المحراب @ya44ya44ya Channel on Telegram

المحراب

@ya44ya44ya


مختارات من كتب السلف📚

المحراب (Arabic)

يسرنا أن نقدم لكم قناة "المحراب" بواسطة المستخدم @ya44ya44ya. هذه القناة تهدف إلى نشر مختارات من كتب السلف، وتقدم محتوى ثري ومفيد لكل من يبحث عن الحكمة والعلم. مع تنوع الكتب والمواضيع المطروحة، ستجد نفسك في رحلة ممتعة من التعلم والاستفادة. سواء كنت مهتمًا بالفقه، الحديث، التاريخ الإسلامي أو أي مجال آخر، فإن "المحراب" ستكون الوجهة المثالية لك. انضم إلينا اليوم ولا تفوت فرصة الاستفادة من هذا الكنز الثقافي!

المحراب

07 Feb, 15:50


قال الله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩].

وقال سبحانه:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ}[البقرة:٩١].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فوصف اليهود: بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به، والداعي إليه. فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له. وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.

وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم، أو الدين، من المتفقهة، أو المتصوفة أو غيرهم، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين - غير النبي صلى الله عليه وسلم - فإنهم لا يقبلون من الدين رأيا ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم، مع أن دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقا: رواية ورأيا من غير تعيين شخص أو طائفة - غير الرسول صلى الله عليه وسلم -.
اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٨٦-٨٧).

المحراب

07 Feb, 13:39


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء: ١٤٠] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: ٦٨] .
قال ابن حزم رحمه الله:
ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله أو بشيء من الدين، أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه، فإن لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته.

فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزئ الكافر بشهادة الله تعالى، فمن أقام حيث حرم الله عز وجل عليه القعود فقعوده وإقامته معصية، وقعود الصلاة طاعة. ومن الباطل أن تجزئ المعاصي عن الطاعات وأن تنوب المحارم عن الفرائض. وأما من عجز فقد قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].
المحلى (٢/ ٣٦٤-٣٦٥).

المحراب

07 Feb, 04:26


عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ قَالَ: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا زَالَتِ الشَّمسُ، ثُمَّ نَرجِعُ نَتَتَبَّعُ الفَيءَ.
رواه مسلم (٨٦٠)، وأبو داود (١٠٨٥).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
وقوله: كنا نُجمِّع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس، دليل للجمهور على أحمد بن حنبل وإسحاق إذ قالا: إنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال، وهذا الحديث مُبيِّن للأحاديث التي بعده، ولا متمسك لأحمد وإسحاق في شيء منها مع هذا النص، فإنها كلها محتملة، وهو القاضي عليها، المبيِّنُ لها
المفهم (٤٩٥/٢).

قال ابن عثيمين رحمه الله:
والقول بأن صلاة الجمعة تصح قبل الزوال هو المذهب، وهو من المفردات.
القول الثاني: أنها لا تصح إلا بعد الزوال، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
القول الثالث: أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة استناداً إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من راح في الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»[ رواه البخاري (٨٨١)؛ ومسلم (٨٥٠)] فيكون حضور الإمام على مقتضى حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الساعة السادسة، ولهذا رجح الموفق رحمه الله في المغني ـ وهو من أكابر أصحاب الإمام أحمد ـ أنها لا تصح قبل السادسة، ولا في أول النهار كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار، إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقاً لأكثر العلماء.
الشرح الممتع (٣٣/٥).

وقال ابن قدامة رحمه الله:
المستحب إقامة الجمعة بعد الزوال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك. قال سلمة بن الأكوع:… الحديث …ولأن في ذلك خروجا من الخلاف، فإن علماء الأمة اتفقوا على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة، وإنما الخلاف فيما قبله.
المغني (٣/ ١٥٩-١٦٠).

المحراب

06 Feb, 03:58


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ…} رواه البخاري (٦٥١٠).

قال ابن رجب رحمه الله:
واعلم أنَّ جميعَ المعاصي محاربة لله - عزَّ وجلَّ -، قال الحسن: ابنَ آدم هل لك بمحاربة الله من طاقةٍ؟ فإنَّ مَنْ عصى الله، فقد حاربه، لكن كلَّما كانَ الذَّنبُ أقبحَ، كان أشدَّ محاربة لله، ولهذا سمَّى الله تعالى أَكَلةَ الرِّبا، وقُطَّاع الطَّريق محاربينَ لله تعالى ورسوله؛ لعظيم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده، وكذلك معاداةُ أوليائه، فإنَّه تعالى يتولَّى نُصرةَ أوليائه، ويُحبهم ويؤيِّدُهم، فمن عاداهم، فقد عادى الله وحاربَه.
جامع العلوم والحكم (٣٣٥/٢).

المحراب

05 Feb, 18:32


قال ابن القيم رحمه الله:
فالتَّوبةُ هي غايةُ كمال كلِّ آدميٍّ، وإنما كان كمالُ أبيهم بها، فكم بين حاله وقد قيل له: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: ١١٨ - ١١٩] وبين قوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢]!
فالحالُ الأوَّلُ حالُ أكلٍ وشربٍ وتمتُّع، والحالُ الأخرى حالُ اجتباءٍ واصطفاءٍ وهداية، فيا بُعْدَ ما بينهما!
ولمَّا كان كمالُه بالتَّوبة كان كمالُ بَنِيه أيضًا بها، كما قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٧٣].
مفتاح دار السعادة (٨١٣/٢).

المحراب

05 Feb, 13:30


قال ابن عثيمين رحمه الله:
قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: ((وإن أفتاك الناس وأفتوك)) حتى لو أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر.
إلا إذا علمت أن في نفسك مرضاً من الوسواس والشك والتردد فيما أحل الله، فلا تلتفت لهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما يخاطب الناس، أو يتكلم على الوجه الذي ليس فيه أمراض، أي ليس في قلب صاحبه مرض، فإن البر هو ما أطمأنت إليه نفسه، والإثم ما حاك في صدره وكره أن يطلع عليه الناس، والله الموفق.
شرح رياض الصالحين (٤٩٩/٣).

المحراب

05 Feb, 04:10


عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ).
رواه أحمد (٢٩/ ٢٧٨-٢٧٩) طبعة مؤسسة الرسالة ، وصححه المحققون بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط .
وقال المنذري : إسناده جيد. الترغيب والترهيب (٢٣/٣) ، وكذلك قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢٥١/١).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا يأمرُ أصحابَه بما لا تنشرحُ به صدورُ بعضهم، فيمتنعون من فعله، فيغضب منْ ذلك، كما أمرهم بفسخ الحجِّ إلى العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هديهِم، والتَّحلُّل من عُمرة الحُديبية، فكرهوه، وكرهوا مقاضاتَه لقريش على أن يرجِعَ من عامِه، وعلى أن من أتاه منهم يردُّه إليهم.
وفي الجملة، فما ورد النص به، فليس للمؤمن إلا طاعةُ الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦].

وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصَّدر والرِّضا، فإنَّ ما شرعه الله ورسولُه يجبُ الإيمانُ والرضا به، والتَّسليمُ له، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

وأما ما ليس فيه نصٌّ من الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيءٌ، وحكَّ في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد مَنْ يُفتي فيه بالرُّخصة إلَّا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يُوثَقُ بعلمه وبدينه، بل هو معروفٌ باتِّباع الهوى، فهنا يرجعُ المؤمن إلى ما حكَّ في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المفتون.
جامع العلوم والحكم (٢/ ١٠٢-١٠٣).

والحكُّ: ما أثر في القلب ضِيقًا وحَرجًا، ونُفورًا وكراهة.

المحراب

04 Feb, 16:22


قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
وقد نَصَّ الأئمَّةُ الأربعةُ على أن طلبَ العلمِ أفضلُ مِن صلاةِ النَّافلةِ، والصلاةُ أفضلُ مِن الصِّيامِ المتطوَّعِ بهِ، فيَكونُ العلمُ أفضلَ مِن الصِّيامِ بطريقِ الأَوْلى؛ فإنَّ العلمَ مصباحٌ يُسْتَضاءُ بهِ في ظلمةِ الجهلِ والهوى، فمَن سارَ في طريقٍ على غيرِ مصباحٍ؛ لمْ يَأْمَنْ أنْ يَقَعَ في بئرٍ بوارٍ فيَعْطَبَ. قالَ ابن سِيرِينَ: إنَّ قومًا تَرَكوا العلمَ واتَّخَذوا محاريبَ فصاموا وصَلَّوْا بغيرِ علمٍ، واللهِ؛ ما عَمِلَ أحدٌ بغيرِ علمٍ إلَّا كانَ ما يُفْسِدُ أكثرَ ممَّا يُصْلحُ.
لطائف المعارف (٢٩٩).

المحراب

04 Feb, 04:30


عَن أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلنَّبِيِّ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أَهلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموَالِهِم قَالَ: (أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لَكُم مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَن المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضعِ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيتُم لَو وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجرٌ).
رواه أحمد (٥/ ١٦٧ و ١٦٨)، ومسلم (٧٢٠) و (١٠٠٦)، وأبو داود (٥٢٤٣ و ٥٢٤٤).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الصحابة رضي الله عنهم لِشدّة حرصهم على الأعمال الصالحة، وقوة رغبتهم في الخير كانوا يحزنون على ما يتعذر عليهم فعلُه من الخير ممَّا يقدر عليه غيرهم، فكان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء، ويحزنون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد، لعدم القدرة على آلته، وقد أخبر الله عنهم بذلك في كتابه، فقال: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: ٩٢].
وفي هذا الحديث: أن الفقراء غَبَطوا أهلَ الدُّثور - والدُّثور: هي الأموال - بما يحصُلُ لهم مِنْ أجرِ الصدقة بأموالهم، فدلَّهمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على صدقاتٍ يقدِرُون عليها.

ومعنى هذا أنَّ الفقراء ظنُّوا أن لا صدقةَ إلَّا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهُم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن جميعَ أنواع فعلِ المعروف والإحسان صدقة.
جامع العلوم والحكم (٢/ ٥٦-٥٨).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
قال عز وجل: {ألا يجدوا ما ينفقون} ولم يقل ما يكنزون ولا ما يدخرون دالًا بذلك جل جلاله أن حزنهم إنما كان على فوت فضيلة الإنفاق في سبيل الله عز وجل.
الإفصاح (٢٠٥/٢).

المحراب

03 Feb, 16:26


قال تعالى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٧ - ٨٨].

قال ابن القيم رحمه الله:
فأمره بتجريد الدعوة إليه، وتجريد عبوديّته وحده، وهذان هما أصلا الدِّين وعليهما مداره.
مدارج السالكين (٤٠٨/٤).

المحراب

03 Feb, 16:17


قال ابن القيم رحمه الله:
فإنَّ نعيم المحبَّة في الدُّنيا رقيقة ولطيفة من نعيم الجنَّة في الآخرة، بل هو جنَّة الدُّنيا، فما طابت الدُّنيا إلَّا بمعرفته ومحبَّته، ولا الجنَّة إلَّا برؤيته ومشاهدته، فنعيم المحبِّ دائمٌ، وإن مزج بالآلام أحيانًا. فلو عرف المشغولون بغير الحقِّ سبحانه ما فيه أهلُ محبَّته وذكرِه ومعرفته من النعيم لتقطعت قلوبهم حسراتٍ، ولعلموا أنَّ الذي حصَّلوه لا نسبة له إلى ما ضيَّعوه وحُرِموه.
مدارج السالكين (٢٤١/٤).

المحراب

03 Feb, 04:26


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ"، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ".
رواه البخاري (٦١٢٠).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
فهذا يدلُّ على أن الغضب جِماعُ الشرِّ، وأن التحرُّز منه جماعُ الخير.
قال جعفر بنُ محمد: الغضبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ. وقيل لابنِ المبارك: اجْمَعْ لنا حسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغضبِ.

والغضب: هو غليانُ دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عندَ خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعدَ وقوعه، وينشأ من ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواعِ الظلم والعُدوان؛ وكثيرٍ من الأقوال المحرَّمة كالقذفِ والسبِّ والفحشَ، وربما ارتقى إلى درجة الكفر،…وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يُعقب الندمَ.

وقال ميمون بن مِهران: جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإن غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك.
جامع العلوم والحكم (١/ ٣٦٢-٣٦٨).

المحراب

02 Feb, 15:58


قال تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ٤٦]. وقال تعالى: { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٩].

قال ابن القيم رحمه الله:
يسمَّى العلم اليقينيُّ ــ قبل مشاهدة معلومه ــ ظنًّا، …وهذا الظّنُّ علمٌ جازمٌ، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ} [البقرة: ٢٢٣].
مدارج السالكين (٣٥٧/٤).

المحراب

02 Feb, 04:28


عَنِ المِقدامِ بن مَعدِ يَكرِبَ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: {ما مَلأ آدميُّ وِعاءً شَرًّا مَنْ بَطْنٍ، بحَسْبِ ابن آدمَ أَكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالَةَ، فَثُلثٌ لِطعامِهِ، وثلُثٌ لِشَرابِهِ، وثُلُثٌ لِنَفسه}.
رواه أحمد (٤/ ١٣٢)، والترمذي (٢٣٨٠)، وابن ماجه (٣٣٤٩)، والنسائي في "الكبرى"، وصححه ابن حبان (٥٢٣٦)، والحاكم ٤/ ١٢١ و ٣٣١ - ٣٣٢، ووافقه الذهبي.

قال ابن رجب رحمه الله:
وهذا الحديثُ أصلٌ جامعٌ لأصول الطب كُلِّها. وقد رُوي أن ابنَ ماسويه الطبيبَ لمَّا قرأ هذا الحديث في "كتاب" أبي خيثمة، قال: لو استعملَ الناسُ هذه الكلمات، سَلِموا مِنَ الأمراض والأسقام، ولتعطَّلت المارستانات ودكاكين الصيادلة، وإنَّما قال هذا؛ لأنَّ أصل كلِّ داء التُّخَم…
وقال الحارث بن كَلَدَة طبيبُ العرب: الحِمية رأسُ الدواء، والبِطنةُ رأسُ الداء…
فهذا بعض منافع تقليلِ الغذاء، وتركِ التَّمَلِّي من الطَّعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته.
وأما منافِعُه بالنسبة إلى القلب وصلاحه، فإن قلةَ الغذاء توجب رِقَّة القلب، وقوَّة الفهم، وانكسارَ النفس، وضعفَ الهوى والغضب، وكثرةُ الغذاء توجب ضدَّ ذلك.
جامع العلوم والحكم (٢/ ٤٦٨-٤٦٩).

المحراب

01 Feb, 15:33


عَنْ صُهَيبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا دَخَلَ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: تُرِيدُونَ شَيئًا أَزِيدُكُم؟ فَيَقُولُونَ: أَلَم تُبَيِّض وُجُوهَنَا؟ أَلَم تُدخِلنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعطُوا شَيئًا أَحَبَّ إِلَيهِم مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِم.
وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِيَادَةٌ.
رواه أحمد (٤/ ٣٣٢ و ٣٣٣)، ومسلم (١٨١)، والترمذي (٢٥٥٥)، وابن ماجه (١٨٧).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إرادة وجه الله أعلى حظوظ العبد، وأكبر مطالبه وأعظم مقاصده، والنظر إلى وجهه أعظم لذَّاته.
جامع المسائل (١٤/٦).

المحراب

01 Feb, 04:22


عن أُمِّ سَلَمَةَ، قالتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ قامَ النِّساءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَقامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، قالتْ: نَرَى -واللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّساءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجالُ.
رواه البخاري (٨٧٥).

قال ابن عثيمين رحمه الله:
وذلك لأن الرِّجالَ إذا انصرفوا قبلَ انصرافِ النِّساءِ لَزِمَ مِن هذا اختلاطُ الرِّجالِ بالنِّساءِ، وهذا مِن أسبابِ الفتنة، حتى إنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرها، وَشَرُّها أوَّلُها»[رواه مسلم :٤٤٠].، لأن أوَّلَها أقربُ إلى الرِّجالِ مِن آخرها، فهو أقربُ إلى الاختلاطِ.
وفي هذا دليلٌ واضحٌ جداً على أنَّ مِن أهدافِ الإِسلامِ بُعْدُ النساءِ عن الرِّجال، وأنَّ المبدأ الإِسلاميَّ هو عَزْلُ الرِّجالِ عن النساءِ، خلاف المبدأ الغربيِّ الكافرِ الذي يريد أن يختلِطَ النساءُ بالرِّجالِ، والذي انخدعَ به كثيرٌ مِن المسلمين اليوم، وصاروا لا يبالون باختلاطِ المرأةِ مع الرِّجالِ…

…الواجب أن يتلقَّى المسلمُ تعاليمه مِن كتابِ الله وسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهَدي السَّلفِ الصَّالح، ونحن إذا رأينا تعاليمَ الشَّارعِ الحكيم وجدنا أنَّه يسعى بكُلِّ ما يستطيع إلى إبعاد المرأةِ عن الرَّجُلِ، فيبقى الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاَّه إذا سَلَّمَ حتى ينصرفَ النساءُ من أجلِ عدم الاختلاط، هذا مع أنَّ النَّاسَ في ذلك الوقت أطهرُ مِن النَّاسِ في أوقاتنا هذه، وأقوى إيماناً كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيرُ النَّاسِ قَرْني، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يَلونهم» رواه البخاري (٢٦٥٢) ، ومسلم (٢٥٣٣)
الشرح الممتع (٤/ ٣٠٦-٣٠٨)

المحراب

31 Jan, 04:08


عَنْ كَعبِ بنِ عُجرَةَ، أَنهُ دَخَلَ المَسجِدَ وَعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أُمِّ الحَكَمِ يَخطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: انظُرُوا إِلَى هَذَا الخَبِيثِ يَخطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهوًا انفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}
رواه مسلم (٨٦٤)، والنسائي (٢/ ١٠٢).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
وقوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}؛ أي: تخطب. فهذا ذمٌّ لمن ترك الخطبة بعد الشروع فيها، ونهي للمسلمين أن يتفرقوا عن إمامهم.

وقول كعب بن عجرة: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا: يدل على خلاف قول أبي حنيفة؛ حيث رأى أن الخطيب إن شاء قام، وإن شاء قعد في خطبته.
المفهم (٢/ ٥٠١-٥٠٢).

المحراب

30 Jan, 17:49


قال الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً}[النساء٣٥].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قال زيد بن أسلم: الشقاق المنازعة. وقيل: الشقاق المجادلة والمخالفة والتعادي.
…فكأن كل واحد من الزوجين يأخذ شقا غير شق صاحبه، أي ناحية غير ناحية صاحبه.
الجامع لأحكام القرآن (١٤٣/٢)، (١٧٤/٥).

المحراب

30 Jan, 14:50


قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣].

قال ابن القيم رحمه الله:
فجعل الغاية التي يزول بها حكم السُّكر: أن يعلم ما يقول، فإذا علم ما يقول خرج عن حدِّ السكران.
مدارج السالكين (٢٣١/٤).

المحراب

30 Jan, 14:22


قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]

قال ابن القيم رحمه الله:
فنالوا إمامة الدِّين بالصبر واليقين.
مدارج السالكين (٢٢٨/٤).

المحراب

22 Jan, 04:00


عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَة الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ: (لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (٥٨٤).

قال المهلب رحمه الله:
وفيه فضل الإعلان بالسنن وإظهار أمور الدين، وإنما أمره برفع صوته بالنداء ليسمعه من بعد منه فيكثر الشهداء له يوم القيامة.
شرح البخاري لابن بطال (٢٣٨/٢).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح، وفيه جواز التبدي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن من غلبة الجفاء.

وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه، لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم.
فتح الباري (٨٩/٢).

المحراب

21 Jan, 04:36


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى).
رواه البخاري (٥٨٣).

قال المهلب رحمه الله:
قوله: (اذكر كذا لِمَا لم يكن يذكر) ليسهيه عن صلاته.
فيه من الفقه: أن من نسي شيئًا وأراد أن يتذكره فليصل ويجهد نفسه فيها من تخليص الوسوسة وأمور الدنيا، فإن الشيطان لابد أن يحاول تسهيته وإذكاره أمور الدنيا؛ ليصده عن إخلاص نيته في الصلاة. وقد روي عن أبي حنيفة: أن رجلاً دفن مالاً، ثم غاب عنه سنين كثيرة، ثم قدم فطلبه فلم يهتد لمكانه، فقصد أبا حنيفة فأعلمه بما دار له فقال له: صل في جوف الليل وأخلص نيتك لله تعالى، ولا تجد على قلبك شيئًا من أمور الدنيا، ثم عرفني بأمرك، ففعل فذكر في الصلاة مكان المال، فلما أصبح أتى أبا حنيفة فأعلمه بذلك، فقال بعض جلسائه: من أين دللته على هذا، يرحمك الله؟ فقال: استدللت من هذا الحديث وعلمت أن الشيطان سيرضى أن يذكره موضع ماله ويمنعه الإخلاص في صلاته، فعجب الناس من حسن انتزاعه واستدلاله.
شرح البخاري لابن بطال (٢٣٧/٢).

المحراب

20 Jan, 15:53


قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٥].

قال ابن القيم رحمه الله:
الغَرام، وهو الحبُّ اللّازم للقلب، الذي لا يفارقه، بل يلازمه كملازمة الغريم لغريمه . ومنه سمِّي عذاب النّار غَرامًا للزومِه لأهله، وعدمِ مفارقته.
مدارج السالكين (٣٩٧/٣).

قال أبوجعفر الطبري رحمه الله:
حدثنا المعافي، عن أبي الأشهب، عن الحسن، في قوله: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) قال: قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم.
جامع البيان (٢٩٧/١٩).

المحراب

20 Jan, 04:03


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ).
رواه البخاري (٥٩٦٢).

قال ابن بطال رحمه الله:
هذا وقت شريف مرغب فيه خصّه الله تعالى بالتنزل فيه، وتفضّل على عباده بإجابة من دعا فيه، وإعطاء من سأله، إذ هو وقت خلوة وغفلة واستغراق فى النوم واستلذاذ به، ومفارقة الدعة واللذة صعب على العباد، لا سيما لأهل الرفاهية فى زمن البرد، ولأهل التعب والنصب فى زمن قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه فى غفران ذنوبه، وفكاك رقبته من النار وسأله التوبة فى هذا الوقت الشاق على خلوة نفسه بلذتها ومفارقة دعتها وسكنها، فذلك دليل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه، فضمنت له الإجابة التى هي مقرونة بالإخلاص وصدق النية في الدعاء، إذ لا يقبل الله دعاءً من قلب غافل لاهٍ. …

فلذلك نبّه الله عباده على الدعاء فى هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا، وعُلقها ليستشعر العبد الجدّ والإخلاص لربه فتقع الإجابة منه تعالى رفقًا من الله بخلقه.
شرح البخاري لابن بطال (٨٩/١٠).

المحراب

19 Jan, 16:06


قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:١٦٥].

قال ابن القيم رحمه الله:
في قوله: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} فإنّ فيها قولين أيضًا:
أحدهما: يحبُّونهم كما يحبُّون الله، فيكون قد أثبتَ لهم محبّةً لله، ولكنّها محبّةٌ شرَّكُوا فيها مع الله أندادَهم.

والثّاني: أنّ المعنى يحبُّون أندادهم كما يحبُّ المؤمنون الله. ثمّ بيَّن أنّ محبّة المؤمنين لله أشدُّ من محبّة أصحاب الأنداد لأندادهم.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرجِّح القول الأوّل، ويقول : إنّما ذمُّوا بأن شرَّكوا بين الله وبين أندادهم في المحبّة، ولم يخلصوها لله كمحبّة المؤمنين له.

وهذه هي التّسوية المذكورة في قوله تعالى ــ حكايةً عنهم وهم في النّار، أنهم يقولون لآلهتهم وأندادهم وهي مُحضَرةٌ معهم في العذاب ــ: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]. ومعلومٌ أنّهم لم يُسَوُّوهم بربِّ العالمين في الخلق والرُّبوبيّة، وإنّما سَوَّوهم به في المحبّة والتّعظيم.
مدارج السالكين (٣٨٦/٣).

المحراب

19 Jan, 03:44


عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِي يَدَيْهِ، وَقَرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ.
رواه البخاري (٥٩٦٠).

قال ابن بطال رحمه الله:
وفي حديث عائشة رد قول من زعم أنه لا تجوز الرقى واستعمال العُوذ إلا عند حلول المرض ونزول ما يتعوذ بالله منه، ألا ترى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نفث فى يديه وقرأ المعوذات ومسح بهما جسده، واستعاذ بذلك من شر ما يحدث عليه في ليلته مما يتوقعه وهذا من أكبر الرقى.
شرح البخاري لابن بطال (٨٨/١٠).

المحراب

18 Jan, 16:52


قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:٢٩].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
وأجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا. ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناول النهي. وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفا على نفسه منه، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا. سنن أبي داود (٣٣٤).
الجامع لأحكام القرآن (٢٥٩/٥).

المحراب

18 Jan, 04:38


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى حَاجَتَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ، فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَتَّقِيهِ، فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللهمَّ اجعَل فِي قَلبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمعِي نُورًا، وَعَن يَمِينِي نُورًا، وَعَن يَسَارِي نُورًا، وَفَوقِي نُورًا، وَتَحتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلفِي نُورًا، وَعَظِّم لِي نُورًا.
وفي أُخرَى: وفي لِسَانِي نُورًا. وَقَالَ فِي آخِرِه: وَاجعَل لِي نُورًا.
وفي أُخرَى: وَاجعَلنِي نُورًا.
رواه البخاري (٦٣١٦)، ومسلم (٧٦٣) (١٨١ و ١٨٢ و ١٨٣ و ١٨٧).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
وفيه دليل على الاستكثار من فضل الله عز وجل؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما جبله الله عز وجل عليه من النور الذي فضل فيه الأولين والآخرين لم يقنعه ذلك حتى سأل ربه أن يجعل في قلبه نورًا، وفي بصره نورًا، وفي سمعه نورًا، وأمامه نورًا، وفي لسانه نورًا، ومن خلفه نورًا.
ثم قال بعد ذلك: (واجعل لي نورًا - أو: زدني نورًا) يعني - صلى الله عليه وسلم - أنه لما طلب لكل حاسة من حواسه وجهة من جهاته نورًا يضيء به الناحية التي يواجهها، طلب زيادة نور بعد ذلك، وأن يكون له من النور ما يملكه الله عز وجل إياه فيثبت عنده بقوله: (واجعل لي نورًا) أي لا ينسلب مني ولا ينزع عني، ثم قال بعد ذلك: (وزدني نورًا)، فكأنه قال: لا أشبع من النور الذي أدرك به معرفتك ومعاني كلامك وأسرار تسبيحك.
الإفصاح (٣٨/٣).

المحراب

17 Jan, 16:39


قال ابن القيم رحمه الله:
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة السّكينة.
هذه المنزلة من منازل المواهب، لا من منازل المكاسب. وقد ذكر الله سبحانه السّكينة في كتابه في ستّة مواضع:…
[البقرة: ٢٤٨]،[التوبة: ٢٥ - ٢٦]،[التوبة: ٤٠]،[الفتح: ٤]،[الفتح: ١٨]،[الفتح: ٢٦].

وكان شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آياتِ السّكينة.
وسمعته يقول في واقعةٍ عظيمةٍ جرت له في مرضه، تَعجِز العقول والقُوى عن حملها ــ من محاربة أرواحٍ شيطانيّةٍ ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوّة ــ قال: فلمّا اشتدّ عليّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السّكينة، قال: ثمّ أقلعَ عنِّي ذلك الحالُ، وجلستُ وما بي قَلَبةٌ.[داء يأخذ في القلب].

وقد جرَّبتُ أنا قراءةَ هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرِد عليه، فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطُمأنينته.
مدارج السالكين (٣/ ٣٣١-٣٣٢).

المحراب

17 Jan, 04:07


عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّارٍ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنَ اسْتِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ، وَكَانَ مُوسِرًا: يَا غُلَامُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ، فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالْأُخْرَى عَمَّارًا، وَقَالَ: رُوحَا فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ.
رواه البخاري (٧١٠٦).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
في هذا الحديث من الفقه…
وفيه أيضًا دليل على جواز أن يكسو المسلم أخاه الحلة، وأن يشير إليه بالرواح فيها إلى الصلاة.
وفيه جواز قبول المسلم من أخيه مثل ذلك ولا يرد فضله عليه.
الإفصاح (١٣٦/٢).

المحراب

16 Jan, 16:07


قال ابن القيم رحمه الله:
وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو.
وقد نهى الله عن الغلو بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ…} [المائدة: ٧٧].

والغلو نوعان:
نوع يخرجه عن كونه مطيعا. كمن زاد في الصلاة ركعة، أو صام الدهر مع أيام النهي، أو رمى الجمار بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق، أو سعى بين الصفا والمروة عشرا، ونحو ذلك عمدا.
وغلو يخاف منه الانقطاع والاستحسار. كقيام الليل كله, وسرد الصيام الدهر أجمع بدون صوم أيام النهي, والجور على النفوس في العبادات والأوراد، الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلّا غَلَبه, فسَدِّدوا وقَارِبوا وأبشِروا، واستعينوا بالغَدوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلْجَة» [رواه البخاري (٣٩)]. يعني: استعينوا على طاعة الله بالأعمال في هذه الأوقات الثلاثة, فإن المسافر يستعين على قطع مسافة السفر بالسير فيها.
وقال: «لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه, فإذا فَتَر فلْيَرْقُدْ». رواه البخاري (١١٥٠).
مدارج السالكين (٣/ ٣٢٠-٣٢١).

المحراب

16 Jan, 05:02


(باب شهادة المختبي)

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ، يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فيها ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إذا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وهو يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ على فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فيها رَمْرَمَةٌ -أَوْ زَمْزَمَةٌ- فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فقالتْ لاِبْنِ صَيَّادِ: أَيْ صَافِ، هذا مُحَمَّدٌ. فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ».
رواه البخاري (٢٦٣٨).


قال القرطبي رحمه الله:
كان ابن صياد على طريقة الكهنة، يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى، فشاع ذلك ولم ينزل في شأنه وحي، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم سلوك طريقة يختبر حاله بها، أي: فهو السبب في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقد روى أحمد من حديث جابر قال: ولدت امرأة من اليهود غلاما ممسوحة عينه، والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال.

قال ابن حجر رحمه الله:
قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة، وأمره مشتبه، لكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة.

قال البيهقي: فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم.
فتح الباري (٣٢٦/١٣)،(١٧٣/٦).

وقال المهلب رحمه الله:
فى حديث ابن عمر من الفقه جواز الاحتيال على المستترين بالفسق، وجحود الحقوق، بأن يختفى عليهم حتى يسمع منهم ما يستترون به من الحق ويحكم به عليهم، ولكن بعد أن يفهم عنهم فهمًا حسنًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لو تركته بين) .
شرح البخاري لابن بطال (١٠/٨).

المحراب

15 Jan, 16:22


قال الله تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ * وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ} [محمد:٢٩-٣٠]

قال الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شكّ في دينهم، وضعف في يقينهم، فهم حيارى في معرفة الحقّ أن لن يُخرج الله ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين، فيبديه لهم ويظهره، حتى يعرفوا نفاقهم، وحيرتهم في دينهم (وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ) يقول تعالى: ولو نشاء يا محمد لعرّفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلمك.
تفسير الطبري (١٨٣/٢٢).

قال ابن القيّم رحمه الله:
قال تعالى في حق المنافقين: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول}
فالأول: فراسة النظر والعين. والثاني: فراسة الأذن والسمع.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة، ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط، بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم، فقال: {ولتعرفنهم في لحن القول}، وهو تعريض الخطاب وفحوى الكلام ومغزاه.

والمقصود: أنه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم، فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه، فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من دلالة السيما المرئية. والفراسة تتعلق بالنوعين بالنظر والسماع.
مدارج السالكين (٣/ ٣٠٠-٣٠١).

المحراب

15 Jan, 04:10


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ. لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ).
رواه مسلم (٢٩٨٤).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
وفى هذا الحديث دليل على صحة بكرامات الأولياء، وأن الولي قد يكون له مال وضيعة، ولا يناقضه قوله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا لما قدمنا من أن المقصود بالنهي إنما هو: من اتخذها مستكثرا ومتنعما ومتمتعا بزهرة الدنيا، لما يخاف عليه من الميل إلى الدنيا والركون إليها، وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله، فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال. وهي من أفضل الأموال.
المفهم (٧/ ١٣٧-١٣٨).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
ولم يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث إلا منبها لأمته على الاقتداء بهذا الرجل؛ في أن يكون لكل من ينفق في سبيل الله من حاصل فرع على نحو الثلث، كما رخص في ذلك لسعد بن أبي وقاص في الوصية،…
الإفصاح (١٥٣/٨).

المحراب

14 Jan, 16:42


قال ابن القيم رحمه الله:
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة العلم.
وهذه المنزلة إن لم تصحب السّالكَ من أوّل قدمٍ يضعه في الطّريق إلى آخر قدمٍ ينتهي إليه فسلوكُه على غير طريقٍ، وهو مقطوعٌ عليه طريقُ الوصول، مسدودٌ عليه سبلُ الهدى والفلاح، مغلَقةٌ عنه أبوابها. وهذا إجماعٌ من الشُّيوخ العارفين، ولم ينهَ عن العلم إلّا قُطَّاع الطّريق منهم، ونُوَّاب إبليس وشُرَطُه.

قال سيِّد الطّائفة وشيخهم الجنيد بن محمّدٍ - رحمه الله -: الطُّرق كلُّها مسدودةٌ على الخلق إلّا على من اقتفى أثر الرّسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتَدى به في هذا الأمر، لأنّ علْمنا مقيّدٌ بالكتاب والسُّنّة.
وقال: مذهبنا هذا مقيّدٌ بالأصول: الكتاب والسُّنّة.
مدارج السالكين (٢٧٠/٣).

المحراب

14 Jan, 13:16


قال الله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ… الآية} [النساء:٢٨].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية. أي نكاح أمهاتكم ونكاح بناتكم، فذكر الله تعالى في هذه الآية ما يحل من النساء وما يحرم، كما ذكر تحريم حليلة الأب. فحرم الله سبعا من النسب وستا من رضاع وصهر، وألحقت السنة المتواترة سابعة، وذلك الجمع بين المرأة وعمتها، ونص عليه الإجماع. … فالسبع المحرمات من النسب: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت.

والسبع المحرمات بالصهر والرضاع: الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء والربائب، وحلائل الأبناء والجمع بين الأختين، والسابعة (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم). قال الطحاوي: وكل هذا من المحكم المتفق عليه، وغير جائز نكاح واحدة منهن بإجماع إلا أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن،…
و الربيبة: بنت امرأة الرجل من غيره، سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة. واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم، وإن لم تكن الربيبة في حجره.
الجامع لأحكام القرآن (٥/ ١٠٥-١١٢).

المحراب

14 Jan, 04:00


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ». قَيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَ الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ».
رواه البخاري (٥٩٧٣).

قال ابن بطال رحمه الله:
هذا الحديث أصل في قطع الذرائع، وأن من آل فعله إلى محرم وإن لم يقصده فهو كمن قصده وتعمده في الإثم، ألا ترى أنه عليه السلام نهى أن يلعن الرجل والديه؟ فكان ظاهر هذا أن يتولى الابن لعنهما بنفسه، فلما أخبر النبي - عليه السلام - أنه إذا سب أبا الرجل وسب الرجل أباه وأمه، كان كمن تولى ذلك بنفسه، وكان [ما آل إليه فعل ابنه] كلعنه في المعنى؛ لأنه كان سببه.
شرح البخاري لابن بطال (٩/ ١٩٢-١٩٣).

المحراب

13 Jan, 04:24


عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّها قالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ،…
قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْها، وَبارِكْ لَنا فِي صاعِها وَمُدِّها، وانْقُلْ حُمَّاها فاجْعَلْها بِالْجُحْفَةِ».
رواه البخاري (٣٩٢٦).

قال ابن بطال رحمه الله:
فيه من الفقه جواز الدعاء إلى الله تعالى فى رفع الوباء والحمى والرغبة إليه في الصحة والعافية، وهذا رد على الصوفية في قولهم: إن الولي لا تتم له بالولاية إلا إذا رضي بجميع مانزل به من البلاء ولا يدع الله في كشفه.
شرح البخاري لابن بطال (٣٩٣/٩).

المحراب

12 Jan, 13:50


قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨].

قال ابن القيم رحمه الله:
وفي الآية ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّه أغناه من المال بعد فقره. وهذا قول أكثر المفسِّرين. لأنّه قابله بقوله: «عائلًا»، والعائل هو المحتاج، ليس ذا العَيْلة، فأغناه.
والثّاني: أنّه رضَّاه بما أعطاه، وأغناه به عن سواه. فهو غنى قلبٍ ونفسٍ، لا غنى مالٍ. وهو حقيقة الغنى.
والثّالث وهو الصّحيح: أنّه يعمُّ نوعَي الغنى؛ فأغنى قلبَه وأغناه من المال.
مدارج السالكين (٢٤٨/٣).

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً: إِذَا افْتَقَرَ. وَقَالَ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ:
فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ ... وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ
أَيْ يَفْتَقِرُ.
الجامع لأحكام القرآن (٩٩/٢٠).

المحراب

12 Jan, 04:04


عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما: أَنَّ ابْنَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَهوَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَعْدٌ وَأُبَيٌّ: نَحْسِبُ أَنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ فَاشْهَدْنَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا السَّلَامَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَحْتَسِبْ وَلْتَصْبِرْ». فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُمْنَا، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ فِي حَجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ».
رواه البخاري (٥٦٥٥).

قال ابن بطال رحمه الله:
فيه من الفقه عيادة الرؤساء وأهل الفضل للصبيان المرضى وفي ذلك صلة لآبائهم ولا يعدم من ذلك بركة دعائهم للمرضى وموعظة الآباء وتصبيرهم واحتسابهم لما ينزل بهم من المصائب عند الله تعالى.
شرح البخاري لابن بطال (٣٧٩/٩).

المحراب

11 Jan, 04:28


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرابِيٍّ يَعُودُهُ، قالَ: وَكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قالَ: «لا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شاءَ اللَّهُ». فَقالَ لَهُ: «لا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شاءَ اللَّهُ». قالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ: تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَنَعَمْ إِذًا».
رواه البخاري (٣٦١٦).

قال المهلب رحمه الله:
وفائدة هذا الحديث أنه لا نقص على السلطان فى عيادة مريض من رعيته أو واحد من باديته ولا على العالم فى عيادة الجاهل؛ لأن الأعراب شأنهم الجهل كما وصفهم الله، ألا ترى رد هذا الأعرابي لقول النبى عليه السلام وتهوينه عليه مرضه بتذكيره ثوابه عليه فقال له: بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، وهذا غاية الجهل، وقد روى معمر عن زيد بن مسلم في هذا الحديث أن النبيّ حين قال للأعرابي: (فنعم إذا) أنه مات الأعرابي.
…فيه أن السنة أن يخاطب العليل بما يسليه من ألمه وبغطة بأسقامه بتذكيره بالكفارة لذنوبه وتطهيرة من آثامه ويطمعه بالإقالة لقوله: لا بأس عليك مما تجده بل يكفر الله به ذنوبك ثم يفرج عنك فيجمع لك الأجر والعافية لئلا يسخط أقدار الله، واختياره له وتفقده إياه بأسباب الرحمة ولايتركه إلى نزعات الشيطان والسخط …
شرح البخاري لابن بطال (٩/ ٣٧٩-٣٨٢).

المحراب

10 Jan, 13:32


( الاشتغال بذم الدنيا ومدحها وطلبها وتركها)

قال ابن القيم رحمه الله:
فإنّ اشتغاله بمدحها أو ذمِّها دليلُ محبّتها ورغبته فيها، فإنّ من أحبّ شيئًا أكثر من ذكرِه. وإنّما اشتغل بذمِّها حيث فاتته، كمن طلب العنقود فلم يصل إليه، فقال: هو حامضٌ. ولا يتصدّى لذمِّ الدُّنيا إلّا راغبٌ محبٌّ مفارقٌ، فالواصل مادحٌ، والمفارق ذامٌّ.

فإنّ لطلبها آفات، ولتركها آفات، والفقر سلامة القلب من آفات الطّلب والتّرك، بحيث لا تَحجُبه عن ربِّه بوجهٍ من الوجوه الظّاهرة والباطنة، لا في طلبها وأخذها، ولا في تركها والرّغبة عنها.
فإن قلت: عرفتُ الآفة في أخذها وطلبها، فما وجه الآفة في تركها والرّغبة عنها؟
قلت: من وجوهٍ شتّى:
أحدها: أنّه إذا تركها ــ وهو بشرٌ لا ملكٌ ــ تعلّق قلبه بما يُقِيمه ويُقِيتُه ويُعِيشه وما هو محتاجٌ إليه، فيبقى في مجاهدةٍ شديدةٍ مع نفسه لتركِ معلومها وحظِّها من الدُّنيا. وهذه قلّة فقهٍ في الطّريق، بل الفقيه العارف يردُّها عنه بلقمةٍ، كما يردُّ الكلبَ إذا نبحَ عليه بكسرةٍ، ولا يقطع زمانَه بمجاهدته ومدافعته، بل أعطاها حظَّها، وطالبَها بما عليها من الحقِّ….

…والعارف البصير يجعل عوضَ مجاهدتِه لنفسه في ترك شهوةٍ مباحةٍ: مجاهدتَه لأعداء الله من شياطين الإنس والجنِّ، وقُطّاعِ الطّريق على القلوب، كأهل البدع من بني العلم وبني الإرادة، ويستفرغ قواه في حربهم ومجاهدتهم، ويتقوّى على حربهم بإعطاء النّفس حقَّها من المباح، ولا يشتغل بها.

ومن آفات التّرك: تطلُّعه إلى ما في أيدي النّاس إذا مسّته الحاجة إلى ما تركه، فاستدامتُها كان أنفعَ له من هذا التّرك.

ومن آفات تركِها وعدمِ أخذها: ما يداخله من الكبر والعُجْب والزّهو. وهذا يقابل الزُّهدَ فيها وترْكَها، كما أنّ كَسْرة الأخذ وذلّته وتواضعه يقابل الأخذ، ففي الأخذ آفاتٌ، وفي التّرك آفاتٌ.
فالفقر الصّحيح: السّلامة من آفات الأخذ والتّرك، وهذا لا يحصل إلّا بفقهٍ في الفقر.
مدارج السالكين (٣/ ٢٤١-٢٤٣).

المحراب

10 Jan, 04:07


عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ غُلَامًا لِيَهُودَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَالَ: «أَسْلِمْ». فَأَسْلَمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: لَمَّا حُضِرَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (٥٦٥٧).

قال ابن بطال رحمه الله:
إنما يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجا إجابته إليه، ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبيّ الإسلام وكذلك عرض الإسلام على عمه أبي طالب، فلم يقض الله له به، فأما إذا لم يطمع بإسلام الكافر ولا رجيت إنابته فلا تنبغي عيادته.
شرح البخاري لابن بطال (٣٨٠/٩).

المحراب

09 Jan, 13:45


قال الله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥].

قال ابن القيم رحمه الله:
والفرق بين الغفلة والنِّسيان: أنّ الغفلة تركٌ باختيار الغافل، والنِّسيان تركٌ بغير اختياره، ولهذا قال تعالى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}، ولم يقل: «ولا تكن من النّاسين»، فإنّ النِّسيان لا يدخل تحت التّكليف فلا يُنهى عنه.
مدارج السالكين (٢٢٤/٣).

المحراب

09 Jan, 05:20


(بابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تبارك وتعالى)

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «سَلُوهُ: لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ فقالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ».
رواه البخاري (٧٣٧٥).

قال ابن بطال رحمه الله:
ووجه ذكر حديث قل هو الله أحد فى هذا الباب؛ لأنها سورة تشتمل على توحيد الله.
شرح البخاري لابن بطال (٤٠٢/١٠).

المحراب

08 Jan, 17:12


قال الله تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا} [الإسراء:١١١].

قال الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم (وَقُلْ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) فيكون مربوبا لا ربا، لأن ربّ الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفا، ولا يكون إلها من يكون محتاجا إلى معين.
تفسير الطبري (٥٩٠/١٧).

قال ابن الجوزي رحمه الله:
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ قال مجاهد: لم يحالف أحداً، ولم يبتغ نصر أحد والمعنى: أنه لا يحتاج إِلى موالاة أحد لِذُلٍّ يلحقه، فهو مستغن عن الولي والنصير. وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أي: عظِّمه تعظيماً تامّاً. والله أعلم بالصّواب.
زاد المسير (٦٢/٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإن المخلوق ذليل يتولى من يتولاه لِذُلِّه، فإنه إن لم يكن له مَن يُعِينه وينصره عَجَزَ وذَلَّ، وقَهَرَهُ عَدُوُّه. والله تعالى لا يُوالِي عبادَه من الذُّلّ، بل برحمتِه وفضلِه وجُودِه وإحسانِه، وهو الغني عن كلِّ ما سِواهُ، وكل ما سواه فقير إليه.
جامع المسائل (١١٥/٢).

المحراب

08 Jan, 15:50


عَنْ عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَدخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِي سَبعُونَ أَلفًا بِغَيرِ حِسَابٍ قَالُوا: مَن هُم يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هُمِ الَّذِينَ لا يَستَرقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَكتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ.
رواه أحمد (٤/ ٤٤٨)، ومسلم (٢١٨).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فجعل من فضائلهم أنهم لا يطلبون من غيرهم رُقْيَةً وإن كانت الرقيةُ دعاء. فهذا وصفُ خواصِّ عبادِ الله…

وغاية ما يراد بالمشايخ الصالحين ما يراد من الأنبياء والمرسلين، والمراد منهم تبليغ رسالات الله وهداية عباد الله، والدعوة إلى الله، هذا هو المقصود الأعظم. ولهم أيضا من الدعاء لعباد الله والشفاعة لهم ما هو من الأمور المطلوبة، لكن الأمر كله لله، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.

ودعاء الله من الأنبياء والمؤمنين للعبد هو من نعم الله عليه، وأسعد الناس بذلك أعظم إخلاصا لله وتوكلا عليه، كما في الصحيح أن أبا هريرة قال: يا رسول الله، أي الناس أسعد بشفاعتك؟ قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد قبلك، أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله". رواه البخاري (٩٩، ٦٥٧٠).

فالعبد مأمور أن لا يتوكل إلا على الله، ولا يرغب إلا إليه، ولا يخاف إلا إياه، ولا يعمل إلا له. والله ييسر له من الأسباب ما لم يكن له في حساب، فإنه سبحانه يتولى الصالحين، وهو كاف عبده، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤] أي: حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين الله، فهو وحده كاف عباده لا يحتاج إلى ظهير ولا شريك.
جامع المسائل (٢/ ١١٣-١١٤).

المحراب

08 Jan, 04:28


(بابُ أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأ)
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».
رواه البخاري (٧٣٥٢).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: (باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ) يشير إلى أنه لا يلزم من رد حكمه أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ أن يأثم بذلك، بل إذا بذل وسعه أجر، فإن أصاب ضوعف أجره، لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الإثم،…

قال ابن المنذر: وإنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد، وأما إذا لم يكن عالما فلا، واستدل بحديث القضاة ثلاثة - وفيه - وقاض قضى بغير حق فهو في النار، وقاض قضى وهو لا يعلم فهو في النار وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن بريدة بألفاظ مختلفة، …

وقال الخطابي في معالم السنن: إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، فهو الذي نعذره بالخطأ، بخلاف المتكلف فيخاف عليه، ثم إنما يؤجر العالم؛ لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة، هذا إذا أصاب، وأما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط كذا قال، وكأنه يرى أن قوله: وله أجر واحد مجاز عن وضع الإثم.
فتح الباري (١٣/ ٣١٨-٣١٩).

قال ابن عثيمين رحمه الله:
إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر المراد بالحاكم هنا القاضي والظاهر أن المفتي مثله…

واعلم أن كل خلاف يقع بين الأمة إذا كان الحامل عليه حسن القصد مع بذل الجهد في التحري، لا يلام عليه ولا يضلل، لأنه مجتهد، …
شرح رياض الصالحين (٦٧٧/٦)، (٤١١/١).

المحراب

07 Jan, 14:17


قال الله تعالى:{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}[الملك:٨].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: (تكاد تميز من الغيظ) يعني تتقطع وينفصل بعضها من بعض، قاله سعيد ابن جبير. وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد: تتفرق. من الغيظ من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى.
الجامع لأحكام القرآن (٢١٢/١٨).

قال الإمام الطبري رحمه الله:
قال ابن زيد، في قوله: (تكاد تميز من الغيظ) قال: التميز: التفرق من الغيظ على أهل معاصي الله غضبا لله، وانتقاما له.
تفسير الطبري (٥١٠/٢٣).

قال أبونصر الجوهري رحمه الله:
مزت الشئ أميزه ميزا: عزلته وفرزته. وكذلك ميزته تمييزا، فانماز، وامتاز، و تميز، واستماز، كله بمعنى. يقال: امتاز القوم، إذا تميز بعضهم من بعض. وفلان يكاد يتميز من الغيظ، أي يتقطع.
الصحاح (٨٧٩/٣). بترقيم الشاملة.

المحراب

07 Jan, 13:29


قال الحسن البصري - رضي الله عنه -: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
رواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ١٧١، ١٠/ ١٤٦).

المحراب

07 Jan, 05:50


بابُ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، لَيْسَ بِرَأيٍ وَلَا تَمْثِيلِ

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فَقالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا». فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قالَ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ». فَقالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اثْنَيْنِ ؟ قالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قالَ: «وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ».
رواه البخاري (٧٣١٠)


قال المهلب رحمه الله:
فيه من الفقه أن العالم إذا أمكنه أن يحدث بالنصوص عن الله ورسوله فلا يحدث بنظره ولا قياسه، هذا معنى الترجمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم حديثًا عن الله لا يبلغه قياس ولا نظر، وإنما هو توقيف ووحي، وكذلك ما حدثهم به من سنته فهو عن الله أيضًا؛ لقوله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) [النجم: ٣] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أوتيت الكتاب ومثله معه) قال أهل العلم: أراد بذلك السنة التى أوتي.

وفيه سؤال الطلاب العالم أن يجعل لهم يومًا يسمعون فيه عليه العلم، وإجابة العالم إلى ذلك، وجواز الإعلام بذلك المجلس للاجتماع فيه، وترجم له فى كتاب العلم هل يجعل للنساء يومًا على حده في العلم.
شرح البخاري لابن بطال (١٠/ ٢٥٧-٢٥٨).


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قال الكرماني: موضع الترجمة من الحديث قوله كان لها حجابا من النار فإنه أمر توقيفي لا يعلم إلا من قبل الله تعالى لا دخل للقياس والرأي فيه.
فتح الباري (٢٩٣/١٣).

المحراب

06 Jan, 04:25


كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».
رواه البخاري (٧٢٩٢)

قال ابن بطال رحمه الله:
قوله: (لا مانع لما أعطيت) يقتضي نفي جميع المانعين سواه، وكذلك قوله: (ولا معطي لما منعت) يقتضي نفي جميع المعطين سواه، وأنه لا معطي ولا مانع على الحقيقة بفعل المنع والعطاء سواه، وإذا كان كذلك ثبت أن من أعطى أو منع من المخلوقين فإعطاؤه ومنعه خلق لله وكسب للعبد، والله تعالى هو المعطي وهو المانع لذلك،…
قال الطبري: وقوله: (لا ينفع ذا الجد منك الجد) ، بفتح الجيم فى الحرفين جميعًا يقول: لا ينفع ذا الحظ فى الدنيا من المال والولد منك حظه فى الآخرة؛ لأنه إنما ينفع في الآخرة عند الله العمل الصالح لا المال والبنون، كما قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: ٤٦] الآية.
شرح البخاري لابن بطال (١٠/ ٣٢١-٣٢٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين: أحدهما: توحيد الربوبية وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو. والثاني: توحيد الإلهية وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع وأنه ليس كل من أعطي مالا أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعا له عند الله منجيا له من عذابه فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب؛…
مجموع الفتاوى (٤٤٧/٢٢).

المحراب

05 Jan, 13:47


قال الله تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [ الواقعة: ٧٧-٧٩].

قال ابن القيم رحمه الله:
قال : [يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله] والصّحيح في الآية أنّ المراد به: الصُّحف التي بأيدي الملائكة،لوجوهٍ عديدةٍ.
منها: أنّه وصفه بأنّه مكنونٌ، والمكنون: المستور عن العيون.
وهذا إنّما هو في الصُّحف التي بأيدي الملائكة.

ومنها: أنّه قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وهم الملائكة، ولو أراد المتوضِّئين لقال: «لا يمسُّه إلّا المتطهِّرون». كما قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢]. فالملائكة مطهَّرون، والمؤمنون متطهِّرون.

ومنها: أنّ هذا إخبارٌ. ولو كان نهيًا لقال: لا يمسَسْه بالجزم، والأصل في الخبر أن يكون خبرًا صورةً ومعنًى.

ومنها: أنّ هذا ردٌّ على من قال: إنّ الشّيطان جاء بهذا القرآن. فأخبر تعالى أنّه في كتابٍ مكنونٍ لا تنالُه الشّياطين، ولا وصولَ لها إليه، كما قال في آية الشُّعراء: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١١]، وإنّما تناله الأرواح المطهّرة، وهم الملائكة.

ومنها: أنّ هذه نظير الآية التي في سورة عبس: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٢ - ١٦].
قال مالكٌ - رضي الله عنه - في «موطّئه» : أحسنُ ما سمعتُ في تفسير قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنّها مثل هذه الآية التي في سورة عبس.

ومنها: أنّ الآية مكِّيّةٌ في سورةٍ مكِّيّةٍ، تتضمّن تقرير التّوحيد والنُّبوّة والمعاد وإثبات الصّانع والرّدّ على الكفّار. وهذا المعنى أليقُ بالمقصود من فرعٍ عمليٍّ، وهو حكم مسِّ المحدِث المصحفَ…

…فسمعتُ شيخ الإسلام يقول: لكن تدلُّ الآية بإشارتها على أنّه لا يمسُّ المصحفَ إلّا طاهرٌ، لأنّه إذا كانت تلك الصُّحف لا يمسُّها إلّا المطهَّرون، لكرامتها على الله، فهذه الصُّحف ينبغي أن لا يمسَّها إلّا طاهرٌ…
مدارج السالكين (٣/ ١٩٨-٢٠٠).
وانظر شرح العمدة (١/ ٤١٨ - ٤٢٠)، والتبيان في أيمان القرآن (ص ٣٣١ - ٣٣٨). مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٤٢).

المحراب

05 Jan, 04:45


بابٌ: الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَاصِمٌ: مَانِعٌ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ»
رواه البخاري (٦٦١١).


قال المهلب رحمه الله:
عرض البخاري فى هذا الباب إثبات الأمور لله، فهو الذي يعصم من نزعات الشيطان، ومن شر كل وسواس خناس من الجنة والناس، وليس من خليفة ولا أمير إلا والناس حوله رجلان: رجل يريد الدنيا والاستكثار منها، فهو يأمره بالشر ويحضه عليه ليجد به السبيل إلى انطلاق اليد على المحظورات ومخالفة الشرع، ويوهمه أنه إن لم يقتل ويغضب ويخف الناس لم يتم له شيء، ولم يرض بسياسة الله لعباده ببسط العدل وبخمد الأيدي، وأن في ذلك صلاحًا لعباد والبلاد.
ولا يخلو سلطان أن يكون في بطانته رجل يحضه على الخير، ويأمره به لتقوم به الحجة عليه من الله في القيامة، وهم الأقل، والمعصوم من الأمراء من عصمه لا من عصمته نفسه الأمارة بالسوء …
شرح البخاري لابن بطال (١٠/ ٣١٠-٣١١).

المحراب

04 Jan, 04:25


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ».
رواه البخاري (٦٨٨٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث.
والسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها فإن السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة، أو لا يعدونه عبادة قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: ١٣٧] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والاتباع هو الاقتفاء والاستنان، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية، وهذا نص عام يوجب تحريم متابعة كل شيء من سنن الجاهلية في أعيادهم وغير أعيادهم.
اقتضاء الصراط المستقيم (٢٥٤/١).

المحراب

03 Jan, 04:01


عَن عَبدَ الله بنَ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى أَعوَادِ مِنبَرِهِ: لَيَنتَهِيَنَّ أَقوَامٌ عَن وَدعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَو لَيَختِمَنَّ الله عَلَى قُلُوبِهِم، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ.
رواه أحمد (١/ ٢٣٩ و ٢٥٤ و ٢/ ٨٤)، ومسلم (٨٦٥)، والنسائي (٣/ ١٨٨ و ١٨٩)، وابن ماجه (٧٩٤).

قال النووي رحمه الله:
وقوله ودعهم أي: تركهم وفيه أن الجمعة فرض عين ومعنى الختم الطبع والتغطية.
شرح النووي على مسلم (١٥٢/٦).

وقال الشوكاني رحمه الله:
قال العراقي: والمراد بالطبع على قلبه أنه يصير قلبه قلب منافق…
وقد قال تعالى في حق المنافقين: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٣].
نيل الأوطار (٢٢٦/٦).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والجمعة فريضة باتفاق الأئمة.
مجموع الفتاوى (٦١٥/١١).

المحراب

02 Jan, 16:07


(مشهد الرِّضا فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
مشهد الرِّضا، وهو فوق مشهد العفو والصّفح، وهذا لا يكون إلّا للنُّفوس المطمئنّة، سيّما إن كان ما أُصيبتْ به سببُه القيام لله، فإذا كان ما أصيبتْ به في الله وفي مرضاته ومحبّته رضيتْ بما نالها في الله. وهذا شأنُ كلِّ محبٍّ صادقٍ يرضى بما يناله في رضا محبوبه من المكاره، ومتى تسخَّط به وتشكّى منه كان ذلك دليلًا على كذبه في محبّته، والواقع شاهدٌ بذلك.
مدارج السالكين (٥٢/٣).

المحراب

02 Jan, 15:01


قال الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١].

عن ابن عباس قال: كانت امرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يعيرني تطوافا - تجعله على فرجها! وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية: {خُذُوا زِينَتَكُم}
رواه مسلم (٣٠٢٨).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
التطواف بكسر التاء: ثوب تطوف به، وقد تقدَّم أن قريشا كانت ابتدعت في الحج أمورا منها أنه كان لا يطوف أحد بالبيت إلا عريانا إلا أن يكون أحمسيا، وهم من ولد كنانة، أو من أعاره تطوافا أحمسي، فإن طاف من لم يكن كذلك في ثيابه ألقاها فلا ينتفع بها هو ولا غيره، وتسمى تلك الثياب باللقى…

وكان هذا الحكم منهم عاما في الرجال والنساء،… فلما جاء الإسلام ستر الله تعالى هذه العورات ورفع هذه الآثام.
المفهم (٤٤٦/٧).

وقال ابن القيم رحمه الله:
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: أمرَ الله بقدرٍ زائدٍ على ستر العورة في الصّلاة, وهو أخذ الزِّينة, فقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]. فعلّق الأمر باسم الزِّينة لا بستر العورة، إيذانًا بأنّ العبد ينبغي له أن يلبسَ أزينَ ثيابه وأجملَها في الصّلاة.

وكان لبعض السّلف حُلّةٌ بمبلغٍ عظيمٍ من المال, وكان يلبسها وقتَ الصّلاة ويقول: ربِّي أحقُّ مَن تَجمّلتُ له في صلاتي.
ومعلومٌ أنّ الله يُحِبُّ أن يرى أثرَ نعمته على عبده, ولاسيّما إذا وقفَ بين يديه, فأحسن ما وقف بين يديه بملابسه ونعمته التي ألبسه إيّاها ظاهرًا وباطنًا.
مدارج السالكين (٣/ ١٥٣-١٥٤).

وقال ابن كثير رحمه الله:
قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)
وقال البخاري: قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرَف ومَخِيلة.

…عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سرَفًا أو مَخِيلة. إسناده صحيح
تفسير ابن كثير (٣/ ٤٠٦-٤٠٧)

المحراب

02 Jan, 04:10


عن عَائِشَةَ قَالَت: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَقدَمَهُ المَدِينَةَ لَيلَةً فَقَالَ: لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أَصحَابِي يَحرُسُنِي اللَّيلَةَ قَالَت: فَبَينَا نَحنُ كَذَلِكَ سَمِعنَا خَشخَشَةَ سِلَاحٍ فَقَالَ: مَن هَذَا؟ قَالَ: سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفسِي خَوفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَجِئتُ أَحرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَامَ.
رواه أحمد (٦/ ١٤١)، والبخاريُّ (٢٨٨٥)، ومسلم (٢٤١٠) (٣٩ و ٤٠).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل.
وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل. وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب؛ لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن.
فتح الباري (٨٢/٦).


قال ابن بطال رحمه الله:
ويمكن أن يكون هذا الحديث قبل أن ينزل عليه: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: ٦٧] ، فلما علم ذلك لم يحتج إلى حارس بعد، ويمكن أن يفعله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية عليه ليستن به الأمراء، ولا يضيعوا حرس أنفسهم فى أوقات الغرة والغفلة، والله أعلم.
شرح البخاري لابن بطال (٢٨٩/١٠).

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله:
ويحتمل أن يقال: إن قوله: {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ليس فيه ما يناقض احتراسه من الناس، ولا ما يمنعه، كما أن إخبار الله تعالى عن نصره، وإظهاره لدينه ليس فيه ما يمنع الأمر بالقتال، وإعداد العَدَد والعُدَد، والأخذ بالجد والحزم، والحذر، وسر ذلك: أن هذه أخبار عن عاقب الحال، ومآله، …ولما بحثت عن ذلك وجدت الشريعة طافحة بالأمر له ولغيره بالتحصن، وأخذ الحذر، ومدافعتهم بالقتل والقتال، وإعداد الأسلحة والآلات، وقد عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك، وأخذ به، فلا تعارض في ذلك، والله الموفق لفهم ما هنالك.
المفهم (٢٨٠/٦).

المحراب

01 Jan, 16:36


قال الله تعالى على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٧٨ - ٨٠].

قال ابن القيم رحمه الله:
ولم يقل: «وإذا أمرضني» حفظًا للأدب مع الله.
مدارج السالكين (١٤٧/٣).

المحراب

01 Jan, 15:03


قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
فأمَّا الصَّلاةُ؛ فلمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاة مخصوصةٌ تَخْتَصُّ بهِ، والأحاديثُ المرويَّةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ في أوَّلِ ليلةِ جمعة مِن شهرِ رجب كذبٌ وباطلٌ لا يَصِحُّ، وهذهِ الصَّلاةُ بدعةٌ عندَ جمهورِ العلماءِ. وممَّن ذَكَرَ ذلكَ مِن أعيانِ العلماءِ المتأخِّرينَ مِن الحفَّاظِ أبو إسْماعيلَ الأنْصارِيُّ وأبو بَكْرِ بنُ السَّمْعانِي وأبو الفَضْلِ بنُ ناصِرٍ وأبو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ وغيرُهُم. وإنَّما لم يَذْكُرْها المتقدِّمونَ لأنَّها أُحْدِثَتْ بعدَهُم. وأوَّلُ ما ظهَرَتْ بعدَ الأربعِ مئةٍ، فلذلكَ لمْ يَعْرِفْها المتقدِّمونَ ولم يَتَكَلَّموا فيها.
لطائف المعارف (٢٨٥-٢٨٦).

المحراب

01 Jan, 12:32


(مشهد سلامة القلب فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
مشهد السّلامة وبِرِّ القلب, وهذا مشهدٌ شريفٌ جدًّا لمن عرفه وذاقَ حلاوته. وهو أن لا يَشْغَل قلْبَه وسِرَّه بما ناله من الأذى، وطلبِ الوصول إلى دَركِ ثأره وشفاءِ نفسه، بل يُفرِّغ قلبه من ذلك، ويرى أنّ سلامته وبِرَّه وخُلوَّه منه أنفعُ له وألذُّ وأطيبُ، وأعونُ على مصالحه. فإنّ القلب إذا اشتغل بشيءٍ فاتَه ما هو أهمُّ عنده وخيرٌ له منه، فيكون بذلك مغبونًا، والرّشيد لا يرضى بذلك، ويراه من تصرُّفات السّفيه. فأين سلامة القلب من امتلائه بالغَبْن والوساوس، وإعمال الفكر في إدراك الانتقام؟
مدارج السالكين (٥٤/٣).

المحراب

01 Jan, 04:10


عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ".
رواه البخاري (٦٤٥٣).

قال ابن بطال رحمه الله:
في هذا الحديث من الفقه جواز تمني الخير وأفعال البر لأنه صلى الله عليه وسلم تمنى لو كان له مثل أحد ذهبا لأحب أن ينفقه فى طاعة الله قبل أن يأتي عليه ثلاث ليال. وقد تمنى الصالحون ما يمكن كونه وما لا يمكن حرصا منهم على الخير.
شرح البخاري لابن بطال (٢٨٧/١٠).

المحراب

31 Dec, 17:29


قال الله تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:١٥].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
لما ذكر الله تعالى في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن، وانجر الأمر إلى ذكر ميراثهن مع مواريث الرجال، ذكر أيضا التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة، لئلا تتوهم المرأة أنه يسوغ لها ترك التعفف.
الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٣٦-١٣٧).

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله:
{فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} أي: احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضا فإن الحبس من جملة العقوبات {حتى يتوفاهن الموت} أي: هذا منتهى الحبس. {أو يجعل الله لهن سبيلا} أي: طريقا غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن.
تفسير السعدي (١٧١).

وقال ابن كثير رحمه الله:
كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة، حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: (واللاتي يأتين الفاحشة) يعني: الزنا (من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.
تفسير ابن كثير (٢٣٣/٢).

المحراب

31 Dec, 15:20


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها : كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب ، والألفية في أول رجب ، ونصف شعبان . وليلة سبع وعشرين من شهر رجب ، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام , كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع , وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام , وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.

مجموع الفتاوى (٤١٤/٢٣)

المحراب

31 Dec, 13:30


(مشهد العفو فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
مشهد العفو والصّفح والحِلم، فإنّه متى شهدَ ذلك وفضْلَه وحلاوتَه وعِزّتَه لم يَعدِلْ عنه إلّا لغَبَشٍ في بصيرته، فإنّه ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلّا عِزًّا كما صحّ ذلك عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعُلِمَ بالتّجربة والوجود. وما انتقَم أحدٌ لنفسِه إلّا ذلَّ.
هذا، وفي الصّفح والعفو والحلم: من الحلاوة والطُّمأنينة والسّكينة، وشرفِ النّفس وعزِّها ورفعتِها عن تشفِّيها بالانتقام ما ليس شيءٌ منه في المقابلة والانتقام.
مدارج السالكين (٥٣/٣).

المحراب

31 Dec, 12:15


(مشهد الصبر فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
مشهد الصّبر، فيشهده ويشهد وجوبَه، وحسنَ عاقبته، وجزاء أهله، وما يترتَّب عليه من الغبطة والسُّرورِ وتخلُّصِه من ندامة المقابلة والانتقام، فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلّا أعقبَه ذلك ندامةً، وعلمَ أنّه إن لم يصبر اختيارًا على هذا ــ وهو محمودٌ ــ صبر اضطرارًا على أكثر منه وهو مذمومٌ.
مدارج السالكين (٥١/٣).

المحراب

31 Dec, 04:30


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قالَ: «نَعَمْ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِيْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: ٤١]. قالَ: «حَسْبُكَ الآنَ». فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
رواه البخاري (٥٠٥٠).


قال ابن بطال رحمه الله:
فيه جواز قطع القراءة على القارئ إذا حدث على المقرئ عذر أو شغل بال؛ لأن القراءة على نشاط المقرئ أولى ليتدبر معاني القرآن ويتفهم عجائبه، ويحتمل أن يكون أمره صلى الله عليه وسلم بقطع القراءة تنبيهًا له على الموعظة والاعتبار فى قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء: ٤١] الآية. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم بكى عندها، وبكاؤه إشارة منه إلى معنى الوعظ؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه، والإيمان به وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن.
شرح البخاري لابن بطال (٢٧٩/١٠).

وقال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
احتج به أهل التجويد على جواز الوقف الكافي من الآي، والمقاطع؛ لأن الكلام حيث قال له: حسبك، غير تام، بل تمامه فيما بعده. وقد قيل: إن قوله لعبد الله: حسبك تنبيه على ما في الآية، لا أنه وقفه هناك.
المفهم (٤٢٧/٢).

المحراب

30 Dec, 12:31


قال الله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية [النساء:١١]

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) بيَّن تعالى هذه الآية ما أجمله في قوله: (للرجال نصيب) و (للنساء نصيب) فدل هذا على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال. وهذه الآية ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الأحكام، وأم من أمهات الآيات، فإن الفرائض عظيمة القدر حتى إنها ثلث العلم.
الجامع لأحكام القرآن (٩٣/٦).

المحراب

30 Dec, 04:30


عنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». قالَ عِمْرَانُ: لا أَدْرِي، أَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.
رواه البخاري (٢٦٥١)

قال ابن بطال رحمه الله:
وقوله: (ويظهر فيهم السمن) هو كناية عن رغبتهم في الدنيا، وإيثارهم شهواتها على الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه من الشهوات التي تنفد، والنعيم الذى لا يبيد، فهم يأكلون في الدنيا كما تأكل الأنعام، ولا يقتدون بمن كان قبلهم من السلف الذين كانت همتهم من الدنيا في أخذ القوت والبلغة، وتوفير الشهوات إلى الآخرة.
شرح البخاري لابن بطال (١٥٦/٦).

المحراب

29 Dec, 13:55


(مشهد القدر فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
مشهد القَدَر، وأنّ ما جرى عليه بمشيئة الله وقضائه وقدره، يراه كالتّأذِّي بالحرِّ والبرد، والمرضِ والألم، وهبوبِ الرِّياح، وانقطاعِ الأمطار، فإنّ الكلّ أوجبتْه مشيئة الله، فما شاء الله كان ووجب وجوده، وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده. وإذا شهد هذا استراح، وعلِمَ أنّه كائنٌ لا مَحالةَ، فما للجَزَع منه وجهٌ، وهو كالجزع من الحرِّ والبرد والمرض والموت.
مدارج السالكين (٥١/٣).

المحراب

29 Dec, 04:30


عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قال إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، قَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ». فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فقالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟» فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟! حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ! وَاللَّهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا. فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ، فقالَ: «لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَتَحَلَّلْتُهَا».

وفي رواية: وَإِنِّي وَاللَّهِ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». أَوْ: «أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي».
رواه البخاري (٧٥٥٥)، (٦٦٢٣).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
وفيه من الفقه ما يدل على جواز اليمين عند التبرُّم، وجواز ردّ السَّائل المثقل عند تعذر الإسعاف، وتأديبه بنوع من الإغلاظ بالقول. وذلك: أنَّهم سألوه في حال تحقق فيها: أنَّه لم يكن عنده شيء فأدَّبهم بذلك القول، ثم: إنَّه صلى الله عليه وسلم بقي مترقِّبًا لما يُسعِفُ به طِلبتَهُم، ويجبرُ به انكسارهم، فلمَّا يسَّر الله تعالى ذلك عليه أعطاهم، وجبرهم على مقتضى كرم خلقه.
المفهم (٦٢٩/٤).

قال ابن عثيمين رحمه الله:
فصار من قوله والتزامه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان الحنث خيراً فأْتِهِ،…
الحنث هو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله.
فالمسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الحنث خيراً.
الثانية: أن يكون عدم الحنث خيراً.
الثالثة: أن يتساوى الأمران.
فإن كان الحنث خيراً حنث، وإن كان عدمه خيراً فلا يحنث، وإن تساوى الأمران خيِّر، والأفضل أن لا يحنث؛ لقوله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، أي: اجعلوها محكمة محفوظة، ولا تحنثوا فيها.

…الخيرية في الحنث تارة تكون خيرية واجب، وتارة تكون خيرية تطوع، فإن كانت خيرية واجب صار الحنث واجباً، وإن كانت خيرية تطوع صار الحنث تطوعاً، فمثال خيرية الواجب لو قال: والله لا أصلي اليوم مع الجماعة.
فهذا حلف على ترك واجب فالحنث هنا واجب، وعليه أن يصلي مع الجماعة ويكفر عن يمينه.
ومثال خيرية التطوع، لو قال شخص: والله لا أصلي الوتر، فهنا حلف على شيء تطوع فالحنث أفضل له من عدمه، فنقول له: أوتر وكفِّر عن يمينك.
ولو قال: والله لا أسرق اليوم، فالحنث حرام، ولو هَمَّ أن يسرق ولم يسرق فهذا محرم عليه، ولو سرق لزمته الكفارة مع الإثم، وقطع اليد إن تمت الشروط.
ومثال الحنث المكروه أن يحلف على ترك المكروه، مثل لو قال: والله لا ألتفت برأسي في الصلاة، والالتفات بالرأس في الصلاة مكروه، فنقول: الحنث هنا مكروه وهو الالتفات برأسه في صلاته.
الشرح الممتع (١٥/ ١٤٤-١٤٥).

المحراب

28 Dec, 14:31


(مشهد التوحيد فيما يصيبه من أذى الخلق)
قال ابن القيم رحمه الله:
وهو أجلُّ المشاهد وأرفعها: مشهد التوحيد، فإذا امتلأ قلبه بمحبّة الله تعالى، والإخلاصِ له ومعاملته، وإيثارِ مرضاته، والتّقرُّب إليه، وقرّتْ عينه بالله، وابتهجَ قلبه بحبِّه والأنسِ به، واطمأنّ إليه، وسكنَ إليه، واشتاق إلى لقائه، واتّخذه وليًّا دونَ ما سواه، بحيث فوَّض إليه أمورَه كلّها، ورضي به وبأقضيته، وفَنِيَ بحبِّه وخوفه ورجائه وذكره والتّوكُّل عليه عن كلِّ ما سواه فإنّه لا يبقى في قلبه متّسَعٌ لشهودِ أذى النّاس له البتّةَ، فضلًا عن أن يشتغل قلبه وفكره وسِرُّه بتطلُّب الانتقام والمقابلة، فهذا لا يكون إلّا من قلبٍ ليس فيه ما يُغنِيه عن ذلك ويُعوِّضه منه، فهو قلبٌ جائعٌ غير شَبعانَ، فإذا رأى أيّ طعامٍ رآه هَفَتْ إليه نوازِعُه، وانبعثتْ إليه دواعِيه. وأمّا من امتلأ قلبه بأعلى الأغذية وأشرفها فإنّه لا يلتفت إلى ما دونها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
مدارج السالكين (٥٩/٣).

المحراب

28 Dec, 12:20


(مشهد النعمة فيما يصيبه من أذى الخلق)

قال ابن القيم رحمه الله:
أن يشهد نعمة الله عليه في أن جعلَه مظلومًا يرتقب النّصر، ولم يجعله ظالمًا يرتقب المَقْت والأخذ، فلو خُيِّر العاقل بين الحالتين ــ ولا بدّ من إحداهما ــ لاختار أن يكون مظلومًا.

ومنها: أن يشهد نعمة الله عليه في التّكفير بذلك من خطاياه، …
فأذى الخلقِ لك كالدّواء الكريه من الطّبيب المشفق عليك، فلا تنظرْ إلى كراهة الدّواء ومن كان على يديه، وانظر إلى شفقة الطّبيب الذي ركّبه لك، وبعثه إليك على يَدَي مَن نفعك بمضرّته.

ومنها: أن يشهد كون تلك البليّة أهونَ وأسهلَ من غيرها، فإنّه ما محنةٌ إلّا وفوقها ما هي أقوى منها وأمرُّ…

ومنها: توفية أجرها وثوابها يومَ الفقر والفاقة. وفي بعض الآثار: أنّه يتمنّى أناسٌ يوم القيامة أنّ جلودهم كانت تُقْرَض بالمقاريض، لِما يَرون من ثواب أهل البلاء.

هذا، وإنّ العبد ليشتدُّ فرحُه يوم القيامة بما له قِبَلَ النّاس من الحقوق في المال والنّفس والعرض، فالعاقل يعدُّ هذا ذُخْرًا ليوم الفقر والفاقة، ولا يُبطِله بالانتقام الذي لا يُجدِي عليه شيئًا.
مدارج السالكين (٣/ ٥٦-٥٧).
ينظر مدارج السالكين (٣/ ٥٠-٥٩) فيه كلام عظيم النفع لمن ابتلي بأذى الخلق، ط عطاءات العلم.

المحراب

28 Dec, 04:10


عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلتُ: يَا رسولَ الله، أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ؟ قَالَ: الإِيمَانُ بِاللهِ، وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: قُلتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفضَلُ؟ قَالَ: أَنفَسُهَا عِندَ أَهلِهَا، وَأَكثَرُهَا ثَمَنًا، قَالَ: قُلتُ: فَإِن لَم أَفعَل؟ قَالَ: تُعِينُ صانعًا، أو تَصنَعُ لِأَخرَقَ، قَالَ: قُلتُ: يَا رسولَ الله، أَرَأَيتَ إِن ضَعُفتُ عَن بَعضِ العَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنكَ عَلَى نَفسِكَ.
رواه البخاري (٢٥١٨)، ومسلم (٨٤)، والنسائي (٦/ ١٩).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
و(قوله: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك) دليل على أن الكف فعل للإنسان، داخل تحت كسبه، ويؤجر عليه، ويعاقب على تركه؛… غير أن الثواب لا يحصل على الكف إلا مع النيات والمقصود، وأما مع الغفلة والذهول فلا، والله تعالى أعلم.
المفهم (٢٧٨/١)

المحراب

04 Dec, 15:50


قال ابن القيم رحمه الله:
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: وكان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز عن شأنها أكملَ من صبره على إلقاء إخوته له في الجُبِّ وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإنَّ هذه أمورٌ جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلةٌ غير الصبر. وأمَّا صبره عن المعصية، فصبرُ اختيارٍ ورضًا ومحاربةٍ للنفس، ولا سيَّما مع الأسباب التي يقوى معها داعي المواقعة، فإنَّه كان شابًّا وداعية الشباب إليها قويَّةٌ، وعزبًا ليس له ما يعوِّضه ويبرِّد شهوته، وغريبًا والغريبُ لا يستحيي في بلد غربته ممَّا يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا والمملوكُ أيضًا ليس وازعه كوازع الحرِّ؛ والمرأةُ جميلة وذات منصبٍ وهي سيِّدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشدَّ الحرص، ومع ذلك توعَّدته إن لم يفعل بالسِّجن والصَّغار؛ ومع هذه الدواعي كلِّها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله. وأين هذا من صبره في الجبِّ على ما ليس من كسبه؟!
مدارج السالكين (٢/ ٤٥١-٤٥٢).

المحراب

04 Dec, 03:45


عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن المُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ، أَمَّا المُلَامَسَةُ: فَأَن يَلمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا ثَوبَ صَاحِبِهِ بِغَيرِ تَأَمُّلٍ، وَالمُنَابَذَةُ: أَن يَنبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا ثَوبَهُ إِلَى الآخَرِ، وَلَم يَنظُر وَاحِدٌ مِنهُمَا إِلَى ثَوبِ صَاحِبِهِ.
رواه أحمد (٢/ ٤٧٦)، والبخاري (٣٦٨)، ومسلم (١٥١١) (٢)، والترمذي (١٣١٠)، والنسائي (٧/ ٢٦٠)، وابن ماجه (٢١٦٩).

قال ابن عثيمين رحمه الله:
الملامسة مفاعلة، والمفاعلة تكون غالباً من طرفين، وهي مأخوذة من اللمس، مثل أن يقول البائع للمشتري: أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا، فلا يصح البيع؛ لأن المشتري قد يلمس ثوباً يساوي مائة أو يلمس ثوباً لا يساوي إلا عشرة ففيه جهل وغرر، وهو يشبه القمار بلا شك إن لم يكن منه.

وهناك معنى آخر للملامسة وهو أن يقول: أي ثوب تلمسه فهو عليك بعشرة، ولو كانت الثياب من نوع واحد وعلى تفصيل واحد،…

قوله: والمنابذة مأخوذة من النبذ وهو الطرح، مثل أن يقول المشتري للبائع: أي ثوب تنبذه علي فهو بعشرة، فالذي يختاره البائع في هذه الحال أقل ما يمكن، فيكون مجهولاً، وربما ينبذ إليه ثوباً يساوي عشرة ويظن أنه ينبذ إليه ثوباً يساوي مائة، والدليل على عدم الصحة عام وخاص:
أما العام فحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الغرر، وهذا الحديث قاعدة عظيمة.
الشرح الممتع (٨/ ١٥٨-١٥٩).

المحراب

03 Dec, 03:40


عَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن النَّجشِ...
رواه أحمد (٢/ ٦٣)، والبخاري (٢١٦٥)، ومسلم (١٥١٧)، وأبو داود (٣٤٣٦)، والنسائي (٧/ ٢٥٧)، وابن ماجه (٢١٧٩).

أصل النجش: الاستثارة والاستخراج. ومنه سُمي الصَّائد: ناجشًا لاستخراجه الصيد من مكانه.

قال ابن الأنبارى: النجش: أن يزيد الرجل فى ثمن السلعة، وهو لا يريد شراءها، ولكن ليسمعه غيره فيزيد بزيادته.

وأجمع العلماء أن الناجش عاص بفعله.
واختلفوا فى البيع إذا وقع على ذلك، فذهب أهل الظاهر إلى أن البيع فى النجش مفسوخ، لأنه طابق النهي ففسد، وقال مالك المشتري بالخيار،…

وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعى: البيع فى النجش لازم، ولا خيار للمبتاع فى ذلك، لأنه ليس بعيب في نفس البيع، وإنما هي خديعة في الثمن، وقد كان على المشترى أن يتحفظ ويحضر من يميز إن لم يكن ممن يميز،…
شرح البخاري لابن بطال (٢٧٠/٦)، المفهم (٣٦٧/٤).

المحراب

02 Dec, 13:01


قال الله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [ القصص: ٧].

قال ابن القيم رحمه الله:
فإنَّ فعلها هذا هو عين ثقتها بالله، إذ لولا كمال ثقتها بربِّها لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيَّار الماء، تتلاعب به أمواجُه وجِرياتُه إلى حيث ينتهي أو يقف.
مدارج السالكين (٤٣٠/٢).

المحراب

02 Dec, 03:40


عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي".
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ، فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي
رواه البخاري (٣٧٧).

قال ابن بطال رحمه الله:
النظر فى الصلاة إلى الشىء إذا لم يقدح فى الركوع والسجود لا يفسد الصلاة، وإن كان مكروهًا كل ما يشغل المصلى عن صلاته ويلهيه عن الخشوع، فلما شغلته عليه السلام، عن بعض خشوعه تشاءم بها وردها.
شرح البخاري لابن بطال (٣٦/٢).

المحراب

01 Dec, 03:40


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾. قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
رواه البخاري (٤٥٥٨).

قال ابن بطال رحمه الله:
وقوله: (سميتك المتوكل) لقناعته باليسير من الرزق، واعتماده على الله تعالى بالتوكل عليه فى الرزق والنصر، والصبر على انتظام الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق.

وفى هذا الحديث ذم الأسواق وأهلها إذ كانوا بهذه الصفة المذمومة من الصخب واللغط والزيادة فى المديحة أو الذم لما يتبايعونه والأيمان الحانثة، وفى مثل هذا المعنى قال عليه السلام: (شر البقاع الأسواق) لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة.
شرح البخاري لابن بطال (٦/ ٢٥٤-٢٥٥).

المحراب

30 Nov, 03:40


عَنْ المُغِيرَةَ رضي الله عنه قال: إِنْ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَماهُ -أَوْ: ساقاهُ- فَيُقالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!».
رواه البخاري (١١٣٠).

قال المهلب رحمه الله:
فيه أخذ الإنسان على نفسه بالشدة فى العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه، وذلك له حلال، وله أن يأخذ بالرخصة ويكلف نفسه ما عفت له به وسمحت، إلا أن الأخذ بالشدة أفضل، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : (أفلا أكون عبدا شكورا)، فكيف من لم يعلم أنه استحق النار أم لا؟ فمن وفق للأخذ بالشدة فله في النبي صلى الله عليه وسلم، أفضل الأسوة.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والفاء في قوله: أفلا أكون؛ للسببية، وهي عن محذوف تقديره: أأترك تهجدي، فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟…
ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال؛ لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه، وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة، كما أخرجه النسائي من حديث أنس، فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا.
وقال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك، والشكر: الاعتراف بالنعمة، والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سمي شكورا، ومن ثم قال سبحانه وتعالى: (وقليل من عبادي الشكور).

شرح البخاري لابن بطال (١٢١/٣)، فتح الباري (١٥/٣)، المفهم (١٣٩/٧).

المحراب

29 Nov, 03:40


عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا قُلتَ لِصَاحِبِكَ: أَنصِت، يَومَ الجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخطُبُ، فَقَد لَغَوتَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لَغَيتَ، وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيرَةَ.
رواه أحمد (٢/ ٢٧٢ و ٣٩٦)، والبخاري (٩٣٤)، ومسلم (٨٥١) (١١ و ١٢)، وأبو داود (١١١٢)، والترمذي (٥١٢)، والنسائي (٣/ ١٠٣ - ١٠٤)، وابن ماجه (١١١٠).

قال ابن بطال رحمه الله:
وجماعة أئمة الفتوى على وجوب الإنصات للخطبة، …
شرح البخاري لابن بطال (٥١٨/٢).

المحراب

28 Nov, 16:30


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
السؤال محرَّمٌ إلاّ عن الحاجة إليه، وظاهر مذهب أحمد -رحمه الله- أنه لو وجد ميتةً عند الضرورة ويُمكِنه السؤال جاز له أكلُ الميتةِ، ولو ماتَ ماتَ عاصيًا، ولو ترك السؤالَ فماتَ لم يَمُتْ عاصيًا.
والأحاديث في تحريم السؤال كثيرة جدًّا نحو بضعة عشر حديثًا في الصحاح والسنن، وفي سؤال الناس مفاسدُ الذّلّ والشرك بهم والإيذاء لهم، وفيها ظلم نفسه بالذل لغير الله عزّ وجل، وظلمٌ في حقّ ربّه بالشرك به، وظلمٌ للخلق بسؤالهم أموالَهم. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس: "إذا سالتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله. أخرجه أحمد (١/ ٢٩٣، ٣٥٣، ٣٠٧) والترمذي (٢٥١٦).
جامع المسائل (٣٥٨/٤).

المحراب

28 Nov, 13:01


قال الله تعالى على لسان رسله وأنبيائه:{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم :١٢].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
ما" استفهام في موضع رفع بالابتداء، و" لنا" الخبر، وما بعدها في موضع الحال، التقدير: أي شي لنا في ترك التوكل على الله. (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) أي الطريق الذي يوصل إلى رحمته، وينجي من سخطه ونقمته.
الجامع لأحكام القرآن (٣٤٨/٦).

وقال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا فيه قولان: أحدهما: بيَّن لنا رشدنا. والثاني: عرَّفنا طريق التوكل.
وإِنما نصّ هذا وأمثاله على نبيّنا صلى الله عليه وسلم ليقتديَ بمن قبله في الصبر وليعلم ما جرى لهم.
زاد المسير (٥٠٦/٢).

وقال ابن القيم رحمه الله:
فالعبد آفته إمَّا من عدم الهداية، وإمّا من عدم التّوكُّل، فإذا جمع التوكُّل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه.
مدارج السالكين (٤٠٦/٢).

المحراب

28 Nov, 03:40


عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَيَرُدُّ عَلَينَا، فَلَمَّا رَجَعنَا مِن عِندِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمنَا عَلَيهِ فَلَم يَرُدَّ عَلَينَا، فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيكَ فِي الصَّلاةِ فَتَرُدُّ عَلَينَا، قَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاةِ شُغلا.
رواه أحمد (١/ ٣٧٦)، والبخاري (١١٩٩)، ومسلم (٥٣٨)، وأبو داود (٩٢٣ و ٩٢٤)، والنسائي (٣/ ١٩).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
وقول عبد الله بن مسعود: كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيردّ علينا: هذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - إِذْ كان الكلام مباحًا في الصلاة في أول الأمر، كما قال زيد بن أرقم، ثم لما نُسخ ذلك امتنع رد السلام نطقًا من المصلي،…
وهذا الحديث حجة على من أجاز للمصلي أن يرد السلام نطقًا،…
وقوله: إن في الصلاة شغلا: اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة، فكأنه قال: شغلا كافيًا، أو مانعًا من الكلام وغيره. ويفهم منه التفرغ للصلاة من جميع الأشغال، ومن جميع المشوِّشات، والإقبال على الصلاة بظاهره وباطنه.
المفهم (٢/ ١٤٦-١٤٧).

المحراب

27 Nov, 16:31


قال أبوهلال العسكري:
الفرق بين الزَّيْغِ والَميْلِ، أن الزيغ مطلقا لا يكون إلا الميل عن الحقِّ، يقال:" فلانٌ من أهلِ الزَّيغ" ويقال أيضا:" زاغَ عن الحقِّ"، ولا أعرفُ "زاغ عن الباطل"، لأن الزَّيغ اسمٌ لميلٍ مكروهٍ، ولهذا قال أهل اللغة: "الفرغ زَيْغٌ في الرُّسْغِ".
والميل عامٌّ في المحبوبِ والمكروه.
الفروق اللغوية (٣٧٣).

المحراب

27 Nov, 12:30


قال ابن القيم رحمه الله:
فإنَّه لا يستقيم توكُّل العبد حتى يصحَّ له توحيده، بل حقيقة التّوكُّل توحيد القلب, فما دامت فيه علائق الشِّرك فتوكُّله معلول مدخول.
وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحَّة التوكُّل، فإنَّ العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبةً من شعب قلبه، فنقص من توكُّله على الله بقدر ذهاب تلك الشُّعبة، ومن هاهنا ظنَّ من ظنَّ أنَّ التوكُّل لا يصحُّ إلا برفض الأسباب. وهذا حق، لكن رفضها عن القلب أو عن الجوارح؟ فالتوكُّل لا يتمُّ إلا برفض الأسباب عن القلب وتعلُّق الجوارح بها، فيكون منقطعًا منها متصلًا بها.
مدارج السالكين (٢/ ٣٩٤-٣٩٥).

المحراب

27 Nov, 03:40


عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
رواه البخاري (٥٢٨)

قال ابن حجر رحمه الله:
قوله (ذي غيم) قيل خص يوم الغيم بذلك؛ لأنه مظنة التأخير إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت، أو لمتشاغل بأمر آخر فيظن بقاء الوقت فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت.
فتح الباري (٣٢/٢).

المحراب

26 Nov, 16:31


قال أبوهلال العسكري:
الفرق بين الإحباط والتكفير، أن الإحباط هو إبطال عمل البرِّ من الحسنات بالسيئات، وقد حَبِطَ هو، ومنه قوله تعالى: (وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا) [هود:١٦]، وهو من قولك "حَبِطَ بَطْنُهُ" إذا فَسَدَ بالمأكل الرديء.

و"التكفيرُ" إبطالُ السيئاتِ بالحسناتِ وقال تعالى (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) [محمد : ٢].
الفروق اللغوية (٤١٥).

المحراب

26 Nov, 03:40


عَن أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (اعتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبسُط أَحَدُكُم ذِرَاعَيهِ انبِسَاطَ الكَلبِ).
رواه أحمد (٣/ ١١٥ و ١٧٧)، والبخاري (٥٣٢)، ومسلم (٤٩٣)، وأبو داود (٨٩٧)، والترمذي (٢٧٦)، والنسائي (٢/ ٢١١ - ٢١٢)، وابن ماجه (٨٩٢).

قال شهاب الدين القَسْطَلّاني رحمه الله:
(اعتدلوا في السجود) بوضع الكفّين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى.
إرشاد الساري (٤٨٥/١).

وقال ابن عثيمين رحمه الله:
أي: اجعلوه سجوداً معتدلاً، لا تهصرون فينزل البطنُ على الفخذ، والفخذ على السَّاق، ولا تمتدُّون أيضاً؛ كما يفعل بعضُ الناس إذا سجد يمتدُّ حتى يَقْرُبَ من الانبطاح، فهذا لا شَكَّ أنه من البدع، وليس بسُنَّة، فما ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصَّحابةِ ـ فيما نعلم ـ أن الإنسان يمدُّ ظهره في السُّجود، إنما مدُّ الظهر في حال الرُّكوع. أما السجود فإنه يرتفع ببطنه ولا يمدُّه.
…لأن الإنسان لا ينبغي أن يتشبَّه بالحيوان، فإن الله لم يذكر تشبيه الإنسان بالحيوان إلا في مقام الذم كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥]…

الشرح الممتع(١٢٢/٣)،(٢٣١/٣).

المحراب

25 Nov, 16:31


قال أبوهلال العسكري:
الفرق بين قولك أَبْطَلَ وبين قولك أَدْحَضَ.
أن أصْلَ الإبطالِ الإهلاكُ، ومنه سُمِّيَ الشجاعُ بطلاً لإهلاكه قَرْنِهِ.
وأصلُ الإدْحَاضِ الإزلالُ فقولك "أَبْطَلَهُ" يفيد أنه أهلكه، وقولكَ "أَدْحَضَهُ" يفيد أنه أزلَّهُ، ومنه "مكانٌ دحْضٌ" إذا لم تَثْبُتْ عليه الأقدامُ، وقد "دَحَضَ" إذا زَلَّ، ومنه قوله تعالى:(حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ) [الشورى:١٦].
الفروق اللغوية (٤١٥).

المحراب

25 Nov, 13:00


قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣].
وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٢٢].
وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣].
وقال عن أوليائه: { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: ٤].

قال ابن القيم رحمه الله:
فأولياؤه وخاصَّته متوكِّلون عليه في حصول ما يرضيه منهم وفي إقامته في الخَلْق، فيتوكلون عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه، وفي محابِّه وتنفيذ أوامره.

ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في استقامته في نفسه، وحفظ حاله مع الله، فارغًا من الناس.

ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في معلومٍ يناله منه من رزقٍ، أو عافيةٍ، أو نصرٍ على عدوٍّ، أو زوجةٍ أو ولدٍ، ونحو ذلك.

ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في حصول ما لا يحبه ويرضاه من الظلم والعُدوان…

فأفضل التوكل: التوكل في الواجب، أعني: واجب الحق، وواجب الخلق، وواجب النفس. وأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم. ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم، فمن متوكل على الله في حصول الملك، ومتوكل في حصول رغيف.
مدارج السالكين (٢/ ٣٨٣-٣٨٤).

المحراب

25 Nov, 03:30


عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
رواه البخاري (٥٠٧).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
الإشارة من أنس إلى مثل ما كان يفعل الحجاج من تأخير الصلاة.
الإفصاح (٢٧٢/٥).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب.
قال ابن حجر: وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل.
فتح الباري (١٤/٢).

المحراب

24 Nov, 03:30


عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
رواه البخاري (٥٠١)

قال ابن بطال رحمه الله:
وأما نصيحة العامة بعضهم لبعض، فواجب على البائع أن ينصح للمشترى فيما يبيعه، وعلى الوكيل والشريك والخازن أن ينصح لأخيه، ولا يحب له إلا ما يحب لنفسه. وروى ابن عجلان عن عون بن عبد الله، قال: كان جرير إذا أقام السلعة بَصَّرهُ عيوبها، ثم خيره، فقال: إن شئت فاشتر، وإن شئت فاترك، فقيل له: إذا فعلت هذا لم ينفذ لك بيع، فقال: إنا بايعنا رسول الله على النصح لكل مسلم.
شرح البخاري لابن بطال (١٣١/١).

المحراب

23 Nov, 03:31


عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.
رواه البخاري (٦٨).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: (كان يتخولنا) بالخاء المعجمة وتشديد الواو، قال الخطابي: الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال: خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه. والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل.

ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين: إما كل يوم مع عدم التكلف. وإما يوما بعد يوم، فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط، وإما يوما في الجمعة، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط.
فتح الباري (١/ ١٦٢-١٦٣).

المحراب

22 Nov, 16:35


قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:١٤٢].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وهذا وعيد شديد لمن ينقر في صلاته فلا يتم ركوعه وسجوده بالاعتدال والطمأنينة.
كما هو من نعت المنافقين الذين قال الله فيهم {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ}.
مجموع الفتاوى (٢٢/ ٥٣٧-٥٣٨). الاستقامة (٢٦٨/١).

المحراب

22 Nov, 03:31


عَنْ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ، وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ).
رواه البخاري (٨٦٥).

المحراب

21 Nov, 03:30


عَن عَائِشَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَت: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَن يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه أحمد (٦/ ٢٢٩)، ومسلم (٢٣٢٨) (٧٩)، وأبو داود (٤٧٨٦).

المحراب

20 Nov, 15:40


قال الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ} [ آل عمران:١٨٥].

قال ابن الجوزي رحمه الله:
وفي ذكر الموت تهديد للمكذبين بالمصير، وتزهيد في الدنيا وتنبيه على اغتنام الأجل. وفي قوله تعالى: {وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}. بشارة للمحسنين، وتهديد للمسيئين.

قوله تعالى: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ}. يريد أن العيش فيها يغر الإنسان بما يمنِّيه من طول البقاء، وسيقطع عن قريب. قال سعيد بن جبير: هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، فأما من يشتغل بطلب الآخرة، فهي له متاع بلاغ إلى ما هو خير منها.
زاد المسير (١/ ٣٥٥-٣٥٦).

وقال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) فأجر المؤمن ثواب، وأجر الكافر عقاب، ولم يعتد بالنعمة والبلية في الدنيا أجرا وجزاء، لأنها عَرْصَةُ الفناء.
الجامع لأحكام القرآن (٤٥٤/٥).

وقال أبوحيان الأندلسي رحمه الله:
{ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ } لفظ التوفية يدل على التكميل يوم القيامة، فما قبله من كون القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، هو بعض الأجور وما لم يدخل الجنة أو النار فهو غير موفى.
البحر المحيط (٤٦٠/٣).

المحراب

20 Nov, 03:30


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ). فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ؟ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ).
رواه البخاري (٤٥٤).

قال المهلب رحمه الله :…وفيه: [ أي: الحديث ] أنه لا يستحق أحد العلم حقيقة إلا من فهم، والحافظ لا يبلغ درجة الفهم، وإنما يقال للحافظ عالم بالنص لا بالمعنى والتأويل؛ ألا ترى أن أبا سعيد جعل لأبى بكر مزية بفهمه، أوجب له بها العلم حقيقة وإن كان قد أوجب العلم للجماعة .

وفيه: أن أبا بكر أعلم الصحابة؛ لأن أبا سعيد شهد له بذلك بحضرة جماعتهم، ولم ينكر ذلك عليه أحد،…

وفيه: الحض على اختيار ما عند الله والزهد فى الدنيا والإعلام بمن اختار ذلك من الصالحين.

وفيه: أن على السلطان شُكر من أحسن صحبته ومعونته بنفسه وماله، والاعتراف له بالمنة،…
وفيه: دليل أن الخليل فوق الصديق والأخ.
شرح ابن بطال (١١٥/٢).

المحراب

19 Nov, 16:10


قال ابن الجوزي رحمه الله:
للبلاء نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل، فلا بد للمبتلى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء، فإن تقلقل قبل الوقت، لم ينفع التقلقل، كما أن المادة إذا انحدرت إلى عضو، فإنها لن ترجع، فلا بد من الصبر إلى حين البطالة.
فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع؛ فالواجب الصبر، وإن كان الدعاء مشروعا، ولا ينفع إلا به.

إلا أنه لا ينبغي للداعي أن يستعجل، بل يتعبد بالصبر والدعاء، والتسليم إلى الحكيم، ويقطع المواد التي كانت سببا للبلاء، فإن غالب البلاء أن يكون عقوبة. فأما المستعجل، فمزاحم للمدبر، وليس هذا مقام العبودية؛ وإنما المقام الأعلى هو الرضا، والصبر هو اللازم، والتلاجي بكثرة الدعاء نعم المعتمدة، والاعتراض حرام، والاستعجال مزاحمة للتدبير، فافهم هذه الأشياء، فإنها تهون البلاء.
صيد الخاطر (١٧٠).

تقلقل: ضعف ولم يصبر.
التلاجي: الالتجاء.

المحراب

19 Nov, 03:45


عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً.
رواه البخاري (٣٥٦٢).

فهلكت: أي ضاعت.

دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين لأنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم الشارع عليه الصلاة والسلام، وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك، لكن اختلفوا في وجوب الإعادة فنص الشافعي في الجديد على وجوبها إذا وجد أحد الطهورين،…
إرشاد الساري للقسطلاني (٣٦٨/١).

المحراب

18 Nov, 17:20


عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ).
رواه أحمد (٥٨٦٦، ٥٨٧٣)، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (٩٥٠، ٢٠٢٧) وابن حبان (٢٧٤٢)
وصححه محققو مسند أحمد ط الرسالة (١٧٨/١٠).

قال ابن القيم رحمه الله:
والرُّخصة أيسر من العزيمة. وهكذا كانت حاله في فطره في سفره، وجمعه بين الصلاتين، والاقتصار من الرُّباعية على شطرها، وغير ذلك. فنقول: الرُّخصة
نوعان:
أحدهما: الرُّخصة المستقرَّة المعلومة من الشَّرع نصًّا، كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورة، وإن قيل لها عزيمةٌ باعتبار الأمر والوجوب فهي رخصةٌ باعتبار الإذن والتّوسعة.

وكفطر المريض والمسافر، وقصر الصلاة في السفر، وصلاةِ المريض إذا شقَّ عليه القيام قاعدًا، وفطرِ الحامل والمرضع خوفًا على ولديهما…
فإنَّ منها ما هو واجب كأكل الميتة عند الضرورة، ومنها ما هو راجحُ المصلحةِ كفطر الصائم المريض وقصر المسافر وفطره، ومنها ما مصلحته للمترخِّص وغيره، ففيه مصلحتان: قاصرة ومتعدِّية، كفطر الحامل والمرضع؛ ففعلُ هذه الرُّخص أرجح وأفضل من تركه.

النوع الثاني: رخص التأويلات واختلاف المذاهب، فهذه تتبُّعها حرام ينقص الرغبة، ويوهن الطلب، ويرجع بالمترخِّص إلى غثاثة الرُّخص؛ فإنَّ من ترخَّص بقول أهل مكَّة في الصَّرْف، وأهل العراق في الأشربة، وأهل المدينة في الأطعمة، وأصحاب الحِيَل في المعاملات، وقولِ ابن عبَّاسٍ في المتعة وإباحة لحوم الحمر، وقولِ من جوَّز نكاح البغايا المعروفاتِ بالبغاء …وقولِ من أباح آلات اللهو والمعازف من اليَراع والطُّنبور والعود والطبل والمزمار، وقولِ من أباح الغناء، … وأمثالِ ذلك من رخص المذاهب وأقوال العلماء المرجوحة فهذا الذي يَنقص ترخُّصُه رغبتَه، ويوهن طلبه، ويلقيه في غثاثة الرُّخص؛ فهذا لون والأوَّل لون.
مدارج السالكين (٢/ ٢٩٢-٢٩٤).

المحراب

18 Nov, 03:30


عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾. فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ الْيَهُودُ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ، حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ.
رواه البخاري (٣٩٠).


واستنبط من حديث الباب قبول خبر الواحد، وجواز النسخ، وأنه لا يثبت في حق المكلّف حتى يبلغه.
إرشاد الساري شرح القسطلاني (٤١٥/١).

المحراب

17 Nov, 03:31


عَنْ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا).
رواه البخاري (٢٨٧١).

المحراب

16 Nov, 03:30


عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ: أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا: (أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ - أَوْ قِلَادَةٌ - إِلَّا قُطِعَتْ).
رواه البخاري (٢٨٤٣)

قال ابن عثيمين رحمه الله:
الوتر: سلك من العصب يؤخذ من الشاة، وتتخذ للقوس وترا، ويستعملونها في أعناق إبلهم أو خيلهم، أو في أعناقهم، يزعمون أنه يمنع العين، وهذا من الشرك.

القلائد كانت تتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد; لأنه تعلق بما ليس بسبب، وقد سبق أن التعلق بما ليس بسبب شرعي أو حسي شرك; لأنه بتعلقه أثبت للأشياء سببا لم يثبته الله لا بشرعه ولا بقدره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع هذه القلائد. أما إذا كانت هذه القلادة من غير وتر، وإنما تستعمل للقيادة كالزمام; فهذا لا بأس به لعدم الاعتقاد الفاسد…
القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ١٧٩-١٨٨).

المحراب

15 Nov, 03:30


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
(إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).
رواه البخاري (٨٨٧)

المهجر: المبكر إلى المسجد.
يهدي: يقرب إلى الله تعالى

المحراب

14 Nov, 15:01


عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا).
رواه أحمد (١/ ١٧٥)، ومسلم (٢٨٩٠) (٢٠).

قال ابن القيم رحمه الله:
وقد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربَّه ثلاث خصالٍ لأمَّته، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدةً، فرضي بما أعطاه ولم يعترض فيما منعه، بل رضي وسلَّم…

وأمَّا اعتراضه [ أي العبد ] إذا لم يحصل له مرجوُّه فهذا نقصٌ في العبودية وجهلٌ بحقِّ الرُّبوبيَّة، فإنَّ الراجي والداعي يرجو ويدعو فضلًا لا يستحقُّه ولا يستوجبه بمعاوضةٍ، فإن أُعطيه فمحض المنَّة والصدقة عليه، وإن منعه فلم يمنع حقًّا هو له، فاعتراضه رعونة وجهالة. ولا يلزم من فوات المرجوِّ وعدمِ حصول المدعوِّ به في حقِّ العبد الصَّادقِ معارضةٌ ولا اعتراض.
مدارج السالكين (٢٧٤/٢).

المحراب

14 Nov, 12:31


قال ابن القيم رحمه الله:
والذي يحسم مادَّة المبالاة بالناس شهودُ الحقيقة، وهو رؤية الأشياء كلِّها من الله، وبالله، وفي قبضته، وتحت قهره وسلطانه، لا يتحرَّك منها شيء إلا بحوله وقوَّته، ولا ينفع ولا يضرُّ إلَّا بإذنه ومشيئته؛ فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشُّهود؟
مدارج السالكين (٢٥٣/٢).

المحراب

14 Nov, 03:25


عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ).
رواه البخاري (٢٨٣٦).

في هذا الحديث ما يدل علي كراهية أن يسير الرجل بالليل وحده، وعلى هذا فأرى أن هؤلاء الذين يخرجون في السياحة منفردين، ويسمونها سياحة؛ فكل واحد منهم معرض نفسه للسباع وغير ذلك، وتارك للصلوات في الجماعة؛ ولنفع الناس بالتعليم إن كان من أهل التعليم، والانتفاع بالتعلم إن كان من أهل التعلم، وأن يحظى بعيادة المريض وشهود الجنائز وعمارة المساجد وغير ذلك؛ فإنه يفئت نفسه ذلك فلو عرف ما في سير الوحدة من فوات هذه الخيرات لم يفعله.
وقد جاء النهي عن السياحة عن أكابر أهل العلم إلا أن ذلك إذا اضطر إليه إنسان أو كان على حال لم يقصد فاعله فعله توخيا لسير الوحدة بل كما اضطره إليه امرؤ أو سوء رفقة فإنه يستغفر الله تعالى من مخالفة السنة في ذلك ويعمل بحكم الضرورة.

وفي الحديث تنبيه على خطأ جهلة المتزهدين في سياحاته بالليل ومشيهم في الظلمات على الوحدة.

الإفصاح (٢٢٩/٤)، كشف المشكل (٢/ ٥٨٠-٥٨١).

المحراب

13 Nov, 15:50


قال الله تعالى:(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) [آل عمران:١٨١].

عن العُرْسِ ابن عَمِيرَةَ الكِندي، عن النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا) رواه أبوداود (٤٣٤٥).
قال الأرنؤوط: إسناده حسن.
سنن أبي داوود (٤٠١/٦).

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله:
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود، تكلموا بذلك، وذكروا منهم "فنحاص بن عازوراء" من رؤساء علماء اليهود في المدينة، وأنه لما سمع قول الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} {وأقرضوا الله قرضا حسنا} قال: -على وجه التكبر والتجرهم- هذه المقالة قبحه الله، فذكرها الله عنهم،…
تفسير السعدي (١٥٩).

وقال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ أي: ونكتب ذلك. فإن قيل: هذا القائل لم يقتل نبياً قط! فالجواب: أنه رضي بفعل متقدميه لذلك،…
زاد المسير (٣٥٤/١).

وقال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي ونكتب قتلهم الأنبياء، أي رضاهم بالقتل. والمراد قتل أسلافهم الأنبياء، لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم.
وَحَسَّنَ رجل عند الشعبي، قتل عثمان رضي الله عنه فقال له الشعبي: شَرِكْتَ في دمه. فجعل الرضا بالقتل قتلا، رضي الله عنه.
قلت:( أي: القرطبي) وهذه مسألة عظمى، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية.
الجامع لأحكام القرآن (٤٤٣/٥).

المحراب

13 Nov, 12:31


قال ابن القيم رحمه الله:
والذي يحسم مادَّة الخوف هو التسليم لله، فإنَّ من سلَّم لله واستسلم له، وعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضًا، فإنَّ نفسه التي يخاف عليها قد سلَّمها إلى وليِّها ومولاها، وعلم أنَّه لا يصيبها إلَّا ما كتب لها، وأنَّ ما كتب لها لا بدَّ أن يصيبها؛ فلا معنى للخوف من غير الله بوجهٍ.
وفي التسليم أيضًا فائدة لطيفة، وهي أنَّه إذا سلَّمها لله فقد أودعها عنده، وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه، حيث لا تناله يدُ عادٍ ولا بغيُ باغ.
مدارج السالكين(٢/ ٢٥٢-٢٥٣).

المحراب

13 Nov, 03:25


عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتًا يُكِنُّنِي مِنَ الْمَطَرِ، وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ.

وفي رواية: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً، مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (٥٩٤٣)،(٥٩٤٤).

في هذا الحديث ما يدل على جواز البناء، ويدل على أن المستحب الاقتصار منه على ما يكفي. ويدل على أنه قد كان في ابن عمر من التأني ما يعمل كلما يصلح للبيت.
وقوله: (ما وضعت لبنة على لبنة منذ قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -) يدل على زهده واقتناعه بما كان يسكنه.
الإفصاح (٢٤٨/٤).

المحراب

12 Nov, 15:28


قال الله تعالى :(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [الرعد: ١٤].

قال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ فيه قولان: أحدهما: أنها كلمة التوحيد، وهي: لا إِله إِلا الله، قاله عليّ وابن عباس والجمهور، فالمعنى له من خَلقه الدعوة الحق، فأضيفت الدعوة إِلى الحق لاختلاف اللفظين.
والثاني: أن الله عزّ وجلّ هو الحق، فمن دعاه دعا الحق، قاله الحسن.
زاد المسير (٤٨٨/٢).

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله:
أي: لله وحده {دَعْوَةُ الْحَقِّ} وهي: عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى، أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء، والخوف، والرجاء، والحب، والرغبة، والرهبة، والإنابة؛ لأن ألوهيته هي الحق، وألوهية غيره باطلة…
تفسير السعدي (٤١٥).

وقال ابن عطية رحمه الله:
ومعنى الكلام: والذين يدعوهم الكفار في حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون بشيء. ثم مثل تعالى مثالا لإجابتهم بالذي يبسط كَفَّيْهِ نحو الماء ويشير إليه بالإقبال إلى فيه، فلا يبلغ فمه أبدا، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع.
المحرر الوجيز (٣٠٥/٣).

وقال ابن القيم رحمه الله:
وأنه سبحانه صاحب دعوة الحقِّ لذاته وصفاته. وإن لم يوجب لداعيه بها ثوابًا، فإنَّه يستحقُّها لذاته، فهو أهلٌ أن يُعبد وحده، ويُدعى وحده، ويُقصد ويُشكر ويُحمد، ويُحبَّ ويُرجى ويُخاف، ويُتوكَّل عليه، ويستعان به، ويستجار به، ويلجأ إليه، ويصمد إليه، فتكون الدعوة الإلهيَّة الحقُّ له وحده.
مدارج السالكين (٢٥١/٢).

المحراب

12 Nov, 12:25


قال ابن القيم رحمه الله:
الذي يحسم مادَّة رجاء المخلوقين من قلبك هو الرِّضا بحكم الله عزَّ وجلَّ وقَسْمُه لك، ومن رضي بحكم الله وقسمه لم يبقَ لرجاء الخلق في قلبه موضع.
مدارج السالكين (٢٥٢/٢).

المحراب

12 Nov, 03:30


قال الله تعالى:(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:١٧٢].

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: (مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ). فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ.
وفي رواية: عَن عُروَةَ بن الزبير قَالَت لِي عَائِشَةُ: كَانَ أَبوكَ مِنَ الَّذِينَ استَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعدِ مَا أَصَابَهُم القَرحُ.
رواه البخاريُّ (٤٠٧٧)، ومسلم (٢٤١٨) (٥٢).

الْقَرْحُ : الْجِرَاحُ.
وقال الراغب: الْقَرْحُ بالفتح أثر الجراحة وبالضم أثرها من داخل.
وقال غيره: القَرحُ، بالفتح: الجَرح، وبالضمِّ: ألمُ الجراح.
فتح الباري (٢٢٨/٨)، المفهم (٣١٤/١)،(٢٩١/٦).

المحراب

11 Nov, 16:00


قال الله تعالى:(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)
[آل عمران:١٧٢-١٧٤].

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله:
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من "أحد" إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى "حمراء الأسد" وجاءهم من جاءهم وقال لهم: {إن الناس قد جمعوا لكم} وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه.
تفسير السعدي (١٥٧/١).

وقال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ الانقلاب: الرجوع. وفي النعمة، ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الأجر، قاله مجاهد.
والثاني: العافية، قاله السدي.
والثالث: الإيمان والنصر، قاله الزجاج.
وفي الفضل، ثلاثة أقوال: أحدها: ربح التجارة، قاله مجاهد، والسدي، …
والثاني: أنهم أصابوا سرية بالصفراء، فرزقوا منها، قاله مقاتل. والثالث: أنه الثواب، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ قال ابن عباس: لم يؤذهم أحد.
زاد المسير (٤٤٩/١).

وقال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
قال علماؤنا: لما فوضوا أمورهم إليه، واعتمدوا بقلوبهم عليه، أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة، والفضل، وصرف السوء، واتباع الرضا. فرضَّاهم عنه، ورضي عنهم.
الجامع لأحكام القرآن (٤٢٦/٥).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فعقب هذا الجزاء والحكم لذلك الوصف والعمل بحرف الفاء وهي تفيد السبب فدل ذلك على أن ذلك التوكل هو سبب هذا الانقلاب بنعمة من الله وفضل وأن هذا الجزاء جزاء على ذلك العمل.

وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله فلو كان التوكل لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة لم يكن المتوكل أقوى من غيره.
جامع الرسائل (٩٠/١).

المحراب

11 Nov, 12:59


قال ابن القيم رحمه الله:
(صون النفس)، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها ويعيبها ويزري بها عند الله وملائكته وعباده المؤمنين وسائر خلقه، فإن من كرمت عليه نفسه وكبرت عنده صانها وحماها، وزكاها وعلَّاها، ووضعها في أعلى المحال، وزاحم بها أهل العزائم والكمالات…

…فإن كثيرا من المباح يكدر صفو الصيانة، ويذهب بهجتها، ويطفئ نورها، ويُخْلِق حسنها وبهجتها.

وقال لي يوما شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطا في النجاة. أو نحو هذا من الكلام.

فالعارف يترك كثيرا من المباح إبقاء على صيانته، ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخا بين الحلال والحرام،…
مدارج السالكين (٢/ ٢٤١-٢٤٤).

المحراب

11 Nov, 03:25


عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ الله الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُم فِي الحَضَرِ أَربَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكعَتَينِ، وَفِي الخَوفِ رَكعَةً.
رواه أحمد (١/ ٢٣٢)، ومسلم (٦٨٧) (٥)، وأبو داود (١٢٤٧)، والنسائي (٣/ ١١٨ - ١١٩)، وابن ماجه (١٠٧٢).

المحراب

10 Nov, 03:25


عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ بَينَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَينَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ.
رواه البخاري (٤٩٦)، ومسلم (٥٠٨)، وأبو داود (٦٩٦).

قال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف. وقد ورد الأمر بالدنو منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته رواه أبو داود (٦٩٥).اهـ

…ولم يحد مالك في ذلك حدا، إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع من مر بين يديه.
فتح الباري (٥٧٥/١)، المفهم (١٠٧/٢).

المحراب

09 Nov, 15:32


قال ابن القيم رحمه الله:
الفساق يزدحمون على مواضع الرغبة في الدنيا، ولتلك المواقف كظيظ من الزحام، فالزاهد يأنف من مشاركتهم في تلك المواقف ويرفع نفسه عنها لخسة شركائه فيها، كما قيل لبعضهم: ما الذي زهدك في الدنيا؟ قال: قلة وفائها، وكثرة جفائها، وخسة شركائها.
مدارج السالكين (٢٢٩/٢).

المحراب

09 Nov, 03:25


عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَقَدْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ، حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
رواه البخاري (٦٠٨٦).

معنى حديث عائشة أنها كانت تخرج قوتها - وهو شيء يسير - بغير كيل فبورك لها فيه مع بركة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كالته علمت المدة التي يبلغ إليها عند انقضائها...

وقد وقع في حديث عائشة المذكور عند ابن حبان: فما زلنا نأكل منه حتى كالته الجارية فلم نلبث أن فني، ولو لم تكله لرجوت أن يبقى أكثر وقال المحب الطبري: لما أمرت عائشة بكيل الطعام ناظرة إلى مقتضى العادة غافلة عن طلب البركة في تلك الحالة ردت إلى مقتضى العادة .
فتح الباري (٣٤٦/٤).

المحراب

08 Nov, 03:25


عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى).
رواه البخاري (٨٤٣).

المحراب

07 Nov, 16:31


قال الله تعالى:(مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا) [النساء:٨٥].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والشافع الذي يعين غيره فيصير معه شفعا بعد أن كان وترا؛ ولهذا فسرت " الشفاعة الحسنة " بإعانة المؤمنين على الجهاد و " الشفاعة السيئة " بإعانة الكفار على قتال المؤمنين كما ذكر ذلك ابن جرير وأبو سليمان. وفسرت " الشفاعة الحسنة " بشفاعة الإنسان للإنسان ليجتلب له نفعا أو يخلصه من بلاء كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد؛…

والشفيع: المعين، فكل من أعان شخصا على أمر فقد شفعه فيه، فلا يجوز أن يعان أحد: لا ولي أمر ولا غيره على ما حرمه الله ورسوله، وأما إذا كان للرجل ذنوب، وقد فعل برا، فهذا إذا أعين على البر، لم يكن هذا محرما، كما لو أراد مذنب أن يؤدي زكاته، أو يحج، أو يقضي ديونه، أو يرد بعض ما عنده من المظالم، أو يوصي على بناته - فهذا إذا أعين عليه فهو إعانة على بر وتقوى، ليس إعانة على إثم وعدوان، فكيف الأمور العامة؟
مجموع الفتاوى (٧/ ٦٤-٦٥)، منهاج السنة (١١٧/٦).

المحراب

07 Nov, 03:25


عَنْ مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَغْتَرُّوا).
رواه البخاري (٦٠٦٩).

قوله (لا تغتروا)
ففهم عثمان رضى الله عنه من ذلك أن المؤمن ينبغى له ألا يتكل على عمله، ويستشعر الحذر والإشفاق بتجنب الاغترار، وقد قال غير مجاهد فى تفسير الغرور قال: هو أن يغتر بالله، فيعمل المعصية ويتمنى المغفرة.
شرح البخاري لابن بطال (١٥٨/١٠).

المحراب

06 Nov, 13:00


قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَخْبَتُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ} [هود: ٢٣].

وقال عز وجل {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:٣٤]، ثم كشف عن معانيهم فقال:{ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} [الحج:٣٥].

قال الأزهري رحمه الله:
خبت: قال الليث: الْخَبْتُ عربيَّةٌ مَحْضَة، وجمعُه خُبُوتٌ وَهُوَ مَا اتَّسَع من بُطون الأرض.
وقال ابْن الأعرابيِّ: الْخَبْتُ مَا اطمأَنَّ من الأرض واتسع.
وقال العَدَوِيُّ: الْخَبْتُ: الخفيُّ المطمئنُّ…

قال: ومنه ((المُخْبِتُ)) من النَّاس.
أَخْبَتَ إِلَى ربه _ أَي: اطمأَنَّ إِلَيْهِ.
تهذيب اللغة (١٣٦/٧).

وقال الفراء رحمه الله:
وقوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ
معناهُ: تَخْشَعوا لربِّهم وإلى ربِّهم. وربَّما جعلت العرب (إلى) فِي موضع اللام.
معاني القرآن للفراء (٩/٢).

وقال ابن الجوزي رحمه الله:
فإن قيل: لم أوثرت «إِلى» على اللام في قوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، والعادة جارية بأن يقال: أخبتوا لربهم؟ فالجواب: أن المعنى: وَجَّهوا خوفَهم وخشوعهم وإِخلاصهم إِلى ربهم، واطمأنوا إِلى ربهم….

وأخبتوا إلى ربهم فيه سبعة أقوال:
أحدها: خافوا ربهم،…
والثاني: أنابوا إلى ربهم،…
والثالث: ثابوا إلى ربهم،...
والرابع: اطمأنوا،…
والخامس: أخلصوا،...
والسادس: تخشعوا لربهم،…
والسابع: تواضعوا لربهم،...
زاد المسير (٣٦٧/٢).

وقال الإمام الطبري رحمه الله:
وهذه الأقوال متقاربة المعاني، وإن اختلفت ألفاظها، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس "الإخبات"، عند العرب: الخشوع والتواضع.
تفسير الطبري (٢٩٠/١٥).

وقال ابن القيم رحمه الله:
متى استقرت قدم العبد في منزلة الإخبات وتمكن فيها ارتفعت همته وعلت نفسه عن خطفات المدح والذم، فلا يفرح بمدح الناس ولا يحزن لذمهم. هذا وصف من خرج عن حظ نفسه وتأهل للفناء في عبودية ربه، وصار قلبه مطرحا لأشعة أنوار الأسماء والصفات، وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه.

والوقوف عند مدح الناس وذمهم علامة انقطاع القلب وخلوه من الله تعالى، وأنه لم تباشره روح محبته ومعرفته، ولم يذق حلاوة التعلق به والطمأنينة إليه.

ثم قال رحمه الله : و( المخبت ) وإن كان أعلى ممن دونه من الناقصين عن درجته، إلا أنه لاشتغاله بالله وامتلاء قلبه من محبته ومعرفته والإقبال عليه يشتغل عن ملاحظة حال غيره، وعن شهود النسبة بين حاله وأحوال الناس، ويرى اشتغاله بذلك والتفاته إليه نزولا عن مقامه وانحطاطا عن درجته ورجوعا على عقبه. فإن هجم عليه ذلك بغير استدعاء واختيار فليداوه بشهود المنة وخوف المكر وعدم علمه بالعاقبة التي يوافي عليها. والله المستعان.
مدارج السالكين (٢/ ٢١٣-٢١٧).

المحراب

29 Oct, 03:25


عن نافع قال حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وهو ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي. قالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ على عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وهو خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذا الْحَدِيثَ. فَقالَ: إِنَّ هَذا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إلى عُمَّالِهِ: أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
رواه البخاري (٢٦٦٤).


وأما اعتبار خمس عشرة سنة فى حد البلوغ إذا لم يحصل فيها احتلام ولا إنبات، فليس فى خبر ابن عمر ذكر البلوغ الذى به تعلق أحكام الشريعة، وإنما فيه ذكر الإجازة فى القتال، وهذا المعنى يتعلق بالقوة والجلد، …
شرح البخاري لابن بطال (٥١/٨).

المحراب

28 Oct, 13:30


قال الله تعالى:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:٤٦].

قال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا هذا ردٌّ على المشركين الذين كانوا يفتخرون بالأموال والأولاد، فأخبر الله تعالى أن ذلك مما يُتزيَّن به في الدنيا، لا مما ينفع في الآخرة.

قوله تعالى: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ فيها خمسة أقوال : أحدها: أنها «سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا الله، والله أكبر»…وسئل عثمان بن عفان عن الباقيات الصالحات، فقال هذه الكلمات، وزاد فيها:
«ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
والثاني: أنها «لا إِله إِلا الله، والله أكبر، والحمد لله ولا قوة إِلا بالله»…
والثالث: الصلوات الخمس،…
والرابع: الكلام الطيِّب،…
والخامس: هي جميع أعمال الحسنات،…

قوله تعالى: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أي: أفضل جزاءً وَخَيْرٌ أَمَلًا أي: خير مما تؤمِّلون، لأن آمالكم كواذب، وهذا أمل لا يكذب.
زاد المسير (٣/ ٨٧-٨٨).

وقال الإمام الطبري رحمه الله:
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا) بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنّ من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصالحات، ولا كلّ الباقيات الصالحات، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البرّ أيضا باقيات صالحات.
تفسير الطبري (١٨/ ٣٥-٣٦).

وقال ابن القيم رحمه الله:
والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا والإخبار بخستها وقلتها وانقطاعها وسرعة فنائها، والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها وسرعة إقبالها.
فإذا أراد الله بعبد خيرا أقام في قلبه شاهدا يعاين به حقيقة الدنيا والآخرة، ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار.
مدارج السالكين (٢١٩/٢).

المحراب

28 Oct, 04:12


عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ذَاقَ طَعمَ الإِيمَانِ مَن رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً.
رواه أحمد (١/ ٢٠٨)، ومسلم (٣٤)، والترمذي (٢٧٥٨).

المحراب

27 Oct, 03:20


عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ؛ قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ أَمِيرُهُم: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ أُمَرَاءُ، تَكرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ.
رواه مسلم (١٥٦).

قال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى إماما لوقع في النفس إشكال ولقيل: أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا، فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله: لا نبي بعدي. وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة.
فتح الباري (٤٩٤/٦).

المحراب

26 Oct, 16:15


قال الله جل وعز: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (التوبة: ١٦) .

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله:
يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمر الله في ذلك المفرِّطين (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله) ، يقول: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين وليجة… وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.
(والله خبير بما تعملون) ، يقول: والله ذو خبرة بما تعملون، من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.
تفسير الطبري (١٤/ ١٦٣-١٦٤).

وقال الأزهري رحمه الله:
وقال الليث: الولوج الدخول،…
وقال أبو عبيدة: الوليجة البطانة، وهي مأخوذة من وَلَج يَلِجُ وُلوجاً، إِذا دخل أي يتخذوا بينهم وبين الكافرين دخيلة مودة.
وأخبرني المنذري عن الغساني، عن أبي عبيدة، أنه قال: وليجة، كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم. يقول: فلا تتخذوا أولياء ليسوا من المسلمين دون الله ورسوله.
تهذيب اللغة (١٣١/١١).

وقال الفراء رحمه الله:
وقوله: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً والوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم فيُفْشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عن ذلك.
معاني القرآن للفراء (٤٢٦/١).

وقال ابن الجوزي رحمه الله:
فأما الوليجة، فقال ابن قتيبة: هي البطانة من غير المسلمين، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلاً من المشركين وخليطاً ووادّاً وأصله من الولوج.
زاد المسير (٢٤٢/٢).

وقال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
وَالْبِطَانَةُ: مصدر، يسمى به الواحد والجمع. وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره، وأصله من البطن الذي هو خلاف الظهر. وَبَطَنَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَبْطُنُ بُطُونًا وَبِطَانَةً إذا كان خاصا به.
الجامع لأحكام القرآن (١٧٨/٤).

المحراب

26 Oct, 15:05


قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
وأجمع أهل العربية على أنه لا بد من الفاء في جواب" أَمَّا" لأن المعنى في قولك:" أَمَّا زيد فمنطلق، مهما يكن من شي فزيد منطلق".
الجامع لأحكام القرآن (٢٥٨/٥).

المحراب

26 Oct, 03:25


عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ؛ وَأَبِي هُرَيرَةَ؛ فِي تَفسير: وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى: أنَّهُ جِبرِيلُ.
رواه مسلم (١٧٣) عن ابن مسعود، و (١٧٥) عن أبي هريرة.

وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى، وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَينِ.
رواه مسلم (١٧٦)، والترمذي (٣٢٧٥) و (٣٢٧٦) و (٣٢٧٧).

المحراب

25 Oct, 16:20


قال ابن القيم رحمه الله:
وكذلك يشهد [ أي العبد ] أن ما زوي عنه من الدنيا أو ما لحقه منها من ضر وأذى فهو منَّةٌ أيضا من الله عليه من وجوه كثيرة يستخرجها الفكر الصحيح، كما قال بعض السلف: يا ابن آدم، لا تدري أي النعمتين عليك أفضل: نعمته عليك فيما أعطاك، أو نعمته فيما زوى عنك،…
فإن قلت: فهل يشهد منَّته فيما لحقه من المعصية والذنب؟ قلت: نعم، إذا اقترن بها التوبة النصوح والحسنات الماحية كانت من أعظم المنن عليه،…

المحراب

25 Oct, 14:10


قال الله تعالى:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لاَ يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ ) [المائدة:٧٨-٧٩].

قال أبوعبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى:" كانوا لا يتناهون" أي لا ينهى بعضهم بعضا:" لبئس ما كانوا يفعلون" ذم لتركهم النهي، وكذا من بعدهم يذم من فعل فعلهم.
وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين وَأَمْرٍ بتركهم وهجرانهم.
الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٥٣-٢٥٤).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك.
وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:
منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.
ومنها: ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.
ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا.

ومنها: أن - في ترك الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟

ومنها: أن السكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه،… ومنها ومنها …
تفسير السعدي (١/ ٤٣٩-٤٤٠).

وقال ابن عطية رحمه الله:
وقال حذاق أهل العلم: ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضا. واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية، لأن قوله يَتَناهَوْنَ وفَعَلُوهُ يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي.
المحرر الوجيز (٢٢٤/٢).

المحراب

25 Oct, 03:20


عَن عَلقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن حَضرَمَوتَ وَرَجُلٌ مِن كِندَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ الحَضرَمِيُّ: يَا رسولَ الله، إِنَّ هَذَا قَد غَلَبَنِي عَلَى أَرضٍ لِي كَانَت لِأَبِي، قَالَ الكِندِيُّ: هِيَ أَرضي فِي يَدِي أَزرَعُهَا، لَيسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلحَضرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَال: لا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ، قَالَ: يَا رسولَ الله، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيسَ يَتَوَرَّعُ مِن شَيءٍ، فَقَالَ: لَيسَ لَكَ مِنهُ إِلَاّ ذَلِكَ، فَانطَلَقَ لِيَحلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَدبَرَ: أَمَا لَئِن حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأكُلَهُ ظُلمًا، لَيَلقَيَنَّ اللهَ وهو عَنهُ مُعرِضٌ.
رواه مسلم (١٣٩)، وأبو داود (٣٢٤٥)، والترمذي (١٣٤٠).

المحراب

24 Oct, 03:20


عَن جُندَبٍ، عَن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِمَّن كَانَ قَبلَكُم خَرَجَت بِوَجهِهِ قُرحَةٌ، فَلَمَّا آذَتهُ، انتَزَعَ سَهمًا مِن كِنَانَتِهِ، فَنَكَأَهَا، فَلَم يَرقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَبُّكُم: قَد حَرَّمتُ عَلَيهِ الجَنَّةَ.
رواه البخاري (١٣٦٤)، ومسلم (١١٣).

المحراب

23 Oct, 17:10


عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قال سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَم يَستَطِع فَبِلِسَانِهِ، فَإِن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ.
رواه أحمد (٣/ ١٠ و ٢٠ و ٤٩ و ٥٤ و ٩٢)، ومسلم (٤٩)، وأبو داود (١١٤٠)، والترمذي (٢١٧٣)، والنسائي (٨/ ١١١)، وابن ماجه (٤٠١٣).

قال ابن عبد البر رحمه الله:
فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وإنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك، والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا، ولكنها كلها مقيدة بالاستطاعة.
التمهيد (١٥/ ٢٢٦-٢٢٧).

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله:
هذا الأمر على الوجوب؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان، ودعائم الإسلام، بالكتاب والسنة وإجماع الأمة،…
ولوجوبه شرطان:
أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل منكرا أو معروفا.
والثاني: القدرة على التغيير.

فإذا كان كذلك، تعين التغيير باليد إن كان ذلك المنكر مما يحتاج في تغييره إليها، مثل: كسر أواني الخمر، … فإن لم يقدر بنفسه على ذلك، غير بالقول المرتجى نفعه، من لين أو إغلاظ؛ حسب ما يكون أنفع، وقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة.

فإن خاف من القول القتل أو الأذى، غير بقلبه، ومعناه: أن يكره ذلك الفعل بقلبه، ويعزم على أن لو قدر على التغيير لغيره.
وهذه آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير المنكر، وهي المعبر عنها في الحديث بأنها أضعف الإيمان، أي: خصال الإيمان، ولم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى في تغيير المنكر؛ ولذلك قال في الرواية الأخرى: ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل،[ رواه مسلم (٢٢٠)] أي: لم يبق وراء هذه المرتبة رتبة أخرى، والإيمان في هذا الحديث بمعنى الإسلام.

وفيه دليل على أن من خاف على نفسه القتل أو الضرب سقط عنه التغيير، وهو مذهب المحققين سلفا وخلفا،…
المفهم (٢٣٤/١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال. وذلك يكون تارة بالقلب؛ وتارة باللسان؛ وتارة باليد. فأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {وذلك أدنى - أو - أضعف الإيمان} وقال: {ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} .
مجموع الفتاوى (١٢٨/٢٨).

المحراب

23 Oct, 16:02


قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل».
رواه البيهقي في السنن الكبير (١٠/ ٢٢٣) من طرق عن ابن مسعود موقوفا عليه.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (١/ ٤٣٨ - ٤٣٩): هو صحيح عن ابن مسعود.

قال ابن القيم رحمه الله:
وهذا كلام عارف بأثر الغناء وثمرته، فإنه ما اعتاده أحد إلا ونافق قلبه وهو لا يشعر، ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبصره في قلبه، فإنه ما اجتمع في قلب قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا وطردت إحداهما الأخرى. وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبرمهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرؤه، فلا تتحرك ولا تطرب ولا يهيج منها بواعث الطلب، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله، كيف تخشع منهم الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع البكاء والوجد، والحركة الظاهرة والباطنة، والسماحة بالأثمان والثياب، وطيب السهر وتمني طول الليل! فإن لم يكن هذا نفاقا فهو آخيَّة النفاق وأساسه.
مدارج السالكين (١٤٩/٢).

المحراب

23 Oct, 03:20


عَن أَبِي مُوسَى قَالَ: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ وَنَحنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَينَنَا بَعِيرٌ نَعتَقِبُهُ قَالَ: فَنَقِبَت أَقدَامُنَا، فَنَقِبَت قَدَمَايَ وَسَقَطَت أَظفَارِي، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَت غَزاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرجُلِنَا مِن الخِرَقِ.
وفي رواية: والله يجزي به، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذاك، قال: كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
رواه البخاري (٤١٢٨)، ومسلم (١٨١٦).

ومعنى نقبت أقدامنا: أي تقرحت وتشققت.
وفي هذا الحديث ما يدل على ما كانوا عليه من شدة الصبر والجلد، وتحمل تلك الشدائد العظيمة، وإخلاصهم في أعمالهم، وكراهية إظهار أعمال البر، والتحدث بها إذا لم تدع إلى ذلك حاجة.

وفيه من الفقه:
ما يدل على أن المؤمن قد يتحدث في الحديث ثم يندم عليه لمعنى يخاف من التزكية لنفسه أو العجب أو غير ذلك؛ فيعود متداركا ما فرط منه، على أن هذا من أبي موسى كان يكون من طريق الاحتياط وإلا ففي ذكره ذلك ومثله عبادة لله عزوجل وتحريض للاقتداء به في مثله، وليحقر كل عامل عند ذكر الصحابة عمله؛ وليكون ذلك مصداق قوله تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران :١١٠]، وقوله تعالى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ)[الفتح:٢٩].

المفهم (٦٩٤/٣)، الإفصاح (٣٢٨/٢).

المحراب

22 Oct, 03:20


عَن جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عَبدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الهِجرَةِ وَلَم يَشعُر أَنَّهُ عَبدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِعنِيهِ. فَاشتَرَاهُ بِعَبدَينِ أَسوَدَينِ، ثُمَّ لَم يُبَايِع أَحَدًا بَعدُ، حَتَّى يَسأَلَهُ: أَعَبدٌ هُوَ؟ .
رواه أحمد (٣/ ٣٤٩)، ومسلم (١٦٠٢)، وأبو داود (٣٣٥٨)، والترمذي (١٢٣٩)، والنسائي (٧/ ١٥٠).

و(قوله: فلم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله: أعبد هو؟ ) يعني: أنه لما وقعت له هذه الواقعة أخذ بالحزم والحذر، فكان يسأل من يرتاب فيه. وفيه من الفقه: الأخذ بالأحوط.
المفهم (٥١٣/٤).

المحراب

21 Oct, 17:01


قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [ البقرة : ٢٠٧ ].

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء: ٢١٤] قالَ: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ-أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا،… ) رواه البخاري (٢٧٥٣).

قال ابن رجب رحمه الله:
وقد اشترى جماعة من السلف أنفسهم من الله عز وجل،…

قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالأسير، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل. وقال: ابن آدم، إنك تغدو أو تروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدا.
قال أبو بكر بن عياش: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدا، قال: فوالله ما نسيتها بعد.

وكان بعض السلف يبكي، ويقول: ليس لي نفسان، إنما لي نفس واحدة، إذا ذهبت، لم أجد أخرى.

وقال محمد بن الحنفية: إن الله عز وجل جعل الجنة ثمنا لأنفسكم، فلا تبيعوها بغيرها
جامع العلوم والحكم (٣٠/٢).

المحراب

21 Oct, 03:15


عَن أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: اشفَعُوا تُؤجَرُوا، وَليَقضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ.
رواه أحمد (٤/ ٤١٣)، والبخاريُّ (١٤٣٢)، ومسلم (٢٦٢٧)، وأبو داود (٥١٣١)، والترمذيُّ (٢٦٧٤)، والنسائي (٥/ ٧٨).

وهذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج والرغبات للسلطان وذوي الأمر والجاه، كما شهد به صدر الحديث ومساقه، ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب، لأنها من باب صنائع المعروف وكشف الكرب ومعونة الضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى السلطان وذوي الأمر،…

قال القاضي: ويدخل في عموم الحديث الشفاعة للمذنبين، فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه والعفو عنه إذا رأى ذلك كله، كما له العفو عن ذلك ابتداء. وهذا فيمن كانت منه الزلة والفلتة، وفي أهل الستر والعفاف. وأما المصرون على فسادهم، المستهترون في باطلهم، فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم، ولا ترك السلطان عقوبتهم؛ ليزدجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم. وقد جاء الوعيد بالشفاعة في الحدود.
المفهم (٦٣٣/٦).

المحراب

20 Oct, 13:31


قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [ آل عمران : ١٠٣ ].

قال ابن الجوزي رحمه الله:
قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً قال الزجاج: اعتصموا: استمسكوا.
فأما الحبل، ففيه ستة أقوال: أحدها: أنه كتاب الله: القرآن. رواه شقيق عن ابن مسعود، وبه قال قتادة، والضحاك، والسدي.

والثاني: أنه الجماعة، رواه الشعبي عن ابن مسعود.

والثالث: أنه دين الله، قاله ابن عباس، وابن زيد، ومقاتل، وابن قتيبة. وقال ابن زيد: هو الإسلام.

والرابع: عهد الله، قاله مجاهد، وعطاء، وقتادة في رواية، وأبو عبيد، …
والخامس: أنه الإخلاص، قاله أبو العالية.

والسادس: أنه أمر الله وطاعته، قاله مقاتل بن حيان.
زاد المسير (٣١١/١).

وقال ابن القيم رحمه الله:
والاعتصامُ بحبل الله يوجب له الهداية واتِّباع الدليل…
ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله بعد إشارتهم كلِّهم إلى هذا المعنى.
مدارج السالكين (٢/ ٩٩-١٠٠).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قيل: حبل الله هو دين الإسلام وقيل: القرآن وقيل: عهده وقيل: طاعته وأمره وقيل جماعة المسلمين؛ وكل هذا حق.

…أمرهم بالاجتماع ونهاهم عن الافتراق فلو كان في حال الاجتماع قد يكونون مطيعين لله تارة وعاصين له أخرى لم يجز أن يأمر به إلا إذا كان اجتماعا على طاعة؛ والله أمر به مطلقا ; ولأنه لو كان كذلك لم يكن فرق بين الاجتماع والافتراق، لأن الافتراق إذا كان معه طاعة كان مأمورا به مثل أن يكون الناس نوعين نوع يطيع الله ورسوله ونوع يعصيه؛ فإنه يجب أن يكون مع المطيعين، وإن كان في ذلك فرقة، فلما أمرهم بالاجتماع دل على أنه مستلزم لطاعة الله.

…فلما نهاهم عن التفرق مطلقا دل ذلك على أنهم لا يجتمعون على باطل؛ إذ لو اجتمعوا على باطل لوجب اتباع الحق المتضمن لتفرقهم وبين أنه ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا.
منهاج السنة (٣٤٩/٨)، مجموع الفتاوى (٤٠/٧)، (٩٢/٩١).

وقال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى:" (ولا تفرقوا) " يعني في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم،…
… ويجوز أن يكون معناه ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخوانا، فيكون ذلك منعا لهم عن التقاطع والتدابر،…

وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافا إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، وما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون … وإنما مَنَعَ اللَّهُ اختلافا هو سبب الفساد.
فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين. هذا معنى الآية على التمام، وفيها دليل على صحة الإجماع حسبما هو مذكور في موضعه من أصول الفقه والله أعلم.
الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٤١-٢٥١).

المحراب

20 Oct, 03:15


عَن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ وَحَولَ الكَعبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، وفي رواية: صنما، فَجَعَلَ يَطعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ في يَدِهِ وَيَقُولُ: جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، جَاءَ الحَقُّ، وَمَا يُبدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ.
رواه البخاري (٢٤٧٨)، ومسلم (١٧٨١)، والترمذي (٣١٣٧).

المحراب

19 Oct, 15:50


قال الله تعالى:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
[ آل عمران : ١٠١ ].

قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
قاله تعالى على جهة التعجب، أي: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ) يعني القرآن. (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) محمد صلى الله عليه وسلم.
ويدخل في هذه الآية من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته.
الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٣٥-٢٣٦).

وقال الزجاج رحمه الله:
وجائز أن يقال فيكم رسوله والنبي شاهد، وجائز أن يقال لنا الآن فيكم رسول الله لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أتى به فينا وهو من الآيات العظام.
معاني القرآن (٤٤٨/١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ؟ . فيعلم أن آيات الله والرسول تمنع الكفر.
مجموع الفتاوى (٥/٢).

المحراب

19 Oct, 03:15


عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَ اللهَ قَالَ لِي: أَنفِق أُنفِق عَلَيكَ).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَمِينُ اللهِ مَلأَى لا يَغِيضُهَا، سَحَّاءُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيتُم مَا أَنفَقَ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرضَ، فَإِنَّهُ لَم يَغِض مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخرَى القَبضَ، يَرفَعُ وَيَخفِضُ).
رواه أحمد (٢/ ٢٤٢ و ٥٠٠)، والبخاري (٤٦٨٤)، ومسلم (٩٩٣) (٣٦)، والترمذي (٣٠٤٥)، وابن ماجه (١٩٧).

والسح: الصبّ الكثير
ويغيضها: ينقصها.

المحراب

18 Oct, 16:00


قال الله تعالى:(وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ) [ الحج : ٧٨ ].

قال ابن القيم رحمه الله:
وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه والامتناع به، والاحتماء به وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإن ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد، والله يدفع عن الذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن به إذا اعتصم به كل سبب يفضي إلى العطب ويحميه منه، فيدفع عنه الشبهات والشهوات، وكيد عدوه الباطن والظاهر، وشر نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادها بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه، فينعقد في حقه أسباب العطب فيدفع عنه موجباتها ومسبباتها، ويدفع عنه قدره بقدره، وإرادته بإرادته، ويعيذه به منه.
مدارج السالكين (١٠٣/٢).

المحراب

18 Oct, 15:02


قال الله تعالى:(مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [ النحل : ١٠٦ ].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدرا وإلا ناقض أول الآية آخرها؛ ولو كان المراد بمن كفر هو الشارح صدره وذلك يكون بلا إكراه لم يستثن المكره فقط، بل كان يجب أن يستثنى المكره وغير المكره إذا لم يشرح صدره، وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعا فقد شرح بها صدرا وهي كفر وقد دل على ذلك قوله تعالى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ إنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [ التوبة : ٦٤-٦٦].

فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له بل كنا نخوض ونلعب وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بِحَسَبِهِ كقوله تعالى:{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ} إلَى قوله: {إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ النور : ٤٧-٥١ ].

فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا؛ فبين أن هذا من لوازم الإيمان.
مجموع الفتاوى (٧/ ٢٢٠-٢٢١).

المحراب

18 Oct, 03:15


عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَت صَلاتُهُ قَصدًا، وَخُطبَتُهُ قَصدًا.
رواه مسلم (٨٦٦) (٤١)، وابن ماجه (١١٠٦).

وَعَن أَبي وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ، فَأَوجَزَ وَأَبلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلنَا: يَا أَبَا اليَقظَانِ. لَقَد أَبلَغتَ وَأَوجَزتَ، فَلَو كُنتَ تَنَفَّستَ؟ ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِن فِقهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَأقصِرُوا الخُطبَةَ، وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحرًا.
رواه أحمد (٤/ ٢٦٣)، ومسلم (٨٦٩)، وأبو داود (١١٠٦).

وقوله: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصدًا وخطبته قصدًا؛ أي: متوسطة بين الطول والقصر، ومنه: القصد من الرجال، والقصد في المعيشة، والإكثار في الخطبة مكروه؛ للتشدُّق والإملال للتطويل…

وقوله: فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة: غير مخالف لقوله: كانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا؛ لأن كل واحد قصد في بابه، لكن الصلاة ينبغي أن تكون أطول من الخطبة، مع القصد في كل واحد منهما.
المفهم (٢/ ٥٠٣-٥٠٤).

المحراب

17 Oct, 15:31


(تعلق القلب بغير الله)

قال ابن القيم رحمه الله:
التعلق بغير الله. وهذا أعظم مفسداته [أي: القلب] على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن الله وأحجب له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى من تعلق به، وخذله من جهة من تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل! قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: ٨١ - ٨٢]، وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: ٧٤ - ٧٥].

فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت.

وبالجملة فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله، ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء: ٢٢] مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك، إذ قد يكون بعض الناس مقهورا محمودا كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموما منصورا كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محمودا منصورا كالذي تمكن وملك بحق، والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردى الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور!
مدارج السالكين (٢/ ٩٣-٩٤).

المحراب

17 Oct, 13:00


قال الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران : ٩٦].

قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله:
و(بَكَّةَ) موضع البيت، ومكة سائر البلد، عن مالك بن أنس.

وقال محمد بن شهاب: بكة المسجد، ومكة الحرم كله، تدخل فيه البيوت.

قال مجاهد: بكة هي مكة. فالميم على هذا مبدلة من الباء؛ كما قالوا: طين لازب ولازم. وقاله الضحاك والمؤرج.

ثم قيل: بكة مشتقة من الْبَكِّ، وهو الازدحام، تباك القوم: ازدحموا. وسميت بكة لازدحام الناس في موضع طوافهم. وَالْبَكُّ دق العنق.

وقيل: سميت بذلك لأنها كانت تدق رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم. قال عبد الله بن الزبير: لم يقصدها جبار قط بسوء إلا وقصه الله عز وجل.

وأما مكة فقيل: إنها سميت بذلك لقلة مائها وقيل: سميت بذلك لأنها تَمُكُّ المخ من العظم مما ينال قاصدها من المشقة من قولهم: مَكَكْتُ العظم: إذا أخرجت ما فيه، وَمَكَّ الفصيل ضرع أمه وَامْتَكَّهُ إذا امتص كل ما فيه من اللبن وشربه،…

وقيل: سميت بذلك لأنها تَمُكُّ من ظَلَمَ فيها، أي: تُهلكه وتُنقصه...
الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٠٨-٢٠٩).

المحراب

17 Oct, 03:15


عَن عَمرِو بنِ العَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا انكَسَفَتِ الشَّمسُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُودِيَ أَن الصَّلاةَ جَامِعَة، فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَينِ فِي سَجدَةٍ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمسِ. فَقَالَت عَائِشَةُ: مَا رَكَعتُ رُكُوعًا وَلا سَجَدتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطوَلَ مِنهُ.
رواه البخاري (١٠٥١)، ومسلم (٩١٠)، وأبو داود (١١٩٤)، والنسائي (٣/ ١٣٦ - ١٣٧).

المحراب

16 Oct, 16:36


قال الله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب} [ الشرح : ٧-٨ ].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قيل: إذا فرغت من أشغال الدنيا فانصب في العبادة وإلى ربك فارغب. وهذا أشهر القولين.
وخرج شريح القاضي على قوم من الحاكة يوم عيد وهم يلعبون فقال: ما لكم تلعبون؟ قالوا: إنا تفرغنا قال: أوبهذا أمر الفارغ؟ وتلا قوله تعالى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب} .

…فأمره أن تكون رغبته إلى الله وحده… وسؤال العبد لربه حاجته من أفضل العبادات؛ وهو طريق أنبياء الله وقد أمر العباد بسؤاله {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء:٣٢].
ولم يقل: ارغب إلى الأنبياء والملائكة…
مجموع الفتاوى (٥٣٨/٨)،(٤٩٥/٢٢)،(١٢٥/٢٧).

المحراب

16 Oct, 13:45


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَباكُما كانَ يُعَوِّذُ بِها إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ: أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّة، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّة، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة»
رواه البخاري (٣٣٧١).

قال ابن الجوزي رحمه الله:
المراد بكلمات الله قولان: أحدهما: أنه كلامه على الإطلاق، ولا نقص فيه، إذا كلام المخلوقين لا يخلو من نقص يعاب به.

وقال الخطابي: تمامها: فضلها وبركتها، وأنه لا تخفق معها طلبة.

والثاني: أنها أقضِيته وَعِدَاتُهُ التي تتضمنها كلماته، كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: ١٣٧] فكلمته هي قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٥] …

وفي الهامة قولان: أحدهما: أنها كل نسمة تهم بسوء، قاله ابن الأنباري.

والثاني: أنها واحدة الهوام، والهوام الحيات وكل ذي سم يقتل. فأما ماله سم إلا أنه لا يقتل فهي السوام، كالعقرب والزنبور. وأما ما يؤذي وليس بذي سم كالقنافذ والخنافس والفأر واليربوع فهي القوام. وقد تقع الهامة على كل ما يدب من الحيوان، ومنه قوله عليه السلام لكعب: " أيؤذيك هوام رأسك؟ " يعني القمل. رواه البخاري (١٧٢٠).

وقوله: " من كل عين لامة " … وقال أبو سليمان: اللامة: ذات اللمم، وهي كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل وغير ذلك.
كشف المشكل (٢/ ٤١٤-٤١٥).

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
في هذا الحديث من الفقه أن التعوذ بالقرآن يدفع الله به المكروه، وأن كلمات الله التامة، وهي القرآن لقوله عز وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:١١٥] …وقد روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه احتج بهذا الحديث على من قال بخلق القرآن، وقال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بمخلوق.
الإفصاح (٣/ ١٦٢-١٦٣).

المحراب

16 Oct, 12:30


( قصر الأمل )

قال ابن القيم رحمه الله:
فهو العلم بقرب الرحيل وسرعة انقضاء مدَّة الحياة، وهو من أنفع الأمور للقلب،…

ويكفي في قصر الأمل: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٧]
مدارج السالكين (٢/ ٨١-٨٢).

المحراب

16 Oct, 03:15


عَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنصَارِيُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الشَّمسَ وَالقَمَرَ لَيسَ يَنكَسِفَانِ لِمَوتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِن آيَاتِ الله، فَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَقُومُوا فَصَلوا.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا رَأَيتُم مِنهَما شَيئًا فَصَلُّوا وَادعُوا حَتَى ينكَشِفَ مَا بِكُم.
رواه البخاري (١٠٤١)، ومسلم (٩١١) (٢١)، والنسائي (٣/ ١٢٦)، وابن ماجه (١٢٦١).

المحراب

15 Oct, 16:31


عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ"، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى).
رواه أبوداود (١٤٩٥)، والبخاري في الأدب المفرد (٧٠٥)، وأخرجه النسائي في الكبرى (١٢٢٤) و (٧٦٥٤) وأحمد(١٢٦١١)، وابن حبان (٨٩٣).
قال الأرنؤوط رحمه الله :حديث صحيح.
سنن أبي داود (٦١٣/٢)

وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعَواتُ المَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْني إِلَى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لي شَأْني كُلَّهُ لا إله إِلَّا أَنْتَ"
رواه أبوداود (٥٩٠)، وأحمد (٢٠٤٣٠)، وابن حبان (٩٧٠).
قال الأرنؤوط إسناده حسن.
سنن أبي داود (٤٢٢/٧).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته إلى الملك المنصور حسام الدين:
…فإذا ناجى ربه في السحر واستغاث به، وقال: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث" أعطاه الله من المكنة ما لا يعلمه إلا الله.
جامع المسائل (٤٤٤/٧).

وقال ابن القيم رحمه الله:
ومن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة أن من أدمن من قول: «يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت» أورثه ذلك حياة القلب والعقل.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد اللهج بها جدا، وقال لي يوما: لهذين الاسمين ــ وهما الحي القيوم ــ تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم،…
مدارج السالكين (٧٨/٢).

وقال ابن القيم أيضا:
وفي تأثير قوله: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث» في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها؛ وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال. ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى هو اسم «الحي القيوم».

والحياة التامة تضاد جميع الآلام والأسقام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات.

ونقصان الحياة يضر بالأفعال، وينافي القيومية، فكمال القيومية بكمال الحياة. فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة كمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة. فالتوسل بصفة الحياة والقيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ويضر بالأفعال.
زاد المعاد (٤/ ٢٩٢-٢٩٣).

المحراب

15 Oct, 13:02


عَن ابنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ لِلصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى تكُونَا حَذوَ مَنكِبَيهِ، ثُمَّ كَبَّرَ،… الحديث
رواه أحمد (٢/ ١٣٤)، والبخاري (٧٣٦)، ومسلم (٣٩٠) (٢٢)، وأبو داود (٧٢١ - ٧٤٣)، والترمذي (٢٥٥)، والنسائي (٢/ ١٢١ - ١٢٢).

وَعَن وَائِلِ بنِ حُجرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَيهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ؛ كَبَّرَ - وَصف همام حِيَالَ أُذُنَيهِ -… الحديث
رواه أحمد (٤/ ٣١٦)، ومسلم (٤٠١)، وأبو داود (٧٢٣ - ٧٣٧)، والنسائي (٢/ ١٩٤).

قال ابن المنذر رحمه الله:
لم يختلف أهل العلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.

واختلفوا في الحد الذي إليه ترفع اليد عند افتتاح الصلاة.
ففى حديث ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين يكبر حتى تكونا حذو منكبيه.
وقال بهذا الحديث الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وفي حديث وائل بن حجر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - رفع يديه لما افتتح الصلاة حتى حاذيا أذنيه.

وقال بهذا ناس من أهل العلم، وقال بعض أصحاب الحديث: المصلي بالخيار إن شاء رفع يديه إلى المنكبين، وإن شاء إلى الأذنين، وهذا مذهب حسن.
قال أبو بكر: وأنا إلى حديث ابن عمر أميل.
الإشراف (٦/٢).

قال أبوالعباس القرطبي رحمه الله:
فذهب عامة أئمة الفتوى إلى اختيار رفعهما حذو منكبيه، وهو أصح قولي مالك وأشهرهما، والرواية عنه: إلى صدره. وذهب ابن حبيب إلى رفعهما حذو أذنيه، وقد جمع بعض المشايخ بين هذه الأحاديث وبين الروايتين عن مالك، فقال: يكون رسغاه مقابلةً أعلى صدره، وكفّاه حذو منكبيه، وأطراف أصابعه حذو أذنيه… وقال بعضهم: هو على التوسعة - وهو الصحيح.

قال ابن عثيمين رحمه الله:
قوله: «حذو منكبيه» أي: موازيهما. والمنكبان: هما الكتفان، فيكون منتهى الرَّفْعِ إلى الكتفين،…

وله أن يرفعهما إلى فُروع أُذنيه؛ لورود ذلك عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فتكون صفة الرَّفْعِ مِن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة.

والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة، هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه؟

والصَّحيح: القول الثاني الوسط، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ، ومرَّة على الوجه الآخر، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه؛ وكُلٌّ سُنَّة، والأفضل أن تَفعلَ هذا مرَّة، وهذا مرَّة؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ، وتركت الآخر مات الوجهُ الآخر، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة صار قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة، وهذا شيء مشاهد، ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» دائماً تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع «بسبحانك اللهم وبحمدك» مِن غير شعور؛ لأنه اعتاد ذلك، لكن لو كان يقول هذا مرَّة، والثاني مرَّة صار منتبهاً، ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد:

١ ـ اتِّباعُ السُّنَّة.

٢ ـ إحياءُ السُّنَّة.

٣ ـ حضورُ القلب.

وربما يكون هناك فائدة رابعة: إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى، كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ؛ فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف؛ فيقتصر …

…يمكن أن نتأمَّلَ لعلنا نحصُلُ على حكمة مِن فِعْلِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم. ونقول: الحكمة في رَفْعِ اليدين تعظيم الله عز وجل، فيجتمع في ذلك التعظيم القولي والفعلي والتعبُّد لله بهما، فإن قولك: «اللَّهُ أكبرُ» لا شكَّ أنك لو استحضرت معنى هذا تماماً لغابت عنك الدُّنيا كلُّها؛ لأن الله أكبرُ مِن كلِّ شيء، وأنت الآن واقفٌ بين يدي مَنْ هو أكبر مِن كلِّ شيء.
الشرح الممتع (٣/ ٢٨-٣٠).

المحراب

15 Oct, 03:15


عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ تَعَالَّى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا} قَالَ: نَزَلَت وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصحَابِهِ رَفَعَ صَوتَهُ بِالقُرآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ المُشرِكُونَ سَبُّوا القُرآنَ وَمَن أَنزَلَهُ وَمَن جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ} فَيَسمَعَ المُشرِكُونَ قِرَاءَتَكَ، {وَلا تُخَافِت بِهَا} عَن أَصحَابِكَ، أَسمِعهُمُ القُرآنَ وَلا تَجهَر ذَلِكَ الجَهرَ، {وَابتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبِيلا}؛ قَالَ: يَقُول بَينَ الجَهرِ وَالمُخَافَتَةِ.
رواه البخاري (٤٧٢٢)، ومسلم (٤٤٦)، والترمذي (٣١٤٤)، والنسائي (٢/ ١٧٧ - ١٧٨).

المحراب

14 Oct, 13:35


قال الله تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة : ١٦٦-١٦٧]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قال الفضيل بن عياض: حدثنا الليث عن مجاهد: هي المودات التي كانت بينهم لغير الله. …
فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم: هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا كانت لغير الله، ومنها الموالاة والصحبة والمحبة لغير الله. فالخير كله في أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مجموع الفتاوى (٧٣/٧)، (٦٠٦/١٠).

المحراب

14 Oct, 03:15


عن مطرف عن أبيه قال: أتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقرَأُ: {أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، قَالَ: وَهَل لَكَ يَا بنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلتَ فَأَفنَيتَ، أَو لَبِستَ فَأَبلَيتَ، أَو تَصَدَّقتَ فَأَمضَيتَ.
رواه أحمد (٤/ ٢٤)، ومسلم (٢٩٥٨)، والترمذي (٢٣٤٢)، والنسائي (٦/ ٢٣٨)

وقوله: (ألهاكم التكاثر) يعني: شغلكم الإكثار من الدنيا، ومن الالتفات إليها عما هو الأولى بكم من الاستعداد للآخرة، وهذا الخطاب للجمهور إذ جنس الإنسان على ذلك مفطور، كما قال تعالى: {كَلا بَل تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [ القيامة : ٢٠-٢١]
المفهم (٧/ ١١٠-١١١).

المحراب

13 Oct, 15:35


قال الله تعالى:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ }
[ البقرة : ٢٦ ].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
أي: كل من ضل به فهو فاسق. فهو ذم لمن يضل به، فإنه فاسق. ليس أنه كان فاسقا قبل ذلك. ولهذا تأولها سعد بن أبي وقاص في الخوارج وسماهم " فاسقين " لأنهم ضلوا بالقرآن. فمن ضل بالقرآن فهو فاسق.
مجموع الفتاوى (٥٨٨/١٦).