سَبيلُ المُوحِّدين

" والتحاكم داخل في حدِّ العبادة التي هي: "الخضوع لله بالطاعة ، والتذلل له بالاستكانة " ، إذ هو خضوع لله بالطاعة أي: طاعة الله برد النزاع لكتابه وسنة رسوله وحده دونما سواه ، كما قال تعالى: ﴿ فَإِن تَنَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النِّسَاءِ :٥٩) ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتا ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَضَى: أَنَّ دِيَةَ مَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، فَقَالَ وَلِيُّ المَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ ، وَلاَ نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ : « إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهّانِ »

وعَنْ عَامِرٍ ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا خُصُومَةٌ فِي حَائِطٍ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : بَيْنِي وَبَيْنَكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَانْطَلَقَا فَطَرَقَ عُمَرُ الْبَابَ فَعَرَفَ زَيْدٌ صَوْتَهُ فَفَتَحَ الْبَابَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ ؟ فَقَالَ: " فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ " .

كتاب الهداية | الشيخ محمد بن سعيد الأندلسي.

قال ابن القيم في [ الوابل الصيب (ص٧٦) ] :

« والسَّخي قريب من الله تعالى ، ومن خَلْقِه ، ومن أهله ، وقريب من الجنة ، وبعيد من النار .
والبخيل بعيد من خَلْقِه ، بعيد من الجنة ، قريب من النار
فجُود الرجل يُحَبِّبُه إلى أضداده ، وبخله يُبغِّضه إلى أولاده » ا.ھ

مَن لِلعَقِيدَةِ كَي يَلُمَّ شِعَاثَهَا..
ويَذُودُ عَنهَا بِالدَّمِ المِسفَاحِ؟

مَن لِلعَقِيدِةِ كَي يُجِيرَ ضَيَاعَهَا؟
ويُغيرَ عَنهَا بِالسَّنَـا الوَضَّـاحِ!

مَن لِلجِهَادِ يُعِيدُ لَهُ أمجَادَهُ؟
ويُحَطِّمُ رَأسَ الكُفرِ والطُّغيَانِ!

لا يمكن لشخص مهما بلغ ذكاؤه أن يعرف الإسلام الصحيح بمفرده وباجتهاده هو فقط ، بل لابد أن يكون له موجِّهٌ وقائد يقوده إلى هذا الخير ، ولو فرضنا أن فردا من الناس بلغ عقلُه مبلغَ عقلِ زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله وأصاب جزءا من الحق فإنه سيبقى جزءٌ آخر وربما أكثر لا يدركها إلا بالموجِّه والمرشد المستقيم .

وهذا سبب إرسال الله الرسل لأقوامهم لينذروهم ويذكروهم بالميثاق الذي أُخِذ عليهم ، ويُزيحوا عن عقولهم الصّدأ الذي أنتجته ظلمات الشرك والوثنية ليقفوا حينها على الحق المبين ، ولو كان هذا الحق يدركه كل أحد بمفرده واجتهاده لمَا كان لبعث الرسل فائدة إلا لتقرير ما هو مقرر فيكون الحال عندئذ تكرار لما هو معلوم ، والله سبحانه منزَّه عن مثل هذا ، فأفعاله فيها الحِكمةُ البالغة .

إذا فهمتَ هذا أدركتَ جهل من يزعم أن الحق يمكن أن يدركه أي أحد بدون شيخٍ أو معلم يرسم له الطريق ، ومن هؤلاء الحمقى من أضحك العقلاء بجهله فزعم أن أخذ الحق والعلم الصحيح عن شيخٍ مسلم عبادة له من دون الله!! وهذا التصور من جملة البدع الحادثة في هذا الزمان ولم يعرفها الناس منذ الزمن الأول ؛ فظهر قوم جهال الحال والعين لم يُعرفوا بطلب العلم ولا تحصيله ، ومنهم قوم كسالى أرادوا صدّ طلبة العلم عن سبيل الله فأوحى إليهم إبليس بمثل هذا البهرج والتلبيس .

والجادة الصحيحة المطروقة عند السلف ومن بعدهم إلى يومنا أن العلم الشرعي - أصلا وفرعا ، توحيدا وفقها - لابد فيه من معلم وشيخ حتى يأمن الطالب من سوء فهم أو تحريفٍ لدين الله تعالى ، وقد كان أخذ الحق والعلم عن شيوخ السنة منقبة عند الناس ، بل من لم يُعرف بمجالسته لأهل العلم لا يُروى عنه شيء ولا يعتدُّ به عند أصحاب الحديث .

نعم ، نحن لا ندعو الناس إلى التتلمذ على شيوخ الكفر والشرك ، ولكن في كل زمان لابد أن يكون قائم لله بالحجة يدعو إلى دين الله تعالى وينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ويقيم الحجج والدلائل على صدق دين الرسول ﷺ وإنِّي لأحسب الشَّيخ محمد بن سعيد الأندلسي - لطف الله به - من أولائك ولا نزكيه على الله تعالى ، وكل طالب علمٍ على اعتقاده فهو أهلٌ لأن يُؤخذ عنه العلم أيضا .

كتبه || العتيق أبو البراء - غفر الله له - .

رسالة نافعة في بابها .

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :

« اتقوا الله معشر القُـرَّاء ، وخذوا طريقَ من كان قبلكم ، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. - أو قال: مُبينا - ».

رواه البخاري (٧٢٨٢)

" إنَّ الكافر إذا أسلم للّٰه حقا تتغيّر في ذهنه المعايير التي كان يقيس بها أمور الحياة ، وتقوم عنده أمور وتسقط أمامه أخرى ، لأنه خرج من حياة إلى حياة أخرى ، وانفصل حاضره عن ماضيه ، فيتغيّر اعتقاده في الحياة جذريا لا سطحيا ، فما كان في كفره اعتقادًا استبدل به اعتقادًا آخر ، وما كان فعلا استبدل به فعلا غيره .

وليس المطلوب من المرء بإسلامه أن يقوم ببعض الشعائر ويُصدِّق بوجود الله واليوم الآخر وغيرها ، ثم يبقى على ولائه لما كان يواليه ، ويسيِّر حياته على ما كان عليه ، ويحيىٰ حياةً كالتي كان يحياها ، ولا يُغيِّر نظرته حتى إلى أولئك الذين كان على عقيدتهم ثم فارقهم بسببها " .

قال ابن عقيل الحنبلي: « لم يكن [ النبي صلى الله عليه وسلم ] قبل البعثة على دين سوى الإسلام ، ولا كان على دين قومه قط. بل وُلد مؤمنا نبيا صالحا على ما كتبه الله تعالى وعَلِمَه من حاله وخاتمته لا بدايته » .اھ

📚| شرح الكوكب المنير (٤ /٤٠٩)

مقالٌ عمليٌّ طيِّب ، ننصحُ المُسلمين بقراءته .