تتعالى الأصوات هنا وهناك بالمطالبة بالمحاكمات للمجرمين أعوان الطاغية وزبانتيته، خاصة هؤلاء الذين ثبت أجرامهم بحق الشعب السوري...
وهناك نبرة انتقادية لشعار (اذهبوا فأنتم الطلقاء) و(اليوم يوم المرحمة) وغير ذلك من الشعارات التي أعلنت عنها القيادة للحراك الحالي.
وفي الحقيقة المسألة ليس فيها قولاً واحداً جامعاً مانعاً، فالمسألة لها تفاصيل وتعقيدات لا يدري بها إلا من هم أهل الحدث نفسه، والمسؤولون المطلعون على دقائق لا يعلم عنها إلا هم...
والقياس على ما حدث في فتح مكة لن يكون دقيقاً في حالتنا هذه، فالعفو عن أهل مكة كان له مقاصد أعلى ، وهو رجاء إسلام أهلها، وانشراح صدورهم لدين الله... وقد كان، وصار منهم بعد ذلك أهل القيادة والجهاد في سبيل الله، وفتح الله على أيديهم البلاد، ونفع بهم العباد.
والقياس على غزوة بني قريظة أيضاً ليس بالصواب، فالغزوة لها معطياتها، وهم كانوا قد نقضوا العهد وخانوا المسلمين وطعنوهم في ظهورهم في وقت حصار، ومعركة خطيرة وهي الأحزاب... فما حدث معهم يختلف عن الواقع هنا.
وربما القول بتأجيل القصاص والمحاكمات الآن له ما يدعمه من سنة الخلفاء الراشدين، فلقد قرر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه تأجيل القصاص من قتلة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فالوقت كان وقت قتنة، والأمور غير مستقرة، ولا يعني ذلك أنه قد عفا عنهم، لكنه رأى من المصلحة إرجاء القصاص منهم حتى تهدأ ثائرة الناس، وتستتب الأمور، وربما لو قرر القصاص من هؤلاء لثارت لهم قراباتهم، واشتعلت الفتنة من جديد.
فربما يقال أن هذا المسلك هو الأقرب للوضع الحالي.
البلد في حال من الاضطراب، وهناك مرحلة انتقالية قلقة... وهؤلاء المجرمون لهم عشائرهم، ولهم من يواليهم، ولهم من يدعمهم... وهناك تسويات وتفاهمات نحن لا ندري عنها شيئاً...
ربما كان الأنسب الآن هو الاهتمام بتهيئة الأوضاع الداخلية، وترميم الصدوع الرهيبة التي لحقت بالبلد طوال العقد الماضي...
والأهم هو الاستعداد والتيقظ لما يحاك لهم من الأطراف التي لا ترضى عن انتصار الثورة... وعن انتصار أي ثورة على العموم!!
وبعد استتباب الأمر... لنا كلام آخر!!