والرد على هذا الإدعاء في ثلاث نقاط:
* أولا وقبل كل شيء، نحن لا نسلّم أصلا بأن هذه الأعداد التي تملأُ القاعات والساحات تمثل الشريحة الأوسع من الشعب السعودي، ولا يملك المدعون أي إحصائية أو دليل على ذلك سوى زوايا تصوير الكاميرات ..
ولا نسلم أيضا أن هؤلاء المنحرفين اليوم كانوا مستقيمين بالأمس ثم انتكسوا. وقد تكون هي نفس الفئة المترفة من سكان الحواضر مثل الرياض وجدة والتي كانت منذ زمن ترفض ما تسميه مظاهر "الرجعية والأوصولية الدينية" وتتبنى علمنة المجتمع والتأثر بالتغريب والحداثة حتى قبل ظهور هيئة الترفيه والتوجه الأخير لبن سلمان (قهره الله) ..
وهناك مظاهر أوسع بكثير من التمسك بالستر والحشمة ومدارس القرآن وطلب العلم رجالا ونساءً، وحملات إنكار شعبية واسعة ميدانية وفي مواقع التواصل ..
* المجتمع السعودي لم يكن تحت سلطة دينية (كما يزعمون) ثم رفعت قيود هذه السلطة فقط وخُلِّي بينه وبين فطرته، بل تعرض لتوجيه عنيف من سلطة دينية أخرى (دين العلمانية) هي التي قادت موجة الجنون الغنائي والحفلات ومولتها بسخاء وسخرت لها الإعلام واعتقلت كل من يمكنه أن يعارضها وجففت منابع الدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فهل هذه حالة يقاس عليها في تقييم توجهات المجتمع نحو الخير أو الشر؟
* هذه الحياة الدنيا دار بلاء واختبار، والمسلم يتقلب فيها بين إحسان وتقصير، والإيمان يزيد وينقص بالعمل، وحفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، ومناط تكليف الإنسان في الدنيا هو الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، وفي سبيل ذلك أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين وسنّ بهم الدعوة إلى سبيله والنصيحة لصالح المسلمين، وشرع تشريعات (بحكمته البالغة) يردع بها النفوس عن الزيغ والإنحراف وجعلها من واجبات ولي أمر المسلمين يزع بها بالسلطان ما لا يزعه بالقران، فقد سبق عنده في علمه أنه سيكون عصاة وفسقة ومجرمون رغم بلوغ الرسالة وقيام الحجة فكانت شريعته ضابطة ملزمة ...
ومن يسخر من إلزام المجتمع بالضوابط الشرعية من طرف السلطة بحجة أنها تولد مجتمعا منافقا يلتزم إذا حضرت الرقابة ويعصي إذا غابت فإنه يسخر ضمنيا من شريعة الله الحكيمة التي جمعت بين تكرار النصيحة والدعوة والتوجيه والترغيب في الطاعة وفتح الباب للتوبة وستر العاصين، وأوامر لازمة التنفيذ ملزمة للجميع دونها حدود وتعزيرات واجتهاد من العلماء والحكام في تنفيذها. فضلا على أنه يجادل في أمر إنساني بديهي قامت من أجله القوانين والدساتير لضبط شؤون الناس وحقوقهم، ولكن الحقيقة أنهم لا يريدون إنضباطا بالوحي يحد من مشاريع الهوى والشهوات ولا يعتبرونها من حقوق الناس بين بعضهم ولا يرعون حق الله في خلقه ولا غضبه أو رضاه ..
ملاحظة: (من باب توضيح الواضحات)
لا يعني هذا الكلام أن ما كانت عليه السعودية قبل بن سلمان هو عمل بالشريعة كما يجب، ولا نقبل باختزال شرع الله في الحفاظ على مظاهر تدين عام، ولكن ما كان من تشديد على مظاهر التبرج ومنع الاختلاط والمخادنة واستحالة حدوث اختراقات شيطانية كالتي نراها اليوم لهو خير كله ومن المعينات على حفظ المجتمع.
[د. محمد العريبي]