وجوابه من وجوه:
📍أولًا : إنّ أهل الإثبات اعتبروا أنّ التقابل بين "الداخل والخارج" في حق الله هو من قبيل النقيضين، أي السلب والإيجاب، ولأنّه يستحيل ارتفاع النقيضين مطلقًا، فمن رفعهما فقد لزمه إنكار وجود الله على مذهب أهل السنة، ومن هنا ألزموا المتكلمين والأشاعرة بإنكار وجود الله وفقًا لأصولهم.
📍ثانيًا : إنّ الأشاعرة والمتكلمين لم يلتزموا هذا اللازم، بل قالوا إنّه لا يلزمنا أصلًا إلا إذا اعتبرنا أنّ هذا التقابل من قبيل السلب والإيجاب موافقة لأهل الإثبات، وهذا ما لم يسلّموا به.
📍ثالثًا : إنّ التكفير في هذه المسألة من قبيل التكفير باللازم، والتحقيق عندنا أنَّ التكفير باللازم قول ضعيف متروك وأنَّ لازم المذهب ليس بمذهب، ولا يعني هذا صحة المذهب الأشعري، ومن رَامَ إلى تكفيرهم باللازم فله وجه عند بعض العلماء وإن كان مجانبًا للصواب عند جمهور أهل السنّة.
📍رابعًا : إنّ الخلاف السُنّي الأشعري ليس خلافًا حول وجود الله أو مباينته لخلقه، إنمّا الخلاف منحصر في وصف الله بأنه داخل العالم أو خارجه، وهل هو من جنس تقابل السلب والإيجاب أم المَلَكة والعدم، مما يؤكد على اتفاق الجميع على وجود الله وأنَّه ليس عدمًا.
📍 خامسًا : إنّ العدم يستحيل أن يُعبد، وإلا فهل شَرَّعَ العدمُ شرائع تُتَّبع؟!، وهل العدم يُصَلَّى له ويُسْجَد؟!، ثُمَّ كيف يكون الإله عدمًا عندهم وهم يعتبرونه "واجب الوجود" ؟!، كيف يكون واجبًا وعدمًا في نفس الوقت؟!
▪️قال فخر الدين الرازي الأشعري:(وَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ وَفِي صِفَاتِهِ عَالِمٌ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ وَذَلِكَ هُوَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى).اهـ مفاتيح الغيب
بل كيف يكون الإله عدمًا عندهم وهم قد أجمعوا على كفر من عبد غير الله؟!
▪️قال الإمام القرافي الأشعري :(وَلَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مَنْ نَفَى الرُّبُوبِيَّةَ أَوِ الْوَحْدَانِيَّةَ أَوْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ).اهـ الذخيرة
🌀 ومن هنا يتضح لك أنَّ اتّهام الأشاعرة بأنّهم يعبدون عدمًا هو من قبيل اللازم، ومن ألصق إليهم هذه الفريّة كحقيقة لمذهبهم فقد أبعد النُّجْعَة، ولم يفهم مذهب الأشاعرة ولا مذهب أهل السنة.
ولأجل ذلك قد تجد بعض العوام أو حتى العلماء ممن لم يفقهوا اصطلاحات المتكلمين والأشاعرة قد اندفعوا نحو تكفيرهم دون درايةٍ بحقيقة مذهبهم؛ ظنّا منّهم أنهم ينكرون وجود الله فعلًا بقولهم إنّ الله لا داخل العالم ولا خارجه.
أمّا من تحرر له أقوال المتكلمين والأشاعرة وكان على دراية بأصولهم فتراه يُغلّظ عليهم في الرد دون تكفيرهم والبراءة منهم كما فعل شيخ الإسلام في غير موطن.
▪️قال ابن تيمية عن علماء الأشاعرة:(الْغَزَالِي وَأَمْثَالِه مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تَكْفِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ دَفْعُ التَّكْفِيرِ عَنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَئُوا هُوَ مِنْ أَحَقِّ الْأَغْرَاضِ الشَّرْعِيَّةِ).اهـ مجموع الفتاوى
والكلام في هذا الباب يطول جدًا، وما ذكرته إلا نبذة تُعين العقلاء على فهم حقيقة المسألة ومتفرعاتها كصفة العلو وغيرها، ولعلنا نقف عليها في تقريرٍ آخر إنْ شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
┄┄༻💥💥💥🌷🌷💥💥💥༺┄┄
✍️ كتبه: أبو هريرة التميمي.
رابط القناة: t.me/fatawa2all
ٰ