نداء لكلّ زوجة :
إن من نعم الله على عباده المؤمنين نعمة الزواج, وهذه النعمة وكل نعمة تستلزم شكر المنعم ربنا سبحانه وتعالى، وحديثي في هذه السطور موجّه للزوجات ، وهو مفيد للمقبلات على الزواج!
فأقول لكل زوجة:
أذكرك بأنك تتمتّعين بنعمة عظيمة القدر قد لا تدركي عظم شأنها, وهي نعمة الزواج الذي أحلّه الله وشرعه, فكم من امرأة تتمنى الزواج ولم يتيسّر لها, أو تزوجت ولم تستمر في زواجها, فإياك ثم إياك أن تكْفري هذه النعمة العظيمة, أو تتهاوني بشأنها بأقوالك أو أفعالك, فتفْقديها - لا قدر الله- أو تفقدي شيئًا من ثمارها الطيبة.
أيتها الزوجة:
إن الزوج له قدر عظيم ومنزلة رفيعة في الإسلام, فهذه المنزلة لا منازعةَ فيها ولا أقوال, بل فيها قولٌ واحد يقول به جميع علماء المسلمين.
فإذا كان زوجك مرضي الدين والخلق فتمسكي به ولا تزهدي به, ولا تعتقدي أن هناك بشر كامل سالم من النقص، فابذلي غاية وسعك في إكرام زوجك, واحترامه, وخدمته, والتقرب إليه, وتلمّس ما يسعده, والبعد عن كل ما يكدّره, وكما يقال: ( الزوجة هي المهندسة الحاذقة في بيت الزوجية).
وإياك أن يكونُ إحسانُك لزوجك لأجْلِ إحسانه إليك، فإذا لم يُحسن إليك أسأت إليه، ولكن ليكن الدافعُ لإحسانك إليه الاستجابة لأمر الله تعالى, فهو دِيْن تتقرّبين به إلى ربك سبحانه وتعالى، تجازين عليه بالحسنات المضاعفات ورفيع الدرجات.
ولا يخفى عليك أيتها الزوجة أنّ طاعةَ والديك من آكد الواجبات، ولكنه قد يخفى عليك أنّ طاعة زوجك أعظم وأوجب من طاعة والديك، ومن الأدلة الصحيحة الصريحة التي تبيّن عِظَم حقّ الزوج : قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربها حتى تؤدِّي حقَّ زوجها"
ففي هذا الحديث بيانٌ واضح لعِظم حقّ الزوج على الزوجة؛ فإن الزوجة مهما اجتهدت في القيام بعبادة ربها المفروضة الواجبة, واجتهدت بالتقرب إليه سبحانه وتعالى بالنوافل والسنن, من مثل قيام الليل وصيام النوافل، إلا أنها لم تؤدّ حقّ الله كما يجب، إذا لم تؤدِّ حقَّ زوجها الذي أوجبه الله عليها.
واعلمي أنّ أوامر الله ونواهيه دين كامل وشرع متكامل, لا يجوز أن ينْتقى منه ما تهْوَين, فما وافق هواك فعلتيه، وما لم يوافق هواك تركتيه أو قصّرتي فيه.
ومن نعمة الله أن حقوق الزوج على الزوجة ليست شاقة لا تطاق ولا تستطاع, بل هي سهلة ميسرة على كل موفقة, وثمارها الطيبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة، وحقوق الزوج على الزوجة لا تخضع للهوى أو تقلب المزاج, فهي شريعة من شرائع الإسلام المؤكدة؛ مثل الصلاة والصيام والزكاة وبرّ الوالدين وغيرها من الشرائع, تؤدَّى تعبّدًا لله وامتثالا لأمره, قال الله تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
ولاشك أن حُسن عشرة المرأة لزوجها دليل على صلاحها وصدق تديّنها ورجحان عقلها.
وكل زوجة قصرت في القيام بحقوق زوجها ستندم إن عاجلا وإن آجلا ومن صور التقصير في حق الزوج:
١ / الامتناع عن حاجته إذا دعاها للفراش, وذلك بغير عذر شرعي, أو ضرر معتَبر, وفي ذلك الامتناع وعيدٌ شديد توجَف منه القلوب وترتَعد له الفرائص!
قال رسولُ الله ﷺ: (إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكةُ حتى تُصبح) متفق عليه.
٢ / عدمُ احترامه, والتقصيرُ في خدمته, وعدمُ الاكتراث بذلك بحجج واهية لا تقنع عاقل, ولا يقبلها منصف، ثم كيف يليق بالزوجة فعل مثل ذلك وهي تنْعم بخير الزوج من مسكن, ومأكل, وملبس, فهذا والله من الكُنود والجحود وكفران العشير.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ".
فهذا الحديث اختصر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بيانَ عِظَم حقّ الزوج على زوجته في هذا الأمر العظيم, وهو السجود للزوج، وهل هناك أعظم من السجود الذي لا يجوز ولا يليق أن يفعل إلا لربنا تبارك وتعالى المستحقّ للعبادة؟.
ووالله ما رأيتُ امرأة تُحسِنُ مُعاملةَ زوجها المرضيِّ خلقُه ودينُه، وتبالغ في تقديره واحترامه - وخاصة بين أولادها - إلا رأيتها موفّقة مسدّدة مباركة، وعمّت بركتها لأولادها فأصْلحهم الله وحسّن أخلاقهم، وكانوا أبرّ الناس بها.
ومن أهانت زوجها – خاصة أمام أولادها – عادَ عليها شؤم صنيعها، وأذلّها الله ونكّد عيشها، ورُزِقت بأولادٍ ينغّصون عليها عيشها كما نغّصت على زوجها عيشه.
فيا أيتها الزوجة: اعرفِي قدْر زوجك، وأظهري له الاحترام والإكرام، وكوني قدوة صالحة لأولادك، يقتدون بحسن تعاملك مع والدهم.
وأشدّ ما على الأولاد البررة الصالحين أن يروا قلّة احترام أمهم لأبيهم، ولكنهم يكتمون غيظهم برًّا بأمّهم.
أسأل الله أن يعينك على القيام بحقّ زوجك، إنه سميع قريب.
الشيخ أحمد بن ناصر الطيار