في كتابه «الشخصية العراقية؛ من السومرية إلى الطائفية»
يرى الدكتور قاسم حسين صالح أن سنوات الاستبداد والحصار التي عاش المجتمع العراقي ذروتها في التسعينيات أفضت إلى شيوع انتهاك الملكية العامة - خلال انتفاضة آذار [الشعبانية] - وانتهاك الملكية الخاصة - بسبب العوز الذي نجم عن الحصار الساحق-
وقد وجدت أنه من المثير للاهتمام حقًا أن الملكية العامة لم تُنتَهَك قبل ذلك -والحديث هنا عن عمر الدولة العراقية الحديثة- برغم عنف الأحداث الدموية المتعاقبة. وقد حدث أن اندلعت أعمال شغب تضررت فيها بعض الممتلكات العامة ولكنها أضرار طفيفة لا تكاد تُذكَر ولا تُقارن بما شهدناه في السنوات الأخيرة الماضية.
أما عن انتهاك الملكية الخاصة فأنا أختلف مع الدكتور قاسم حسين بشأنها، لأن الملكية الخاصة انتهُكَت في غيرة مرة، منذ زمن العهد الملكي وإلى اليوم، وأرى أن أبرزها ما وقع على اليهود العراقيين في أحداث الفرهود وأعمال النهب والتخريب التي وقعت خلال انسحاب السلطات العثمانية ودخول القوات البريطانية إلى بغداد. ولهذا فإن الأمر يتطلب غوصًا أعمق في سايكولوجيا الفرد العراقي للوقوع على أسباب تجذر انتهاك الملكية الخاصة.
فيما يخص شق الاستبداد وأثره على الشخصية بجعلها تنزع وتجنح إلى العنف والشغب والتخريب، يروي الدكتور صالح حسين أنه أجرى دراستين على هذه السلوكيات خلال التسعينيات، وقد التقى في الأولى بعدد من مرتكبي جرائم السرقة في سجن أبي غريب وحاورهم في جلسة مفتوحة، ولمّا سألهم عن الأسباب التي دعتهم إلى السرقة أجابوا بأنه العوز وقلة مصادر العيش لهم ولعوائلهم، وحين سألهم ماذا لو أُطلِق سراحكم الآن؟ أجاب خمسة منهم أنهم سيسرقون أول سيارة تصادفهم في الشارع!
في الدراسة الثانية التي يروي الدكتور أنه أجراها على عصابة مكونة من ستة أشخاص كانت متخصصة في سرقة سيارات (السوبر الياباني) وقتل أصحابها، وكان زعيم العصابة في سن الثامنة والعشرين وقد قتل ستة أشخاص وأخذ سياراتهم، ولما وجّه إليه الدكتور سؤال: لو أنهم ألبسوك البدلة الحمراء واقتادوك فجرًا إلى حتفك فعلى ماذا ستندم؟ أجاب: أندم لأنني لم أقـ ـتـ ـل أكثر!
ببساطة، هذا شيء يسير من سايكولوجيا الفرد العراقي الذي عاش مثل فأر تجارب لما يزيد على 500 عامًا.
*الكتاب تشوبه بعض الرتابة وعدم الاتساق ولكن فيه شيء من المحاولة الجادة للخوض في سيكولوجية الفرد العراقي التي لم يكن كل من ادعى دراستها سوى راصد لظواهر اجتماعية جلية أكثر من كونه باحثًا.