قصص من وحي الأعضاء @rewity73 Channel on Telegram

قصص من وحي الأعضاء

@rewity73


روايات قسم قصص من وحي الأعضاء بمنتدي روايتي

قصص من وحي الأعضاء (Arabic)

قصص من وحي الأعضاء هو قسم مميز يتبادل فيه أعضاء المنتدى رواياتهم وقصصهم الشخصية بشكل إبداعي وملهم. يمكنكم في هذا القسم الاستمتاع بتجارب الكتابة لأعضاء موهوبين ومبدعين، والتعرف على عوالم جديدة وشخصيات مثيرة. يتيح لكم هذا القسم فرصة للتفاعل مع القصص والتعبير عن آرائكم وتعليقاتكم. مهما كان نوع القصة التي تفضلونها، ستجدون في قصص من وحي الأعضاء مجموعة متنوعة تلبي جميع الأذواق. سجل الآن وانضم إلى هذه الجماعة الإبداعية لتشاركنا قصتك وتستمتع بالقصص الرائعة المقدمة من أعضاء موهوبين في مجتمعنا الأدبي المتميز.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


ضحك الزئبق من خفة ظل لصته الجميلة وهو يجيبها بقوله " نعم.. هو عين العدل يا حبيبتي لكن؟ أي الساكنات التي تملك هذا العقد؟" فأجابته؛ "إنها الشابة قاطنة الطابق الرابع، التي كانت نستضيف الفتيات العربيات هذا المساء بشقتها.”
عندما اقترب الزئبق والحرباء من العمارة صمتا عن الحديث فجأة تمر من جوارهما تلك المرأة غريبة الأطوار في طريقها إلى العمارة، تمسك في يدها بطفلتها وهي تحدث نفسها بصوت مسموع دون أن تلتفت إليهما:
- والله عال يا عبد العال! سنتك كبيسة يا ابن رئيسة وكمان بتعرف تعزم وتتعزم، يا بتاع صفاء!!"




********

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


وقبل أن يجيبها الزئبق حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد عاد في هذه اللحظة إلى الشقة أصحابها، فقفزت الحرباء والزئبق ليختفيا تحت السرير بغرفة النوم حيث دخلت فتاة غاضبة وألقت بأزهار كانت بيديها ثم ألقت بنفسها على السرير و راحت تبكي بينما هناك طرقات عنيفة على باب الغرفة و صوت جهوري يصرخ بها " افتحي الباب يا لين، وكفاك تصرفات طفولية ".
أحس الزئبق والحرباء بالورطة التي لم تكن متوقعة، فقد أغلقت الفتاة باب غرفة النوم عليها وعليهما بالمفتاح من الداخل وظلت ملقاة على سريرها تبكي وتتألم حزنا دون أن تدري أن تحته ضيفين متسللين.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


ما ان خطت الحرباء أول خطواتها بالمطبخ حتى شهقت فرحة كالأطفال عندما وقعت عينيها على علبة شوكولا فاخرة بالبربون والجين ما تزال بغلافها، ففضت الغلاف بسرعة وألقت به جانبا وراحت تلتقم قطع الشوكولا وهي تهمهم قائلة؛ "لقد صدق حبيبي، هؤلاء العرب يستنفذون الموارد دون فائدة، تموت الشعوب جوعا بينما يلقون هم أطايب الطعام في سلال المهملات .. لم؟ لم يشترون ما لا يحتاجونه؟ أ ليسوا حمقى لا يستحقون ما يملكونه؟" ثم التفتت إلى البطاقة المثبتة على العلبة عليها إهداء من "ادوارد إلى خالد"، فقالت تحدث نفسها؛" يا لكم من عديمي الذوق والأخلاق! لمَ قبلتم الهدية إن كان مصيرها سلة المهملات؟ لقد أخطأت عزيزي إدوارد بصداقتك وإهدائك هؤلاء الطفيليات الذين لا يستحقون إلا الاحتقار.”
كانت الحرباء تحدث نفسها وهي تلتقم الشوكولا بينما راحت يديها تفتح الأدراج والدواليب في المطبخ حتى تجمدت مكانها أمام إحدى خزانات المطبخ، فور أن فتحتها راحت تضحك وتردد، برافو! .. برافوووو!.. عندما وجدت خزنة أخرى بخزانة المطبخ لم تستطع الحرباء أن تخفي إعجابها بهذه الحركة الذكية من خالد سعد، والذي أجاد التمويه ولولا حظه العائر وجوع الحرباء ونهمها للأكل ما انكشفت خدعته في إخفاء مقتنياته الثمينة .
فتحت كاميليون الخزنة بسهولة وفرحت فرحا شديدا بعد أن نجحت في الوصول لهدفها وهي تمسك بالفلاش ميموري في يدها، فتركت الطعام والمطبخ وتوجهت الى جهاز الكومبيوتر في غرفة مكتب المهندس خالد. جلست إلى الجهاز وعملت نسخة من الفلاش ميموري على ذاكرة تخزين جديدة كانت بحقيبتها ثم جلست بضع دقائق تبدل الأرقام والأطوال والمساقط للتصميمات الهندسية كما فتحت ملف المناقصة وغيرت كل عروض الأسعار بها ثم أغلقت الجهاز وأعادت ذاكرة التخزين إلى موضعها بالخزنة وأغلقتها وكأن شيئا لم يكن... وهي تقول " مبارك لك الفوز بالصفقة عزيزي ريتشارد اللعوب" ثم همت لتغادر الشقة بسرعة لولا أنها سمع صوت أقدام على السلم، فأسرعت إلى المطبخ لتقفز من نافذته وتتسلق المواسير الخلفية حتى بلغت
الطابق الثالث. خافت الحرباء أن يراها أحد المارة بالشارع وهي تتسلق المواسير ، فدلفت من نافذة الطابق الثالث لتعبر منها إلى السلم الرئيسي، لكن وبمجرد أن وطأت قدماها تلك الشقة حتى تجمدت مكانها تسمع وتراقب وقتا طويلا وعندما لم تجد فرصة لتعبر الشقة عادت أدراجها لتتسلق المواسير مرة أخرى حتى بلغت الشارع حيث استوقفت سيارة أجرة وانطلقت إلى منزلها وهي شاردة في تفكير عميق تستعيد بذهنها ما سمعته بشقة الطابق الثالث في جلسة ليلة الديار عن هذا الكنز الثمين.
ولجت الحرباء غرفة نومها لتجد الزئبق غارقا في النوم، فقفزت لتلقي بنفسها عليه وكأنها تقفز بحمام سباحة وجثمت على صدره وراحت تفرك أنفها بأنفه وتعض أذنه لتوقظه من نومه بطريقتها المرحة الغريبة حتى فتح عينيه مبتسما لها وشاركها فرك أنفه بأنفها وعندما أفاق تماما سألها :
- ماذا حدث حبيبتي ؟
- استيقظ أيها الكسول، أنا أتممت عملي وجئتك بخبر استحق عليه أن تمنحني ثروات الشرق الأوسط مكافأة لي .. هيا!.. لابد أن تقتنص هذه الفرصة حبيبي.
- أخبريني ماذا حدث؟ وما هذا الخبر الذي تطلبين ثروات الشرق نظيرا له؟
- سأخبرك بالتفاصيل وأنت تستبدل ثيابك، هيا انفض الكسل عن عزيمتك، لابد أن نعود للعمارة الليلة قبل الصباح". قام ميركري يغتسل ويستبدل ثيابه وان هي إلا لحظات حتى كان هو والحرباء يسيران بالشارع في طريق العودة إلى العمارة والحرباء تقص عليه قصة ليلة الديار قائلة:
بعد أن دمرت هذا العربي المدعو خالد سعد وفي طريق مغادرتي للعمارة، مررت بشقة بالطابق الثالث لأستخدمها في العبور لسلم العمارة الأمامي ولكني لم أستطع المرور ، فقد وجدت فتاة عربية جميلة تلبس بيجاما قصيرة تجلس على الأرض مع شابين يضحكون ويتسامرون، جلسة تسميها ليلة الديار ، إنها فتاة سيكوباتية لا تعرف ما تريده!" وأكملت الحرباء وهي ترفع حاجبيها تعجبا وسخرية :
"هؤلاء العرب يتشدقون بعفاف بناتهم وها هي إحداهن ترافق شابين، تعيش معهما بشقتها؟ متبرجة وتضحك معهما تارة وتصرخ غاضبة تارة أخرى حتى احتواها أحد الشابين وضمها إلى صدره، فلانت له ثم فزعت منه وهو يصارحها بحبه لتصرخ في وجهه وكأن الحب صار قتلا، ألم أقل لك عزيزي! إنها فتاة غير طبيعية“.
استحثها الزئبق لتكمل حديثها وهو يتابعها صامتا، فأكملت الحرباء :
- لم أسمع كثيرا من حوارهم، كانوا يضحكون بينما عيون أحد الشابين تفضح لهفته على أنوثتها".
- أ بسبب قصة هذه الفتاة أيقظتني وجعلتنا نعود للعمارة الآن؟ أ تريدين منا أن نساعد الشاب العاشق ليظفر بأنوثة حبيبته؟
- لا.. لا! انتظر حتى أكمل لك! ما أهمني فيما سمعت من حوارها هو تنهيداتها وحديثها عن عقد تاريخي فريد وثمين تملكه إحدى ساكنات العمارة، كانت تتحدث عنه بشغف حتى اتهمها أحد الشابين بأنها تخطط لسرقته، ساعتها برق في ذهني أن نقتسم الخطة معها، نسرقه نحن بدلا عنها وتحمل هي التهمة بدلا عنا، أليس هذا عدلا ميركري؟"

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


شهقت الحرباء و هي ترفع حاجبيها متعجبة؛ "من قال إنها ليست جميله! قوامها الملفوف لا يضاهيه في الفتنه إلا ملفوف ورق العنب الذي تصنعه يديها، إنها ملفوفة تميل إلى السمنة برشاقة و جمال، كم أتمني أن يكون لي مثل قوامها، قوام تهفو إليه الأحضان ليملأها دفئاً، زوجته يا ميركري تصرخ بالأنوثة و الفتنة التي تذيب الجليد في منتصف كانون الثاني ولكنكم جميعاً هكذا معشر الرجال، يقتل الرجل نفسه حتى يظفر بأنثاه وما إن يحتويها بين ذراعيه حتى تروح عيناه تبحثان من جديد، هو و أنت وغيركما من الرجال كهذا، الرجل النهم.
استوقفها الزئبق عن الحديث الذي بدأت تمطره به وهي تحتد على رجال العالم كلهم و قال لها : "يبدو أني سأعيد التفكير في اغتيال مونيا هذه."
- هل أعجبتك أنت أيضاً و رأيت أن هذا الجمال لا يجب أن يُقـْبَر؟ أم أنك تعاطفت معها بإنسانيتك المفرطة أيها القديس؟
- دعك من هذه السخافات، ليس تعاطفاً ولا إعجاباً، فهي ليست إلا مجرد عربيه و مسلمة.
- إذاً ماذا؟ أليس هذا أدعى لقتلها؟!
- ليس في قتلها ما يفيدنا بل بقاؤها أكثر جدوى لتكون شوكة في ضلوع هؤلاء العرب و ذريعة أبتز بها مزيداً من المال من ذلك المدعو بن موسى.
صمتت الحرباء قليلاً ثم قالت للزئبق؛ " لقد ألهمتني يا رجلي الحبيب، أنا أيضاً لن أسرق هذه التصميمات من هذا الغر العربي المدعو خالد سعد، بل سأكتفي بأن أعبث في تصميماته وأغير بعض قيمها لتضيع على شركته المناقصة بسببه، فمثله لا يستحق أن ينظر له مثل النظرة للأكفاء، لابد أن تفشل تصميماته فيطردوه من لندن شر طرده ويكفيني ما أخذته من ريتشارد اللعوب.”
فابتسم لها الزئبق وهو يقر بمكر؛ " ما أخبثك وأدهاك في الكيد يا سليلة يهوذا، هيا بنا لنكمل عملنا، أظن أنه قد خلت بعض الشقق من سكانها بعد خروج رجالها ونسائها للعمل.
فتقدمته الحرباء بخطوة.. وفجأة.. مر من أمامها صبي مسرعاً بدراجته كاد أن يصدمها لولا أن الزئبق جذبها إليه من ذراعها بسرعه ليصطدم الصبي بفتاه أخرى عند باب العمارة، فسقطت على الأرض وتناثر ت الأكياس التي كانت تحملها في يدها.
تقدما إلى العمارة و لكنهما توقفا عند مدخلها للحظات، فقد كان هناك الشاب و الفتاة يقفان عند باب المصعد يحاول هو أن يحمل عنها أغراضها فتتدلل وسمعا طرفا من حوارهما معا.
نظرت الحرباء إلى الزئبق نظرة ذات مغزى عندما سمعت الفتاة تقول له " لدي مأدبة نسائية.. أدعو جاراتي العربيات إليها يوم السبت عادة " ..
وبعدها استقلت الفتاة و الشاب المصعد،فصعد الزئبق والحرباء على سلم العمارة بخطوات حذرة وقبل الطابق الرابع، توقفا فجأة واستندا إلى الجدار، فقد كانت الفتاة تتلفت إلى أعلى وأسفل السلم لتتأكد من أن أحدا من جيرانها لم يرها وهي تصطحب شابا لشقتها وما إن دخلت الفتاة بصحبة رفيقها إلى الشقة وخلا الطريق وقف الزئبق والحرباء بالطابق الرابع أمام شقتها يسترقان السمع ولكنهما لم يسمعا شيئا إلا أن الحرباء فجأة كادت تسقط من الضحك وهي تنظر إلى باب الشقة المواجهة لشقة الفتاة، فقد كان باب الشقة مفتوحا، فما كان من الحرباء إلا أن دفعته بإصبع يدها لينفتح على مصراعيه وراحت تضحك و تهمس للزئبق؛ "لابد و أن ساكنة هذه الشقة سكرى لتترك بابها مفتوحا هكذا ولكنها أحسنت صنعا ويسرت لي الأمر .. ما أرقها من فتاة! "
دخلت كاميليون الشقة و باءت محاولات الزئبق بالفشل إذ لم يستطع سماع حديثهما معا، فلحق من فوره بالحرباء ليجدها تقف بغرفة النوم وفي يدها ساعة موريس، فابتسم قائلا لها: "يبدو أن غزالتي قد وجدت صيدا ثمينا بهذه السرعة.”
- أبدا.. ليست إلا ساعة ثمينة ولكني أكره الساعات، فدقاتها السخيفة تصيبني بالقلق وتذكرني بجريان عمري و تسلله مسرعا من بين يدي.. ألا تعلم يا عزيزي أن المرأة والزمن خصمان لدودان ؟.
ضحك الزئبق وهو يمسك في يده هاتف جوالٍ على شاشته مكالمة غير مستلمة (ميسد كول) باسم "رشودي الدفش "فانطلقت الحرباء ضاحكة وهي تقرأ هذا الاسم و تقول؛" ألم أقل لك إن صاحبة هذه الشقة سكرى.. ها هي قد نسيت هاتفها أيضا" ثم أغلقت الهاتف حتى لا يلفت رنينه النظر فينفضح وجودهما بالشقة.
فجأة توقفت الحرباء عن كلماتها المرحة وتغيرت ملامحها الجميلة لتحل محلها ملامح الشيطان ذو الوجه الدميم ثم تقدمت إلى طاولة بجوار السرير ، أمسكت في يدها كتابا كان على المنضدة تفكر بأنها رواية، قرأت عنوانها بصوت مسموع، فخرجت الكلمات على
لسانها و كأنها تتقيأ حروفها قيئا ثم أمسكت بقلم أحمر شفاه من على منضدة الزينة وكادت تلطخ به عنوان الرواية "عائد إلى حيفا" لولا أن الزئبق أمسك يدها في اللحظة الأخيرة.
- ماذا تفعلين كاميليون؟ لماذا تغيرتِ هكذا؟ أفقدت عقلك وسيطرتك؟ ما لك حبيبتي؟ لا يجب أن نترك أي أثر خلفنا؟
- آسفة ميركري، لم أتحمل هذا العنوان السخيف، فأردت أن أمحوه و أكتب لهذا الكنفاني الأحمق عنوانا آخر " أبدا لن تعود "

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


تجاوزت سارة سخرية راشد لتسأل (هل تحاسب على جرأتها في طرح رأيها؟ ألا يوجد مساحة من الحرية في التعبير أبدا؟)
رد نبيه (في بلادنا الحرية مقننة، ليس لدينا مشعل كالذي يحمله تمثال الحرية، تربينا على أن النار تحرق أصابع من يعبث بها .(
ربت على كتفه إياد وهو يقف (نعم " لا تلعب بالنار فتحرق أصابعك") ضحك الجميع وانفضوا من حول المائدة يجمعون الأطباق فتدخلت سارة محاولة المشاركة معهم، فأخذها نبيه من يديها يهتف ببسمة مرحة:
-ليهتم أحدكم بهذه السيدة، تريد أن تحمل الأطباق بينما نقف نحن الستة رجال هكذا، هل تريدين أن تكتبي عنا مقالا لاذعا غدا على أولى صفحات جريدتك سارة جوزيف "العرب الهمج يأكلون وصديقتهم الأمريكية تغسل الأطباق ".
كان المطبخ مفتوحا على بقية الشقة حيث وضع راشد الأطباق في غسالة الصحون ضاحكا يعلق : -ليتك تعلم يا أستاذي بأن هؤلاء النسوة لا يجدي معهن التدليل بل يفسدهن أكثر.
فقل عمرو مؤيدا له : - فيبدأن في محاصرتك وتكثر طلباتهن واحتجاجاتهن، لذا يجب أن نطبق معهن نظام العسكر .
شاركهما إياد :- يا إلهي عندما يتحسرن على أيام شبابهن وأننا سلبنا حريتهن ويحاولن الثورة علينا.
وعندما تحدث علي كان حزينا: - عندها لا تجد نفسك إلا ضائعا مع ضياعهن، متقلبات داخلهن، صراع لا ينتهي.
اعتلى مازن الأريكة التي يجلس عليها ليحيط فمه بكفيه في محاولة لجعل صوته أعلى، وعلى قسماته ارتسمت كل معالم الجدية:-يا رفاق رفقا بالقوارير!" وعاد ليجلس بمرح، يسأل نبيه :- ما رأيك في هؤلاء الرجال ؟
ابتسم نبيه بينما يجيبه؛ "من الأفضل لهم يا صديقي أن ينظروا لأنفسهم ويجدوا طريقة أفضل يتعاملون بها معهن، الواضح لي بأنهم يعيشون دكتاتورية يحتاجون لاصطلاح حياتهم والتجديد فيها وإلا فالطرف الآخر سيبدأ بالتحرر منهم، فأنتم كما قال روسو في كتابه العقد الاجتماعي (أصبحتم كالحكام ذئاباً، و زوجاتكم كالغنم)، ضعوا قوانين ولا تكونوا أنتم القوانين.
يستمر هو.. وتندهش هي..


***************************************



انتهت الحلقة الثانية

قراءة ممتعة

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


العقد الفريد



بعد أن توقفت طرقات الباب العنيفة، بدأ النعاس يداعب عيون هذه الفتاة الحزينة التي تدعى لين وهي ملقاة بملابسها على السرير ، وكأن النعاس تسرب من عيونها وبدأ يتقاطر من فوق الفراش لأسفله ليسقط في عيون الحرباء التي بدأت تتثاءب تحت مخدع الفتاة بينما يضع الزئبق كف يده على فمها حتى لا تصدر صوتا.
كانت الحرباء تشعر بتعب شديد، فقد استيقظت منذ الرابعة فجرا ولم تنل أي قسط من الراحة، فراح النعاس يطرق جفنيها بقوة حاولت مقاومتها ولكنه كان ذو سطوة وغلبة على يقظتها، فأغمضت عينيها بعد أن جعلت من ذراعها وسادة لرأسها وسرعان ما كانت تغط في نوم عميق .
نامتا الفتاتان وما زال الزئبق يقظا ينظر الى جميلته التي تغفو بجواره تحت السرير ، فابتسم متعجبا من هدوءها ولامبالاتها.. كيف تنام وهي في هذا الموقف العصيب؟ ولكن لا عجب ..إنها الحرباء .. المغامرة الجريئة فريدة عصرها حُسنا وجرأة.
رفع الزئبق رأسها برفق ووضع ذراعه تحت رأسها وضمها إلى صدره ليحتويها في حضنه، ليس عشقا وهياما بسحرها الذي فاق الخيال ولكن خوفا من أن تتقلب أو تتمطى وتتأوه في نومها كعادتها فتفضح وجودهما.
استمرا على هذا الحال وقتا من الزمن حتى سمع الزئبق صوت انفتاح القفل ليدخل إلى الغرفة شاب يتسلل برفق نحو مخدع الفتاة وفي يده "مفك صغير" . ابتسم الزئبق وهو يرى صاحب الشقة يسلك مسالك اللصوص في فتح الأبواب وكتم أنفاسه وأنفاس الحرباء النائمة بجواره بينما يسمع همسات العتاب بين الزوجين وإن هي إلا لحظات معدودة حتى خرج الزوجان من الغرفة ليجدها الزئبق فرصة مناسبة ليخرج من مخبأه، لكنه سرعان ما عاد إليه مرة أخرى بعد أن وجد الزوجين على مقربة منه في المطبخ، وأيقظ الحرباء التي كانت تفتح عيونها بصعوبة وهي تدفعه بعيدا عنها لتستكمل نومها وكأنها تنام في فراشها.
وكم كانت الأقدار رفيقة بحال اللصين، فلم يمض وقتا طويلا حتى عادت الفتاة لغرفتها تستبدل ثيابها وتتزين بينما الزئبق يراقب قدميها وبعضا من ساقيها من تحت السرير ، فانتبهت الحرباء وقد طار النوم واستبدلت النعاس في عينيها بنظرة تحذير للزئبق ثم وضعت يديها على عينيه حتى لا يرى الفتاة وهي تستبدل ثيابها.
بعد قليل ساد السكون في الشقة معلنا خلوها من أصحابها، وكانت الساعة قد تخطت الخامسة مساءا بقليل، فخرج اللصان من مخبأهما ليغادرا ولكن عند الباب نظر الزئبق من العين السحرية ليجد صاحبة الشقة لين تقف مع الفتاة الأخرى صاحبة الضحكة الرقيعةتتهامسان أمام باب الشقة المواجهة، وما إن دخلتا الشقة بعد أن طرقا بابها حتى انتظر اللصان بعضا من الوقت وهما يتابعان عددا من ساكنات العمارة يدخلن إلى الشقة المواجهة وحين هدأت حركة السكان على سلم العمارة، أسرع الزئبق والحرباء بالخروج من شقة لين.
وبينما هما على السلم أمام المصعد ليغادرا العمارةقالت الحرباء للزئبق؛" أنا لن أغادر العمارة الآن! اذهب أنت! فأنا استرحت بما فيه الكفاية ولن أخرج خالية الوفاض بعد هذا اليوم الطويل، يبدو أن نساء العمارة ضيفات على هذه الشقة وبعض من رجالها خرجوا، هذه فرصة لا أضمن أن تتاح لي مرة أخرى لأدمر هذا العربي الذي يصفونه بعبقري هندسة المعمار ،اذهب يا حبيبي!.. أنت لم تسترح منذ عودتك من السفر وسوف ألحق بك سريعا". كان التعب قد بدأ يدب في أوصال الزئبق، فوافقها بسرعة وهبط هو بالمصعد ليغادر العمارة بينما صعدت هي السلم إلى الطابق الخامس، فقد كانت الحرباء تعرف مسكن خالد سعد الذي أخذته من ريتشارد.
حقا أميرة للصوص هي، فلم يصمد باب شقة خالد سعد أمامها أكثر من ثلاث دقائق حتى انفتح على مصراعيه وكأنها سحرت الباب بلمسة من يديها وكأن الباب يقول لها؛
" شبيك لبيك يا فاتنة الدنيا وحسناء الزمان .”
دخلت الشقة وبدأت تبحث في كل ركن فيها على ذاكرة التخزين، بحثت في أدراج المكاتب والزوايا والأركان والحقائب حتى وجدت الخزنة في الدولاب ليخضع باب الخزنة لسحر لمستها كما خضع باب الشقة ولكنها شعرت بخيبة الأمل، فلم تجد ذاكرة التخزين (الفلاش ميموري) كما لم تجد شيئا ذو قيمة لتسرقه وظلت تبحث وتبحث حتى فقدت الأمل وهمت بأن تغادر الشقة لولا أنها شعرت بالجوع، فهي لم تأكل منذ أن التهمت ورق العنب عند الفجر بشقة الدور السادس، فتوجهت إلى المطبخ لعلها تجد أكلة عربية طيبة المذاق كي تلتهمها قبل مغادرتها للشقة .

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:04


سارة جوزيف



عجوز وسيم وفنجان من القهوة في صحبة رجال النسوة العربيات، تبتسم سارة إعلانا لقبولها الدعوة الأكثر إغراء من اجتماع ريتشيل بينما الضجيج من شقة أستاذ نبيه لم يكن أعلى من صوت عقلها (مفتاح مجلس النون في شقة نبيه) نثرت خصلات شعرها الكستنائي، وما هي إلا دقائق وذابت مع فنجان القهوة كل الحواجز، فهذا راشد مستريحا في جلسته بعد اتصال هاتفي مع خالد يسأله عن أسعد بينما نبيه يخرج من غرفته بعد أن تفقد أشرف مبتسما وعمرو يقلب كفيه ويسأل راشد عن خالد وابنه، فرد راشد مبتسما- الصغير بخير ولكن المستشفى لديه إجراءات طويلة ولكن ما سيصيبني بالجنون هو هذا الخالد الذي يرفض أن يخبر زوجته بما حل بابنهما .
هزّ عمرو رأسه مؤيدا : قراره صائب إنها أم ستجزع إن علمت عن صغيرها وستربك زوجها أكثر .
رد راشد معترضا:-لأنها أمه ستعرف كيف تعتني به .
لبس عمرو نظارته الطبية بعد أن مسحها وتحدث بعاطفة: -وهو أب يعرف كيف يعتني بصغيره .
قال نبيه ليبدد جو التوتر؛ " أنت تعلم يا ابن رئيسة.
ضحكت سارة وسألت عمرو : -اسم أمك رئيسة؟
فهز رأسه مبتسما :-أمي رئيسة وزوجتي رئيسة وابنتي كبيرة الرئيسات.
تعالت الضحكات من جديد، فأكمل عنه إياد:- عندما تتعرف إليك لا تكتفي باسمك بل تريده كاملا
كذلك اسم والدتك حتى تعرف؛ وقال بلكنة مصرية؛ إنت ابن مين بابا؟ ابن رئيسة "
أنهى نبيه النقاش قائلا :-هذا دليل على ذكائها .
فابتسمت سارة تعلق :-لا يوجد امرأة غبية.
نقلت نظرها بينهم لتجد الرجال الأربعة ينظرون أليها بتركيز، فأكملت : -ليست نرجسية مني كامرأة ولكنها حقيقة يجب أن يدركها الرجال ثم قد قيل (أن كيدهن عظيم ) والكيد من الذكاء، كما أنها أكثر حبا للابتكار من الرجل وتسعى دائما لكل جديد .
فوجئت برد إياد ساخرا: -نعم أعرف إحداهن لا يتعدى حيز ذكائها باب المطبخ، وإن أرادت أن تتطور وتبحث عن جديد تسألني "هل يباع السفرجل في لندن؟.
بعد كلمته هذه دخل مازن وعلي، رحب الجميع بهما بينما يسكب لهما نبيه فنجان القهوة، فتحدث مازن
مازحا: - لمَ لم تخبرني أستاذ نبيه أن لديك كوكتيلا آخر من الجاذبية بينما أنا أتحصر على لقاء النسوة
عند فتاتك الساحرة؟
ضحكت سارة وبدلال سألت مازن :- هل اعتبر هذا غزلا صريح؟
رد عليها غامزا بعينه : -وهل تشكين بجاذبيتك يا ناعسة العينين، يا كستنائية الشعر ؟ أظن أنك لم تحظي هذه الليلة بأي كلمة جميلة سوى مني ولكن اعذري هؤلاء الرجال عديمي الإحساس وضعيفي النظر، لا يقدرون جمال الهجين العربي الأمريكي المدمر.
قالت بابتسامة :- سأعتبر كل ما قلته مزحة، فأنا لا أقبل الغزل من شاب وسيم يصغرني بعشرة أعوام، أنت تغويني لأقع في غرامك عندها تحمل ما سيحدث، ربما أختطفك.
ضحك الجميع على وجه مازن المحمر خجلا فقال نبيه له:- أنا وأنت فقط يا صديقي، فقط من بين هؤلاء الرجال بلا قيود.. فليخطف أحدنا هذه الحسناء.
ضحكت سارة على تعليق راشد مهددا:
-عازبا العمارة.. لم أر أحدا مثلكما يقدس عزوبيته فلا تكثرا الحديث حول الارتباط، ستندمان كثيرا لأن حياتكما ستتحول لجحيم.. فداخل كل امرأة فتاة مراهقة رومانسية تدخلك أكواخا من القصص الخيالية وتحلم بأنها تثرثر مع جنيات كالفر اشات الملونة.
أكمل عمرو : -وداخلها كذلك جنون بلا حدود، فتجدها أحيانا على غير عادتها، تارة تعيدك لصباك و تارة تواري عنك عقلك المتزن عندما تعلم بأنها تتعلم الضحكة وخصوصا الضحكة الرقيعة.
قال إياد : -وبين هذه وتلك تجد من لا جديد لديها، صباح الخير كمساء الخير وأخرى تتورط معها أكثر.
صوت جرس الشقة قطع حديثهم ليعود نبيه بكراتين مصفوفة من البيتزا تناولها منه راشد وإياد، فقال مازن وهو يرتب الأطباق على مائدة نبيه الخشبية : -لا تخشون علي عندما أود أن أتزوج فعلا سأستفيد من علي .. لدي نموذج للحياة الزوجية السعيدة.
ضحك علي على سخرية مازن : -بل أؤكد للجميع بانه لن يتزوج مادام يسمع حديثكم هذا !
تشعب الحديث ليأخذ أكثر من اتجاه الاقتصاد والسياسة، كانا المحور، فهؤلاء العرب يعشقون الحديث عن (رغيف الخبز والديمقراطية) ولم يستوعبوا بعد أن بيئتهم غير حاضنة للديمقراطية التي من خلالها يمكن أن تقطع يد الفاسد الذي يسرق قطعة الخبز .
فقال إياد بألم (وحتى عندما نكون خارج الوطن ونحاول أن نكشف حقيقة هؤلاء تجدهم يطاردونك) .
سأله نبيه: ماذا هناك؟
تنهيدة سبقت كلماته (ياسر.. يعاني من تهور زوجته الأندلسية المجنونة..)
فعلق مازن؛ منذ عودته من المغرب، لم أره!
رد إياد (تحدثنا بالأمس كان مهموما، واليوم صباحا شاهدت زوجته تشع حيوية بينما بالأمس كان مهموما من تهورها ويقلقه مستقبل عائلته ..)
تدخل عمرو (مطاردة السياسيين لا تجلب سوى وجع الرأس).
تحدثت سارة مشاركة( هل مونيا صحافية؟)
رد مازن (وناشطة حقوقية ومصورة فوتوغرافية و ربما شي آخر أجهله، إنها دينامو من النشاط) .
ضحك راشد (وتمارس بعض هوايتها على جاراتها.. تصور وجوهن وتصور لهن وجهاتهن.)

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:01


السرقة

بدأت الحياة تدب في الشارع مع شروق شمس السبت الكسلى، شمسٌ بلا دفء، باردة كبرود الإنجليز تاركة الشوارع فريسة سهلة للضباب، فراحت أوصال الأرصفة والسطوح و النوافذ ترتعش من هواء يخفي المُدى و خناجر الصقيع خلف ظهره بينما كانت السماء تبصق رضابها الجليدي على هذه المدينة احتقارا لماضيها الذى أتعس الإنسانية أمداً طويلاً.
هكذا كان يراها كل يوم هذا الرجل الأشيب الوقور ذو النظارة السميكة والذى يقف بنافذته بالطابق الأرضي كل صباح يتابع في صمت حركة الحياة وهي تحبو ثم تدب خطواتها الأولى في الشارع، فقد كان ذلك عهده كل صباح.
أما اليوم فلم تكن عيونه ترقب الحياه و حركتها بل كان شارداً يعبث في ذقنه بمغلف بني اللون و عيناه تتفرسان في وجه هذه الفتاه التي تقف بالقرب من صندوق البريد عند باب العمارة تتلفت حولها ثم لم يلبث أن انضم إليها شاب سميدعيْ الطول، ليضع ذراعه حول خصرها و يمشيان على مهل حتى تخطيا الشارع إلى الجانب الآخر ثم جلسا يحتسيان الجعة في ذلك البار المواجه للعمارة.
همست وهي ترتشف من كأس جعتها " لماذا تأخرت هكذا ميركري ". فأجابها وهو يضحك و يقص عليها قصة هذه الحسناء التي كانت تعلم نفسها كيف تتمايل و كيف تضحك ضحكة إغراء رقيعة تسرق بها القلوب لتشارك الحرباء على عرش اللصوصية.
ثم التفت الي الحرباء و هو يغمز لها بعينه قائلاً "يبدو يا عزيزتي كلكن لصوص". فأجابته الحرباء حانقة " و بالطبع أعجبك تمايلها و ضحكاتها" فنظر إليها وهو يتكلم بجد قائلاً :
"نعم أعجبني و لابد أن يعجبني رؤية أثر ثقافتنا وهي تلقى رداءها على أرواح هؤلاء العرب، ها هي هذه المرأة تبدأ أول خطواتها لتكون مثلنا، تفعل هذا بمنزلها اليوم و غداً في الشارع، المهم إنها أدركت و اقتنعت بأن قدرتها على الإقناع تكمن في مفاتنها لا في عقلها."
فقاطعته الحرباء قبل أن يكمل وجهة نظره و هي تقول؛ " لا! أنا أعلم بهؤلاء العرب منك، إن المرأة العربية كأي امرأه، تعلم أن لأنوثتها تأثير لا يقاوم و لكنها في ذات الوقت تعلم متى ولمن تشهر هذا السلاح، فلا تعول كثيراً على نظريتك هذه في تغيُر هؤلاء القوم هنا." قطب الزئبق جبينه و طرح على الحرباء سؤالاً و كأنه تذكره الآن: "كاميليون، أتصدقين أني لا أعرف موطنك و لا أعرف جنسيتك الحقيقية إلى الآن؟ منذ أن التقيت بكِ و أنت تهربين على حدود ألمانيا و أحببتك من النظرة الأولى ثم تزوجنا و منذ ذلك الحين و أنا أنوى أن أسألك عن وطنك و لكن في كل مرة أنسى.
راحت الحرباء تضحك بمكر ثم قالت ؛ " ما أبدعك عزيزي ميركري، بعد هذه السنوات تسأل عن وطني، أنا ما تزوجتك إلا ليكون لي وطن، أنت وطني، أتظن حقاً أن زواجنا جاء عن هذه المشاعر الحمقاء التي يسمونها البـُلهاء "حباً"؟ زواجنا يا عزيزي كان زواج مصلحة لي و لك، أنت لتوفر لي الوطن وأنا لأعينك على تنفيذ سرقاتك التي لا تنتهي، هذا هو الرباط المقدس الذي يبقى، يموت الحب ولا تفنى المصالح، أنا أتعجب من العر ب سكان هذه العمارة لهم أوطان ويهجرونها، هم لا يستحقونها يا ميركري، أليس كذلك؟ نحن فقط من نعرف قيمة الوطن ونسعى إليه.
- نعم صدقتي كاميليون، هؤلاء العرب لديهم ما لا يستحقونه، لديهم ثروات لا يجب أن تكون في أيدى حمقى أمثالهم، إنهم عالة على كوكبنا يستنفذون بعضاً من موارده دون فائدة.
ثم قطع الزئبق حديثه فجأة و انتبه إلى باب العمارة الذي خرج منه شاب وسيم في يده طفلة بزيها المدرسي ليقف معها هناك في انتظار الباص بينما مرت من أمامه مونيا تحمل طفلاً وألقت على الشاب التحية ثم فتحت الباب الخلفي لسيارة أنيقة رباعية الدفع بينما راحت أعين الشاب تختلس النظر إلى ساقيها و هي منحنية توثق طفلها بالمقعد الخلفي، أما الطفلة فقد كانت تنظر إلى أبيها و تهز يده كي ينتبه إلى الباص الذي وصل ولكنه كان شارداً بخياله و عيناه شاردتان تمرحان على قوام مونيا و لم يفق حتى وكزته ابنته بقدمها غاضبة في قصبة رجله ليذهب بها إلي باب الباص في اللحظة التي انطلقت فيها مونيا بسيارتها.
في اللحظة التي وكزت الطفلة أباها وكزت الحرباء بكوعها الزئبق وهي تسأله:
- لماذا تنظر إلى هذه الفتاه هكذا؟ أأعجبتك؟
- ألم تعرفيها!؟ إنها ضالتي مونيا، أنا لم أكن أنظر إليها بل كنت أتابع نظرات هذا الشاب الذي ينظر إليها و ابنته.
- نعم عرفت إنها مونيا، أنسيت أني رأيت صورتها، ألا تعرف أنت هذا الشاب؟
- لا، لا أعرفه، أظنه من أولئك العرب الذين تركوا بلادهم ليتزايدوا كالجراد في أوروبا.
- نعم هو عربي وزوج المرأة التي تجيد الطهو و التي أفطرت اليوم عندها، لقد أنهيت إفطاري و تجولت في شقتهم التي تشبه المتحف و هم نائمون، فرأيته و رأيتها.
- يبدو أن زوجته ليست جميلة، فقد كادت عيناه تخرج لتتدحرج على سيقان مونيا.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:01


اقترب من العمارة وتلفت حوله و وقف إلى الجهة الخلفية من العمارة، بيده خيطاً رفيعاً آخره هلبٌ مُثبّت بفوهة مسدس كبير أخرجه من حقيبته ثم أطلقه حتى استقر الهلب الصغير بحافة الجدار و برشاقة القرود تسلق الخيط حتى بلغ السطح. استراح قليلاً و تأكد من أن أحداً لم يلمحه ثم راح بعدها يتدلى بخفة من جديد بعد أن جعل الخيط يواجه النوافذ الخلفية و لما واجه أول نافذة لمطبخ الشقة التي تحت السطح، تعجب لكونها مفتوحة، فولجها مسرعاً ينوي الخروج من بابها الرئيسي إلى سُلم العمارة الأمامي .
دخل مطبخ الشقة بالدور السادس و الغارق في الظلام، يفكر بأن قاطنيها غارقون في نومٍ عميق.. لذا أختار هذا الموعد الذي يفضله كل اللصوص، فساعات ما قبل الفجر أكثر لحظات النوم استغراقا في العيون. همّ بالخروج من المطبخ إلى الصالة ليخرج من باب الشقة متوجهاً إلى مسكن مونيالكن فجأة سمع صوت أقدام كحفيف الشجر تقبل نحوه من الصالة، فسارع بالاختفاء خلف ستائر النافذة بسرعة و كتم أنفاسه وما هي إلا دقيقه حتى لمح من خلف الستائر ربة المنزل تدخل المطبخ بثيابها السوداء.
وقف مختبئاً يتعجب من سلوكها، تمشي على أطراف أصابعها بخطوات لا تترك صوتاً و كأنها تسير في الهواء، لم تضئ مصباح المطبخ و لكنها راحت تحوم في المطبخ على هدى ضوءٍ خافت ينبعث من مصباح (بطاريه) في يدها. فتحت باب الثلاجة ثم احدى الأواني فإذا به يسمع شهقتها ثم صوت وضعها الإناء على الأرض و بدأت تلتهم ما به من طعام.
هنا فقط ابتسم الزئبق، فهذه ليست ربة المنزل، إنها لصة! خرج دون صوت من خلف الستارة ووقف خلفها و هي منهمكة في التهام الطعام فلم تشعر به.
كانت كلتا يداها مليئتان بمحشو ورق العنب و خديها منتفختان بما حشته في فمها مره واحده بملفوف ورق العنب المحشو باللحم و الأرز المتبل، تزوم استمتاعاُ بطعمه. فضحك وهو يقول همساً: كاميليون. ماذا تفعلين هنا!؟
كانت المفاجأة مفزعة لها و هي تجلس على الأرض و الإناء بحضنها و الأرز يتناثر من فمها المنقوع بالزيوت و لكنها تنفست الصعداء عندما رأت وجهه على ضوء المصباح وقالت له هامسة؛ اجلس.. اجلس!؛ فهذا أشهى طعام تذوقته في حياتي.
سارعها قائلاً؛
- ماذا تفعلين هنا؟
- تعلم أني خرجت دون أن أتناول إفطاري.
- و هل دخلت هذه الشقة لتناول الإفطار؟ ألهذا غادرتِ شقتنا قبل الفجر!!؟
- لا، أنا جئت أقصد ذاكرة تخزين في الشقة التي تحتنا، فدخلت من شباك مطبخ هذه الشقة المفتوح، مجرد طريق و لكني وجدت فيها أشياء سال لها لعابي، فقررت تأجيل شقة الطابق الخامس إلى المساء و لكن قل لي!.. مالذي أتى بك هنا!؟ أكنت تتبعني ظناً منك أني خرجت لخيانتك!؟ فالخائن مثلك يا قتيل مونيا يرى كل الناس خائنون.
- مونيا تقيم في هذه العمارة يا حبيبتي. أظنها بالطابق الثالث، لقد ظلمتني و ظلمتها، هيا بنا قبل أن يستيقظ ساكني الشقة.
- لا، اذهب أنت! فلن أغادر هذا المطبخ قبل أن أنتهى من إفطاري اللذيذ.
ابتسم لها و هو يعقب؛ ستبقى الحرباء هي الحرباء ثم تركها مع وجبتها و غادر الشقة من بابها الرئيسي و أغلق الباب خلفه في هدوء.
هبط السلم بخفة حتى بلغ الطابق الثالث، وقف و هو يتلفت يميناً و يساراً يتساءل أي الشقتين تقيم فيها حسناء المتوسط مونيا؟ كان الوقت يمر بسرعة، فمد يده إلى باب إحدى الشقتين و عالج الباب بأداة كانت معه ثم دخل الشقة مسرعاً.
مشي بخفه في الصالة، فجأة.. سمع صوت غناء يأتيه من إحدى الغرف "يا صباح الخير ياللي معانا. ياللي معانا. الكروان غنى وصحانا، وصحانا" ثم أحس بخطوات صاحبة الصوت تتوجه ناحيته، فأسرع يختبئ مرة أخرى خلف إحدى ستائر الصالة يحاول كتم ضحكاته و هو يتابع حركات سيدة الشقة. إنها ليست مونيا التي يحمل صورتها، هي سيدة أخرى جميله و رشيقة القوام كفرعِ بان مال مع الهوى، تُعلم الأغصان التمايل بمشيتها وتعلم البلابل الغناء بترنيمها و لكنه لم يلتفت كثيراً إلى جمالها، فقد كان يحاول كتم ضحكاته يفكر بأنها امرأه غريبة الأطوار، تتابعها طفله تتحدث معها كأنها عجوز، الطفلة أكثر غرابة من أمها فكر مجددا خلف الستارة يتابع و يكتم أنفاس ضحكاته بيده، فقد وجدها فجأة تقف في منتصف الصالة تكف عن الغناء ثم تطيح بخصرها تتمايل مع شعرها الفاحم ثم تضحك وتحدث نفسها. هأ هأ هأ هأ! لا، هذه ليست رقيعه.. هئ هئ هئ هئ. امممممم و لا هذه .
ثم عادت للغناء و توجهت إلى المطبخ ليجدها الزئبق فرصة مناسبه ليخرج من الشقة مسرعاً و لكنه أضطر للعودة داخل الشقة من جديد.. إذ شعر بصوت باب يُوصد في الشقة التي تعلوه و تهبط السلم فتاه ترتدي ثيابا رياضية، يبدو أنها تتجه الي الشارع لتمارس الجري. انتظر حتى تأكد من نزولها و تخطيها الدور الثالث ثم تبعها ينزل السلم ليغادر العمارة بعد أن بدأ سكانها في الاستيقاظ.
خرج ليجد الحرباء قد سبقته تقف بجوار أحد صناديق البريد عند مدخل العمارة.
********************

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:01


لقاء الزئبق والحرباء

لم تكن قد مرت الساعتان منذ أن قرعت أجراس بيج بن معلنةً نهاية يوم الجمعة و ميلاد يوم السَبُوت، ليدخل مسيو ميركري شقته المطلة على خليج دوغلاس.. كان عائداً من المطار كمن يمتطي جواد الشوق الجامح بعد أن غاب أياماً وأيام عن بستان الأنوثة الذي اعتاد أن يسكر بخمر ثماره ويغفو بظل أشجاره و يسبح بشلالات عذوبته، إنها زوجته. هذا الحضن الذي احتواه، فكانت حريته و سجنه، انطلاقه و سكونه، شريكه و منافسه، كانت له الشيء و ضده، كانت كل الأشياء.
هي المرأة التي تسرقه من ذاته وتعيده إليها كل ليلة و هو راضٍ بكل ما تفعله، خاضعٌ لذاك البريق اللؤلؤي المشرق من عينيها، العيون التي تبدأ عندها الحياه و عندها تنتهي. مستسلمٌ لهذه الشفاه التي تـُـقبلها نظرات العيون، فتنتشي بها أرواح الناظرين.
دخل شقته، شقة يظنها الزائر أنها متحفٌ لكنوز التاريخ وألقى معطفه والحقيبة على الأريكة و أسرع ملهوفاً إلى غرفة نومها. وقف بجوارها و هي نائمة و في حضنها تنام كل أحلام البشر. تصمت الدنيا حولها كي لا تـُعكر صفو غفوتها و يـَلـُف الضباب نوافذ غرفتها بديلاً عن الستائر ليخفيها غيرةً من عيون النجوم التي تتلصص عليها من خلف النوافذ.
خلع حذاءه و تسلل بجوارها تحت الغطاء كعاشق تسلل من صفحة رواية إلى سريرها، كالراعي عازف الناي الذي تسلل فوق جدار بستان الملك لترتشف عيناه رشفة من كأس السحر، من عيون ابنته ست الحسن في ألف ليله وليله. وضع رأسه على الوسادة بجوار رأسها وكتم أنفاسه كي لا تـُـقبل وجنتيها.
لازالت هي نائمة، مغمضة العينين.. لمس شفتيها بشفتيه، فابتسمت و هي نائمة ليهمس و هو مغمض العينين؛ هل تأخرت عن هذا الجمال الناعس في دُنيا الخيال؟؛ لم تُجِبه ولكنها أحاطت عنقه بذراعيها وهي نائمة، تهمس كمن تُجيبه من هناك، من منتصف الحلم الوردي؛ لا، لم تتأخر لأنك لم تغب؛ صمتت و صمت هو و صمتت معهم الأرض و ما عليها.
لم يكن هذا الصمت إلا بداية العاصفة الوشيكة، فبعد دقائق راحت تمد ذراعيها تتمطى كالهرة السيامي في دلال ثم غادرت الفراش قبل أن تغادر الشمس مخدعها و قبل أن يتنهد الفجر تنهيدة الصباح، فقد كانت الساعة تشير إلى الرابعة عندما قامت الزوجة لتغتسل و ترتدي زيها الأسود الذي لا يزيد عن بنطلون و تيشيرت.. و راحت تعد حقيبتها وتلبس قفازاتها الجلدية و لكنها كعادة كل نساء الدنيا؛ قبل خروجها؛ فتشت جيوب معطفه الملقى على الأريكة لتقف بعدها و قد تحولت القطة الرقيقة إلى نمرٍ شرس و هي تمسك في يدها صورةً لفتاة. أخذت الصورة و عادت بها إلى غرفة النوم ثم قفزت لتجلس على صدره، تكتم أنفاسه بركبتيها و تصرخ فيه بغضب؛ قم! استيقظ! فقد حانت ساعة رحيلك عن الدنيا الآن!
فتح عينيه يجيبها وهي تجلس على صدره و كأنها تمتطي جواداً؛ هل أقبل عزرائيل؟ الآن!؟ أليس الوقت مبكراً!؟؛ صرخت فيه غاضبة و هي تفرك الصورة على أنفه و عينيه؛ من هذه أيها الخائن المخادع؟ أجب قبل أن أزهق روحك.
- هذه مونيا.
- ومن تكون هذه الموميا التي تحفظ صورتها في جيب معطفك العلوي؟ و كأنك تـُسمع صورتها نبضات قلبك؟
راح يضحك من ثورتها و هو يقول لها و على وجهه أمارات العشق والهيام؛
- أهذه موميا أيتها الكاذبة! أليست أجمل منكِ؟ هل ذهبت الغيرة من حسنها بعقلك لتقولي عن هذا السحر مومياء. انظري إلى سحر عينيها، شفتيها، خديها، وخصلاتها الغجرية التي تعبث على خدها التفاحي، سامحيني، أنا لم أحتفظ بصورتها في جوار القلب إلا بعد أن علمت أنها ليست كغيرها من النساء، إنها خـُـلقت من رحيق الزهور .
تسمعه زوجته في صمت، ما تزال تجلس على صدره و لكنها ما إن انتهى من كلماته حتى ابتسمت في خـُبث و نزلت عن صدره وهي تقول:
- لن تنال منى مغزاك، تريدني أن أحترق غيظاً؟ أليس كذلك؟ لا! لن يكون.
ثم ألقت بالصورة على وجهه و قالت في غضب حاولت إخفاءه؛ اشبع بمونياك، فالوقت يجري و لدى ما يجب أن أفعله الآن؛ ثم توجهت نحو الباب للخروج فقفز من سريره ليلحق بها يضمها إليه و يهمس لها؛
- ليس في هذه الدنيا من يمكنه سرقة روحي و فؤادي إلا تنهيدة منكِ.
- إذن! من تكون مونيا الجميلة هذه؟
- إنها صاحبة الفضل عليْ لكونها باكورة أعمالي كقاتل محترف، فقد كلفني أحدهم باغتيالها.
- سأتناساها الآن ولكن إن سمعتك تتحدث عنها مرة أخرى بهذا الهيام سأقتلها أنا نيابة عنك وستكون هي ثانية أعمالي كقاتلة بعد أن تكون أنت الباكورة.
غادرت الزوجة و بدأ هو في التهيؤ ليتوجه إلى هذه العمارة التي تقطنها ضحيته المرتقبة مونيا، ليدرس مداخلها ومخارجها و يرسم خطته لاغتيالها هذه الليلة و لم تمضِ سوى لحظات حتى كان الزئبق يسير بالشارع على قدميه، يضع يديه في جيوب معطفه و يرخي قبعته على وجهه، فالعمارة المقصودة قريبة والصمت يحتضن الشارع لا يعكر صفوه سوى بعض أنات لنسمات الفجر الرضيع.
وصل إلى العمارة ودار حولها يطالع نوافذها وشقق العمارة غارقة في الظلام.. و بعضها تسبح في ضوءِ خافت .

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


ولماذا سلبية؟!" قلت وأنا أرفع نظراتي للأعلى باستسلام " عقدة نظرية المؤامرة،" كتّف خليل ذراعيه وهو يستند بظهره للحوض بجانبي ثم قال بتأنيب مرح " إذن لماذا طبختِ هذا الطبق؟ هل تشاكسينها؟" ضحكت وأنا أجيبه " هذا واحد من الأسباب، والسبب الآخر لأن العرب بمجملهم يحبون هذا الطبق " شعرت بعينيه لا تفارقان وجهي ثم قال بصوت أجش " هل هناك المزيد؟" قلت ببشاشة وأنا أتجنب نظراته " مؤكد، إنها الحلوى، قطعة الكيك بالشكولاتة؛ لين، تلك الفتاة أعشق حالميتها الرومانسية، كما أعشق مشاكستها المحببة للنفس، أنا متأكدة من أنها تثير جنون زوجها ولكن بطريقة ايجابية طبعا " استدار جانبا وهو يحدق في عيني مباشرة، يسأل بصوت مبحوح " ماذا عن جارك؟ ذاك الرجل الذي يسكن في المبنى المجاور،كيف ترينه؟" ابتلعت ريقي وأنا أحاول اخفاء ارتباكي من قربه خلف لهجة من المرح " هل تقصد ذلك الشاب التركي الوسيم؟" أعطاني ابتسامة خلابة وهو يعقب بعيون لامعة " بداية موفقة " ضحكت لأغطي على اضطرابي المتزايد ثم قلت " حسنا، إنه وسيم لطيف وحنون " ارتجفت شفتاه وهو يجيبني " كيف تعرفين أنه حنون؟" رددت وما أزال أحاول جعل الأمر في حدود المرح " لأنه يساعد عجوزا في إيجاد قطها الهارب دون أن يمل أو يتذمر منها " خيبة أمل ظهرت على وجهه وهو يقول " فقط هذا؟!" قلت بلطف " ولأنه يساعد جارته الانجليزية في إعداد أطباق طعام غريبة عنها وكذلك في غسل الصحون" فتابع بينما يقترب مني أكثر " والانقاذ من حوادث الارتطام بالأطفال، وحمل أكياس ثقيلة " شعرت بسخافتي بينما أضحك كالبلهاء وأقول " وهذا أيضاً " اقترب جدا وهو يقول بصوت أثار قلقي كأنثى " إذن؟!" اختنقت وأنا أتساءل بغباء " إذن ماذا؟" تحرك ليقف قبالتي محتجزا إياي بين طوق ذراعيه بعد أن أسند يديه على حافة الحوض خلفي ثم قال دون اهتمام بانكماشي واحتباس أنفاسي في صدري " هل هذا كل شيء؟!" كان قلبي يقرع كالطبل ووجهي مشعا، شعرت بالخرس وأنا أحدق فيه واحساس بالحيرة الرهيبة يتملكني ثم قلت أخيرا بصوت مبحوح متردد " إنه في الثلاثين " نظراته كان جدية تماما وهو يتساءل " و..؟" رددت بصدق وخيبة واضحة " وأنا في الثالثة والثلاثين " ضيّق عينيه قليلا وهو يقول باستنكار" هل هذه مشكلة؟" هززت رأسي وأنا أقول " نعم، مشكلة بالنسبة لي " مرت لحظات ونحن نحدق ببعضنا على نفس الوضعية ليقول خليل بابتسامة قلقة حاول جعلها مرحة " ماذا إن قلت أن عمره ثلاثون سنة وتسعة أشهر هل سيغير من الأمر شيئا؟ إيجابيا طبعا!" شعرت بالتراخي فقلت مراوغة " ربما " كلمة واحدة مني جعلت نظراته تتركز على شفتي، أذناي تطنان وأنا أراقب رأسه يقترب مني ونيته واضحة حتى لطفل رضيع! لكن صوت الجرس أجفلنا معا قبل أن يصل اليّ فقلت بأنفاس متقطعة " الجرس.. يرن " تنهد بإحباط دون أن يبتعد وقال " أعرف " ثم أضاف بابتسامة " يبدو أن أولى ضيفاتك وصلت "


*************

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


كنت أمسح دموعي التي سالت من الضحك عندما تنبهت لنظرات الإعجاب التي يرمقني بها، أخيرا قال خليل وهو يستلم صحنا من يدي" وأنت؟ كيف هن جاراتك؟" ابتسمت بمرح ثم قلت " إنهن مميزات، حتى في سلبية بعضهن أجدهن مميزات" قال خليل وهو يضع الصحن مكانه بعد أن جففه " احكي لي عنهن " أملت رأسي جانبا بحركة عفوية ثم أطلقت صوتا مفكرا "امممممم " بعدها استدرت أليه لأعطيه صحنا آخر وقلت " سأبدأ بأكثرهن إثارة لفضولي، ديمة السورية " رفع حاجبيه بتساؤل وهو يتساءل " لماذا تثير فضولك؟!" هززت كتفيّ وأنا أرد " قد تبدو من الخارج امرأة مملة لا تهتم إلا ببيتها وأولادها وزوجها، نموذج لامرأة شرقية من النوع المنغلق، ولكنها ليست كذلك على الاطلاق! اشعر أن في رأسها الكثير من الافكار الخارجة عن المألوف، اختلاجات نفسية لا يعرف عنها أحد شيئا، كما أشعر أن روحها تتمرد على واقعها ولكنها تجيد لجم هذه الروح والسيطرة عليها " وضع خليل الصحن الآخر مكانه وهو يردد " فعلا تبدو مثيرة للاهتمام " قلت بجدية " مؤكد، أخشى أن تنفجر يوما بتحريض من روحها هذه " ابتسم وهو يسند يده على حافة الحوض ويستفسر " ماذا عن الأخريات؟" أعطيته شيئا آخر ليجففه وأنا أفكر ثم قلت " مونيا المغربية أحب جنونها وانطلاقتها، إنها لا تعترف بالحواجز وجريئة جدا وهذا ممتع ومنعش مع أنني لا أحب أن يكون الانسان خارج حدود السيطرة على الدوام " وقبل أن أنتظر ردا منه أضفت وأنا ابتسم بمرح " علياء مصرية، امرأة خفيفة الظل وبسيطة جدا، تحب عائلتها ولكني أشعر بأنها لا تجيد فرض سيطرتها في بيتها " أكملتُ وخليل يصغي باهتمام " مينا، هذه حكايتها حكاية " رد خليل " كيف؟!" قلت وأنا أشعر بشيء من التعاطف نحوها " هي عراقية، لديها ملامح تنقلك للبلاد القادمة منها، تشعرني دوما بأنها تحمل غضبا مكبوتا، وشعورا دائما بالرغبة في الهروب من شيء ما!" عبس خليل وهو يعقب " تبدو غريبة الأطوار " هززت رأسي نفيا وأنا أجيبه مدافعة " ليست غريبة، إنها فقط لديها طريقة معينة في حماية الذات " رد خليل بغموض " كلنا لدينا طرقا خاصة بنا " تنهدت وأنا أقول بأمل " اتمنى أن يعجبها (الفسنجون) ، صنعته خصيصا لكي يرفع معنوياتها ويقلل احساسها بالغربة " قال خليل بتساؤل " هل هي أكلة معروفة في بلادها؟" ابتسمت وأنا أجيبه " نعم، هذا ما علمته " ثم أعطيته بعض السكاكين ليجففهم بينم أكمل " أخفهم ظلا بالنسبة لي هي خولة، إنها سعودية، ليست خفيفة ظل بالمعنى المتعارف عليه مثل علياء مثلا؛ لكن تركيبة شخصيتها هي التي تشعرك بذلك " رفع حاجبيه وهو يقول " أثرتِ فضولي! " أغلقت صنبور الماء ومددت يدي لآخذ منشفة صغيرة ثم ارتكزت بظهري على الحوض وقلت له بمرح ومشاكسة وأنا أجفف يديّ " سأخبرك، (الكبسة) التي طبخناها الآن ستثير ارتيابها! ستعتقد أن هناك مؤامرة حيكت ضدها واني كإنجليزية أريد أن أنقل رسالة معينة لها ومؤكد رسالة سلبية! " ضحك خليل وهو يضع السكاكين مكانها وقال " لا أصدق!

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


ريتشيل زينب

" خليل، كم عمرك؟"
للحظات طويلة ظننت أنه لن يجيب، اشتعل وجهي احمرارا لكني أبيتُ أن أتراجع فكتّفتُ ذراعيّ أمام صدري لأعطيه الانطباع بأني أنتظر ردا، أما خليل فكان يحدق فيَّ بنفس الغموض الذي يثير حنقي أحيانا! ابتسم ابتسامة صغيرة ثم قال " ثلاثون " خيبة الأمل قهرتني ولم أستطع اخفاءها، لم أشعر إلا وذراعاي تهبطان ببطء إلى جانبيّ لتخرج هذه التنهيدة اللعينة التي باتت تلاحقني.
عقد خليل حاجبيه الكثيفين لكنه كان يبتسم بمرح وهو يقول " كبير جدا على التبني، صحيح؟" ضحكة عالية خرجت مني بينما خليل يراقبني باستمتاع، قلت بعد أن هدأت من موجة الضحك " مؤكد لا أفكر في أن أتبناك " رسم تعبيرا لمن يشعر بالخيبة وهو يقول " هذا من سوء حظي " تنحنحتُ وأنا أدعي النظر إلى ساعتي لأقول له بعجل " لقد تأخرت جدا، ما يزال أمامي الكثير لأفعله " سِرتُ بخطوات حيوية وخليل يتبعني بأحماله الثقيلة دون مشقة، وصلت إلى المصعد قبله فالتفتُ إليه وأنا أقول له " خليل شكرا لك سأستخدم المصعد، لا داعي لتتعب نفسك أكثر." رد علي بلطف دون أن يتخلى عن حمل الأكياس " هل لديك مأدبة اليوم؟" ابتسمت وأنا أجيبه غامزة " مأدبة نسائية، أدعو جاراتي العربيات إليها يوم السبت عادة " ابتسم خليل وهو يعقب "تبدين مرتاحة لهن " ضغطتُ على زر طلب المصعد وأنا أرد عليه بصدق " جدا، إنهن مميزات وأشعر بالاستمتاع معهن " صوت وصول المصعد آذن بانتهاء محادثتنا فتحتُ باب المصعد وأسندته بظهري لأمد يدي نحو خليل حتى آخذ الاكياس منه لكنه أبعد الأكياس عن مرمى يدي وقال " دعيني أساعدك " رددت بامتنان " لا داعي، صدقني باب شقتي قريب جدا من المصعد " هز رأسه بنفي لم أفهمه ثم قال " لا أقصد بحمل الأغراض بل أقصد في التحضير للمأدبة " ارتبكت قليلا، أعترف بذلك، لكني تمكنت من قول الكلمات بابتسامة لطيفة " شكرا لعرضك السخي لكني لا أستطِع استغلالك هكذا، يكفيك العمل في المقهى." فاجأني خليل بأن دخل المصعد هو والأكياس ثم قال بإصرار " أنت لا تستغلينني أبدا، أنا أريد مساعدتك " غمز في وجهي وأنا ما أزال أشعُر بالارتباك ثم أضاف " لن تجدي أفضل من صبي مقاهٍ ليساعدك في تقشير وتقطيع البطاطا ولدي خبرة كبيرة في غسل الصحون أيضا " لم أبتعد عن باب المصعد وأنا أشعُر بالتردد يملأني، أنا لا أخشى خليل فهو شاب محترم، ولكني لا أعتقد أنها خطوة جيدة لتوطيد علاقتنا، لا تزال فكرة أني أكبره سناً تربكني، يا لها من فكرة سخيفة مؤرقة! من أدخلها في رأسي؟! أ هو أبي؟!
صوت خليل جعلني أتنبه لوقوفي الذي طال، قال لي بوجه لاح عليه بعض الجمود والكبرياء " إذا كنت لا تطمئنين لي قوليها زينب، لن تزعجيني، فهذا من حقك " تأوهت وأنا أنظر لعينيه السوداوين، فكرتُ في نفسي " لماذا عليّ أن آخذ الأمور بجدية؟! إنه مجرد صديق وصديق لطيف، إن لم أرتبط به عاطفيا فلماذا أخسر صداقته؟ وهكذا وبقرار لا رجعة فيه منحته ابتسامة واسعة وأنا أدخل المصعد معه وأقول " عليك أن تقشّر الكثير من البطاطا وتفرم الكثير من البصل " استعاد في لحظات سحره الخاص الذي يميزه، فقط عندما شع وجهه بابتسامة راضية!
***
كنّا واقفيَّن بجانب بعضنا نتساعد في غسل الصحون وباقي الأغراض التي استخدمناها بعد أن أنهينا سوية أيضا إعداد الطعام، خليل أفادني كثيرا بإعطائي بعض الملاحظات على مذاق الطعام، كان مريحا جدا ومسليا وبنفس الوقت مساعدا ثمينا، لم أتوقف عن الضحك وخليل يصف لي معاناته مع جارته العجوز وقطها الثائر دوما والذي لا يحب القيود، فيغافل صاحبته باستمرار ليخرج للشارع ولا يعود إلا عندما يجبره خليل على العودة بعد توسلات من العجوز المسكينة التي أنهكتها ملاحقة هذا القط الجامح!

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


في غَمرَةِ أفكاري، وجدتُ نفسي أعضُّ شفتِي السُفلى ككُلِ مرّةٍ أشعُر فيها بالحَرَج، يبدو أنّ أفكاري لا مَحلّ لها من الإعراب وأنا أشعُر بصَدمة وأصابِعه تسحب شَفتِي من تحتِ كمّاشَةِ أسنانه بينما يُغمِض عينَيه قائلا: "اضطُرِرتُ لتَحمُّلِ هذه الحرَكة لفِترةٍ طَويلة، تُعذّبيني بها!" إنها رَغبةٌ عَارِمة بأن أنتَقِم مِن نَفسي قبلَ غَيرِي؛ فأنا اعتدتُ هذه الحرَكة منذُ أن كنتُ صَغيرة؛ أرَدتُ أن أنطِق بذلك، لكن حرَكةَ أصابِعِه وهي تَمُرّ على ذِراعي مَقرونَةً بكَلِماتِه حالت دون تحرك لساني : "دومًا بَشرتُك دافئة، ولَونُها حَيّرني حتّى بِتُّ أوقِن أنّ الشَمسَ تَسرِق مِنكِ دفئها، تُحاوِل مجاراة لَونَ بَشرَتِك الجميل؛ لَستِ سمراء ولا بَيضاء، لَونٌ ذَهبِيٌّ خَفيفٌ يَغمُرُكِ!". خَفَقاتُ قَلبي باتَت كطُبولِ الحَربِ تَضرِب بعُنفٍ وبِدَوِيٍّ عالِ، ورُكبتاي كالهُلام لا تَحمِلان ثِقَلَ جِسمي وكأنّه شَعُر بي فأحاطَت ذِراعُه بخَصري. حركَتُه تلك زادَت الأمرَ سوءًا، ولَم أعُد أملِكُ مِن مينة شيئًا وهو يُقبِّلُني برِقّةٍ و شَوق، تُشبِه تلكَ القُبَلِ التي لا يَخجَلُ الرِّجالُ هُنا مِن إغداقِ النساء بها أمام الناس، فاستَسلَمتُ لمَشاعِري التي تَعرّفتُ عَليها مُتأخِّرَة.
رنّةُ هاتِفِه أعادَتني إلى الوَاقِع وأدرَكت أنّ المَوقِف ليسَ في صَالِحي، فابتَعدتُ بسُرعةٍ اتبَعتُها بارتداءِ عَباءَتِي وحِجابي بسُرعَة وهو يَرُدّ على مُحدِّثِه. أمسَكتُ مِقبَضَ البابِ بسُرعَة وفتَحتُه لأسمَعه يقولُ لي: "لستُ نَادِمًا ولا آسِفًا على ما حدَثَ قبلَ قَليل، وقد انتَظرتُ كَثيرًا حتّى كَرِهني الصَبر.. الحديثُ بينَنا سيكونُ طَويلاً عِندما تَعودين". أغلَقتُ الباب، واستنَدتُ عليه مِن الخارِج أهمس لنفسي (أنا النادِمة أشَدّ النَدَم). وبعدَها اتّجَهتُ للسُلّم بدلاً مِن المِصعَد، صعودًا لشَقّةِ ريتشيل في الطابقِ الرابِع؛ كَي أتمالَك نَفسي قَليلاً.


**********

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


سأترُك إخبارَ مازن بقراري لحِينِ عَودتي. اتّجَهتُ لغُرفَتي، وبدَأتُ حَملةَ التَنقيبِ عمّا سأرتديه اليوم، واتَتني اللَحظة لأكون إنسانة ثانية، وكذلك جاراتي ثيابهنّ جميلة، خُصوصًا الوافِدَة الجديدة (لين) وأنا لستُ إنسانة مُختلِفَة عنهنّ، ومِن حقّي أن أظهرَ بمَظهَرٍ أُنثَوِيٍّ جَميل. قلبتُ كثيرًا حتّى سقَطَت يدي على فُستانٍ بلَونٍ بُرتقالِيٍ غَامِق، لمَستُه بكُلِ رِقّة، وتذَكّرتُ أنّي لَم أرتَديه منذُ أن جلَبَه لي عَلِيّ، ذَوقُه جَميل، وكأنّه يَنطِق بالحياة. سأرتَديه اليَوم -و لسُخرِيَة القَدَر- دونًا عَن كُلِ الأيّام، أشعُر بخِنجَرٍ يُمزّق قَلبي.
أنهَيتُ ارتداءَ الفُستان، ونظَرتُ لنَفسي بغَرَابة! فُستان عَارِي الأكمام، وفَتحةُ الصَدرِ واسِعة نَوعًا ما، طُولُه يُلامِس رُكبتيّ، وحِزامٌ بُنِيّ يُزيّنُ الخَصر، يُحدّدُ الجَسَدَ بطَريقَةٍ جَميلة.. اليَوم، سأعِيش لنَفسِي فَقَط، سارَعتُ بوَضعِ لمساتٍ من الماكياج، سرّحتُ شَعرِي الأسود الناعم ورَفعتُ نِصفَه بمشبكٍ صغير ثم ارتدَيتُ حِذاءً بُنيّ عَاليَ الكَعبَين، ومَضيتُ بسُرعة لغُرفَةِ مازن. فتَحتُ الباب بينما أظن أنّه غَير مَوجود، لكنّه كان هُناك، يضَع بَعضَ الأوراق في الخِزنة، حالما رآني تصَنّع الدَّهشَةَ وهو يَقول: "عفوًا آنستي، يبدو أنّكِ دَخلتِ بالخَطأ إلى غُرفتي!". فعَاد يقول، وابتسامَةٌ تُزيّن وجهَه: "جميلة، وكأنّ الشمسَ أشرَقَت على بُستانِ بُرتقال، يبدو أن رؤيَة عليّ لها تأثير مُميّز". قالَها وهو يَغمِز بعَينِه (لا تَعرِف يا أخي، أنّي أدوسُ جَمرًا وألوكُ شَوكًا وأبتَسِم كَذِبًا) ادّعَيتُ الغَضَب واتّجَهتُ أيضًا للخزنة التي يحتَفِظ فيها بأوراقِ الشَرِكة المُهمّة وأنا أحتَفِظ فيها بخاتَمِ جدّتي - مُرتَبِطة بجِهازِ إنذارٍ كحالِ الشَقّة، لأن، حَسب قَولِه، ما فيها لا يخُصّه هو فقَط – أهدَته لي قبلَ سَنةٍ من سفَري، والكُل ظَنّ أنّها فعلَت ذلك لأنّي أُشبِهُها كثيرًا، لكنّها عرفَت أنّي أعشق الأشياءَ القديمة والخاتم يَعودُ للقَرنِ التاسِع عَشر، اشتراه جَدّي مِن مزادٍ في لندن وأهداه لها؛ من الغَربِ إلى الشّرق، وها هو يَعود إلى الغَربِ الضَبابِي. لابأسَ من ارتِدائه مع دِبلَةِ الخُطوبةِ التي تسكُن بِنصَرِي منذُ عقد قراننا، ورُبّما فقطَ لهذه الأيّام.
ناداني مازن، فالتفَتُّ إليه، "استمتعي بحياتِك ولا تترُكِي الماضي يسرِقك مِن حاضِرِك ومُستقبَلِك وتذَكّري أنّي مَوجودٌ دائمًا إلى جانِبِك مَهما حَدَث". أرهقَتني كَلِماتُه، فقلتُ له: "أعرِفُ ذلك، وأوقَن به بقَلبي والآن، سأتأخّر! سأُصَلّي المَغرِب، وأنطَلِق إلى نونِنا العربيّة" حيثُ أشعُر بالرّاحة وأنا أستَمتِع بحِواراتِنا رغمَ اختلافِ طِباعِنا. "لا تَنسِي أن تُسلّمِي لي على كوكتيل الأصول والجاذِبيّة ريتشيل!". قالها وهو يُمسِك قَلبَه بطَريقةٍ مَسرحيّة.
أكمَلتُ صلاتي وذَهبتُ لأُحضِر عباءَتي و حِجابي، وأنا أضَعُ هاتِفي في الحَقِيبة، سَمِعتُ صوتَ إغلاقِ الباب، فتوقعت خُروجِ مازن لأصدم برؤية عَلِيّ يَستَنِد إلى البابِ مِن الدّاخِل، ووَجهُه يَحمِل تَعابير مُضطَرِبَة، ما بينَ الغَضَبِ والتَعَبِ والشُحوب، وشَعرُه مُبَعثَر، فألجَمَتني الصَدمةُ مِن وجودِه ومَظهِره، وخَشيتُ من الآتي.
تصنّعتُ الشّجاعَةَ التي فَقدتُها كُلَها، وصَوتُ والدي يَعود ليَرِنّ بأُذُنَي مع بُكاء والدتي، فقلتُ له: "مازن خَرَج!"
ردّ بغَضَبٍ وبصَوتٍ مُخيف: "أعرِفُ ذلك، وهو يَعرِف بوجودي، وأيضًا أنتِ ذاهِبةٌ للِقاءِ جاراتِك؛ فلا داعِ لطَردِي بلُطف، لأنّي سأنتَظِرُك هُنا وهذا شيءٌ لا أقبلُ النّقاشَ فيه؛ لأن حياتَنا أصبحَت مُجرّد لُعبةٍ بينَ يدَيكِ، تتَسلّين بها دونَ أيِ اعتبارٍ لمَشاعِرِي، أو رُبّما اكتشَفتِ أن ارتباطَنا غير مُجدٍ بعدَ دِراسةٍ أجريتِها كما في عَمَلِك وامسَحي نظرةَ الذُعرِ مِن عَينَيكِ لأنّي لَن ألتَهِمك!". اتّهاماتُه مزّقَت روحي، وعقدَةُ حاجبَيه تزداد بينما عيناه أصبحتا بنَظَراتِ صَقرٍ سيَنقَضّ على فَريسَتِه في أي لحظة، لأدرك أخيرًا أنّني أقِفُ بذلك الفُستانِ أمامَه؛ فطوالَ السَنةِ والنِصف الماضية، كنتُ أرتدي كُلَ شيءٍ مُحتَشِمٍ أمامَه وأبتَعِد عنه قَدرَ الإمكان.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


سامَحَكِ اللهُ يا أمي! لِمَ لم تَرفُضِي ابنَ أُختِك، وتَحبِسيني بغُرفَتي مِثل أُمّهاتِ المَاضِي؟! كنتُ سأبكي قَليلاً -أو كَثيرًا- حتّى أمَلّ وأُعاوِد مُزاوَلَة الحَياة ثُم مَا بِها العُنوسة؟! تأمّلتُ نَفسِي بالمِرآةِ مُخفِيةً خَلفِي عَلامةَ تَعجُّبِي، فَتاةٌ مَمشوقَة وذاتَ قوامٍ رَائِع وحَاصِلَة على مَاجِستير رياض أطفال -بدون عَلامة تَعجُّب- مَا أحلى الحَياة! للَحظَةٍ شَعرتُ بنَسائمِ الحُريّة تُهَدهِد خَيالي إلى أن أطلّت آية بِجانِبي في المِرآة، بابتِسامةٍ عَريضةٍ كأنّي ألتَقِط صورةً وهي ستُشارِكَني إيّاها، بتَطوِيقِها لخَصرِي بذِراعِها الصّغير.
ارتدَيتُ مِعطَفًا أنيقًا أُخفِى به مَفاتِني ووشاحًا لرَأسي يُحاكِيه أناقَةً، فُستانِي الرّائِع سيَجِد جُمهورًا كَبيرًا مِن الفَتيات، خاصةً وقَد زَيّنتُه بِبروش (شهدزان) فلَم أُعِدْه لمُستَقَرّه في صُندوقِه الصّدَفيّ بخِزانَةِ مَلابِسي؛ كَي يُدرِكن أيَ دَلالٍ يُغرِقني به (ابنُ رَئِيسة) وقبلَ أن أخطو خارِجَ الشَقّة، وكَفُ آية مُستَقِرٌّ فِي يَدِي، جَذبتُها لأُوصِيها الوَصايا التي باتَت تَحفَظُها وتُغيظُني بتِكرارِها كَمَا فَعلَت الآن "و لَن آكُل أو أشرب شَيئًا حتّى تُشيري لِي يا أمي!"
هَممتُ بالخُروج، فجَذَبتنِي بقُوّة وهمَسَت فِي أُذُنِي بشَيء، لأهمِس لها بَعدَها:- لا يا آية، لَن يصلُح هذا مَع والدِك ولَكِن في البِداية، هَل تُشارِكيني خُطّة (سِحرِ الفِيديو كليب وتَنسِيق الثّانَوية العامّة)؟
هتفَت بحَماس: "موافِقَة، و لَكن ما مَعنى هذا؟!". ابتسَمتُ لها وقد التمَعَت الفِكرَةُ في ذِهني، وقُلتُ لها:- عندما نَعود سأُخبِرُك.
قبّلَتنِي بقُوّةٍ ثُم انطلَقَت مُسرِعَة لتَسبِقني إلى شَقّة الإنجليزيّةِ الأنيقة التي ستَستَقبِلني الآن بحَفَاوَةٍ قَائلة: "أهلاً علياء".
مينة أحمد
غسَلتُ وَجهي بالماءِ الباردِ مِرارًا و تِكرارًا، رُبّما أُحاوِلُ أن أجِد (مَنْ أنا!) بَين كُلِ رَشقَةٍ وأُخرى، لَولا لُطفِ الله لكَان ذَلك الرّجُل إما مَيتًا أو بِحالَةٍ مُزرِية، وبعدَ جرعَةِ الخَوفِ الكَبيرةِ التي تَلقّيتُها، تَبيّن أنّه مَن عبَرَ مِن مَكانٍ خَاطئ. تمَالَكتُ نَفسي وأخَذتُ نَفَسًا عَميقًا وأنا أُرَدِّد "لَن أُفسِد يَومِي المُميّز" وكأنّي ما عُدتُ لتَوّي مِن مَوعِدِ طَلَبِ طَلاق! أُراهِنُ أنّه أسرَع طَلَب! رُبّما تَسَرّعتُ فِيه، لَكنّه صَحيح رغمَ بَقاءِ الأحداثِ الأخرى فِي قَلبِي، لكن لابد مِن النُهوض، وهذا ما اعتَدتُه؛ أنهَضُ بعدَ كُلِ سُقوط، وهذا لا يَعني تَجاوُز الأمرَ ببَساطة، بل هُمومي أُرتِّبُها مِثل الكُتُب، وأعِيدُ تَقلِيبَها كُلَّ مَرّة.
ذهبتُ للمَطبَخ؛ مَكان المَرأة المُفضّل مَهما بَلغَت مَكانتُها (مَكاني المُفضّل للتَفكِير)...لا أُنكِر أنّي خَائفةٌ مِن رَدّةِ فِعلِ عَلِيّ، خُصوصًا بعدَ رِسالَتِه وكَلامِ وَالِدَتِه قبلَ فِترة، وهِي تُشبِهه بالحَليمِ إذا غَضِب أثناءَ كَلامِها اللّطِيف المُبَطّن بنَبرَةِ تَهدِيد، حتّى كَلامِ خَوَلة يَرِنّ في أُذُنِي رغمَ تَشكِيكِها الدّائِم بكُلِ ما حَولها، لدَرَجة أفقِدُ بها أعصابِي، لَو تَعرِف بالكارِثة التي أقدَمتُ علَيها وهي تَحُثّني على إتمامِ زَواجِي مِن عَلِيّ: (فَكّري مَعي يا عَزيزَتي مينة..
أبوكِ كان عَبدًا لمؤامراتٍ حاكَتها له شُكوكُه وعقلُه المَريض، والتي كُنتِ ضَحِيّتَها؛ فأمُك لَا أرَها ضَحيّةً أبدًا، ابنُ عَمّك وخالِك صنعا مؤامرةً بمُحاولتِهما لإقناعِك بالدّراسةِ في الخارج، أخوك يحيكُ لكِ المؤامرات دائمًا، بدءًا مِن مُحاولاتِه الطُفوليّة كَي يُلهيكِ عن شِجاراتِ والدَيكِ، وانتهاءً بتَرحيلِك معه للخارِج، ويبدو أن خِطبتك مؤامرة مِن مؤامراتِه والآن أخبريني، مَن الرَجُل الوحيد في حياتِك، الذي لَم يكِد لكِ مؤامرةً يومًا؟ هذا الرجل رفَض أن يستخدِم هذا النوع الإيجابي مِن المؤامرات، أتعلمين لماذا؟ لأنّه يؤمن و يثِق بكِ، ويكرَه أن يحصُل على مآربِه نتيجةَ خِداعٍ ومؤامرات، رَجُل – رغمَ طبيعتي الشكّاكَة– أثِقُ بأنّه يُحبّك وسيُسعِدُك، رَجُل يُدعى عَلِيّ. انسِي الماضي يا مينة و تزوّجِيه، وإلا سأُزوّجُه للآنسة آية عمرو عبد السلام، على الأقل سترتاح علياء إن تخلّصَت من إزعاجِ ابنتِها). آية وعلياء رغمًا عنّي أضحكُ عندما أتذكّرهما و طريقَة تحاوُرهما، وتلك الصغيرة تُحاوِل أن تظهَر بمَظهرِ الكبيرة، وهَوَس علياء بالنّظافة، استغرَبتُ مرّة وسألتُها (كيف تستَطيع التَعامُل مع ابنتِها، أو بالأحرى كيفَ تتحمّلها!) أخبرتني: (إنّ الأمومةَ سِرٌ لا تُدرِكُه إلاّ مَن تُجرّبه، أنتِ تَرين آية مُشاغِبَة ولا تَستطيعين تَحمُّلَها، لكن ستَعرفين عِندما يكون لديكِ طِفل، لن تشعُري باتّجاهِه إلاّ بعَاطفةٍ لا تَستطيعين تفسيرَها) ولا أظُنّ أنّي سأُجرّب هذا الإحساس، رغمَ اشتِياقي ليكون لي طِفل لي وَحدي، يُشبِه مَن أُحِب.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


علياء عبد الحميد



(عمرو، ماذا تفعل؟ أتُحدّق بي؟! لقد، لقد انتبَه للفُستان!)
هكذا كنتُ أهمِس لنَفسي؛ لأُهدئ خَفَقات قَلبي المَذهولة والمُتقافِزَة بحُبور، يا إلهي! إنّه يتأمّلني بكَسَلٍ مُثير وابتسامةٌ عابِثَةٌ تملأ وَجهَه، أخَذتُ أبتَهِل في نَفسي كَي يُلَملِم بَهاءَ ابتسامَتِه قليلاً؛ فما يفعَله، وارتدائي لهذا الفُستان يُربكانِي لأبعدِ مَدى، فَلتسقُط ريتشيل زينب وجميعُ اجتماعاتِ النونِ العربية، لَن أذهب! لَن أذهَب وهذا قَرارٌ نِهائيّ.
شَهقةٌ خَافتة ابتلَعتُ رَجفتَها بينما يقتَرِب أكثر وأنفاسُه الدّافِئة تلفَحُ رقبَتِي.
مَهلاً! ما سِر هذا التَحوّل يا عمرو؟! الفُستانُ الأحمر وارتدَيتُ مِثلَه في السّابِق! والعِطرُ عِطري منذُ تَزوّجنا، أيَكونُ قَد استبدَل نَظّارتَه الطِبيّة؟! مؤكد هُنا -في لندن- يَختَلِف نَقاؤها عَن مَثيلاتِها في القاهرة. بتَردُّدٍ سمَحتُ لأهدابي بالرَفرَفَةِ قليلاً لأرى وَجهَه وقبلَ أن تَستَجيب أهدابِي لإشارَةِ عَقلِي، حَطّ كَفُه الكَبير على جَبيني ليُجفِلني بَعدَها بصَوتٍ مُرتَفِع:- ما بكِ يا علياء! هل أنتِ مَريضة؟!
نظرتُ إلَيه لأستفهم! وجَدتُه يَدور حَولي مُتأمِّلاً بينما يَحُلّ رَبطةَ عُنُقِه بنَزَقٍ قائلاً:- جميلٌ هذا الفُستان، ولكن ما هي المُناسبة لتَرتَدِيه في هذا البَرد؟! لا أعجَبُ من ارتجافِك! مؤكدٌ أنّكِ مَرضتِ! هَل أعدَدتِ (الكُشَري) أم أضَعتِ اليومَ كُلَه أمامَ المِرآة؟
لَكمَةٌ مُوجِعَة! هذا ما خَطر فِي بَالي الآن، وهو يُحدّق فيّ بعُيونِه الأربعة، لَكمةٌ قَويّة والدّمُ يَسيلُ مِن أنفِه! مَشهَدٌ رَائِع! لِمَ لَم أُترجِم الخيالَ إلى واقِعٍ بينما يُغادِر الغُرفَةَ ليَدخل إلى الحمّام، وهو يُغَمغِم بصَوتٍ يصِلني، ومُؤكّد يختَرِق مَسامِع (الجيران) :- عَلياء، أنا مَشغولٌ حتّى في يَومِ عُطلَتِي، لا تَعلمين بالطَبع أينَ كُنت ولا بأَيّ شَقاءٍ أُعانِي في الخَارِج! أنتِ هُنا، تَجلِسين مع آية، ولَم تُعِدِّي حتّى الطَعَام!، أصبَحتُ أهتَمّ بكُلِ شَيءٍ في هَذه الأُسرَة، بدأتُ أندَم على السَفَر، لَم تُعِدِيّ الطَعام، صَحيح؟! أنا مُرهَقٌ جدًا حتى لا أقوى على الخُروجِ و تَنَاو...
لَم يتوَقّف، بل أنا مَن أوقَفتُ بدَاخلي إرادَةَ الإنصات، و جَلَستُ في الصالةِ لأتفَرّج وآية بمِنديلِ رأسِها تُشارِكني الفُرجَة كعادَتِها.
ها هو قَد أنهى حَمّامَه وتوجّه رَأسًا إلى المَطبخ، الطَعامُ مُعَدٌّ بالفِعل، وثَلاثةُ أطباقٍ مِن الكُشَري الشَهِيّ تَقبَعُ بإذعانٍ هُناك. التهَم ما التهَمَ مِنها و لَم يُعَلِّق، أحبَبتُ في هَذه اللَّحظة مَطبَخِي المَفتوحَ برَحابَةٍ على الصالَة؛ كَي أتمَعّن في وَجهِه، علّني أجِد إجابَةً لسُؤالٍ يَقرَعُ عَقلِي الآن بمِطرَقَةٍ مِن حَديد، لِماذا أحبَبتُه؟! بَل لِمَاذا ما أزال أُحِبّه؟!
خَرج و تجوّل قليلاً في الشَقّةِ بِلا هَدَف ثم اندَسّ خَلفَ حَاسوبِه لنِصفِ ساعةٍ بتَركيزٍ ثَاقب، ليَهجع بعدَها إلى الفِراش، وتَنتَظِم أنفاسُه فِي دَقائقٍ مَعدودة مُسافِرًا لدُنيا الأحلام.. أتساءَل أحيانًا يا عمرو، هَل تستَطِيعَ الحُلم؟!
جلَستُ لأُكمِل هِندامِي أمامَ مِنضَدَةِ الزِينَة، وأنا أتَطلّع خَلفِي إلى (زوجي) عَلامَةِ التَعجُّبِ الَقابِعَةِ بهَناءٍ على الفِراش، عَلامَة تَعَجُّبٍ التَصَق مَصيري بِها لعدّةِ أسباب، سأسرِدُها عَليكم وأنا أُتَمِّم هَيئتِي وأُساعِد آية في ارتِداءِ ثِيابِها.
أسبابُ التِصاقي بعَلامَةِ التَعجُّب:
أ – أسبابٌ شَخصِيّة.
ب- أسبابٌ عَائِليّة.
السّبَبُ الشّخصِي، والوَحِيد هو أنّي أحبَبتُه. مَسألَةٌ قَدَريّةٌ بَحتَة، تمامًا كما يَسير شَخصٌ مُسالِم في أحَدِ الشَّوارِع ويسقُط عَلَيه فَجأة بَقايا جِسمٍ فَضائِيٍ مُحتَرِق، فيُردِيه قَتيلاً. لا أعلم إن كان حدَث هذا حقًا! ولكنّي أحبَبت عمرو بهَذه الطَرِيقة؛ عَلامَةُ تَعجُّبٍ جَليدِيّة وله ابتسامَةٌ سَاحِرَة، عِلاوةً على أنّه ابنُ خالتي، فمِن المَنطِقيّ جدًا أن أقَع فِي غَرَامِه.
ليتَني ما فَعَلت!
أمّا الأسباب العَائليّة، فهُما سبَبَان، أوّلهُما هَلَعُ أمي مِن شَبَحِ العُنوسَة والثّاني، صَفقَةُ بروش الأمِيرَة شهدزان (جدّتِي الكُبرى) زَوجة الأمِير نُعمان (جَدّي الأكبر) أيضًا هو الآخر. هكذا أخبَرونا مِرارًا، هي حِكايةٌ طَويلة، سأقُصّها فيما بعد، رغمَ أنّي لا أُصَدّقُها بالطَبع، ولا أحدَ يُمكِنُه التَصدِيق أنّ علامةَ التَعجُّبِ النَائِمِ خَلفِي هذا، تَجرِي فِي عُروقِه دِماءٌ مَلَكِيّة!
(هل أعدَدتِ الكُشَري!) أتمنّى أن تُصاب بتَلَبُّكٍ معوِيٍّ حادّ، أمِيرٌ مُغتَرِبٌ فِي لندن، يَشتَهِي الكُشَري في عِيدِ زَوَاجِه المُوافِق للأسَفِ لعِيد مِيلادِه الواحِد والثلاثين.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


(هل عليّ أن أرتَدي قرطي الماسي؟) فِي كُلِ أُسبوعٍ أطرَحُ على نفسِي هذا السؤال وأنا أُخرِجُ الحَقيبَةَ الجِلديّة التي أحتَفِظ فيها بمجوهراتي في مَكانٍ لا يعلَمه حتى إياد، القِرط المَاسِي الضّخم والثَمين الذي أصرّت أمي على أن أطلُبَه كمَهرٍ عِندما تقدّم إياد لخِطبتي بدلاً من الذَهَب، بحُجّةِ أنّه سيُفَكّر مرّتَين قبلَ أن يَجرؤ على خِداعي (كما يفعل مُعظَمُ الأزواج).. وإقناعي ببَيعِ مُجوهراتي لتَمويلِ مَشروعٍ عَبقَريّ كَفيل بالقَفزِ بحَياتِنا إلى مُستوى الأُمراء، مَشروع فاشِل بالطَبع ينتهي بضَيَاعِ (قِرشِي الأبيض) ليأتي اليَومُ الأسودُ فَجأة بدونِ إنذار، فأكتَشِف خِلالَ وَهميّةَ ذَلك المَشروعِ العَبقريّ بأن مُؤامرة زَوجي للاستيلاءِ على أموالي وضمانِ سيطَرَتِه المَاديّةِ التامّةِ على حياتي قَد كُلِّلَت بالنَجاح.
يا إلهي! ها أنا أتحدّث كخَوَلة تمامًا، حسنًا، لن أرتَدي حُليًا هذه المرّة أيضًا وإلاّ بَدوتُ شاذّة ومُتكلّفة ورُبّما مُحدثَة نِعمَة أمامَ جَمَالِ ريتشيل وأناقتِها الطَبيعِيَّين. ريتشيل زينب، جارتي التي لا أتوقّف عن التَفكيرِ بها بإعجابٍ وغِبطة؛ جميلة، مُستقلّة وقادرة على تَحقِيق ما تُريدُه في حياتِها. معَ العِلم أنّني لا أفهمُ على الإطلاق سببَ تمسُّكِها بالجانِبِ الشَرقِيّ مِنها! ما المُثير للاهتمامِ في تُراثٍ قامَ على قَمعِ المَرأة منذُ قُرونٍ طَويلة؟!
حتى أنّني لا أُحبّ مُناداتها بزَينب، الاسم الذي تَفخر ريتشيل بحَملِه كوسامِ بُطولةٍ تُعلّقُه على صَدرِها.
ارتدَيتُ قِرطًا ذَهبيًا بَسيطًا، كَفيلاً بمُضاهاةِ أناقةِ لين، أحدَث جاراتِنا في العِمارة، العَروس المُدلّلَة التي تُشرِق عَيناها ببَهجةِ تَوقُّعاتِها للمُستقبَل! وتأمّلتُ نَفسي للمرّةِ الأخيرَةِ باكتئابٍ وأنا أُفكِّر.. هل تَعرِف تلك الطِفلةِ المَسكينة بأنّ نظرتَها الوَرديّة للحياة لن تَستمرّ طويلاً؟ يا الله! كَم أشتاقُ إلى تِلك الفِترة، حيثُ كنتُ ساذجةً بما يَكفي لأؤمِن بقُدرَتِي على تَحقِيقِ ما أُريدُه بشَيءٍ بَسيطٍ من العَزيمةِ و قُوّةِ الإرادة.
أغلقتُ حَقيبتي الجِلديّة الصَغيرَة وأعدتُها إلى مَخبأي الغَيرِ مُتوَقَّع على الإطلاقِ ببَساطَتِه ورفَعتُ المِنضدَةَ الخَشَبيّةَ الثّقيلة، والمُجاوِرَة للسَريرِ قليلاً ثم دفَعتُ الحَقيبةَ أسفلَها لتَستَقِرّ تحتَ قَاعدَتها المُجوَّفَة ثُم اعتدَلتُ لاهِثةً وأنا أتحسّس ظَهري وأتأكّد بأنّه لَم يُصَب بضَرَرٍ بسَببِ فعلَتِي.
مَرّرتُ المُشطَ عبرَ خصلاتِ شَعري للمرّةِ الأخيرة، في نَفسِ اللّحظةِ التي سَمِعتُ فِيها مِفتاحَ إياد يُعلِن عن وُصولِه، رُبّما هو لَن يَتحدّث إليّ حتى أنهار نَفسيًا وعَصبيًا جراء أُسلوبِه المُعتاد والمُستَفِز جدًا في تَروِيضي، إلاّ أنّه سيُجالِس الأطفالَ على الأقلّ، حتّى أعودُ مِن مُتنَفّسي الأُسبوعيّ المُفضّل حيثُ أهرب لساعاتٍ قَليلة مِن إطارِ حَياتي المُحكَم، مُتناسِيةً قُيودَها المُتمَثّلة بزَوجٍ مُستَفِزٍ وأطَفالٍ مَجانِين وأكونُ مُجرّد أُنثَى مُتأَلِّقَة لا هُمومَ لها سِوى مُضاهاةِ إناثٍ لا يَقِلّنّ عَنها تعاسةً، حتى و إن رفَضن الاعترافَ بهذا ويُحاوِلن التَخَفِّي مِثلي وَراءَ وَاجِهَةٍ جَميلةٍ ضاحكة، إعلان بَديع عَن رَونق حَياةِ المَرأةِ الشَرقِيّةِ المُتألِّقة! هَل تَعرِف إحداهُن يا ترى إلى أيِ حدٍ هن مَكشوفَات لمَثيلاتِهن؟!
أُقيمُ في الطّابقِ الأخير ولَن أستَعمِل المِصعَدَ الكَهربائي للنُزولِ إلى حيثُ شقّةِ ريتشيل، ممّا يمنَحُني الوَقتَ لتَقمُّصِ الدَور. رَسمتُ ابتسامةً وَاسِعَةً مُظهِرَةً أسناني المُنتَظِمَة والنَاصِعَةَ البَياض وتَناولتُ حَقيبَةَ يَدي الأنيقة وبدونِ إلقاءِ أكثرَ مِن نَظرةٍ نحوَ إياد الجالِس على الأريكة يُحيطُ به الطِفلان مُتعمِّدًا التَظاهُرَ بعَدَمِ رُؤيتي، غادَرتُ الشقّةَ مُغلِقةً البابَ ورائي بهدوءٍ شديد مُتَجّهَةً لمُلاقاةِ عُصبَةِ نونِ النِسوة.


************

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


ديمة مصطفى

:- ماما، أنتِ جميلةٌ جدًا!
نظرت إلى بسمة التي انغرسَت إلى جانبي؛ تُراقِب بشَغَفٍ انعكاسي عَبرَ المِرآة، أثناءَ انهماكي في تَزيينِ وجهي بدِقّة، اللّمسات الخفيفة والمَدروسة مِن الزينةِ الغاليةِ الثّمَن التي أحرِصُ على اقتنائِها وتجديدِها مرّة كل بِضعة أشهُر وبهَوَسٍ غَير مُبرَّرٍ بجَمالي، في حِين أنني نَادِرًا ما أخرُج وقلّما يسنح لأيٍّ كان برؤية طَلّتي البهيّة!؛
وأجبتُ بسمة باكتئاب:- أعرِف!
تأمّلَتني مَذهولة وأنا أُمَرِّر فُرشاة الماسكارا فوقَ رموشي لأُزيد مِن كثافتِها وقتامةِ لونِها ثُم نظرَتُ إلى انعِكاسِ وجهِها الصّغيرِ الذي ارتسَم كالقَلبِ بينَ خصلاتِ شَعرِها البُنّية المُشعَثَة والتي غطّت مُعظَمَه، وقالت باكتئاب:- لماذا أنا لستُ جميلة مِثلِك؟!
(لأنّكِ نُسخَةٌ أُنثويّة مُصغَّرَة عن والِدِك يا حبيبتي!) كبَتُّ أفكاري اللئيمة؛ فلا ذنبَ لبَسمتي الصّغيرة في شجاري مع والدِها قبلَ دقائقٍ قليلة عبرَ الهاتِف، لا يَكفي أنّه يعمَل في يَومِ عُطلتِه بَدلاً من قَضاءِ النّهارِ برِفقتي وبرِفقَةِ الأولاد مُتحَمِّلاً جُزءًا مِن أعبائهم عنّي. بل – و بكُلِ وقاحة – يتّصِل بي ليُخبرني بأنّه قد يتأخّر قليلاً، ولَن يكون قادرًا على مُجالَسَةِ الأولاد كعادَتِه خِلال مَوعِدِي معَ رِفقَةِ السَّكَن.
لَم يكُن مِن عادَتي رَفع صَوتي أثناءَ مُخاطَبَتي إيّاه؛ فاحتِرامُ الزَوج وتَقديسُه جُزءٌ مِن ثَقافَتِنا الشّرقِيّةِ المُتوارَثَة جِينيًّا بينَ نِساءِ سوريا اللاّتي قُدِّر لهُنّ أن يأتين هُنّ و رَغَباتهن دائمًا في المَرتبةِ الثانية، إلا أنّني، ولهذه المرّةِ فقط فقَدتُ أعصابي وأنا أُفجِّر كلَ عُقَدِي في وَجهِه عبرَ الهاتف، أتّهِمُه بالمَكرِ والأنانية لاختيارِه هذا اليوم بالذات كَي يتأخّر عن البَيت في اليومِ الوَحيد خلال الأسبوع الذي أستَعيدُ فيه شيئًا مِن كِياني الضّائِع بينَ طيّاتِ الرتابَةِ والكَبت التي أُعاني منها منذُ زواجي، بل طُوالِ حياتي تحتَ ظِلِّ والدٍ يبدو بتَسلُّطِه وكأنّه قادِمٌ مِن أحَدِ المُسلسَلاتِ الشامِيّة القديمة وأخٍ أكبر يؤمِن بأنّ الهدَف مِن وُجود شَقيقَةٍ في البَيت هو التدرُّب على أن يكونَ بدَورِه ذاتَ يومٍ بطلاً لأحدِ المُسلسَلاتِ الشاميّةِ القديمة!
استمَع إليّ صامتًا حتى انتهى انفجارِي المُفاجِئ لأتوتّر بعدَ أن لاحظتُ هدوءَه المُبالَغ به والذي تجلّى في رَدِّه الجاف:- سأعودُ في المَوعِدِ المُحدَّد.
تبًا! ردُّه يعني أنّه قد غَضِب منّي، وهذا يعني خمسةَ أيّامٍ من التَعذِيبِ النَفسِي الذي يُجيدُه إياد بمهارة؛ لَن يُكلِّمني إلاّ إن تَحدّثتُ أولاً، سيبعَث بسمة إليّ برِسالة كُلما أرادَ منّي شيئًا وسيتجاهلني تمامًا حتّى أنهار باكِيةً في النِهاية تحتَ وَطأةِ جَفائه وبعده، مُتوسِّلَةً الصَفحَ والغُفران عَن الذَنبِ العَظيمِ الذي ارتكبتُه! والذي نَسيتُه أنا -بطَبيعَةِ الحال- في تلك اللّحظة وأنا أنظُر إلى مَظهَرِي العام عبرَ المِرآة عَابِسَةً؛ أُحاوِلُ اكتشافَ ما ينقُص كمالَ طَلّتي، عندها لاحَظتُ بأنّ بسمة ما تزال تنظُر إليّ مُتّسِعَة العَينَين في انتظارِ إجابَةٍ عن سُؤالِها، فقلتُ بكُلِ ما لديّ مِن رِقّة:- أنتِ أكثر جَمالاً منّي يا قمر، إلا أنّ جمالك هذا لن يظهَر ما دام شَعرُك يُشبِه عُشَ طائرٍ مُعاق، لَدَيه خَلَلٌ في مِنقارِه يمنَعه حتى مِن صُنعِ عُشِّه بتَرتِيب!
ارتسَمَت الصَّدمَةُ في عَينَيها الدّاكِنَتَين وسُرعان ما اختفَت مِن الغُرفةِ بحثًا عن مُشطِها الصّغِير، فصِحتُ مِن وَرائِها وأنا أكبِتُ ضحِكَتي:- ولا تنسِي إلقاءَ نظرة على عماد والتأكُّد من أنّه لا يُحاوِل فتحَ النّافِذَة و إلقاءَ نَفسِه مِنها كالعادة.
عدتُ بتَركِيزي إلى مَظهَرِي مُتأمِّلَةً الفستانَ الأسودَ الذي اخترتُه خِصيصًا ليُخفي استدارات جَسَدِي البارِزَة، لَم أكُن سمينة، بَل مُمتَلِئة القوام بشَكلٍ جَميل، إلا أن هذا لَم يُساهِم لشَعرَةٍ فِي تَعزيزِ ثِقَتِي بنَفسِي وأنا على وَشكِ لِقاء جَاراتي اللاتي تتميز مُعظمُهن بالنُحُول، لَكَم تُثير علياء غَيظِي -رغمَ حُبِي لها- برَشَاقتِها الطَبيعِيّة؛ إنّها زَوجةٌ وأم هي الأخرى بحَقِ الله! مِن المُفترَض أن تُكافِح مِثلي، وتُعانِي وهي تَحرِم نفسَها ممّا تضطَر لطَهيِه يَوميًا لأجلِ عائِلَتِها، على الأقل، مينة ما تزال عازِبة، كما أنّها تبدو باستمرارٍ و كأنّها تَحرِق ما تأكُله ذاتيًا وفقَ ما يظهَر مِن عينَيها الدّاكِنَتَين مِن عَوَاصِفٍ وأعَاصِيرٍ مَكبوتة.

قصص من وحي الأعضاء

23 Oct, 19:00


تفاجأتُ عِندما رأيتُ مَلامِحَه تتشَنّج غَضَبًا فجأة، لكنّه كان سَريعًا كالعادة، عِندما أخفى ذلك الغَضَب تحتَ ابتسامةٍ صفراء استطعتُ اكتشاف حقيقتَها بسُهولة، وهو يُجيبُني قائلاً بنَبرَةٍ غامِضَة: "مِن الأفضَل أن تنسي أمرَ ذلك السياسِيّ مونيا، انسِي أمرَه تَمامًا، فأنتِ لن تَستطيعِي تغييرَ العالم" قال كَلِماته الأخيرة وهو يُشدِّد علَيها بينما أنامِله كانت تمُرّ باستِفزازٍ على عَمودِي الفِقَري. أبعدتُ ذِراعَه عنّي وأنا شِبه مَصدومَةٍ مِن كلماتِه (لَن أستطيعَ تغييرَ العالَم) جُملة لطالما ردّدَها ياسر، لكنّني لَم أغضب يومًا منه، بَل كنتُ أضحكُ لَه، وأُجِيبُه بأنّ كلامَه رُبّما يكونُ صَحيحًا ورُبّما يكونُ خَاطِئًا. أُحبّ أن أُحاوِل، أُريد أن أنجَح في تَغييرِ ولو نِقاطٍ صَغيرةٍ سَوداء بأُخرَى بَيضاء تُنيرُ حياةَ أشخاصٍ أبرياء مَساكين نَسوا حتى كيفَ يحلُموا بحياةٍ كريمة! لكن هذه المرّة، الطريقَة التي قال ياسر بها تلك الجُملة، لَيست طريقته المَعهودة أبدًا. لطالما قالَها بنَبرةٍ سَاخِرَة أُحسُّها وكأنّه يُواسي نفسَه لانشغالِه بعَالَمِ الأعمال وتخلّيه عن روحِ ذلك الفَتى الذي كانه في سنواتِ مُراهقَتِه الأخيرة وهو يُناضِل مِن أجلِ حُقوقِه و حُقوقِ غَيرِه. الطريقة التي نطقها بها الآن، وكأنّها أمرٌ حَازِمٌ حَقيقةً، وثِقةٌ كَبيرةٌ خرجَت من بَين تلكَ الحُروف التي كانَت مُستفِزّةً لي. ثارت ثائرَتي وشعرتُ بأنّ الحرارةَ تتصاعَد معي جرّاءَ الغضبِ الكبير وكِدتُ أصرُخ بأعلى صَوتِي بأنّني لَم و لَن أتخلّى عن مَبادئي، لكنّني تجمّدتُ في مَكاني أنظرُ إليه بنَظراتٍ أعرِف بأنّه لو رآها طِفلي الصّغير -الذي فُوجِئنا لحظَتَها بوُجودِه خَلفَنا- لفَزِع منها بقُوّة رهيبة، ياسر هو الآخر ظَهرَت في عَينَيه نظرات تَحَدٍ كَبيرة وغَضَبٌ عارِم ينتَظِر ردّةَ فِعلي تلك حتّى ينفَجِر بغَضَبِه هو الآخر، غَضَب لن أتقبّله لأنّه هو من فاجأني وصدمَني بكلامِه هذا. رأيته يبتعِد عنّي وهو يرسُم تلكَ الابتسامة التي يُخفِي خَلفِها وجهَه الغَاضِب الذي كان قبلَ لحظات ثم سمِعتُه يتحدّث مع أيمن الذي كان صوتُه النّاعس يصِل إليّ مُشوَّشًا بسببِ تَفكِيري في كَلِماتِ ياسر لكي أسمعُه فجأة يُوقظني من شُرودي وهو يُحدّثني مِن خلفي: "الهاتفُ يرِنّ مونيا، لابُد بأنّ صَديقاتِك يُرِدن التأكُّد مِن قُدومِك للاجتماع، فقَد تأخّرتِ عليهم!"
لَم أُجِب علَيه ولَم أستطِع الحراكَ من مكاني حتى سَمعتُه يطلب من أيمن أن يودّعني لأنّني ذاهبة، حتى يذهَب لتجهيزِ نفسِه هو الآخر للخُروجِ معه للتَزلُّج. استطعتُ رسمَ ابتسامةً مُزيَّفَة أنا الأُخرى على وَجهِي أقابل بها طِفلي البريء الناعِس أمامي، قبّلتُه قُبلةً طويلةً على خدِّه، وقمتُ بإعطائِه بعضَ الإرشادات، أعرِف بأنّه لَن يستَمِع إلَيها لكنّني أعرِف بأنّ ياسر سيقوم بالاهتمامِ به كما لو كنتُ معه بنَفسي ثم تقدمت بخُطواتٍ قويّة خارجَ تلك الغُرفَةِ مُتأكّدةً مِن أنني يَجِب أن أذهَب إلى اجتِماعِ نون؛ فهو بمَثابَةِ وَعدٍ مُقدَّسٍ بيننا لا يُمكِنُ خَرقُه أو عَدم الإيفاءِ بِه (و عِندما أعود، سيكونُ بينَنا حديثٌ طَويلٌ يا ياسر!) هكذا تَمتَمتُ لنفسي وأنا أخرُجُ مِن بابِ شقّتِي.


***********

9,595

subscribers

163

photos

0

videos