= لا بأس يا ابنتي، اصبري، فهذه شهادتك التي تستحق التعب، وهي فترة وتمر، كلها خمسة/ستة/ سبعة/.. سنوات وتمضي..
---
- أشعر بالدوار من طول يومي في العمل، لم أعد أقوى على رفع رأسي بعد كل هذا الوقوف والكلام والتعامل مع الناس..
= هذه هي الحياة يا صديقتي، اصبري على عملك وتمسكي به فكم من فتاة تتمناه، وستعتادين عليه مع الوقت..
---
- كم تعبت من مشاق العناية بأطفالي الصغار وببيتي، أشعر بأن عمري يضيع معهم.. لقد مللت من روتين البيت ومن العناية بحاجات أهله..
= ألم أقل لكِ أن لا تكثري من الأولاد؟ ألم أخبرك بأنه كله تعبٌ وشقاء؟ وعلى ماذا؟ لا شيء يستحق! تفنين جسدك وصحتك "عالفاضي"! يضيع منكِ شبابك وعمركِ على لا شيء!
انظري لمن هم في مثل شهادتك كيف يعملون ويحصلون الرواتب ويتدللون وأنتِ في مكانك! "يا ضيعان" ذكائك وطموحك الذي كان!
---------------------
أرأيت التناقض؟ رأيت الصبر والتصبير على جهاد النفس في سبيل المجد الفرداني الدنيوي الذي كثيراً ما يكون زائفاً وغير موجود ومناقضاً للأولويات الحقيقية، مقارنة بتبخيس الصبر بل والمنع منه في سبيل المجد والنجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة؟
قد تبدو حواراتٍ مختصرةً جداً، قد تبدو فجةً في تناقضاتها حين نقرأها كذلك بجوار بعضها، لكنّ هذا هو التناقض الذي نراه ونسمعه كل يومٍ تقريباً..
اصبري على طول سنين الجامعة لأجل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة أو الطب أو الهندسة، لكن لا تصبري على سنين طفولة أبنائك والعناية بهم وإعطائهم الأولوية في حياتك، اصبري على دراسة مواد لا تحبينها لكن لا تصبري على صفةٍ لا تحبينها في زوجك..
اصبري على مشاق العمل لأنه مجالك "للمساهمة في المجتمع" وتحصيل الراتب والاستغناء عن نفقة الزوج أو الأب، لكن لا تصبري على بناء العلاقة بالزوج أو رعاية الأبناء أو تهيئة جو البيت لهم أو تحضير وجبة الطعام التي ستحيي نفوس وأجساد أقرب الناس إليكِ...
تعلّمي مهارات التواصل مع الزملاء والمدراء والعملاء واجتهدي لتبدي أمامهم بأفضل صورة بلاستيكية ممكنة، لكن لا تكترثي بتقديم نفسك للأسرة التي هي أول من يهتم بكِ وأكثر من يحبك ولا يستطيع الاستغناء عنكِ أو استبدال غيرك بكِ..
يقولون: "لمَ تتشددون؟!"، "اتركوا مجال الحرية ليختار كلّ شخصٍ ما يريد!"
والحقيقة أنهم هم المتشددون في إجبار الجميع على دربٍ واحدٍ، في جعله الخيار الوحيد الذي ينبغي تحمّل المشاق ومجاهدة الفطرة في سبيله، في انتقاص من لا يسير عليه وفي تصعيب حياته وإشعاره بالنقص والدونية والوحدة والغربة عند كلّ عقبةٍ أو صعوبة..
وهم من يسلبون من المرأة حقها الأصيل حين يتعاملون مع اختيارها ما يناسب أولوياتها الشرعية على أنها كسولةٌ أو مضيعةٌ لعمرها أو لا طموح لها..
فالخيارات ليست سواءً حين تكون الأولويات واضحةً وهناك من يسير بحسبها وهناك من يتجاهلها، وادعاء أنها جميعاً متماثلةٌ هو الظلم الذي يضيع الحق ويحوّله لخيارٍ أدنى لا يستحق الصبر ولا تُرى ثمراته وفوائده جيلاً بعد جيل...
- تسنيم راجح.