فإن قلت: فما الذي يقطع به العبد هذا الأمل؟
قلت: قوة رغبته في المطلب الأعلى، الذي ليس شيء أعلى منه. ومعرفته بخسة ما يؤمل دونه، وسرعة ذهابه. فيوشك انقطاعه. وأنه في الحقيقة كخيال طيف، أو سحابة صيف. فهو ظل زائل، ونجم قد تدلى للغروب. فهو عن قريب آفل. قال النبي ﷺ «ما لي وللدنيا؟ إنما أنا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها» وقال «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر: بم ترجع؟» فشبه الدنيا في جنب الآخرة بما يعلق على الإصبع من البلل حين تغمس في البحر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو أن الدنيا من أولها إلى آخرها أوتيها رجل، ثم جاءه الموت لكان بمنزلة من رأى في منامه ما يسره. ثم استيقظ فإذا ليس في يده شيء.
وقال مطرف بن عبد الله - أو غيره -: نعيم الدنيا بحذافيره في جنب نعيم الآخرة أقل من ذرة في جنب جبال الدنيا.
ومن حدق عين بصيرته في الدنيا والآخرة علم أن الأمر كذلك.
مدارج السالكين