ما حكم دفن الأموات في غزة بملابسهم؛ لعدم توفر الأكفان (وخاصة غير الشهداء)؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الميت في غزة لا يخلو من حالين:
أولاهما أن يكون من شهداء المعترك، أي ممن قُتل حال اشتباكه مع العدو، أو ممن قُتل ظلماً – كمن يقتلون بأثر القصف الصهيوني– فهؤلاء حكمهم أنهم يكفَّنون في ثيابهم التي قتلوا فيها؛ ما دامت ساترة لهم، فإن لم تكن ساترة زيد عليها ما يحصل به الستر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء المعترك (زملوهم بدمائهم) وفي رواية (في ثيابهم) أخرجه أحمد من حديث جابر رضي الله عنه، إلا أنه تنزع عنه آلة الحرب كالجلود والسلاح والفرو والحشو والخف والقلنسوة ونحوها، وهذا هو المروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما.
الحالة الثانية: أن يموت حتف أنفه؛ كمن مات بأثر مرض ونحوه؛ فمثل هذا يلزم تكفينه من ماله قبل قسمة التركة، ويقدم ذلك على الوصية والميراث، لأَنَّ هَذَا مِنْ أُصُول حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.
أما إذا كان الميت لم يترك مالاً يُشترى منه الكفن فتكفينه واجب على من تجب عليه نفقته، فإن لم يكن ففي بيت المال، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَال فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ تَكْفِينُهُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألبسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيهن موتاكم) رواه أبو داود. فَإِنْ عَجَزُوا سَأَلُوا النَّاسَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ غُسِّل وَجُعِل عَلَيْهِ الإِذْخِرُ (أَوْ نَحْوُهُ مِنَ النَّبَاتِ).
وعليه فإنه لا حرج في دفن الميت في ثيابه التي مات فيها عند تعذر إيجاد الكفن اللائق به أيا كان لونه؛ لما رواه البخاري ومسلم عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: (هَاجَرْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يهْدبهَا قُتِل يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَاّ بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَل عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ) والله تعالى أعلم.
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين
الخميس 14/ شعبان/ 1446 الموافق 13/ 2/ 2025