أحمد الشريف @ahmedelsherif1981 Channel on Telegram

أحمد الشريف

@ahmedelsherif1981


#معركة_الوعي_أم_المعارك

أحمد الشريف (Arabic)

أحمد الشريف هو قناة تيليجرام تهدف إلى زيادة الوعي والتثقيف في المجتمع العربي. بفضل المحتوى الثري والمفيد الذي يقدمه المشرف على القناة، تعتبر أحمد الشريف واحدة من أفضل القنوات التي تهتم بقضايا الوعي والتثقيف. يستعرض المحتوى المنشور على القناة مواضيع هامة تتناول قضايا اجتماعية وثقافية تهم الجميع. يتابع الكثيرون قناة أحمد الشريف للحصول على معلومات موثوقة وحقائق دقيقة حول مختلف المواضيع. بالاضافة إلى ذلك، يتاح لأعضاء القناة التفاعل مع بعضهم البعض ومناقشة القضايا المطروحة. وبفضل وجود هذا المساحة للتفاعل وتبادل الأفكار، يمكن للأعضاء أن يتعلموا ويثروا معرفتهم. إذا كنت تبحث عن قناة تيليجرام تقدم لك المعلومات بشكل موثوق وشيق، فأحمد الشريف هي الخيار المثالي لك. انضم إلينا اليوم وكن جزءًا من معركة الوعي، واستمتع بالمحتوى القيم الذي سيساعدك على زيادة معرفتك وفهمك للعالم من حولك. #معركة_الوعي_أم_المعارك

أحمد الشريف

28 Oct, 16:52


هوامش المقال:
[١] إيران من الداخل، فهمي هويدي، صـ٣٦٥، نقلا عن مقال "دور العلماء المعارض في السياسة الإيرانية المعاصرة"، حامد الغار، بحث في كتاب إيران [١٩٠٠-١٩٨٠]، صـ١٨٦..
[٢] إيران وتطورات القضية الفلسطينية، د/علي أكبر ولايتي، صـ١٨٧-١٨٩، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت سنة ٢٠٠٧م.
[٣] إيران دراسة عن الثورة والدولة، د/ وليد عبد الناصر، صـ٦٤، طبعة دار الشروق سنة ١٤١٨هـ/١٩٩٧م.
[٤] تفاصيل العلاقة بين المقاومة وإيران في دراسة من ثلاث مقالات عنوانها: #إيران_وفلسطين_ووضع_النقط_على_الحروف ، الرابط في التعليق الأول..
[٥] مشكلة الأفكار في العالم الإسلام، مالك بن نبي ، صـ١٠٢، طبعة دار الفكر دمشق سنة ١٩٨٨م.
[٦] هذا الحبيب.. يا مُحب، أبو بكر جابر الجزائري، صـ٤٠٧، دار الشروق جدة، السعودية سنة ١٤٠٩هـ.
[٧] كنز العمال، حديث رقم ١٤١٤٤، المتقي الهندي، جـ٥صـ٦٥٣، مؤسسة الرسالة، بيروت سنة ١٤٠٥هـ/١٩٨٥م.
[٨] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الحافظ ابن عبد البر القرطبي، صححه وخرج أحاديثه عادل مرشد، صـ٨١٣، رقم ترجمة "أبو سفيان بن حرب" ٢٩٦٧، طبعة دار الأعلام، الأردن سنة ١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م
[٩] المرجع الديني "محمد حسين فضل الله" وموقفه من قضايا العقيدة، رسالة ماجستير، للباحثة سها محمد عيسى، صـ١٢، نقلا عن "الكافي" صـ٤٨٣، كلية أصول الدين الجامعة الإسلامية بغزة
[١٠] الأسس الفكرية للثورة الإسلامية الإيرانية، محمد شفيعي فر، صـ٢٧٤ مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت سنة ٢٠٠٧م.
[١١] تيارات الفكر الإسلامي، محمد عمارة، صـ٢٤٢، طبعة دار الشروق، القاهرة ١٤١٨هـ/١٩٩٧م.
[١٢] المرجع الديني "محمد حسين فضل الله" وموقفه من قضايا العقيدة، مصدر سابق ، صـ٢٥٣، نقلا عن جريدة "عكاظ" السعودية عدد ٢٠١٣/٧/٦م..
[١٣] المرجع الديني، مصدر سابق صـ٧١-٧٣
[١٤] العبر وديوان المبتدأ والخبر.. تاريخ ابن خلدون، صـ١٣٧٣، طبعة بيت الأفكار الدولية ..
[١٥] تاريخ ابن خلدون، مصدر سابق، صـ١٣٧٤..
[١٦] السلطان الشهيد عماد الدين زنكي.. شخصيته وعصره، د.علي محمد الصلابي، صـ١٤٧، مؤسسة اقرأ، القاهرة سنة ٢٠٠٧م/١٤٢٨هـ
[١٧] السلطان الشهيد عماد الدين زنكي، مصدر سابق صـ٣٩
[١٨] مقال خمس أزمات أخلاقية، تميم البرغوثي، الشروق اليومية، بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠١٢م.
[١٩] سورية: درب الآلام نحو الحرية.. محاولة في التاريخ الراهن، عزمي بشارة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
[٢٠] الأبعاد السياسية لموقف حزب الله من الصراع على السلطة في سوريا، إبراهيم منيب، صـ١٥-٢٠ رسالة ماجستير، جامعة الأزهر-غزة، قسم التاريخ والعلوم السياسية سنة ١٤٣٧هـ/٢٠١٥م
[٢١] مراكز البحث العلمي في إسـرائيل، د/ عدنان عبد الرحمن أبو عامر، صـ٣٠، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت ٢٠١٣م.
[٢٢] المختار الإسلامي، العدد ٤٥، الشيخ "أسعد بيوض التميمي"، صـ١٤، أغسطس/سبتمبر ١٩٨٦م.

أحمد الشريف

28 Oct, 16:52


ولكي نقدر حجم الهوة السحيقة بيننا وبين العدو يكفي العلم بأن عدد الأبحاث العلمية المصرية المعترف بها دولياً خلال عشرين سنة من ١٩٨٥م إلى سنة ٢٠٠٥م، لا يزيد عن ٤٣ بحثًا، وهو ما تقوم إسـرائيل بإنتاجه خلال شهر واحد فقط!.[٢١]

ولا نقول ذلك بدواعي اليأس ونشر الإحباط ولكن لندرك عظم الدور الذي تقدمه المقاومة الإسـلامية ضد العدو المتفوق ولنضع أيدينا على مواطن الخلل لنتدارك أمرنا في الطريق الطويل المؤدي إلى تحرير بيت المقدس..

والذي يعرف العدو فيه جيدا نقاط ضعفنا ويعمل على استفحالها، رغم التحذيرات المتكررة كل فترة من أصحاب الألباب والمجاهدين من أمثال الداعية الإسلامي والمجاهد الكبير مؤسس الجهاد الإسلامي في لبنان "أسعد بيوض التميمي" [١٩٢٥-١٩٩٨م]، الذي فضح قبل أربعين سنة توصيات المؤتمر التبشيري في جامعة "إلينوي" بمدينة شيكاغو الأمريكية في ديسمبر سنة ١٩٨٤م، ومنها: «أنه لا يمكن أن ننجح بتحويل المسلمين إلى نصارى، ولكن علينا أن نزيد الفرقة بينهم فنضرب على وتر السنة والشيعة»!.[٢٢].

ولكن هذه التحذيرات ضاع صداها في صخب الدعاة والقنوات الممولة خليجيًّا والتي لم تكن في حاجة إلى معاناة الشعب السوري للمتاجرة به، حيث خرجوا علينا في ذروة ضرب إسـرائيل لحزب الله في ٢٠٠٦م يحذرون من "دين الشيعة" حتى لا نساند "حزب الله" ونعجب بمقاومته ضد إسـرائيل، وهو ما أقر به أحد أكبر دعاتهم الشيخ "أبو إسحاق الحويني"!.

في حين أن وقت الحرب مع إسـرائيل ينقسم الناس إلى فسطاطين لا ثالث لهما، كما قال الأستاذ فهمي هويدي قبل بضعة أيام: "إما أن تكون مقاومًا أو تكون صـهيونيًّا"!.

♦️ تنويه مهم:
لا أوافق على سياسة الملك المجاهد "عماد الدين زنكي" في قتال المسلمين وإن كان لها ما يبررها لدارسي تلك الفترة، ولذا ضربت به المثل حتى لا يفهم أحد أني أوافق على دخول "حزب اللّه" إلى سوريا وقتل المسلمين فيها، ولكني أشرح الوضع لنضع الأمر في سياقه ويكون الحكم على المجمل مع تفهم الظروف والملابسات!.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف
١٣ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ/١٦ أكتوبر ٢٠٢٤م
#معركة_الوعي_أم_المعارك

أحمد الشريف

28 Oct, 16:49


#يخذّلون_عن_إسـرائيل_ما_استطاعوا!.

في السابع من أكتوبر الماضي ظهر الفدائي الملثم "أبو عبيدة" المتحدث الإعلامي باسم كتائب القسّـام المجاهدة ضد العدو الصـهيوني والذي صار رمزًا وأيقونة للمقاومة الفلسطينية في كل مكان بالعالم، في تسجيل أذاعته قناة الجزيرة الإخبارية يحدثنا بمناسبة مرور سنة كاملة على عملية طوفان الأقصى في كلمة بالغة الأهمية استمرت لنحو نصف الساعة وتطرق فيها لنقاط بالغة الأهمية منها عبارته التي جعلتها الإذاعة البريطانية عنواناً رئيسًا لكلمته: «إن خيارنا هو الاستمرار في الحرب فهي معركة استنزاف للعدو طويلة وممتدة ومؤلمة ومكلفة له بشدة طالما أصرّ على استمرار العدوان والحرب»..

ولكن بعض المتفيهقين تركوا كل ذلك وركزوا مستنكرين على تلك الفقرة التي يُخاطبنا فيها قائلًا: «يا شعبنا يا أمتنا .. إن مما يشرف المقاومة الإسلامية في هذه المعركة وفي كل مسيرتها، أنها تقدم الشهداء من قادتها قبل جندها، وإن الاحتفاء الصـهيوني باغتيال قادة المقاومة وعلى رأسهم قائد الحركة المجاهد الكبير إسماعيل هنية -رحمات الله عليه- والقائد الكبير الشهيد "حسن نصر الله" أمين حزب الله -تقبله الله- وغيرهم من قافلة الشهداء الأبرار في كل الجبهات لهو أكبر دليل على أن العدو المتغطرس لا يفهم دروس التاريخ ولا حقائق الواقع ولا ثقافة وحضارة شعبنا وأمتنا.. فمتى كانت الاغتيالات نهاية المطاف لحركات التحرر والمقاومة في أي مكان في العالم؟!.»

ووجه الاستهجان هو اشتمالها على كلمات الثناء والشهادة في حق الشيخ المجاهد "حسن نصر اللّه"، ومن ثمّ انقسم غالب الناس إلى ثلاث فرق الأولى تُخطّئ المقاومة وتتهمها بالانتهازية الميكيافيلية وميوعة العقيدة، والثانية تلتمس الأعذار للمقاومة وتبرر لها بأنها في حكم المضطر آكل الميتة ولكنها تقف مع الشعب الصـهيوني على صعيد واحد فتفرح بهزيمة حزب الله وانكسار إيران وإن اختلفت أسبابها مع أسباب العدو، والثالثة تؤيد المساندة الشيعية للمقاومة وتستدعي من القرآن الكريم افتتاحية سورة الروم وفرح المؤمنين بهزيمة المجوس على أيدي الصليبيين، أو المقارنة بشخصية "الحجاج بن يوسف الثقفي" الذي كان يقتل المسلمين ولكنه يرسل الجيوش للغزو والفتح، ولعمري هذه الفرقة الثالثة لا تختلف كثيراً عن سابقتيها إلا في بعض المدح الذي في حقيقته أقبح من الذم ولو غلفته حسن النية وسلامة القصد!.

وذلك لسبب بسيط غاب عن كل هؤلاء وهو أن نصرة فلسطين قضية مبدئية لا يختلف فيها السنة والشيعة وبعيدة كل البعد عن خلافاتهم المذهبية والسياسية والتاريخية، وقد بينت ذلك تفصيليًّا من قبل بالكثير من الأدلة أذكر منها ما فعلته جبهة علماء الشيعة في إيران بقيادة آية الله "كاشاني" من جمع الأموال وتجنيد الرجال لصالح الجهاد في فلسطين إبان حرب النكبة سنة ١٩٤٨م!.[١]

كما أن جهود أعلم علماء النجف "محمد حسين آل كاشف الغطاء" بارزة لا يمكن إنكارها في هذا المضمار. وفتواه المشهورة بتحريم بيع الأراضي الفلسطينية لكون عملية البيع حربًا لله وللرسول ﷺ وضربًا للدين الإسلامي. ومن يقوم بها يعدّ خارجًا عن دائرة الدين وجزءًا من الكفار، فلا يتزوج من نساء المسلمين ولا يدفن في مقابرهم، شاهدة على ذلك.

ولم يكن ذلك ردود فعل حماسية من تأثير نكبة سنة ١٩٤٨م، بل إن الشيخ "آل كاشف الغطاء" رأس اجتماعًا لثلة من العلماء في ١٥ يونيو سنة ١٩٣٨م بمدينة "النجف" للتحذير من الأخطار البادية في الأفق من جراء ازدياد معدلات الهجرة اليهودية لفلسطين على عموم الأمة ومقدساتها، وأصدر بياناً حاسمًا يدعو فيه الأمة للجهاد قائلا:

«أيها المسلمون وأيها العرب، لقد بات واضحا للعيان الوضع الذي آلت إليه فلسطين الذبيحة. وقد قلنا من قبل وسنقول أيضا بأن قضية فلسطين #لا_تتعلق_بفلسطين_وحدها.. فقد أصبح الجهاد في فلسطين دعوة عامة أوجهها إلى العرب والمسلمين. ويشهد الله أنني تجاوزت العقد السادس من عمري، ولولا ازدياد العلل على عظامي النخرة، لكنت أول من لبّى هذه الدعوة»[٢]..

ومن ثمّ فليس من المستغرب أن تحتل القضية الفلسطينية مكانة بارزة في وجدان الشعب الإيراني. خاصة مع تبلور أبعادها في كتابات مفكر الثورة الدكتور "علي شريعتي" الذي دعا لجعل صراع المسلمين الرئيسي ضد الصـهيونية، ومهمتهم الأساسية هِىَ تحرير فلسطين. وهو ما نجده متمحورًا كذلك في غالبية خطب ورسائل آية الله "الخميني"[١٩٠٢-١٩٨٩م]، المرجع الديني الأعلى وقائد الثورة، الذي اعتبر الصراع مع إسـرائيل عقائديا وحضاريا وليس مجرد صراع حدودي أو سياسي. وحذّر من أن هدف إسـرائيل هو القضاء على كل الفلسطينيين وتدمير كل الدول الإسلامية.[٣]..

هذه هي النقطة الأساسية التي ترتكز عليها العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وإيران منذ الثورة الإسلامية والقضاء على نظام الشاه الصديق المقرب لإسـرائيل، والتي لا بد للمرء من معرفتها جيداً حتى لا يتشوه إداركه ويسقط دون وعي في تيه التفسيرات الطائفية وحسابات المصالح السياسية الضيقة!.[٤]..

أحمد الشريف

28 Oct, 16:49


مثلما رأينا من أحد الدعاة في الأردن عندما حاول إسقاط واقعة الرجل الذي قُتل بسهم أثناء عودة المسلمين من غزوة خيبر فلما قال الصحابة "هنيئا له الشهادة"، نفى ذلك رسول اللهﷺ لأن الرجل سرق شملة (عباءة) من غنائم حصن خيبر، على عملية اغتيال قائد المقاومة في لبنان "حسن نصر الله"!.

وهو إسقاط مخل فيه تدليس على الناس، لأن واقعة السرقة متزامنة مع مقتل الرجل، أما في حالة "حسن نصر الله" فإن القتال في سوريا (سوف نأتي على تفصيله في نهاية المقال) توقف تمامًا منذ بضع سنين، وأن "نصر اللّه" اتخذ قرار الاشتباك مع العدو الصـهيوني قبل نحو العام، كجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية انتصارًا للإسلام وليس للسنة أو الشيعة كما كان يصرح دائمًا، وختم الله له بالشهادة على أيدي اليهود "أشد الناس عداوة للذين آمنوا".

ومن ثمّ فلو كان هناك شيء من الإنصاف عند الداعية الكبير–وهذا مستبعد لأنه قام بجحد دور جبهة إسناد حزب الله وسخف من قيمتها على الجملة– لاستدل بحديث النبي ﷺ المتفق عليه:
«إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيَدخلُها»!..

وهو ما لا يخفى على من كان في مثل علمه بالتأكيد ولكنه الانتصار للرأي والحفاظ على الوجهة المفضلة للعامة، وهو ما فعله أيضا أحد مشاهير الدعاة الشباب على صفحات التواصل و"اليوتيوب" عندما سعى جاهدًا لإثبات أن "حسن نصر اللّه" يسب الصحابة ـرضي الله عنهم- فلما عجز عن ذلك نشر مقطع مسجل مضى عليه أكثر من ربع قرن، كان السيّد يتحدث فيه عن نفاق أبي سفيان بن حرب وأن له مشروعًا مضادًا للمشروع الإسلامي!.
ونشره على صفحته التي يتابعها عشرات الآلاف من الشباب، على أنها جريمة القرن وكفى بها لإدانة الرجل بسب صحابة رسول اللهﷺ!.

ولقد ذكرني ذلك بعبارة عبقرية للمفكر الإسلامي الجزائري "مالك بن نبي" [١٩٠٥-١٩٧٣م]، يقول فيها: «فكرةٌ أصيلةٌ لا يعني ذلك فعاليتها الدائمة. وفكرةٌ فعّالةٌ ليست بالضرورة صحيحة. والخلط بين هذين الوجهين يؤدي إلى أحكامٍ خاطئة، ويلحق أشد الضرر بتاريخ الأمم حينما يصبح هذا الخلط في أيدي المُفكرين وسيلةً لاغتصاب الضمائر!..»!.[٥]

وذلك لأن الشيخ وكل من عنده الحد الأدنى من المعرفة بالسيرة النبوية وتراجم الصحابة يعلم جيدًا أن ما قاله "حسن نصر الله" لا يتجاوز ما جاء في كتب أهل السنة وليس من افتراءات الشيعة كما يروج له. ولو كان ذلك تهمة لكان أول المتهمين هو إمام المسجد النبوي الشيخ السلفي الكبير "أبي بكر الجزائري" صاحب كتاب "منهاج المسلم" الذي قال في كتابه عن سيرة النبي ﷺ تحت عنوان "شماتة ذوي الضغائن": لما رأى مرضى النفوس ممن لازالت عداوة الإسلام كامنة في نفوسهم هزيمة المسلمين في بداية غزوة حنين لم يتمالكوا حتى قالوا الهُجْرُ (القبيح من القول)، فقال "أبو سفيان بن حرب" لن تنتهي هزيمتهم دون البحر وإن الأزلام معه في كنانته..!.[٦]..

وقد يتعلل البعض بأن ما جاء عند "الجزائري" يُمثل فترة حداثة أبي سفيان في الإسلام وأنه تغير وحسن إسلامه بعد أن تألف رسول اللهﷺ قلبه وأغدق عليه وعلى ولده معاوية المال والأنعام من غنائم "حنين"!.

ولكن ما فعله بعد وفاة النبي ﷺ مباشرة يدل على غير ذلك، حيث ذهب لعلي بن أبي طالب فقال: يا عليّ بايعوا رجلاً أذلّ قريش قبيلة، والله لئن شئت لنصدّ عنها عليه أقطارها ولأملأنها عليه خيلاً ورجلاً، فقال له عليّ: يا أبا سفيان إن المؤمنين وإن بعُدت ديارهم وأبدانهم قوم نصحة بعضهم لبعض، وإن المنافقين وإن قربت ديارهم وأبدانهم قوم غششة بعضهم لبعض، وإنا رأينا أبا بكرٍ لها أهلا!.[٧]..

وهي الرواية التي رواها العلامة المتقي الهندي في كنز العمال ورواها جمع من علماء السلف مثل عبد الرزاق والحاكم وابن عبد البر وصححها الحافظ "الذهبي"، وفي بعضها توبيخ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لأبي سفيان بقوله: مازلت عدوًّا للإسلام وأهله!.

وبصفة عامة فإن شيخ الإسلام في الأندلس الحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي[ت: ٤٦٣هـ] يقول في الاستيعاب: «أسلم أبو سفيان يوم فتح مكة، واختُلف في إسلامه فطائفة ترى أنه لمّا أسلم حسن إسلامه.. وطائفة ترى أنه كان كهفًا للمنافقين منذ أسلم.
وفي خبر ابن الزبير -رضي الله عنهما- أنه رآه يوم اليرموك يقول إذا ظهرت الروم: إيه بني الأصفر!.
فحدث به ابن الزبير أباه لما فتح الله على المسلمين، فقال الزبير: قاتله الله يأبىَ إلا نفاقًا أولسنا خيرًا له من بني الأصفر»!.[٨].

أحمد الشريف

28 Oct, 16:49


وبالطبع قد يأتي أحدهم برواية تتحدث عن خروج أبي سفيان في قتال الروم محفزا للمسلمين وفقدانه أحد عينيه في ذلك. ولكن في النهاية يظل الأمر مختلفًا عليه كما قال "ابن عبد البرّ" وهو ما لا يمكن به إدانة من يطعن في الرجل أو مصادرة الرأي القائل بذلك!.

خاصة وأن السيد "حسن نصر الله" له تسجيلات عدة تخالف ذلك، حيث يؤكد فيها على اتّباعه وجميع رجال "حزب اللّه" فتوى المرجع الديني آية الله "علي خامنئي" بتحريم سب الصحابة وتنزيه أمهات المؤمنين!.

ولكن يأبى المتنطعون إلا رفض كل ذلك شاهرين سلاحهم الأخير ناطقين بكلمة واحدة تهدم أي نقاش موضوعي: #تقية!.

وتعريف "التقية" هي اتخاذ الحيطة والحذر حفاظاً على النفس والمال وذلك بأن يظهر الإنسان غير ما يضمر لا سِيَّما إذا اجتمع بمخالفيه في المعتقد، وقد اعتبرها أئمة الشيعة من أساس الدين وأصوله، اقتداءً بما جاء في "الكافي" عن الإمام "جعفر الصادق": «التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له»!.[٩]

ولكن الذي لا يعلمه هؤلاء أو ما لا يريدون الاعتراف به حتى لا يفقدون سلاحهم الجبار الذي استخدمته محاكم التفتيش في العصور الوسطى، هو أن "التقية" انتهت في الفكر الشيعي قبل أكثر من نصف قرن وتحديدًا مع بروز زعامة "الخميني" الدينية!.

فبعد المجزرة التي ارتكبها رجال شاه إيران "محمد رضا بهلوي" بقتل عدد كبير من طلبة العلوم الدينية ورجال الدين في المدرسة الفيضية بمدينة "قم" في العام ١٩٦٣م، أنهى الإمام "الخميني" تحييده الظاهري للشاه بعد أن كان يهاجم الحكومة وحدها، وبدأ ينتقد الشاه مباشرة مع الهجوم الشديد على داعميه أمريكا وإسـرائيل، معتبرا أنهم أصل البلايا التي تصيب المجتمع الإيراني. ومن ثمّ أعلن أن #التّقية_التي_يتمسك_بها_المهادنون_حرام عندما تكون أصول الإسلام في خطر. وما التُّقية إلا تدبير استثنائي لحفظ الإسلام ولا يمكن أن تتحول إلى سياسة دائمة قائلا في رسالة لرجال الدين:

«إن الولاء للشاه ومحبته هتكٌ للإسلام، وتبديلٌ لأحكام القرآن، وضربٌ للحوزة العلمية ومحو لآثار الرسالة. ويجب أن يلتفت السادة العلماء إلى أن الإسلام والقرآن في خطر، وفي هذه الحالة لا يجوز التعلل بالتقية، بل على العلماء إظهار الحق ولو بلغ ما بلغ»!.

ولقد أثبت "الخميني" صدق دعوته، حين لم يخش المواجهة وأخذ يكرر الإشارة إلى خطر الشاه وحليفته إسـرائيل في جلّ بياناته بعد ذلك، مما أدى إلى اعتقاله وإيداعه السجن قبل أن يُنفى خارج البلاد لمدة ١٥ عامًا.[١٠]..

وهو ما أكده الدكتور محمد عمارة -رحمه الله- في كتابه عن التيارات الإسلامية قائلا عند الحديث عن الفرقة "الإثنى عشرية": «ولقد أدرك "الخميني" أن التقية كعقيدة شيعية، قد غدت عقبة أمام التغيير والثورة، فبالتقية يستريح ضمير الشيعي التقليدي مهما شاع في المجتمع من ظلم وجور وفساد، لأن "الرفض" في ظل عقيدة التقية يكون قلبيًّا ووجدانيًّا، على حين يستمر التعايش مع المجتمع الجائر الفاسد، بل والتعاون مع صانعي الجور والفساد!.

ولذلك فلقد تمثلت في رفض "الخميني" لهذه التُّقية واحدة من نظراته الفكرية النقدية لهذه العقيدة التي استمرت سائدة في الفكر الشيعي لعدة قرون.. فهو يميز بين "تقية الأئمة" التي اتخذوها لحفظ المذهب من الاندراس، وبين التقية التي غدت جُبنا يستهدف بها أصحابها الهروب من النضال وحفظ ذواتهم من التضحيات!.»[١١]

لذا فإن السيد "حسن نصر الله" كان أبعد الناس عن استخدام التقية، بل كان يواجه صراحًا ولا يخشى أحدًا إلا اللّه سواء في معاركه ضد إسـرائيل أو ضد المسلمين الشيعة في لبنان (حركة أمل) والسنة في سوريا (داعش والنصرة والجيش الحر)!.

فضلاً عن أن المرجع الديني الأعلى لحزب الله والذي تتلمذ على يديه "حسن نصر الله" وله أكبر الأثر في حياته وتكوينه المنهجي كان العلامة 'محمد حسين فضل اللّه" [١٩٣٥-٢٠١٠م] الذي قال عنه القائد المجاهد "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس": «السيد "حسين فضل الله" ليس شخصية إسلامية لبنانية فحسب، بل هو شخصية إسلامية عامة، يعتز الناس بفكره الوسطي وبسماحته وانفتاحه وأصالته ودعمه لكل قضايا الأمة وبالأخص قضية فلسطين».

فهو يحرّم سبّ جميع الصحابة لأن الله تحدث عنهم بقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح:٢٩]..
كما اتخذ موقفاً حازمًا تجاه لعن أي واحدة من أمهات المؤمنين، بل أوجب إكرامهن إكرامًا لرسول اللهﷺ وينقل عن ذلك بيتًا من قصيدة للإمام "محمد الباقر" يقول فيه:
فيا حميرا سَبُّك محرّمٌ ... لأجل عين ألف عين تكرم [١٢]

وبالطبع لا يظن أحد أن كل الشيعة على هذا النهج القويم، بل فيهم الجفاه الأغلاظ اللعانون والذين وصف مراجعهم الدينية العلامة "محمد حسين فضل الله" بالهالك الضال المضل وحذروا من تقليده، وانحراف أفكاره ومخالفتها لمنهج محمد ﷺ وآل البيت، وعلى رأسهم آية الله "السيستاني" زعيم الحوزة العلمية في النجف بالعراق.

أحمد الشريف

28 Oct, 16:49


ولكن "علي الخامنئي" مرشد الجمهورية الإيرانية قال: «صلَّوا خلف هذا الفيض الإلهي الكبير السيد "فضل الله" فهو علم من أعلام المذهب الشيعي»!.[١٣].

وبعد.. لم يتبق لنا في هذا المقال سوى قضية قتال "حزب الله" في سوريا إلى جوار الطاغية "بشار الأسد" والتي قبل أن نتطرق إليها نعرج على نقطة المقارنة بين شخص السيد حسن نصر الله وبين الحجاج بن يوسف الثقفي وهي مقارنة جائرة وغير موضوعية لأسباب كثيرة منها الظرف السياسي في أيام مد الإسلام وعصر فتوحاته العظيمة ولأن "الحجاج بن يوسف" ختم اللّه له بالسوء حيث كان آخر أعماله في هذه الدنيا هو إعدام سيّد من سادات التابعين هو الحافظ المفسر 'سعيد بن جبير" –رضي الله عنه– كما أنه مات حتف أنفه ولم ينل الشهادة على يد أعداء اللّه!.

ولقد نظرت في أحداث التاريخ فلم أجد أقرب للمقارنة بالسيد حسن نصر اللّه من الأتابك المجاهد "عماد الدين زنكي" [٤٧٧-٥٤١هـ] أمير "الموصل" الذي نشأ في عهد غثاء السيل وضعف الأمة وانقسامها بين خلافة فاطمية شيعية في مصر وخلافة عباسية سنية في بغداد، وكلاهما في أيام الأفول والضعف والانهيار..

فقام بالعمل على إحياء الجـهاد من أجل تحرير القدس ومدن الساحل الشامي من دنس الفرنجة الصليبيين، وبذل في سبيل ذلك عظيم جهده وسنوات عمره. ولتحقيق ذلك كان يسعى لتوسيع رقعة ملكه ونفوذه فكان يقاتل المسلمين ويحاصر البلاد المسلمة بنفس الضراوة التي يجاهد بها ضد الصليبيين، فنجح في استرداد مدينة "الرها" من الصليبيين سنة ٥٣٩هـ/١١٤٤م، وهو أول مكاسب المسلمين الكبيرة بعد الإفاقة من هول أحداث سقوط القدس، فهي الإمارة التي أدى انتزاعها من سلطان الصليبيين إلى قدوم جيوش أوروبا في حملة صليبية ثانية [١١٤٦-١١٤٩م/٥٤١- ٥٤٤هـ] لاستعادتها مرة أخرى!.

ولكنه قبل هذه الواقعة المجيدة بست سنوات وتحديدًا في سنة ٥٣٣هـ حاول الاستيلاء على دمشق التي كان يحكمها "معين الدين أنر" فلما فشل ذهب لحصار مدينة بعلبك التي كانت من أعمال دمشق في ذلك الوقت، فنصب عليها المنجنيق وشدد حصارها فاعتصمت حاميتها في انتظار المدد من "أنر" لفك الحصار، ولما يأسوا من النجدة استأمنوا إلى الأتابك، فأعطاهم الأمان حتى سلموا الحصن فقام بالقبض عليهم وصلبهم، ثم سار إلى حصار دمشق وقاتله أهلها بالغوطة فظفر بهم وأثخن فيهم، حتى لجأ حاكمها إلى الاستعانة بالفرنجة من أجل صده!.[١٤].

وعلى الرغم من تلك الأحداث المشينة التي نقلها لنا ابن خلدون في تاريخه إلا أنه ختم الحديث عن الملك الأتابك بقوله: «كان حسن السياسة كثير العدل مهيبًا عند جنده عمّر البلاد وأمّنها، وكان شجاعًا شديد الغيرة كثير الجهاد»!.[١٥]

وعلى الرغم من أنه قتل على يد خدمه الذين كانوا من الترك والأرمن والروم وأثناء حصار جيشه لقلعة "جعبر" التي يحكمها واحد من أمراء المسلمين وحاصرها "زنكي" لأنه خاف أن تقع في يد الصليبيين فأراد أن يسبقهم إليها، ولم يقتل في جهاد الفرنجة، إلا أن النظرة التاريخية العامة للرجل جعلت المؤرخ الإمام "ابن الأثير" يقول قديمًا: «ختم اللّه له بالشهادة في أعماله.. فأي نجم للإسلام أفل، وأي ناصر للإيمان رحل»!.[١٦]

ويكتب عنه الدكتور "علي محمد الصلابي" حديثاً تحت عنوان: "السلطان الشهيد عماد الدين زنكي.. شخصيته وعصره"!.
معتذرا لحروبه ضد المسلمين ووسائله القبيحة في الحرب، بمحاولاته الجادة لكسب الوقت وتوحيد العدد الأكبر من المدن ذات الحكم الذاتي من أجل الإسراع بتشكيل جبهة إسلامية موحدة للوقوف ضد الخطر الصليبي وتحرير بيت المقدس الذي لن يتم في ظل حالة تمزق بلاد الشام إلى إمارات عديدة متناحرة!.[١٧]

وهنا يأتي الحديث عن إشكالية دور "حزب الله" في أحداث الثورة السورية، والإشكالية هنا نابعة من نقاط عدة أولها الأزمة الأخلاقية والتي بدورها تنقسم إلى بضعة أجزاء لخصها أستاذ العلوم السياسية الشاعر "تميم البرغوثي" في مقال بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠١٢م، تحت عنوان: "خمس أزمات أخلاقية" منها:
«أولا: لا يمكن للإنسان أن يؤيد صف دبابات يسير تحت شرفات الخلق، يُسمي نفسه حكما وحكومة، وهو يطلق النار على الأحياء المدنية، ويقتل الأطفال والنساء بالآلاف، ويعذب المعتقلين السياسيين، ولا عذر له، فإن زعم أنه يواجه تمردًا مسلحًا اليوم فإنه لم يكن يواجه تمردًا مسلحًا حين حبس الأطفال فى درعا. وهو إلى ذلك فيه من عِبَر الزمان ما فيه، وحدِّث عن التوريث والحزب الواحد والتمييز الطائفي والبنية الأمنية ولا حرج، أما إعلامه فتكفي نصف ساعة من متابعته لدفعك للجنون. وقد قلت من قبل إن كان تحرير فلسطين يقتضى تعذيب أطفال سوريا، فأبقوها محتلة خير لأطفالكم وأطفالها!.

أحمد الشريف

28 Oct, 16:49


ثانيا: لا يمكن للإنسان أن يؤيد الطرح السياسي للمجلس الوطني السوري المعارض، لأنه وضع نفسه فى حلف واضح مع الولايات المتحدة، ورئيس المجلس وعد الأمريكيين علنا، وأكثر من مرة، بخنق المقاومة اللبنانية وفك الحلف مع إيران وقصر علاقته على منظمة التحرير الفلسطينية دون حركة "حماس"، والمتحدثة باسم المجلس نظمت لقاءات بين العرب والإسـرائيليين فى فرنسا وغيرها منذ ثمانينيات القرن الماضى، وهيئات التنسيق الميدانية التابعة للمجلس الوطنى نظمت جُمَعا مطالبة بالتدخل الدولى وحظر الطيران، أى أن تطير طائرات حربية أمريكية أو فرنسية فى الأجواء السورية لقصف البلاد، وكأني أرى وجه "أحمد الجلبي" فى كل عضو من أعضاء هذا المجلس!.

ثالثا: لا يمكن للإنسان أن يدعو الناس للتظاهر مع معاداة كل من النظام والمجلس الوطنى السورى، لأن فى ذلك تضليلا لهم، فنحن نعلم أن الخيار لا يعدو هذين، وأن المجلس الوطني السوري هو الذى يحظى بالاعتراف الدولى دون غيره، فإن دعونا الناس للتظاهر فنحن ندعمه شئنا أم أبينا. هذه واحدة، والثانية هى أننا لا نقدر أن ندعو الناس للموت فى حرب نعلم أن احتمال انتصارهم فيها ضئيل، وأنهم إن انتصروا فسيصلون لا إلى الحرية بل على الأرجح إلى حرب أهلية، أو إلى تسليم الأمة كلها إلى الأمريكان أو كلا الأمرين معا..»!.[١٨]..

وقد كان ذلك قبل أن يدخل "حزب الله" إلى سوريا حيث كان آخر الداخلين (خريف العام ٢٠١٢م) في المستنقع الدولي ولعبة الأمم التي شاركت فيها أمريكا وروسيا وبريطانيا وتركيا والسعودية وإيران وغيرها ولكل دولة حساباتها ومصالحها.

فضلاً عن جماعات من المقاتلين الإسلاميين العرب والأجانب الذين كونوا مجموعات مسلحة عسكرت الثورة وخلطت الأوراق فيها مثل "أحرار الشام" و"الجبهة الإسلامية" و"جبهة النصرة" و"داعـش"، تتناقض أفكارها بشكل جوهري مع قيم الثورة التي قامت من أجلها، ولا سيّما قيم المواطنة والمساواة والديمقراطية، والتي باعتبارها حركات سلفية رفضت هذه المبادئ وصنّفت السوريين طائفيًّا إلى مسلمين هم "السُّنة"، وذميين "غير مسلمين"، ومرتدين يجب قتلهم وتهجيرهم هم بقية الناس!.[١٩].

وقد كانت الأموال الخليجية تُنفق بسخاء على هذه الجماعات ليس انتصارا للإسلام السُّني كما يعتقد البعض (كانت في نفس الوقت تنفق وربما بسخاء أكبر من أجل إسقاط نظام الإخوان المسلمين في مصر)، ولكن لتهيئة المنطقة إلى أجواء التطبيع مع إسـرائيل ومشروع صفقة القرن الأمريكية بعد القضاء على حزب الله في لبنان وحماس والجهاد في غزة!.

ولذا فإن "حزب الله" كان يحارب في سوريا حتى لا يأتي عليه الوقت عندما تضربه إسـرائيل –وهذا إن لم تحاربه تلك الجماعات المرتزقة التي كفرته كما كفرت حماس وتوعدتهما بالحرب– أن يصير مُحَاصرًا دون ظهير خلفي كما هو حال المقاومة الفلسطينية الآن التي تكابد الويلات بين سندان الحصار "المصري" ومطرقة العدوّ الإسـرائيلي!.

ولمن لا يدرك ذلك عليه بمراجعة المواقف السورية تجاه "حزب الله" منذ رفض "حافظ الأسد" تجريد الحزب من سلاحه كما فعل مع بقية الميليشيات في لبنان عقب اتفاق الطائف سنة ١٩٨٩م. وكما فعل "بشار الأسد" عندما اجتمع مع كولن باول وزير الخارجية الأمريكي عندما جاء إلى دمشق في ٢ مايو ٢٠٠٣م، لتبليغ "بشار" بترتيبات على النظام السوري القيام بها بعد احتلال العراق وسقوط "صدام حسين"، ومنها نزع سلاح حزب الله الذي لم يعد حركة مقاومة بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو سنة ٢٠٠٠م، ولكن بشار رفض الانصياع للطلب في وقت كانت الأمة كلها وليس العربية فقط في أضعف حالاتها بعد احتلال أفغانستان والعراق، حيث صارت الولايات المتحدة مصدر الرعب في العالم أجمع بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١م!.[٢٠].

وأما عن الدور السوري في أثناء حرب يوليو/تموز ٢٠٠٦م فحدِّث ولا حرج، من استقبال آلاف المهجرين إلى تعويض خسائر الحزب المادية والاستراتيجية ومد جسور المساعدات بين الحزب وإيران دون حساب أو رقيب!.

ومن ثمّ فإن هذا كله يمثل الرئة التي يتنفس منها "حزب اللّه"، وأن المعركة بالنسبة له صارت حياةً أو موتًا، وليس وسيلة فقط لإكمال صراعه الطويل مع الدولة الصهيونية، والتي يسارع إلى التحرش بها في كل مناسبة تتعرض فيها غزة إلى محنة كما رأينا بعد عملية طوفان الأقصى مباشرة، وكما فعل من قبل في سنة ٢٠٠٦م، عقب عملية خطف الجندي "جلعاد شاليط"!.

وهذا رغم علمه التام بالفارق الرهيب في الإمكانيات بين المقاومة وبين دولة الكيان الإسـرائيلي، بل لا يمكن مقارنة "إيران" بكل قدراتها العسكرية والعلمية ولا حتى أكبر الدول العربية "مصر" التي لا يزيد إنفاقها على البحث العلمي عن ١٪ من ناتجها القومي بإسرائيل، مع ملاحظة أن مصر هي الدولة التي تنعم بالعيش في ظل معاهدة السلام لما يقارب النصف قرن، ولا تعاني من الحصار كما هو حال الجمهورية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية في ١٩٧٩م.

أحمد الشريف

24 Oct, 15:51


ولماذا قُتل "شماس بن عثمان" و"سعد بن الربيع" وأنس بن النضر" و"عبد الله بن عمرو بن حرام" و"عمرو بن الجموح" وغيرهم العشرات من سادات المهاجرين والأنصار وخيرة أصحاب رسول اللهﷺ الذين يحتاج كل واحد منهم صفحات كاملة لشرح مناقبه وعظيم قدره؟!.[٤].

وقبل الإجابة على السؤال أيضا يجب إلقاء الضوء على أمر آخر اختلفت به غزوة أحد عن غيرها من أيام الله. وهو أن حزب المنافقين ومن في قلوبهم مرض انسحبوا من جيش المسلمين قبل المعركة، وكانوا بقيادة "عبد الله بن أبي بن سلول" الذي برر الانسحاب بقوله: «ما ندري علام نقتل أنفسنا، لقد عصاني –يعني الرسول– وأطاع الولدان ومن لا رأي له. سيعلم!..
ارجعوا أيها الناس» [٥].

فالمنافقون يرون في الانصياع لرأي الأغلبية المتمثلة في الشباب المتحمس وترك رأيهم الرافض لخوض الحرب خارج حدود المدينة وهم وجهاء القوم، خطأً فاحشًا وقع فيه النبي ﷺ. ولذا لم يرجعوا إلى المدينة ولم يشتركوا في المعركة فحسب، بل راهنوا على فشل المسلمين وهزيمتهم!..

ومن أجل ذلك فإن هؤلاء المنافقين طربوا كثيرا بخبر قتل كل هؤلاء الصحابة واستدلوا بتلك الخسارة العظيمة على رشاد رؤيتهم وصواب رأيهم، وزاد من فرحتهم ما تعرض له النبي ﷺ من أذى بالغ حين شُجت رأسه وكُسرت رَباعيتُه (واحدة من أسنانه)، فضلاً عن الألم النفسي والهوان الذي أصاب المسلمين من رؤية التمثيل بجثث الشـهداء، الذي فعله الحاقدون في جيش قريش بعد وقف القتال، كالذي قام به "أبو سفيان بن حرب" قائد المشركين آنذاك من دفع الرمح في شدق "حمزة" بصورة خسيسة يستنكرها الكفار أنفسهم.

فقال "الحليس بن زبان بن عبد مناة" سيّد الأحابيش –حلفاء قريش في الحرب– لما رأى ذلك: «يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بجثة ابن عمه ما ترون!.
فخجل أبو سفيان وقال له: «اكتمها عني فإنها كانت زلة»..
حيث كان التمثيل بالقتلى وتشويه الجثث حتى في الجاهلية أمرا يعيبه العرب ويستهجنونه،!.[٦]..

وبعد اكتمال الصورة بكل خلفياتها وملابساتها ومقارنتها بغيرها من الغزوات. نجد أن الإجابة الجوهرية على السؤال عنوان المقال يكمن في شقين أساسيين خلدهما الله تعالى في كتابه الحكيم لشديد أهميتهما وعظيم أثرهما في حياة الأمة والمسلمين.

الأول يتمثل في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر﴾[آل عمران: ١٥٩] ..

وهو الذي يبين بأن الشورى أمر ملزم لا يجب أن يحيد عنه حاكم للمسلمين حتى لو ترتب على ذلك هزائم واخفاقات فهو شرط أساسي من شروط الحكم الإسلامي ونقضه يعدّ نقضًا لواحدة من عُرى الإسلام كما أخبر رسول اللهﷺ: «لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهنَّ نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاةُ»..[مسند أحمد وصحيح ابن حبان]

وهو ما سبق مناقشته في بضع مقالات منها واحد تحت عنوان: #عُروة_الحُكم_المنقوضة ، بتاريخ ٢٠٢٢/٩/٨م، وآخر عنوانه: #البدعة_التي_كسرت_عزم_الأمة في ٢٠٢٢/٩/٢٢م.

وأما الشق الثاني والذي يدور حوله الحديث هذه الأيام في ظل استشهاد قادة المقاومة الإسلامية ورجالاتها الكبار في فلسطين ولبنان، وخروج طائفة من المتشدقين ببعد النظر وعمق الرؤية تعرض بنتائج مغامرات المقاومة ورعونتها باستفزاز الكيان الإسـرائيلي!.

وهو ما تشابه بصورة كبيرة في أقوال المنافقين يوم أحد التي خلدها الله في كتابه العزيز لعلها تنفع المؤمنين: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ ﴾..

وهنا جاء الرد الإلهي لرسوله الكريم: ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[ سورة آل عمران: ١٥٤]..

يعني لو لم يذهب حمزة ومصعب وحنظلة وكل إخوانهم الشـهداء، إلى غزوة "أُحد" لماتوا في نفس الوقت والميعاد على أسرتهم وفي بيوتهم!.

وهو ما يجب أن يعلمه كل مسلم يقيناً، أنه لو لم يحدث طوفان الأقصى، لمات هنية والسنوار والعاروري ونصر الله وكل هؤلاء الخمسين ألفًا الذين قتلهم العدو الإسـرائيلي، ولكن لأسباب أخرى وبطريقة أقل شرفًا وأجرًا في الدنيا والآخرة!.

وخير شاهد على ذلك حديث "جابر بن عبد الله" -رضي الله عنهماـ أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ لقيَه فقال: يا جابرُ ما لي أراكَ منكسِرًا قلتُ يا رسولَ اللَّهِ استُشهِدَ أبي وترَك عليهِ دينًا وعيالًا فقال ألا أبشِّرُك بما لقيَ اللَّهُ بهِ أبوك، إنَّ اللَّهَ لم يُكلِّم أحدًا من خلقِه قطُّ إلَّا من وراءِ حجابٍ وإنَّ اللَّهَ

أحمد الشريف

24 Oct, 15:51


#لماذا_قُتل_أعظم_الشهداء_في_أُحد ؟!.

قبل الإجابة على السؤال يجب تحرير عنوان المقال أولاً، فهو لا يبحث عن لماذا قتل عدد من أصحاب رسول اللهﷺ في غزوة أُحد، لأنه من الطبيعي أن يقتل الناس في الحروب ولقد كان أعظم انتصارات المسلمين في غزوة بدر الكبرى سنة ٢هـ ومع ذلك استشهد منهم ١٤ رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار!.[١]

كما أنه لا يسأل عن السبب المباشر للقتل والذي يعرفه الجميع من قصة سير المعركة، حيث انتصر المسلمون في أول الأمر حتى أن بعضهم ذهب لجمع الغنائم، فاغتر الرماة الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين، وأسرعوا مهرولين لمشاركة إخوانهم جمع الغنائم مخالفين أمر النبي ﷺ لهم بعدم النزول من على الجبل: «إن رأيتُمونا تَخطفُنا الطَّيرُ، فلا تبرَحوا من مَكانِكُم هذا حتَّى أُرْسِلَ لَكُم»..[صحيح أبي داود]..

وهذا خطأ فادح لا ريب ولكن كان من الممكن أن يأتي العقاب بعدد قليل من الشهداء ثم ينصرهم الله بملائكته كما حدث في يوم الفرقان:﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ ( ) بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [سورة آل عمران: ١٢٣-١٢٥]

أو أن يتداركه المسلمون ويصمدون بفضل الله تعالى كما فعلوا يوم "حنين": ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾[سورة التوبة: ٢٥-٢٦]..

وهو اليوم الذي رغم عظيم اندحار المسلمين فيه في أول الأمر والعدد الكبير من القتلى إلا أن كتب السيّر لم تذكر سوى أربعة أسماء فقط من الصحابة على رأسهم "أبو عامر الأشعري" عم أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما!.[٢].

وإذا كان قوة المسلمين يوم حنين مانعة فإن فارق القوة في غزوة الأحزاب كان هائلا لصالح الكفار وحلفائهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾..[سورة الأحزاب: ٩-١٠]

ومع ذلك كان عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة "ثمانية فقط" وكلهم من الأنصار رضوان الله عليهم، أعظمهم وسيدهم هو "سعد بن معاذ" الذي أصيب بسهم في ذلك اليوم ومات بأثره بعد حكمه العادل على يهود بني قريظة بأن يُقتل مقاتلوهم وتُسبى نساؤهم وأطفالهم جزاء وفاقًا على غدرهم وخيانتهم للمسلمين!.[٣].

ومن ثمّ فإن سؤالي تحديدًا هو: لماذا قُتل في "أُحد" "حمزة بن عبد المطلب" عم رسول اللهﷺ وحبيبه، أسد الإسلام الهصور الذي كان حصنًا حصينًا للمسلمين ضد أعداء اللّه، وفارسًا مغوارًا شديد الشكيمة يهابه العدو ويقدره الصديق؟!.

ولماذا قُتل "مصعب بن عمير" سفير الإسلام الأول، الذي بلغ من كرامته عند الله تعالى أن جعل في ميزان أعماله إسلام مدينة بأكملها وليس رجلاً واحداً أو رجلين على عظم الأجر الذي أخبر به النبي ﷺ: «..فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ».[متفق عليه]. ؟!.

ولماذا قُتل "عبد الله بن جحش" ابن عمة رسول اللهﷺ وأول أمير للمسلمين في أول سرية يخرجون فيها في سبيل الله، وهو السيّد الحسيب النسيب الذي كان يستشيره النبي ﷺ ويستأنس برأيه؟!.

ولماذا قُتل "عبد الله بن جبير" ذلك القائد المخلص العظيم الذي شرّفه الله بمبايعة رسولهﷺ في العقبة، ثمّ زاده شرفًا بلقب البدري، وما أدراك عظيم قيمة من شهد بدرًا، وهو الذي ثبت مع ثلة قليلة من الرماة طاعة لأمر رسول اللهﷺ حتى داسته خيل المشركين مقبلا غير مدبر يوم أُحد!.

ولماذا قُتل غسّيل الملائكة "حنظلة بن أبي عامر"، هذا الشاب الذي كان دخوله على عروسه ليلة خروج المسلمين للقاء جيش قريش في أحد، فلما سمع منادي الجـهاد يصيح صباحاً، خرج مسرعًا تاركًا فراش زوجه، ولما استشهد في المعركة أخبر النبي ﷺ أصحابه قائلا عنه: «إن صاحبكُم تُغَسّله الملائكة»!.[رواه الحاكم والبيهقي]

أحمد الشريف

24 Oct, 15:51


أحيا أباكَ فَكلَّمَه كفاحًا وقالَ يا عبدي تمنَّ عليَّ ما شئتَ أعطيكَ قال تردَّني إلى الدُّنيا فأقتلُ فيكَ فقال تعالى لا إنِّي أقسمتُ بيمينٍ أنَّهم إليها لا يُرجعون» [صحيح ابن حبان والترمذي وابن ماجه]..

ثم أنزل الله تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ( ) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[ سورة آل عمران: ١٦٩-١٧٠]..

هذه هي خلاصة الإجابة التي تجول دائما في خاطري كلما قرأت في أحداث غزوة أُحد، وأهم الدروس المستفادة منها. ولقد وجدت مؤخراً كلاماً نفيسًا كتبه #صاحب_الظلال الشهيد "سيد قطب" استأنست به كثيراً لأنه يعضد بقوة لما ذهبت إليه من رأي، ولذا من المهم والمفيد إدراجه للتأكيد على ما جاء في المقال، حيث قال:

«إن صاحب العقيدة مدركٌ لسنن الله مطمئنٌ إلى قدر الله متعرف إلى مشيئة اللّه، فهو يتحرك –بعد التدبير والتقدير والرأي والمشورة– في حدود علمه وفي حدود أمر الله ونهيه، ومن ثمّ فكل ما يقع من نتائج، يتلقاه بالطمأنينة والرضى والتسليم، موقنًا أنه وقع وفقًا لقدر اللّه وتدبيره وحكمته، في توازنٍ "منضبط" بين العمل والتسليم وبين الإيجابية والتوكل، يستقيم عليه الخطو ويستريح إليه الضمير، أما الذي يَفرغ قلبُه من العقيده فهو أبدًا مستطار، أبدًا في قلق، أبدًا في "لو" و"لولا" و"يا ليت" و"وا أسفاه"!.

واللّه في تربيته للجماعة المسلمة وفي ظلال غزوة أُحد وما نال المسلمين فيها، يحذرهم أن يكونوا كالذين كفروا. أولئك الذين تصيبهم الحسرات، كلما مات لهم قريب وهو يضرب في الأرض ابتغاء الرزق، أو قُتل في ثنايا المعركة وهو يجاهد.. [٧]..

والأفضل من كل ذلك هو كلام الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .. وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[سورة آل عمران: ١٥٦-١٥٧] .

وفي النهاية أقول إن هذا ليس فتحًا في الدين وليس إدراكاً جديداً غاب عن الكثيرين، بل هو فهم كل المجاهدين منذ عهد رسول اللهﷺ وحتى يومنا هذا..
فهو ما جعل "يحيى السنوار" يقول: «في هذا السن اقتربت من الوعد الحق وأفضل أن أموت شهيدا على أن أموت فطيسة»!.
وما وراء مقولة "حسن نصر الله": «من جاء أجله ولم يمت في ميدان القتال مات كالنعاج والغنم»!.

وقبلهما قالها سيف الله وقائد جيش المسلمين "خالد بن الوليد": «لقد حضرت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير؛ فلا نامت أعين الجبناء».

وقال ذلك أيضا من هو أعظم منهم جميعاً أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب": «إن حياتكم في موتكم قاهرين ، وموتكم في حياتكم مقهورين، ألا إن الموت حق وخير الموت القتل..»
وأخيرا وليس آخرا قالها صاحب رسول اللهﷺ وخليفته الأول سيدنا وسيد الصحابة "أبو بكر الصديق": «احرصوا على الموت توهب لكم الحياة»..

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف
٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤م/٢١ ربيع الآخر ١٤٤٦م
#معركة_الوعي_أم_المعارك

هوامش المقال:
[١] غزوة بدر الكبرى، محمد أحمد باشميل، صـ١٧٣، المكتبة السلفية، الطبعة الثامنة سنة ١٤٠٥هـ/١٩٨٥م.
[٢] غزوة حنين، محمد أحمد باشميل، صـ٢٣٠
[٣] غزوة الأحزاب، باشميل، صـ٢٣٧، وغزوة بني قريظة، صـ١٨٨
[٤] غزوة أحد، محمد أحمد باشميل، صـ٢٣١
[٥] غزوة أحد، مصدر سابق، صـ٧٤
[٦] غزوة أحد، مصدر سابق، صـ٢٠٠..
[٧] في ظلال القرآن، سيد قطب، جـ٣صـ٢٠١، منبر التوحيد والجهاد.

أحمد الشريف

14 Oct, 06:17


ثم أضاف: «إن أسرتين عربيتين احتكرتا في ذراريهما مهام الخلافة العظمى إلى أن سقط الإسلام بحكامه هؤلاء تحت وطأة التتار..
بأي منطق وقع ذلك؟!.
إن دينًا عالمي الشرائع والشعائر لا يحتمل هذا السفه!.»[٦].

ولعلمك فإن "الغزالي"[١٩١٧-١٩٩٦م] لا ينفرد في رأيه عن بدعة "معاوية" بتوريث الحكم، بل يوافقه الرأي جماعة من أفضل مفكري الأمة وعقولها النيّرة مثل العلامة "رشيد رضا" [١٨٦٥-١٩٣٥م] الذي قال: إن سيرة معاوية تفيد بجملتها وتفصيلها أنه كان #طالبًا_للمُلك ومحبًا للرياسة، وأنني لأعتقد أنه قد وثب على هذا الأمر مفتاتًا..»[٧]

ومثل المفكر الجزائري الكبير "مالك بن نبي" وعلامة الهند "أبو الأعلى المودودي" والأستاذ "خالد محمد خالد" –صاحب الأسئلة في كتاب المائة– والشهيد المفكر "سيد قطب" وغيرهم!.
ولهم كتابات مهمة عن ذلك لو أحببت أتيتك بها جميعًا..
تحياتي..).أ.ه‍ـ

فما كان منه بعد ذلك إلا حذف التعليق متبوعًا بإلغاء الصداقة لأن التعليقات مقصورة على الأصدقاء فقط، وكأن إبداء الرأي المخالف صار جرثومةً وإثمًا نتعوذ بالله منه!.

وقد تعرض تعليق مشابه أيضا عن رأي "الشيخ الغزالي" في "معاوية" للحذف من قبل كاتب إسلامي آخر أكن له التقدير والاحترام لإخلاصه وحرصه على صالح الأمة وإن اختلفت زاوية الرؤية أحياناً هو المهندس "محمد إلهامي"، وقد كان ذلك أول وآخر مرة أعلق عنده في الصفحة، بسبب ذلك الحذف الذي كان في منتصف ديسمبر ٢٠٢٢م.
وللإنصاف كان تعامل "إلهامي" أفضل من سابقيه -نسبياً- حيث لم يلغ الصداقة، كما كتب مبرراً حذف التعليق بسبب ضيق الوقت وعدم إرادته لفتح باب النقاش!.

وهو مبرر غير مقبول بالطبع وإن كنت أتفهمه لأني أحيانا كثيرة لا يسعني الرد لضيق المجال أو عدم مناسبة الوقت مثلما حدث في مقالاتي عن شيخ الإسلام "ابن تيمية" عندما قام الأستاذ الباحث "حسام الدين عوض" أحد أبرز الطاعنين في قيمة شيخ الإسلام بالتعليق المتكرر وإثارة قضايا كثيرة وآراء مغايرة لما كتبته بالمقال مع اتهامات لي بالسطحية والجهل بحقيقة الشيخ، بسبب التأثر بدعايات المدرسة السلفية!.

ولكن على الرغم من عدم الرد على كل التعليقات والاكتفاء بتفنيد بعضها إلا أني تركتها دون حذف أي تعليق، معتمدًا على فطنة القارئ وحسن إدراكه.

وحتى لا يظن البعض أن الحذف بسبب العصبية الدينية والاختلافات العقائدية وما يحيط بهما من حمية وتعصب أضيف حالة أخيرة كان بطلها هو الصحفي والشاعر "يسري الخطيب" الذي كتب في ١٨ مارس ٢٠٢٢م مبرئا الملك "فاروق" من الفساد السياسي والأخلاقي بحجة أنه من دعايات الناصريين.

فعلّقت قائلا: من الشائعات المترسِّخة في أذهان العامة أن الدعاية الناصرية هى من شوّهت تاريخ الملك فاروق، ولكن الحقيقة إن فساد الملك الخليع وضرره بالبلاد وعدم صلاحيته للحكم مُثْبت بالوثائق البريطانية والأمريكية فضلا عن الكتابات المعاصرة له من قِبل كُتّاب مخلصين مثل الأستاذ الشهيد "سيّد قطب" والشيخ الجليل "محمد الغزالي" والمجاهد الوزير "كامل الشريف". (حرصت على الاستدلال بكتاب إسلاميين لأن الكاتب صاحب نزعة إسلامية محمودة)، ومن أجل التوثيق وضعت في نهاية التعليق رابط لمقالي #موسم_البكاء_على_العهد_الملكي ، حتى يُتاح للقارئ أن يطالع الرأي الآخر قبل إصدار الحكم التاريخي ببراءة الملك أو إدانته!.

وكم كانت المفاجأة صادمة عندما قام الأستاذ الصحفي بحذف التعليق وإلغاء الصداقة أيضا، لمنع وتقييد التعليقات المخالفة ومصادرة الآراء المعارضة!.

في النهاية أود التأكيد على أن القضية هنا ليست في إثبات خطأ آرائهم أو صواب تعليقاتي، ولكن القضية مصادرة الرأي المخالف من إعلاميين وكتاب يفترض فيهم القدوة والمثل في الدفاع عن حرية التعبير وعدم الحجر على التفكير في احتمالية صحة الرأي المخالف أو كما روى عن الإمام الشافعي: «رأي غيري خطأ يحتمل الصواب»!.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف
٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤م/ ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ
#معركة_الوعي_أم_المعارك

هوامش المقال:
[١] هناك آراء عديدة مخالفة في كتب التفاسير، ولكني وجدت تأييد ما ذهبت إليه في كتاب "الجامع لأحكام القرآن"، للإمام القرطبي، جـ١٨ صـ١٧١، تحقيق الدكتور عبد الله التركي، طبعة مؤسسة الرسالة بيروت ١٤٢٦ه‍ـ/ ٢٠٠٦م..
[٢] صحيح أبي داود، رقم ٣٥٨٢، وحسّنه الشيخ الألباني..
[٣] مقال الأستاذ "ممدوح إسماعيل" بتاريخ ٢٠٢٤/٩/٢٧م، تحت عنوان: الأخطر أخطر من الأقوى!.
[٤] مقال #فى_الطفولة_السياسية ، فهمي هويدي، نشرته صحيفة الشروق في ٩ فبراير ٢٠١٢م.
[٥] من معالم الحق في كفاحنا الإسلامى، محمد الغزالي، صـ١٠٤، طبعة نهضة مصر..
[٦] مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، صـ٤٥٦، الطبعة الرابعة نهضة مصر سنة ٢٠٠٥م..
[٧] فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، فتوى رقم ١٩٨، صـ٥١٨، عن مجلة المنار جـ٩صـ٢١٣ لسنة ١٩٠٦م، تحقيق د/صلاح الدين المنجد.

أحمد الشريف

14 Oct, 06:17


قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩..﴾ [سورة ص، الآيات ٢١-٢٥]..

وهي الآيات التي توجب على من يظن أن الأمر واضحٌ لا جدال فيه، مطالعة وجهة النظر الأخرى ولو كان احتمالية صوابها –كما جاء في القصة– لا تتجاوز الواحد بالمائة، وألَّا يتَعَجَّل في إصدار الحكم، وهذا من تمام العدل والمساواة وحسن القضاء ولذلك ختم اللّه تعالى تلك الآيات بقوله: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ﴾[١]

وهو أيضا ما نجده في وصية النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب، حين ولاه قضاء اليَمن: «إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضين لأحدهما حتى تسمع من الآخر، فإنَّهُ أحرى أن يتبيَّنَ لَكَ القضاءُ..»[٢]..

أما حديثه الدائم عن المغفلين السنة وافتقار الإخوة في حماس والجهاد للرؤية وحكمة تقدير المآلات، والحديث عن حرص إسـرائيل على عدم القضاء على "حزب اللّه" لأنه يُحجّم "المارد السنّي" الذي كان سيدمرها لولا وجود حزب اللّه!.[٣]. فلا أجد له رداً أفضل مما كتبه الأستاذ "فهمي هويدي" قبل ١٢ سنة:

«إن الرجل يعبر عن مدرسة تبسيط التدين واختزاله فى المظاهر والطقوس الشائعة فى أوساط عوام السلفيين. وهي مدرسة التدين السهل التى تفصل بين العبادات والمعاملات، وتقدم الأولى على الثانية، فتعتبر أن التقرب إلى الله يكون فقط بالالتزام بالشعائر وتنفيذ التكاليف الشرعية، ولا تكاد ترى أن هذا القرب من اللّه يمكن أن يتحقق أيضا بنفع الناس وخدمتهم وتحقيق مصالحهم.

إننا فى تقييم التصرف ينبغى أن نعطيه حجمه دون مبالغة، وألّا نكتفى بقراءته من الزاوية الشرعية، وإنما يتعين اعتباره من قبيل الطفولة السياسية، التى يستسلم لها حديثو العهد بالعمل السياسي. الأمر الذى يُفَسّر بنقص الخبرة وقلة الوعي»!.[٤].

وللأسف الشديد لم يكن مصادرة الأستاذ "ممدوح إسماعيل" للرأي الآخر تصرفًا فرديًّا في الصف الإعلامي الإسلامي باختلاف مدارسه الفكرية، بل تكرر ذلك مراراً مع أشخاص آخرين أكن لهم كامل التقدير والاحترام مثل الباحث الأردني الدكتور "صالح سهيل" الذي كتب في ٢١ مارس الماضي تحت عنوان: «تطور موقف الشيخ الغزالي من سيدنا معاوية رضي الله عنه، والرد على عدنان إبراهيم في ذلك»!.

وفيه حاول إثبات تراجع الشيخ "محمد الغزالي" عن رأيه السلبي المدون بكتاباته القديمة، في "معاوية بن أبي سفيان" صاحب بدعة توريث الحكم في الإسلام والتي تُعد أحد أهم أسباب البلاء على الأمة وضعفها، مستندا في ذلك على ما جاء في كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" وهو من الكتب المتأخرة للغزالي، ثم ختم مقاله قائلا:
«فمن ذلك يتبين خطأ عزو الرأي الأول للغزالي، دون التطرق لرجوعه عنه، لا سيما حين يصدر من بعض الأدعياء المنتفخين، مثل عدنان إبراهيم، الذي زعم اطلاعه على (كل) كتب الشيخ الغزالي!.
ويتبين لكل عاقل أنه إما كاذب منتفخ في زعمه، أو مرتكس في حمأة الخيانة والتدليس».أ.هـ

فما كان مني إلا أن علقت على ذلك قائلا بالنص:
( لا يهمني ذلك المدعو "عدنان إبراهيم" في شيء، ولكن أحب أن أبرئ ساحة الشيخ الجليل "محمد الغزالي" من تهمة التراجع عن رأيه في "معاوية بن أبي سفيان"!.

وذلك لأن خلاف "الغزالي" مع "معاوية" ليس شخصيًّا، وإنما بسبب تغيير الأخير للقيم الإسلامية وانهاء الحكم الراشد ونقض عروة الإسلام الأولى بابتداع التوريث، ونحو ذلك مما نراه صراحًا في قوله:

«لا نعرف من كتاب الله ولا سنة رسولهﷺ سندا لهذا الإقطاع السياسي الرهيب.. ولا ندرى لما امتد في آفاق الإسلام هذا الدخان الخانق الكئيب!.
فإن الذي ندريه جيدا أن أمر المسلمين شورى بينهم، وأنه ليس لأحد أن يفتات عليهم أو يستبد بهم، وأن الشعوب تختار أكفأ رجل فيها لتلقي إليه زمامها، وأنها تسأله عما اؤتمن عليه، وتدنيه أو تقصيه حسب سيرته فيها.. لكن أبناء هذه الأسر حكموا فقل فيهم القوي الأمين وكثر فيهم الفجرة الخونة، وكانت مقاليد الحكم تصل إليهم ميراثًا مقررًا!.
وكان أول من ابتدع هذه البدع وغرس #شجرتها_المشئومة "معاوية".. وأظن أن "الحسين" كان يحس الأخطار على حاضر الإسلام ومستقبله من الطريقة التي مَلَكَ بها "يزيد" أَزِمَّة الحكم.»[٥]..

ولو حضرتك قرأت بإنصاف بعيدا عن الهوى ما كتبه في كتاب "المائة سؤال" (الذي تريد أن تثبت منه التراجع) لوجدته يؤكد ذلك قائلاً في قوله:
«إن "علي بن أبي طالب" كان إمام حق، وإن "معاوية" كان يمثل نفسه وعصبيته في خروجه على "علي".. فتحولت الخلافة إلى ملك عضوض في بني أمية.. وهذا التحول كان هزيمة للحق!.»

أحمد الشريف

14 Oct, 06:17


#آسف_على_التعليق_والاختلاف_في_الرأي !.

كان الروائي "علاء الأسواني" قبل ثورة يناير يكتب مقالات سياسية في غاية القوة وينشرها في منصات مختلفة منها جريدة العربي الناصري الأسبوعية التي كانت تصدر كل يوم أحد وكنت أحرص على متابعتها بصورة كبيرة ودورية.

ومن أكثر ما تميزت به مقالاته فضلًا عن الجرأة والشجاعة في مواجهة مظالم النظام وفساده هو حرصه على تذييلها دائما بشعار #الديمقراطية_هي_الحل . وهو الشعار الذي لا يُفعّل إلا في أجواء يسودها الحرية واحترام الرأي الآخر وعدم إقصاء الرأي المخالف بل الدفاع المستميت عن حرية إبدائه، اتّباعًا لمقولة الفيلسوف "فولتير"[١٦٩٤ - ١٧٧٨م] ملهم الثورة الفرنسية وأحد رموز عصر التنوير: «قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك»!.

ونستطيع أن نقول مثل ذلك على نماذج أخرى من المثقفين والسياسيين "الليبراليين" مثل الدكتور "محمد البرادعي" والأديب "بلال فضل" وغيرهما!.

ولكن للأسف سقطت كل تلك الشعارات عندما خالف غالبية الشعب المصري رأيهم واختار التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين من أجل قيادة البلاد عقب ثورة يناير المجيدة التي أنهت حكم الرئيس "حسني مبارك".

ومن ثمّ كفروا بالديمقراطية وآلياتها وشعارات حرية التعبير واختاروا إقصاء الإخوان المسلمين –رفقاء الثورة– من المشهد، ومصادرة الآراء المغايرة لهذا النهج!.

قد يظن البعض أن المقال خاص بثورة يناير والانقلاب عليها، ولكنه بعيد عن ذلك كل البعد، وإنما ذكرت هذه النماذج الثلاثة (الأسواني والبرادعي وفضل) لكونهم شخصيات مقدرة كانت جزءًا من المعارضة أيام "مبارك" ولم تبع نفسها للعسكر بعد الانقلاب، كما أنها كانت تتعاون وتُثمّن دور "الإسلامي السياسي" في مجابهة طغيان "مبارك" وفساد رجاله. ولأنها سقطت في اختبار الحرية وخانت إيمانها بمبدأ "فولتير" وهذا بيت القصيد في مقال اليوم!.

وهو المقال الذي شرعت في كتابته بعد قيام المحامي الشهير وعضو مجلس النواب السابق الأستاذ "ممدوح إسماعيل" بحذف تعليقي من على مقاله الذي نشره بالأمس تحت عنوان: "حكم سب السيدة عائشة رضي الله عنها".. وكان يهدف من ورائه إلى وضع "حزب الله" اللبناني في سلة واحدة مع "إسـرائيل" مبيناً أن المصلحة تكمن في هزيمة حزب الله وإضعافه وليس كما يرى "المغفلون" من الإخوان المسلمين ومن لف لفهم من المغترين بالثورة الإيرانية –على حد تعبيره– في انتصار حزب الله على العدو الصـهيوني، خير الأمة وطوق نجاتها!.

بالطبع لم أناقش تلك الفكرة البائسة ولكني كتبت تعليقًا مفاده أن "حسن نصر الله" الأمين العام لحـزب اللّه لم يسب أحد الصحابة الكرام ولا إحدى أمهات المؤمنين في كل أحاديثه ولقاءاته التي أتابعها بدقة منذ ربع قرن تقريباً. بل لقد سمعته يستدل في واحدة من خطبه، من أجل تحفيز رجاله لتحرير جنوب لبنان من دنس الصـهاينة، بكلمة الصديق أبي بكر "اطلبوا الموت توهب لكم الحياة" ونسبها إليه. بُناء عليه فإن المقال بأكمله صار مبنيًّا على وهم مفترض لا يمكن إثباته!.

ثم قمت بوضع رابط لقاء مسجل مع "نصر اللّه" يؤكد على اتّباعه وجميع رجال "حزب اللّه" فتوى المرجع الديني "علي خامنئي" بتحريم سب الصحابة وتنزيه أمهات المؤمنين!.

فما كان من النائب المحترم إلا أن قام بحذف التعليق وإلغاء الصداقة دون مناقشة، في واحدة من صور مصادرة الرأي، لا تليق بمثله، ولا تجوز لمن يتصدر للكتابة في الشأن العام..

فإن صفحات التواصل الاجتماعي قد تحولت من صفحات شخصية إلى منابر ومنصات لنشر الفكر والمعرفة ويستقي منها الكثيرون معلوماتهم ويتشكل من خلالها وعيهم وثقافتهم. ولذا وجب على كل كاتب أن يسمح بوجود الرأي المخالف، مهما كان بعده عن قناعاته الشخصية –طالما في حدود اللياقة والأدب– لأن اختلاف الآراء صار حقًّا من حقوق القارئ الذي عليه أن يوازن ويدقق قبل أن يتبع أقرب الآراء للحق والصواب.

وإذا كان الليبراليون يتشدقون بمبدأ "فولتير" في هذا الصدد، فإنهم لا يعلمون أن الاستماع إلى الرأي الآخر واجبٌ دينيٌّ وأمرٌ إسلاميٌّ قبل أن يولد "فولتير" ذاته بأكثر من ألف ومائة سنة!.

حيث قال الله تعالى في قرآنه العزيز الحكيم: ﴿وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ .. إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ..
إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ..

أحمد الشريف

09 Oct, 19:33


#الطريق_إلى_كامب_ديفيد (٣)..

#الصُّلح_المحرم_وميدان_السادات_في_إسـرائيل !.

وقفت رئيسة الوزراء الإسـرائيلية "جولد مائير" في المؤتمر الصحفي المنعقد بالعاصمة لندن تضع شروطها لخارطة السلام مع الدولة المصرية قائلة: «إن إسـرائيل يجب أن تحتفظ بشرم الشيخ وبطريق يفضي إليها، ويجب أن تجرد سيناء من السلاح، وإن الحدود حول "إيلات" يجب تعديلها، وإن المصريين يجب ألا يعودوا إلى "غزة"، وإن مرتفعات "الجولان" سوف تظل تحت السيطرة الإسـرائيلية، وكذلك "القدس" التي يجب أن تبقى موحدة، ولذلك من الضروري إجراء تعديلات على الحدود مع الضفة الغربية!.[١].

بالطبع لا يمكن لهذه الشروط أن تثير جديدا فهي تقريبًا ما تَمَخَّضَت عنه اتفاقية السلام التي وقع عليها "السادات" مع "بيجن" برعاية الرئيس الأمريكي "كارتر" في مارس ٢٦ مارس ١٩٧٩م!.
ولكن المفارقة المثيرة لمشاعر الدهشة والقهر والحزن الشديد هي معرفة أن تلك التصريحات كانت في شهر مارس أيضا ولكن قبل ثماني سنوات من توقيع الاتفاقية وتحديدا في ١٣ مارس ١٩٧١م، أي قبل حرب أكتوبر المجيدة وما قُدّمَ فيها من تضحيات عظيمة بشرية ومادية!.

وقد رفض "السادات" وكافة الأنظمة العربية تلك الشروط التي وضعتها "جولدا مائير" حيث كانت تتكلم بلغة المنتصر بعد النكسة المُذّلة التي أصابت العرب بقيادة "عبد الناصر" في يونيو ١٩٦٧م.

ويمكن تفسير ما دفع "جولدا مائير" (المنتصرة) لعرض الانسحاب من سيناء في حالة الموافقة على تلك الشروط، بما تكبدته دولتها من خسائر بشرية ومادية في حرب الاستنزاف التي خاضتها "مصر" ضدها بعد النكسة وتوقفت بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي "وليام روجرز" في صيف ١٩٧٠م، حيث تم عقد هدنة ووقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر بين البلدين. والتي رفض "السادات" تمديدها في فبراير ١٩٧١م بعد رفض إسـرائيل لمسودة السلام التي عرضها والتي تقضي بانسحاب إسـرائيل من الأراضي التي احتلتها بالقوة في حربها الظالمة المعتدية سنة ١٩٦٧م، وإعادتها تحت السيادة الكاملة للدول العربية.

ومن ثمّ اقترحت "مائير" تلك الشروط التي يمليها المنتصر كخارطة طريق للسلام معها، مما أجبر "السادات" على الذهاب لخيار الحرب الذي لم يكن منه مفر، خاصة مع غليان الشارع المصري والعربي للثأر من هزيمة يونيو ١٩٦٧م واسترداد الكرامة!.

وهو ما يجب التأكيد عليه حتى لا يمنّ علينا أحد بأن "السادات" هو من أعاد "سيناء" ولولاه لظلت محتلة حتى يومنا هذا، مع العلم أن "غزة" على ضعف الإمكانيات والحصار الصـهيوني والمصري ضدها تم تحريرها من دنس الاحتلال سنة ٢٠٠٥م عندما أُجبرت حكومة "شارون" على الانسحاب منها تحت ضغط العمليات الاسـتشـهادية، والعجز عن حماية المستوطنين في القطاع..[٢].

وكما رأينا أيضا قبلها مع مطلع الألفية في مايو ٢٠٠٠م نصر الأمة العظيم بتحرير أراضي "جنوب لبنان" التي اجتاحها الصـهاينة في العام ١٩٨٢م، على إثر استنزاف قواتهم وارتفاع وتيرة القتل في جنودهم هناك، لدرجة مشاهدة فرح الجنود الإسرائيليين بسلامة الخروج من جحيم "حزب الله"، وانتهاء حالة الذعر التي جعلتهم يطلقون النار على أنفسهم أثناء الإنسحاب!.

ومن الأهمية بمكان إبراز موقف الرئيس اللبناني المسيحي "أميل لحود" حينها وتصريحه العظيم: «لن أوقع أي اتفاق أو اعتراف بإسـرائيل حتى تعود كافة الحقوق العربية وأولها القدس المحتلة»!.

وقد يشكك بعض أنصار السلام مثيرًا للشبهات حول أن "سيناء" تختلف عن "غزة" و"جنوب لبنان"، وأنه لم يكن في الإمكان أفضل مما فعله السادات من أجل استردادها!.

لذا أحيلهم لكلام المؤرخ الفرنسي القدير والاختصاصي في الشؤون العسكرية في منطقة الشرق الأوسط الدكتور "بيير رازو"، الذي كتب دراسة وافية عن حرب أكتوبر، يوضح فيها أن نقاط القوة لدى إسـرائيل تكمن في: «تفوق جويّ غير منازَع، وخبرة ممتازة في عمليات المدرعات، وسيطرة تكنولوجية كبيرة، ومفهوم تعبئة فعّال يرافقه تدريب صارم لجنود الاحتياط»..

وأما نقاط ضعف إسـرائيل فهي: «طول خطوط اتصاله الجديدة وتباعدها، وعدم قدرته على أن يتحمل اقتصاديًّا صراعًا طويلًا (قوات الاحتياط هى عماد الاقتصاد للدولة العبرية)، فضلا عن استحالة تحمّله خسائر بشرية كبيرة، وعقدة تفوقه (غرور النصر من جرّاء نتائج الحروب السابقة ضد العرب) التي تعمي بصيرته».[٣]..

ومن ثمّ كان من الممكن استغلال تلك النقاط جيدا في استرداد سيناء كاملة السيادة دون الاضطرار إلى توقيع معاهدة شائنة كتلك التي أبرمناها، ولكن توالت القرارات الكارثية الرعناء للسادات منذ قرار تطوير الهجوم والتقدم خارج نطاق مظلة الصواريخ مما أحدث الخسائر الكبيرة في الجيش وخاصة الدبابات، وما تبعه من خرق القوات الإسـرائيلية لدفاعاتنا وتقدمها غرب القناة وحصار الجيش الثالث ومدينة السويس. مع رفض "السادات" لخطط تصفية القوات الإسـرائيلية عند "الدفرسوار" كما صرح بنفسه فيما بعد.

أحمد الشريف

09 Oct, 19:33


فضلا عن كفالة نفس البند لحرية السفن والبضائع المتجهة من وإلى إسرائيل بالمرور عبر قناة السويس وطرق الاقتراب إليها حسب اتفاقية القسطنطينية سنة ١٨٨٨م!.

حيث لم يكن الهدف الإسرائيلي هو احتلال شرم الشيخ بل السيطرة على مضيق تيران الذي يعتبر المنفذ الوحيد للوصول إليها عبر البحر الأحمر. وقد كان إغلاقه بأمر "عبد الناصر" السبب الرئيسي في حرب يونيو ١٩٦٧م، كما كان الدافع الأكبر من اشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر سنة ١٩٥٦م!.[١١].

وقد كان هذا أكثر ما يقلق إسرائيل بعد ثورة يناير ٢٠١١م، وخاصة مع وصول جماعة الإخوان الإسلامية المعادية لها للحكم، فكان منح جزيرة تيران للسعودية الحل الأمثل الذي ينهي سيطرة مصر منفردة على المنفذ إلى الأبد ويحوله إلى منفذ دولي تحسبا لتغير النظام مرة أخرى مستقبلا!.

وفي الختام يجب الإشارة إلى أن الدولة الصـهيونية قد قامت في العام ٢٠٠٩م، بوضع كافة بنود وملحقات اتفاقية السلام أمام مراكز الدراسة هناك للاستفادة من دروس التاريخ ومعرفة الميزات والمثالب. فكانت النتيجة أن عوائد الاستفادة من تلك المعاهدة بالنسبة إليها لا حصر لها ومنها على سبيل المثال:

أ- الاعتراف بها وإنهاء المقاطعة التي ساعدتها في التواجد دوليا وخاصة في أفريقيا التي اتخذت معظم دولها قرارات قطع العلاقة معها بعد العدوان في ١٩٦٧م.
ب- أطلقت يد إسرائيل في المنطقة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، وذلك بإخراج مصر الدولة الوحيدة القادرة على طول المواجهة، خارج معادلة القوة بينها وبين العرب. لأنه تم وضع نص كارثي يقضي في حالة التعارض بين التزامات الأطراف طبقا للمعاهدة مع أي التزامات أخرى لهما.. فإن الالتزامات طبقا للمعاهدة سوف تكون ملزمة.وهو ما جعلها تعلو على كافة الاتفاقيات العربية السابقة وخاصة الدفاع المشترك، مما كبل مصر أمام اجتياح لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.[١٢]..

ج- كفالة الحماية الأمنية من جهة الحدود مع مصر حيث ألزمت المعاهدة منع استخدام أراضي الطرفين في تهديد الطرف الآخر.
د- كما منحت للمواطن الإسرائيلي حرية التنقل دون تأشيرة إلى شبه جزيرة سيناء. لدرجة أن جهاز المركزي للإحصاء رصد وصول أكثر من مائة ألف إسـرائيلي (بالتحديد ١٠٩٣١٩مواطن) إلى جنوب سيناء في الشهور الثمانية الأولى السابقة على تفجيرات طابا في أكتوبر ٢٠٠٤م.

هـ- ضمان توفير امدادها بالطاقة النفطية وبأقل من السعر العالمي، فضلا عن التغلغل الاقتصادي والتجاري في المنطقة!.
و- كانت فاتحة البداية في هرولة الأنظمة العربية إلى ركوب قطار التطبيع وإقامة التحالفات والعلاقات العلنية دون خشية اللوم والاستنكار.

ولا يقول أحد ما ذنب مصر فيما قام به الغير، لأنه من الطبيعي بحكم الجغرافيا والتاريخ والثقافة أن يتطلع الإنسان العربي في مآسيه إلى مصر التي منها يزحف السقوط إذا ما سقطت، ومنها يعم النهوض إذا ما نهضت!.

ومن أجل كل ذلك قامت إسـرائيل بمناسبة مرور ٣٠ سنة على المعاهدة التي اعتبرها الخبراء هناك بمثابة الميلاد الثاني للدولة العبرية، وتحديدا في ٢٣ ديسمبر ٢٠٠٩م بتكريم اسم "السادات" وإطلاقه على #ميدان_حيفا الرئيسي في حي "رمات بيغين" في احتفالية كبيرة حضرها "ياسر رضا" سفير مصر لدى الكيان الغاصب!.

وبذلك يصدق فيه قول الشيخ "الغزالي" [١٩١٧-١٩٩٦م] الذي كتبه في شهر رمضان ١٣٩٣ه‍ـ/ أكتوبر ١٩٧٣م: «الواقع أن إسـرائيل ونماءها لا يعود إلى بطولة مزعومة لليهود قدر ما يعود إلى عمى بعض الحكام العرب المرضى بجنون السلطة وإهانة الشعوب. ولو أنصف اليـهود لأقاموا لهؤلاء الحكام #تماثيل ترمز إلي ما قدموا لإسـرائيل من عون ضخم ونصر رخيص»!.

وربما تكون #الحجة_الأخيرة عند دراويش "السادات" هو إنهاء حالة الحرب وتحقيق السلام وحلم الرخاء الذي وُعدنا بهم مرارا، فإن الرد البليغ جاء من مقال الأستاذ "محمد المنشاوي" بتاريخ ٢١ سبتمبر ٢٠١٧م في جريدة الشروق:

«إن النظم العسكرية الحاكمة منذ ظهور دولة إسرائيل سواء خلال نظام حكم "عبد الناصر"، أو "السادات"، أو نظام "مبارك"، وما تلاه، بما فيها من عقود طويلة تحت معاهدة السلام بين الدولتين، وخلال حالة الاسترخاء العسكري الطويلة لم تنجح في تحقيق أي تنمية حقيقية يشعر بها غالبية الشعب. ولم تحقق مصر منذ انتهاء آخر حروبها ضد إسـرائيل عام ١٩٧٣م، اختراقات تكنولوجية أو تنموية تماثل ما وصلت إليه إسـرائيل، رغم عدم توقف إسـرائيل عن خوض الحروب بلا هوادة، ومازلنا كدولة نقترض بلا توقف لإطعام شعوبنا وقضاء حاجاتنا»!.

أما #حجتنا الأولى والأخيرة التي غفلنا عنها كثيرا في زحمة التفاصيل وإنكار النظام لها ومحاربتها. والتي لم يغفل عنها العدو يوما، إذ جعلها الأساس لقيام دولته، فهي #تعاليم_الإسلام.
حيث جاء في كتاب النبي ﷺ المعروف بدستور المدينة: «إن سلمَ المؤمنين واحدةٌ، لا يُسالِم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواءٍ وعدل بينهم!.»[١٣]..

أحمد الشريف

09 Oct, 19:33


ثم تخليه بعد وقف إطلاق النار عن الأماكن الاستراتيجية التي حازها في سيناء رضوخا لاقتراحات "كيسنجر" التي بكى بسببها الفريق "الجمسي" كما فصلنا في المقال السابق، فضلا عن تفريطه في أوراق القوة من قطع العلاقة مع الحليف السوفييتي إلى نبذ الإخوة العرب رفقاء السلاح بما يمتلكون من أوراق قوة أهمها النفط والمال!.[٤].

ورغم ذلك كانت هناك فرصة دائما أمام "السادات" للعودة والتراجع من الطريق إلى هاوية الحضن الأمريكي الصـهيوني، للربح بصورة أفضل وتحسين مركزها التفاوضي حتى بعد توقيع بروتوكولات "كامب ديفيد" في سبتمبر ١٩٧٨م، كان هناك فرصة للتراجع، حتى أن أحد أصدقاء "السادات" و"إسرائيل"، الرئيس الفرنسي "ديستان" أعرب للسفير المصري هناك "حافظ إسماعيل" وللمسئولين المصريين في ديسمبر ١٩٧٨م، عن عدم تفهمه للموقف المصري.. فلم تكن مصر في موقف يضطرها للسير إلى آخر الشوط.. وأنها سوف تكون في مركز أفضل لو رفضت الانسياق لاتفاق مستقل»!.[٥].

ولكن للأسف كان كبرياء "السادات" وغروره وغباؤه بالمرصاد لأي خطوة للوراء، في حين كان "بيجن" دائم التهديد بإلغاء كل شيء، وهو ما شهد به الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" أثناء رحلته الاخيرة لإتمام الاتفاقية عندما زار القاهرة يوم ٧ مارس ١٩٧٩م، قبل أن يتوجه إلى إسرائيل يوم السبت ١٠ مارس، حاملا تفويضا مطلقا من "السادات" للتفاوض مع إسـرائيل بشأن النص النهائي للمعاهدة!.

ونرى ذلك بوضوح في إصرار "بيجن" أثناء اجتماعه يوم ١٢ مارس بالرئيس الأمريكي، على كل مواقفه بشأن جميع القضايا وطلب فضلا من ذلك وعدا مصريا قاطعا ومكتوبا ببيع ٢,٥ مليون طن من البترول سنويا لإسـرائيل. وقام بالتعديل في نصوص المواد حتى أنه أصر على حذف كلمة "سلام شامل" من المادة السادسة، بدعوى أنها إذا لم تحذف سيبدو أن المعاهدة مرتبطة بأطراف عربية أخرى غير مصر ومتوقفة على مواقفهم بشأن إقامة السلام مع إسرائيل.

كما طالب بإرسال سفير مصري لدى إسرائيل قبل إنهاء المرحلة الأخيرة من الانسحاب من سيناء، وعدم السماح للمصريين بالعودة إلى "غزة" مرة أخرى كما كان الحال قبل يونيو ١٩٦٧م، ولقد حاول "سايروس فانس" وزير الخارجية الأمريكي المصاحب لكارتر إنقاذ الموقف بإقتراح إسقاط كل من قضيتي غزة والنفط من الاتفاق. حيث أن كلاً منهما لم تدرج في اتفاقات كامب ديفيد، إلا أن "بيجن" قال: إن النفط مسألة حياة أو موت، ولا يمكن إخراجه من الاتفاق. وقد اقترح "موشى ديان" الذي كان يمثل معسكر الاعتدال حذف موضوع غزة من الاتفاقية!. [٦].

والعجيب أنه عندما حاول "مصطفى خليل" رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية –تولاها بعد سلسلة الاستقالات للوزراء السابقين إسماعيل فهمي ومحمد رياض ومحمد إبراهيم كامل– المطالبة ببعض التعديلات في الصياغة على غرار التعديلات الصـهيونية التي استجيب لها بالكامل، أخبره "كارتر" غاضبا: «أنا رئيس الولايات المتحدة أقوى دولة على ظهر الأرض، عملت ساعيا للبريد على مدى السنة والنصف الماضية ولقد بذلت جهدي ولا أستطيع العودة إلى محاولة تغيير الصياغة»!.[٧].

وفي النهاية تم توقيع الاتفاقية في ٢٦ مارس، والتي نصت على عدم تواجد مطارات حربية في كامل شبه جزيرة سيناء وتجريدها من السلاح ووضع قوات دولية مع التفتيش الدوري للتأكد من تنفيذ أحكام الملحق العسكري من الإتفاقية!.

كما ظلت غزة والضفة والقدس تحت السيادة الإسـرائيلية، مع السماح بحرية المرور والتنقل للسيارات والأفراد من مواطني البلدين عبر معبر طابا دون وضع قيود تمييزية مع كفالة الزيارة للأماكن الدينية والتاريخية والمحافظة على النصب التذكاري لكل بلد وعدم منع زيارتها كما نصت عليه المادة الثامنة من الملحق الأول والمادة الرابعة من الملحق الثالث الخاص ببروتوكول العلاقات بين الطرفين!.[٨].

كما تم صياغة ملاحق خاصة بالتطبيع في المجالات المختلفة من قبل الإدارة الأمريكية وبصياغة صـهيونية عن طريق مشاركة العديد من الشخصيات العلمية في إسـرائيل وبخاصة مجال الزراعة ومشروعات المياه وتنمية سيناء وإعادة بناءها ومجال السياحة[٩].

فضلا عن التطبيع الدبلوماسي الاقتصادي والتجاري والذي نتج عنه كامل الاعتراف بالدولة العبرية لأول مرة من قبل دولة عربية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل في ١٨ فبراير سنة ١٩٨٠م، والتوقيع في ٨ مايو على أول اتفاق للتجارة بين البلدين، مع السماح بإقامة المراكز التجارية والاشتراك في المعارض، وتبادل زيارة الوفود التجارية وغيرها من الإجراءات التي نصت عليها الملاحق رقم ٦،٥،٤ من المعاهدة!.[١٠].

ومن ثم نرى بوضوح أن كل ما اشترطته جولدا مائير قبل حرب أكتوبر تم تنفيذه وزيادة بالمعاهدة، فيما خلا شرط الاحتفاط بشرم الشيخ والذي تم حله بالبند الخامس الذي يلزم مصر باعتبار مضيق (تيران-شرم الشيخ) وخليج العقبة مياها دولية مفتوحة لجميع الدول ولحرية الملاحة البحرية فيها والطيران في أجوائها.

أحمد الشريف

09 Oct, 19:33


♦️وهذا النص يقتضي عدم جواز إبرام صلح منفرد مع أعداء الأمة الإسلامية، وهو الحكم الموجه بالأساس إلى حكام المسلمين، إذ هم الذين يتولون عقد المعاهدات في أثناء الحروب وبعدها، فلا يجوز لحاكم الانفراد بإبرام صُلح مع أعداء الأمة المحاربين لها!..[١٤]..

فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ.[سورة محمد: الآية ٣٥].

كتبه الفقير إلى عفو الله / أحمد الشريف
٧ أكتوبر ٢٠٢١م / ١ ربيع الأول ١٤٤٣هـ

#معركة_الوعي_أم_المعارك ..

هوامش المقال:
[١] عملية السلام ،وليام كوانت، صـ١٢٩، مركز الأهرام، الطبعة الأولى سنة ١٩٩٤م.
[٢] لتفاصيل قصة غزة من السقوط إلى التحرير، رابط المقال بالتعليق الأول..
[٣] السادات، روبير سوليه، صـ١٢٣، دار نوفل بيروت طبعة ٢٠١٥م. نقلا عن كتاب: حرب يوم كيبور / أكتوبر ١٩٧٣م، بيير رازو، صـ٣٣.
[٤] المقالان السابقان من تلك الدراسة في التعليق الثاني وللمزيد عن حرب أكتوبر/رمضان وبعض تفاصيلها وما جرى فيها وبعدها، وتفاصيل تفريط السادات في مصادر القوة، يُرجى مراجعة مقالات #حرب_أكتوبر_في_الميزان .. الرابط في التعليق الثالث.
[٥] أمن مصر القومي، محمد حافظ إسماعيل، صـ٤٥٦، طبعة مركز الأهرام للترجمة سنة ١٩٨٧م..
[٦] عملية السلام ،وليام كوانت، صـ٢٩٨، وما بعدها، فصل بعنوان: كارتر يتوجه إلى الشرق الأوسط، طبعة مركز الأهرام سنة ١٩٩٤م.
[٧] وليام كوانت، مصدر سابق، هوامش الفصل الثاني عشر، صـ٥٣٣
[٨] "السادات" ٣٥ عاما على كامب ديفيد، فاتن عوض، صـ٤٦١، وصـ٤٧١ طبعة سنة ٢٠١٣م.
[٩] للتقرير بالكامل يرجى مراجعة مجلة شؤون فلسطينية، مجلد الأعدد ١٢٩-١٣٠-١٣١ بتاريخ أغسطس/سبتمبر/أكتوبر سنة ١٩٨٢م، إبراهيم نوار، صـ١٥٠ وما بعدها.
[١٠] لكافة بنود المعاهدة وملاحقها، كتاب : "السادات" ٣٥ عاما على كامب ديفيد، فاتن عوض، صـ٤١٦ وما بعدها.
[١١] للتفاصيل يُرجى مراجعة الرابط في التعليق الرابع.. مقال مهم جدا بعنوان: #حكاية_المضيق ..
[١٢] أمن مصر القومي، حافظ إسماعيل، صـ٤٦٠، طبعة مركز الأهرام
[١٣] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، صـ٦٠، ط.السادسة، دار النفائس، بيروت ١٩٨٧م
[١٤] في النظام السياسي للدولة الإسلامية، د. محمد سليم العوا، صـ٥٨، دار الشروق، ط.الثامنة سنة ٢٠٠٦م..

#معاهدة_سلام_أم_عقد_إذْعَان_شُبهات_وردود ؟!.
#إعادة_نشر_لواجب_الوقت

أحمد الشريف

25 Sep, 18:02


#الطريق_إلى_كامب_ديفيد ..(٢)..

#بنود_المعاهدة_السّريّة !.

بعد أكثر من ربع قرن على الحظر الإعلامي للكاتب الصحفي الأستاذ "محمد حسنين هيكل"، منذ أن أقاله الرئيس "السادات" من رئاسة مؤسسة الأهرام الصحفية سنة ١٩٧٤م، ظهر الأستاذ على قناة "دريم" في صيف العام ٢٠٠٢م متحدثا عن الشأن العام العربي والعالمي، ومحللًا للأحداث السياسية الجارية والتاريخية بصفته أحد أبرز رجال الصحافة في العالم أجمع.

ولقد لفت انتباهي بشدة وقتذاك حديث الأستاذ عن بنودٍ وتوافقاتٍ سرية تم الاتفاق عليها بين "السادات" وقادة الحكومة الإسـرائيلية ضمن اتفاقية السلام بينهما، تُلزم مصر بواجبات تجاه إسـرائيل تضر بالأمن الاستراتيجي العربي!.

ولأن الممنوع مرغوب فقد حرصت من يومها على البحث عن ماهية تلك البنود السرية، ومدى خطورتها على الدولة المصرية خاصة وقضية الصراع العربي الاسـرائيلي بوجه عام..

ومن ثم عكفت على القراءة والبحث في الموضوع بدأب وجدية لبضع سنين لم أعثر فيها على دليل واحد أو معلومة مؤكدة عن ماهية تلك البنود السرية!.

ومع ذلك لم أتوان في الأمر حتى صار حالي أشبه بقول الحافظ "ابن الجوزي": «تأملتُ حرص النفس على ما مُنعت منه، فرأيتُ حرصها يزيد على قدر قوة المنع. أو كما جاء في الأمثال: "المرء حريص على ما مُنع، وتوّاق إلى ما لم ينل"»[١]..

ورغم أنني في نهاية المطاف تيقنت من كون البنود السرية المزعومة هي أسطورة أخرى من أساطير الأستاذ "هيكل"، مثل ادعائه معرفة الحسابات البنكية السرية لثروة الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، والتي تبين من تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع معه أنها مجرد أكذوبة وفرقعة إعلامية.

إلّا أن تتبع موضوع المعاهدة والتعمق في البحث ضمن عشرات الكتب والمذكرات لكُتاب عرب وأجانب، من كبار الصحفيين والعسكريين، والوزراء والمثقفين، وفيهم أصدقاء "السادات" وخصومه أيضا، أَفَادتني أيما إفادة.

وعلمت أننا لسنا في حاجة لوجود تلك البنود السرية من أجل التيقن من الضرر الرهيب الذي حاق بالأمة من جرّاء توقيعها، أو حتى لنوصم "السادات" بالخيانة والتفريط في مصالح الأمة وأمنها القومي، حيث يكفي معرفة حقيقة وواقع ما جرى. وكيف أدار المعركة ضد العدوّ بشقيها العسكري والسياسي لنرى ذلك بيُسْرٍ ووضوح!.

وأظن أنه من دواعي الإنصاف أن نحاكم "السادات" بطريقته في الحكم على سلفه. حيث قام بلمز طريقة تعامل "عبد الناصر" مع القوى الدولية، فقال: «كان "عبد الناصر" يحب رقعة واسعة للمناورة، وعندما يجدها فهو مناور ممتاز، ولكن الذي حدث أنه قطع علاقاته بأمريكا والغرب، والعرب وشاه إيران، ولم يبق له إلا السوفييت. وهذا لم يعطه حرية للمناورة، خاصة وأن السوفييت عاملوه معاملة أبعد ما تكون عن الكرم والكرامة»!.[٢].

وعلى الرغم مما في قول "السادات" من مغالطات عدة منها ما يتعلق بالعلاقات المصرية العربية، وبالدور الكبير للاتحاد السوفيتي الذي كان كريمًا بالفعل مع دولتي المواجهة مصر وسوريا.[٣]..

لكن وجه الاستدلال من كلامه هو ما قام به عندما أحرق مراكبه كلها، ووأد أدنى فرصة للمناورة السياسية، قائلا "إن كل أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وحدها"، ومن ثمّ تبرع بقطع علاقته مع الاتحاد السوفيتي الذي وقف معه في الحرب وكذلك خرج من دائرة الدول العربية التي لم تتحد عبر تاريخها بالصورة التي كانت عليها أثناء حرب العاشر من رمضان المجيدة.[٤].

وللأسف لم يكن ارتماء "السادات" في الحضن الأمريكي ونبذه لرفقاء السلاح وتنكره لهم متأخرًا، بحجة شح المساعدات العربية بعد الحرب على حد زعمه، بل شرع في ذلك قبل حتى أن تجف دماء رجال الجيش المصري التي سالت على تراب سيناء بالسلاح الأمريكي، للدرجة التي أدهشت الأمريكان أنفسهم، وجعلت وزير خارجيتهم "هنري كيسنجر" يعرب عن تقديره الكبير للرئيس في برقية أرسلها "أشرف غربال" سفير مصر لدى "واشنطن"، إلى وزير الخارجية "إسماعيل فهمي" بتاريخ ١١ يناير ١٩٧٤م، يثمن فيها "كيسنجر" ما أقدم عليه "السادات" من مخاطر كبيرة، بدخوله في اتصالات عميقة مع الولايات المتحدة التي كانت تمد عدوه بالعتاد والسلاح أثناء الحرب!. [٥].

ورغم ذلك لم يكن المقابل الأمريكي على مستوى الكرم الحاتمي للسادات، حيث أصر "كيسنجر" على سحب معظم القوات المصرية من الضفة الشرقية للقناة، حتى يستطيع إقناع الإسـرائيليين بسحب قواتهم الموجودة غرب القناة. ولما وجد بعض التردد عند "السادات"، قال له إن الأمر سوف يبقى سريّا، حتى لا يسبب أي حرج له أمام الرأي العام في مصر أو في البلدان العربية. ولكن الطرف الوحيد الذي سوف يعلم هو الجيش المصري نفسه!.
فقال "السادات" بكل كبرياء: «إن جيشي يطيع أوامري، وقياداته سوف تنفذ أي أمر أصدره لها»!.[٦].

أحمد الشريف

25 Sep, 18:02


[١] صيد الخاطر، أبو الفرج ابن الجوزي، صـ٣٩، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، طبعة دار الكتب العلمية بيروت سنة ١٩٩٢م.
[٢] البحث عن الذات، مذكرات أنور السادات، صـ١٧٠، المكتب المصري الحديث، طبعة أولى سنة ١٩٧٨م.
[٣] لتفاصيل موضوع التحالف مع الاتحاد السوفيتي يرجى مراجعة مقال: حرب أكتوبر في الميزان (٢) .. الدور السوفيتي، الرابط في التعليق الثاني..
[٤] لتفاصيل موضوع الوحدة العربية الغير مسبوقة يرجى مراجعة مقال: حرب أكتوبر في الميزان (٣) ..السفارة الإسرائيلية بدلًا عن الجامعة العربية !. الرابط في التعليق الثالث..
[٥] برقية وزارة الخارجية رقم ٣٧٥، بتاريخ ١١ /١/ ١٩٧٤م، نقلا عن كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، محمد حسنين هيكل، جـ٢ صـ٢٣٩، دار الشروق، طبعة سنة ١٩٩٦م.
[٦] المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، محمد حسنين هيكل، جـ٢ صـ٢٤٤، دار الشروق، طبعة سنة ١٩٩٦م.
[٧]مذكرات "هنري كيسنجر"، ج٢، ص٤٨٣، طبعة دار الأهلية عمّان ..
وكتاب "أمن مصر القومي"، محمد حافظ إسماعيل، ص ٣١٨، طبعة مركز الأهرام للترجمة سنة ١٩٨٧م..
[٨] مذكرات المشير عبد الغني الجمسي عن حرب أكتوبر ١٩٧٣، صـ٤٨٠ وما يليها، طبعة الهيئة العامة للكتاب سنة ٢٠٠١م.
[٩] من شهادة جيمس كالاهان وزير الخارجية البريطاني، نقلا عن كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، محمد حسنين هيكل، جـ٢ صـ٢٧٩، دار الشروق، طبعة سنة ١٩٩٦م.
[١٠] قذائف الحق، محمد الغزالي، صـ٢٣٤، طبعة المكتبة العصرية، بيروت، وهو الكتاب الذي كتبه في مدينة الرباط بالمغرب، أثناء تواجده هناك في رمضان ١٣٩٣هـ الموافق أكتوبر ١٩٧٣م.

أحمد الشريف

25 Sep, 18:02


وجدير بالملاحظة هنا دلالة الواقعة التي أُريدَ لها أن تكون سرية، وغيرها كثير مثل البرقية التي أرسلها السادات يوم ٧ أكتوبر ١٩٧٣م، لطمأنة أمريكا أنه لا ينوى التوسع أو تعميق الاشتباكات في الحرب ضد إسرائيل، والتي كشفها "حافظ إسماعيل" مستشار الرئيس للأمن القومي في مذكراته، كما أفرجت عنها الولايات المتحدة بعد مرور ربع قرن كعادتها في الإفراج عن الوثائق المُتقادمة كل فترة ووضعها تحت الدراسة والبحث!.[٧]

فكانت هذه التفاصيل بعض الأسرار التي غابت عن الغالبية من الشعب المصري رغم نشرها موثقة بعد ذلك إلا أن ضعف الإقبال على القراءة والبحث وأدها بين دفات الكتب، كما كان من الصعب نشرها إعلاميا في ظل حراسة وسيطرة كهنة نظام كامب ديفيد، الذي وضع القوات المصرية في براثن الصـهاينة ليأخذ مداره في الفلك الأمريكي!.

وقد يشكك البعض في صحة المكتوب بالطعن في ما جاء بمذكرات "هنرى كيسنجر" ليهوديته، أو ما نشره "محمد حسنين هيكل" لناصريته، رغم كونه مؤيداً بالوثائق الرسمية الأمريكية والمصرية.

ولذا أحيلهم إلى ما جاء حول تلك الواقعة في مذكرات رجل يحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير هو الفريق "عبد الغني الجمسي" الرجل العسكري المطيع المقرب من "السادات" والذي عينه رئيساً للأركان بعد عزل الفريق "سعد الشاذلي"، ثم جعله وزيرا للحربية بعد وفاة المشير "أحمد إسماعيل"، فقال في شهادته التاريخية على الأحداث: «لقد قُلت للدكتور "كيسنجر" إنك تعطي إسـرائيل بهذا الإنسحاب كل ما يضمن تأمين قواتها، وتحرمنا من كل ما يضمن تأمين قواتنا. إنني لا أوافق على ذلك ولا يمكنني إيجاد المبرر له أمام القوات المسلحة»، فأخبره "كيسنجر" أن الأمر متفق عليه مع "السادات"!.

وللتوثيق نقتبس نص تعبير "الجمسي" عن دهشته الممزوجة بالحسرة والعجز مما أثبته في مذكراته قائلا: «كانت المفاجأة كبيرة لي وللحاضرين من الوفدين المصري والأمريكي.. وقد كان يمكن للمرء أن يرى بسهولة على وجوه الوفد الأمريكي أنهم أيضا شعروا بالظلم الواقع على مصر من كلام "كيسنجر" الذي لم يكن يفكر إلا في نفسه»!.

والعجيب أن "الجمسي" رغم تأكيده على عظم التضحيات والجهد الذي تحملته القوات المصرية في الحرب، وقناعته بأنه لا مبرر لذلك التنازل الضخم من "السادات"، لكنه في النهاية اكتفى بمغادرة قاعة الاجتماعات منفعلًا إلى الحمام وقد اغرورقت عيناه بالدموع، قبل أن يعود إلى القاعة مرة أخرى ويذعن لأوامر "السادات" التي أملاها عليه "كيسنجر"!.[٨]

والفاجعة هنا ليست في التخلي عن مكاسب حرب أكتوبر فحسب، أو حجم الظلم الذي جلب تعاطف الوفد الأمريكي بسبب تعنت "كيسنجر" وتحامله علينا، ولكنها تكمن في معرفة أن الحكومة الإسـرائيلية رفضت كل التنازلات المصرية لدرجة توقف مفاوضات فض الاشتباك ومغادرة "كيسنجر" لإسـرائيل في مارس ١٩٧٥م، غاضباً محبطًا في حالة سيئة، حتى أنه لم ينتظر العودة لأمريكا بل اشتبك في اتصال هاتفي –عندما نزل ترانزيت في لندن– مع "اسحاق رابين" وقال له: «من سوء الحظ ليس في إسـرائيل قيادة تاريخية الآن على مستوى "بن جوريون" أو حتى على مستوى "جولدا مائير"، ولو أن ذلك كان الحال لأدركت إسـرائيل أن "السادات" يعطيها فرصة تاريخية لتسوية أمورها وأنه يجب انتهاز هذه الفرصة»!.[٩].

وهكذا صارت الأمور –في ظل تشدد الجانب الإسـرائيلي– تنتقل من سيِّئ إلى أسوأ، إلى أن أصبحت معاهدة السلام وثيقة استسلام أو بالأحرى #عقد_إذعان_وخضوع ، جعلتها في الصدارة من قائمة الكوارث التي حلت على الأمة في العصر الحديث، وهذا ما سنتابعه في المقال القادم بإذن الله تعالى من تلك الدراسة، لنرى صدق قول الشيخ "محمد الغزالي" صاحب البصيرة الواعية حين كتب في رمضان ١٣٩٣هـ:

«الواقع أن إسرائيل ونماءها لا يعود إلي بطولة مزعومة لليهود، قدر ما يعود إلي عمى بعض الحكام العرب المرضى بجنون السلطة وإهانة الشعوب. ولو أنصف اليهود لأقاموا لهؤلاء الحكام تماثيل ترمز إلي ما قدموا لإسرائيل من عون ضخم ونصر رخيص»!.[١٠].

وسوف يكون ذلك من خلال مناقشة أهم ما احتوت عليه وثائق المعاهدة التي نُشرت بكافة بنودها وملاحقها وبروتوكولاتها المكملة وخطاباتها التفسيرية كاملة في عدة كتب ودراسات أجنبية وعربية، ومن أبرزها دراسة علمية حديثة في جامعة عين شمس للباحثة "فاتن عوض"، تقدمت بها كرسالة لنيل درجة الدكتوراة، وتم طبعها في كتاب تحت عنوان "السادات ٣٥ عاما على كامب ديفيد"، نُشر عقب ثورة ٢٥ يناير حينما سادت أجواء غير مسبوقة من الحرية الكاملة التي تمتعت بها مصر قبل أن تنتكس تارة أخرى في منتصف العام ٢٠١٣م!.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف

#معركة_الوعي_أم_المعارك ..

هوامش المقال:
[*] يرجى مراجعة الجزء الأول من الدراسة، الرابط في التعليق الأول..

أحمد الشريف

19 Sep, 16:48


«و"جمال" يا رب من صنعك الرائع وابداعك القاهر، إنه عبدك المؤمن، المُسيّر بإلهامك، الباعث في شعبه رسالة الحق والعزة والسلام.. نصرتنا به يا رب في مواطن كثيرة..
نصرتنا به يوم أن ضاقت علينا أرضنا، وحَبَس الملك الخليع هو وشركاؤه علينا أنفاسنا، فشاءت قدرتك أن ينتصر الشعب بتضحية وفداء وصلابة من خلال جمال، وعلى يد "جمال"، وبيقين منك يا رب وهبته "جمال". ونصرتنا به يا رب يوم أن خضنا مع بريطانيا معركة الجلاء .. ونصر اليوم يا رب على فرنسا وبريطانيا العظمى هو أروع ما وهبتنا من انتصارات..»!.[٢]..

ثم تولى رئاسة الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي الذي أُنشيء في منتصف الخمسينات، وكان ذلك من المفارقات الشديدة حيث كان السادات شديد الإعجاب بشخصية "مصطفى كمال أتاتورك" عدو الإسلام ومُسقط الخلافة والذي قال عنه "السادات" في مذكراته المنشورة في فترة رئاسته: «عندما كنت في الكلية الحربية في الثلاثينات كان "أتاتورك" هو مثلي الأعلى»!.[٣]..

وهذه نقطة مهمة في بناء الشخصية لها دلالتها في الإحساس بقضايا الأمة ومصلحتها الاستراتيجية.. حيث كان -على سبيل المثال- سقوط الخلافة الهمً الأكبر عند شاب آخر هو الإمام "حسن البنا" الذي قال في مذكراته: «لقد قامت تركيا بانقلابها الكمالي، وأعلن مصطفى كمال باشا إلغاء الخلافة، وفصل الدولة عن الدين في أمة كانت إلى بضع سنوات في عرف الدنيا هى مقر أمير المؤمنين»!.[٤]..

وربما زال العجب بسبب تولية منصب الأمين العام للمؤتمر الإسلامي لغير أهله، إذا علمنا أن "عبد الناصر" كان ينصر الهند ضد باكستان المسلمة بسبب صداقته لـ"جواهر لال نهرو" رئيس وزراء الهند، ونفس الشيء عندما وقف مع "جوليوس نيريري" زعيم تنجانقيا ضد شعب زنجبار المسلم في الصراع التنزاني بينهما، وتكرر الأمر أيضا بتأييده للأنبا "مكاريوس" زعيم القبارصة اليونانيين ضد نظرائهم الأتراك المسلمين!.

لذلك كان "السادات" هو الرجل المناسب للمنصب كما أن طاعته العمياء حتى في سفك الدماء حين شارك زميليه في حركة الضباط "جمال سالم" و"حسين الشافعي" رئاسة المحكمة التي حكمت بالإعدام على الشيخ "محمد فرغلي" قائد فصائل الإخوان المسلمين في حرب فلسطين ومجموعات الفدائيين في خط القناة ضد الإنجليز، والمستشار "عبد القادر عودة" صاحب التشريع الجنائي الإسلامي وآخرين سنة ١٩٥٤م، مما جعله الأنسب لتولي رئاسة مجلس الأمة المصري في الستينات، قبل أن يصبح النائب الأول لرئيس الجمهورية، حيث لا أحزاب ولا معارضة ولا صوت خارج مظلة الاتحاد الاشتراكي في أوج نظام فاشي ودكتاتوري لم تشهد البلاد مثله من قبل!.

وجدير بالذكر هنا عند دراسة شخصية #بطل_كامب_ديفيد ، معرفة طموح الرجل وتطلعاته الأولى في صدر الشباب عندما كان يرى مستقبله في التمثيل وقد تقدم في منتصف الثلاثينات إلى المنتجة "عزيزة أميرة" للعمل معها ولكن من نكد الدنيا أنها لم تقبله وانصرف عن ذلك الطريق ودخل الكلية الحربية، ولكن ظل على هواه مع صعود نجم الفنانين وشهرتهم حتى أنه كتب في جريدة الجمهورية أثناء توليه مسؤليتها: «إنني لا أجد نفسي حقيقة إلا في صحبة الممثلين»!.[٥]..

وربما هذا ما جعل الرجل ممثلا ومخادعا بارعا على مسرح الحياة حتى استهان به خصومه السياسيون وتخلص منهم بسلاسة كبيرة في مايو ١٩٧١م، ولكن عدم الانتماء وضعف الهوية جعل من الخداع صفة مرذولة أضرت بالصديق دون العدو، كما حدث مع الإخوة السوريين أثناء التحضير لحرب التحرير، حيث كانت الخطة الموضوعة للحرب هي احتلال شريط بعرض حوالي (١٠ : ١٥كم) شرق القناة والتي كانت تحت عنوان "المآذن العالية"، ولكن وزير الحربية "أحمد إسماعيل" في خلال شهر أبريل ١٩٧٣م، طلب من رئيس الأركان الفريق "سعد الشاذلي" تطوير الهجوم في الخطة من أجل الاستيلاء على خط المضايق الذي يبعد حوالي ٥٠كم شرق القناة.

فلما أخبره "الشاذلي" أن هذه خطة مستحيلة التنفيذ في ظل التفوق لسلاح الجو الإسرائيلي وعدم وجود صواريخ دفاع جوي متحركة كافية لصد الطيران الإسرائيلي فضلا عن خروج القوات المصرية خارج مظلة حائط الصواريخ الموجودة غرب القناة والتي لا يتجاوز مداها الـ١٥ كم. فقال له "أحمد إسماعيل" : «إن السوريين لن يوافقوا على دخول الحرب إذا عرفوا أن مصر لن تتقدم إلى خط المضايق»!.

وهنا أخبره "الشاذلي": «من الممكن أن نقوم بهذه المرحلة وحدنا وإذا نجحنا سوف يشجع ذلك السوريين على الانضمام إلينا في المراحل التالية وفتح جبهة في مرتفعات الجولان».
وعقب الفريق "الشاذلي": «لقد كنت أشعر بالاشمئزاز من هذا الأسلوب الذي يتعامل به السياسيون المصريون مع إخواننا السوريين»!.[٦]..

وظل هذا الخداع للعرب دون العدو الصـ.هيوني حتى بعد بداية الحرب فعليا حيث لم يعلم العرب وقتها أن "السادات" أرسل مذكرة عن طريق الأجهزة السرية لوزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر"، كتبها حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي يوم ٧ أكتوبر، جاء فيها إن مصر لا تعتزم تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة!..[٧]..

أحمد الشريف

19 Sep, 16:48


#الطريق_إلى_كامب_ديفيد ..(١)..

توشك الأمة بعد أقل من عشرين يوماً على إكمال سنة كاملة على يوم السابع من أكتوبر سنة ٢٠٢٣م وبدء عملية طوفان الأقصى، وهو اليوم الذي يعدّ دون أدنى شك أحد الأيام الفاصلة في القرن الحالي، والذي لن تعود الأمة من بعده كسابق عهدها قبله!.

وإذا كان من قبيل التسرع الحديث عن كتابة دراسة علمية شاملة عن العملية، خاصة وأن فصولها الأخيرة لم تكتب بعد. فإنه من الواجب محاولة الإجابة على السؤال المشين الذي يضعنا أمام حقيقة مُرة لم يشهدها تاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة الكبرى سنة ١٩٤٨م، وهو #لماذا كل هذا الصمت المخزي من الشعوب العربية إزاء مذبحة الشعب الفلسطيني، ولماذا انحدر بنا الحال من الخيانة من تحت الطاولة والاِسْتِتَار من بلاء التآمر مع العدو، إلى حد الانغماس في مستنقع التطبيع وضرب الحصار على فصائل المقـاومة والاصطفاف العلني مع العدو من أجل القضاء عليها؟!.

وهو ما يجب أن نبدأ الإجابة عليه من تلك الذكرى الـ٤٦ لتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" التي مرّت علينا أمس (١٧ سبتمبر) في صمت تام، على الرغم من كونها الحدث الأكثر خطورة على الإطلاق في قائمة الأحداث التي غيرت وجه المنطقة العربية في العصر الحديث. والذي يجب الوقوف عنده طويلا بالدراسة والتحليل، لمردوده الكبير المرتبط بقضية تعتلي سلم الأولويات في حياتنا المعاصرة وملف لم ولن ينغلق إلا بزوال الكيان الصـهيوني الغاشم!.

ففي الوقت الذي استضاف فيه المنتجع الأمريكي "كامب ديفيد" الواقع بولاية "ماريلند"، في الفترة من ٥ سبتمبر إلى ١٧ سبتمبر سنة ١٩٧٨م، الوفد المصري برئاسة الرئيس "أنور السادات"، ونظيره الصـهيوني برئاسة رئيس الوزراء "مناحم بيجن"، للتشاور والتفاوض من أجل تحقيق السلام في المنطقة تحت رعاية الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر". وقف العالم العربي والإسلامي مشدوها مصدومًا لا يكاد يصدق ما يحدث وكأن الرئيس "السادات" كان يوقع قرار انتحاره السياسي وليس بروتوكولات السلام مع الدولة الصـهيونية!.

وإذا كان لكل حدث أبطاله فإن البطل الأوحد هنا هو الرئيس "السادات"، حيث كان "السادات" وحده دون منازع هو القوة الدافعة وشريان الحياة و #الطريق_الوحيد لهذا السلام المشؤوم، الذي شهد ظاهرة غير مسبوقة من الاستقالات في سلك الدبلوماسية المصرية فرارًا من عار المسئولية التاريخية عنه. بدءًا من وزير الخارجية "إسماعيل فهمي"، ومن بعده "محمد رياض" وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم الوزير الأسبق للخارجية الدكتور "مراد غالب" سفير مصر في يوغوسلافيا، والفريق "سعد الشاذلي" الذي كان وقتها سفيرًا لمصر في البرتغال، وصولاً إلى وزير الخارجية "محمد إبراهيم كامل" أحد أصدقاء "السادات" المقربين الذي استنجد به بعد سلسلة الاستقالات تلك التي احرجته دوليا، فاستمر في منصبه كوزير للخارجية لبضع شهور وذهب مع السادات إلى أبعد الشوط في كامب ديفيد والتفاوض مع العدو الصـهيوني ولكنه استقال يوم ١٦ سبتمبر ١٩٧٨م، قبل بضع ساعات من توقيع الاتفاقية قائلا:

«لقد استسلم "السادات" تماما للرئيس "كارتر" الذي استسلم بدوره لـ"مناحم بيجن"، وإن أي اتفاق سيعقد سوف يكون كارثة على مصر وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأمة العربية جميعًا»!.

وقد اعترف "إبراهيم كامل بأن تصرّفات "السادات" قد حيّرته وكان من الفرضيات التي خطرت على باله لتفسيرها: «أن يكون السادات في حالة انهيار تام سلبه إرادته، أو أن تكون التكنولوجيا الأمريكية قد نجحت في السيطرة عليه وتوجيهه مغناطيسيًّا، أو أصابه الجنون والعمي معا، أو –وهو الاحتمال الأكثر إيلاما– أن اختار أن يلعب دور #كويزلنج في منطقة الشرق الأوسط واختار أن يكون عميلا للولايات المتحدة من أجل ضم مصر إلى الحلف الأمريكي الإسـرائيلي!.[١]..

وأنا شخصيا لا أعتقد في صحة تلك التفسيرات التي افترضها وزير الخارجية الأسبق وخاصة ما ذهب إليه غالبية الناصريين بترجيح الاختيار الأخير الخاص بالنرويجي "كويزلنج" ذلك السياسي العسكري الذي خان بلاده لصالح الألمان في الحرب العالمية الثانية!.

فهناك تفسير خامس هو شخصية الرئيس "السادات" نفسه
الذي كان من سوء حظ مصر والأمة العربية أن يعتلي سدة الحكم فيها رجل مثله في تلك الفترة التاريخية الحرجة من الصراع العربي الإسرائيلي. ولعل ذلك من المعلوم من حكم "الطاغية" بالضرورة، لأن "عبد الناصر" لم يُبق بجواره إلا أمثال هذه الشخصية التي لم تدخر جهدا في طاعته وتقديسه!.

فلم يتقلد "السادات" أي منصب سيادي أو تنفيذي طوال فترة حكم "عبد الناصر" اللهم إلا رئاسة دار التحرير التي كانت لسان حال الثورة وتَولّد منها جريدة الجمهورية سنة ١٩٥٣م، قبل أن يقوم "جمال عبد الناصر" بتأميم الصحافة كلها ونقل ملكيتها إلى الدولة في مايو ١٩٦٠م، في ظل حكم الزعيم الأوحد الذي كتب عنه "السادات" العديد من الكتب والمقالات جاء فيها على سبيل المثال:

أحمد الشريف

19 Sep, 16:48


وقد كانت مغازلة الولايات المتحدة الأمريكية وربط الاستراتيجية العليا المصرية بها من القناعات الشخصية للرئيس "السادات" منذ أيامه الأولى في الحكم حتى أنه قال عن اللقاء الأول الذي جمعه بهنرى كيسنجر في السادس من نوفمبر ١٩٧٣م: «أعتقد أنه لو رآنا أحد بعد الساعة الأولى من اجتماعنا بقصر الطاهرة لاعتقد أننا أصدقاء منذ سنوات وسنوات»!..[٨]..

فكان الإعجاب بالنموذج الأمريكي والسعي وراء النجومية الشخصية العالمية التي وفرتها الدعاية الأمريكية أقوى الدوافع المحركة للرجل بشخصيته المعقدة التي جمعت بين العديد من التناقضات مثل محاولة الاقتداء بهم في المظهر الديمقراطي مع الاحتفاظ بصلاحيات الحاكم الفرعون وبهرجة الشاه وفخامة الامبراطور، فكانت النتيجة ديمقراطية الأنياب ومذبحة التنازلات لصالح العدو الصـ.هيوني، وهذا ما سوف نتعرض له بشيء من التفصيل في المقال القادم بإذن الله تعالى ومناقشة بنود الاتفاق بعد أن رأينا بعض المعالم على طريق الوصول إليه!.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف..
١٨ سبتمبر ٢٠٢١م / ١١ صفر ١٤٤٣هـ
#معركة_الوعي_أم_المعارك ..

تنويه: لمن يريد المزيد من تفاصيل حرب أكتوبر/ رمضان المجيدة مطالعة روابط دراسة من أربع مقالات في التعليق الأول ومعها عدة مقالات أخرى عن أسطورة محاولة السادات لاستعادة الحقوق الفلسطينية، فضلا عن زيارة القدس المشؤومة وعناوين أخرى!.

هوامش المقال:
[١] السلام الضائع في كامب ديفيد، محمد إبراهيم كامل، صـ٤٨٥، مركز الأهرام للترجمة والنشر، طبعة سنة ٢٠٠٢م.
[٢] يا ولدي هذا عمك جمال، أنور السادات، صـ٢١٥، طبعة دار الهلال سنة ١٩٥٨م..
[٣] البحث عن الذات، مذكرات أنور السادات، صـ٢٨، المكتب المصري الحديث، طبعة أولى سنة ١٩٧٨م.
[٤] مذكرات الدعوة والداعية، حسن البنا، صـ٥٤، مكتبة آفاق، الكويت سنة ٢٠١٢م.
[٥] مقال بقلم أنور السادات، جريدة الجمهورية، العدد ٧٠٥ بتاريخ ٢٨ نوفمبر ١٩٥٥م. وأيضا كتاب "خريف الغضب، محمد حسنين هيكل، صـ٤٤، طبعة الأهرام.
[٦] مذكرات حرب أكتوبر، سعد الشاذلي، صـ٤٩، رؤية للنشر والتوزيع، طبعة الثانية نوفمبر ٢٠١١م.
[٧]مذكرات "هنري كيسنجر"، جـ٢، صـ٤٨٣، طبعة دار الأهلية عمّان ..
وكتاب "أمن مصر القومي"، محمد حافظ إسماعيل، ص ٣١٨، طبعة مركز الأهرام للترجمة سنة ١٩٨٧م..
[٨] السادات، روبير سوليه، صـ١٣٥، دار نوفل بيروت طبعة ٢٠١٥م..والبحث عن الذات، الطبعة الفرنسية، صـ٤٢٢.

أحمد الشريف

29 Aug, 20:06


التي طالعتها على مدى الأسابيع الماضية .. سلمت وسلم قلمك..
وإني لأتساءل معك يا أخي: تُرى مَن وراء هذا المخطط الذي تبنته بعض الصحف والمجلات في مصر وهذه المطبوعات التي تظهر بين الحين والحين لتصد عن سبيل اللّه.. ولتصرف الناس عن طلب الاستقامة وتصحيح المسار ؟!.
إنهم بهذا المخطط يناهضون طلب الإصلاح بالإسلام.. وهو الأصلح للحياة..»..
وفي ختام الرسالة يقول الإمام: «إن أمن الأمة في حاجة إلى مواجهة جادة لهذا الفكر، الذي يُشيع الفتنة، وذلك واجب أهل العلم و أصحاب القلم..
وفقك اللّه لقول الحق ونشره، وأثابك و أمدك بروح من عنده..»[٣]

كما كان الأستاذ فارسًا صلبًا واضحًا لا يمسك العصا من المنتصف في مقاومته لأصحاب الفكر العلماني، حتى أنه رفض التماس المستشار الشـهيد "عبد القادر عودة" العذر لأمثال هؤلاء الجاحدين بفقر المعرفة بالإسلام.. وهو ما تناوله المستشار في كتابه "الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه" داعيًا إلى تبسيط كتب الفقه لتكون في مستوى استيعاب المثقفين المعاصرين!.

فقال "هويدي": «وإن كنا نوافق الأستاذ "عودة" إلا أننا لا نجد عذرًا لمن نَصّبَ نفسه منهم قاضيًا ومفتيًا في أمور الإسلام والمسلمين. إذ أن التصدي لهذه المهمة له شروطه، وأهمها ضرورة الإحاطة بالموضوع من منابعه الأصلية المعتمدة، أيًّا كانت صعوبتها، لا عن طريق شهادة الشهود المطعون في حيادها وعدالتها. أما الذين لا يجدون في أنفسهم قدرة على احتمال تكاليف وعناء هذه المهمة، فإما أن يقولوا خيرًا، أو يسألوا ليُجيب غيرهم، أو يلتزموا الصمت، فيريحون ويستريحون»!.[٤]..

ومن ثمّ اكتسب "هويدي" عداوة قطاع عريض من الكتاب أصحاب الحظوة في الدولة، لأنه كان حائطَ صدٍ كبيرٍ وحارسًا من حراس الهوية الإسلامية ضد أساطين العلمانية وكبار مثقفيها مثل فرج فودة، وغالي شكري، وفؤاد زكريا، وحسين أحمد أمين، ولطفي الخولي، ومحمد أحمد خلف الله وغيرهم، وخاض ضدهم معارك كبيرة على صفحات الجرائد وجمعها في بعض كتبه بعد ذلك، وهى الكتب التي جعلها الله شفاءً لصدور قوم مؤمنين.

من أجل ذلك غالبا ما أتذكر الأستاذ منذ أن قُصف قلمه ومُنع من الكتابة قبل ستة أعوام من الآن، ولسان حالي كما قال الشاعر:
سَيَذْكُرُنِي قَوْمِي إِذَا جَدَّ جِدُّهُمُ ** وَفِي اللَّيلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفتَقَدُ البَدْرُ

وخاصة في هذه الأيام التي يتطاول فيها كل تافه على هوية الأمة ودينها في ظل تشجيع النظام الحاكم ودعوة رئيسه إلى مراجعة الرأي في المعتقدات الدينية في الوقت الذي يمنع فيه الاستماع إلى أحد غيره في شئون الدنيا والسياسة!..

ولأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض فإننا مازلنا نستلهم من تراث كتبه ما ندفع به تجدد تلك الزوابع التي لا تريد أن تنتهي، فلا أجد أفضل من تعليقه الذي كتبه منذ أكثر من ربع قرن، في الرد على دعوات مشابهة تبنّاها -حينها- اثنان من أساتذة الفلسفة الكبار هما "عاطف العراقي"[٥]، و"زكي نجيب محمود"[٦]، والتي استهدفت حجب كل ما هو إسلامي وإسقاط الانتماء والهوية الإسلامية واستبدلها بالعربية!.

فعلق الأستاذ ساخرا: «وإذ نحمد الله على أن أحدا لم يطالبنا بأن نغير أسماءنا، كما فعل البُلغار مع المسلمين الأتراك، فإننا لا نستطيع أن نخفي دهشتنا من ضيق البعض بارتباط هذا البلد بالإسلام، حتى في الأوصاف والمسميات»!.[٧]..

هذا غيض من فيض مما تركه الأستاذ فهمي هويدي أحد أهم روافد الفكر والصحافة في العصر الحديث من ميراث ضخم أدعو السادة القرّاء إلى مطالعته والإفادة منه، وذلك من خلال كتبه الماتعة: "المفترون .. خطاب الغلو العلماني في الميزان"، و"تزييف الوعي"، و"حتي لا تكون فتنة"، و"التدين المنقوص"، و"أزمة الوعي الديني"، و"القرآن والسلطان"، و"المقالات المحظورة" و"إحقاق الحق"، و"مصر تريد حلا" و"الإسلام والديمقراطية"، و"مواطنون لا ذميون" وغيرها من الكتب والمقالات..

أما ترجمة الأستاذ والمزيد من المعلومات ولماذا كتبت عنه فهذا ما سبق نشره في خمس مقالات سابقة سوف أضع روابطها في التعليقات لمن يحب مطالعتها..

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف..
٩ صفر ١٤٤٥هـ/ ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣هـ

#معركة_الوعي_أم_المعارك ..

هوامش المقال:
[*] من مقال أزمة المثقفين، فهمي هويدي، كتاب إحقاق الحق، صـ١٤١، الطبعة الثالثة سنة ١٤٢٠هـ/١٩٩٠م..
[١] للتفاصيل يرجى مراجعة مقالي "كاتب من مصر"، بتاريخ ٣٠ يونيو ٢٠٢٠م، الرابط بالتعليق الأول..
[٢] حتى لا تكون فتنة، فهمي هويدي، صـ٥، الشروق، ط.سنة ١٩٨٩م
[٣] المفترون، فهمي هويدي، صـ١٥٩، دار الشروق، الطبعة الأولى سنة ١٤١٦هـ/١٩٩٦م، وصورة الخطاب كاملاً في التعليق الثاني..

أحمد الشريف

29 Aug, 20:06


[٤] تزييف الوعي، فهمي هويدي، صـ١٦، دار الشروق، ط.سنة ١٩٨٧م
[٥] مقال د. عاطف العراقي بعنوان: "هل فلسفتنا عربية أم إسلامية"، أهرام الجمعة الصادر في ٢٩ أغسطس ١٩٨٦م.
[٦] مقال د. زكي نجيب محمود بعنوان: "حول مشكلة الانتماء"، الأهرام عدد ١٧ ديسمبر ١٩٨٥م.
[٧] تزييف الوعي، فهمي هويدي، صـ٢٠، دار الشروق، ط.سنة ١٩٨٧م..

#في_عيد_ميلاد_الأستاذ !.
#إعادة_منقحة_ومزيدة

أحمد الشريف

29 Aug, 20:06


#فهمي_هويدي_رائد_معركة_الوعي

«واقعة الانتخابات الجزائرية التي تمت في نهاية عام ١٩٩١م، كانت بمثابة رسالة إلى القوى العلمانية المحتكرة للسلطة في العالم العربي منذ بداية القرن العشرين بأن سُلطانها مهدد بالزوال من باب الديمقراطية ذاته. الأمر الذي استنفر مختلف النخب العلمانية لكي تدافع عن وجودها، فبرزت دعوات تأجيل المشروع الديمقراطي وتقديم الإصلاح الاقتصادي على الإصلاح السياسي، وابتكر البعض عنوان #ديمقراطية_الاستثناءات لتبرير استبعاد الإسلاميين من العمل السياسي بحجة الدفاع عن الديمقراطية. وفي كل الأحوال فقد ظل الهاجس الأساسي لتلك النخبة العلمانية هو قطع الطريق أمام تقدم الحالة الإسلامية، وحصارها أو #تصفيتها ما أمكن ذلك»!..

فهمي هويدي
كتاب "إحقاق الحق" سنة ١٩٩٣م[*]..
––––––––––––––––––––––––––––

كان أبي -رحمه الله- يحرص على شراء الصحف اليومية، كعادة معظم المصريين في أواخر القرن الماضي، ورغم عدم حصوله على أى شهادة دراسية، إلا أنه كان متابعًا بشغف للمتداول إخباريًّا عن الدولة وسياسات حكوماتها الخارجية والداخلية وصراعات البرلمان فضلا عن الاهتمام بقراءة صفحة الحوادث التي كانت أثيرة لدى الغالبية من الشعب المصري!.

لذلك عندما وعيت على الدنيا كانت الجريدة في البيت أمرًا طبيعيا وربما ضرورة حياتية!. ولما كنت من ممارسي الرياضة فقد استهوتني صفحاتها في الجريدة أكثر من غيرها، ولكن مع بداية المرحلة الثانوية في منتصف التسعينيات صارت القراءة في الاتجاه الثقافي هي الهواية المفضلة التي فاقت ما عداها، فأخذت أطالع ما يكتبه أرباب القلم وأصحاب المقالات بنهم كبير.

وقد كانت الساحة الثقافية وقتها زاخرة بالنجوم اللامعة، خاصة في المؤسسات القومية كالأهرام والأخبار، فكنت أقرأ لمصطفى أمين ومحمود عوض وثروت أباظة، ومصطفى محمود وأنيس منصور، ومرسي سعد الدين، وصلاح الدين حافظ ورجب البنا، وزكريا نيل وميلاد حنا، وسعيد سنبل وعادل حمودة، ويوسف جوهر ونعمات أحمد فؤاد وسكينة فؤاد، ورجاء النقاش وصلاح منتصر ومحمد السيد سعيد، وغيرهم الكثير.

ولكن في ظل كل هؤلاء الأعلام رأيت مقالًا متميزًا ذا قراءة مختلفة في الأسلوب والقيمة والهوية، هو مقال الثلاثاء للأستاذ "فهمي هويدي" الذي يُتم بإذن الله يوم الثلاثاء القادم (٢٩ /٨/ ٢٠٢٣م) عامه السادس والثمانين..

فقد كان مقاله مثل المعدن النفيس النادر وسط ركام المعادن التي جمعت بين الجيد والرديء، حيث وجدت فيه مزيجًا فريدًا بين الرقي الفكري والحرص على الهوية الإسلامية، مع عمق الرؤية المعاصرة المؤيَّدة ببراعة الاستدلال من كتب التراث والموروث الحضاري للأمة، فضلا عن تبني مواقف حركات المقاومة والانحياز إلى دول الممانعة وممارسة المعارضة السياسية في غير رعونة ولا نزق، وطلب المعالي مع البعد عن المهاترات وسفساف الأمور، وعدم الاستسلام للضغوط التي يرضخ لها العديد من الكتاب فيخالفون ضمائرهم ويكتبون ما لا يؤمنون به إيثارًا للسلامة وادعاء الحكمة!.

وهو المقال الذي كان يُنشر بجريدة الأهرام منذ سنة ١٩٨٥م عقب عودة الأستاذ من الخارج والاستقرار في مصر[١]، فيمنح القارئ جرعات كبيرة من الوعي والثقافة ويرتقي بالفكر والإدراك..

ولما كانت الثمانينات هى أوج المد الديني وعصر الصحوة الإسلامية، فكان الأستاذ أحد رجالاتها المُبَرَّزين الذين تصدوا بإخلاص إلى المشروع المضاد الذي استهدف القضاء على الصحوة وإضعاف إيمان الخلق وطمس هويتهم الإسلامية أو إغراقهم في مظاهر الجمود والتخلف. وهو المشروع الذي التقى عليه نفر من المخلصين المتدينين مع آخرين من الناقمين والكارهين!.

الأولون –المخلصون– شوّهوا الدين بقصور الرؤية وقلة الوعي والآخرون دأبوا على تشويهه بفساد الطوية وقلة العلم!.
الأولون خوّفوا أو نفّروا الناس من الإسلام حينًا، وعسّروه عليهم حينًا. وفي أحيان أخرى كثيرة فإنهم أقاموا خصومة غير مبررة بين الإسلام وبين الحاضر والمستقبل!.

أما الآخرون–جماعات الناقمين والكارهين– فإنهم تنادوا من كل صوب ومضوا ينظمون ويكثفون الهجوم على مواقع الإسلام وأعلامه، مستخدمين مختلف السهام المحملة بالجراثيم والسموم. ومستثمرين كل ما هو متاح من منابر الخطاب وأبواقه. حتى وجدنا بعض المثقفين مع آخرين من المُدّعين تخصصوا في تجريح الحلم الإسلامي ومحاولة اغتياله. مرة بضرب الشريعة، ومرة بالحطِّ من التجربة الإسلامية عبر تاريخها، ومرة بتسفيه الرموز الإسلامية والانتقاص من قدرها.[٢]..

وقد توجت مجهوداته بتقدير عظيم من علماء الإسلام الكبار مثل الشيخ المفكر الجليل محمد الغزالي والعلامة يوسف القرضاوي والإمام الأكبر "جاد الحق علي جاد الحق" شيخ الأزهر الذي أرسل للأستاذ رسالة في أوائل العام ١٩٨٨م، يُثنى على كتاباته ويُثمّن جهوده ورباطه على هذه الثغرة العظيمة من ثُغر الإسلام، ومما جاء أولها: «لقد سرني وأثلج صدري محتوى مقالاتك

أحمد الشريف

23 Aug, 13:57


وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم.

ولا واللّه ما رأيت فيهم أحدا ممن صنف في هذا الشأن، وادّعى علو المقام، إلا وقد ساعد بمضمون كلامه في هدم قواعد دين الإسلام، فلما رأيت الأمر على ذلك، بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حجتهم وأضاليلهم، أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم، ذبًّا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية ..

ثم قال بعد كلام: فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت كل همي إلى الأصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة النقلية والعقلية».[٧]..

وأما أكبر الأسباب في صمود مكانة شيخ الإسلام مع الزمن فهو تقديمه ذلك النموذج الذي يتطلع إليه الناس دائما ويندر وجوده خاصة في أوقات المحن والملمات، حيث يدفع الشجاع ضريبة شجاعته ويحجم الأقوياء خوفاً من العقاب..
ذلك النموذج الذي يواجه العدو الخارجي والمستبد الداخلي بكل عزة وإباء وتمرد ولا يخشى في قول الحق لومة لائم.. فتصدق أفعاله أقواله..
وهو ما سوف نتعرض له تفصيلاً - بإذن الله تعالى ـ في الجزء الثالث والأخير من الحديث عن سيرة الإمام الجليل.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف
١٢ صفر ١٤٤٦هـ/١٦ أغسطس ٢٠٢٤م..

#معركة_الوعي_أم_المعارك

هوامش المقال:
[١] ابن تيمية وإسلامية المعرفة، الدكتور طه جابر العلواني، صـ١٣، المعهد العالي للفكر الإسلامي، ١٤١٥هـ/١٩٩٥م.
[٢] ابن تيمية وإسلامية المعرفة، مصدر سابق، صـ١٤
[٣] تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، صـ١٤٩٧، مكتبة الحرم المكي، مكة سنة ١٣٧٤هـ.
[٤] يرجى لمراجعة المقال السابق #ارفعوا_أيديكم_عن_ابن_تيمية بتاريخ ٥ أغسطس ٢٠٢٤م، الرابط في التعليق الأول
[٥] طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي تقي الدين بن عبد الكافي السبكي،جـ١٠ صـ٣٩٨، تحقيق عبد الفتاح الحلو، محمود الطناحي..
[٦] طبقات الشافعية الكبرى، مصدر سابق، جـ١٠صـ١٩٥..
[٧] المدارس الفكرية الإسلامية، د/ محمد سليم العوا، صـ٣٤٢، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت ٢٠١٦م، نقلا عن "البزار" في "الأعلام العلية"، صـ٣٣-٣٤..

أحمد الشريف

23 Aug, 13:57


الإسلام ابن تيميّة في المملكة مهما كانت دواعي ودوافع ذلك النقد!.[٢]..

وبعد فإن هذا الغلو الممجوج وذلك الافتراء المذموم قد أسهما بشكل كبير في تشويه شخص ابن تيمية الذي لم يعرفه أحد من أهل العلم إلا أنزله منزلته المستحقة حتى ولو كان من المختلفين معه في الفكر والمذهب. وهو ما أكده "شمس الدين الذهبي" في "تذكرة الحفاظ" قائلا: «لقد أثنى على نادرة العصر شيخ الإسلام "ابن تيمية" الموافق والمخالف وسارت بتصانيفه الركبان ولعلها ثلاثمائة مجلدًا»[٣].

وقد يجرح البعض في شهادة "الذهبي" لأنه من تلاميذ "ابن تيمية"، ورغم أن ذلك غير وارد لمكانة "الذهبي" في نقد الرجال ومعرفة أحوالهم مما جعله ميزان الحكم على رواة الحديث وأحد أهم علماء الجرح والتعديل مع "ابن حجر العسقلاني" و"جمال الدين المزّي" و"أبي حاتم الرازي" وأمثالهم من الحفاظ الكبار.

ومع ذلك فقد حرصت منذ كتابتي للجزء الأول من هذا المقال على عدم الاستدلال بأقوال مريدي الشيخ وأبناء المدرسة السلفية!.[٤].. لأن أقوى الشهادات هى ما كانت من الخصوم والفُرَقَاء.

وقد كان الإمام الكبير قاضي القضاة الحافظ المجتهد "تقي الدين بن السُّبْكِيّ" [٦٨٣-٧٥٦هـ] من أشد المختلفين مع "ابن تيميّة"، وبأقواله في رسالته "الدرة المضية في الرد على ابن تيمية" يستدل الكثيرون ليس في إسقاط ابن تيمية من إمامة أهل السنة فحسب، بل والطعن في عقيدته والتشكيك بإيمانه!.

وأنا هنا لست في وضع المفاضلة والترجيح بين العلمين الكبيرين فهذا من شأن الفقهاء وأهل الذكر الراسخين في العلم. ولكني أود أن أبرز في هذا الشأن قصة قصيرة لها دلالتها المهمة لأولي الألباب.

فقد كان للحافظ "تقي الدين بن السبكي" ابن نابغة اسمه "عبد الوهاب" ولقبه "تاج الدين"، والذي حرص والده على تثقيفه على يد كبار العلماء ممن يثق في علمهم ويطمئن إلى صواب رأيهم، وكان منهم الحافظ "المزي" [٦٥٤-٧٤٢هـ]، والحافظ "الذهبي" [٦٧٣-٧٤٨ه‍ـ] والذي كان يفضله "تاج الدين" على غيره لكثرة ملاطفته ومحبته في مقابل "المزي" المهيب المتجهم، ولكن والده "تقي الدين" كان ينصحه بملازمة "المزي" أكثر من"الذهبي" لعظمة "المزي" عنده.[٥]

ومن ثمّ كان حريًّا بمن كان هؤلاء شيوخه أن يبلغ الغاية ويحتل الصدارة في الفتيا والتدريس وأن يخرج للناس من مؤلفاته ما يبهر من غزارة العلم وإحكام الرأي، ومن ذلك درته الماتعة "طبقات الشافعية الكبرى" وفيها ترجمة لأبيه ومعلمه الأول "تقي الدين السبكي"، يقول فيها: «وأما الحافظ "أبو الحجاج المزي" فلم يكتب بخطه لفظة #شيخ_الإسلام، إلا له (يقصد والده) وللشيخ "تقي الدين بن تيمية"، وللشيخ "شمس الدين بن أبي عمر"»!.[٦]..

في الأخير لا يجب أن نختم دون التعرض لأمر اللمز الذي يوجهه البعض من أجل التشكيك في قيمة "ابن تيمية" العلمية زاعمين أنه لم يؤلف إلا في الرد على الخصوم ومسائل الجدل والمماحكات.

وهو ما يعرف تهافته كل باحث منصف اطلع على تراث شيخ الإسلام وتركته العلمية الهائلة في مختلف علوم الإسلام..
ومثال ذلك ما جادت به قريحة الإمام في #تفسير_القرآن_الكريم، والذي جمعه وحققه أكثر من واحد، منهم الدكتور "عبد الرحمن عميرة" في سبع مجلدات، تحت عنوان "التفسير الكبير لابن تيمية"، والدكتور "محمد السيد الجليند" صاحب ومحقق المجلد الضخم "دقائق التفسير .. الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية"، وأيضا الشيخ "عبد العزيز بن محمد الخليفة" محقق "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" والذي أخرجه في نحو ألف صفحة!.

ونستطيع بسهولة أن نسير على نفس المنوال في سائر العلوم الشرعية، ولكن هذا يجعل ابن تيمية على صعيد واحد مع غيره من علماء الإسلام الكبار، فغاية ما ندركه أن نماثل إنتاجه بإنتاجهم، وهذا أفدح الظلم للإمام الذي كان نسيجًا مختلفًا يؤلف بصورة مغايرة –كما أخبر عن نفسه– والتي نستطيع استخلاصها من خلال تلك الدراسة القيمة للمفكر الإسلامي الكبير الدكتور "محمد سليم العوا" عن المدارس الإسلامية:

«نشأ "ابن تيمية" في عصر اضطربت فيه أحوال الدولة الإسلامية بغزو التتار، وانقسامها إلى دويلات صغيرة، ونبوغ المرجفين بالباطل في مواجهة حقائق القرآن والسُّنة، الذين وصفهم بأنهم أهل البدع والأهواء والضلالات، فكان تأليفه في أصول الدين (العقائد) أكثر من تأليفه في فروع الفقه، ولما سأله عن سبب ذلك تلميذه الإمام "عمر بن علي البزّار" والتمس منه أن يضع نصًا في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدة في الإفتاء، فقال له:

الفروع أمرها قريب ومن قلّد فيها أحد العلماء المقلدين جاز له العمل بقوله ما لم يتبين خطأه أما الأصول فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوجود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة... وغيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فيها بأزمَّة الضلال، وبان لي أن كثيرًا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية...

أحمد الشريف

23 Aug, 13:57


#ارفعوا_أيديكم_عن_ابن_تيمية ..(٢) ..

#هل_استحق_ابن_تيمية_لقب_شيخ_الإسلام ؟!.

«لا أنسى كيف كان مشايخنا في المدارس الدينية في العراق قبل حوالي ٥٠ عامًا يحذروننا من "المذهب الوهابي" وجذوره التاريخية في فكر "ابن تيمية" و"ابن القيم" وسواهما، وينهوننا عن النظر في كتبهم. وكان أحد شيوخنا لا يكتفي بذلك، فكان يطالبنا بقراءة الردود على "ابن تيمية" وتلامذته!.

لكنني على العكس من ذلك، أثارت فيّ مواقف شيخي وكتب الردود التي كان يصر على أن نقرأها، فضولًا وتطلعًا إلى الاطلاع على كتب "ابن تيمية"، وكل ما أستطيع الوقوف عليه من كتب تلامذته، ولكن لم يكن في وسعي في مدينتنا الصغيرة "الفلوجة" أن أطلع على شيء من ذلك.

فلمَّا انتقلت إلى "بغداد" بدأت الدراسة على أيدي أفاضل العلماء فيها، منهم العلامة "أمجد الزهاوي" والعلامة "محمد فؤاد الآلوسي"، والشيخ "محمد القزلجي" والشيخ "قاسم القيسي" والإمام "عبد القادر الخطيب". وهناك أصبحت قادرًا على الحصول على ما أريد من الكتب. وفيما اقتنيته من كتب شيخ الإسلام "مجموعة الفتاوى" وكذلك "الجواب الصحيح" و"القواعد النورانية"، وأهم من كل ذلك، كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" الذي وجدت فيه من التوقير والتعزير للنبي ﷺ، ما لم أطلع على مثله عند أحد من أولئك الذين يَدْعون إلى التوسّل وزيارة القبور، واعتبارهما أهم مظاهر الحب لرسول اللهﷺ»!.[١]

تعدّ هذه التجربة الشخصية التي تعرض لها الفقيه العراقي الكبير الدكتور "طه جابر العلواني" [١٩٣٥-٢٠١٦م]، رئيس ومؤسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة، دليلاً عمليًّا على المقولة الشهيرة "اسمع مني ولا تسمع عني" والتي أدعو لاستخدامها دائما قبل الحكم على الأشخاص وخاصة على من تركوا ميراثًا عبقريا ضخمًا من الكتب مثل الدكتور العلامة يوسف القرضاوي [١٣٤٥-١٤٤٤هـ/١٩٢٦-٢٠٢٢م]، الذي طعن فيه جُهّال لم يقرأوا كتابا واحداً من كتبه التي تم جمعها في ١٠٥ مجلدًا تضم ٧٥ ألف صفحة من جواهر الكلم ونفاسة الفكر وذكاء الفقه!.

وهو ما نستطيع إسقاطه على الكثير من الشخصيات العظيمة عبر التاريخ والتي طالها من الدعاية السلبية ما أساء لقيمتها وحط من قدر مكانتها في أذهان العامة. وإن شيخ الإسلام "أحمد تقي الدين بن تيمية" [٦٦١-٧٢٨هـ/١٢٦٣-١٣٢٨م]، في صدارة تلك الشخصيات، وربما كان السبب الرئيسي وراء ذلك، اتصال دعوة الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" [١١١٥-١٢٠٦هـ/١٧٠٣-١٧٩٢م] بدعوته، وما شابها من انحراف فكري على أيدي علمائها تارة واتهامات خصومها تارة أخرى، حتى تم تصوير محاسن شيخ الإسلام ومدرسته بصورة مساوئ فكان لسان حاله يقول:
إذا محاسني اللاتي أتيه بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر!.

ولقد ذكر الدكتور "طه جابر العلواني" موقفين في غاية الأهمية بهذا الخصوص؛ الأول تعرض له أثناء دراسته على الشيخ "محمد فؤاد الآلوسي"، حيث ورد ذكر "ابن تيمية" فحمل عليه الشيخ "الآلوسي" بشدة، مما دفع "العلواني" إلى مناقشة شيخه في ذلك، فبدا عليه الغضب ثم قال: "هل أنت وهابي؟ اذا كنت كذلك فيمكنك ان تدرس على سواي!.

فانصرف الطالب "طه العلواني" وجاء في اليوم التالي إلى شيخه بكتاب #الصارم_المسلول_على_شاتم_الرسول ، واستأذن في أن يقرأ عليه الفهرس وحده، فلما قرأه استعبر الشيخ وقال دع الكتاب عندي لأطالعه!.

ويكمل الدكتور "العلواني": «حين حضرت بعد أيام لقراءة درسي عليه في البلاغة، قام الشيخ إلي فقبّل جبهتي. ففوجئت بذلك منه فإذا به يقول لقد أنقذتني من بغض رجل، لم أطلع في عمري كله على كتاب فيه مثل ما في هذا الكتاب من توقير وحب لرسول اللهﷺ، ولن يضير "ابن تيمية" أن يقول ما يقول في التوسُّل والتصوُّف بعد هذا الذي قاله في رسول اللهﷺ، وأنحى باللائمة على أولئك الذين يتناقلون أقوالًا قبل أن يتأكدوا من صحتها من مصادرها.

ثم قال سوف أدعو لابن تيمية كثيرًا، ولو أنني أملك ما يكفي من المال لطبعت من هذا الكتاب آلافًا وترجمته إلى سائر اللغات الإسلامية ليعرف المسلمون كيف يحبون رسول اللهﷺ ويوقرونه على طريقة 'ابن تيمية". ومع ذلك أرجو أن تذهب إلى مكتبات بغداد التجارية وتشتري لحسابي جميع نسخ الكتاب لتوزيعها على طلبة العلم والمكتبات العامة حبًّا برسول اللهﷺ وتكفيرًا عن سوء ظني السابق بشيخ الإسلام محب رسول اللهﷺ..»!.

وأما الموقف الآخر فهو على النقيض تماماً، وقد حدث عندما كان يعمل مدرسا في جامعة الإمام "محمد بن سعود" بالرياض في سبعينيات القرن الماضي، حيث أعد دراسته عن "فخر الدين الرازي وآرائه الفقهية وتحقيق كتابه المحصول في علم الأصول"، وفيه انتقد الدكتور "العلواني" بعض مواقف شيخ الإسلام من "الرازي"، وبعض أقواله فيه وفي أصحابه، ولمّا رغبت الجامعة بطباعة الرسالة بقسميها الدراسي والتحقيقي، أحيلت إلى فاحِصيْن استبد بأحدهما الغضب إلى درجة أنه أوصى الجامعة بإنهاء عقدها مع الدكتور "العلواني" وإخراجه من البلاد، مؤكداً في –رسالته لمدير الجامعة– أنه لا مكان لمن ينتقد شيخ

أحمد الشريف

18 Aug, 14:36


"محمد الغزالي" كتب مقالا يرد على ذلك واصفاً جواز البيعة ليزيد دون الشورى بالكلام الفارغ.

هنا أخذ الصديق يطعن في الشيخ "محمد الغزالي" وينتقص من علمه، قبل أن يقول لا تصدق ما يروجه الشيعة الروافض من الطعن في "يزيد بن معاوية، ودعايتهم التي تأثر به السذج من أهل السُّنة!.

وعندئذ سألته: فما قولك في ما أورده شيخ الإسلام من رواية "صالح بن أحمد بن حنبل":
«قُلت لأبي: إن قوما يقولون: إنهم يحبون يزيد بن معاوية.
قال "أحمد": يا بُني، وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟!.
فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟!.
فقال: يا بُني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا؟.
ثم أضاف "ابن تيمية": وسُئل الإمام "أحمد": أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟.. قال: لا. ولا كرامة، أليس هو من فعل بأهل المدينة المنورة ما فعل.. حين صار عسكره يقتلون وينهبون ويفتضون الفروج المحرمة»؟!.[١٢]..
فلم ينبس ببنت شَفَة!.

ولهذا تحديداً كانت كتابات "ابن تيمية" وعلى الرغم من أنه أكثر الأئمة في الرد على الروافض، المرجع الأفضل من أجل دراسة تلك الفترة الحرجة من تاريخ الأمة وأزمتها الدستورية والسياسية الأولى والتي لازالت تُلقي علينا بظلالها وتداعياتها التي لن تنتهي حتى قيام الساعة..

وهو ما يؤيده قول العلامة الدكتور "يوسف القرضاوي" في تصديره الماتع لكتاب "الخلافات السياسية بين الصحابة" للأستاذ "محمد بن المختار الشنقيطي": «لقد كان الباحث موفقًا في اعتماده على دراسات ابن تيمية حول ما وقع بين الصحابة فهو الرجل الذي درس هذه الفترة برؤية تاريخية شرعية متوازنة، وقد تميز ابن تيمية بالقدره على التأصيل الباهر في الشرعيات، فلا عجب أن يكون كذلك في التاريخيات. وقد أيدته ثقافته الواسعة بمدد لا ينضب في القدرة على التقويم والتصحيح، والاعتدال في الحكم على الأمور..»

ومع هذا فقد وافق "القرضاوي" الباحث الموريتاني "الشنقيطي" في أخذ بعض الملاحظات المنهجية على "ابن تيمية" ومنها التناقض أو التردد في مواقفه أحيانا من بعض القضايا مثل طمع "معاوية" في الخلافة!.

ولذلك عقب الدكتور "يوسف القرضاوي" في النهاية: «لا يظن أحد أن ابن تيمية معصوم من الخطأ، فهذا ما لا يدعيه لنفسه ولا ندعيه له وقد خالفته في عدد من القضايا برغم إعجابي به، ولكن حسْب كل عالم باحث في الشرع أو التاريخ أن يجعل نيّته الوصول إلى الحق، وأن يتخذ لذلك منهجًا سليمًا، وأن يجتهد في ذلك ما استطاع، ولا يبعده عن العدل حبٌّ ولا بغض.
وأن يدعو الله بدعاء الرسول الكريم ﷺ: "اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"»[١٣]..

وهذا المنهج القويم هو خير ما نختم به الجزء الأول من المقال الذي لم تتسع سطوره للحديث عن مؤلفات شيخ الإسلام وتركته العلمية الهائلة واستعراض رأيه ومواقفه في جهاد العدو، مع مناقشة اتصال دعوته بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما أصاب سمعته من جرّاء ذلك، ففي الجزء الثاني بإذن الله تعالى!.

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف
١ صَفَر ١٤٤٦هـ / ٥ أغسطس ٢٠٢٤م ..
#معركة_الوعي_أم_المعارك

هوامش المقال:
[١] الإمام الغزالي بين مادحيه وقادحيه، الدكتور يوسف القرضاوي، صـ١٢٦، مؤسسة الرسالة، بيروت ١٤١٤هـ/١٩٩٤م
[٢] من ترجمة الدكتور "محمد يوسف موسى"، لفضيلة الشيخ مجد مكي ، موقع رابطة علماء سوريا، بتاريخ ١٣ ذو القعدة ١٤٤٠هـ/١٥ يوليو ٢٠١٩م ..
[٣] ابن تيمية، محمد يوسف موسى، صـ٥٦، مؤسسة هنداوي، القاهرة سنة ٢٠١٥م، نقلا عن "ابن رجب" جـ٢صـ٣٩٠، و"شذرات الذهب"، جـ٦ صـ٨٢..
[٤] ابن تيمية، محمد يوسف موسى، صـ٥٨، مصدر سابق
[٥] النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، الدكتور محمد رجب البيومي، جـ٢صـ٢٨٠، دار القلم، دمشق، ١٤١٥هـ/١٩٩٥م.
[٦] ابن تيمية.. حياته وعصره.. آراؤه وفقهه، محمد أبو زهرة، صـ٢٧٢:٢٧٠، دار الفكر العربي.
[٧] ابن تيمية، محمد أبو زهرة، صـ٤، مصدر سابق.
[٨]"الضياء اللامع في الخطب الجوامع"، محمد بن صالح العثيمين، صـ٨٩٤، الخطبة العاشرة من القسم الثامن في سيرة النبي وخلفائه.
[٩]مناقب عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، صـ٢٢٣ من حديث سعيد بن المسيب، طبعة الهيئة العامة للكتاب
[١٠] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، طبعة دار الوفاء-المنصورة، جـ٢٨ صـ٨٤، الطبعة الثالثة سنة ٢٠٠٥م.
[١١] السياسة الشرعية، في إصلاح الراعي والرعية، ابن تيمية، صـ٣١ تحقيق علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة ١٤٢٩هـ
[١٢] مجموعة الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية جـ٣ صـ٢٥٤، دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة سنة ١٤٢٦هـ - ٢٠٠٥م.
[١٣] الخلافات السياسية بين الصحابة، محمد بن المختار الشنقيطي، صـ٢٦-٢٧، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت ٢٠١٣م.