بسّام حجّار

الغرفةُ- باستثناء قبلتكِ- خالية.

وأنه عاش ومات،
وأنه مات لأن الموت حكاية
والحكاية هي ما يبقى
أو ما يزول
أو ما يُروى
ليس يدري لأن الكلام مشقة

لكنّني الآن لو أتيح لي أن أختار مصيري من جديد لاخترتُ [...] أن أكون أقلّ ذكاءً وتفهّماً للأمور لكي لا يقتلني إحساسي بأنني كئيب وبأنّ هؤلاء الذين أخاف على مصائرهم لم يحسنوا الاختيار. وبأنّني ضالع في كلّ شيء. لأنّني أرى. أسمع. وما زال النبض يرهق قلبي.

الانفراد

و من انفرد فكر وتوهم واستوحش وتخيل، فرأى ما لا يرى وسمع ما لا يسمع». (ابن قتيبة). والانفراد ارتياب وتفرق. (الجاحظ)، وسفر في أرض فضاء. (الأزهري). والأرض الفضاء هي كل أرض إذا اتسعت، إذا أصحرت فلا يبين حدّ لها وكانت «شبهاً» كمثل بطلان الكلام إذا كان عبارة المدرك بالوهم. (ابن سينا ) أي المعنى. والانفراد إقامة في الأرض الفضاء على غير منتهى أو حد.

كتاب الرمل

الآن أعلم أنني سأغفو
حين يخطر لي أن يداً، لكِ،
تلوح لي بصباح آخر.
فأنهض باشراقتها.

يذهب مبتسمًا
‏ويعود مبتسمًا
‏فتنشغل أمي بالفارق الطفيف بين الابتسامتين

بلى سَمعتُ جلبة انهيار، في الصباح الباكر، ولكني حسبت أن الجدران، على جاري عادة الجدران، تَرُوضُ نَفْسَها على التداعي، بلا سبب، فقط لأن من طبع الجدران الوقوف ثم التداعي ثم الوقوف، كأن الغاية من كل شيء تمام قَدَره ولا بقاء للفانين أمثالنا والجدران.

الإصغاء ميلٌ
إليك

"ثم عاد إلى الثعلب فودعه الثعلب وقال: أما السر الذي وعدتك بالكشف عنه فهو على غاية من البساطة: لا يرى المرء رؤية صحيحة إلا بقلبه فإن العيون لا تدرك جوهر الأشياء، فردد الأمير كلام الثعلب خشية أن ينساه". | سانت أكزوبري: الأمير الصغير

"وقال لي اذكرني كما يذكرني الطفل وادعُني كما تدعوني المرأة". | النفري

"أن أكون فقدت الصمت، أمر لا يجعلني أنجو من ندمي عليه. فأنا لا أستطيع أن أصف مأساة الرجل الذي، في يوم ما، بدأ الكلام". | موريس بلانشو: وقف الموت

القارئ شاعر بطريقة ما. بسام أحد القراء الشعراء، بدليل الاقتباسات التي يبدأ بها بعض قصائده من ديوان صحبة الظلال:

كأنَّها تسقطُ في نومِ الساهرين
تنفضُ الدخانَ والهمسَ إلى الغرفةِ المجاورة.
ألفةُ الأشياء تدفعُ الأشياءَ.
إلى ظلالها،
والأسرَّةُ تنتظرُ العائدين إليها
من الضوءِ
والأحاديثِ
والوجوهِ المتفرِّقة.
كيف نجمعُ الكأسَ إلى حطامِها؟
الكؤوسُ تحفظُ في البقايا صدى الارتشاف
ظِلّ الرجلِ الّذي ينكسرُ في زاويةِ الحائط
الستائر الّتي تصدُّ الشارعَ
والأقدام الغريبة.
النافذة.
اليد التي تقشَعُ ظلَّها.
المصافحة الّتي تغلقُ الضحكةَ الأخيرة.
الباب،
الأرائك والمقعد الخشبي.
ظِلّ الرجل الّذي يخرجُ من النافذة.
ظِلّ الرجلِ الّذي يعودُ
كما في المرَّةِ السابقة.
ظِلّ الرجلِ الّذي لا يعود.

كانت أسنان تلمع
وعيون تطردُ النعاسَ والتعبَ
إلى يوم آخر.

إنه القرب الذي يلغي الحكاية
لأن الحكاية تأتي دوماً من بعيد

عادةُ العينين أن تُبصرا
كما الأقدامُ أن تسير والقلبُ أن ينبُضَ،
وعادةُ اليدينِ أن ترتبكا وتبحثا
عمّا تفعلانِه استدراكًا لفراغِ الوقتِ،
لبطالةِ الأشياء

على الصدرِ
‏أو بينَ الصِدغين
‏الأيدي تأخُذُ
‏من هُنا الصخرةَ
‏من هُناك الألمَ
‏في رَاحتها

إبرة تسحب الخيط
بين التخاريم
أصابع تومئ
ويد تقلّد ظلّها
على الجدار.

لا الرشاقة
بل الألم.

شمعة

هل يأتي غرباء
في معاطفهم
ليلٌ
كالذي نضيئه بالخوف والشموع

إستعيدي من الهواء
عطركِ

ونسمة العرق الخفيف
جسمكِ الشمعدان الذي أطمره خوفا
جسمكِ الليل على آخره.

كأنك تحصي شيئاً ما يغلبك،
شيئاً يستغرق عمرك ولا ينتهي.
ولا ترغب في أن ينتهي،لأنك،
بعد ذلك،ماذا تفعل.
ماذا تصنع بيديك.بعينيك المتعبتين ؟

فما الذي بقي؟
لم يبقى شيء ليغادرك، فلا تنتبه
تصبح ظلاً
بين الظلال الكثيرة.

المرأة الطيف،
التي لا تُشهر ما يجعل منها محل رغبة بل تترك في عبورها أثراً غير ماديّ،
خفيفاً، لكنه يتريّث ويدوم في حاسّةِ
العاشق ومتخيله

لا أخاف الآن أن يأخذني حلمٌ رمادي إلى هاويةٍ لا قاع لها، أعلم أن راحةَ يدكِ اليمنى تفتح لي بابًا إلى ضوءٍ قرين، وأن وجهي يحفظُ كحريقٍ ملمس راحةِ يديكِ اليسرى.

وأدرك أنّي سرت
‏لأنّي لا أريد أن أصل
‏ولم أسرد حكايةً حين أردتّ
‏بل ضوءًا على جدار.

كلّ الأشياء، تتلاشى من حولك،
وتصبح أطيافاً أو ظلالاً تخفت في عينيك ثمّ تنطفئ
كأنّك لم تكن أنت أو أنّك لم تبقَ الآن أنت. أحدكما ذهب ولم يعد. فتح باباً في مكان ما، دخل وجلس ولم يعد، وجد ما يشغله في مكان آخر، أناساً آخرين، وأحاديثَ أخرى، اغتبط وقرّر أنّ ذلك مكانه الجديد. ارتضاه وما عدت تعرف عنه شيئاً. لا في المَحاضر ولا في البيانات. ذهب وقُضي الأمر.