ عليّ، والرواياتُ كثيرةٌ الّتي تُبيّن هذه الحقيقة،
أساساً بيعةُ الغدير فرّقت بين الشيعةِ وغيرِهم(مِن السُنةِ وسائر المِللِ الأخرى) وهذا واضحٌ في دعاءِ نبيّنا يومَ الغدير (الّلهُمّ وآلِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصرهُ واخذل مَن خذَلَه)
فعليٌّ هو الفاروقُ الأعظمُ الّذي فرّقَ بين الحقِّ والباطل..وهذه الأُمّةُ تفرّقت فيه، هذه حقيقة،
وفي زمانِنا هذا "حبلُ الله" هو إمامُ زمانِنا
:
#الثقافة_الزهرائية