تطلب منه مصاحبته للخارج لكن أساور وميسرة كانتا نائمتين وهو خاف عليها أن تمشي وحدها..
تغلق الباب خلفه ولم تكد تفعل حتى تذكرت ذاك العود الذي أرسلته لها طيف الرفاعي كهدية يوم زواجها..
ترتعش ابتسامة وجلة على شفتيها وهي تتحرك بخطوات بطيئة تتلمس طريقها نحو الحائط القريب حيث أخفته بين الحائط والخزانة..
ترتجف أناملها وهي تتذكر طلبه منها أن تعزف..
ربما يمكنها فعلها الآن..
أو على الأقل.. التدرب على فعلها!
تشعر بجفاف حلقها وهي تتذكر رغماَ عنها أيامها الأخيرة مع فهمي..
إصراره العنيد ان تعزف له وقت الفجر..
ترتدي الأبيض..
لم يكن يلمسها.. لم يكن يخبرها أي شيء عن ماضيها.. كأنه كان يحميها منه ومن نفسه..
تركها في هذه الهوة البيضاء لسنوات فلا تدري..
هل كان حقاَ حارسها أم سجانها؟!!
تكتم تأوه ألمها وهي تغالب خوفها بقوة تحسد عليها..
تتناول العود بتوجس كأنها على وشك أن تمس أفعى..
يسقط من يدها لأول مرة فتشعر أن للسقوط دويا أضخم في أعماقها..
لكنها تنحني لتتناوله من جديد..
لن تضعف..
ستقاوم..
ستقاوم بكل قوتها..
سيعود فيصل هذه المرة ليجدها تعزف له عليه.
الخاطر الأخير يرسم ابتسامة رقيقة على شفتيها وهي تتشبث بالعود لتجلس على طرف الفراش..
تتذكر أنها ترتدي - للمصادفة- ثوبا أبيض فينقبض قلبها أكثر لكنها تقاوم..
بكل قوتها تقاوم..
تتلمس العود بوجل.. فيبدو لها صقيعيا شديد البرودة..
وللعجب مشتعلاً شديد الحرارة!!
ربما لهذا ترتعش أناملها على أوتاره..
تباَ..
لا تزال تخاف أن تمسها!
لا تزال تخاف سماع اول لحن تسمعه من يدها!
تسمع الباب يفتح دون طرقات فتبتسم وهي تدرك أنه لا ريب فيصل..
هل نسي شيئاَ؟!
_عدت ؟!
تسأل وهي تحاول إخفاء خجلها بمسكة العود..
ودت لو تكون مفاجأتها له عندما تتمكن من فعلها..!
لكنه لا يرد..
فقط تشعر بالخطوات البطيئة تقترب منها..
تتأهب أذناها لسماع الرد المعتاد منه:
(دوما سأعود)..
لكن الصوت المألوف..
المألوف حد الوجع..
هو ما يصفع أذنيها هذه المرة بالرد المعتاد الآخر الذي كادت تظن انها لن تسمعه بعد الآن أبداَ..
(ولمن سواكِ أعود؟!)
========
انتهى الفصل