فالتعليم مثلاً: يجد الإنسان نفسه في طاحونة لا ترحم: بداية من اختيار الحضانة التي يلحق طفله بها، مروراً بكافة المراحل حتى يتخرج، و في ثنايا الرحلة الطويلة العقيمة يُستنزف الوالدان في تفاصيل لا حصر لها: مصاريف الدراسة، الزي المدرسي، الكتب، الكشاكيل، و سائر الأدوات المكتبية، و كيف يتم توصيل الأولاد للمدارس، التدريس في المدرسة من عدمه، اصحاب الولد في المدرسة وسلوكياتهم، الامتحانات، الدروس الخصوصية....إلخ.
و قس على هذا: الصحة و تفاصيل التعامل معها، العمل وتفاصيله، المصالح الحكومية والعذاب الأزلي في التعامل معها.
كل هذه التفاصيل تسحق آدمية الإنسان حرفياً.
و لا يخفى على أي عاقل أن هذه الدوامة ليست عفوية، و ليست عابرة... بل هي مقصودة و مدبرة بفعل فاعل !!
و الغرض من هذه الاستراتيجية معروف = ألا يكون في ذهن الإنسان أي مجال للتفكير في غير معركة الحياة التي لاترحم، و لا يكون في وقت الإنسان ذرة لإنفاقها في غير الدوران في تلك الدوامات اللانهائية.
المشكلة ليست في هذا... فخسارة الدنيا على فداحتها أمر عارض ينتهي بانتهاء تلك الحياة وشقائها.
المشكلة الحقيقية في خسارة الدين!!
إن الإنسان المنسحق تحت وطأة تلك الضغوط التي لا ترحم يخبو وهج الإيمان في قلبه بالتدريج، ومع لهاثه المتواصل في تلك المتاهة القذرة لا يكاد يجد وقتاً لتعاهد حاله مع ربه.
والخسائر تتفاوت... من ضعف الخشوع، و ذهاب حلاوة الطاعة، وفقدان أي معنىً للإيمان في الحياة، مروراً بالسخط، والكرب الشديد، حتى يصل الإنسان للانسلاخ عن دينه و إن لم يعلن الكفر البواح.
و للأسف!! نحن يُلقى بنا في أتون تلك المحرقة التي لا ترحم، ونحن لا نعلم بها أصلاً.
و إن تنبهنا لها... فلم يعلمنا أحد كيف نتعامل معها، و كيف نتعافى من آثارها.
إنها ليست مشكلة فرد، و ليست مشكلة عابرة...
هي مشكلة البشرية في الحياة المعاصرة.
و الحل؟!
الحل يحتاج إلى مشروع كبير تتضافر فيه جهود أهل الدعوة مع أهل التخصص والخبرة في مجالات علم النفس والسلوك، والتربية، والاجتماع... و غيرها.
مشروع مبتكر يشخص الداء جيداً... و يحدد الدواء جيداً....
و إلى أن يمن الله علينا بمثل هذا المشروع... فعلينا أن نشرع نحن في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وجودنا و مصيرنا...
و أول هذه الخطوات= أياك أن تترك نفسك في تلك الدوامة كل يوم بغير تدخل منك...
كل يوم جزء منك يمرض، و إن لم تداوه فقد يموت...
مجرد ورد ثابت يومي تقاتل عليه كما تقاتل على تفاصيل حياتك فيه نجاتك...
عمل قليل من نوافل الصلوات، وتلاوة شيء من القرآن، والمداومة على ورد من الأذكار= ليس بشيء قليل ، بل هو "التطعيم" الوقائي حتى لا تتفاجئ بأعراض الوهن الإيماني.
و قبل كل هذا: الصبر والاحتساب، والتوكل على مسبب الأسباب.
والدعاء بإلحاح.. كالغريق الذي يعلم أنه لا عاصم له مما هو فيه إلا الله.
باختصار الدواء موصوف في هذه الآية:
[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]
#إضاءات