في الوسط السنيّ، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم الجائر من منافذ عزل سلطة الفقيه عن مجال عمل السلطان؛ ليبقى سلاطين بني أميّة وبني العباس مطلقي اليد فيما يفعلون، واستلم سلفيّة وليّ الأمر المعاصرون هذه الفكرة، وغالوا فيها، فتطورت هذه الفكرة من انعزال الفقيه عن السلطان إلى انضواء الفقيه تحت راية السلطان، وبذل الجهد في تكلّف الوجوه والأعذار والتبريرات، فبلغ مشايخ السلفية بذلك مبلغاً خطيراً في الصّلافة وقلّة الحياء، إلى درجة ترجيح الاهتمام بالتنزّه عن البول على الاهتمام بدماء المسلمين، في تجاهل صريح لكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وثوابت الفقه الإسلاميّ، كلّ ذلك داسوا عليه خدمة للسلطان وغلوّاً في طاعته.
وفي الوسط الشيعي، كانت فكرة عدم الخروج على الحاكم والتقيّة انتظاراً لأمر أهل البيت (عليهم السلام) حفظاً للمجتمع الشيعيّ الذي يمثل الأقليّة من التآكل في الحرب وهدر الجهود فيما لا تُرجى منه ثمرة، وقد آتت سياسة الأئمة لشيعتهم بهذا النحو أكلها، فحُفظت هذه الأقلية من الاندراس في وسط الأكثرية الساحقة والمتوحشة، وهذا الأمر أجنبيٌّ عن فكرة الجهاد الدفاعي عن أعراض المؤمنين وأموالهم ومصالحهم في مقابل الهجمة الاستئصالية لعدوّ قرّر أن لا يُبقي أو يذر، وهو الجهاد الذي لا يحتاج إلى إذن من الفقيه الجامع للشرائط، ولا أدلة التقية تشمله؛ فصار البعض يُلبس ما تقوم به المقاومة لباساً آخر، ثم يدّعي منافاته لأخبار التقية، والحال أن مسألة الخروج على الحاكم شيء، ومسألة الجهاد الدفاعي شيء آخر، ومن هنا يقع الخلط وإزاحة المفاهيم عن وجهها.
عندما تغلب (الأيدلوجيا) الفقهَ ومنطقَ الأدلّة، من الطبيعي أن نقف أمام حفلة تهريج قبيحة تُصدّر لنا الغرائب باسم الإسلام!