الأحد ٠٤ / ٠٩ / ١٤٤٤هـ
-قال تعالى:
(بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون).
(الأنبياء : 44)
-أي لقد اغتر الكفار وآباؤهم بالإمهال لما رأوه من الأموال والبنين وطول الأعمار, فأقاموا على كفرهم لا يبرحونه, وظنوا أنهم لا يعذبون وقد غفلوا عن سنة ماضية, فالله ينقص الأرض من جوانبها بما ينزله بالمشركين من بأس في كل ناحية ومن هزيمة, أيكون بوسع كفار "مكة" الخروج عن قدرة الله, أو الامتناع من الموت؟
-عن عائشة أمّ المؤمنين رضيَ الله عنها وعن أبيها أنه كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أمَرَهُمْ، أمَرَهُمْ مِنَ الأعْمَالِ بما يُطِيقُونَ، قالوا: إنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ قدْ غَفَرَ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ في وجْهِهِ، ثُمَّ يقولُ: إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا.
-صحيح البخاري.
-كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على التَّيسيرِ على العِبادِ، ولم يُحمِّلْهم ما لا يُطِيقون ولا يَستطيعونَ مِنَ الأعمالِ والعِباداتِ، وحذَّرَ مِن التَّكلُّفِ والتَّشدُّدِ.وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَأمُرُ أصحابَه بما يُطيقون مِن الأعمالِ، وبما يَستطيعونَ المُداوَمةَ عليه؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان حَريصًا على المُداوَمةِ على الأعمالِ، لا على الإكثارِ منها، وكانوا لشِدَّةِ حِرصِهم على الطَّاعاتِ يُريدونَ الاجتهادَ في العملِ، فطلَبوا الإذنَ في الزِّيادةِ مِن العِبادةِ؛ رغبةً في الخيرِ وزِيادةِ الأجرِ، وقالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنتَ مَغفورٌ لك ما تَقدَّم وما تَأخَّر، لا تَحتاجُ إلى عمَلٍ، ومع هذا أنتَ مُواظِبٌ على الأعمالِ؛ فكيف بنا وذُنوبُنا كثيرةٌ؟! فغضِبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ذلك، وأخبَرَهم أنَّه أتْقاهم وأعلَمُهم باللهِ، أي: ليس الأمرُ كما تَظنُّون، فلو كان في الإسرافِ في العِبادةِ، وتَكليفِ النَّفْسِ ما لا يُطاقُ منها طاعةٌ لله؛ لَسَبَقْتُكم إلى ذلك؛ لأنَّني أكثرُكم عِلمًا بما يُرضي اللهَ، وكلَّما كان العبدُ أكثرَ عِلمًا، كان أكثرَ طاعةً وعِبادةً وتَقوَى. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ مِن السُّنَّةِ الاقتصادَ في النَّوافلِ، ومُلازَمةَ ما يُمكِنُ الدَّوامُ عليه؛ لأنَّ إرهاقَ النَّفْسِ بالعبادةِ يُؤدِّي إلى كُرهِها، والانقطاعِ عنها.وفي الحديثِ: دَليلٌ على رِفقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه، وأنَّ الدِّينَ يُسرٌ.
-قال أبو تمّام:
يَعيشُ المَرءُ ما استَحيا بِخَيرٍ
وَيَبقى العودُ ما بَقِيَ اللِحاءُ
فَلا وَاللَهِ ما في العَيشِ خَيرٌ
وَلا الدُنيا إِذا ذَهَبَ الحَياءُ
إِذا لَم تَخشَ عاقِبَةَ اللَيالي
وَلَم تَستَحيِ فَافعَل ما تَشاءُ
-الحياءُ من خصالِ القلب الحميدة التي تورث المرء جلالًا وبهاءا، وتمنعُ صاحبها من الأفعال الذميمة والسفهِ والإنحراف، وصاحبنا حبيب بن أوس يقطع بأبياتهِ أن المرء ما لازمهُ الحياءُ إلا ولزمهُ الخير، وعلى العكس لمن انسلخ من حياءه، وأقول والله أعلم بأنه لا مروءة لمن لا حياءَ له.
-أعدّه وجمعه: جمعٌ من الإخوة
-المراجع:
-آية استوقفتني.
-الموسوعة الحديثية-الدرر السنية.
-ديوان أبو تمام.